تراثنا ـ العددان [ 105 و 106 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 105 و 106 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٧٨

من ذخائر التراث

٣٠١
٣٠٢

البشارة

لطلاّب الاستخارة

تأليف

الشيخ أحمد بن صالح البحراني

(المتوفّى سنة ١١٢٤هـ)

تحقيق

مشتاق صالح المظفّر

٣٠٣
٣٠٤

مقـدّمة التحقيـق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله عدد النجوم في السماء ، والحمد لله الباقي بعد فناء الأشياء ، والصلاة والسلام على الخمسة أصحاب الكساء والتسعة المعصومين من ولد الحسين سيّد الشهداء ، وصلِّ يا ربّ على الغائب عن الأنظار المرتقب لأمر السماء.

الخيرة والمشاورة مصطلحان قد وردا في كلام الله العزيز وفي السنّة النبويّة المطهّرة ، وهذا دليل على مشروعيّتهما وجواز العمل بهما ، فقال تعالى في سورة آل عمران : (وَشَاوِرْهُم فِي الأمْرِ)(١) وفي سورة القصص : (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَة)(٢) فهاتان الآيتان يمكن أن نستفيد منهما في مقدّمتنا هذه في موضوع الاستخارة.

فالمشاورة أمر قد سنّه الله لنبيّه في مشاورة أصحابه ، فإنّ الله جلّ ثناؤه كان يعرّفه مطالب وجوه حزبه من الأمور ، بوحيه وإلهامه إيّاه صواب ذلك ، فأمّا أمّته فإنّهم إذا تشاوروا مستنّين بفعله في ذلك على تصادق وتأخٍّ للحقّ. هذا ما قاله الطبري(٣).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.

(٢) سورة القصص ٢٨ : ٦٨.

(٣) تفسير الطبري ٦ / ١٩١.

٣٠٥

ووافقه الزمخشري على رأيه مضيفاً رأياً عن الحسن : قد علم الله أنّه ما به إليهم حاجة ، ولكنّه أراد أن يستنّ به من بعده ، وعن النبي(صلى الله عليه وآله) : «ما تشاور قوم قط إلاّ هدوا لأرشد أمرهم» ، فإنّ ما هو أصلح لك لا يعلمه إلاّ الله لا أنت ولامن تشاور(١).

ونقل القرطبي قولا عن الحسن البصري والضحّاك قالا : ما أمر الله تعالى نبيّه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم ، وإنّما أراد أن يعلّمهم ما في المشاورة من الفضل ولتقتدي به أمّته من بعده.

وروى سهل بن سعد الساعدي ، عن النبي(صلى الله عليه وآله) : «ما شقي قط عبد بمشورة ، وما سعد باستغناء رأي» وقال بعضهم : شاور من جرّب الأمور ، فإنّه يعطيك من رأيه ما وقع عليه غالباً وأنت تأخذه مجّاناً(٢).

هذا ما أردنا ذكره ليتعرّف القارىء العزيز على فضل التشاور إذا كان بين النبي والناس وبين الناس أنفسهم ، فكيف إذا كانت المشاورة بين العبد وربّه ، فإنّهاأعلى مراتب الاستشارة ، لأنّ العبد هو الفقير في كلّ شيء ، والربّ الجليل هوالغنيّ في كلّ شيء ، ولذا يستوجب على العبد إذا استشار ربّه الغني أن يُسلّم لما يُشير عليه ربّه ، إن كان أمراً فيأتمر به ، وإن كان نهياً فينتهي عنه.

وأمّا بالنسبة للخيرة ، فقد قال الطبرسي في مجمع البيان : لأنّ حقيقة المعنى فيهما أنّه سبحانه يختار وإليه الاختيار ليس لمن دونه الاختيار ، لأنّ الاختيار يجب أن يكون على العلم بأحوال المختار ، ولا يعلم غيره سبحانه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الكشّاف ١ / ٦٤٧ ـ ٦٤٨.

(٢) الجامع لأحكام القرآن ٤ / ٢٥٠ ـ ٢٥١.

٣٠٦

جميع أحوال المختار ، ولأنّ الاختيار هو أخذ الخير ، وكيف يأخذ الخير من الأشياء من لا يعلم الخير فيها(١).

وقال الزمخشري في الكشّاف : الخيرة من التخيرّ ، كالطيرة من التطيّر ، والمعنى أنّ الخيرة لله تعالى في أفعاله ، وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها ، ليس لأحدمن خلقه أن يختار عليه ، وقيل : معناه ويختار الذي لهم فيه الخيرة ، أي : يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح ، وهو أعلم بمصالحهم من أنفسهم(٢).

