حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٤

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي


المحقق: محمد عبدالسلام شاهين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٨٠

اللهِ) أي الصلاة (وَذَرُوا الْبَيْعَ) أي اتركوا عقده (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٩) أنه خير فافعلوه (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) أمر إباحة (وَابْتَغُوا) اطلبوا الرزق (مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ) ذكرا (كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٠) تفوزون ، كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم الجمعة ، فقدمت عير ، وضرب لقدومها الطبل على العادة ، فخرج لها الناس من المسجد غير اثني عشر رجلا فنزل (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) أي التجارة ، لأنها مطلوبهم دون اللهو

____________________________________

قوله : (يَوْمِ الْجُمُعَةِ) بضمتين وهي قراءة العامة ، وقرىء شذوذا بسكون الميم وفتحها ، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها للصلاة ، وكانت العرب تسميه العروبة ، واعلم أن أفضل الليالي : ليلة المولد ، ثم ليلة القدر ، ثم ليلة الإسراء ، فالجمعة ، فنصف شعبان ، فالعيد ، وأفضل الأيام : يوم عرفة ، ثم يوم نصف شعبان ، ثم الجمعة ، والليل أفضل من النهار. قوله : (فامضوا) أشار بذلك إلى أنه ليس من السعي الإسراع في المشي ، إذ ليس بمطلوب ولو خاف فوالتها ، بل المراد به التوجه ، والمشيء عند الذهاب أفضل من الركوب إن لم يكن عذر ، وبعد انقضاء الصلاة لا بأس به. قوله : (أي اتركوا عقده) أي فالمراد بالبيع العقد بتمامه ، فهو خطاب لكل من البائع والمشتري ، ومثل البيع والشراء الاجارة والشفعة والتولية والاقالة ، فإن وقعت حرمت وفسخت عند مالك ، وعند الشافعي تحرم ولا تفسخ. قوله : (ذلِكُمْ) أي المذكور من السعي ، وترك الاشتغال بالدنيا. قوله : (أنه خير) قدره إشارة إلى أن مفعول (تَعْلَمُونَ) محذوف ، وقوله : (فافعلوه) جواب الشرط.

قوله : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) أي أديت وفرغ منها. قوله : (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) أي للتجارة والتصرف في حوائجكم. قوله : (أمر إباحة) أي فالمعنى يباح لكم الانتشار في الأرض ، فلا حرج عليكم في فعله ولا تركه. قوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) أتى به ثانية ، إعلاما بأن ذكر الله مأمور به في سائر الأحوال لا في خصوص الصلاة. قوله : (تفوزون) أي تظفرون بسعادتكم. قوله : (كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم) الخ ، شروع في بيان سبب نزول قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً) الخ. قوله : (يخطب يوم الجمعة) أي بعد الصلاة كالعيدين. قوله : (فقدمت عير) أي من الشام قدم بها دحية بن خليفة الكلبي ، وكان الوقت وقت غلاء في المدينة ، وكان في تلك القافلة جميع ما يحتاج اليه الناس ، من بر ودقيق وزيت وغيرها ، فنزل بها عند أحجار الزيت ، موضع بسوق المدينة ، وضرب الطبل ليعلم الناس بقدومه فيبتاع منه ، وقيل : الضارب للطبل أهل المدينة على العادة في أنهم كانوا يستقبلونها بالطبل والتصفيق ، وقيل : أهل القادم بها ، قال قتادة : بلغنا أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات ، كل مرة تقدم العير من الشام ، ويوافق قدومها يوم الجمعة وقت الخطبة. قوله : (غير اثني عشر رجلا) وفي رواية : أن الذين بقوا معه أربعون رجلا ، وفي أخرى أنهم ثمانية ، وفي أخرى أنهم أحد عشر ، وفي أخرى أنهم ثلاثة عشر ، وفي أخرى أنهم أربعة عشر ، وهذا منشأ الخلاف بين الأئمة في العدد الذي تنعقد به الجمعة ، فصح عند مالك أنهم اثنا عشر ، وصح عند الشافعي أنهم أربعون ، ورد في الحديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد ، لسال بكم الوادي نارا». قوله : (انْفَضُّوا إِلَيْها) أي والذي سوغ لهم الخروج ، وترك رسول الله يخطب ، أنهم ظنوا أن الخروج بعد تمام الصلاة جائز ، لانقضاء المقصود وهو الصلاة ، لأنه كان يقدم الصلاة على الخطبة كالعيدين ، فلما

٢٠١

(وَتَرَكُوكَ) في الخطبة (قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ) من الثواب (خَيْرٌ) للذين آمنوا (مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١) يقال : كل إنسان يرزق عائلته ، أي من رزق الله تعالى.

____________________________________

وقعت هذه الواقعة ونزلت الآية ، قدم الخطبة وأخر الصلاة. قوله : (لأنها مطلوبهم) جواب عما يقال : لم أفرد الضمير مع أن المتقدم شيئان ويجاب أيضا : بأنه أفرد لأن العطف بأو ، وخص ضمير المؤنث لما قاله المفسر.

قوله : (وَتَرَكُوكَ قائِماً) الجملة حالية من فاعل (انْفَضُّوا) وفي قوله : (قائِماً) إشارة إلى أن الخطبة تكون من قيام لا من جلوس ، قال علقمة : سئل ابن مسعود ، كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب قائما أو قاعدا؟ فقال : أما تقرأ (وَتَرَكُوكَ قائِماً) قال جمهور العلماء : الخطبة فريضة في صلاة الجمعة ، وقال داود الظاهري : هي مستحبة ، ويجب أن يخطب الامام قائما خطبتين يفصل بينهما بجلوس ، وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يشترط القيام ولا القعود ، ويشترط الطهارة في الخطبة عند الشافعي في أحد القولين ، وأقل ما يقع عليه اسم الخطبة ، أن يحمد الله تعالى ، ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويوصي بتقوى الله ، هذه الثلاث شروط في الخطبتين جميعا ، ويجب أن يقرأ في الأولى آية من القرآن ، ويدعو للمؤمنين في الثانية ، ولو ترك واحدة من هذه الخمسة ، لم تصح خطبته ولا جمعته عند الشافعي ، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لو أتى بتسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة أجزأه ، وذهب مالك إلى أنه ما يقع عليه عند العرب اسم الخطبة ، وهو كلام مسجع مشتمل على تحذير وتبشير.

قوله : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ) الخ ، أي قل لهم تأديبا وزجرا لهم عن العود لمثل هذا الفعل. قوله : (من الثواب) بيان لما ، والمراد به الثبات مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قوله : (خَيْرٌ) اسم التفضيل باعتبار أن في اللهو والتجارة لذة دنيوية. قوله : (يقال كل إنسان) الخ ، أشار بذلك إلى أن اسم التفضيل على بابه ، فالرازقون متعددون لكن على سبيل المجاز ، وإلا فالرازق حقيقة هو الله وحده. قوله : (عائلته) أي عياله. قوله : (أي من رزق الله) تصحيح لهذا القول المذكور ، والمعنى : ليس المراد به أن كل إنسان يرزق عائلته بالاستقلال وبحوله وقوته ، بل من رزق الله تعالى يجري على يديه.

٢٠٢

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة المنافقون

مدنيّة

وآياتها إحدى عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا) بألسنتهم على خلاف ما في قلوبهم (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ) يعلم (إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١)

____________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة المنافقون مدنية

وهي إحدى عشرة آية

هكذا بالواو على الحكاية ، وفي بعض النسخ بالياء. قوله : (مدنية) أي بالاجماع ، وكذا قوله : (إحدى عشرة آية). قوله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) أي حضروا عندك عبد الله بن أبي وأصحابه ، وجواب الشرط قوله : (قالُوا) وهو الأظهر ، وقيل : جوابه محذوف ، أي فلا تقبل منهم ، وقيل : الجواب قوله : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) وهو بعيد ، وسبب نزول هذه السورة ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما غزا بني المصطلق ، وازدحم الناس على الماء ، اقتتل رجلان ، أحدهما من المهاجرين جهجاه بن أسيد ، وكان أجيرا لعمر ، يقود له فرسه ، والثاني من الأنصار اسمه سنان الجهني ، كان حليفا لعبد الله بن أبي اقتتلا ، صاح جهجاه بالمهاجرين ، وسنان بالأنصار ، فأعان جهجاها رجل من فقراء المهاجرين ولطم سنانا ، فقال عبد الله بن أبي : ما صحبنا محمدا إلا لتلطم وجوهنا ، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ، ليخرجن الأعز منها الأذل ، ثم قال لقومه : ما فعلتم بأنفسكم ، قد أنزلتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم في أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم فضل الطعام لتحولوا من عندكم ، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد ، فسمع ذلك زيد بن أرقم فبلغه لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الله : أنت صاحب الكلام الذي بلغني عنك؟ فحلف أنه ما قال شيئا وأنكر ، فهو قوله : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) الخ ، فنزلت السورة.

