على العرش بغير زوال والمتعالي على الخلق بلا تباعد منهم ولا ملامسة منه لهم ليس له حد ينتهى إلى حده ولا له مثل فيعرف بمثله ذل من تجبر غيره وصغر من
______________________________________________________
الكبر والعظم والجلالة ونحوها لا تكون إلا في الأجساد والأشباح ذوات المقادير والأوضاع ، ولا شك أنه سبحانه منزه عن الجسمانيات وصفاتها ، فنبه على أن كبريائه وجلاله على وجه أعلى وأشرف مما يوجد في المحسوسات والمتمثلات.
قوله : بلا زوال (١) أي بغير استواء جسماني يلزمه إمكان الزوال أو لا يزول اقتداره واستيلاؤه أبدا « المتعالي عن الخلق » بالشرف والعلية والتنزه عن صفاتهم ، لا بما يتوهم من تراخي مسافة بينهما كالفلك بالنسبة إلى الأرض أو بمماسة كالماء والهواء بالنسبة إليهما أو قولهعليهالسلام: ولا ملامسة نفي لما يتوهم من نفي التباعد من تحقق الملامسة ونحوها ، قضية للتقابل بينهما قياسا على الجسمانيات ، فإن المتقابلين كليهما منفيان عنه وإنما يتصف بأحدهما ما يكون قابلا للاتصاف بهما ، كما يقال : الفلك ليس بحار ولا بارد ، والجدار ليس بأعمى ولا بصير « ليس له حد ينتهي إلى حده » أي الحدود الجسمانية فينتهي هو إلى حده على بناء الفاعل أو الحد المنطقي فينتهي على بناء المفعول إلى تحديده به أو لأحد لتوصيفه ونعته ، بل كلما بالغت فيه فأنت مقصر.
« ذل من تجبر غيره » قوله : غيره ، حال عن فاعل تجبر وكذا قوله : دونه ، حال عن فاعل تكبر والضميران راجعان إليه سبحانه ، أي ذل له كل من تجبر غيره ، فإن كل ما يغايره ممكن مخلوق ذليل للخالق الجليل.
« وصغر » كل « من تكبر دونه » فإن جميع ما سواه موصوف بالصغار أو الصغر لدى خالقه الكبير المتعال ، أو المعنى أن عز المخلوق ورفعته إنما يكون بالتذلل والخضوع اللائقين به ، وبهما يكتسب إفاضة الكمال من خالقه فإذا تجبر وتكبر استحق الحرمان والخذلان فيزداد صغرا إلى صغره ، وذلا إلى ذلة ، فلا يرتفع من درجة
__________________
(١) كذا في النسخ ، لكن في المتن « بغير زوال » ولعله موافق لنسخة الشارح (ره) كما في نظائره.