وقال القرطبي : قال بعض العلماء : لا ينبغي لأحد أن يُقدم على أمر من أمورالدنيا حتّى يسأل الله الخيرة في ذلك ، وينبغي أن يفرّغ قلبه من جميع الخواطر حتّى لا يكون مائلا إلى أمر من الأمور ، فعند ذلك ما يسبق إلى قلبه يعمل به ، فإنّ الخير فيه إن شاء الله(٣).

فالذي نستفيده من هذه الأقوال أنّ خير العباد لا يعلمه إلاّ خالقهم وبارئهم ، فالفرد الذي يقدم على أمر دون استشارة أو استخارة وندم على نتيجة عمله وإقدامه فلا يلومنّ إلاّ نفسه ؛ لأنّه لم يطلب العون من خالقه ، واعتمدعلى عقله وعقل الإنسان ناقص ، ولذا قيل : من شاور الرجال شاركهم عقولهم ، ووظيفة المستخير إذا استخار قبل الإقدام التسليم لما خار الله تعالى له ، ويرضى بقضائه ، لأنّه تعالى العالم بمصالح عباده ، وما يريده لعباده إلاّ الخير والصلاح.

ولم ينفرد علماؤنا في هذا الموضوع فحسب ، بل شاركهم بقية العلماء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) مجمع البيان ٧ / ٤٨٠ ، تفسير سورة القصص آية ٦٨.

(٢) الكشّاف ٤ / ٥٢٠ ، تفسير سورة القصص آية ٦٨.

(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٣ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

٣٠٧

من الطوائف الأخرى ، فانظر على سبيل المثال لا الحصر :

١ ـ رسالة في الاستخارة : للشيخ محمّد بن محمود المغلوي المتوفى سنة٩٤٠ هـ(١).

٢ ـ كتاب الاستخارة والاستشارة : لأبي عبدالله أحمد بن زبير بن أحمد ابن سليمان الزبيري الشافعي ، المتوفى سنة ٣١٧ هـ(٢).

٣ ـ مشكاة الاستنارة في معنى حديث الاستخارة : لعبد البرّ بن عبد القادر بن محمود الفيومي الصوفي المصري الحنفي المتوفى سنة ١٠٧١ هـ(٣).

٤ ـ رسالة الاستخارة : للشيخ الأكبر ابن عربي محمّد بن علي الطائي الحاتمي المتوفى سنة ٦٣٨ هـ(٤).

والحمد لله على كلّ حال ، اللهمّ غيّر سوء حالنا بحسن حالك

بحقّ محمّد وآل محمّد أفضل عبادك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) كشف الظنون ١ / ٨٤٤.

(٢) كشف الظنون ٢ / ١٣٨٩.

(٣) هدية العارفين ١ / ٤٩٨.

(٤) هدية العارفين ٢ / ١١٤.

٣٠٨

ترجمة المؤلّف :

اسمه ونسبه : الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي بن علي بن عبدالحسين بن شنبة ـ وقيل : شيبة ـ الدرازي ـ نسبة إلى الدراز وهي قرية الآباء والأجداد ـ البحراني. هذا ما وجده صاحب اللؤلؤة بخطّ الشيخ المترجم له.

أوصافه : كلّ من وصفه من العلماء أنّه كان على غاية من الزهد والورع والتقوى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والكرم ، حيث كان يؤثر بأمواله الأضياف ، وكان بيته لا ينفكّ عن جمع من الغرباء والواردين سيّما من أهل بلادالبحرين.

ولادته : ولد رحمه الله في السنة الخامسة والسبعين بعد الألف من السنة الهجرية.

وثاقته : قال الشيخ سليمان الماحوزي : ثقة ثقة أبقاه الله ، صالح جليل ورع ، وهو من عباد الله الصالحين ، رأيته بجهرم ووافق الخبر الخبر ، وبيني وبينه صداقة أكيدة على الغيب ، ومودة بريئة من الريب ، ومراسلات ومكاتبات ومفاوضات ومطايبات.

مقامه العلمي : لمّا توفي الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني في حيدرآباد في بلاد الهند ، وكان الشيخ أحمد قد هاجر إليه وحصل له جاه عظيم ، كان القائم مقامه في تلك البلاد الشيخ الزاهد العابد الصالح الشيخ أحمد ، إلى أن افتتح تلك البلاد أورنك زيب ، فأمر بإخراج الأصناف منها كلّ بمقدّمه ، فكان الشيخ أحمد مقدّم على من فيها من صنف العلماء ، فأمر له بألف روبية ورجع الشيخ إلى بلاد إيران بعد أن حجّ بيت الله الحرام ، واستوطن في بلدة جهرم من توابع شيراز ، وكان إماماً في الجمعة والجماعة.

٣٠٩

عبادته : وصفوه بالعابد والزاهد ، وكانت تلحقه الغشية والصعقة في مقام ذكر شدائد الآخرة.