قوله : (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) يحتمل أن الشهادة على بابها نفيا للنفاق عن أنفسهم ، ويحتمل أن (نَشْهَدُ) بمعنى نحلف. قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) جملة معترضة بين قولهم (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) وبين قوله : (وَاللهُ يَشْهَدُ) الخ ، وحكمة الاعتراض ، أنه لو اتصل التكذيب بقولهم ، لربما توهم أن

٢٠٣

فيما أضمروه مخالفا لما قالوه (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) سترة على أموالهم ودمائهم (فَصَدُّوا) بها (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن الجهاد فيهم (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) (ذلِكَ) أي سوء عملهم (بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) باللسان (ثُمَّ كَفَرُوا) بالقلب ، أي استمروا على كفرهم به (فَطُبِعَ) ختم (عَلى قُلُوبِهِمْ) بالكفر (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) (٣) الإيمان (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) لجمالها (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لفصاحته (كَأَنَّهُمْ) من عظم أجسامهم في ترك التفهم (خُشُبٌ) بسكون الشين وضمها (مُسَنَّدَةٌ) ممالة إلى الجدار (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ) تصاح كنداء في العسكر وإنشاد ضالة (عَلَيْهِمْ) لما في قلوبهم من الرعب أن ينزل فيهم ما يبيح دماءهم (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) فإنهم يفشون سرك للكفار (قاتَلَهُمُ اللهُ) أهلكهم (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٤) كيف يصرفون عن الإيمان بعد قيام البرهان (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) معتذرين (يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا) بالتشديد

____________________________________

قولهم في حد ذاته كذب ، فأتى بالاعتراض لدفع الابهام. قوله : (فيما أضمروه) أي من أنك غير رسول ، وسماه كذبا باعتبار هذا الذي أضمروه ، هذا ما أفاده المفسر ، وقيل : كذبهم هو قولهم (نَشْهَدُ) لأن صدقها كونها من صميم القلب ، وقولهم خلاف ما في القلب. قوله : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) بفتح الهمزة في قراءة العامة جمع يمين ، وقرىء شذوذا بكسرها بمعنى دعواهم إلى الايمان والتصديق بما جاء به محمد. قوله : (جُنَّةً) بضم الجيم أي وقاية. قوله : (ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ساءَ) كبئس في إفادة الذم ، وفيها معنى التعجيب.

قوله : (بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) (باللسان) الخ ، جواب عما يقال : إن المنافقين لم يحصل منهم إيمان أصلا ، بل هم ثابتون على الكفر ، وايضاحه أن ثم للترتيب الاخباري ، معناه أنهم آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم. قوله : (لجمالها) قال ابن عباس : كان ابن أبي جسيما صحيحا فصيحا طلق اللسان ، وكان قوم من المنافقين مثله ، وهم رؤساء المدينة ، وكانوا يحضرون مجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويستندون فيه إلى الجدر ، وكان النبي ومن حضر يعجبون بهياكلهم. قوله : (وَإِنْ يَقُولُوا) أي يتكلموا في مجلسك. قوله : (تَسْمَعْ) أي تسمع بمعنى تصرخ. قوله : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) الجملة حالية من الضمير في قولهم أو مستأنفة. قوله : (في ترك التفهم) هذا بيان لوجه الشبه ، والمعنى أنهم يشبهون الأخشاب المسندة إلى الحائط ، في كونهم أشباحا خالية عن العلم والنظر. قوله : (بسكون الشين وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان.

قوله : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) أي إنهم من سوء ظنهم ورعب قلوبهم ، يظنون كل نداء في العسكر ، من إنشاد ضالة ، أو مناداة صاعقة عليهم ، وأنهم يرادون بذلك ، فمقتضى كلام المفسر أن (عَلَيْهِمْ) مفعول ثان ليحسبون ، وقوله : (هُمُ الْعَدُوُّ) جملة مستأنفة. قوله : (لما في قلوبهم من الرعب) متعلق بيحسبون. قوله : (أن ينزل فيهم) متعلق بالرعب. والمعنى لما في قلوبهم من الرعب من أن ينزل فيهم قرآن ، يكون سببا لإباحة دمائهم. قوله : (فَاحْذَرْهُمْ) مرتب على قوله : (هُمُ الْعَدُوُّ.) قوله : (قاتَلَهُمُ اللهُ) إخبار بهلاكهم أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك. قوله : (أهلكهم) وقيل : معناه لعنهم وأبعدهم عن رحمته. قوله : (بعد قيام البرهان) أي على حقيقة الإيمان.

٢٠٤

والتخفيف عطفوا (رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) يعرضون عن ذلك (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٥) (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) استغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل (أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٦) (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) لأصحابهم من الأنصار (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) من المهاجرين (حَتَّى يَنْفَضُّوا) يتفرقوا عنه (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بالرزق فهو الرازق للمهاجرين وغيرهم (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) (٧) (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا) أي من غزوة بني المصطلق (إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ) عنوا به أنفسهم

____________________________________

قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) الخ ، روي أنه نزل القرآن بفضيحتهم وكذبهم ، أتاهم عشائرهم من المؤمنين وقالوا : ويحكم افتضحتم وأهلكتم أنفسكم ، فائتوا رسول الله وتوبوا اليه من النفاق ، واسألوه أن يستغفر لكم ، فلووا رؤوسهم ، أي حركوها إعراضا وإباء ، وروي أن ابن أبي لوى رأسه وقال لهم : قد أشرتم علي بالإيمان فآمنت ، وبإعطاء زكاة مالي ففعلت ، ولم يبق إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد ، فنزل (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) الخ ، فلم يلبث ابن أبي إلا أياما قلائل ، حتى اشتكى ومات منافقا. قوله : (بالتخفيف والتشديد) قراءتان سبعيتان. قوله : (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) رأى بصرية ، وجملة (يَصُدُّونَ) حال من الهاء ، وقوله : (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) حال من الواو في (يَصُدُّونَ.) قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) الخ ، هذا تيئيس من إيمانهم ، أي استغفارك وعدمه سواء ، فهم لا يؤمنون لسبق الشقاوة لهم. قوله : (استغنى) أي في التوصل للنطق بالساكن قوله : (بهمزة الاستفهام) أشار بذلك إلى أن قراءة العامة بفتح الهمزة من غير مد ، وهي في الأصل همزة الاستفهام ، والآن همزة التسوية. قوله : (الْفاسِقِينَ) أي الكافرين الذين سبق في علم الله كفرهم.

قوله : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) الخ ، استئناف جار مجرى التعليل لفسقهم. قوله : (من الأنصار) أي المخلصين في الإيمان ، وصحبتهم للمنافقين بحسب ظاهر الحال. قوله : (عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) الظاهر أنه حكاية ما قالوه بعينه ، لأنهم منافقون يقرون برسالته ظاهرا ، ويحتمل أنهم عبروا بغير هذه العبارة ، فغيرها الله إجلالا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قوله : (حَتَّى يَنْفَضُّوا) أي لأجل أن يتفرقوا ، بأن يذهب كل واحد منهم إلى أهله وشغله بالمعاش. قوله : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الجملة حالية ، أي قالوا ما ذكر ، والحال أن الرزق بيده تعالى لا بأيديهم ، فالمعطي المانع هو الله تعالى ، وإذا سد باب يفتح الله عشرة. قوله : (لا يَفْقَهُونَ) أي لا يفهمون أن لله خزائن السماوات والأرض.

