تراثنا ـ العدد [ 140 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 140 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣١٨

«كتبنا عنه حديثاً كثيراً»(١). راجع رواية ابن الجندي عنه في : (تاريخ بغداد ٣ / ٣٥٥ والفوائد برقم : ٥٦).

٦٣ ـ عبد الله بن جعفر بن درستويه أبو محمّد الفارسي النحوي (٢٥٨ ـ ٣٤٧ق) :

قال عنه الخطيب : «وكان فسويّاً سكن بغداد إلى حين وفاته، وحُمِل عنه من علوم الأدب كتب عدّة صنّفها .. وسألت أبا سعد الحسين بن عثمان الشيرازي عن ابن درستويه فقال : ثقة ثقة. حدّثنا عنه أبو عبيد اللّه بن مندة الحافظ بغير شيء، وسألته عنه فأثنى عليه ووثّقه». (تاريخ بغداد ٩ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥).

وراجع رواية ابن الجندي عنه في (تاريخ بغداد ٦ / ٣٥ ؛ ١٣ / ٢٣٦)، (تاريخ دمشق ٢٣ / ٤٧).

٦٤ ـ عبد الله بن سليمان بن أشعث أبو بكر بن أبي داوود الأزدي السجستاني (٢٣٠ ـ ٣١٦ ق) :

قال عنه الخطيب : «رحل به أبوه من سجستان يطوف به شرقاً وغرباً، سَمعه من علماء ذلك الوقت ... أخبرنا أبو منصور محمّد بن عيسى الهمذاني، حدّثنا أبو الفضل صالح بن أحمد الحافظ قال : أبو بكر عبد اللّه بن سليمان إمام العراق، وعَلَم العِلم في الأمصار، نصب له السلطان المنبر فحدّث عليه لفضله ومعرفته ..»(٢).

__________________

(١) المؤتلف والمختلف ٢ / ٨٩٤.

(٢) تاريخ بغداد ٩ / ٤٧١ ـ ٤٧٢.

٢٤١

وهو من أبرز شيوخ ابن الجندي في الحقل السنّي ولنماذج من روايته عنه راجع : (تالي تلخيص المتشابه ١ / ٦٦، ١٠٩، الأمالي الخميسية ٢ / ٥٣٤ ؛ تاريخ بغداد ١٠ / ٢١١، ١١ / ٩٨، ٤١٠ ؛ تاريخ دمشق ١٠ / ٣٥١، ١٥ / ٧٩، ٢٣ / ٨٨ ؛ ٣٥ / ٢٢٥ ؛ ٤٣ / ١١٩ ؛ ٥٥ / ٤١٤ ؛ ٦٣ / ١٠٧ ؛ ٧١ / ٣٠٦).

٦٥ ـ عبد الله بن محمّد بن سعيد أبو محمّد المعروف بـ : (ابن الجمّال) (م ٣٢٣ق) :

ذكر الخطيب جماعة من شيوخه وتلامذته ونقل توثيقه عن الدارقطني (تاريخ بغداد ١٠ / ١١٩). راجع رواية ابن الجندي عنه في كتاب : (من فضائل سورة الإخلاص للخلاّل / ٧٦).

٦٦ ـ عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز أبو القاسم البغوي (٢١٤ ـ ٣١٧ق) :

كان من كبار مشايخ العامّة المكثرين. ترجم له الخطيب فذكر جماعة كبيرة من مشايخه منهم أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وغيرهما ؛ روى عنه الكثيرون مثل يحيى بن محمّد بن صاعد والدار قطني وغيرهما وقال عنه الخطيب : «كان ثقة ثبتاً مكثراً فهماً عارفاً»(١).

كما أطراه الذهبي فقال : «مسند الدنيا وبقية الحفّاظ» ونقل عن الدار قطني أنّه قال عنه : «ثقة، جليل، إمام، أقلّ المشايخ خَطَأً»(٢).

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٠ / ١١٠ و١١٤.

(٢) تاريخ الإسلام ٧ / ٣٢٣.

٢٤٢

وعلى كلّ حال فراجع رواية ابن الجندي عنه (١) في (تاريخ بغداد ٣ / ١٩٩، ١١ / ٤٠١ ؛ تاريخ دمشق ١٥ / ٢١٥، ١٩ / ٤١١، ٢٤ / ٤٢١، ٣٠ / ١٦٦ و١٩٣، ٣١ / ١٣٠، ٣٤ / ٢٠٩ و ... ؛ معجم الشيوخ لابن عساكر ٢ / ٧٣٤ ؛ تلخيص المتشابه ٢ / ٧٢٤) ومواضع كثيرة أخرى.

