حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي


المحقق: محمد عبدالسلام شاهين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٨٠

وصف أحدا بما وصفه به من العيوب ، فألحق به عارا لا يفارقه أبدا ، وتعلق بزنيم الظرف قبله (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) (١٤) أي لأن ، وهو متعلق بما دل عليه (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) القرآن (قالَ) هي (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١٥) أي كذب بها ، لإنعامنا عليه بما ذكر ، وفي قراءة : أأن ، بهمزتين مفتوحتين (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١٦) سنجعل على أنفه علامة يعير بها ما عاش ، فخطم أنفه بالسيف يوم بدر (إِنَّا بَلَوْناهُمْ) امتحنا أهل مكة بالقحط والجوع (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) البستان (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها) يقطعون ثمرتها (مُصْبِحِينَ) (١٧) وقت الصباح ، كي لا

____________________________________

وصفني بتسع صفات أعرفها غير التاسع منها ، فإن لم تصدقيني الخبر ضربت عنقك ، فقالت له : إن أباك عنين ، فخفت على المال ، فمكنت الراعي من نفسي ، فأنت منه ، فلم يعرف أنه ابن زنا حتى نزلت الآية ، وإنما ذم بذلك ، لأن الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الولد ، لما ورد في الحديث : «لا يدخل الجنة ولد زنا ، ولا ولده ولا ولا ولده». وورد : «أن أولاد الزنا ، يحشرون يوم القيامة في صورة القردة والخنازير». وورد : «لا تزال أمتي بخير ، ما لم يفش فيهم ولد الزنا ، فإذا فشا فيهم ولد الزنا ، أوشك أن يعمهم الله بعذابه». وقال عكرمة : إذا كثر ولد الزنا قحط المطر. قوله : (من العيوب) بيان لما.

قوله : (أَنْ كانَ ذا مالٍ) الخ ، سيأتي في المدثر الكلام على ماله وبنيه. قوله : (وهو متعلق بما دل) الخ ، أي وقد بينه بقوله : (أي كذب بها) ولا يصح أن يكون معمولا لفعل الشرط ، لأن (إِذا) تضاف للجملة بعدها ، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف ، ولا يصح أن يكون معمولا لجواب الشرط ، لأن ما بعده أداة الشرط ، لا يعمل فيما قبلها. قوله : (قالَ أَساطِيرُ) جمع أسطورة كأكاذيب جمع أكذوبة ، وزنا ومعنى. قوله : (بما ذكر) أي من المال والبنين. قوله : (وفي قراءة) أي سبعية (أأن بهمزتين مفتوحتين) الأولى همزة الاستفهام التوبيخي ، والثانية أن همزة المصدرية ، واللام مقدرة ، والمعنى أكذب بها لأن كان ذا مال وبنين ، أي لا ينبغي ولا يليق ذلك منه ، لأن المال والبنين من النعم ، فكان ينبغي مقابلتهما بالشكر ، وقراءة الاستفهام فيها ، التحقق من غير ألف والتسهيل مع إدخال ألف بينهما وتركه. قوله : (عَلَى الْخُرْطُومِ) عبر به استهزاء بهذا اللعين ، لأن الخرطوم أنف السباع ، وغالب ما يستعمل في أنف الفيل والخنزير. قوله : (فخطم أنفه) أي جرح أنف هذا اللعين يوم بدر ، فبقي أثر الجرح في أنفه بقية عمره.

قوله : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) هي بستان باليمن يقال له الصروان دون صنعاء بفرسخين ، وكان صاحبه ينادي الفقراء وقت الجذاذ ، ويترك لهم ما اخطأ المنجل من الزرع أو ألقته الريح ، أو بعد عن البساط الذي يبسط تحت الثمر ، وكان يجتمع لهم في ذلك شيء كثير ، فلما مات ورثه بنوه وكانوا ثلاثة ، وشحوا بذلك وقالوا : إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ، ضاق علينا الأمر ونحن ذوو عيال ، فحلفوا أن يجذوه قبل الشمس ، حتى لا تأتي الفقراء إلا بعد فراغهم ، وكانت قصتهم بعد عيسى ابن مريم بزمن يسير. قوله : (بالقحط) أي وهو احتباس المطر الذي دعا به صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم ، حتى أكلوا الجيفة. قوله : (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) الكاف في موضع نصب لمصدر محذوف ، وما مصدرية أو بمعنى الذي.

قوله : (إِذْ أَقْسَمُوا إِذْ) تعليلية متعلقة ببلونا ، والمراد معظمهم ، وإلا فالأوسط نهاهم عن ذلك وقال لهم : اصنعوا من الإحسان ما كان يصنعه أبوكم. قوله : (يقطعون) أي فالصرم القطع ، والانصرام

٢٤١

يشعر بهم المساكين فلا يعطونهم منها ما كان أبوهم يتصدق به عليهم منها (وَلا يَسْتَثْنُونَ) (١٨) في يمينهم بمشيئة الله تعالى ، والجملة مستأنفة أي وشأنهم ذلك (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) نارا أحرقتها ليلا (وَهُمْ نائِمُونَ) (١٩) (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠) كالليل الشديد الظلمة أي سوداء (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) (٢١) (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) غلتكم ، تفسير لتنادوا ، أو أن مصدرية ، أي بأن (إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) (٢٢) مريدين القطع ، وجواب الشرط دل عليه ما قبله (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) (٢٣) يتسارون (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) (٢٤) تفسير لما قبله ، أو أن مصدرية ، أي بأن (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ) منع للفقراء (قادِرِينَ) (٢٥) عليه في ظنهم (فَلَمَّا رَأَوْها) سوداء محترقة (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) (٢٦) عنها ، أي ليست هذه ، ثم قالوا لما علموها (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٢٧) ثمرتها بمنعها الفقراء منها (قالَ أَوْسَطُهُمْ) خيرهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا) هلا (تُسَبِّحُونَ) (٢٨) الله تائبين (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٢٩) بمنع الفقراء حقهم (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ

____________________________________

الانقطاع. قوله : (مُصْبِحِينَ) حال من فاعل (لَيَصْرِمُنَّها) وهو من أصبح التامة أي داخلين في الصباح. قوله : (فلا يعطونهم) معطوف على النفي ، ولذا رفع (لا) على المنفي لفساد المعنى : قوله : (ما كان أبوهم) أي القدر الذي كان أبوهم الخ ، وتقدم بيانه. قوله : (بمشيئة الله تعالى) أي لا يقولون في يمينهم إن شاء الله ، وقيل : لا يستثنون شيئا للمساكين. قوله : (والجملة مستأنفة) أي وجوز بعضهم الحالية ، وهي أظهر في المعنى ، وإنما عدل المفسر عنه ، لأن المضارع المنفي بلا ، كالمثبت في أنه لا يقع حالا مقرونا بالواو ، إلا بإضمار مبتدأ وفيه كلفة. قوله : (وَهُمْ نائِمُونَ) الجملة حالية. قوله : (كالليل) سمى الليل صريما لانصرامه وانفصاله من النهار ، كما يسمى النهار صريما أيضا لانفصاله من الليل.

قوله : (فَتَنادَوْا) معطوف على (أَقْسَمُوا) وما بينهما اعتراض. قوله : (مُصْبِحِينَ) حال. قوله : (أَنِ اغْدُوا) أي بكروا وقت الغدو ، وعداه بعلى لتضمنه معنى اقبلوا. قوله : (تفسير لتنادوا) أي فأن بمعنى أي. قوله : (دل عليه ما قبله) أي وتقديره فاغدوا. قوله : (فَانْطَلَقُوا) معطوف على (فَتَنادَوْا) وقوله : (وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) حال. قوله : (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا) الخ ، أصل الكلام أن لا تدخلوها مسكينا ، فأوقع النهي على دخول المساكين لأنه أبلغ ، لأن دخولهم أهم من أن يكون بإدخالهم أو بدونه. قوله : (وَغَدَوْا) أي ساروا إليها غدوة ، وقوله : (قادِرِينَ) خبر (غَدَوْا) إن كان بمعنى أصبح الناقصة وإن كانت تامة ، يكون منصوبا على الحال. قوله : (عَلى حَرْدٍ) الحرد فيه أقوال كثيرة أشهرها ما قاله المفسر ، ومنها أن معناه الغضب ، ومنها السنة التي قل مطرها. قوله : (في ظنهم) أي وأما في الواقع فليس كذلك ، لهلاك الثمر عليهم ليلا. قوله : (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) أي قالوا ذلك في بادىء الرأي. قوله : (لما علموها) أي بعد التأمل والتفتيش. قوله : (بمنعها) الباء سببية. قوله : (خيرهم) أي رأيا وعقلا ونفسا ، أنكر عليهم بقوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) الخ ، في مفعوله محذوف ، أي ألم أقل لكم أن ما فعلتموه لا يرضى به الله؟ قوله : (هلا) (تُسَبِّحُونَ) (الله) أي تستغفرونه وتتوبون إليه من حيث عزمكم.

