ومثل هذا العلم بالحكم لا يتوفّر إلاّ عند العلم بالعلّة في الفرع ، على أنّ نسبة ما يصدر منه للقياس موقوف على إمكان صدور الاجتهاد منه ، أمّا إذا نفينا ذلك عنه ، وقصرنا جميع تصرّفاته على خصوص ما يتلقّاه من الوحي ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) ، فتشبيه قياساتنا بقياساته ، وإثبات الحجّية لها على هذا الأساس قياس مع الفارق الكبير ، وقد أشار عمر بن الخطّاب إلى هذا الفارق في بعض خطبه ، بقوله : يا أيّها الناس ، إنّ الرأي إنّما كان من رسول الله مصيباً ، لأنّ الله كان يريه ، وإنّما هو منّا الرأي والتكلّف (٢).
ومع هذا الفارق ، كيف يمكن لنا أن نسري الحكم إلى قياساتنا المظنونة ، أليست صحّة هذه التسرية إليها مبنية على ضرب من القياس المظنون ، وهو موضع الخلاف!
٢ ـ إنّ هذه الأنواع من الأحاديث ليست من القياس في شيء ، فرواية الخثعمية واردة في تحقيق المناط من قسمة الأوّل ، أي تطبيق الكبرى على صغراها.
فالكبرى ـ وهي مطوية ـ : « كُلّ دين يقضى » هي في واقعها أعمّ من ديون الله وديون الآدميين ، وقد طبّقها رسول الله صلىاللهعليهوآله على دين الله لأبيها ، فحكم بلزوم القضاء ، وأين هذا من القياس المصطلح؟ على أنّا لو سلّمنا أنّه منه ، فهو من قبيل قياس الأولوية بقرينة قوله صلىاللهعليهوآله : « فدين الله أحقّ » أي أولى بالقضاء ، وهو ليس من القياس.
وما يقال عن رواية الخثعمية ، يقال عن الرواية الثالثة حيث نقّح صلىاللهعليهوآله بسؤاله صغرى لكبرى كُلّية ، وهي كُلّما ينقص لا يجوز بيعه.
ولسان الرواية الثانية يأبى نسبة مضمونها إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فهو أسمى من أن يشهر بشيء يعود إلى شؤونه وعوالمه الخاصّة مع نسائه.
__________________
١ ـ النجم : ٤.
٢ ـ الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم ٦ / ٧٧٩.