مؤلّفاته : بالرغم من هذا العمر القصير الذي لم يتجاوز الخمسين تراه قد وظّفه لخدمة المجتمع والعلم والدين فترى بيته أصبح مأوى الغرباء ، وهذا يحتاج من قيّم يدير شؤونهم وضيافتهم ، وهذا لم يمنعه من العبادة حيث وصفوه بالعابد ، وهاتان الصفتان اللتان تأخذ من الإنسان وقتاً كثيراً ، فتراه رحمه الله مشتغلا بالعلم والتدريس والكتابة إذ ألّف على رغم هذا الوقت وهذه الظروف كتاب الطب الأحمدي ، فقد جمع روايات أهل البيت عليهم‌السلام التي تختصّ بهذا الموضوع ، ورسالتنا هذه المسمّاة بالبشارة لطلاّب الاستخارة ، وسمّيت أيضاً بالاستخارات ، أو رسالة في الاستخارة.

وقد نسب له السيّد محسن الأمين كتاب الحدائق في أحوال النبي والأئمّة عليهم‌السلام ولم نجده في الذريعة بل وجدنا كتاب الحدائق في نسب النبي (صلى الله عليه وآله) منه إلى آدم أبي البشر منسوباً للشيخ سليمان بن صالح بن أحمد بن عصفور الدرازي البحراني المتوفى سنة ١٠٨٥ هـ. والله العالم. الذريعة ٦ / ٢٨ / ١٥٢٧.

وفاته : توفي رحمه الله في شهر صفر من السنة الرابعة والعشرين بعد المائة والألف.

مصادر الترجمة :

١ ـ لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني : ٧١ / ٢٤.

٢ ـ أنوار البدرين للشيخ علي البلادي : ١٣١ / ٦١.

٣ ـ علماء البحرين للشيخ سليمان الماحوزي : ٩٣ / ٨ (ضمن فهرست آل بابويه).

٣١٠

٤ ـ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ٢ / ٦٠٥.

٥ ـ مستدركات أعيان الشيعة للسيد حسن الأمين ٢ / ٢٠.

٦ ـ علماء البحرين لعبد العظيم المهتدي ٢٣٢ / ١١٠.

٧ ـ الكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة للشيخ آقا بزرك الطهراني : ٣٨.

٨ ـ الذريعة للشيخ آقا بزرك الطهراني ٢ / ١٩ / ٥٤ بعنوان الاستخارات.

٩ ـ الذريعة للشيخ آقا بزرك الطهراني ٣ / ١١٣ / ٣٨٢ بعنوان البشارة لطلاّب الاستخارة.

١٠ ـ الذريعة للشيخ آقا بزرك الطهراني ٣/١٤٠/٩٣٧ بعنوان الطبّ الأحمدي.

١١ ـ معجم المؤلّفين لعمر رضا كحّالة ١ / ٢٥١.

رسالتنا هذه : قسّم المصنّف رحمه الله هذه الرسالة إلى إشارات وأبواب وخاتمة ، فأمّا الإشارات فذكر فيها آداب الاستخارة وما يتجلّى به المستخير من التسليم لأمر الله والرضا بقضاء الله وما إلى غير ذلك من أمور ، وجعلها في اثنتي عشرة إشارة ، وإلى ستة أبواب ذكر فيها أنواع الاستخارات الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وإلى خاتمة وفي آخرها دعاء لقس بن ساعدة الأيادي.

النسخة المعتمدة : تمتاز النسخ الخطّية بمميّزات إذا كانت بخطّ مؤلّفها فإنّها تُغنيك عن غيرها ، وهذه رسالتنا كانت بخطّ مؤلّفها ، وقد فرغ منها كما قاله الطهراني في الذريعة : يوم الأربعاء السابع عشر من جمادى الآخرة سنة مائة بعد الألف للهجرة.

منهج التحقيق : يمتاز عملنا في هذه الرسالة بطابع من السهولة نوعاً ما ، حيث النسخة كانت بخطّ مؤلّفها فاكتفينا بها ، إن لم نقل لم نعثر على غيرها ،

٣١١

فقمنا بالمهام التالية :

١ ـ كتابتها باليد ثمّ تقطيع النصّ حسبما تقتضيه الرسالة.

٢ ـ تقويم النصّ وإصلاحه حيث وجدنا كلمات ربّما كتبت سهواً من المؤلّف أو اعتماداً على الذاكرة فابتعد عن النصّ فأصلحناه من المصدر ، وكذلك أضفنا بعض الكلمات من المصادر إتماماً للمعنى مع الإشارة لها في الهامش ، وكذلك بالنسبة للسند قمنا بنفس العمل.

٣ ـ تخريج الأحاديث والأقوال ، وفي كثير منها صرّح المؤلّف باسم القائل أو اسم المصدر الذي نقل عنه الحديث ، وقد أضفنا لها المصادر التي توافقه نصّاً.