قوله : (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا) أي فامتثلوا وتابوا. قوله : (يَتَلاوَمُونَ) أي يلوم بعضهم بعضا ، على

٢٤٢

يَتَلاوَمُونَ) (٣٠) (قالُوا) للتنبيه (يا وَيْلَنا) هلاكنا (إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) (٣١) (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا) بالتشديد والتخفيف (خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) (٣٢) ليقبل توبتنا ويردّ علينا خيرا من جنتنا ، روي أنهم أبدلوا خيرا منها (كَذلِكَ) أي مثل العذاب لهؤلاء (الْعَذابُ) لمن خالف أمرنا من كفار مكة وغيرهم (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٣٣) عذابها ما خالفوا أمرنا ، ونزل لما قالوا : إن بعثنا نعطى أفضل منكم (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٣٤) (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) (٣٥) أي تابعين لهم في العطاء (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٦) هذا الحكم الفاسد (أَمْ) أي بل أ(لَكُمْ كِتابٌ) منزل (فِيهِ تَدْرُسُونَ) (٣٧) أي تقرؤون (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما

____________________________________

ما صدر منهم سابقا. قوله : (هلاكنا) أي إن لم يعف عنا ربنا ، فقد حضر هلاكنا. قوله : (عَسى رَبُّنا) رجوع منهم إلى الرجاء في رحمة الله بعد التوبة. قوله : (بالتشديد والتخفيف) قراءتان سبعيتان. قوله : (روي أنهم أبدلوا) الخ ، أي فأمر الله جبريل أن يقتلع تلك الجنة المحترقة فيجعلها بزغر ، بالزاي والغين المعجمتين ، بلدة بالشام بها عين غور مائها علامة خروج الدجال ، ويأخذ من الشام جنة فيجعلها مكانها ، قال ابن مسعود : إن القوم اخلصوا ، وعلم الله منهم الصدق ، فأبدلهم جنة يقال لها الحيوان ، فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا واحدا ، وقال اليماني أبو خالد : دخلت تلك الجنة ، فرأيت منها محل العنقود كالرجل القائم الأسود.

قوله : (كَذلِكَ) خبر مقدم ، و (الْعَذابُ) مبتدأ مؤخر. قوله : (أي مثل العذاب لهؤلاء) أي الذي بلونا به أصحاب الجنة من إهلاك ما كان عندهم يحصل لأهل مكة ، قال ابن عباس : هذا مثل لأهل مكة ، حين خرجوا إلى بدر وحلفوا ليقتلون محمدا وأصحابه ، ويرجعون إلى مكة ، ويطوفون بالبيت ، ويشربون الخمر ، وتضرب القينات على رؤوسهم ، فأخلف الله ظنهم ، فقتلوا وأسروا وانهزموا ، كأهل هذه الجنة لما خرجوا عازمين على الصرام ، فخابوا وضاعت صفقتهم ، وفيه تلطف بأهل مكة ، حيث ضرب لهم المثل بأهل الجنة كما لا يخفى. قوله : (ونزل لما قالوا) الخ ، ظاهره أن قولهم سبب لنزول (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) الخ ، وليس كذلك ، بل الآية سبب لقولهم المذكور ، فلما صدر منهم ذلك القول أنزل ردا عليهم (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ) الخ ، قال مقاتل : لما نزل (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) الخ ، قال كفار مكة للمسلمين : إن الله فضلنا عليكم في الآخرة ، فإن لم يحصل التفضيل ، فلا أقل من المساواة ، فأجابهم الله تعالى بقوله : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ) الخ. قوله : (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أضيفت إلى (النَّعِيمِ) لأنه ليس فيها إلا النعيم الخالص الذي لا يشوبه كدر ولا نقص كجنات الدنيا.

قوله : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) الهمزة داخلة على محذوف ، والفاء عاطفة عليه ، والتقدير : أنحيف في الحكم ، فنجعل المسلمين ، وفي العبارة قلب ، والأصل : أفنجعل المجرمين كالمسلمين ، لأنهم جعلوا أنفسهم كالمسلمين بل أفضل؟ فحينئذ يكون الإنكار متوجها لجعلهم المذكور ، وقد وبخوا باستفهامات سبعة تنتهي لقوله : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) أولها (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ) ثانيها (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ثالثها. رابعها (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) الخ ، خامسها (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) الخ ، سادسها «أنهم» الخ ، سابعها (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) الخ. قوله : (أي تابعين لهم في العطاء) المناسب أن يقول : أي مساوين لهم في العطاء ، بقي أن الآية إنما دلت على نفي المساواة ، مع أن المشركين ادعوا الأفضلية ، فلم

٢٤٣

تَخَيَّرُونَ) (٣٨) تختارون (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) عهود (عَلَيْنا بالِغَةٌ) واثقة (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) متعلق معنى بعلينا ، وفي هذا الكلام معنى القسم ، أي أقسمنا لكم ، وجوابه (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) (٣٩) به لأنفسكم (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ) الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم ، من أنهم يعطون في الآخرة أفضل من المؤمنين (زَعِيمٌ) (٤٠) كفيل لهم (أَمْ لَهُمْ) أي عندهم (شُرَكاءُ) موافقون لهم في هذا المقول ، يكفلون لهم به ، فإن كان كذلك (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ) الكافلين لهم به (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) (٤١) اذكر (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) هو عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة للحساب

____________________________________

تحصل الموافقة. أجيب : بأنها دلت على نفي الأفضلية بالأولى ، لأنه إذا انتفت المساواة فالأفضلية أولى.

قوله : (ما لَكُمْ) مبتدأ وخبر ، والمعنى : أي شيء ثبت واستقر لكم من هذه الأحكام البعيدة عن الصواب. قوله : (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) جملة أخرى ، فالوقف على (لَكُمْ) استفيد من هذه الجملة السؤال عن كيفية الحكم ، هل هو عن عقل أو لا؟ قوله : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ أَمْ) منقطعة تفسر ببل والهمزة ، وقيل للاضراب الانتقالي ، والهمزة للاستفهام التوبيخي التقريعي ، وكذا يقال فيما يأتي. قوله : (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ لَكُمْ) خبر (إِنَ) مقدم ، وما اسمها مؤخر ، واللام للتوكيد ، وهذه الجملة هي المدروسة في الكتاب ، فهي في المعنى مفعول لتدرسون ، وكسر همزة إن لوقوع اللام المعلقة للفعل عن العمل بعدها ، قال ابن مالك :

وكسروا من بعد فعل علقا

باللام كاعلم إنه لذو تقى

قوله : (تختارون) أي تشتهون وتطلبون. قوله : (عهود) أي مؤكدة بالأيمان لأن العهد كلام مؤكد بالقسم. قوله : (بالِغَةٌ) بالرفع في قراءة العامة نعت لأيمان ، وقرىء شذوذا بالنصب على الحال ، إما من (أَيْمانٌ) أو من الضمير في (عَلَيْنا.) قوله : (متعلق معنى بعلينا) أي متصل به ، وليس المراد التعلق الصناعي ، فإنه مختص بالفعل ، أو ما فيه رائحة الفعل ، أو بالمقدر في الظرف ، أي هي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة ، ولا تخرج عن عهدتها إلا يومئذ إذا حكمناكم. قوله : (وفي هذا الكلام) أي قوله : (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) الخ. قوله : (أي أقسمنا لكم) مفعوله محذوف ، أي أقسمنا لكم أيمانا موثقة. قوله : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ) الخ (سَلْهُمْ) ينصب مفعولين الأول الضمير المتصل ، والثاني جملة (أَيُّهُمْ ،) وأي مبتدأ ، و (زَعِيمٌ) خبره ، و (بِذلِكَ) متعلق بزعيم.

قوله : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ لَهُمْ) خبر مقدم ، و (شُرَكاءُ) مبتدأ مؤخر ، وهذه الجملة معطوفة معنى على جملة أيهم زعيم ، واختلف في الشركاء فقيل : المراد بهم ناس يشاركونهم في القول المذكور ، وقيل المراد بها الأصنام وكلام المفسر محتمل لهما. قوله : (يكلفون لهم به) أي بصحته ونفوذه. قوله : (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه. قوله : (اذكر) أشار بذلك إلى أن (يَوْمَ) معمول لمحذوف ، والجملة مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها ، وهذا أحد قولين ، والآخر أن الظرف متعلق بيأتوا ، والمعنى : فليأتوا بشركائهم في ذلك اليوم ، تنفعهم وتشفع لهم. قوله : (هو عبارة) الخ ، أي هذا التركيب ، و (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) كناية عن الشدة ، فأصل هذا الكلام يقال لمن شمر عن ساقه عند العمل الشاق ، ويقال إذا اشتد الأمر في الحرب : كشف الحرب عن ساق. وسئل ابن عباس عن هذه الآية فقال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فاتبعوه في الشعر ، فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر :

