٥ ـ قوله « فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ » أي بعد العفو أو الدية ، بأن يقتل الجاني « فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ » في الآخرة وقيل في الدّنيا بأن يقتل بجنايته لسقوط حقّه بالعفو أو الصلح على الدية.
الثالثة ( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١).
ظاهر هذا الكلام أنّه كالمتناقض لأنّ القصاص هو القتل فكيف يكون القتل حياة؟ وفي التحقيق تحته من الحكمة البالغة ما يعجز عن مثله كلام الآدميين ، فإنّه أوجز الكلام وأفصحه.
أما أنّه أوجز فإنّه نتيجة مقدّمات ، فانّ القصاص ردع عن القتل ، وفي الرّدع ارتفاع عنه ، وفي الارتفاع عنه عدم القتل ، وعدم القتل حياة ، ينتج : القصاص حياة.
وأمّا أنّه أفصح فلأنّ من كلام العرب القتل أنفى للقتل ، وقد رجح أهل البلاغة كلامه تعالى على كلامهم بوجوه متعدّدة لكونه أقلّ حروفا ودلالته على الحياة بالمطابقة وتنكيرها الدالّ على التعظيم ، وعدم التكرار ، وغير ذلك ممّا ذكرناه في كتابنا المسمّى بتجويد البراعة.
وكانوا يقتلون الجماعة بالواحد ، فتثور الفتنة بينهم ، فلمّا جاء شرع القصاص وقرّرت قواعده ارتفعت تلك الفتن.
وقيل : المراد بالحياة هي الأخرويّة فإنّ القاتل إذا اقتصّ منه في الدّنيا لم يؤاخذ به في الآخرة وليس بشيء أمّا أوّلا فلأنّه خلاف المتبادر إلى الفهم ، وثانيا فلأنّ القصاص حقّ للوارث للحيلولة بينه وبين مورثه ، وحقّ للميّت بإدخال الألم عليه [ فان ] لم يؤخذ ما يقابله فكيف يكون ساقطا بالقصاص وليس كذلك المال وإنّما القتل من الآلام الداخلة على الإنسان الّتي أعواضها مختصّة به غير منتقلة عنه ، نعم يمكن أن يكون مع التوبة النصوح والإتيان بالكفّارة يتفضّل الله على
__________________
(١) البقرة : ١٧٩.