قوله : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا) الخ ، حكاية لبعض قبائحهم التي قالوها. قوله : (من غزة بني المصطلق) وكانت في السنة الرابعة ، وقيل في الثالثة ، وسببها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلغه أن بني المصطلق يجتمعون لحربه ، وقائدهم الحرث بن أبي ضرار ، وهو أبو جويرية زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما سمع بذلك ، خرج اليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع ، من ناحية قديد إلى الساحل فوقع القتال ، فهزم الله بني المصطلق ، وأمكن رسوله من أبنائهم ونسائهم وأموالهم ، وكان سبيهم سبعمائة ، فلما أخذ النبي جويرية من السبي لنفسه أعتقها وتزوجها ، فقال المسلمون : صار بنو المصطلق أصهار رسول الله ، فأطلقوا ما بأيديهم من السبي إكراما لرسول الله ، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها : ما أعلم امرأة كانت أعظم

٢٠٥

(مِنْهَا الْأَذَلَ) عنوا به المؤمنين (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) الغلبة (وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨) ذلك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ) تشغلكم (أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) الصلوات الخمس (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٩) (وَأَنْفِقُوا) في الزكاة (مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا) بمعنى هلا ، أو لا زائدة ولو للتمني (أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) بإدغام التاء ، في الأصل في الصاد أتصدق بالزكاة (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (١٠) بأن أحج ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما قصر أحد في الزكاة والحج ، إلا سأل الرجعة عند الموت (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١١) بالتاء والياء.

____________________________________

بركة على قومها من جويرية ، ولقد اعتق بتزويج رسول الله لها مائة أهل بيت من بني المصطلق.

قوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) الجملة حالية ، أي قالوا ما ذكر ، والحال أن العزة لله الخ ، وعزة الله قهره وغلبته لأعدائه ، وعزة رسوله اظهار دينه على الأديان كلها ، وعزة المؤمنين نصر الله إياهم على أعدائهم. قوله : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) ختم هذه الآية بلا يعلمون ، وما قبلها بلا يفقهون ، لأن الأول متصل بقوله : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وفي معرفتها غموض يحتاج إلى فقه ، فناسب نفي الفقه ، وهذا متصل بقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) الخ ، وفي معرفته غموض زائد يحتاج إلى علم ، فناسب نفي العلم عنهم.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الخ ، نهي للمؤمنين عن التشبه بالمنافقين ، في الاغترار بالأموال والأولاد. قوله : (الصلوات الخمس) هذا قول الضحاك ، وقال الحسن : عن جميع الفرائض ، وقيل عن الحج والزكاة ، وقيل عن قراءة القرآن ، وقيل عن سائر الأذكار وهو الأتم. قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أي لإيثارهم الفاني على الباقي ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما». قوله : (مِمَّا رَزَقْناكُمْ) من تبعيضية ، وفي التبعيض بإسناد الرزق منه تعالى إلى نفسه ، زيادة ترغيب في الامتثال ، حيث كان الرزق له تعالى بالحقيقة ، ومع ذلك اكتفى منهم ببعضه. قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي أماراته ومقدماته.

قوله : (فَيَقُولَ رَبِ) معطوف على (أَنْ يَأْتِيَ) مسبب عنه. قوله : (بمعنى هلا) أي التي معناها التحضيض ، ويخص بما لفظه ماض ، وهو في تأويل المضارع كما هنا ، واللائق هنا أن تكون بمعنى العرض الذي هو الطلب بلين ورفق ، لاستحالة معنى التحضيض هنا الطلب بحث وإزعاج. قوله : (ولو التمني) أي والتقدير على هذا ، ليتك أخرتني إلى أجل قريب. قوله : (إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أي زمن قليل ، فأستدرك فيه ما فاتني. قوله : (بالزكاة) أي وبكل حق واجب ، كالديون وحقوق العباد. قوله : (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) يرسم بدون واو كما في خط المصحف ، وأما في اللفظ ففيه قراءتان سبعيتان إثبات الواو والنصب بالعطف على (فَأَصَّدَّقَ) المنصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية في جواب العرض ، أو التمني وحذف الواو والجزم بالعطف على (فَأَصَّدَّقَ) لملاحظة جزمها في جواب الطلب ، أي إن أخرتني أصدق وأكن. قوله : (عند الموت) أي رؤية امارته كما تقدم. قوله : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً) جملة مستأنفة جواب

٢٠٦

____________________________________

عن سؤال مقدر تقديره هل يؤخر هذا المتمني؟ فقال (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً) الخ ، وهو نكرة في سياق النفي تعم. قوله : (بالياء والتاء) أي فالباء لمناسبة قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) والتاء المثناة فوق لمناسبة قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ).

ـ تتمة ـ استنبط بعضهم من هذه الآية عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن السورة تمام ثلاث وستين ، وعقبت بالتغابن الذي هو ظهور الغبن بوفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو من المعاني الإشارية.

٢٠٧

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التغابن

مدنيّة

وآياتها ثماني عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي ينزهه ، فاللام زائدة ، وأتى بما دون من تغليبا للأكثر (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١) (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) في أصل الخلقة ثم يميتهم ويعيدهم على ذلك (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢) (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) إذ جعل شكل

____________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التغابن مكية أو مدنية

وهي ثمان عشرة آية

أي إلا قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ) إلى آخر السورة ، لأنها نزلت بالمدينة باتفاق المفسرين ، وهذا قول ابن عباس وغيره. قوله : (أو مدنية) وهو قول الأكثر. قوله : (فاللام زائدة) أي أو للتعليل كما تقدم. قوله : (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) قدم الجار والمجرور فيهما ، لافادة حصر الملك والحمد فيه سبحانه وتعالى حقيقة ، وأما نسبة الملك والحمد لغيره تعالى فبطريق المجاز. قوله : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) كالدليل لما قبله.

قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي تعلقت إرادته بخلقكم أزلا ، وقوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) أي بحسب تعلق قدرته وإرادته ، فما قدر أزلا من كفر وإيمان ، لا بد وأن يموت الشخص عليه ، لما في الحديث : «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها». واعلم أن القسمة رباعية : شخص كتب سعيدا في الأزل ، ويظهر مؤمنا ويموت عليه. وشخص كتب شقيا في الأزل ، فيعيش كافرا ويموت كذلك ، وشخص كتب سعيدا في الأزل ، فيعيش كافرا ويختم له بالإيمان ، وهذه الثلاثة كثيرة الوقوع. وشخص يعيش مؤمنا ، ويختم له بالكفر ، وذلك أندر من الكبريت الأحمر. وبالجملة فالخاتمة تظهر السابقة ، لأن ما قدر في الأزل ، لا يغير ولا يبدل. قوله : (ثم يميتهم ويعيدهم) فيه التفات من الخطاب

٢٠٨

الآدمي أحسن الأشكال (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣) (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤) بما فيها من الأسرار والمعتقدات (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) يا كفار مكة (نَبَأُ) خبر (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) عقوبة كفرهم في الدنيا (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) (٥) مؤلم (ذلِكَ) أي عذاب الدنيا (بِأَنَّهُ) ضمير الشأن (كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) الحجج الظاهرات على الإيمان (فَقالُوا أَبَشَرٌ) أريد به الجنس (يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا) عن الإيمان (وَاسْتَغْنَى اللهُ) عن إيمانهم (وَاللهُ غَنِيٌ) عن خلقه (حَمِيدٌ) (٦) محمود في أفعاله (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ) مخففة واسمها محذوف أي أنهم (لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (٧) (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ) القرآن (الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ

____________________________________

للغيبة ، وإلا فمقتضى الظاهر أن يقول : ثم يميتكم ويعيدكم. قوله : (بِالْحَقِ) أي الحكمة البالغة لا عبثا. قوله : (إذ جعل شكل الآدمي أحسن الأشكال) أي فجعل رأسه لأعلى ، ورجليه لأسفل ، وذراعيه في جنبيه ، وجعله منتصب القامة. إن قلت : قد يوجد كثير من الناس مشوه الخلق. أجيب : بأن التشويه بالنسبة لأبناء جنسه ، لا بالنسبة لصور البهائم مثلا ، إذ لو قابلت بين الصورة المشوهة ، وبين صورة الغزال ، لرأيت صورة البشر المشوهة أحسن.

قوله : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الخ ، الحكمة في عدم تكرير الموصول هنا ، وقد كرره في قوله : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وفي قوله : (وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) أن تسبيح ما في السماوات مغاير لتسبيح ما في الأرض ، وكذا ما يسرونه مغاير لما يعلنونه لأن المقصود منه تخويف المكلفين ، لا ثبوت إحاطة العلم ، فكرر الموصول لذلك ، ولما كان المقصود من قوله : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ثبوت إحاطة العلم بذلك ، لم يكرر الموصول. قوله : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) استفهام توبيخ أو تقرير. قوله : (فَذاقُوا) عطف على (كَفَرُوا) عطف مسبب على سبب. قوله : (أي عذاب الدنيا) أي والآخرة ، فاسم الاشارة عائد على ما ذكر.