٢٤٤

____________________________________

سن لنا قومك ضرب الأعناق

وقامت الحرب بنا على ساق

وقال الآخر

ألا رب ساهي الطرف من آل مازن

إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا

وقيل : المراد الحقيقة وعليه فاختلف فقيل : يكشف عن ساق جهنم ، وقيل : عن ساق العرش ، وقيل : يكشف لهم الحجاب فيرون الله تعالى. ففي مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن ناسا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نعم قال : هل يضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : فما تضارون في رؤية الله تعالى يوم القيامة ، إلا كما تضارون في رؤية أحدهما ، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ، لنتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار ، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله ، من بر وفاجر وغير أهل الكتاب ، فتدعى اليهود فيقال لهم : ما كنتم تعبدون؟ قالوا : كنا نعبد عزيرا ابن الله ، فيقال : كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ، فما ذا تبغون؟ قالوا : عطشنا يا ربنا فاسقنا ، فيشار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار ، كأنها سراب يحطم بعضها بعضا ، فيتساقطون في النار ، ثم يدعى النصارى فيقال لهم : ما كنتم تعبدون؟ قالوا : كنا نعبد المسيح ابن الله ، فيقال لهم : كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ، فيقال لهم : ماذا تبغون؟ فيقولون : عطشنا يا ربنا فاسقنا ، فيشار إليهم ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب عظيم بعضها بعضا ، فيتساقطون في النار ، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر ، أتاهم الله في أدنى صورة من التي رأوه فيها ، قال : فماذا تنتظرون؟ لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ، قالوا : يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، لا نشرك بالله شيئا ، مرتين أو ثلاثا ، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول : هل بينكم وبينه آية فتعرفوه بها؟ فيقولون : نعم ، فيكشف عن ساق ، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه ، إلا أذن الله له بالسجود ، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء ، إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة ، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فقال : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون : اللهم سلم سلم ، قالوا : يا رسول الله وما الجسر. قال : دحض مزلقة فيها خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد ، فيها شويكة يقال لها السعدان ، فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير ، وكأجاويد الخيل والركاب ، فناج مسلم ، ومخدوش مرسل ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى إذا خلص المؤمنون من النار ، فو الذي نفسي بيده ، ما من أحد منكم بأشد من شدة الله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين هم في النار ، فيقولون : ربنا كانوا يصومون معنا ، ويصلون ويحجون ، فيقال لهم : أخرجوا من عرفتم ، فتحرم صورهم على النار ، فيخرجون خلقا كثيرا ، قد أخذت النار إلى نصف ساقه وإلى ركبته ثم يقولون : ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به ، فيقال لهم : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقا كثيرا ، ثم يقولون : ربنا لم ندر فيها أحدا ممن أمرتنا به ، ثم يقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقا كثيرا ، ثم يقولون : يا ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا

٢٤٥

والجزاء ، يقال : كشفت الحرب عن ساق إذا اشتد الأمر فيها (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) امتحانا لإيمانهم (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) (٤٢) تصير ظهورهم طبقا واحدا (خاشِعَةً) حال من ضمير يدعون ،

____________________________________

به أحدا ، ثم يقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ، ثم يقولون : يا ربنا لم نذر فيها خيرا. وكان أبو سعيد يقول : إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرأوا إن شئتم (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) فيقول الله : شفعت الملائكة ، وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ، ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار ، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط ، قد عادوا حمما ، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة ، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ، ما تكون إلى الشمس أصفر أو أخضر ، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض ، قال : فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة ، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة ، بغير عمل عملوه ، ولا خير قدموه ، ثم يقول : ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم ، فيقولون : ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين ، فيقول : لكم عندي ما هو أفضل من هذا ، فيقولون : ربنا أي شيء أفضل من هذا. فيقول : رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا.

ـ تنبيه ـ قوله في الحديث : «أتاهم الله في أدنى صورة رأوه فيها» الخ ، هو من المتشابه يجري فيه مذهب السلف والخلف ، فالسلف يقولون : يجب علينا أن نؤمن بها ، ونعتقد أن لها معنى يليق بجلال الله تعالى ، مع اعتقادنا أن الله تعالى ليس كمثله شيء ، والخلف يؤولون الإتيان إما بالرؤية لأن العادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته ، أو بإتيان ملك فيقول : أنا ربكم على سبيل الامتحان وهذا آخر امتحان المؤمنين ، ومعنى الصورة الصفة ، فمعنى «في أدنى صورة» الخ ، في غير الصفة التي يعرفونه في الدنيا بها ، وقولهم : «فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم» ، أي فارقنا الناس من أجل توحيدك ، حال كوننا مع المفارقة أفقر من أنفسنا عند صحبتهم ، فهو اخبار منهم بمزيد صبرهم على المشاق لأجل الله ، وقولهم «نعوذ بالله منك» ، إنما استعاذوا منه لكونهم رأوا سمات المخلوق ، وقوله : «فيكشف عن ساق» ، معناه كشف الحزن وإزالة الرعب عنهم وما كان غلب على عقولهم من الأهوال ، فتطمئن حينئذ نفوسهم عند ذلك ، ويتجلى لهم بالصفة التي يعرفونها فيخرون سجدا ، وهذه الرؤية غير الرؤية التي هي في الجنة لكرامة أوليائه ، وإنما هذه الرؤية امتحان لعباده ، وقوله : «وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة» ، معناه أنه تحجب عنهم بالصفة التي رأوه فيها أول مرة ، وقوله : «ثم يضرب الجسر» معناه الصراط ، وتحل الشفاعة بكسر الحاء وضمها معناه تقع ويؤذن فيها ، وقوله : «دحض مزلقة» أي طريق تزلق فيه الأقدام ولا تثبت ، وقوله : «فيه خطاطيف» جمع خطاف ، وهو الذي يخطف الشيء ، والكلاليب جمع كلوب وهو الحديدة التي يعلق بها اللحم والحسك الذي يقال له السعدان ، ثبت له شوك عظيم من كل جانب ، ومعنى «الخبر» اليقين ، ومعنى «قبض قبضة» أي جمع جماعة ، وقوله : «قد عادوا حمما» أي صاروا فحما ، وقوله : «في أفواه الجنة» جمع فوهة وهي أول النهر ، وقوله : «فيخرجون كاللؤلؤ» أي في الصفاء ، وقوله : «في رقابهم الحواتيم» ، قيل : معناه أنهم يعلقون أشياء من ذهب أو غير ذلك مما يعرفون بها ، والله أعلم.

قوله : (وَيُدْعَوْنَ) أي الكفار. قوله : (امتحانا لإيمانهم) أي لا تكليفا بالسجود ، لأنها ليست دار تكليف. قوله : (طبقا واحدا) أي عظما واحدا. قوله : (أَبْصارُهُمْ) فاعل ب (خاشِعَةً) ، ونسب

٢٤٦

أي ذليلة (أَبْصارُهُمْ) لا يرفعونها (تَرْهَقُهُمْ) تغشاهم (ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ) في الدنيا (إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) (٤٣) فلا يأتون به بأن لا يصلوا (فَذَرْنِي) دعني (وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) القرآن (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) نأخذهم قليلا قليلا (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (٤٤) (وَأُمْلِي لَهُمْ) أمهلهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٤٥) شديد لا يطاق (أَمْ) بل أ(تَسْئَلُهُمْ) على تبليغ الرسالة (أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) مما يعطونكه (مُثْقَلُونَ) (٤٦) فلا يؤمنون لذلك (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي اللوح المحفوظ الذي فيه الغيب (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) (٤٧) منه ما يقولون (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) فيهم بما يشاء

____________________________________

الخشوع والذل إليها ، لأن ما في القلب يعرف في العين ، وفي ذلك المقام يسجد المؤمنون شكرا لله تعالى على ما أعطوه من النعيم ، فيرفعون رؤوسهم من السجود ، ووجوههم أضوأ من الشمس ، ووجوه الكافرين والمنافقين سوداء مظلمة له. قوله : (تَرْهَقُهُمْ) حال أخرى. قوله : (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ) أي دعوة تكليف والجملة حالية ، وكذا قوله : (وَهُمْ سالِمُونَ). قوله : (بأن لا يصلوا) أشار بذلك إلى أن المراد بالسجود الثاني هو الصلاة ، واتفق المفسرون على أن المراد بالسجود الأول حقيقته. قوله : (فَذَرْنِي) تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتخويف للكافرين ، والمعنى : أترك أمر المكذبين إلي أكفك ذلك. قوله : (وَمَنْ يُكَذِّبُ) في محل نصب إما معطوف على الياء في ذرني ، أو مفعول معه ، والأول أرجح ، قال ابن مالك :

والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق

والنصب مختار لدى عطف النسق

قوله : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) استئناف مسوق لبيان كيفية التعذيب المستفاد إجمالا من قوله ذرني الخ. قوله : (نأخذهم قليلا قليلا) أي فالاستدراج : الأخذ بالتدريج شيئا فشيئا ، والمعنى : لما أنعمنا عليهم ، اعتقدوا أن ذلك الإنعام تفضيل لهم على المؤمنين ، وهو في الحقيقة سبب لهلاكهم. قوله : (وَأُمْلِي لَهُمْ) عطف على (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) عطف تفسير. قوله : (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) الكيد في الأصل الاحتيال ، وهو أن تفعل ما فيه نفع ظاهر ، أو تريد به الضر ، وإنما سمى إنعامه عليهم استدراجا بالكيد لأنه في صورته ، فما وقع لهم من سعة الأرزاق وطول الأعمار وعافية الأبدان بإحسان ونفع ظاهري فقط ، والمقصود به معاقبتهم وتعذيبهم على ذلك ، ووصف الكيد بالمتانة ، إشارة إلى أنه لا يتأتى إفلات المستدرجين مما أراده بهم ، بخلاف كيد المخلوق ، فتارة يقع وتارة لا يتمكن منه.

قوله : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) هو في المعنى مرتبط بقوله سابقا (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) الخ ، والمعنى : أم تلتمس منهم ثوابا على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله تعالى. قوله : (مُثْقَلُونَ) أي مكلفون حملا ثقيلا. قوله : (فلا يؤمنون لذلك) أي لسؤال الأجر المرتب عليه الغرم ، وهو ثقيل على النفس ، لأن شأن النفس أن تستثقل ما يطلب منها. قوله : (أي اللوح) الخ ، هذا قول ابن عباس ، وقيل (الْغَيْبُ) هو علم ما غاب عنهم. قوله : (ما يقولون) أي ما يحكمون به ويستغنون به عن اعلمك. قوله : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) الخ ، نزلت هذه الآية بأحد ، حين فر أصحاب رسول الله بإغراء المنافقين ، فأراد أن يدعو على الذين انهزموا ، وقيل : نزلت حين ضاق صدره من أهل مكة ، فخرج يدعو ثقيفا ، فأغروا به سفهاءهم ، وصاروا يضربونه بالحجارة حتى أدموا قدمه الشريف ، فأراد أن يدعو عليهم ، فعلى الأول تكون مدنية ، وعلى الثاني تكون مكية.

