كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين)؟ (١) ومن القوم الذين عناهم الأسدي بقوله : (كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به)؟ هل المراد يوم السقيفة أو يوم الشورى؟
فقال : يوم السقيفة.
فقلت : إن نفسي لا تسامحني أن أنسب إلى الصحابة عصيان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ودفع النص.
فقال : وأنا فلا تسامحني أيضا نفسي أن أنسب الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى إهمال أمر الأمامة ، وأن يترك الناس فوضى سدى مهملين ، وقد كان لا يغيب عن المدينة إلا ويؤمر عليها أميرا وهو حي ليس بالبعيدعنها ، فكيف لا يؤمر وهو ميت لا يقدر على استدراك ما يحدث!
ثم قال : ليس يشك أحد من الناس أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان عاقلا كامل العقل ، أما المسلمون فاعتقادهم فيه معلوم ، وأما اليهود والنصارى والفلاسفة فيزعمون أنه حكيم تام الحكمة (٢) ، سديد الرأي ، أقام ملة ، وشرع شريعة ، فاستجد ملكا عظيما بعقله وتدبيره ، وهذا
__________________
(١) نهج البلاغة للأمام علي ـ عليه السلام ـ من كلام له برقم : ١٦١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص ٢٤١.
(٢) تنصيب الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ في نظر الأمامية وحي من الله تعالى ، فإن الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما قال تعالى عنه : (وما ينطق عن الهوى ، إن هو الا وحي يوحى) سورة النجم : الاية ٣ و ٤ ، وأما هذا الجواب الذي ذكره العلوي فهو جواب لمن لا يعتقد بعصمته ، أو لا يعتقد بنبوته كاليهود والنصارى الذين يرونه حكيما من الحكماء ، أو ملكا من الملوك ، فالمناظر هنا يريد أن يثبت في استدلاله أنه حتى لو لم يكن نبيا بل كان ملكا أو حكيما فإنه لا بد أن ينصب علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ للأمور المذكورة وغيرها ، فإذا تم هذا فمن باب أولى بالنسبة لمن يعتقد بنبوته وعصمته أن يعتقد بوجوب النص على أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ.