منأى عن المؤاخذة ،
ولا هو فوق القانون ، وإنما هو ذلك الحامي له ، والمدافع عنه ، فإذا ما سوّلت له
نفسه أن يرتكب أية مخالفة ، أو أن يستغل مركزه في خدمة أهوائه ومصالحه الشخصية ،
فإن بإمكان كل أحد أن يقف في وجهه ، ويعلن كلمة الحق ، ويعمل على رفع أي ظلم أو
حيف يصدر منه.
ومن جهة أخرى ... فإنه إذا كانت الظروف
لا تسمح لأمير المؤمنين وسبطيه عليهمالسلام
، وآخرين ممن هم على خطهم لأن يقفوا موقف أبي ذر ، فإن عليهم ـ على الأقل ـ أن
يعلنوا عن رأيهم ـ الذي هو رأي الإسلام ـ فيه ، وفي مواقفه ، فإن ذلك من شأنه : أن
يعطي موقفه العظيم ذاك بعداً إعلامياً ، وعمقاً فكرياً وسياسياً ، يحمي تلك
المعطيات والنتائج التي ستنشأ عنه .. فكانت مبادرتهم ـ إلى جانب مبادرات أخرى
لأمير المؤمنين عليهالسلام
خاصة ، لامجال لذكرها هنا ـ لتوديعه ، رغم منع السلطة ، ثم جرى بينهم وبين مروان ،
ثم بينهم وبين عثمان ما جرى ، حسبما ذكره ، أو أشار إليه غير واحد من المؤرخين .
وإذا تأملنا في كلمات الإمام الحسن
صلوات الله وسلامه عليه لأبي ذر في ذلك الموقف ، فإننا نجدها تتضمن : تأسفه العميق
لما فعله القوم بأبي ذر ، ثم هو يشجعه على الاستمرار على موقفه ، ويعتبر أن فيه
رضى النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ومن ثم رضى الله سبحانه وتعالى ..
كما أنه يحاول التخفيف عن أبي ذر ،
وإعطائه الرؤية الصحيحة ، التي من شأنها أن تخفف من وقع المحنة عليه ، وتسهل عليه
مواجهة البلايا التي تنتظره ، وذلك حينما يأمره عليهالسلام
بأن : يضع عنه الدنيا ، بتذكر فراغها ، وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها.
فإن هذه الكلمات بالذات قد تكفلت ببيان
السر الحقيقي ، الذي يجعل شخصية الإنسان المسلم أقوى من كل ما في الدنيا من أسلحة
وقدرات تملكها