قوله : (فَقالُوا أَبَشَرٌ) عطف على (كانَتْ) والمعنى : قال كل فريق من المذكوري ، في حق رسولهم الذي أتاهم : أبشر يهدينا؟ وبهذا المعنى صح الجمع في قوله : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) وإلا فمقتضى الظاهر أن يقول يهدينا. قوله : (فَكَفَرُوا) الفاء سببية ، والمعنى كفروا بسبب هذا القول. قوله : (وَاسْتَغْنَى اللهُ) أي ظهر غناه عن إيمانهم لأنه لا ينفعه ، كما أن كفرهم لا يضره ، فكل من الكفر والايمان واقع بإرادة الله تعالى ، وهو المستغنى عن كل ما سواه ، فلا يسأل عما يفعل.

قوله : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الخ ، الزعم ادعاء العلم كذبا ، وهو يتعدى إلى مفعولين ، فجملة (أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) سادة مسدهما ، والمراد بهم أهل مكة. قوله : (مخففة) أي لا ناصبة ، لئلا يتوالى ناصبان. قوله : (قُلْ بَلى) أي تبعثون ، لأن (بَلى) يجاب بها النفي فيصير إثباتا ، فهي متضمنة للجواب ، وإنما أعاده توصلا لتوكيده بالقسم ، وعطف ما بعده عليه. قوله : (وَذلِكَ) أي المذكور من البعث والحساب. قوله : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) خطاب لكفار مكة ، والفاء واقعة في جواب شرط مقدر ، أي إذا كان الأمر

٢٠٩

بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٨) اذكر (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) يوم القيامة (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) يغبن المؤمنون الكافرين بأخذ منازلهم وأهليهم في الجنة لو آمنوا (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ) وفي قراءة بالنون في الفعلين (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٩) (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) القرآن (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٠) هي (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بقضائه (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) في قوله : إن المصيبة بقضائه (يَهْدِ قَلْبَهُ) للصبر عليها (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١١) (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (١٢) البيّن (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٣) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) تطيعوهم في التخلف عن الخير كالجهاد والهجرة ، فإن سبب نزول الآية الإطاعة في ذلك (وَإِنْ

____________________________________

كذلك فآمنوا الخ. قوله : (القرآن) أي لأنه ظاهر في نفسه مظهر لغيره. قوله : (لِيَوْمِ الْجَمْعِ) سمي بذلك لأن الله يجمع فيه بين الأولين والآخرين ، من الإنس والجن وجميع أهل السماء والأرض. قوله : (يغبن المؤمنون) الخ ، أشار بذلك إلى أن التفاعل ليس على بابه ، فإن الكفار إذا أخذوا منازل المؤمنين في النار ، لو ماتوا كفارا ، ليس بغبن للمؤمنين ، بل هو سرور لهم ، وما قاله المفسر مأخوذ من حديث : «ما من عبد يدخل الجنة إلا رأى مقعده من النار لو أساء ، ليزداد شكرا ، وما من عبد يدخل النار إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ، ليزداد حسرة». قوله : (لو آمنوا) بيان للإضافة في قوله : (منازلهم وأهليهم). قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) الخ ، بيان لوجه التغابن وتفصيل له ، لأن في ذلك ذكر منازل السعداء والأشقياء. قوله : (بالنون في الفعلين) أي نكفر وندخل ، وعلى هذه القراءة فيه التفات من الغيبة للتكلم. قوله : (ذلِكَ) أي المذكور من تكفير السيئات وإدخاله الجنات.

قوله : (ما أَصابَ) مفعول محذوف أي أحدا ، و (مِنْ مُصِيبَةٍ) فاعل بزيادة (مِنْ.) قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) أي إيمانا خاصا ، وهو التصديق بأن كل شيء بقضاء وقدر. قوله : (في قوله) أي في قول القائل : إن المصيبة بقضاء الله ، والمعنى يكن قلبه مطمئنا مصدقا بهذا القول ، لا مجرد قوله : إنا لله وإنا إليه راجعون باللسان ، فلا يعطى به فضيلة الصبر على المصيبة. قوله : (يَهْدِ قَلْبَهُ) أي للثبات والاسترجاع عند نزولها. قوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ) أي في جميع الأوقات ، ولا تشغلكم المصائب عن الطاعة. قوله : (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) شرط حذف جوابه تقديره فلا ضرر ولا بأس على رسولنا ، وقوله : (فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا) الخ ، تعليل لذلك المحذوف.

قوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) مبتدأ وخبر ، وقوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) تحريض وحث للنبي على التوكل على الله والالتجاء اليه ، وفيه تعليم للأمة ذلك. قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ) الخ ، أي بعضهم ، والمراد بالأزواج ما يشمل الذكور ، فكما أن الرجل تكون زوجته عدوا له ، كذلك المرأة يكون زوجها عدوا لها. قوله : (عَدُوًّا لَكُمْ) أي يشغلكم عن طاعة الله. قوله : (أن تطيعوهم) أشار بذلك إلى تقدير مضاف ، أي فاحذروا طاعتهم قوله : (فإن سبب نزول الآية) الخ ، علة لقوله : (كالجهاد والهجرة) أي فسبب نزول الآية ، أن رجالا أسلموا من أهل مكة ، وأرادوا أن يهاجروا إلى

٢١٠

تَعْفُوا) عنهم في تثبيطهم إياكم عن ذلك الخير معتلين بمشقة فراقكم عليهم (وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٤) (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) لكم شاغلة عن أمور الآخرة (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٥) فلا تفوتوه باشتغالكم بالأموال والأولاد (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ناسخة لقوله (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَاسْمَعُوا) ما أمرتم به سماع قبول (وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا) في الطاعة (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) خبر يكن مقدرة جواب الأمر (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ

____________________________________

النبي ، فمنعهم أزواجهم وأولادهم وقالوا : صبرنا على إسلامكم ، فلا صبر لنا على فراقكم ، فأطاعوهم وتركوا الهجرة ، وقيل نزلت في عوف بن مالك الأشجعي ، كان ذا أهل وولد ، فأراد أن يغزو ، فبكوا اليه ووقفوه وقالوا له : إلى من تدعنا؟ فرق عليهم وأقام عن الغزو ، وهذا معنى قول المفسر ، كالجهاد والهجرة ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فيدخل في ذلك جميع أنواع الطاعات ، فلا يطبع الأزواج ولا الأولاد في التكاسل عن أي طاعة كانت ، بل حقوق الله مقدمة على كل حق.

قوله : (وَإِنْ تَعْفُوا) الخ ، أي تتركوا عقابهم بترك الإنفاق عليهم ، وذلك أنه من تخلف عن الهجرة والجهاد ، بسبب منع أهله وأولاده قد تنبه بعد ذلك ، فرأى غيره من الصحابة قد سبقه للخير ، فندم وعزم على عقاب أهله وأولاده بترك الإنفاق عليهم ، فأنزل (وَإِنْ تَعْفُوا) الخ. قوله : (في تثبيطهم) أي شغلهم إياكم وتكسيلهم لكم. قوله : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي ابتلاء واختبار من الله لكم ، وهو أعلم بما في نفوسكم منكم ، لكن ليظهر في عالم الشهادة من يشغله ذلك عن الحق ، فيكون عليه نقمة ممن لا يشغله ، فيكون عليه نعمة ، وقدم المال لأن فتنته أشد ، ويكفي في فتنته قصة ثعلبة بن حاطب النازل فيه قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) الآية ، قال الحسن : أدخل (مِنْ) التي للتبعيض في قوله : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ) الخ ، لأنهم كلهم ليسوا بأعداء بل البعض منهم ، ولم يدخلها في قوله : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ) الخ لأنهما لا يخلوان من الفتنة واشتغال القلب بهما ، فمن رجع إلى الله تعالى ، ولم يلتفت إلى ماله وولده وجاهد نفسه فقد فاز ، ومن تتبع الشغل بالمال والولد وافتتن بهما فقد هلك.

