تراثنا ـ العددان [ 105 و 106 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 105 و 106 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

الجوزي(١).

فإنّه عناداً يزعم أنّ هذا الحديث الشريف له سند واحد فقط وأنّه أيضاً غير معتبر ، وقد غضّ نظره عمداً عن بضع وعشرين سنداً ، ممّا يكشف أنّ ملاكهم في تضعيف الرواة هو تضعيف كلّ من روى عبارة تصبّ في ذكر فضيلة من فضائل أهل البيت عليهم‌السلام وذلك باصطلاح مثل : «فيه تشيع» ، وهو ما يلاحظ أيضاً في كلام القاضي روزبهان وما بدا من رأي الحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني ، حيث ردّ القاضي روزبهان راوي حديث «من كنت مولاه» وذلك بعبارة : «فيه تشيع».

هذا النموذج هو العملة الرائجة لديهم تقريباً والموجودة أيضاً في مواضع أخرى ، وهذا ما يدعو إلى شيء من التأمّل والتساؤل. لم كلّ هذا العناد والعداء لأهل البيت عليهم‌السلام بحيث إذا روى أكثر من عشرين راو حديثاً اختار منهم العالم والرجالي والحافظ والأمين على ودائع الدين عند أهل السنّة وهو ابن الجوزي سنداً واحداً وأعرض عن سائر الأسانيد غاضّاً نظره عنها؟ وهكذا يوهم أنّه ليس لديه إلاّ السند الواحد وانّه ضعيف ، وبالتالي يستنتج أنّه لم يصل حديث صحيح عن رسول الله في هذا الشأن.

ويذكر ابن حجر الهيتمي عن الحديث الصحيح الوارد : «إنّي تارك فيكم الثقلين» قائلا : «ولم يُصِب ابن الجوزي في إيراده في العلل المتناهية»(٢).

ولا يخفى أنّ ابن الجوزي إنّما ذكر كإنموذج بل إنّ المعاصرين من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ترجمة ثقلين نفحات الأزهار : ٤٣٤ ـ ٤٣٧.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٢٨.

٤١

المؤلّفين والمحقّقين أيضاً ليسوا بأقلّ منه ، فمثلا إنّ محقّق كتاب استجلاب ارتقاء الغرف خالد بن أحمد الصّمي البابطيني يقول في شأن حديث الثقلين : «في إسناده من لا يعرف»(١) وكذلك أحمد ميرين البلوشي المعاصر يحكم بنكارة المتن وضعف السند في حديث علي وليّ كلّ مؤمن في تعليقه على خصائص النسائي مع أنّ الحاكم يرى سنده صحيحاً والذهبي مع تعنّته أقرّه على ذلك(٢).

لقد نأت أساليب ابن الجوزي عن العدل والإنصاف والموازين العلمية إلى حدٍّ بحيث ردّ طريقته في التضعيف حفيده المعروف بـ «السبط ابن الجوزي»(٣).

ومن الموارد الأخرى في عناد وعدم عدالة ابن الجوزي هو ما يتعلّق بـ(يحيى الحماني) الذي وثّقه علماء الرجال المعروفون مثل ابن معين وأبي حاتم وحتّى الذهبي ـ وقد قال فيه الأخير : إنّ توثيق ابن معين يحيى الحماني متواتر ـ ولكن بما أنّه روى حديثاً فيه طعنٌ على معاوية فقد ردّه ابن الجوزي بتعصّب أعمى ومتابعة لأهوائه النفسية(٤).

كذلك نرى أنّ ابن الجوزي ـ بدون أي ميزان علمي ـ ضعّف الحديث الذي رواه أبو ذرّ الغفاري رضوان الله عليه في شأن أمير المؤمنين عليه‌السلام وذلك من أجل وقوع عبّاد بن يعقوب وعلي بن هاشم في سنده.

أمّا عبّاد بن يعقوب فقد قال فيه ابن خزيمة وهو من كبار علماء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) استجلاب ارتقاء الغرف : ١ / ٣٦٢.

(٢) المستدرك ٣ / ١١٠ ـ ١١١.

(٣) الغدير : ٣ / ١٣٠.

(٤) عليٌّ ميزان الحق : ١١٤.

٤٢

العامّة : «حدّثنا الثقة في روايته المتّهم في دينه» ممّا يدلّل أنّ ابن الجوزي نفسه يعترف بكون ابن خزيمة ثقة ومعتمداً.

وقال عنه أبو حاتم الرجالي المتقدّم والمعروف عند العامّة : «شيخ ثقة».

وكذا الدار قطني وهو من كبار علماء العامّة قال في حقّه : «شيعيٌّ صدوق».

أمّا الذهبي فإنّه قال عنه : «صادق في الحديث».

ووصفه ابن حجر العسقلاني في كتاب تقريب التهذيب بعبارة : «صدوقٌ رافضي».

ولا يخفى أنّ ابن حبّان كابن الجوزي أيضاً أخذته الحمية وحجبت عينيه فضعّف عبّاد الشخصية التي لا غبار عليها(١).