٦٧ ـ عبد اللّه بن الهيثم بن خالد، أبو محمّد الخيّاط يعرف بالطيني (٢٣٤ ـ ٣٢٦هـ) :

عنونه الخطيب فذكر عدداً من شيوخه وتلامذته ووثّقه كما نقل توثيقه عن الدارقطني. (تاريخ بغداد ١٠ / ١٩٣ ـ ١٩٤). راجع رواية ابن الجندي عنه في (الفوائد : برقم : ٢٩).

٦٨ ـ عبد الملك بن أحمد بن نصر أبو الحسين الدقّاق (م ٣١٨ / ق) :

ذكر الخطيب عدداً من شيوخه وتلامذته ووثّقه (تاريخ بغداد ١٠ / ٤٢٦).

راجع رواية ابن الجندي عنه في : (إتحاف الزائر وإطراف المقيم : ٤٢).

٦٩ ـ عبد الوهّاب بن عيسى بن عبد الوهّاب أبو القاسم ورّاق الجاحظ : (م ٣١٩ ق) :

قال عنه الخطيب : «كان صدوقاً في روايته، ويذهب إلى الوقف في القرآن»(٢) راجع رواية ابن الجندي عنه في (تاريخ بغداد ٣ / ٤٥٩، والفوائد برقم : ٤٢، ٥٠).

__________________

(١) اقتصرنا في هذا القسم وما يليه على ذكر بعض النماذج لروايات ابن الجندي عن أساتذته أو روايات تلامذته عنه ولا ندّعي أبداً استيعاب جميع الموارد.

(٢) تاريخ بغداد ١١ / ٣٠.

٢٤٣

٧٠ ـ عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن يعقوب أبوطالب الأنباري :

قال عنه الشيخ النجاشي : «شيخ من أصحابنا، يكنّى أبا طالب، ثقة في الحديث، عالم به، كان قديماً من الواقفة .... قال الحسين بن عبيد الله : قدم أبو طالب بغداد واجتهدت أن يُمَكِّنني أصحابنا من لقائه فأسمع منه، فلم يفعلوا ذلك. وله كتب كثيرة، منها : ...»(١).

كما ترجم له الشيخ فقال : «عبد اللّه بن أحمد بن أبي زيد الأنباري، يكنّى أبا طالب، وكان مقيماً بواسط، وقيل : إنّه كان من الناووسيّة»(٢) وعلى كلّ فقد أصبح في أخريات عمره من الإماميّة وكان ثقة فاضلاً(٣). راجع رواية ابن الجندي عنه في (تاريخ بغداد ٢ / ٣٢٧) كما صرّح ابن النجّار برواية ابن الجندي عنه (٤).

٧١ ـ عبيد الله بن أحمد بن بكير أبوالقاسم التميمي (م ٣٣٤ ق) :

من مشايخ الدارقطني. ترجم له الخطيب ووثّقه (تاريخ بغداد ١٠ / ٣٥٢) راجع ما نقله ابن الجندي عنه في (الكفاية في علم الرواية / ٦٥، ٦٧).

٧٢ ـ عبيدالله بن عبد الرحمن بن محمّد أبو محمّد السكّري (م ٣٢٣ق) :

وثّقه الخطيب (تاريخ بغداد ١٠ / ٣٤٩) وراجع رواية ابن الجندي عنه في

__________________

(١) رجال النجاشي: ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٢) الفهرست: ٢٩٦ ـ ٢٩٧. والصحيح في اسمه ونسبه هو : «عبيد الله بن أبي زيد أحمد بن يعقوب».

(٣) راجع عنه رجال الطوسي: ٤٣٢ أيضاً.

(٤) ذيل تاريخ بغداد ٢ / ٢١.

٢٤٤

(تاريخ بغداد ١٤ / ٣١٣) وقد عبّر فيه عنه بـ : (أبو محمّد بن السكّري) كما روى عنه في (الفوائد : الحديث المرقّم : ٢٥).

٧٣ ـ عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله أبو عبد الله الهاشمي (م ٣٢٣ ق) :

قال عنه الخطيب : «كان ثقة وكان يتفقَّه بمذهب الشافعي» (تاريخ بغداد ١٠ / ٣٥٠) راجع رواية ابن الجندي عنه في (ذيل تاريخ بغداد لابن النجّار ٣ / ٢٢٧، والفوائد برقم : ٤٣).

٧٤ ـ عثمان بن أحمد بن عبد الله بن يزيد أبو عمرو الدقّاق المعروف بالسمّاك (م ٣٤٤ق) :

قال عنه الخطيب : «وكان ثقة ثبتاً» (تاريخ بغداد ١١ / ٣٠٠ ـ ٣٠١) وراجع رواية ابن الجندي عنه في (تاريخ بغداد ١٠ / ٢١١، جمال الأسبوع : ٢٢٨).