٢٤٧

(وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) في الضجر والعجلة ، وهو يونس عليه‌السلام (إِذْ نادى) دعا ربه (وَهُوَ مَكْظُومٌ) (٤٨) مملوء غما في بطن الحوت (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ) أدركه (نِعْمَةٌ) رحمة (مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ) من بطن الحوت (بِالْعَراءِ) بالأرض الفضاء (وَهُوَ مَذْمُومٌ) (٤٩) لكنه رحم فنبذ غير مذموم (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) بالنبوة (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٥٠) الأنبياء (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ) بضم الياء وفتحها (بِأَبْصارِهِمْ) أي ينظرون إليك نظرا شديدا ، يكاد أن يصرعك ويسقطك عن مكانك (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) القرآن (وَيَقُولُونَ) حسدا (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) (٥١) بسبب

____________________________________

قوله : (إِذْ نادى) منصوب بمضاف محذوف ، والتقدير : ويكن حالك كحاله في وقت ندائه. قوله : (وَهُوَ مَكْظُومٌ) الجملة حال من ضمير (نادى). قوله : (مملوء غما) أي من أجل خوفه من الله تعالى حيث خرج من غير إذن ، فظن أن الله آخذه بذلك ، وقيل : معنى مكظوم محبوس ، ومنه قولهم فلان يكظم غيظه أي يحبس غضبه. قوله : (نِعْمَةٌ) اختلف في المراد بها ، فقيل : الرحمة وهو الذي اختاره المفسر ، وقيل : هي العصمة ، وقيل : نداؤه بقوله (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.) قوله : (بالأرض الفضاء) أي الخالية من النبات والأشجار والجبال. قوله : (وَهُوَ مَذْمُومٌ) أي مؤاخذ بذنبه ، والجملة حال من نائب فاعل نبذ ، وهو محط النفي المستفاد من (لَوْ لا). قوله : (لكنه رحم) الخ ، أشار بذلك إلى أن (لَوْ لا) حرف امتناع لوجود ، والممتنع الذم ، والمعنى : امتنع ذمه لسبق العصمة له ، فاجتباه ربه وجعله في الصالحين فيونس لم تحصل منه معصية أبدا ، لا صغيرة ولا كبيرة ، وإنما خروجه من بينهم ، باجتهاد منه ، وعتابه من الله من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وتقدم ذلك مفصلا.

قوله : (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) عطف على مقدر ، والمعنى : فأدركته نعمة من ربه فاجتباه. قوله : (بالنبوة) هذا مبني على أنه وقت هذه الواقعة لم يكن نبيا ، وإنما نبىء بعدها وهو أحد قولين ، والآخر أنه كان نبيا ، ومعنى اجتباه اختاره واصطفاه ورقاه مرتبة أعلى من التي كان فيها. قوله : (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي الكاملين في الصلاح ، قال ابن عباس : رد الله عليه الوحي ، وشفعه في نفسه وفي قومه ، وقبل توبته وجعله من الصالحين ، بأن أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون ، فهداهم الله بسبب صبره.

قوله : (وَإِنْ يَكادُ إِنْ) مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن. قوله : (بضم الياء وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان ، فالضم من أزلق ، والفتح من زلق. قوله : (بِأَبْصارِهِمْ) الباء إما للتعدية أو السببية. قوله : (أي ينظرون إليك نظرا شديدا) أي فليس المراد أنهم يصيبونه بأعينهم ، كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه ، وإنما المراد أنهم ينظرون إليه نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء ، وهذا ما مشى عليه المفسر ، وقيل : أرادوا أن يصيبوه بالعين ، فنظر إليه قوم من قريش المجربة اصابتهم ، فعصمه الله وحماه من أعينهم فلم تؤثر فيه فنزلت ، وذكر العلماء أن العين كانت في بني أسد من العرب ، وكان إذا أراد أحد منهم أن يصيب أحدا في نفسه أو ماله ، جوع نفسه ثلاثة أيام ، ثم يتعرضون للمعيون أو ماله فيقول : ما رأيت أقوى منه ولا اشجع ولا أكبر ولا أحسن ، فيهلك المعيون هو وماله ، وهذه الآية تنفع كتابة وقراءة للمعيون ، فلا تضره العين. قوله : (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) ظرف (لَيُزْلِقُونَكَ.) قوله : (حسدا) أي

٢٤٨

القرآن الذي جاء به (وَما هُوَ) أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) موعظة (لِلْعالَمِينَ) (٥٢) الجن والإنس ، لا يحدث بسببه جنون.

____________________________________

وبغضا وتنفيرا عنه. قوله : (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) الجملة حالية من فاعل (يَقُولُونَ) مفيدة لبطلان قولهم ، وتعجب السامعين حيث جعلوا عظة للعالمين ، ويذكرهم سببا لجنون من أتى به ، وهذا دليل على سخافة عقلهم وسوء رأيهم ، لأن هذا القرآن لا يدركه إلا من كان كامل العقل ، فكيف بمن نزل على قلبه؟

٢٤٩

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الحاقّة

مكيّة

وآياتها ثنتان وخمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَاقَّةُ) (١) القيامة التي يحق فيها ما أنكر من البعث والحساب والجزاء ، أو المظهرة لذلك (مَا الْحَاقَّةُ) (٢) تعظيم لشأنها ، وهما مبتدأ وخبر الحاقة (وَما أَدْراكَ) أعلمك (مَا الْحَاقَّةُ) (٣) زيادة تعظيم لشأنها ، فما الأولى مبتدأ وما بعدها خبره ، وما الثانية وخبرها في محل المفعول الثاني لأدري (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) (٤) القيامة ، لأنها تقرع القلوب

____________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الحاقة مكية

وهي إحدى أو اثنتان وخمسون آية

أي بالإجماع. قوله : (الحاقة) صفة لموصوف محذوف قدره المفسر بقوله : (القيامة) قوله : (التي يحق) من باب ضرب ، ورد أي يثبت ويتحقق ، فإسناد التحقيق للزمان مجاز عقلي على حد ليل قائم ، فالمراد بها الزمان الذي يتحقق فيه ما أنكر في الدنيا من البعث وغيره ، فيصير محسوسا معاينا. قوله : (أو المظهرة لذلك) أي لما انكر في الدنيا ، وأشار بهذا المعنى إلى أن (الْحَاقَّةُ) اسم فاعل ، أي المحققة والمظهرة ، وهو اسناد مجازي أيضا ، وهذان معنيان للحاقة من جملة معان كثيرة كلها متلازمة. قوله : (تعظيم لشأنها) أي فالمقصود من الاستفهام تفخيم شأنها وتعظيم قدرها كأنه قال : أي شيء هو لا تحيط به العبارة ولا تحصره اشارة. فالمقام للإضمار ، ووضع الظاهر موضعه لتأكيد هولها وتفظيعه كقوله : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ.) قوله : (وهما مبتدأ وخبر) الخ ، أن (الْحَاقَّةُ) مبتدأ أول ، و (مَا) مبتدأ ثان ، و (الْحَاقَّةُ) الثاني ، وهو وخبره خبر الأول ، والرابط إعادة المبتدأ بلفظه.

قوله : (وَما أَدْراكَ) الخ (ما) استفهامية وهو للإنكار ، أي إنك لا علم لك بكهنها وشدة عظمها. قوله : (زيادة تعظيم) أي أن حكمة تكرار الاستفهام ، زيادة تعظيم لها وتهويل لشأنها. قوله : (وما بعدها) أي وهو جملة إدراك. قوله : (في محل المفعول الثاني) المناسب أن يقول : والثالث ، لأن أدري بالهمز يتعدى لثلاثة ، لأنه بمعنى أعلم. قوله : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ) استئناف مسوق لبيان بعض أحوال الحاقة وثمود وقوم صالح ، وكانت منازلهم بالحجر بين الشام والحجاز. قوله : (وَعادٌ) هم قوم هود ، وكانت

٢٥٠

بأهوالها (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (٥) بالصيحة المجاوزة للحد في الشدة (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) شديدة الصوت (عاتِيَةٍ) (٦) قوية شديدة على عاد مع قوتهم وشدتهم (سَخَّرَها) أرسلها بالقهر (عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) أولها من صبح يوم الأربعاء لثمان بقين من شوّال ، وكانت في عجز الشتاء (حُسُوماً) متتابعات شبهت بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء كرّة بعد أخرى حتى ينحسم (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) مطروحين هالكين (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) أصول (نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٧) ساقطة فارغة (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) (٨) صفة نفس مقدرة ، أو التاء

____________________________________

منازلهم بالأحقاف ، وهو رمل بين عمان وحضر موت باليمن. قوله : (لأنها تقرع القلوب) أي تؤثر فيها خوفا وفزعا.

