وفي آية أخرى :
( وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا ) (١).
دلّت الآيتان الكريمتان على إباحة أكل ما يصاد من السّمك ، وتقييده بالطريّ ليس مخصّصا له بالتحليل ، للإجماع على إباحة غيره ، وإنّما قيّده بالطراوة لأنّ طيبته في طراوته ، فإذا لبث تغير طراوته ، وذهب طيبه. والآية الكريمة خرجت مخرج الامتنان ، فلا يليق إلّا بما هو لذيذ ، ثمّ اللام في الآية الأولى يجوز أن يكون للتعليل بمعنى أنّ السبب الغائيّ بخلق البحر انتفاع الإنسان به ، ويجوز أن يكون للعاقبة ، بأن يكون خلقه لسبب آخر لكن آل الأمر إلى انتفاعنا به.
واعلم أنّه استدلّ بعض الفقهاء بالآية على أنّ السمك لحم ، وأنه إذا حلف أحد لا يأكل لحما يحنث بالسمك وليس بشيء لأنّه لحم لغة لا عرفا ، والأيمان مبنيّة على الحقيقة العرفيّة لا اللّغويّة لما تقرّر في الأصول من تقديم العرف على اللّغة لكونه طارئا ناسخا لحكمها.
الرابعة ( وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) (٢).
وأمثالها من الآيات الدالة على الامتنان بخلق الماء ، وإنزاله من السماء فإنّ الجميع دالّ على إباحته وحلّه ، إذ لا امتنان بالممنوع من الانتفاع به شرعا.
الخامسة ( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً
__________________
(١) فاطر : ١٣.
(٢) الأنبياء : ٣٠.