أمّا الراوي الثاني الذي عدّه ابن الجوزي ضعيفاً فهو عليّ بن هاشم ، فإنّ تضعيفه بالذات هو من عجائب الدهر نوعاً ما ، على أنّ ذلك من أمثال ابن الجوزي غير عجيب ، لأنّ علي بن هاشم هو من روى عنه الحديث كلٌّ من البخاري في كتاب الأدب المفرد ومسلم في صحيحه والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد بن حنبل وابن أبي شيبة ، كما نقل عنه الحديث غيرهم من مشاهير علماء القوم مثل يحيى بن معين وهو رجالي من الطراز الأوّل من علماء العامّة ، وقد وثّقه كلٌّ من ابن المديني وأبي حاتم والسدوسي والعجلي وابن شاهين ـ وهؤلاء كلّهم من علماء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الجدير بالذكر أنّ ابن حبّان جرح وضعّف الإمام الرضا عليه‌السلام ، انظر المجروحين : ٢/١٠٦.

٤٣

رجال العامّة ـ وهو عندهم معتبرٌ ومعتمد.

وفي التهذيب : «وقال أبو بكر بن أبي خيثمة وأحمد بن سعد بن أبي مريم ومحمّد بن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن معين(١) : ثقة ، وكذلك قال يعقوب بن شيبة.

وقال أبو زرعة : صدوق.

وذكر البغدادي عن قول علي بن المديني : صدوق يتشيّع.

وقال النسائي : ليس به بأس.

وقال أبو حاتم : يتشيّع يكتب حديثه(٢).

مع كلّ ذلك فقد ردّ كلٌّ من ابن الجوزي وابن حبّان هذا الحديث مع أنّه في غاية القوّة والوثاقة لأنّه اصطدم مع كبرياء أسلاف معاوية!! وما ذلك الردّإلاّ عن عصبية واتّباع لهوى النفس(٣).

وخلاصة الكلام فقد بلغ ابن الجوزي من الإجحاف وعدم العدالة وبعده عن الحقّ إلى حدٍّ بحيث جرح وضعّف حجّة الله المعصوم الإمام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) يحيى بن معين رجالي مشهورٌ ومعروف ، كذّب أحد الرواة بإسم سويد بن سعيد وذلك من أجل روايته الحديث الشريف «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة». رفع الارتياب : ٤٧. حديثٌ جاوز اسناده حدّ التواتر عند الفريقين وهو محلّ قبول عندهماحتّى أنّ ابن حجر الهيتمي على تشدّده في فضائل أهل البيت عليهم‌السلام فقد أيّد هذاالحديث في صواعقه ، انظر الصواعق المحرقة : ١١٩. ومن أجل أن تعلم أنّ موازين أمثال ابن معين الذي يعدّ من أركان علم الرجال انظر كتاب إحقاق الحقّ : ١٠ /٥٤٤ ـ ٥٩٥.

عليٌّ ميزان الحقّ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩.

مسائل خلافية : ١٠٣ نقلا عن فيض القدير : ٣ / ١٥ والغدير : ٥ / ٢٩٦.

(٢) تهذيب الكمال : ٢١ / ١٦٥ ـ ١٦٨.

(٣) عليٌّ ميزان الحق : ٣٢٨ ـ ٣٢٩.

٤٤

الحسن العسكري عليه‌السلام(١). (فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّايكسبون).

ابن تيمية

وعدم العدالة والإجحاف في تقييم وانتقاء الحديث

إنّ ابن تيميّة لشريك وذو صوت واحد مع الذهبي وابن كثير وابن حجر العسقلاني وأمثالهم في جميع ما ذهبوا إليه من إنكار روايات وآيات فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ، بل حتّى أنّه كذّب الكثير ممّا تقبّلوه أيضاً. هذا ، وقد ردّ إجماع الأمّة الإسلامية في المواضع التي وقع الإجماع فيها ، مثلا الأحاديث الواردة في شأن الزيارات واستحبابها التي أجمعت عليها الأمّة الإسلامية ، فإنّ ابن تيمية ردّ كلّ هذه الأحاديث وأبطل الإجماع وعدّ العمل به شركاً.

وفي خصوص بطلان نظرية ابن تيمية نكتفي بالإشارة إلى ذكر بعض العبارات المختصرة من العلاّمة شيخ الإسلام تقيّ الدين السبكي ، فإنّه في كتابه القيّم شفاء السقام في زيارة خير الأنام بعد أن ذكر أموراً في إثبات سند حديث «من زار قبري وجبت له شفاعتي» وبعد التنقيب الكامل للموضوع فإنّه قال في صفحة ٧٩ : «فكيف يستجيز مسلم أن يطلق على كلّ الأحاديث التي هو واحدٌ منها أنّها موضوعة؟! ... ولا ظهر على هذا الحديث شيء من الأسباب المقتضية للمحدّثين للحكم بالوضع».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) مسائل خلافية : ١٠٣ نقلا عن فيض القدير : ٣ / ١٥. والغدير : ٥ / ٢٩٦.

