الأولى جاءت ضمن سياق مع الآية المتقدمة والمتأخرة عنها ، مما يعطي لتفسيرها وضوحاً كافياً ، فالحديث عن النصر والفتح وبينهما حديث عن الذنب المغفور ، وهذا ما يعطي الحديث عن المغفرة القرائن الكافية لتكون متعلقة بما يترتب في العادة على الفتح والنصر ، مما يجعل الذنب متعلقاً بما بدر من الرسول تجاه الذين انتصر عليهم ، بحيث إن الفتح جاء ليقضي على كل ما كان القوم الذين انتصر عليهم يعدونه ذنباً ويمحوه ، وما من دلالة ـ ولو بسيطة ـ تتحدّث عن وجود ذنوب دينية أو أخلاقية لديه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومثل هذا الحديث حديث الآيات القرآنية المماثلة التي نجدها واضحة في الحديث عن المترتبات الاجتماعية المتخلفة عن جهد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في خدمة رسالته ودينه ، وهو جهد تميّز بصوابيته ، ولكن العمل الصائب لا يمنع من نشوء آثار سلبية في الطرف المقابل للعمل ، وهو الأمر الذي تتحدث عنه آية : (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) فالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يريد أن يخفف من احتقان النفوس ، وأراد الله أن يشير إلى هذه الخصيصة من خلق الرسول الاجتماعي ، فجاء الحديث القرآني بلهجة المستزيد. فافقه وانتبه لذلك!!
١٢ ـ قصة العابس الذي تولّى : وهي القصة التي استعرضتها آيات سورة عبس العشرة الأُول : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (١) ، فلقد رأى القوم أن السورة نزلت بحق الرسول الذي جاءه ابن أم مكتوم أثناء جلوسه مع رهط من القوم المشركين بهدف هدايتهم طالباً منه أن ينفعه بالذكر ، فعبس بوجه ابن مكتوم الأعمى ، وأقبل على ذلك الرهط ، فنزلت الآيات الأولى من السورة ، لتكشف ما يقدح بعصمته مطلقاً ، أو بامكانية أن يرتكب الذنوب الصغيرة.
____________________
(١) عبس : ١ ـ ١٠.