وأمّا أصحابنا فرووا عن الأئمّة عليهمالسلام إذا كان الماء قدر كُرّ لم ينجّسه شيء وهذا صريح في أنّ بلوغه كُرّاً هو المانع لتأثّره بالنجاسة ، ولا يلزم من كونه لا ينجّسه شيء بعد البلوغ رفع ما كان ثابتاً فيه ومنجّساً قبله ، والشيخ رحمهالله قال : لقولهم عليهمالسلام. ونحن فقد طالعنا كتب الأخبار المنسوبة إليهم فلم نر هذا اللفظ ، وإنّما رأينا ما ذكرناه. ولعلّ غلط مَنْ غلط في هذه المسألة لتوهّمه أنّ معنى اللفظين واحد (١). انتهى. وهو كلام جيّد في موضعه.
وما يقال من أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد المحكوم بكونه حجّةً عند جماعة من المحقّقين كافٍ في ثبوت الخبر وإن لم يسند ، إنّما يتمّ من ضابطٍ ناقدٍ للأحاديث ، لأمن مثل هذا الفاضل وإن كان غير منكور التحقيق ، فإنّه لا يتحاشى في دعاويه ممّا يتطرّق إليه القدح ، وقد بيّنّاه هنا وقد طعن فيه بذلك جماعة من فضلائنا من أهل عصره وغيره ، والله يتولّى أسرار عباده.
(ويطهر) الماء القليل المتنجّس (بإلقاء كُرّ عليه دفعة) واحدة بمعنى وقوع جميع أجزاء الكُرّ في زمانٍ قصير بحيث يصدق اسم الدفعة عليه عرفاً لامتناع ملاقاة جميع الأجزاء في آن واحد ، فكان المرجع في ذلك إلى الاستعمال العرفي ، كما يقال : جاء القوم دفعة ، ونحوه. وقد تقدّم (٢) الكلام في ذلك.
وما ذكر من التطهير بإلقاء الكُرّ ليس على وجه الانحصار فإنّه يطهر أيضاً بوصول الماء الجاري إليه عند مَنْ لا يعتبر فيه الكثرة ، وبنزول ماء المطر عليه ، وبما ذكرناه من اتّصاله بالكثير الباقي على كثرته بعد الوصول ؛ إذ لا يختصّ الحكم بالحمّام بعد اشتراط كثرة المادّة. وكذا يطهر بالنبع من تحته إذا اشتمل على قوّة وفوران ، لا ما يرشح رشحاً لعدم الكثرة الفعليّة.
وهذا كلّه إذا لم يتغيّر ، وإلا لم يطهر بذلك إلا مع زوال التغيّر.
نعم ، لو بقي المتغيّر متميّزاً عن الكُرّ أو الجاري ، كفى في طهره التموّجُ حتى يزول التغيّر ، كما سلف (٣).
__________________
(١) المعتبر ١ : ٥٢ ـ ٥٣.
(٢) في ص ٣٧٨.
(٣) في ص ٣٧٩.