٤٥

إنّ عقائد ابن تيمية الشاذّة كثيرة ولسنا الآن في مقام البحث عنها(١) ، ولكن نشير في هذا المجال إلى أمر واحد من عقائده بحيث يعدّ وضوح بطلانه كوضوح وجود الشمس في رابعة النهار ، أمّا الأمر الواضح الذي أنكره ابن تيمية هو اشتراك يزيد في واقعة كربلاء وأنّه لم يبلغ أهل بيت الحسين عليه‌السلام منه أيّ أذى(٢) ، فإنّ هذا الأمر بحدّ ذاته يكشف عن الكثير ويحكي عن مدى عدم علمه واطّلاعه وإنصافه ، ونكتفي في هذا المجال بذكر بعض العبارات من الصواعق لابن حجر الهيتمي.

فإنّه في صفحة ٢٢٠ قال : «اعلم أنّ أهل السنّة اختلفوا في تكفير يزيد ابن معاوية ووليّ عهده ، فقالت طائفة : إنّه كافر لقول سبط ابن الجوزي وغيره»(٣).

[ولم يذكر صاحب الصواعق تلك الأشعار المعروفة عنه ولكن ذكر في مصادر أخرى أنّه قال :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل

وكان يقول :

نعق الغراب فقلت صح أو لا تصح

فلقد قضيت من الرسول ديوني

وكان يقول :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) راجع كتاب دراسات في منهاج السنّة لآية الله الميلاني.

(٢) مختصر منهاج السنّة : ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(٣) ذكر ابن الجوزي هذا الأمر في كتابه الردّ على المتعصّب العنيد : ٥٢ كالتالي : «المشهور أنّه لمّا جاءه رأس الحسين رضي‌الله‌عنه جمع أهل الشام وجعل ينكت رأسه بالخيزران وينشدأبيات الزبعري : «ليت أشياخي ببدر شهدوا ... الأبيات المعروفة» ، وزاد فيها بيتين مشتملين على صريح الكفر».

٤٦

فإن حُرِّمَت يوماً على دين أحمد

فخذها على دين المسيح بن مريم](١)

ثمّ أضاف صاحب الصواعق قائلا : «وقال ابن الجوزي فيما حكاه سبطه عنه : ليس العجب من قتال ابن زياد للحسين وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثنايا الحسين وحمله آل رسول الله(صلى الله عليه وآله)سبايا على أقتاب الجمال ، وذكر أشياء من قبيح ما اشتهر عنه ... أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج والبغاة يكفّنون ويدفنون ، ولو لم يكن في قلبه أحقادجاهلية وأضغان بدرية لاحترم الرأس لمّا وصل إليه وكفّنه ودفنه ...».

ثمّ نقل عن بعض ما يبرّر ليزيد أفعاله ثمّ أشار مختصراً في صفحة ٢٢١ إلى واقعة الحرّة ، أي قتل أهل المدينة.

فلابدّ من مراجعة كتاب الأحمدي البريانوي الهندي وكتاب وقعة الحرّة لمطالعة هذه الأحداث والوقائع المؤلمة التي يندى لها الجبين ولا تمتّ بأيّ صلة للدين والإسلام.

وقد ذكر في واقعة الحرّة :

«ولإسرافه في المعاصي خلعه أهل المدينة ، فقد أخرج الواقدي من طرق أنّ عبدالله بن حنظلة ابن الغسيل قال : والله ما خرجنا على يزيد حتى خفناأن نرمى بالحجارة من السماء إن كان رجلا ينكح أمّهات الأولاد والبنات والأخوات ، ويشرع في الخمر ويدع الصلاة.

وقال الذهبي : ولمّا فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل مع شربه الخمر وإتيانه المنكرات اشتدّ عليه الناس وخرج عليه غير واحد ولم يبارك الله في عمره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) كتائب أعلام الأخيار : ٥٠ ـ ٥١ مخطوطة مكتبة السلطان أحمد الثالث.

٤٧

وأشار بقوله : (ما فعل) إلى ما وقع منه سنة ثلاث وستّين ، فإنّه بلغه أنّ أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه ، فأرسل إليهم جيشاً عظيماً وأمرهم بقتالهم ، فجاؤوا إليهم وكانت وقعة الحرّة على باب طيبة ، وما أدراك ما وقعة الحرّة! ذكرها الحسن مرّة فقال : لله ما كاد ينجو منهم واحد ، قتل فيها خلق من الصحابة ومن غيرهم ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. وبعد اتّفاقهم على فسقه اختلفوا في جواز لعنه بخصوص اسمه ، فأجازه قومٌ منهم ابن الجوزي ونقله عن أحمد وغيره.

