قال هشام : قال فنظرت فإذا أنني قلت : بأن عليا ـ عليه السلام ـ كان مبطلا كفرت وخرجت عن مذهبي ، وإن قلت : أن العباس كان مبطلا ضرب الرشيد عنقي ، ووردت علي مسألة لم أكن سئلت عنها قبل ذلك ، ولا أعددت لها جوابا ، فذكرت قول أبي عبد الله الصادق ـ عليه السلام ـ وهو يقول لي : (يا هشام لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك) (١). فعلمت أني لا أخذل ، وعن لي الجواب.
فقلت له : لم يكن من أحدهما خطأ ، وكانا جميعا محقين ، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود ـ عليه السلام ـ ، حيث يقول الله جل اسمه : (وهل أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب) الى قوله : (خصمان بغى بعضنا على بعض) (٢). فأي الملكين كان مخطأ وأيهما كان مصيبا؟ أم تقول إنهما كانا مخطئين ، فجوابك في ذلك جوابي بعينه.
قال يحيى : لست أقول : إن الملكين أخطأ ، بل أقول : إنهما أصابا وذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة ، ولا اختلفا في الحكم ، وإنما أظهرا ذلك ، لينبها داود ـ عليه السلام ـ على الخطيئة ويعرفاه الحكم ويوقفاه عليه.
قال هشام : كذلك علي والعباس لم يختلفا في الحكم ولا اختصما في الحقيقة ، وإنما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبها أبا بكر على غلطه ويوقفاه على خطيئته ، ويدلاه على ظلمه لهما في الميراث ، ولم يكونا في ريب من أمرهما ، وإنما ذلك منهما على ما كان من الملكين.
فلم يحر يحيى جوابا ، واستحسن ذلك الرشيد (٣).
__________________
(١) راجع : تنقيح المقال للمامقاني ج ٣ ص ٢٩٤.
(٢) سورة ص الاية ٢١ و ٢٢.
(٣) الفصول المختارة ج ١ ص ٢٦ ، عيون الاخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ١٦٦ ، العقد الفريد ج ٢