قوله : (فَأَمَّا ثَمُودُ) تفصيل لما حصل لهم في الدنيا من العذاب ، بسبب تكذيبهم بالقيامة. قوله : (بالصيحة) أي بصيحة جبريل ، واعلم أن ما نزل بثمود ، يسمى في القرآن بأربعة أسماء : في الأعراف بالرجفة ، وفي هود بالصيحة ، وفي حم السجدة بالصاعقة ، وفي هذه السورة بالطاغية ، فالمراد بالرجفة الزلزلة ، لتزلزل الأرض بهم عند صيحة جبريل عليهم ، والصاعقة لصعقهم أي موتهم بها ، والطاغية لخروجها عن الحد ، وما ذكره المفسر أحد تفاسير للطاغية ، وعليه فالباء للآلة ، وقيل الطاغية مصدر كالكاذبة والعافية ، والمعنى أهلكوا بطغيانهم وكفرهم ، وعليه فالباء سببية ، وقيل الطاغية عاقر ناقة صالح ، والمعنى أهلكوا بسبب ما فعله طاغيتهم من عقر الناقة ، وإنما أهلكوا جميعا ، وإن كان الفاعل واحدا لأنهم علموا بفعله ورضوا به. قوله : (المجاوزة للحد) أي لحد الصيحات من الهول والشدة. قوله : (قوية شديدة على عاد) الخ ، هذا أحد قولين في تفسير (عاتِيَةٍ) والآخر أن المراد عتت على خزانها ، فخرجت بلا كيل ولا وزن ، لما في الحديث : «ما أرسل الله سفة من ريح إلا بمكيال ، ولا قطرة من ماء إلا بمكيال ، إلا يوم عاد ويوم نوح ، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان ، فلم يمكن لهم عليه سبيل ، وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان ، فلم يكن لهم عليها سبيل». قوله : (أرسلها) أي سلطها. قوله : (أولها من صبح يوم الأربعاء) أي فآخرها غروب شمس يوم الأربعاء التالي للأربعاء الأول ، وكان الشهر كاملا ، فكان آخرها هو اليوم الأخير منه. قوله : (حُسُوماً) نعت لسبع ليال وثمانية أيام ، أو حال من مفعول سخرها ، أي ذات حسوم ، والحسم في الأصل تتابع الكي على الداء حتى تنقطع مادته ، أطلق عن قيده وأريد منه مطلق تتابع عذاب ، فقول المفسر (متتابعات) فيه إشارة إلى أنه مجاز مرسل ، علاقته التقييد ثم الإطلاق.

قوله : (فَتَرَى الْقَوْمَ) أي على فرض حضورك واقعتهم. قوله : (صَرْعى) حال جمع صريع كقتلى وقتيل ، والضمير فيها عائد على الأيام والليالي ، أو البيوت أو الريح. قوله : (أصول) (نَخْلٍ) أي بلا رؤوس ، فكانت الريح تقطع رؤوسهم كما تقطع رؤوس النخل. قوله : (فارغة) أي من الحشو ، لما روي من أن الريح كانت تدخل من أفواههم ، فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم. قوله : (مِنْ باقِيَةٍ مِنْ) زائدة في المفعول. قوله : (لا) أشار به إلى أن الاستفهام إنكاري ، قال ابن جرير : مكثوا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في العذاب بالريح ، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا ، فاحتملهم الريح فألقتهم في البحر. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا.

٢٥١

للمبالغة ، أي باق؟ لا (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) أتباعه وفي قراءة بفتح القاف وسكون الباء أي من تقدمه من الأمم الكافرة (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) أي أهلها وهي قرى قوم لوط (بِالْخاطِئَةِ) (٩) بالفعلات ذات الخطإ (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) أي لوطا وغيره (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) (١٠) زائدة في الشدّة على غيرها (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) علا فوق كل شيء من الجبال وغيرها زمن الطوفان (حَمَلْناكُمْ) يعني آباءكم إذ أنتم في أصلابهم (فِي الْجارِيَةِ) (١١) السفينة التي عملها نوح ونجا هو ومن كان معه فيها ، وغرق الباقون (لِنَجْعَلَها) أي هذه الفعلة ، وهي إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين (لَكُمْ تَذْكِرَةً) عظة (وَتَعِيَها) ولتحفظها (أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١٢) حافظة لما تسمع (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) (١٣) للفصل بين الخلائق ، وهي الثانية (وَحُمِلَتِ) رفعت (الْأَرْضُ

____________________________________

قوله : (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) أي المنقلبات ، وهي التي اقتلعها جبريل على جناحه ورفعها قرب السماء ثم قلبها قوله : (أي أهلها) أشار بذلك إلى أنه على حذف مضاف على حد (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ.) قوله : (وهي قرى قوم لوط) وكانت خمسة : صنعه وصعره وعمره ودوما وسدوم وهي أعظمها. قوله : (ذات الخطأ) أشار بذلك إلى أن الخاطئة صيغة نسب كتامر ولابن. قوله : (فَعَصَوْا) أي فرعون ومن قبله والمؤتفكات. قوله : (رَسُولَ رَبِّهِمْ) المراد بالرسول الجنس ، وقوله : (وغيره) المراد بالغير خصوص موسى على قراءة كسر القاف ، وموسى ومن قبله من الرسل على قراءة فتحها. قوله : (على غيرها) أي من عذاب الأمم. قوله : (علا فوق كل شيء من الجبال) الخ ، أي فزاد على أعلى جبل خمسة عشر ذراعا. قوله : (زمن الطوفان) المناسب أن يقول زمن نوح. قوله : (يعني آباءكم) جواب عما يقال : إن المخاطبين لم يدركوا حمل السفينة ، فكيف يمتن الله عليهم؟ فأجاب : بأن الكلام على حذف مضاف أي آباءكم ، وقوله : (إذ أنتم) الخ ، ظاهره أنه تعليل لما أجاب به ، وليس كذلك ، بل هو جواب آخر وحاصله أن الكلام باق على ظاهره ، ويراد (حَمَلْناكُمْ) حال كونكم في أصلاب آبائكم الذين حملوا ، وهم أولاد نوح : سام وحام ويافث. قوله : (أي هذه الفعلة) هذا أحد قولين في مرجع الضمير في نجعلها ، وقيل عائد على السفينة ، والمعنى لنجعل السفينة تذكرة وعظة لهذه الأمة ، فبقيت منها بقية حتى أدركها أوائلهم. قوله : (وَتَعِيَها) بكسر العين بإتفاق السبعة ، وهو منصوب عطفا على نجعل ، وماضيه وعى ، وأصل المضارع يوعى ، حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها. قوله : (حافظ لما تسمع) إسناد الحفظ للأذن مجاز ، وحقه أن يسند لصاحبها ، والمعنى : شأنها أن تحفظ ما ينبغي حفظه من الأقوال والأفعال وتعمل بمقتضاه.

قوله : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) الخ ، لما ذكر الله تعالى القيامة وأهوالها إجمالا بقوله : (الْحَاقَّةُ) الخ ، اشتاقت النفس لتفصيل ذلك ، ففصل الله تعالى بعضه بقوله : (فَإِذا نُفِخَ) الخ ، وإذا شرطية وجوابها قوله : (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) وقيل قوله : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ.) قوله : (نَفْخَةٌ) نائب الفاعل ، و (واحِدَةٌ) نعت مؤكد ، لأن (نَفْخَةٌ) مصدر مختص دال على الوحدة ، فيصح إقامته مقام الفاعل والممنوع إقامة المبهم نحو ضرب ضرب ، ولم يؤنث الفعل وهو (نُفِخَ) لأن التأنيث مجازي لوجود الفصل. قوله : (وهي الثانية) هذا هو الصحيح كما روي عن ابن عباس ، لأن الثانية هي التي يعقبها الحساب والجزاء ، وقيل هي الأولى.

٢٥٢

وَالْجِبالُ فَدُكَّتا) دقتا (دَكَّةً واحِدَةً) (١٤) (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (١٥) قامت القيامة (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) (١٦) ضعيفة (وَالْمَلَكُ) يعني الملائكة (عَلى أَرْجائِها) جوانب السماء (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ) أي الملائكة المذكورين (يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (١٧) من الملائكة أو من صفوفهم (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) للحساب (لا تَخْفى) بالتاء والياء (مِنْكُمْ خافِيَةٌ) (١٨) من السرائر (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ) خطابا لجماعته لما سر به (هاؤُمُ) خذوا (اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (١٩) تنازع فيه هاؤم

____________________________________

قوله : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) أي رفعتها الملائكة أو الرياح أو القدرة بعد خروج الناس من القبور. قوله : (دقتا) أي فتتا وصارتا كثيبا مهيلا وهباء منثورا. قوله : (دَكَّةً واحِدَةً) بالنصب على المصدرية بإتفاق السبعة ، وإنما لم يرفع بالنيابة لوجود الضمير بخلافه في (نُفِخَ) فلم يوجد ضمير ، فأنيب (نَفْخَةٌ) مناب الفاعل ، فرفع بإتفاق السبعة. قوله : (فَيَوْمَئِذٍ) التنوين عوض عن جملتين محذوفتين وهما (نُفِخَ) و (حُمِلَتِ.) قوله : (قامت القيامة) أي حصلت ووجدت. قوله : (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ) أي انصدعت وتفطرت من هول ذلك اليوم. قوله : (ضعيفة) أي ليس فيها تماسك ولا صلابة ، فتصير بمنزلة الصوف المنفوش. قوله : (عَلى أَرْجائِها) أي أطرافها لينتظروا أمر الله لهم لينزلوا ، فيحيطوا بالأرض ومن عليها. قوله : (فَوْقَهُمْ) حال من العرش ، والضمير عائد على الملائكة الواقفين على الأرجاء. قوله : (ثَمانِيَةٌ) (من الملائكة أو من صفوفهم) هذان قولان من جملة أقوال خمسة ، ثالثها : ثمانية آلاف ، رابعها : ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة ، خامسها : ثمانية أجزاء من عشرة أجزاء ، ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسّلام قال : «إن حملة العرش اليوم أربعة ، فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله تعالى بأربعة أخرى ، فكانوا ثمانية على صورة الأوعال ، أي تيوس الجبل من أظلافهم إلى ركبهم ، كما بين سماء إلى سماء».