ثمّ ذكر عن صالح بن أحمد بن حنبل : «قوله : قلت لأبي : إنّ قوماً ينسبوننا إلى تولّي يزيد ، فقال : يا بني وهل يتولّى يزيد أحد يؤمن بالله؟! فقلت : لم لا تلعنه؟ فقال : يا بني لم لا يلعن من لعنه الله في كتابه؟ قال : فقلت : وأين لعن؟ قال : في قوله تعالى : (فهل عسيتم أن تولّيتم أن تفسدوا الأرض ... الخ)(١).

كذلك وصنّف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه بيان من يستحقّ اللعن وذكر منهم يزيد ، ثمّ ذكر حديث «من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» قائلا : «ولا خلاف أنّ يزيد غزا المدينة المنوّرة بجيش وأخاف أهلها».

والحديث الذي ذكره رواه مسلم.

ووقع من ذلك الجيش من القتل والفساد العظيم والسبي وإباحة المدينة ما هو مشهور حتّى فضّ نحو ثلاثمائة بكر(٢) ، وقتل من الصحابة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) سورة محمد(صلى الله عليه وآله) : آيات ٢٢ و ٢٣.

(٢) ذكر هذا العدد صاحب الصواعق ، ولكن في تاريخ الأحمدي والبداية والنهاية لابن

٤٨

نحوذلك ، ومن قرّاء القرآن نحو سبعمائة نفس(١) وأبيحت المدينة أيّاماً وبطّلت الجماعة من المسجد النبوي أيّاماً وأخيف أهل المدينة أيّاماً فلم يتمكن أحدٌ من دخول مسجدها حتّى دخلته الكلاب ...

ثمّ سار جيشه هذا إلى قتال ابن الزبير فرموا الكعبة بالمنجنيق وأحرقوها بالنار فأيّ شيء أعظم من هذه القبائح التي وقعت في زمنه»؟! [إلى هنا تمّ كلام صاحب الصواعق](٢).

فالجدير بكلّ مسلم أن يتأمّل ويتدبّر بدقّة متناهية هذه الأمور أنّه ماذا جرى على الإسلام طوال تلك السنين المتمادية.

ومن الذي أصبح خليفة لرسول الله عليه‌السلام؟!!

وما أعظم أجر ومقام سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه‌السلام حيث لا يمكن أن يحصيه عدد ولا يبلغ عظم منزلته أحد ، وكذلك ما أعظم أجر ومنزلة أخيه وحامل لوائه بطل كربلاء وجميع من قتل في سبيله عليه‌السلام ، أولئك النفر الذين جسّدوا بتضحياتهم روح الإيمان والتقوى والإخلاص والعبودية ، حيث قدّموا كلّ ما لديهم وبذلوا مهجهم لإحياء دين الله ، فصلوات الله وملائكته وأنبيائه وأوليائه على أجسادهم وأرواحهم الطاهرة.

هذا ، ويجدر بنا الإشارة إلى أنّ هذه العبارات الأخيرة لم تكتب في المصادر المشار إليها من أجل بيان الأعمال الشنيعة ليزيد ، وذلك لأنّها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كثير :٨ / ٢٤١ ذكرا بلوغ العدد إلى ألف نفر ، وقال العلاّمة المجلسي أربعة آلاف نفر «..... ولكن الطبري المؤرّخ المعروف كعادته قد أعرض عن ذكر هذه الأحداث».

(١) وذكر غيرهم أنّ أقلّ ما روي سبع مائة نفر من الصحابة وعشرة آلاف نفر من غير الصحابة.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٢١ ـ ٢٢٢.

٤٩

ذكرت مجملا وسريعاً في الصواعق المحرقة وفي مؤلّفات الذهبي ، بل الهدف هو أن نبيّن أنّ ابن الجوزي على تعصّبه قد أنكر الكثير من البديهيّات (مثل حديث الثقلين) ولكنّه لوّح وصرّح بقبول بعض المسلّمات ، أمّا ابن تيمية فقد ردّ نفس هذه المسلّمات ولم يقبلها أبداً بحيث يقول : «لم يبلغ أهل بيت الحسين عليه‌السلام منه أيّ أذى».

وقد بيّن هذا المختصر الكثير من الدلائل والعلائم في الجرح والتعديل وما آل إليه تقييم علماء رجال العامّة ، إذ لم يستندوا إلى أصول علمية ودينية بل استندوا على التعصّبات الطائفية والأهواء النفسية والأغراض الشخصيّة (١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ولمزيد من الاطّلاع في هذا المجال راجع كتاب في رحاب العقيدة لآية الله العظمى الحكيم : ٣ / ١٣ ـ ٥١ و٣ / ٩٠ ـ ١٠٦ ، والغدير : ٥ / ٢٩٣ ـ ٢٩٦.

٥٠

المصادر

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ الأسامي والكنى ، محمّد بن محمّد بن أحمد أبو أحمد الحاكم (ت ٣٧٨هـ) ، تحقيق : يوسف بن محمّد الدخيل ، مكتبة الغرباء الأثرية ، المدينة المنوّرة الطبعة الأولى ١٤١٤ هـ.

