استدلالهم بالإجماع : والإجماع المحكي هنا ، هو إجماع الصحابة ، وتقريب الاستدلال به هو : أنّ الصحابة اتفقوا على استعمال القياس في الوقائع التي لا نصّ فيها من غير نكير من أحد منهم (١).
وتوجيه اتفاقهم ـ مع أنّه لم ينقل ذلك عنهم تاريخياً ـ هو : أنّ آحاداً منهم أفتوا استناداً إلى القياس ، وسكت الباقون فلم ينكروا عليهم ، وسكوتهم يكون إجماعاً ، أو أنّ بعضهم صرّح بالأخذ بالرأي من دون إنكار عليه ، ومن ذلك قول أبي بكر في الكلالة : « أقول فيها برأيي ، فإن يكن صواباً فمن الله ، وإن يكن خطأ فمنّي ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه » (٢).
ومنه قول عمر : « أقول في الجدّ برأيي ، وأقضي فيه برأيي » (٣).
والنقاش في هذا الإجماع واقع صغرى وكبرى :
أمّا الصغرى : فبإنكار وجود مثله عادة ، لأنّ مثل هذه الروايات ـ لو تمّت دلالتها على القياس ـ فإنّما هي صادرة من أفراد من الصحابة أمام أفراد ، فكيف اجتمع عليها الباقون منهم ، واتفقوا على فحواها؟ ولعلّ الكثير منهم لم يكن في المدينة عند صدورها.
وأمّا الكبرى : فبالمنع من حجّية مثل هذا الإجماع ، وذلك لأُمور :
١ ـ إنّ السكوت ـ لو شكّل إجماعاً ـ لا يدلّ على الموافقة على المصدر الذي كان قد اعتمده المفتي ، أو الحاكم بفتياه أو حكمه ، وبخاصّة إذا كان هو نفسه غير جازم بسلامة مصدره ، كقول أبي بكر السابق : « أقول فيها برأيي ، فإنّ يكن صواباً فمن الله ، وإن يكن خطأ فمنّي ومن الشيطان ».
على أنّ منشأ السكوت قد يكون هو المجاملة أو الخوف أو الجهل بالمصدر ، فدفع هذه المحتملات وتعيين الإيمان بالمصدر ، وهو حجّية الرأي من
__________________
١ ـ الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٤ / ٤٠.
٢ ـ تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٧٠.
٣ ـ الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٣ / ٢٨٧.