إن القرآن الكريم يدلنا على خمسة
أسباب تجعل الإنسان مقارفاً للذنوب كما سيأتي تفصيلها لاحقاً ، ولكن صورتها الحقيقية مجموعة في الجهل بحقائق ما يقدم عليه ، وهذا ممنوع عليه لأنه قد علم حقائق كل الأمور ، تبعاً لقوله تعالى : (وَكَذلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ وَلكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ
مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، وهذا هو مفاد العصمة المطلقة كما
يرشح من ذيل الآية الكريمة : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ).
* * *
بناء على ذلك نجد أن الآلية التي
تتشكل بها العصمة ، إنما تعتمد على عاملين أساسيين هما :
الأول
: ملاكات ومؤهلات ذاتية عالية المضامين ، وهذه الملاكات تتقوّم أساساً بناء على اختيارية الإنسان في اكتسابها وسعيه إليها ، مما
يعني أن العصمة من حيث الأساس شأن اكتسابي يمكن السعي إليه ارادياً.
الثاني
: لطف إلهي يرقى بهذا الإنسان ليجزيه أجر ما أحسن عملاً ، وهذا الأجر ليس هو الأجر الأخروي ، بل هو الأجر الدنيوي ، فلقد وعد الله سبحانه الذين آمنوا بمزية في الحياة الدنيا كما قال تعالى : (أَمْ
حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)
، وهذه
المزية الممنوحة في المحيا وفي الممات ، هي في واقع الحال تفرق بين من يجترح السيئات ، وبين من لا يجترحها.
ومن يلحظ هذا اللطف في واقع الأمر يجد
انه يعلب دوراً آخر ، هو دور التحفيز للمزيد من العطايا الربانية ، فمن يحظ بتلك الامتيازات لا
____________________