٣ ـ الاستيعاب ، ابن عبدالبر ، دار إحياء التراث العربي ، في حاشية الإصابة ، ١٣٢٨ هـ.

٤ ـ الإصابة في تمييز الصحابة ، أحمد بن علي بن حجر ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٣٢٨ هـ.

٥ ـ الإفصاح عن أحوال رواة الصحاح ، محمّد حسن المظفّر ، مؤسسّة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، قم.

٦ ـ أمان الأمّة من الضلال والاختلاف ، لطف الله الصافي الگلبايگاني.

٧ ـ البداية والنهاية ، إسماعيل بن كثير ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٤٠٨ هـ. ق.

٨ ـ تاريخ الأحمدي ، الأمير أحمد حسين بهادر خان الهندي ، بيروت ، مركز الدراسات والبحوث العلمية ، ١٤٠٨ هـ. ق.

٩ ـ تاريخ مدينة دمشق ، أبو القاسم علي بن حسن الشافعي المعروف بابن عساكر ، بيروت ، دار الفكر ، ١٤١٥ هـ. ق.

٥١

١٠ ـ تاريخ مدينة السلام (بغداد) ، أحمد بن علي بن الخطيب ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

١١ ـ تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، أحمد بن عبدالله الخزرجي ، القاهرة ، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر ، ط١ ، ١٤٢٥ هـ. ق.

١٢ ـ تطهير الجنان ، ابن حجر ، مطبوع ضمن الصواعق المحرقة ، مكتبة القاهرة ، ١٣٨٥هـ. ق.

١٣ ـ تهذيب التهذيب ، أحمد بن علي بن حجر ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، أفست. دائرة المعارف نظامية ١٣٢٥ هـ. ق.

١٤ ـ تهذيب الكمال ، جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، ١٤٠٦ هـ. ق.

١٥ ـ ثقاة محمّد بن حبّان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد دكن ، الهند ، ط١ ، ١٣٩٣ هـ. ق.

١٦ ـ جامع الأصول ، المبارك بن محمّد ابن الأثير ، بيروت ، دار الفكر ، ١٤٠٣ هـ.

١٧ ـ الجرح والتعديل ، أبو محمّد عبدالرحمن الرازي ابن أبي حاتم ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٤٢٢ هـ. ق.

١٨ ـ خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، الخزرجي ، تصحيح محمودغانم غيث ، المدينة المنوّرة ، مطبعة الفحالة الجديدة ، ١٣٩٢ هـ. ق.

١٩ ـ دراسات في منهاج السنة ، السيّد علي الميلاني ، ١٤١٩ هـ. ق.

٢٠ ـ دفع الارتياب عن حديث الباب ، علي بن محمّد بن طاهر العلوي ، قم ، دار القرآن الكريم.

٢١ ـ دلائل الصدق ، محمّد حسن المظفّر ، قم ، انتشارات مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلاملإحياء التراث.

٥٢

٢٢ ـ ديوان الضعفاء والمتروكين ، شمس الدين الذهبي ، بيروت ، دار القلم ، ١٤٠٨ هـ. ق.

٢٣ ـ ذخائر العقبى ، محبّ الدين الطبري.

٢٤ ـ الردّ على المتعصّب العنيد ، سبط ابن الجوزي ، تحقيق : محمّد كاظم المحمودي ، من التراث الإسلامي ، ١٤٠٣ هـ.

٢٥ ـ سنن الترمذي ، محمّد بن عيسى الترمذي ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

٢٦ ـ سنن النسائي ، أحمد بن علي بن شعيب النسائي ، بيروت ، دار الفكر ، ١٤٢٥ هـ. ق.

٢٧ ـ سير أعلام النبلاء ، شمس الدين الذهبي ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، ١٤١٧ هـ. ق.

٢٨ ـ صحيح البخاري ، محمّد بن إسماعيل البخاري ، بيت الأفكار الدولية ، ١٤١٩ هـ. ق.

٢٩ ـ صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج النيسابوري ، الرياض ، دار ابن حزم ، ١٤١٩ هـ.

٣٠ ـ الصواعق المحرقة ، أحمد بن حجر الهيثمي ، مكتبة القاهرة ، ١٣٨٥ هـ. ق.

٣١ ـ طرق حديث من كنت مولاه ، شمس الدين الذهبي ، قم ، انتشارات نگارش ، ١٣٧٩ هـ. ش.

٣٢ ـ العتب الجميل في الجرح والتعديل ، محمّد بن عقيل. منشورات هيئة البحوث الإسلامية في أندونيسيا ١٣٩١ هـ.

٣٣ ـ العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ، ابن الجوزي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٤٠٣ هـ. ق.

٥٣

٣٤ ـ علي ميزان الحق ، محمّد كوزل آمدي ، قم ، مجمع جهاني أهل البيت عليهم‌السلام١٤٢٢هـ. ق.