قوله : (أَجْرٌ عَظِيمٌ) وهو الجنة. قوله : (ناسخة لقوله اتقوا الله حق تقاته) أي ومعناها : أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر ، ولذلك لما نزلت الآية قالت الصحابة : ومن يعرف قدر الله فيتقيه حق تقاته ، وضايق بعضهم نفسه في العبادة ، حتى تورمت قدماه من طول القيام ، فخفف الله عنهم فنزلت (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وما قاله المفسر أحد قولين ، وقيل إنها ليست ناسخة بل مبينة لها ، فآية (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) مجملة ، وآية (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) مفصلة لها ، غير أن الاستطاعة مختلفة باختلاف الأشخاص ، فكل يبذل وسعه وطاقته في طاعة ربه ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، فليست الاستطاعة في الناس سواء ، وبالجملة فالتكليف بهذه الآية لا بآية (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) سواء قلنا إنها منسوخة أو محكمة. قوله : (خبر يكن) أو مفعول لفعل محذوف تقديره يؤتكم خيرا وهو الأولى ، لأن حذف كان واسمها مع بقاء الخبر ، إنما يكثير بعد إن ولو. قوله : (جواب الأمر) أي وهو قوله : (وَأَنْفِقُوا.) قوله : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) الشح كراهة فعل الخير والمعروف ، وينشأ عن البخل وهو الإمساك.

٢١١

الْمُفْلِحُونَ) (١٦) الفائزون (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بأن تتصدقوا عن طيب قلب (يُضاعِفْهُ لَكُمْ) وفي قراءة يضعفه بالتشديد بالواحدة عشرا إلى سبعمائة وأكثر (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ما يشاء (وَاللهُ شَكُورٌ) مجاز على الطاعة (حَلِيمٌ) (١٧) في العقاب على المعصية (عالِمُ الْغَيْبِ) السر (وَالشَّهادَةِ) العلانية (الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) (١٨) في صنعه.

____________________________________

قوله : (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) سماه قرضا ترغيبا في الصدقة ، حيث جعلها قرضا لله ، مع أن العبد إنما يقرض نفسه لأن النفع عائد عليه ، وفيه تنزل من الله تعالى لعباده ، حيث أعطاهم المال ، وأمرهم بالإنفاق منه ، وسمى إنفاقهم قرضا له ، فمن احسانه عليك خلق ونسب اليك ، وهذا الخطاب يعم الأغنياء والفقراء ، فالأغنياء مخاطبون بالإقراض في بذل أموالهم وأنفسهم ، والفقراء مخاطبون بالإقراض في بذل أنفسهم ، فهو تعليم لهم الاخلاص في أعمالهم. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (مجاز على الطاعة) أي بالكثير على القليل. قوله : (حَلِيمٌ) (في العقاب على المعصية) أي فلا يعجل بالعقوبة على من عصاه. قوله : (السر) أي ما في القلوب ، وقوله : (والعلانية) أي ما أظهره الانسان. قوله : (الْعَزِيزُ) أي الغالب على أمره. قوله : (الْحَكِيمُ) أي الذي يضع الشيء في محله.

٢١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الطّلاق

مدنيّة

وآياتها اثنتا عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا أَيُّهَا النَّبِيُ) المراد وأمّته بقرينة ما بعده أو قل لهم (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) أي أردتم الطلاق (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) لأولها ، بأن يكون الطلاق في طهر لم تمس

____________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الطلاق مدنية

وهي ثلاث عشرة آية

قوله : (ثلاث عشرة آية) هذا أحد أقوال في عدد آياتها ، وقيل : اثنتا عشرة ، وقيل : إحدى عشرة. قوله : (المراد وأمته) أشار بذلك إلى أن في الكلام حذف الواو مع ما عطفت على حد (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) وإنما اقتصر على خطاب النبي ، لأنه الرئيس الكامل ، وفي بعض النسخ المراد أمته ، أي إن لفظ النبي أطلق وأريد به أمته مجازا. قوله : (بقرينة ما بعده) أي وهو الجمع في قوله : (طَلَّقْتُمُ) وفي قوله : (فَطَلِّقُوهُنَّ.) قوله : (أو قل لهم) هذا احتمال ثان في توجه الخطاب ، ومحصله أن المخاطب حقيقة هو النبي وحده ، ولكن حذف منه الأمر كأنه قال : يا أيها النبي قل لأمتك الخ ، وفي الحقيقة ، يؤخذ من المفسر ثلاث احتمالات على اختلاف النسخ ، وبقي احتمال رابع ، وأن الخطاب هو للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولا وآخرا بلفظ الجمع تعظيما وتفخيما ، وسبب نزولها : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طلق حفصة رضي الله عنها ، فأتت أهلها ، فأنزل الله تعالى عليه (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) وقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة ، وهي من أزواجك في الجنة ، وورد : تزوجوا ولا تطلقوا ، فإن الطلاق يهتز منه العرش. وورد : لا تطلقوا النساء إلا من ريبة ، فإن الله عزوجل لا يحب الذواقين ولا الذواقات. وورد : ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق. قوله : (أردتم الطلاق) دفع بذلك ما يقال : إن قوله : (فَطَلِّقُوهُنَ) تحصيل للحاصل ، والمراد بالنساء المدخول بهن ذوات الأقراء ، أما غير المدخول بهن ، فلا عدة عليهن بالكلية ، وأما ذوات الأشهر والحوامل فسيأتين. قوله : (لِعِدَّتِهِنَ) اللام للتوقيت كهي في قوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) والمعنى طلقوهن في وقت يصلح فيه ابتداء عدتهن ، وهو ما أشار له بقوله : (بأن يكون) الخ. قوله : (في طهر) أي وأما في الحيض فهو حرام ، بدليل أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده وهو واقع ، لأن النهي إذا كان لأمر خارج لا يستلزم الفساد ، وهنا كذلك ، لأن علة النهي تطويل العدة عليها.

٢١٣

فيه لتفسيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك ، رواه الشيخان (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) احفظوها لتراجعوا قبل فراغها (وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) أطيعوه في أمره ونهيه (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ) منها حتى تنقضي عدتهن (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ) زنا (مُبَيِّنَةٍ) بفتح الياء وكسرها ، أي بينت ، أو هي بينة ، فيخرجن لإقامة الحد عليهن (وَتِلْكَ) المذكورات (حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ) الطلاق (أَمْراً) (١) مراجعة فيما إذا كان واحدة أو اثنتين (فَإِذا

____________________________________

قوله : (لم تمس فيه) أي لم توطأ ، وهذا القيد لمنع الريبة ، فإنه ربما يحصل من ذلك الوطء حمل ، فتنتقل من الحيض لوضع الحمل ، وربما حاضت الحامل فحصل اللبس ، وحكم الطلاق في الطهر الذي مس فيه الكراهة عند مالك ، والحرمة عند الشافعي ، ولكن تحتسب به من العدة ، ولا يجبر على الرجعة فيه. قوله : (رواه الشيخان) فقد روي عن ابن عمر ، أنه طلق امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ، ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»). قوله : (احفظوها) أي احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق ، والخطاب للأزواج ، ويدخل الزوجات فيه أيضا ، لأن الزوج يحصي العدة ليراجع وينفق ويتزوج بأخت المطلقة ونحو ذلك ، وهي لتحل للأزواج ونحو ذلك. قوله : (لتراجعوا) أي وتنفقوا وتسكنوا.

قوله : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) الخ ، المراد المساكن التي وقع الفراق فيها ، وهي بيوت الأزواج ، وأضيفت اليهن لاختصاصها بهن من حيث السكنى ، وجمع بين النهيين إشارة إلى أن الزوج لو أذن لها في الخروج لا يجوز لها الخروج ، لأن العدة حق لله تعالى ، فلا يسقط بتراضيهما. قوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ) الخ ، الجملة حالية من فاعل (لا يَخْرُجْنَ) ومفعول (لا تُخْرِجُوهُنَ) والمعنى : لا يخرجن ولا تخرجوهن في حال من الحالات ، إلا في حال كونهن آتيات بفاحشة مبينة. قوله : (زنا) وقيل : الفاحشة أن تبذو على أهل زوجها ، فيحل اخراجها لسوء خلقها. قوله : (بفتح الياء وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (أي بينت أو هي بينة) لف ونشر مرتب.

قوله : (وَتِلْكَ) (المذكورات) أي من قوله : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) الخ. قوله : (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) أي عرضها للعقاب ، وقيل : المراد بظلم نفسه ، الضرر الدنيوي الذي يلحقه بسبب تعديه ، ولا يمكنه تداركه بدليل قوله : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ) الخ ، وارادة العموم أولى. قوله : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ) الخ ، استئناف مسوق لتعليل ما تضمنته الجملة الشرطية ، والمراد بالأمر الذي يحدثه الله أن يقلب قلبه عما فعله ، بأن يرغب في الرجعة ويندم على الطلاق ، والمقصود منه التحريض على طلاق واحدة أو الثنتين ، وعدم ضرر الزوجة بالفراق ، ليكون في فسحة إذا غير الله الأحوال. قوله : (مراجعة) أي بأن يقلب قلبه من بغضها إلى حبها ، من الرغبة عنها إلى الرغبة فيها ، ومن حبه الطلاق إلى الندم عليه ، وبالجملة الذي ينبغي للعاقل إذا أراد الفراق أن يكون بالمعروف ، لأنه لا يدري ما يخلقه الله في قلبه بعد ذلك ، فإذا كان فراقه بالمعروف وحول الله الحال ، سهل له بعد ذلك الرجوع.

قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) أي المطلقات طلاقا رجعيا المدخول بهن. قوله : (قاربن انقضاء

٢١٤

بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) قاربن انقضاء عدتهن (فَأَمْسِكُوهُنَ) بأن تراجعوهن (بِمَعْرُوفٍ) من غير ضرار (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) اتركوهن حتى تنقضي عدتهن ولا تضاروهن بالمراجعة (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) على الرجعة أو الفراق (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) لا للمشهود عليه أو له (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (٢) من كرب الدنيا والآخرة (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) يخطر بباله (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي في أموره (فَهُوَ حَسْبُهُ) كافيه (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) مراده ، وفي قراءة بالإضافة (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ) كرخاء وشدة

____________________________________

عدتهن) أي فالكلام على سبيل المجاز. قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي بحسن عشرة وانفاق وتحمل أذى وغير ذلك. قوله : (بأن تراجعوهن) تصوير للامساك. قوله : (ولا تضاروهن بالمراجعة) بيان للمعروف في الامساك ، والمعنى : أنه إذا أراد امساكها راجعها ، لقصد بقاء الزوجية لا لقصد ضررها ، والأوضح أن يقول : فلا تضاروهن عند الفراق بأن تتكلموا في حقهن ونحو ذلك ، وأما مضارتهن بالامساك ، فقد علم نفيها من قوله تعالى (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ.) قوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ) أي صاحبي عدالة. قوله : (على الرجعة) أي لتظهر ثمرتها بعد ذلك في الارث إذا مات أو ماتت ، وفيما إذا ادعى الرجعة بعد انقضاء العدة وأنكرت. قوله : (أو الفراق) أي الطلاق لتظهر ثمرة الاشهاد بعد ذلك ، إذا ادعت عليه الطلاق وأنكر ، وهذا الاشهاد مندوب عند مالك وأبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه ، والآخر أنه واجب عند الرجعة ، مندوب عند الفراق.

قوله : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) أي لوجهه ولا تراعوا المشهود له ولا المشهود عليه ، وإنما حث على أداء الشهادة لما فيه من العسر على الشهود ، لأنه ربما يؤدي إلى أن يترك الشاهد مهماته ، ولما فيه من عسر لقاء الحاكم الذي يؤدي عنده ربما بعد مكانه ، وكان للشاهد عوائق. قوله : (ذلِكُمْ) أي المذكور من أول السورة إلى هنا. قوله : (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي وأما من لم يكن متصفا بذلك ، فهو لقساوة قلبه لا يوعظ ، لأنه لم ينتفع به. قوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الخ ، هذه الجملة اعتراضية في أثناء الأحكام المتعلقة بالنساء ، إشارة إلى أنه لا يصبر على تلك الأحكام ولا يعمل بها إلا أهل التقوى ، والأحسن أن يراد من هذه العموم لا خصوص التقوى في أمر النساء ، قال أكثر المفسرين : نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي ، أسر المشركون ابنا له يسمى سالما ، فأتى عوف إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشتكي اليه الفاقة وقال : إن العدو اسر ابني وجزعت الأم فما تأمرني؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اتق الله واصبر ، وآمرك وإياها أن تستكثرا من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فعاد إلى بيته وقال لامرأته : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرني وإياك أن نكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فقالت : نعم ما أمرنا به ، فجعلا يقولان ، فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم وهي أربعة آلاف شاة ، واستاق من إبلهم خمسين بعيرا كما في رواية ، وجاء بها إلى المدينة ، فقال أبوه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيحل لي أن آكل مما أتى به ابني؟ فقال : «نعم» ونزلت الآية.

قوله : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي من فوض أمره اليه كفاه ما أوهمه ، والأخذ في الأسباب لا ينافي التوكل ، لأنه مأمور به ، لكن لا يعتمد على تلك الأسباب. قوله : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ)

٢١٥

(قَدْراً) (٣) ميقاتا (وَاللَّائِي) بهمزة وياء ، وبلا ياء في الموضعين (يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) بمعنى

____________________________________

فلا بد من انفاذ مراده ، حصل من الشخص توكل أم لا ، لكن من توكل يكفر عنه سيئاته ، ويعظم له أجرا. قوله : (وفي قراءة بالاضافة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) أي تقديرا لا يتعداه ، ولو اجتمعت جميع الخلائق على أن لا يتعدوه لا يقدرون ، وهذه الآية تستعمل لدفع كرب الدنيا والآخرة ، لما ورد في الحديث : «إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)» فما زال يقرؤها ويعيدها. وورد أيضا : من انقطع إلى الله ، كفاه الله كل مؤنة ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله اليها ، ومعنى انقطع إلى الله ، أنه إذا اتقى وآثر الحلال والصبر على أهله ، فإنه يفتح الله عليه إن كان ذا ضيق ، ويزرقه من حيث لا يحتسب. وورد أيضا : «من أكثر من الاستغفار ، جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب».

ـ لطيفة ـ ذكر الأجهوري في فضائل رمضان حكاية مناسبة للمقام ، وهي أن قوما ركبوا البحر ، فسمعوا هاتفا يقول : من يعطني عشرة آلاف دينار ، حتى أعلمه كلمة إذا أصابه غم أو أشرف على هلاك فقالها ، انكشف ذلك عنه ، فقام من أهل المركب رجل معه عشرة آلاف دينار فصاح : أيها الهاتف أنا أعطيك عشرة آلاف دينار وعلمني ، فقال : ارم بالمال في البحر فرمى به ، فسمع الهاتف يقول : إذا أصابك هم أو أشرفت على الهلاك فاقرأ (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) إلى آخر الآية ، فقال جميع من في المركب للرجل : لقد ضيعت مالك ، فقال : كلا إن هذه لفظة ما أشك في نفعها ، قال : فلما كان بعد أيام ، كسر بهم المركب ، فلم ينج منهم غير ذلك الرجل ، فإنه وقع على لوح وطرحه البحر على جزيرة ، قال : فصعدت أمشي فيها ، فإذا بقصر منيف فدخلته فإذا فيه كل ما يكون في البحر من الجواهر وغيرها ، وإذا بامرأة لم أر قط أحسن منها ، فقلت لها : من أنت؟ وأي شيء تعملين ههنا؟ قالت : أنا بنت فلان التاجر بالبصرة ، وكان أبي عظيم التجارة ، وكان لا يصبر عني ساعة ، فسافر بي معه في البحر ، فانكسر مركبنا فاختطفت حتى حصلت في هذه الجزيرة ، فخرج إلي شيطان من البحر ، فتلاعب بي سبعة أيام من غير أن يطأني ، إلا أنه يلامسني ويؤذيني ويتلاعب بي ، ثم ينظر إلي ثم ينزل في البحر سبعة أيام ، وهذا يوم موافاته ، فاتق الله في نفسك واخرج قبل موافاته ، وإلا أتى عليك ، فما انقضى كلامها حتى رأيت ظلمة هائلة فقالت : قد والله جاء وسيهلكك ، فلما قرب مني وكاد يغشاني قرأت الآية ، فإذا هو خر كقطعة جبل ، إلا أنه رماد محترق ، فقالت المرأة : ملك والله وكفيت أمره ، ومن أنت يا هذا الذي منّ الله علي بك؟ فقمت أنا وهي ، فانتخبنا ذلك الجواهر ، حتى حملنا كل ما فيه من نفيس وفاخر ، ولزمنا الساحل نهارنا ، فإذا كان الليل رجعنا إلى القصر ، قال : وكان فيه كل ما يؤكل فقلت لها : من أين لك هذا؟ قالت : وجدته ههنا ، فلما كان بعد أيام ، رأينا مركبا بعيدا ، فلوحنا اليه فدخل فحملنا ، فسرنا يسيرا إلى البصرة ، فوصفت لي منزل أهلها فأتيتهم فقالوا : من هذا؟ فقلت : رسول فلانة بنت فلان ، فارتفعت الناعية فقالوا : يا هذا لقد جددت علينا مصابنا ، فقلت : اخرجوا فخرجوا ، فأخذتهم حتى أتيت بهم إلى ابنتهم ، فكادوا يموتون فرحا ، وسألوها عن خبرها ، فقصته عليهم وسألتهم أن يزوجوني بها ففعلوا ، وجعلنا ذلك الجواهر رأس مال بيني وبينها ، وأنا اليوم أيسر أهل البصرة ، وهؤلاء أولادي منها ، انتهى.

