من هلك وبمنه نجا من نجا ولله الفضل مبدئا ومعيدا ثم إن الله وله الحمد افتتح الحمد لنفسه وختم أمر الدنيا ومحل الآخرة بالحمد لنفسه فقال وقضى « بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » (١).
الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسيد والمرتدي بالجلال بلا تمثيل والمستوي
______________________________________________________
« وبمنه نجا من نجا » أي بلطفه وتوفيقه وإعداد الآلات وهدايته في الدنيا وبعفوه ورحمته وتفضله في الثواب بلا استحقاق في الآخرة نجا الناجون ، فقوله : ولله الفضل (٢) وفي التوحيد وعن بينة نجا من نجا فالثاني لا يجري فيه « مبدء ومعيدا » مترتب على ذلك أي حال التكليف في الدنيا وحال الجزاء في الآخرة ، ويحتمل أن يكون المراد حال إبداء الخلق وإيجادهم في الدنيا وحال إرجاعهم وإعادتهم بعد الفناء أو مبدءا حيث بدء العباد مفطورين على معرفته قادرين على طاعته ومعيدا حيث لطف بهم ومن عليهم بالرسل والأئمة الهداة.
« وله الحمد » الجملة اعتراضية « افتتح الحمد لنفسه » أي في التنزيل الكريم أو في بدو الإيجاد بإيجاد الحمد ، أو ما يستحق الحمد عليه ، وفي التوحيد : افتتح الكتاب بالحمد ، وهو يؤيد الأول « ومحل الآخرة » أي حلولها وربما يقرأ بسكون الحاء وهو الجدب وانقطاع المطر والمجادلة والكيد ، أو بالجيم وهو أن يجتمع بين الجلد واللحم ماء من كثرة العمل وشدته ، وعلى التقديرين كناية عن الشدة والمصيبة أي ختم أمر الدنيا وشدائد الآخرة وأهوالها بالحمد لنفسه على القضاء بالحق فعلم أن الافتتاح والاختتام بحمده من محاسن الآداب.
وفي التوحيد : ومجيء الآخرة ، أي ختم أول أحوال الآخرة وهو الحشر والحساب ويمكن أن يقدر فعل آخر يناسبه ، أي بدء مجيء الآخرة « وقضى بينهم » أي بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار ، ويظهر من الخبر أن القائل هو الله ، ويحتمل أن يكون الملائكة بأمره تعالى.
« بلا تمثيل » أي بمثال جسماني ، وهذا وما تقدمه دفع لما يتوهم من أن
__________________
(١) سورة الزمر : ٧٥.
(٢) كذا في النسخ ، وكأنه سقط هنا شيء وكذا فيما بعده.