٧٥ ـ عثمان بن إسماعيل بن بكر أبو القاسم السكّري (٣٢٣ ق) :

نقل الخطيب عن الدارقطني أنّه : «ثقة مأمون فاضل»(١). راجع رواية ابن الجندي عنه في (تاريخ بغداد ٣ / ٣٥٥ و١٢ / ١٢٦).

وللبحث صلة ...

__________________

(١) تاريخ بغداد ١١ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

٢٤٥

المنهج الموسوعي في الفقه الإمامي

(الحدائق والجواهر أنموذجاً)

(٢)

الشيخ مهدي البرهاني

بسم الله الرحمن الرحيم

تناولنا في العدد السابق المناهج الموسوعية الفقهية في المدرسة الإمامية ونبذة عن كتاب الحدائق الناضرة ومؤلّفه المحدّث الشيخ يوسف البحراني ونستأنف البحث هنا.

المبحث الثالث

نبذة عن كتاب الجواهر ومؤلّفه

المؤلّف :

أمّا صاحب كتاب الجواهر ومؤلّفه فهو الشيخ محمّد حسن ابن الشيخ باقر نجل الشيخ عبد الرحيم نجل آقا محمّد الصغير نجل المرحوم عبد الرحيم الشريف الكبير.

٢٤٦

كذا أنهى نسبه في آخر كتاب القضاء من كتابه الجواهر ، حيث جاء فيه ما نصّه : «وفرغ منه مؤلّفه العبد العاثر محمّد حسن بن المرحوم الشيخ باقر نجل المرحوم عبد الرحيم نجل المرحوم آقا محمّد الصغير نجل المرحوم عبد الرحيم الشريف الكبير»(١).

ولم يُعلم من نسبه إلى أبعد من ذلك ، أعني : عبد الرحيم الشريف.

ولعلّ السبب في توقّف صاحب الجواهر في ذكر نسبه إلى جدّه الأعلى عبد الرحيم المعروف بالشريف الكبير ؛ ذلك لأنّه أوّل من بدأ من هذه الأسرة بطلب العلم في النجف وصار ممّن يشار إليه بالفضيلة.

وأمّا سبب تلقّب جدّه الأعلى بالشريف فيرى الشيخ آقا بزرك الطهراني رحمه‌الله أنّ لقب (الشريف) يعطى في تلك العصور لمن كانت أمّه علوية ، ولذا ذكر في كتابه الكرام البررة أنّ الشريف المذكور يرجع نسبه من حيث الأمّ إلى السادة (الخواتون آباديّين) (٢).

هذا نسب الشيخ من قبل الآباء ، وأمّا من جهة الأمّ فهو ينتهي من قبل أمّ أبيه إلى الشيخ أبي الحسن الفتوني العالم الجليل ، ومن قِبَل أمّه إلى السادة العذاريّين المعروفين بآل حجاب كونها علوية منهم ، ولذا كان الشيخ في أيّام نشأته الأولى يقضي شطراً من أوقاته في العذارات (من قرى الحلّة) عند أخواله ، وقد ذكر في سبب تأليفه للجواهر أنّه ألّفه ليكون له مذكّرة فقهية يرجع إليها حيث لاتتهيّأ له

__________________

(١) جواهر الكلام ٤١ / ٧٦٠.

(٢) الكرام البررة ١ / ٣١٠.

٢٤٧

هناك (العذارات) الكتب للمراجعة عند الحاجة(١).

فالشيخ محمّد حسن كان نقطة التقاء الأُسر العلمية من جهة الآباء والأمّهات.

الولادة :

ولد قدس‌سره في مدينة النجف الأشرف في العراق ، وفيها ترعرع ونشأ وأقام بل وتوفّي ودفن ، ومدينة النجف كما هو معروف مركز إشعاع علميّ على مدى عدّة قرون ربّما تقرب من ألف عام منذ هجرة الشيخ الطوسي إليها.

ولم ينصّ المؤرّخون لحياته على تحديد تاريخ سنة ولادته ، لكن ذكر الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة أنّ سنة ولادته ليست خارجة عن حدود (١٢٠٠هـ) لبعض الشواهد التي أشار إليها(٢) ، وفي طبقات أعلام الشيعة رجّح أن تكون حدود السنة (١٢٠٢هـ) (٣). وهناك أراء أخرى في هذا المجال ، ككونه ولد سنة (١١٩٢هـ) ، وهذا ما يظهر من صاحب الروضات وهو ممّن عاصر الشيخ وحضر درسه (٤).