قوله : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) أي تسألون وتحاسبون ، وعبر بذلك تشبيها له بعرض السلطان العسكر لينظر في أمرهم ، فيختار منهم المصلح للتقريب والإكرام ، والمفسد للإبعاد والتعذيب ، وروي أن في القيامة ثلاث عرضات ، عرضتان للاعتذار والتوبيخ ، والثالثة فيها تنتشر الكتب ، فيأخذ الفائز كتابه بيمينه ، ويأخذ الهالك كتابه بشماله. قوله : (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) حال من الواو في (تُعْرَضُونَ) والمعنى : لا يخفى على الله من سرائركم التي كنتم تخفونها في الدنيا ، وتظنون أنه لا يطلع عليها ، بل يذكركم بجميعها حتى تعلموها علما ضروريا. قوله : (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان.

قوله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) الخ ، تفصيل لأحوال الناس عند العرض. قوله : (خطابا لجماعته) أي أهله وأقربائه ومن حوله ، وإنما أحب إظهار ذلك ، سرورا وفرحا لكونه من الناجين قوله : (هاؤُمُ) لها استعمالان : تكون اسم فعل ، وتكون بلفظ واحد للمثنى والجمع والمذكر والمؤنث ، وتكون فعلا وتلحقها العلامات ، ومعناها على كل من الاستعمالين خذو لغة القرآن أنها اسم فعل ، والهمزة بعدها بدل من كاف الخطاب ، والميم علامة الجمع. قوله : (كِتابِيَهْ) أصله كتابي ، دخلت هاء السكت لتظهر فتحة الياء ، وكذا في الباقي. قوله : (تنازع فيه) الخ ، أي فأعمل الثاني عند البصريين ، والأول عند الكوفيين ، وأضمر في الآخر وحذف لأنه فضلة.

٢٥٣

واقرؤوا (إِنِّي ظَنَنْتُ) تيقنت (أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٢٠) (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٢١) مرضية (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) (٢٢) (قُطُوفُها) ثمارها (دانِيَةٌ) (٢٣) قريبة يتناولها القائم والقاعد والمضطجع فيقال لهم (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) حال أي متهنئين (بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) (٢٤) الماضية في الدنيا (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ) للتنبيه (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) (٢٥) (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) (٢٦) (يا لَيْتَها) أي الموتة في الدنيا (كانَتِ الْقاضِيَةَ) (٢٧) القاطعة لحياتي بأن لا أبعث (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) (٢٨) (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) (٢٩) قوّتي وحجتي ، وهاء كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه للسكت تثبت وقفا ووصلا اتباعا للمصحف الإمام والنقل ، ومنهم من حذفها وصلا (خُذُوهُ)

____________________________________

قوله : (إِنِّي ظَنَنْتُ) (تيقنت) أي فالمراد بالظن اليقين ، وقال ذلك تحدثا بنعمة الله تعالى ، إشارة إلى أنه نجا بسبب خوفه من يوم الحساب ، وذلك أنه تيقن أن الله يحاسبه فعمل للآخرة ، فحقق الله رجاءه وأمن خوفه. قوله : (مرضية) أشار بذلك إلى أن صيغة فاعل بمعنى مفعول ، أي يرضى بها صاحبها ولا يسخطها ، لما ورد : أنهم يعيشون فلا يموتون أبدا ، ويصحون فلا يمرضون أبدا ، وينعمون فلا يرون بأسا أبدا. قوله : (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) أي مرتفعة المكان والدرجات والأبنية والأشجار. قوله : (قُطُوفُها) جمع قطف بكسر القاف أي المقطوف ، وهو ما يجتنيه من الثمار. قوله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) أي يقال لهم ذلك ، والأمر للامتنان. قوله : (متهنئين) أي بذلك الأكل الطيب اللذيذ الشهي ، البعيد عن كل أذى ، السالم من كل آفة وقذر ، فلا بول ولا غائط ولا بصاق ولا مخاط ولا صداع ولا ثقل. قوله : (بِما أَسْلَفْتُمْ) الباء سببية وما مصدرية أو اسم موصول. قوله : (الماضية في الدنيا) وقيل هي أيام الصيام ، والمعنى : كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله تعالى.

قوله : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) الخ ، جرت عادة الله تعالى في كتابه حيث ذكر أحوال السعداء يذكر أثر ذلك أحوال الاشقياء. قوله : (فَيَقُولُ) أي لما يرى من سوء عاقبته التي رآها. قوله : (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ ما) استفهامية مبتدأ ، و (حِسابِيَهْ) خبرها ، والجملة سدت مسد مفعولي (أَدْرِ) والاستفهام للتعظيم والتهويل ، والمعنى : ولم ادر عظم حسابي وشدته. قوله : (أي الموتة في الدنيا) المعنى : يا ليت الموتة في الدنيا كانت القاطعة لحياتي ، ولم ابعث بعد ذلك أصلا. قوله : (ما أَغْنى عَنِّي ما) نافية والمفعول محذوف ، والمعنى : لم يغن عني مالي شيئا ، أو استفهامية للتوبيخ ، أي أي شيء أغنى ما كان لي من اليسار الذي منعت منه حق الفقراء وتكبرت به على عباد الله. قوله : (مالِيَهْ) يحتمل أن (ما) اسم موصول فاعل اغنى ، والجار والمجرور صلة (ما) ويحتمل أن مالي كلمة واحدة بمعنى المال فاعل (أَغْنى) مضاف لياء المتكلم. قوله : (قوتي وحجتي) اشار المفسر بذلك إلى أن في السلطان تفسيرين : أحدهما القوة التي كانت له في الدنيا ، والثاني الحجة التي كان يحتج بها على الناس. قوله : (وهاء كتابيه) الخ (هاء) مبتدأ ، و (للسكت) خبر أول ، وقوله : (تثبت) خبر ثان. قوله : (تثبت وقفا) أي على القاعدة في هاء السكت. قوله : (ووصلا) هذا مخالف لقاعدة هاء السكت ، ولما كان مخالفا أجاب بجوابين : الأول قوله : (اتباعا للمصحف) أي فلما كانت ثابتة فيه ثبتت في النطق ولو في الأصل إتباعا للرسم الثاني. قوله : (والنقل) أي واتباعا للنقل عن النبي عليه الصلاة والسّلام ، فقد ثبت عنه ثبوتها وصلا فليس لحنا ، لأن ما

٢٥٤

خطاب لخزنة جهنم (فَغُلُّوهُ) (٣٠) اجمعوا يديه إلى عنقه في الغل (ثُمَّ الْجَحِيمَ) النار المحرقة (صَلُّوهُ) (٣١) أدخلوه (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) بذراع الملك (فَاسْلُكُوهُ) (٣٢) أي أدخلوه فيها بعد إدخاله النار ، ولم تمنع من الفاء من تعلق بالظرف المتقدم (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) (٣٣) (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٣٤) (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) (٣٥) قريب ينتفع به (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) (٣٦) صديد أهل النار أو شجر فيها (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) (٣٧) الكافرون (فَلا) زائدة (أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ) (٣٨) من المخلوقات (وَما لا تُبْصِرُونَ) (٣٩) منها أي بكل مخلوق (إِنَّهُ) أي

____________________________________

خرج عن القواعد لا يكون لحنا إلا إذا لم يثبت ، وهذا قد ثبت عن النبي ونقل إلينا بالتواتر. قوله : (ومنهم) أي القراء السبعة وهو حمزة ، والعشرة وهو يعقوب.

قوله : (خُذُوهُ) معمول القول مقدر جواب عن سؤال مقدر تقديره ما يفعل به بعد ذلك؟ فقيل : يقال الخ. قوله : (خطاب لخزنة جهنم) أي زبانيتها ، وسيأتي في المدثر أن عدتهم تسعة عشر ، قيل : ملكا ، وقيل : صفا ، وقيل صنفا. قوله : (ثُمَّ الْجَحِيمَ) الترتيب في الزمان والرتبة ، فإن إدخاله في النار بعد غله ، وكذا إدخاله في السلسلة بعد إدخاله النار ، وكل واحد اشد مما قبله. قوله : (صَلُّوهُ) أي كرروا غمسه في النار ، كالشاة التي تصلى ، أي تشوى على النار مرة بعد مرة. قوله : (ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) (بذراع الملك) هذا قول ابن عباس قال : فتدخل في دبره وتخرج من منخره ، وقيل : سبعون ذراعا ، كل ذراع سبعون باعا ، كل باع أبعد ما بين مكة والكوفة ، وقيل : سبعون ذراعا ، كل ذراع سبعون ذراعا ، وقيل : ليس المراد بالعدد حقيقته ، بل هو كناية عن عظمها وطولها ، قال كعب : لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها ، اجارنا الله منها ، واشار سبحانه إلى ضيقها على ما تحيط به من بدنه بتفسيره بالسلك فقال : فاسلكوه أي ادخلوه بحيث يكون كأنه السلك الذي يدخل في ثقب الخرز ، لإحاطتها بعنقه وبجميع اجزائه.

قوله : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) تعليل على طريق الاستئناف كأنه قيل : ما باله يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب بذلك ، ولعل وجه التخصيص لهذا الأمرين بالذكر ، أن الكفر أقبح الأشياء ، والبخل مع قسوة القلب يليه. قوله : (وَلا يَحُضُ) أي لا يحث ولا يحرض نفسه ولا غيره ، وقوله : (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي إطعامه. قوله : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا) الخ ، أي في الآخرة ، و (حَمِيمٌ) وما عطف عليه اسم ليس ، وخبرها الظرف قبله. فإن قلت : ما التوفيق بين ما هنا وبين قوله في محل آخر (إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) وفي موضع آخر (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) وفي موضع آخر (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) قلنا : لا منافاة ، إذ جمع ذلك طعام لهم ، فالحصر اضافي ، والمنفى بالحصر طعام فيه نفع. قوله : (صديد أهل النار) هو ما يجري من الجراح إذا غسلت. قوله : (أو شجر فيها) أي إذا اكلوه يغسل بطونهم ، أي يخرج ما فيها من الحشو.

