بالإيمان فأنزل الله عز وجل فيه « إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » (١) فقال له
______________________________________________________
وأجيب بأن المراد بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية لأنه عليهالسلام ولد لثلاثين عاما مضت من عام الفيل ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أرسل لأربعين مضت منها.
وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه عليهالسلام مكث قبل الرسالة سنين عشرا يسمع الصوت ويرى الضوء ولا يخاطبه أحد ، وكان ذلك إرهاصا لرسالته فحكم تلك السنين العشر أيام رسالته ، فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته كان مولودا في أيام كأيام النبوة وليس بمولود في الجاهلية ففارقت حاله حال من يدعى له الفضل من الصحابة ، ويقصد بالتبري منه عليهالسلام توليهم.
وروي أن السنة التي ولد عليهالسلام فيها كان يسمع الهتاف من الأحجار والأشجار وابتدأ فيها بالتبتل والانقطاع والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل كذلك حتى كوشف بالرسالة وأنزل عليه الوحي ، وقال لأهله ليلة ولادته وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهية التي لم يشاهدها قبلها : لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح الله به علينا أبوابا من النعمة والرحمة.
وقيل : المراد الولادة على الفطرة التي لم يتغير ولم يتبدل بفساد العقائد باتباع الآباء ومتابعة الشبهات وإضلال المضلين ، وذلك أمر لا يعم كل مولود وإن كانت الولادة على الفطرة بمعنى الاستعداد للمعارف لو لم يمنع مانع من الأمور المذكورة مشتركة بين الجميع.
وقيل : يمكن أن يراد بالفطرة الخلقة التي لم يطرء عليها مخالفة أمر الله ونهيه وهي العصمة ، أي لم أخرج عن اتباع أمر الله مذ ولدت ، وأما السبق إلى الهجرة فقيل : إنه عليهالسلام لم يسبق على جميع الصحابة وقد بات على فراشه صلىاللهعليهوآلهوسلم لما هاجر إلى المدينة ومكث أياما لرد الودائع التي كانت عنده صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) سورة النحل : ١٠٦.