لآخريته حد ولا غاية الذي لم يسبقه وقت ولم يتقدمه زمان ولا يتعاوره زيادة ولا نقصان ولا يوصف بأين ولا بم ولا مكان الذي بطن من خفيات الأمور وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا ببعض بل وصفته بفعاله ودلت عليه بآياته لا تستطيع عقول المتفكرين جحده لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن فلا مدفع لقدرته الذي نأى من الخلق فلا شيء كمثله الذي خلق خلقه لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم وقطع عذرهم بالحجج فعن بينة هلك
______________________________________________________
من قرأ خائلا بالخاء المعجمة أي ذا خيال وصورة متمثلة في المدرك ، والتعاور : الورود على التناوب « لم يوصف بأين » أي بمكان فيكون نفي المكان تأكيدا أو بجهة مجازا « ولا بما؟ » (١) إذ ليست له مهية يمكن أن تعرف حتى يسأل عنها بما هو.
قوله عليهالسلام : بطن من خفيات الأمور ، أي أدرك الباطن من خفيات الأمور ونفذ علمه في بواطنها ، أو المراد أن كنهه تعالى أبطن وأخفى من خفيات الأمور مع أن وجوده أجلى من كل شيء في العقول « بما يرى في خلقه » من آثار تدبيره بحد « ولا ببعض » أي بكونه محدودا بحدود جسمانية أو عقلانية أو بأجزاء وأبعاض خارجية أو عقلية وقيل : أي لم يحسبوا بحد ولا ببعض حد وهو الحد الناقص كالجواب بالفصل القريب دون الجنس القريب ، بل عدلوا عن الوصف بالحد تاما أو ناقصا إلى الرسوم الناقصة وهو الوصف له تعالى بفعاله كما قال الكليم عليهالسلام في جواب « وَما رَبُّ الْعالَمِينَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا » (٢) الآيات.
قوله عليهالسلام : بما جعل فيهم ، أي من الأعضاء والجوارح والقوة والاستطاعة « بالحجج » أي الباطنة وهي العقول ، والظاهرة وهي الأنبياء والأوصياء « فعن بينة » أي بسبب بينة واضحة أو معرضا ومجاوزا عنها ، أو عن بمعنى بعد أي بعد وضوح بينة
__________________
(١) وفي المتن « ولا بم ».
(٢) سورة الشعراء : ٢٣.