٣٥ ـ الغدير ، عبد الحسين أحمد الأميني ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، ١٣٧٢هـ. ق.

٣٦ ـ فتح الباري ، أحمد بن علي بن حجر ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٤٠٨ هـ. ق.

٣٧ ـ فتح الملك العلي ، أحمد بن صديق المغربي ، اصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامّة ، ١٣٨٨ هـ. ش.

٣٨ ـ فيض القدير في شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير ، محمّدعبدالرؤوف المناوي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٤١٥ هـ. ق.

٣٩ ـ الكامل ، عبدالله بن عدي الجرجاني ، بيروت ، دار الفكر ، ١٤٠٤ هـ. ق.

٤٠ ـ كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار الكفوي ، مخطوطة.

٤١ ـ لسان الميزان ، أحمد بن حجر العسقلاني ، بيروت ، دار الفكر ، ١٤٠٨ هـ. ق.

٤٢ ـ كشف الأستار عن مسند البزار ، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة ، ١٤٠٤ هـ ق.

٤٣ ـ منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، علي بن حسان الدين بن عبدالملك المتّقي الهندي ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٤١٠ هـ. ش.

٤٤ ـ مجمع الزوائد ، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، ١٩٦٧ م.

٤٥ ـ المسائل الخلافية ، الشيخ علي آل محسن ، ١٤١٩ هـ. ق.

٤٦ ـ مستدرك الحاكم النيسابوري ، أبو عبدالله الحاكم النيسابوري ، بيروت ، دار المعرفة.

٥٤

٤٧ ـ معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد ، محمّد ضياء الرحمن الأعظمي ، المدينة المنوّرة ، مكتبة الأضواء السلف ، ط١ ١٤٢٠ هـ. ق.

٤٨ ـ المغني ، شمس الدين الذهبي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٤١٨ هـ. ق.

٤٩ ـ ميزان الاعتدال ، شمس الدين الذهبي ، بيروت ، دار إحياء الكتاب العربي ، ١٣٨٢هـ. ق.

٥٠ ـ نفحات الأزهار ، السيّد علي الميلاني ، قم ، انتشارات مهر ، ١٤١٤ هـ. ق.

٥١ ـ هدى الساري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، ١٤٠٨ هـ. ق.

٥٥

القصيدة البغدادية والردود عليها

بقلم : أحمد علي مجيد الحلي

بسم الله الرحمن الرحیم

من البديهيّات التي لا ينكرها كلّ ذي عقل لبيب أنّ لكلّ عنوان أصلاً يفرضه على معنونه؛ ليكون دليلاً عليه ، والشواهد على ذلك لا يمكن حصرها ، إذ هي تعايشنا في سبل الحياة اليومية التي تتعهّدنا صباحاً مساءً ، والقصائد الشعرية التي يُترنَّم بها خير شاهد لنا على ذلك ، فترى أنّ نسبة العنوان إليها تعود مرّة إلى الناظم(١) وتارة إلى البلد(٢) وأخرى إلى الظرف الذي حيكت به الأبيات (٣).

والقصيدة التي بين يديك(٤) ـ والتي نقدِّم لها دراسة مختـصرة ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) كالقصيدة الحميرية لنشوان بن سعيد الحميري (ت ٥٧٣هـ).

(٢) كالقصيدة الموصلية لعبد الله بن القاسم الشهرزوري الموصلي(ت ٥١١هـ).

(٣) كالقصيدة الحبسية المعروفة بالإشكنوانية لعميد الدين أسعد الأفزري (ت ٦٢٤هـ) ، والتي نظمها في الحبس.

(٤) أُنشئت هذه القصيدة بحسب ما ذكره السيّد البراقي رحمه‌الله في شهر ربيع الثاني سنة ١٣١٧هـ ، وردّها الشيخ النوري رحمه‌الله بكتابه كشف الأستار في ١٠ جمادى الآخر من نفس السنة. (ينظر : السرّ المكنونـ مخطوط).

٥٦

اشتهرت عند علماء الشيعة الكرام ـ أنار الله برهانهم ـ بالقصيدة البغدادية نسبةً إلى البلد ؛ لخلق نبيل سما فيهم حال دون ذكر اسم الناظم لها في مطبوعات كتبهم.