قوله : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) الخ ، سبب نزولها : أنه لما نزل قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ

٢١٦

الحيض (مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ) شككتم في عدتهن (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) لصغرهن فعدتهن ثلاثة أشهر ، والمسألتان في غير المتوفى عنهن أزواجهن ، أما هنّ فعدتهن ما في آية يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ) انقضاء عدتهن مطلقات أو متوفى عنهن أزواجهن (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (٤) في الدنيا والآخرة (ذلِكَ) المذكور في العدة (أَمْرُ اللهِ) حكمه (أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ

____________________________________

ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) قال خلاد بن النعمان : يا رسول الله ، فما عدة التي لم تحض ، وعدة التي انقطع حيضها ، وعدة الحبلى؟ فنزلت ، واللاء اسم موصول مبتدأ ، و (يَئِسْنَ) صلته ، وقوله : (مِنْ نِسائِكُمْ) حال من الضمير في (يَئِسْنَ) والشرط وجوابه خبره ، أو قوله : (فَعِدَّتُهُنَ) خبره ، وجواب الشرط محذوف تقديره : فاعلموا أنها ثلاثة أشهر ، والشرط وجوابه مقدر معترض بين المبتدأ وخبره ، والأول أحسن. قوله : (يَئِسْنَ) أي وأول سن اليأس ستون سنة ، وما بين الخمسين والستين يسأل النساء ، فإن جزمن بأنه حيض أو شككن فحيض ، وإلا فليس بحيض ، وما قبل الخمسين حيض قطعا. قوله : (شككتم في عدتهن) أي جهلتم قدرها ، والقيد لبيان الواقع فلا مفهوم له ، بل عدتها ما ذكر ، سواء علموا أو جهلوا ، لكن الواقع في نفس الأمر ، أن السائلين كانوا جاهلين بقدرها.

قوله : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) (لصغرهن) أي عدم بلوغهن أوان الحيض كبنت تسع ، ومثل الصغيرة من لم تر الحيض أصلا ، وتسميها النساء البغلة ، وأما معتادة الحيض وتأخر حيضها بلا سبب أو بسبب مرض ، أو استحيضت ولم تميز ، فإنها تمكث عند مالك سنة بيضاء وتحل للأزواج ، ثم إن احتاجت لعدة بعد ذلك كانت كالآيسة والصغيرة ، وأما من تأخر حيضها لرضاع ، أو استحيضت وميزت ، أو كان حيضها يأتي بعد سنة أو سنتين إلى خمس ، فلا تعتد إلا بالحيض ، فإن زادت عادتها عن خمس ، فالذي لأبي الحسن على المدونة أنها تعتد بسنة بيضاء من أول الأمر ، وقيل بثلاثة أشهر كالآيسة والصغيرة ، فليحفظ هذا المقام. قوله : (فعدتهن ثلاثة) أشار بذلك إلى أن قوله واللاء مبتدأ ، وجملة (لَمْ يَحِضْنَ) صلته ، والخبر محذوف قدره المفسر جملة ، والأولى تقديره مفردا بأن يقول مثلهن أو كذلك. قوله : (والمسألتان) أي مسألة الآيسة ومسألة الصغيرة. قوله : (في غير المتوفى عنهن) أي فما هنا مخصوص بآية البقرة.

قوله : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) مبتدأ و (أَجَلُهُنَ) مبتدأ ثان ، و (أَنْ يَضَعْنَ) خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول و (الْأَحْمالِ) جمع حمل بفتح الحاء كصحب وأصحاب ، اسم لما كان في البطن أو على رأس الشجر ، وبالكسر اسم لما كان على ظهر أو رأس. قوله : (أو متوفى عنهن أزواجهن) أشار بذلك إلى بقاء عموم (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) فهو مخصص لآية (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) أي ما لم يكن حوامل ، وحاصل الفقه في هذا المقام ، أن النساء قسمان : مطلقات ومتوفى عنهن ، وفي كل إما حرائر أو إماء ، فعدة الحرة المدخول بها المطلقة ذات الحيض ثلاثة قروء ، واليائسة والصغيرة ثلاثة أشهر ، والأمة المدخول بها المطلقة ذات الحيض قرءان ، فإن كن حوامل فوضع الحمل حرة أو أمة ، وعدة المتوفى عنها إن كانت حرة أربعة أشهر وعشر مطلقا مدخولا بها أو لا ، والأمة شهران وخمس ليال ، والحوامل وضع الحمل ، وانظر تفاصيل ذلك في الفروع. قوله : (المذكور في العدة) أي في تفاصيلها. قوله : (أَنْزَلَهُ) أي بينه ووضحه.

٢١٧

أَجْراً) (٥) (أَسْكِنُوهُنَ) أي المطلقات (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) أي بعض مساكنكم (مِنْ وُجْدِكُمْ) أي سعتكم ، عطف بيان أو بدل مما قبله بإعادة الجار ، وتقدير مضاف أي أمكنة سعتكم ، لا ما دونها (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) المساكن فيحتجن إلى الخروج أو النفقة فيفتدين منكم (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) أولادكم منهن (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) على الإرضاع (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ) وبينهن (بِمَعْرُوفٍ) بجميل في حق الأولاد بالتوافق على أجر معلوم على الإرضاع (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) تضايقتم في الإرضاع ، فامتنع الأب من الأجرة ، والأم من فعله (فَسَتُرْضِعُ لَهُ) للأب (أُخْرى) (٦) ولا تكره الأم على إرضاعه (لِيُنْفِقْ) على

____________________________________

قوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) الخ ، كرر التقوى لعلمه سبحانه وتعالى بأن النساء ناقصات عقل ودين ، فلا يصبر على أمورهن إلا أهل التقوى. قوله : (أَسْكِنُوهُنَ) الخ ، هذا وما بعده بيان لما تتوقف عليه التقوى. قوله : (أي المطلقات) أخذ هذا التقييد من السياق ، وإلا فكل مفارقة يجب لها السكنى ، سواء كان فراقها بطلاق أو موت ، وإنما التفصيل في النفقة. قوله : (أي بعض مساكنكم) أشار بذلك إلى أن (مِنْ) للتبعيض ، وهو أحد وجهين ، والثاني أنها لابتداء الغاية ، والمعنى : تسببوا إلى اسكانهن من الوجه الذي تسكنون أنفسكم فيه. قوله : (مِنْ وُجْدِكُمْ) بضم الواو باتفاق القراء ، وإن كان يجوز فيه التثليث لغة يقال وجد في المال وجدا ، بضم الواو وفتحها وكسرها ، وجدة أيضا بالكسر أي استغنى. قوله : (بإعادة الجار) ظاهره أنه راجع للبيان والبدل وليس مناسبا ، لأن عطف البيان لم يعهد فيه تكرار العامل ، فالأولى رجوعه للبدلية. قوله : (لا ما دونها) أي لا المساكن التي دون أمكنة سعتكم لنفاستها وارتفاع سعرها ، وإنما تكليفه باللائق بها على قدر سعته.

قوله : (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) أي بأن تفعلوا معهن فعلا يوجب خروجهن من المساكن. قوله : (فيفتدين) أي المطلقات حيث كن رجعيات ، فيلجئهن الأمر إلى كونها تفتدى منه ليبتها وتخلص منه. قوله : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ) أي وإن كن المطلقات الرجعيات أو البائنات ، وأما الحوامل المتوفى عنهن ، فلا نفقة لهن لاستغنائهن بالميراث. قوله : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) هذا الحكم مفروض في المطلقات كما هو مقتضاه ، وأما الزوجة فعند مالك يلزمها الإرضاع بنفسها إن كان بها ألبان وكان شأنها ذلك ، وأما مثل بنات الملوك فلا يلزمهن الإرضاع ، وعند الشافعي لا يلزم الزوجة الإرضاع مطلقا.

