فقول بعضهم : «إنّ نجاسة البئر بغير منجّسٍ معلومُ البطلان إذ الفرض إسلام الجنب وخُلُوّ بدنه من العينيّة» (١) قد ظهر منعه ، بل هو بمنجّسٍ ، فإنّ الذي نجّس غيره بتلك الأشياء هو الذي نجّسه بهذا الشيء على الوجه المخصوص.
ولو غلّبنا في النزح جانب التعبّد كما هو ظاهر الشيخ في التهذيب (٢) واختيار بعض (٣) المتأخّرين فالإشكال مرتفع من أصله.
والذي اختاره المصنّف في المختلف تبعاً لشيخه المحقّق (٤) أنّ الحكم بالنزح ؛ لكونه مستعملاً ، فيكون النزح لسلب الطهوريّة (٥).
ويشكل بإطلاق النصوص ، وبحكم سلار وابن إدريس وجماعة من المتأخّرين بوجوب النزح مع طهوريّة المستعمل عندهم (٦) ، وباستلزامه القول بعدم وجوب النزح ؛ لأنّه فرّعه على القول بسقوط طهوريّة المستعمل وهو لا يقول به ، فيلزم عدم القول بالنزح.
ويتفرّع عليه اشتراط النيّة والحكم بصحّة الطهارة لكون الانفعال مسبباً عنها ومتأخّراً. ورواية أبي بصير عن أبي عبد اللهُ دالّة عليه ، حيث سأله عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها ، قال : «ينزح منها سبع دلاء» (٧) والروايات الباقية كما لا تدلّ على اشتراط الاغتسال الشرعي ، كذلك لا تنافيه ، فيحمل مطلقها عليه جمعاً بين الأخبار.
فيندفع بذلك ما أورده المحقّق الشيخ عليّ من خُلُوّ الأخبار عنه أو كونها أعمّ حتى التزم بعدم الحكم بطهره لقول الصادق عليهالسلام في خبر عبد الله بن أبي يعفور : «لا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم» (٨) فإنّ النهي المستفاد من الرواية يقتضي فساد الغسل لأنّه عبادة ، فلا يطهر الجنب (٩).
ويجاب : بمنع أنّ النهي عن العبادة ، بل عن الوقوع في الماء وإفساده ، وهو إنّما يتحقّق
__________________
(١) القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٤٣.
(٢) التهذيب ١ : ٢٣٢.
(٣) كالعِمة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ٦٨.
(٤) انظر المعتبر ١ : ٧١٧٠.
(٥) مختلف الشيعة ١ : ٥٥ ، المسألة ٢٩.
(٦) المراسم : ٣٤ و ٣٦٣٥ ؛ السرائر ١ : ٦١ و ٧٩ ؛ الجامع للشرائع : ١٩ و ٢٠.
(٧) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٢.
(٨) الكافي ٣ : ٦٥ / ٩ ؛ التهذيب ١ : ١٥٠١٤٩ / ٤٢٦ ؛ الاستبصار ١ : ١٢٧ ١٢٨ / ٤٣٥.
(٩) جامع المقاصد ١ : ١٤٣.