فما هي تلك القصيدة؟ وما موضوعها؟ ومن قائلها؟ وما قيل عنها؟ ومن ردّ عليها نظماً أو نثراً؟ وأسئلة أخرى تقع في الخلد نسعى لإيجاد جواب شاف لها في بحثنا هذا ، فدونكه :

أولاً ـ القصيدة(١) :

أيا علماء العصر يا من لهم خبر

بكل دقيق حار من دونه الفكر

لقد حار منّي الفكر بالقائم الذي

تنازع فيه الناس واشتبه الأمر

فمن قائل في القشر لبّ وجوده

ومن قائل قد ذبَّ عن لبّه القشر

وأوّل هذين اللّذَين تقرّرا

به العقل يقضي والعيان ولا نكر

وكيف وهذا الوقت داع لمثله

ففيه توالى الظلم وانتشر الشرّ

وما هو إلا ناشر العدل والهدى

فلو كان موجوداً لما وجد الجور

وإن قيل من خوف الطغاة قد اختفى

فذاك لعمري لا يجوّزه الحِجْر(٢)

ولا النقل كلاّ إذ تيقّن أنّه

إلى وقت عيسى يستطيل له العُمر

وأن ليس بين الناس مَن هو قادر

على قتله وهو المؤيّده النصر

وأن جميع الأرض ترجع ملكه

ويملؤها قسطاً ويرتفع المكر

وإن قيل من خوف الأذاة قد اختفى

فذلك قول عن معايب يفتر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ولقد التبس أمرها على بعض الأفاضل فتصوّر أنّها ـ أي البغدادية ـ هي التي ذكرها ابن حجر في الصواعق والتي مطلعها : (ما آن للسرداب أن يلد الذي) ، فليلاحظ. (ينظر : استخراج المرام : ١/ ٢٠٤).

(٢) الحجر : العقل. (لسان العرب : ٤/ ١٧٠).

٥٧

فهلاّ بدا بين الورى متحمّلا

مشقّة نصح الخلق من دأبه الصبر

ومن عيب هذا القول لا شكّ أنّه

يؤول إلى جبن الإمام وينجرّ

وحاشاه من(١) جبن ولكن هو الذي

غدا يختشيه من حوى البرُّ والبحر

(ويرهب منه الباسلون جميعهم

وتعنو له حتّى المثقّفة السمر)(٢)

على أنّ هذا القول غير مسلّم

ولا يرتضيه العبد كلاّ ولا الحرُّ

ففي الهند أبدى المهدويّة كاذب

وما ناله قتل ولا ناله ضرُّ

وإن قيل هذا الاختفاء بأمر من

له الأمر في الأكوان والحمد والشكر

فذلك أدهى الداهيات ولم يقل

به أحد إلاّ أخو السفه الغمر(٣)

أيعجز ربّ الخلق عن نصر حزبه

على غيرهم كلاّ فهذا هو الكفر

فحتّى مَ هذا الإختفاء وقد مضى

من الدهر آلاف وذاك له ذِكر

وما أسعد السرداب في سرّ من رأى

له الفضل عن أمّ القرى وله فخر

فيا للأعاجيب التي مِن عجيبها

أن اتخذ السرداب برجاً له البدر

(فيا علماء المسلمين فجاوبوا

بحقّ ومن ربِّ الورى لكم الأجر)

(وغوصوا لنيل البدر أبحر علمكم

فمنها لنا لا زال يستخرج الدرُّ)(٤)

ثانياً ـ موضوع القصيدة :

لا يخفى على القارئ ما تضمّنته هذه الأبيات التي قوامها (٢٢) بيتاً ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) في السرّ المكنون : (عن).

(٢) الأبيات التي بين الأقواس من القصيدة المذكورة أعلاه أوردها السيّد البراقي رحمه‌الله في كتابه (السرّ المكنون) ص١٥٧ (مخطوط) ، والعلاّمة السيّد الصادق من آل بحر العلوم في كتابه (الصولة العلوية) زيادة عمّا وجدناه.

والمثقّفة السمر : أي الرماح. (ينظر : مغني اللبيب : ٢/ ٤٢٧).

(٣) الغمر : منهمك الباطل. (العين ٤/ ٤١٦).

(٤) وردت القصيدة في : كشف الأستار ، والصولة العلوية ، والسرّ المكنون.

