ووجه دلالته على ما نحن فيه أنّه حصر أقسامها في الناسية والذاكرة والمبتدئة ، ولا يخفى أنّ مَنْ لم تستقرّ لها عادة بَعدُ لا تدخل في الناسية ولا في الذاكرة لعادتها ، فلو لم تدخل في المبتدئة ، بطل الحصر الذي ذكره عليهالسلام.
ولا يقال : إنّ قوله عليهالسلام في تعريفها وإن لم تكن لها أيّام قبل ذلك واستحاضت أوّل ما رأت يدلّ على خلاف مطلوبكم ؛ لأنّه فسّر المبتدئة بأنّها مَنْ تستحاض في أوّل الدور.
لأنّا نقول : إنّ أوّل التعريف صادق على المدّعى ، وإن اجري آخره وهو أنّها التي استحاضت أوّل ما رأت على ظاهره ، بطل الحصر ، فلا بدّ من حمله على وجه يصحّ معه الحصر ، وهو أن يريد بالأوّليّة ما لا تستقرّ فيها العادة بَعدُ ، وهو أوّل إضافيّ يصحّ الحمل عليه ، وقد دلّ عليه مواضع من الحديث : منها : ما هو داخل فيما حكيناه من لفظه.
ومنها : ما أضربنا عن حكايته ؛ لطوله.
وهو حديث شريف يدلّ على أُمور مهمّة في هذا الباب ، وسيأتي الكلام على سنده إن شاء الله تعالى.
ويمكن أن يكون بياناً لبعض أفرادها أو للأغلب (١) منها ؛ فإنّ العادة مع استواء الدم تستقرّ في أيّام يسيرة ، والغالب أنّ المرأة إذا استقام لها حيضة في الابتداء في شهر يتمّ لها ذلك في الشهر الثاني. وأمّا إن عرض لها ما يمنع استقرار العادة في هذه المدّة اليسرة ، فالأغلب وقوع العارض من أوّل الأمر.
وبالجملة ، فلا بدّ من تصحيح الحصر بوجه.
وبأيّ معنى فسّرنا المبتدئة فإنّها متى فقدت التمييز رجعت (إلى عادة أهلها) وهُنّ أقاربها من الطرفين أو من أحدهما ، كالأُخت والعمّة والخالة وبناتهنّ ؛ لتقارب الأقارب في الأمزجة غالباً. ولا اختصاص للعصبة هنا ؛ لأنّ الطبيعة جاذبة من الطرفين.
وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، وعليه عملهم ، والموجود على وفقه روايتان : إحداهما : رواية زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال المستحاضة تنظر
__________________
(١) في «م» : «الأغلب».