الأسرة :

تزوّج الشيخ محمّد حسن رحمه‌الله أربع نساء كلّهنّ أعقبن ، وكانت آخر زوجاته

__________________

(١) المظفّر ، محمّد رضا ، مقدّمة الجواهر ١ / ١١.

(٢) آقا بزرك الطهراني ، محمّد محسن ، الذريعة ٥ / ٢٧٥.

(٣) الكرام البررة ١ / ٣١١.

(٤) روضات الجنّات ٢ / ٣٠٤.

٢٤٨

الأربع العلوية كريمة السيّد رضا بحر العلوم التي توفّيت بعده وكان قد أوصى أن تدفن معه.

وأمّا أبناؤه ؛ فقد أنجب من زوجاته الأربع ثمانية أولاد ذكور ، أعقب كلّهم إلاّ الشيخ حسين الذي توفّي في شبابه قبل أن يتزوّج ، ومعظمهم سلكوا طريق أبيهم في طلب العلم ، ومن أبرز أولاده :

الشيخ محمّد المشهور بالشيخ حُميد ، أكبر وأبرز الأسرة ، ومات في حياة والده.

الشيخ عبد الحسين المعروف بالعلاّمة.

الشيخ حسين الأديب ، وكان شاعراً.

والشيخ حسن ، كان من العلماء والفقهاء في عصره (١).

وقد توارث أولاده وأولادهم كابراً عن كابر العلم والفضيلة وزعامة النجف ، فأصبحت أسرته بعده من أشهر الأُسر العلمية التي لها مكانتها المرموقة وزعامتها المعترف بها.

الحركة العلمية في عصره :

وكانت قد شهدت الحوزات العلمية قبل حياة المؤلّف نموّاً وازدهاراً واسعاً لظروف علمية وسياسية خاصّة بتلك الحُقبة الزمنية ، حيث ساد الأمن ورجع الوئام نسبيّاً إلى الشارع السياسي ، وتحقّقت النهضة العلمية والدينية التي ترأّسها

__________________

(١) انظر : ماضي النجف وحاضرها ٢ / ١٣٤. و : الكرام البررة ١ / ٣١١.

٢٤٩

العلاّمة محمّد باقر البهبهاني بتصدِّيه للأخباريّين وإبدائه مقاومة صلبة تِجاههم مع زملائه.

وقد شارك صاحب الجواهر مراجع عصره في التصدّي للحركة الأخبارية ، وما كتابه جواهر الكلام إلاّ موسوعة فقهية على ضوء المدرسة الأصولية في مقابل موسوعة الحدائق الناضرة للشيخ يوسف البحراني والتي كتبها على الذوق الأخباري ، حيث تعرّض في كتابه هذا لآراء صاحب الحدائق وفنّدها في موارد كثيرة ، يذكره أمّا بعنوان صاحب الحدائق أو المحدّث البحراني أو في الحدائق ، وغالباً ما يشير في هذه الموارد إلى آراء صاحب الحدائق والردّ عليها(١).

المناخ العلمي في عصره :

عاش المؤلّف فترة امتازت بميزتين من الناحية العلمية :

الأولى : بلوغ الحوزات العلمية ذروة نشاطها في كلّ من مجال الفقه والأصول والأدب ، وذلك بفضل مساعي تلامذة الوحيد البهبهاني ، فقد ابتدأت الحركة العلمية في الفقه والأصول في كربلاء على يد مؤسّسها العظيم آقا محمّد باقر المعروف بالوحيد البهبهاني المتوفّى (١٢٠٥هـ) ، ونازعت النجف كربلاء وشاطرتها الحركة العلمية بفضل تلاميذ الوحيد البهبهاني ، وهم : السيّد مهدي بحر العلوم (ت١٢١٢هـ) والشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت١٢٢٨هـ) ، إلاّ أنّ كربلاء بقيت محافظة على مركزها حتّى وفاة شريف العلماء الشيخ محمّد شريف

__________________

(١) انظر : مقدّمة جواهر الكلام في ثوبه الجديد ١ / ٥٤.

٢٥٠

المازندراني سنة (١٢٤٥هـ) ، وبفقده فقدت كربلاء تلك المركزية واتّجهت الأنظار صوب النجف لوجود الشيخ صاحب الجواهر الذي اجتذب طلاّب العلم إليه وإليها بفضل ما كان يمتاز به من أمور أهَّلته لنيل هذا المنصب الريادي الكبير.