٥٨

وبرواية السيّد البراقي رحمه‌الله والسيّد محمّد صادق آل بحر العلوم رحمه‌الله (٢٥) بيتاً ـ والمرسلة إلى علماء النجف الأشرف في حينها(١) من إنكار وجود الإمام المهدي ـ عجّل الله فرجه ـ الذي بشّر بظهوره رسول الخلق صلّى الله عليه وآله وسلّم بقوله : «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً منّي ... الحديث»(٢) ، والذي فاح شذى عبقات ذكره في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) نصّ على ذلك ـ إرسالها لعلماء النجف الأشرف أو ورودها عليهم ـ عدّة من المعاصرين في تلك الحقبة وهم كلّ من : السيّد البراقي (ت١٣٣٢هـ) في كتابه (السرّ المكنون في النهي لمن وقّت للغائب المصون) ص ١٥٥ (مخطوط) ، والسيّد الأمين رحمه‌الله(١٣٧١هـ) في مقدّمة كتابه (البرهان على وجود صاحب الزمان) ، والشيخ محمّدالحسين آل كاشف الغطاء رحمه‌الله(ت ١٣٧٣هـ) في كتابه (عقود حياتي) ص ١٠ (المخطوط) ، وفي صدر قصيدته التي هي ردّ على هذه القصيدة ، وشيخ الباحثين الشيخ أغا بزرك الطهراني رحمه‌الله(ت١٣٨٩هـ) في كتابه (الذريعة) في مواضع عدّة ، كما قال الشيخ النوري رحمه‌الله(ت ١٣٢٠هـ) في مقدمة كشفه عن ذلك ما نصّه : «ولكن حملت إليناألسنة الرواة في هذه الأوقات قصيدة فريدة نظمها بعض علماء دار السلام ومدينة الإسلام ، استغرب الناظم لها اختفاءه عليه السلام ولم يعلم أنّ له أسوة بالأنبياءوالمرسلين ، واستبعد إلى هذه الأيام بقاءه وغفل عن قدرة ربّ العالمين ، وزعم أنّ هذه الأيّام أوان خروجه؛ لانتشار الشرِّ وكثرة الجور ، وأخطأ سهمه الغرض» (عن مقدّمة كتاب كشف الأستار) ، وقال السيّد البراقي رحمه‌اللهعن ذلك ، بما نصّه : «وأرسلها ـ الناظم ـ إلى بلد الكاظم عليه‌السلام إلى جناب الفاضل الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ حسن ابن الشيخ أسدالله ، فلمّا وصلت إلى الشيخ غلّفها وأرسلها إلى النجف الأشرف إلى أخيه الشيخ مهدي ابن الشيخ أسد الله ، فجاء بها الشيخ مهدي وعرضها على جناب الشيخ محمّد طه نجف ، فأمر الشيخ بجوابه فأجابوه العلماء الفضلاء الآباء بقصائد عديدة» (السرّ المكنون(مخطوط) : ١٥٥). (وينظر عن هذا الأمر : أعيان الشيعة : ٦/ ١٤٣ ، البرهان : ٩ ، عقود حياتي (مخطوط) : ٩ـ١١ ، الذريعة ١ : ٤٧٥ رقم ٢٣٤٦ ، ٣ : ٩١ رقم ٢٨٧ ، ١٠ : ٢١٨ رقم ٦٢٢).

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٩ ح ٤٢٨٢.

٥٩

أسفار أبناء العامّة ، وأبياتها التي أنكرت ذلك فرضت الحقّ على علمائناالأعلام أن يردّوا عليها بما يشفي الغليل نثراً ونظماً بأدلّة نقلية وعقلية ، اعتقاداً منهم للذبّ عن عقائد الإسلام وأهله.

ثالثاً ـ من هو ناظمها؟

ولما حملته القصيدة من موضوع مثير للجدل اختلف في ناظمها من هو؟ فبين من صرّح بنسبتها لمجهول من أحد أبناء العامّة ، أو لأحد علماء بغداددون ذكر اسم له(١) ، أو لأحد من شعرائها(٢) ، أو لأحد الآلوسيّين(٣) ، أو لابن الآلوسي(٤) ، وتارة لمعلوم مسمّى وقع بين ثلاثة وهم : جميل صدقي الزهاوي (١٢٧٩ـ ١٣٥٤هـ)(٥) ، ومعروف الرصافي(١٢٩٤ ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ذكر ذلك الشيخ النوري رحمه‌الله ، وينظر أيضا : موسوعة الشيخ البلاغي ٨ : ٩٠ ، كما صرّح الشيخ كاشف الغطاء رحمه‌الله في صدر قصيدته بنسبتها إلى بعض جماعة دار السلام ، وفي (عقود حياتي) كما سيأتي قال رحمه‌الله : لبعض العامة من طلبة بغداد.

(٢) ذكر ذلك الخاقاني في شعراء الغري ٢ / ٤٤٣.

(٣) ذكر ذلك السيّد أحمد ابن السيّد رضا الموسوي الهندي في صدر قصيدة والده رحمه‌اللهفي الردّ على القصيدة البغدادية والتي أسماها (القصيدة الصاحبية) ، والمطبوعة مع القصيدة الكوثرية في النجف الأشرف سنة١٣٦٩هـ. وكذا تبعه السيّد عبد الصاحب الموسوي في تحقيقه لديوان السيّد رضا الموسوي الهندي : ٢٦.

(٤) ذكر ذلك الشيخ الطهراني في الذريعة : ١٥/١ رقم ٥.

(٥) ذكر ذلك السيّد حسين البراقي (ت ١٣٣٢هـ) في كتابه المخطوط (السرّ المكنون في النهي لمن وقّت للغائب المصون) ، إذ قال ما نصّه : «كمثل ابن المفتي الزهاوي من أهل بغداد ويدّعي أنّه مطّلع على السير والأخبار بل بكلِّ العلوم ، ويدّعي أنّه من الظرفاءالأدباء ، وكان منكراً لصاحب الزمان عليه السلام ، وإنّه غير مولود ولا موجود ، وإنّه سيولد بعد هذا إن كان حقّاً» (السرّ المكنون (مخطوط) : ١٥٥ ، وينظر ترجمة الزهاوي في : الأعلام ٢/١٧٣.

٦٠