قوله : (إِلَّا الْخاطِؤُنَ) العامة يهمزون (الْخاطِؤُنَ) هو اسم فاعل من خطىء يخطأ إذا فعل غير الصواب متعمدا والمخطىء من يفعله غير متعمد. قوله : (زائدة) أي والمعنى : أقسم لكم يا عبادي بما تشاهدون من المخلوقات وبما لا تشاهدون الخ ، وإنما اقسم بالمخلوقات لعظمها وشرفها ، بعظم خالقها

٢٥٥

القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (٤٠) أي قاله رسالة عن الله تعالى (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) (٤١) (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٤٢) بالتاء والياء في الفعلين ، وما زائدة مؤكدة ، والمعنى أنهم آمنوا بأشياء يسيرة وتذكروها مما أتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الخير والصلة والعفاف فلم تغن عنهم شيئا بل هو (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٣) (وَلَوْ تَقَوَّلَ) أي النبي (عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) (٤٤) بأن قال عنا ما لم نقله (لَأَخَذْنا) لنلنا (مِنْهُ) عقابا (بِالْيَمِينِ) (٤٥) بالقوّة والقدرة

____________________________________

وموجدها ، فالقسم بالمخلوقات لا من حيث ذاتها ، بل من حيث إنها آثار عظمته ومظهر صفاته سبحانه وتعالى ، والنهي عن القسم بغير الله خاص بالمخلوق ، وأما هو سبحانه فله أن يقسم بما شاء على ما شاء ، وما ذكره المفسر أحد قولين ، والآخرة أنها أصلية ، والمعنى : أن هذا الأمر لظهوره ووضوحه غني عن القسم ، والأول اوضح وأوجه. قوله : (من المخلوقات) بيان لما. قوله : (أي بكل مخلوق) تفسير لمجموع. قوله : (بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ).

قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) هذا هو المحلوف عليه ، وكذا قوله : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) وما بعده ، والمراد بالرسول الكريم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكرمه اجتماع الكمالات فيه ، فهو اكرم الخلق على الإطلاق ، وقيل : المراد به جبريل عليه‌السلام ، ويؤيده قوله في سورة التكوير (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) وكرمه كونه رئيس العالم العلوي. قوله : (أي قاله رسالة) الخ ، جواب عما يقال : إن القرآن قول الله تعالى وكلامه ، فكيف يقال : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) فأجاب بأنه قوله على سبيل التبليغ ، والحاصل أنه ينسب لله من حيث إيجاده ولجبريل من حيث تلقيه عن الله ، ولمحمد من حيث تلقيه عن جبريل.

قوله : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) الخ ، إنما عبر بالإيمان في جانب نفي الشعر ، والتذكر في جانب نفي الكهانة ، لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر ظاهر ؛ لا ينكره إلا معاند كافر ، بخلاف مغايرته للكهانة ، فإنها متوقفة على التذكر والتدبر في أحواله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الدالة على أنه ليس بكاهن. قوله : (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) أي تؤمنون بشيء قليل مما جاء مما يوافق طبعكم ، وهذا ما درج عليه المفسر ، وقيل : أراد بالقلة نفي إيمانهم أصلا ، لأن الإيمان بشيء دون شيء كلا إيمان ، وذلك كقولك لمن يزروك : قلما تأتينا وأنت تريد لا تأتينا أصلا. قوله : (بالتاء والياء) أي فهما سبعيتان ، فالأولى لمناسبة (تُبْصِرُونَ ،) والثانية التفات عن الخطاب إلى الغيبة. قوله : (وما زائدة مؤكدة) أي لمعنى القلة ، و (قَلِيلاً) صفة لمصدر محذوف في الموضعين ، أي إيمانا قليلا ، وتذكرا قليلا. قوله : (مما أتى به النبي) من للتبعيض في محل الحال من أشياء ، والمعنى : حال كون تلك الأشياء اليسيرة بعض ما أتى به النبي ، وقوله : (من الخير) بيان للأشياء اليسيرة التي هي بعض ما أتى به النبي ، فكان المناسب للمفسر أن يقدمه على قوله : (مما أتى به النبي) والمراد بالخير الصدقة ، وبالصلة الأرحام ، وبالعفاف الكف عن الزنا ، وإنما آمنوا بهذه الأشياء لموافقتها طباعهم.

قوله : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا) أي تكلف التقول. قوله : (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) إما جمع أقوال وهو جمع قول ، أو جمع أقوولة كأعاجيب جمع أعجوبة ، فعلى الأول أقاويل جمع الجمع ، وعلى الثاني جمع فقط ، والمعنى : لو نسب إلينا قولا لم نقله ، أو لم نأذن له في قوله : (لَأَخَذْنا) الخ. قوله : (لنلنا) فسر الأخذ بالنيل لتعديته بالجار ، وعليه فمن والباء غير زائدتين ، والمعنى : لنلنا منه بالقوة والقدرة ، فاليمين كناية عن

٢٥٦

(ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٤٦) نياط القلب وهو عرق متصل به إذا انقطع مات صاحبه (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) هو اسم ما ومن زائدة لتأكيد النفي ، ومنكم حال من أحد (عَنْهُ حاجِزِينَ) (٤٧) مانعين خبر ما ، وجمع لأن أحدا في سياق النفي بمعنى الجمع وضمير عنه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي لا مانع لنا عنه من حيث العقاب (وَإِنَّهُ) أي القرآن (لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (٤٨) (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ) أيها الناس (مُكَذِّبِينَ) (٤٩) بالقرآن ومصدقين (وَإِنَّهُ) أي القرآن (لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) (٥٠) إذا رأوا ثواب المصدقين وعقاب المكذبين به (وَإِنَّهُ) أي القرآن (لَحَقُّ الْيَقِينِ) (٥١) أي اليقين الحق (فَسَبِّحْ) نزه (بِاسْمِ) زائدة (رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٥٢) سبحانه.

____________________________________

القوة والغلبة ، وأل عوض عن المضاف إليه ، أي يمين الله ، ويصح أن يراد باليمين الجارحة ، والباء زائدة والمعنى : لأخذنا منه يمينه ، كما يفعل بالمقتول صبرا يؤخذ بيمينه ، ويضرب بالسيف في عنقه مواجهة. قوله : (وهو عرق متصل به) الخ ، هذا قول ابن عباس والجمهور ، وقيل : الوتين هو القلب ومراقه وما يليه ، وقيل : هو عرق بين العنق والحلقوم ، وقيل : هو كناية عن اماتته. والمعنى : لو كذب علينا لأمتناه ، فكان كمن قطع وتينه. قوله : (عَنْهُ) أي عن عقابه ، فهو على حذف مضاف. قوله : (حاجِزِينَ) مفعوله محذوف أي حاجزين لنا.

قوله : (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ) هذا وما بعده معطوف على جواب القسم ، فهو من جملة المقسم عليه. قوله : (لِلْمُتَّقِينَ) خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون به. قوله : (أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) أي فنمهلهم ، ثم بعد بعثهم نجازيهم على تكذيبهم ، وقوله : (ومصدقين) أشار بذلك إلى أن في الآية حذف الواو مع ما عطفت. قوله : (أي لليقين الحق) أشار بذلك إلى أنه من إضافة الصفة للموصوف ، والمعنى : من تمسك به وعمل بمقتضاه ، صار من أهل حق اليقين. قوله : (زائدة) أي لفظ باسم زائد. والمعنى : نزه ربك العظيم ، واشكره على ما أعطاك من النعم العظيمة ، ولا تلتفت لهم ولا لكيدهم.

٢٥٧

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة المعارج

مكيّة

وآياتها أربع وأربعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ سائِلٌ) دعا داع (بِعَذابٍ واقِعٍ) (١) (لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) (٢) هو النضر بن الحارث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق الآية (مِنَ اللهِ) متصل

____________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة المعارج مكية

وهي أربع وأربعون آية

وتسمى سورة سأل سائل. قوله : (مكية) أي إجماعا. قوله : (سَأَلَ) بالهمزة والألف قراءتان سبعيتان ، فالهمز هو الأصل من السؤال وهو الدعاء ، وأما قراءة الألف فيحتمل أنها بمعنى قراءة الهمزة ، غير أنه خففت بقلب الهمزة ألفا ، والألف منقلبة عن واو ، كخاف يخاف ، والواو منقلبة عن الهمزة أو من السيلان ، فالألف منقلبة عن ياء ، والمعنى سال سائل ، أي واد في جهنم ، وأما سائل فبالهمز لا غير ، لأن العين إذا أعلت في الفعل ، تعل في اسم الفاعل أيضا ، وقد أعلت بالقلب همزة كقائل وبائع وخائف ، واعلم أن مادة السؤال تتعدى لمفعولين ، يجوز الاقتصار على أحدهما ، ويجوز تعديته بحرف الجر ، وحينئذ فيكون التقدير هنا : سأل الله أو النبي عذابا واقعا. قوله : (دعا داع) أشار بذلك إلى أن (سَأَلَ) من السؤال وهو الدعاء ، ولما ضمن معناه تعدى تعديته ، ويصح أن الباء زائدة للتوكيد كقوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) ويصح أن الباء بمعنى عن. قوله : (واقِعٍ لِلْكافِرينَ) أي سيقع ، وعبر بذلك اشارة لتحقق وقوعه ، إما في الدنيا وهو عذاب يوم بدر ، فإن النضر قتل يوم بدر صبرا ، وإما في الآخرة وهو عذاب النار. قوله : (لِلْكافِرينَ) اللام للتعليل ، والتقدير نازل من أجل الكافرين ، أو بمعنى على أي واقع؟ على الكافرين.