الثانية : خروج عدد من الكتب المفصّلة غير المسبقة في مجالَي الفقه والأصول إلى حيّز الوجود ، منها : كتاب كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء تأليف الشيخ جعفر النجفي ، كتاب مفتاح الكرامة تأليف السيّد محمّد جواد العاملي ، كتاب القوانين تأليف الميرزا القمّي ، كتاب رياض المسائل تأليف السيّد علي الطباطبائي ، وكتاب الدرّة النجفية تأليف السيّد محمّد مهدي بحر العلوم.

مرجعية صاحب الجواهر :

ويُعدّ المتَرجَم له من أبرز أعلام الفرقة الإمامية وأكابر فقهاء الاثني عشرية ، وهو عنوان الأسرة الجواهرية المعروفة في النجف الأشرف ، وبكتابه جواهر الكلام عُرفت، ومنه ابتدأت شهرتها وطار صيتها وانتشرت آثارها.

نعم ، فقد نبغ الشيخ في النجف الأشرف أواسط القرن الثالث عشر الهجري ، وانتهت إليه مرجعية الشيعة ورئاسة الطائفة بعد وفاة أستاذه الشيخ موسى كاشف الغطاء سنة (١٢٤٣هـ) ، وقد عاصر مرجعية الشيخ علي كاشف الغطاء المتوفّى سنة (١٢٥٣هـ) ومرجعية أخيه الشيخ حسن كاشف الغطاء المتوفّى سنة (١٢٦٢هـ) ، وبعد وفاة الشيخ حسن انفرد صاحب الجواهر بالرئاسة

٢٥١

العامّة للمرجعية الشيعية(١).

وإليك نصُّ ما قاله المحقّق آقا بزرك الطهراني متحدّثاً عن مرجعية صاحب الجواهر :

«نبغ المترجم في النجف الأشرف في أواسط القرن الثالث عشر ... وتقدّم في العلم والفضل حتّى بانت للملأ مكانته السامية وعلمه الكثير ، فانتهت إليه زعامة الشيعة ورئاسة المذهب الإمامي في سائر الأقطار ، ونهض بأعباء الخلافة وتكاليف الزعامة والإمامة ، وقد خضع له علماء عصره وشهدوا له بالتفوّق والتقدّم ، وثنيت له الوسادة زمناً طويلاً»(٢).

أساتذته ومشايخه في الرواية :

تَلمَّذ رحمه‌الله في بدء دراسته في مرحلة المقدّمات ـ شأن كلّ طالب مبتدئ ـ عند جماعة من الأساتذة ، وليس من العادة أن يذكر مثلهم في ترجمة أحد الأعلام ، ولكن ذكر السيّد حسن الصدر في تكملة أمل الآمل في ترجمة الشيخ حسن محيي الدين العاملي النجفي أنّ الشيخ محمّد حسن صاحب الجواهر قرأ عليه (حسن محيي الدين) في أوائل أمره المقدّمات(٣).

وفي مرحلة السطوح تَلمَّذ على الشيخ قاسم محيي الدين المتوفّى سنة

__________________

(١) المصدر السابق ١ / ٥٤.

(٢) الكرام البررة ١ / ٣١٠.

(٣) تكملة أمل الآمل : ١٣٤ ، ترجمة (٨٦).

٢٥٢

(١٢٣٨هـ) والسيّد حسين الشقرائي وغيرهم من علماء عصره (١).

ثمّ وبعد ذلك التحق في دراسته للبحوث العالية بحلقات دروس كبار علماء النجف في زمنه حتّى بلغ درجة الاجتهاد ، وكان من أبرز أساتذته في هذه المرحلة :

١ ـ السيّد محمّد جواد العاملي الحسيني (صاحب كتاب مفتاح الكرامة) ، ذكره في الجواهر وأطراه وقال عنه : «المولى المتبحّر السيّد العماد أستاذي السيّد محمّد جواد»(٢).

٢ ـ الشيخ جعفر النجفي (صاحب كتاب كشف الغطاء) ، وكان يجلّه غاية الإجلال والإكبار ، وعبّر عنه بقوله : «أستاذي النحرير الذي لم يكن في زمانه أقوى منه حدساً وتنبّهاً»(٣). وأيضاً عبّر عنه بـ : (الأستاذ الأكبر) في موارد عديدة من كتاب الجواهر(٤).

٣ ـ الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء.

وغير هؤلاء من تلامذة العلاّمة الوحيد البهبهاني والسيّد بحرالعلوم ، كالسيّد المجاهد صاحب المفاتيح(٥).

وتتلمذه على هذا الرعيل العلمي المتميّز ـ مع قدراته الذاتية ـ أهّله لأن

__________________

(١) الكرام البررة ١ / ٣١١.

(٢) جواهر الكلام ١٣ / ٣٣.