قوله : (وَأْتَمِرُوا) أي ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف ، قوله : (على أجر معلوم) أي أجرة معلومة على قدر وسعة وحالها. قوله : (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) فيه معاتبة الأم على ترك الإرضاع والمعنى : فإن امتنع الأب من دفع الأجرة للأم ، وتركت الأم الولد من غير إرضاع بنفسها ، فليطلب له الأب مرضعة أخرى ، ويجبر على ذلك لئلا يضيع الولد ، فقوله : (فَسَتُرْضِعُ) الخ ، خبر بمعنى الأمر ، والضمير في (لَهُ) للأب بدليل (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) والمفعول محذوف للعلم به ، أي فسترضع الولد لوالده امرأة أخرى.

قوله : (لِيُنْفِقْ) (على المطلقات) أي اللاتي لم يرضعن ، وقوله : (والمرضعات) أي المطلقات وهذا

٢١٨

المطلقات والمرضعات (ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ) ضيق (عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ) أعطاه (اللهُ) على قدره (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (٧) وقد جعله بالفتوح (وَكَأَيِّنْ) هي كاف الجر ، دخلت على أي بمعنى كم (مِنْ قَرْيَةٍ) أي وكثير من القرى (عَتَتْ) عصت يعني أهلها (عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها) في الآخرة وإن لم تجىء لتحقق وقوعها (حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) (٨) بسكون الكاف وضمها فظيعا وهو عذاب النار (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) عقوبته (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) (٩) خسارا وهلاكا (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) تكرير الوعيد توكيد (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) أصحاب العقول (الَّذِينَ آمَنُوا) نعت للمنادى أو بيان له (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) (١٠) هو القرآن (رَسُولاً) أي محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم منصوب بفعل مقدر ، أي وأرسل (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) بفتح الياء وكسرها كما تقدم

____________________________________

التقييد اخذه من السياق ، وإلا فالزوجة كذلك. واعلم أن المطلقة طلاقا رجعيا ، لها النفقة بإجماع المذاهب ، وأما بائنا فلا نفقة لها عند مالك والشافعي ، وعند أبي حنيفة لها النفقة ، وكل هذا ما لم تكن حاملا ، وإلا فلها النفقة بإجماع ، وللمرضع اجرة الرضاع بإجماع أيضا ، كما يقضي بالسكنى للجميع بإجماع. قوله : (مِنْ سَعَتِهِ) الكلام على حذف مضاف ، و (مِنْ) بمعنى على أي على قدر سعته ، والمعنى : أنه يجب على الأزواج النفقة على المطلقات والمرضعات والأزواج ، بقدر طاقته ، فيلزم الزوج الموسر مدان ، والمتوسط مد ونصف ، والمعسر مد ، هذا مذهب الشافعي ، ومذهب مالك يفرض لها قوت وإدام وكسوة ومسكن ، بقدر وسعه وحالها. قوله : (على قدره) أي فلا يكلف فوق طاقته. قوله : (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) في هذا بشارة للفقراء ، أي فلا تقنطوا ، بل عن قريب يحول الله حالكم إلى الغنى ، وفي الحديث : «لن يغلب عسر يسرين». قوله : (وقد جعله بالفتوح) أي فقد صدق الله وعده ، حيث فتح عليهم جزيرة العرب وفارس والروم ، حتى صاروا اغنى الناس ، ولا خصوصية للصحابة بذلك ، بل العبرة بالعموم.

قوله : (وَكَأَيِّنْ) مبتدأ ، و (مِنْ قَرْيَةٍ) تمييز لها ، وقوله : (عَتَتْ) خبر. قوله : (بمعنى كم) أي فصار المجموع بمعنى كم. قوله : (عَتَتْ) ضمنه معنى أعرضت أو خرجت فعداه بعن. قوله : (يعني أهلها) أي فأطلق لفظ القرية ، وأريد أهلها مجازا ، من باب تسمية الحال باسم المحل. قوله : (لتحقق وقوعها) جواب عما يقال : إن الحساب وما بعده إنما يحصل في الآخرة ، فما وجه التعبير بالماضي؟ فأجاب : بأنه عبر بالماضي لتحقق وقوعه. قوله : (حِساباً شَدِيداً) أي بالمناقشة والاستقصاء. قوله : (فظيعا) أي شنيعا قبيحا. قوله : (تكرير الوعيد) أي المذكور في الجمل الأربع وهي قوله : (فَحاسَبْناها) و (عَذَّبْناها) (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً.) قوله : (أو بيان له) أي عطف بيان. قوله : (منصوب بفعل مقدر) هذا أحسن احتمالات تسع ذكرها المفسرون ، وقوله : (أي محمدا) هو أحد أقوال ثلاثة في تفسير الرسول وهو أحسنها ، وقيل : هو جبريل ، وقيل : هو القرآن نفسه.

قوله : (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ) نعت لرسولا. قوله : (مُبَيِّناتٍ) حال من (آياتِ.) قوله : (كما تقدم) أي

٢١٩

(لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بعد مجيء الذكر والرسول (مِنَ الظُّلُماتِ) الكفر الذي كانوا عليه (إِلَى النُّورِ) الإيمان الذي قام بهم بعد الكفر (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ) وفي قراءة بالنون (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) (١١) هو رزق الجنة التي لا ينقطع نعيمها (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) يعني سبع أرضين (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ) الوحي (بَيْنَهُنَ) بين السماوات والأرض ، ينزل به جبريل من السماء السابعة إلى الأرض السابعة (لِتَعْلَمُوا) متعلق بمحذوف ، أي أعلمكم بذلك الخلق والتنزيل (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (١٢).

____________________________________

في قوله : (بفاحشة مبينة) من أن المفتوح من المتعدي ، والمكسور من اللازم ، أي بينها الله ، أو هي بينة في نفسها. قوله : (لِيُخْرِجَ) متعلق بيتلو ، فالضمير راجع لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو متعلق بأنزل ، فالضمير عائد على الله تعالى ، وكل صحيح. قوله : (وفي قراءة بالنون) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة ، أي مقدرين الخلود. قوله : (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) أي عظيما عجيبا ، والجملة حال ثانية ، أو حال من الضمير في (خالِدِينَ) فتكون متداخلة.

قوله : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) عامة القراء على نصب مثلهن ، ووجه أنه معطوف على (سَبْعَ سَماواتٍ) أو مفعول لمحذوف تقديره : وخلق مثلهن من الأرض ، وقرىء شذوذا بالرفع على الابتداء ، والجار والمجرور خبره مقدم عليه. قوله : (يعني سبع أرضين) اعلم أن العلماء أجمعوا على أن السماوات سبع طباق ، بعضها فوق بعض ، وأما الأرضون فالجمهور على أنها سبع كالسماوات بعضها فوق بعض ، وفي كل أرض سكان من خلق الله ، وعليه فدعوة الإسلام مختصة بأهل الأرض العليا ، لأنه الثابت والمنقول ، ولم يثبت أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا أحد ممن قبله ، نزل إلى الأرض الثانية ، ولا غيرها من باقي الأرضين ، وبلغهم الدعوة ، وهل جعل الله لما تحت الأرض العليا ضوءا آخر غير الشمس والقمر ، أو يستمدون الضوء منهما؟ قولان للعلماء ، وقيل : إنها طباق ملزوقة بعضها ببعض ، وقيل : ليست طباقا بل منبسطة تفرق بينها البحار ، وتظل الجميع السماء ، والأول هو الأصح. قوله : (ينزل به جبريل) أي بالوحي بمعنى التصريف ، والمعنى : أن أمر الله وقضاءه ، يجري وينزل من السماء السابعة إلى الأرض السابعة ، فهو سبحانه وتعالى متصرف في كل ذرة منها ، وأما إن أريد بالوحي وحي التكليف بالأحكام ، فالمراد بقوله : (بَيْنَهُنَ) أي بين السماوات والأراضي السبع ، فيكون فوق الأرض وتحت السماوات. قوله : (متعلق بمحذوف) أي على أنه علة له ، والمعنى : حكمة إعلامه لكم بهذا الخلق ، صيرورتكم علماء بأن الله على كل شيء قدير ، الخ.

قوله : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي من غير هذا العالم ، بحيث يمكن أن يخلق خلقا آخر أبدع من هذا العالم ، وهذا كله بالنظر للإمكان العقلي ، فلا يخالف ما نقل عن الغزالي من قوله : ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لأن معناه تعلق علم الله في الأزل ، بأنه لا يخلق عالما غير هذا العالم ، فمن حيث تعلق العلم بعدمه ، صار غير ممكن ، لأنه لو وقع لانقلب العلم جهلا ، فهي استحالة عرضية ، وهناك أجوبة أخر ذكرناها في كتاب الجوهرة.

٢٢٠