قوله : (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) إما نعت آخر لعذاب ، أو حال منه ، أو مستأنف. قوله : (هو النضر بن الحرث) هذا قول ابن عباس ، وقيل : هو الحرث بن النعمان ، وذلك أنه لما بلغه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا علي من كنت مولاه فعلي مولاه». ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقبلناه منك ، وأن نحج فقبلناه منك ، وأن نصوم شهر

٢٥٨

بواقع (ذِي الْمَعارِجِ) (٣) مصاعد الملائكة وهي السماوات (تَعْرُجُ) بالتاء والياء (الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) جبريل (إِلَيْهِ) إلى مهبط أمره من السماء (فِي يَوْمٍ) متعلق بمحذوف ، أي يقع العذاب بهم في يوم القيامة (كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٤) بالنسبة إلى الكافر لما يلقى فيه من الشدائد ، وأما المؤمن فيكون عليه أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا كما جاء في الحديث (فَاصْبِرْ) هذا قبل أن يؤمر بالقتال (صَبْراً جَمِيلاً) (٥) أي لا جزع فيه (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ) أي العذاب

____________________________________

رمضان في كل عام فقبلناه منك ، ثم لم ترض حتى فضلت ابن عمك علينا ؛ أفهذا شيء منك أم من الله تعالى؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذي لا إله إلا هو ، ما هو إلا من الله». فولى الحرث وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول حقا ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، فو الله ما وصل إلى ناقته ، حتى رماه الله بحجر ، فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله فنزلت ، وقيل : أبو جهل ، وقيل : جماعة من كفار قريش ، وقيل : هو نوح عليه‌السلام سأل العذاب على كفار قومه. قوله : (قال اللهم) الخ ، أي استهزاء وإيهاما أنه على بصيرة ، حيث جزم ببطلانه. قوله : (متصل بواقع) أي متعلق به ، وعليه فجملة (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) معترضة بين العامل والمعمول إن جعلت مستأنفة ، وأما إن جعلت صفة لعذاب ، فليست اعتراضية.

قوله : (ذِي الْمَعارِجِ) أي صاحبها وخالقها ، فليس لغيره مدخل فيها. قوله : (مصاعد الملائكة) أشار بذلك إلى أن العروج بمعنى الصعود ، والمعارج جمع معرج بفتح الميم ، وهو الصعود وما مشى عليه المفسر أحد أقوال ، وقيل : المراد معارج المؤمنين في دار الثواب وهي الجنة ، وقيل : معارج الأعمال الصالحة ، فإنها تتفاوت بحسب الإخلاص والآداب ونحو ذلك. قوله : (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (جبريل) أشار بذلك إلى أن عطف (الرُّوحُ) على ما قبله ، عطف خاص على عام. قوله : (إلى مهبط أمره) بكسر الباء بوزن مسجد ، وهو جواب عن سؤال مقدر تقديره : إن ظاهر الآية يقتضي أن الله تعالى في مكان ، والملائكة يصعدون إليه ، فأجاب : بأن الكلام على حذف مضاف ، أي إلى محل هبوط أمره وهو السماء. قوله : (متعلق بمحذوف) أي دل عليه (واقِعٍ.) قوله : (لما يلقى فيه من الشدائد) أشار بذلك إلى أن الكلام من باب التمثيل والتخييل ، فليس المراد حقيقة العدد ، بل المراد أنه يطول على الكافر ، لما يلقى فيه من الشدائد ، فتارة يمثل بالألف وبالخمسين ألفا ، كناية عن عظم الشدائد ، أو يقال : يمثل بالخمسين ألفا في حق قوم من الكفار ، والألف في حق قوم آخر منهم ، وحينئذ فلا منافاة بين ما هنا وآية السجدة ، وقيل : خمسون ألفا حقيقة لما ورد : أن مواطن الحساب خمسون موطنا ، يحبس الكافر في كل موطن ألفا. قوله : (كما جاء في الحديث) أي وهو ما رواه أبو سعيد الخدري ، أنه قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم كان مقداره خمسين ألف سنة : فما أطول هذا اليوم؟ فقال : والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن ، حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا.

قوله : (فَاصْبِرْ) مفرع على قوله : (سَأَلَ سائِلٌ) لأنه على سبيل الاستهزاء ، والمعنى : اصبر على استهزاء قومك ولا تضجر منه ، فهو تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قوله : (هذا قبل أن يؤمر) الخ ، أي فهو منسوخ آية القتال. قوله : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ) أي يعتقدونه. قوله : (وَنَراهُ) أي نعلمه ، والنون للمتكلم المعظم نفسه

٢٥٩

(بَعِيداً) (٦) غير واقع (وَنَراهُ قَرِيباً) (٧) واقعا لا محالة (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ) متعلق بمحذوف أي يقع (كَالْمُهْلِ) (٨) كذائب الفضة (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) (٩) كالصوف في الخفة والطيران بالريح (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) (١٠) قريب قريبه لاشتغال كل بحاله (يُبَصَّرُونَهُمْ) أي يبصر الأحماء بعضهم بعضا ويتعارفون ولا يتكلمون ، والجملة مستأنفة (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ) يتمنى الكافر (لَوْ) بمعنى أن (يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) بكسر الميم وفتحها (بِبَنِيهِ) (١١) (وَصاحِبَتِهِ) زوجته (وَأَخِيهِ) (١٢) (وَفَصِيلَتِهِ) عشيرته لفصله منها (الَّتِي تُؤْوِيهِ) (١٣) تضمه (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ) (١٤) ذلك الافتداء عطف على يفتدى (كَلَّا) ردّ لما يودّه (إِنَّها) أي النار (لَظى) (١٥) اسم لجهنم لأنها تتلظى أي تتلهب على الكفار (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) (١٦) جمع شواة وهي جلدة الرأس (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) (١٧) عن الإيمان بأن تقول : إليّ إليّ (وَجَمَعَ) المال (فَأَوْعى) (١٨) أمسكه في وعائه لم يؤد حق الله منه

____________________________________

وهو الله تعالى. قوله : (متعلق بمحذوف) أي دال عليه واقع. قوله : (كذائب الفضة) وقيل : المهل دردي الزيت. قوله : (كالصوف) أي مطلقا ، وقيل : بقيد كونه أحمر أو مصبوغا ألوانا ، وهذه الأقوال في معنى العهن في اللغة. قوله : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ) الخ ، القراء السبعة على بناء (يَسْئَلُ) للفاعل ، و (حَمِيماً) مفعول أول ، والثاني محذوف تقديره شفاعة ، وقرأ أبو جعفر من العشرة ببنائه للمفعول ، و (حَمِيمٌ) نائب للفاعل ، و (حَمِيماً) إما مفعول ثان على حذف مضاف أي احضاره ، أو منصوب على نزع الخافض أي عن حميم.

قوله : (يُبَصَّرُونَهُمْ) جمع الضميرين نظرا لمعنى الحميمين ، لأنهما نكرتان في سياق النفي ، يعمان سائر الأقارب. قوله : (والجملة مستأنفة) أي استئنافا بيانيا واقعا في جواب سؤال مقدر نشأ من قوله : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) تقديره : إن عدم السؤال ربما يكون لعدم رؤيته ، فأجاب : بأنهم يعرفون بعضهم وينظرون إلى بعضهم ، غير أن كل أحد مشغول بحاله ، فلا يمكنه السؤال لذلك. قوله : (بمعنى أن) أي المصدرية فلا جواب لها ، بل ينسبك منها ومما بعدها ، مصدر مفعول ليود ، أي يود افتداءه. قوله : (بكسر الميم) أي على الإعراب ، وقوله : (وفتحها) أي على البناء ، والقراءتان سبعيتان ، والتنوين عوض عن جمل متعددة ، والمعنى : يوم إذ تكون السماء كالمهل الخ. قوله : (لفصله منها) أي فهي فعيلة بمعنى مفعولة ، أي مفصول منها ، والفصيلة قيل الآباء الأقربون ، وقيل الفخذ ، وقيل العشيرة. قوله : (تضمه) أي في النسب وعند الشدة.

قوله : (كَلَّا) يحتمل أن تكون هنا بمعنى حقا ، فالكلام تم عند قوله : (ثُمَّ يُنْجِيهِ) ويحتمل أن تكون بمعنى لا النافية ، فالكلام تم عليها. قوله : (أي النار) أنما عاد الضمير عليها وإن لم يتقدم لها ذكر ، لدلالة لفظ العذاب عليها. قوله : (لَظى) خبر إن ، و (نَزَّاعَةً) خبر ثان ، قوله : (اسم لجهنم) أي منقول ، إذ هو في الأصل اللهب ، جعل علما عليها ، ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث. قوله : (جمع شواة) أي كنوى ونواة. قوله : (وهي جلدة الرأس) أي وقيل هو جلد الإنسان ، ومعناه قلاعة للجلد ، وكلما قلعت عادت. قوله : (بأن تقول إلي إلي) أي ثم تلتقطهم التقاط الطائر للحب.

٢٦٠