(٣) جواهر الكلام ١٣ / ٣٥.

(٤) جواهر الكلام ٥ / ١٢٣ ، و : ١٠ / ٢٧٨ ، و : ١٣ / ٣٢١ ، و : ٢٥ / ٦١.

(٥) انظر : روضات الجنّات ٢ / ٣٠٥. و : ماضي النجف وحاضرها ٢ / ١٢٩.

٢٥٣

يحتلّ موقعاً علمياً استثنائياً على مدى الزمن ، ولايزال اسم الشيخ النجفي وآراؤه الفقهية تتردّد في الأوساط العلمية على تنوّعها واختلاف مشاربها.

وأمّا روايته :

فقد حصل الشيخ على إجازة نقل الرواية من السيّد محمّد جواد العاملي والشيخ جعفر كاشف الغطاء ، وكذا عن الشيخ أحمد الأحسائي ، وغيرهم(١).

تلامذته :

نشطت الحركة العلمية في النجف الأشرف في عهد الشيخ المترجم له ، وقد شغل الشيخ النجفي الموقع الأوّل في مدرسة النجف إن لم يكن في العالم الشيعي برمّته بعد غياب أستاذه الشيخ جعفر كاشف الغطاء ونجله الشيخ موسى ، وأقبل طلاّب العلم على الهجرة إليها ، وكان درس الشيخ بالخصوص ملتقى النوابغ والمجتهدين من الطلاّب ، ذلك بفضل براعته البيانية وحسن تدريسه وبحثه الدؤوب وانكبابه على التدريس والتأليف ، وكان مجلس درسه يضمّ أكثر من ستّين مجتهداً من المعترف لهم بالفضيلة ، فتخرّج على يديه جماعة كبيرة من أعلام الفقه انتشر أكثرهم في البلاد ، حتّى قال فيه بعض خوانين إيران : لم يبقَ بلد من بلدان إيران إلاّ وفيه من خرّيجي مدرسته (٢) ، بل قيل : إنّه لم تبقَ بلدة شيعية

__________________

(١) انظر : الكرام البررة ١ / ٣١١. و : ماضي النجف وحاضرها ٢ / ١٣٠.

(٢) آل محبوبة ، جعفر باقر ، ماضي النجف وحاضرها ٢ / ١٢٩.

٢٥٤

ليس فيها مرجع للناس من تلاميذه ؛ ممّا يعني أنّ عدداً من طلاّبه انتشر في البلاد الإسلامية لغرض التعليم الديني وتمثيل المرجعية الدينية في تلك الأرجاء ، ولعلّ ذلك كان من إرشادات الشيخ قدس‌سره نفسه واهتمامه بتوسيع عمل المرجعية في هذا الإطار.

قال المحقّق آقا بزرك الطهراني في وصف درس المترجَم له وتلامذته : «وهو مضرب المثل في كثرة من تخرّج عليه ، ويمتاز عن البعض بأنّ كافّة تلاميذه فطاحل غطارف فحول أعلام ، فقد خرج من معهد درسه جمٌّ غفير انتشروا في الأنحاء والأرجاء الشيعية ، وهم كثيرون للغاية ويصعب استقصاؤهم جدّاً»(١).

وقد ذكر الشيخ المظفّر عدداً كبيراً من أعلام تلامذة الشيخ ممّن هم معروفون بمقامهم العلمي ومكانتهم الدينية وقد أنهاهم إلى الأربعين ، ومن أبرز أولئك الذين ذكرهم :

الميرزا إبراهيم شريعتمدار السبزواري العلوي ، والشيخ محمّد باقر الأصفهاني ولد صاحب حاشية المعالم ، والشيخ جعفر التستري ، والشيخ حسن ابن الشيخ أسد الله الكاظمي صاحب المقابس ، والشيخ راضي النجفي جدّ الأسرة العلمية المعروفة باسمه (٢).

آثاره ومصنّفاته :

كان للمترجم له في التأليف والتصنيف ملكة عظيمة ، واشتهرت كتبه

__________________

(١) الكرام البررة ١ / ٣١٢.

(٢) مقدّمة الجواهر : ٢٢. وانظر : ماضي النجف وحاضرها ٢ / ١٣٠.

٢٥٥

اشتهاراً كبيراً ، وهو بالتأكيد إنّما يدلّ على غزارة مادّته وتبحّره في الفقه ، ويكفيه من آثاره ومصنّفاته العلمية كتابه جواهر الكلام الذي هو أحد ركني موضوع البحث في هذه المقالة ، ويأتي الكلام عنه إن شاء الله.

