وحيداً لا يُتكلّم معه ، فلا شكّ في أن قابلية على التكلم تموت ولا تصل إلى عالم الفعلية ، وهكذا سائر الاستعدادات الفطرية في الإِنسان فأنها تظهر عن طريق التربية والتعليم فقط .
لقد تبين ـ بما ذكر ـ ضرورة التربية وأهميتها في إظهار الكمالات الباطنية للبشر ، وإخراج الإِستعدادت الفطرية إلى حيز الفعلية . إن الإِنسان لا يصل إلى الكمال اللائق به بدون التعليم والتربية ، ولا يتمكن أن يسير بدونهما في الطريق الذي ينبغي أن يسير فيه .
* * *
بعد أن اتضحت لدينا المقدمات السابقة ، لنرجع إلى بيان الأساسين اللذين ذكرناهما في مطلع الحديث . . . لقد كان الأساس الأول هو أن يتنبه المربي القدير إلى جميع الاستعدادات الكامنة في الطفل ، ويعمل على تنميتها مع مراعاة الموازنة بين ميوله والتوفيق بينها ، وإخراجها إلى حيز الفعلية . . . وهذا يتفرع على معرفة الإِنسان ومواهبه وملكاته الكامنة والبارزة . وبعبارة أوضح ، فإن التربية الصحيحة هي التي تكون مطابقة للفطرة الواقعية للإِنسان ، ولا يوفق المربي إلى ذلك إلا عندما يدرك جميع الميول والغرائز الطبيعية في الإِنسان أولاً والعمل على تنمية تلك الميول وإرضائها في مقام التربية ثانياً .
إن الروايات الواردة عن أئمة الإِسلام عليهالسلام في لزوم معرفة النفس كثيرة ، وهي ـ وإن اختلفت في ألفاظها وأساليبها ـ ترمي إلى اعتبارها أساس السعادة الإِنسانية . وهنا لا بأس بسرد بعض تلك الروايات :
١ ـ يقول الإِمام علي عليهالسلام : « أفضل المعرفة ، معرفة الإِنسان نفسه » (١) .
____________________
(١) غرر الحكم ودرر الكلم ص ٨٧ طبعة دار الثقافة ـ النجف الأشرف ـ .