وأيضاً ممّا عُرف من تصانيفه هو كتاب نجاة العباد أو نجاة العباد في يوم المعاد ، وهي رسالة عملية فتوائية مجرّدة عن الدليل والمدرك الشرعي كان قد ألّفها لمقلّديه ، وغالباً ما يكتبها الفقيه لمقلّديه للرجوع إليها لمعرفة فتاواه في المسائل محلّ الابتلاء وهو ما يعرف اصطلاحاً بـ : الرسالة العملية ، وقد ذكر الشيخ آقا بزرك الطهراني أنّ الشيخ صاحب الجواهر انتزع كتابه نجاة العباد من كتابه الكبير جواهر الكلام(١).

وذكر بعض المتتبّعين أنّ التفحّص في عبارات نجاة العباد يقضي بأنّها قد انتزعت من كتاب الجواهر ، بل الغالب يجدها عينها فيه ، فيمكن القول بأنّها خلاصة للجواهر(٢).

وقد علّق عليها جمع من أكابر الفقهاء ، وذُكر أنّ من أوّلهم كان الشيخ مرتضى الأنصاري ـ الذي تزعّم مدرسة النجف الأشرف بعد وفاة الشيخ صاحب الجواهر ـ فوقّعها لعمل مقلّديه أيضاً وعلّق على موارد اختلاف نظره في الحاشية ، وحذا حذوه بقيّة العلماء من بعده ، فكثرت الحواشي على نجاة العباد من أمثال الميرزا الشيرازي قائد ثورة التنباك ، والشيخ راضي ، والشيخ المامقاني ،

__________________

(١) الذريعة ٢٤ / ٥٩.

(٢) مقدّمة جواهر الكلام في ثوبه الجديد ١ / ٥٢.

٢٥٦

وغيرهم(١).

وله أيضاً عدّة رسائل أخرى في الدماء الثلاثة والزكاة والخمس وأحكام الأموات ، كلّها أُلحقت بنجاة العباد ، وصارت جميعها رسالة واحدة بهذا الاسم.

وله : هداية الناسكين في مناسك الحجّ ، ترجمه الملاّ علي بن ميرزا خليل الطهراني للفارسية ، وشرحه الملاّ محمّد حسين القمشي.

وله أيضاً رسالة في الزكاة والخمس ، ورسالة في المواريث ، وهي آخر مؤلّفاته ، وقد فرغ منها سنة الوباء (١٢٦٤هـ) (٢).

أمّا في أصول الفقه فله كتاب مستقلّ ، ذكر بعض الباحثين إنّ نسخته الوحيدة التي هي بخطّ مؤلّفه تَلَفت بوقوعها في البئر بعد أن ألقاها ولد له صغير ، وبعد إخراجه وجدوا أنّه قد انمحت كلماته ، ولم يكن وقت الشيخ يسمح له يومئذ وهو المرجع للتقليد أن يعيد تأليفه.

وقد أشار إليه الشيخ في كتابه الجواهر وأحال عليه في عدّة مواضع من الكتاب ، منها كتاب الصلاة عند تعرّضه لمعنى الصلاة شرعاً(٣) ، وكتاب الصوم في حكم من نسي غسل الجنابة(٤) ، وكتاب الحجّ في حكم المستبصر إذا أخلّ

__________________

(١) انظر : آقا بزرك الطهراني ، محمّد محسن ، الذريعة ٢٤ / ٥٩. الأمين ، محسن بن عبد الكريم ، أعيان الشيعة ٩ / ١٤٩.

(٢) المصادر السابقة. و : ماضي النجف وحاضرها ٢ / ١٣٣.

(٣) جواهر الكلام ٧ / ١٥.

(٤) جواهر الكلام ١٧ / ٤٦٦.

٢٥٧

بركن(١).

إيصاء الشيخ بالزعامة والمرجعية من بعده إلى الشيخ الأنصاري :

ومن سعة أفق الشيخ وبُعد نظره، ما كان من تنصيبه للشيخ مرتضى الأنصاري خلفاً له ، فقد دعاه في مرض موته بحضور أكثر أعلام تلاميذه وأولاده الذين كان يرى ويعتقد كلّ واحد منهم في نفسه الكفاية لهذا المنصب الرفيع ، ولكنّه عهد إلى الشيخ دونهم بهذا المنصب ، والأنصاري يومئذ مغمور لا يعرفه أحد ، على أنّه لم يكن معدوداً من تلاميذه وإنّما كان يحضر درسه في أواخر أيّامه تيمّناً لا حضور التلميذ المستفيد ، ولذا يُعبّر الشيخ الأنصاري عن صاحب الجواهر في بعض كتبه بـ : (بعض المعاصرين) لا أكثر(٢).

وفاته ومكان دفنه :

توفّي صاحب الجواهر قدس‌سره في غرّة شعبان يوم الأربعاء عند زوال الشمس سنة (١٢٦٦هـ) في النجف الأشرف بعد أن تجاوز العقد السابع من عمره الشريف ، ودفن في مقبرته المعروفة والمجاورة لمسجده المشهور في ما يعرف اليوم بمحلّة (العمارة) ، وقد أرَّخ عام وفاته سبطه الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ عبد علي (مؤلّف آثار الشيعة) ببيتين وقد كُتِبا بالحجر الكاشي على صخرة قبره ،

__________________

(١) جواهر الكلام ١٨ / ١٦٠.

(٢) انظر : ماضي النجف وحاضرها ٢ / ١٣٤. و : مقدّمة الجواهر : ٢٤.

٢٥٨

والبيتان :

ذا مرقد الحسن الزاكي الذي اندرجت

أسرار أحمد فيه بل سرائره

أودي ومذ أيتم الإسلام أرّخه

بين الأنام يتيمات جواهره (١)

جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام :

أمّا جواهر الكلام فهو مصنَّف استدلاليّ ضخم في الفقه الشيعي الإمامي ، من تأليف الشيخ محمّد حسن النجفي شرح فيه كتاب شرائع الإسلام للمحقّق نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي (ت٦٧٦هـ) شرحاً متميّزاً بحيث يصعب على القارئ التفريق عند قراءته بين المتن والشرح.

يتميّز الكتاب بتقديم موسّع للأبحاث الفقهية وعرض واف ومُسهَب لمختلف آراء الفقهاء الماضين بما قد يُغني الباحث عن مراجعة غيره من الكتب والمصادر ليزوِّده بالأبحاث والتدقيقات التي لا مناص منها في عملية الاستنباط الفقهي ، وقد فاق جميع ما سبقه من الموسوعات سعة وجمعاً وإحاطة بأقوال العلماء وسرد أدلّتهم ومناقشتها مع بُعد نظر وتدقيق ، فوُفّق الكتاب توفيقاً منقطع النظير في إقبال أهل العلم عليه وأخذهم منه ، وبعد ذلك توفّق للنشر بعد وفاة المؤلّف بزمن قليل ، فطُبع على الحجر بإيران خمس طبعات في ستّة مجلّدات ضخام ، ووُقِف منه مئات النسخ على طلاّب العلم بالنجف وكربلاء وإيران.

والسرّ في هذا الإقبال ـ كما يوعزه الحجّة الشيخ محمّد رضا المظفّر طاب

__________________

(١) الكرام البررة ١ / ٣١٣ ، ترجمة (٦٣٢).

٢٥٩

ثراه في مقدّمته على الكتاب ـ يرجع إلى عدّة أمور :

١ ـ أنّه كتاب لم يؤلّف مثله سعة وإحاطة وتعمّقاً ومناقشة للمطالب.

٢ ـ أنّه كتاب كامل في أبواب الفقه كلّها جامع لجميع كتبه.

٣ ـ وجود ميزة فيه قد تفرّد بها ، وهي كونه على نسق واحد وأسلوب واحد وبنفس السعة التي ابتدء بها انتهى إليها.

٤ ـ إنّ به الغنى عن كثير من الكتب الفقهية الأخرى ولا يُستغنى بها عنه.

ونُقل عن صاحبه رحمه‌الله أنّه قال : من كان عنده جامع المقاصد والوسائل والجواهر فلا يحتاج إلى كتاب للخروج عن عهدة الفحص الواجب على الفقيه في آحاد المسائل الفرعية.

٥ ـ وميزة خامسة فيه أنّه احتوى على كثير من التفريعات الفقهية النادرة ممّا قد لا تجده في غيره من الموسوعات الأخرى ، فهو جامع لأمّهات المسائل وفروعها(١).

جاء في الذريعة : «كتاب الجواهر الذي لا يوجد في خزائن الملوك بعض جواهره ولم يعهد في ذخائر العلماء شيء من ثماره وزواهره ، لم يكتب مثله ، جامع في استنباط الحلال والحرام ولم يوفّق لنظيره أحد من الأعلام ، لأنّه محيط بأوّل الفقه وآخره ، محتو على وجوه الاستدلال مع دقّة النظر ونقل الأقوال ، قد صرف عمره الشريف وبذل وسعه في تأليفه فيما يزيد على ثلاثين سنة ... وقد

__________________

(١) مقدّمة كتاب الجواهر ١ / ١٧. وانظر في القول المنقول الكنى والألقاب ٣ / ١٣٤ ، ترجمة الكركي.

٢٦٠