٤ ـ ذكر بعض الاختلافات التي بين المتن والمصدر الذي نقل عنه المؤلّف في الهامش.

٥ ـ تعريف الأماكن التي تستوجب التعريف كي يطّلع عليها القارىء.

٦ ـ توضيح وشرح للكلمات الغامضة المعنى ، معتمدين المصادر اللغوية.

وكلّ هذا العمل وخلاصته في هذه النقاط خاضعة لقانون السهو والنسيان ، فسهو القلم الذي وجدناه عند المصنّف سيجده القارىء عند المحقّق بلا شكّ ولا ريب ، وسبحان الذي لا يسهو.

والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على أفضل الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

الفقير إلى رحمة الله الغني

مشتاق صالح المظفّر

٣ جمادى الآخرة ١٤٣١ هـ

شهادة سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليهما‌السلام

٣١٢

٣١٣

٣١٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله [الذي] ما خار(١) من استخاره ، ولا ندم من استشاره ، والصلاة والسلام على من اصطفاه واختاره ، وبعثه بالإنذار والبشارة ، فرفع من الدين مناره ، وأعلى رتبته ومقداره ، وعلى آله الذين جعلهم شموس الخلق وأقماره ، وحماة الحقّ وأنصاره ، صلاة وسلاماً يقيلان قائلها عثاره ، ويرفعان عمله ويحطّان أوزاره.

أمّا بعد ، فيقول العبد الفقير الجاني أحمد بن صالح البحراني وفّقه الله لمراضيه ، وجعل مستقبله خيراً من ماضيه :

اعلموا يا إخوان الحقيقة وخلاّن الطريقة ، أنّ الاستخارة أمر مندوب إليه ، وحكم معتمد عليه ، خيرات خيراتها محلاّة بأسنى من الدرّ النظيم : (وَمَا يُلَقَّاها إلاّ الَّذِيْنَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاها إلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيْم)(٢) لأنّ الاستخارة أمر مبنيّ على أصول ممهّدة وقواعد موطّدة :

أوّلها : اليقين الثابت الصادق.

وثانيها : التوكّل الناطق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) خار : ضَعُف وانكسر. الصحاح ٢ / ٣١٢ ـ خور ـ يعني ما ضعف ولا انكسر من استخار ربّ العزّة ذو القوّة المتين.

(٢) سورة فصّلت ٤١ : ٣٥.

٣١٥

وثالثها : الرضا بما اختاره الخالق.

ورابعها : الصبر على ما خالف الهوى الزاهق.

وخامسها : الشكر على ما أحبّ وكره (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)(١).

والإستخارة سبيل الرضا ، وعصمة من الخطأ ، ونور يُستضاء به في ظلمات الحَيرة والبلوى (إنِّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَو ألْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(٢) فكم أمر تريده النفس وتهواه من الأمر المباح ، تعرض له الخيرة بالمنع الصراح ، وكم أمر تنكره النفس وتأباه ، فتعرض له الخيرة فيه بما يحبّه الله ويرضاه ؛ لما فيه من الصلاح ، هذا كما قال الله سبحانه : (وَعَسَى أنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُوْنَ)(٣).

فأثبت سبحانه العلم لذاته ، ونفاه عن مخلوقاته ، فكيف يحسن من عاقل لبيب ، الدخول في أمر بغير تصويب ، وكيف يحسن من عبد محصور بالأوامر والنواهي فتح الأبواب قبل إدراك المعاني ، وتحقيق المباني بالإستخارات السبحانية ، والاستشارات الربّانية! أم كيف يحسن منه أن يدخل في الأمور بغير عِلم ولا عَلَم ولا دليل! بل كيف يغرّر بنفسه في المهامه والمهاوي بغير مرشد ربّاني! بل كيف يفرّط في أموره بغير تدبّر ، ويهجم على الأمور بغير تفكّر!

وقد قال الصادق عليه‌السلام : «من فرّط تورّط ، ومن خاف العاقبة تثبّت عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) سورة الإسراء ١٧ : ٨١.

(٢) سورة ق ٥٠ : ٣٧.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٢١٦.

٣١٦

التوغّل فيما لا يعلم ، ومن هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه ، ومن لم يعلم لم يفهم ، ومن لم يفهم لم يسلم ، ومن لم يسلم لم يُكرم ، ومن لم يُكرم تهضّم ، ومن تهضّم كان ألوم ، ومن كان كذلك كان أحرى أن يندم»(١).

وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «من عمل على غير علم ، كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح»(٢).

وهذان الحديثان أوردهما محمّد بن يعقوب الكليني ثقة الإسلام في الكافي.

فاستخيروا الله في أموركم تصلح أحوالكم ، وقد استخرت الله في أمري فعزم لي جلّ جلاله على رشدي ، فجمعت هذه الإشارة المسمّاة بـ : البشارة لطلاّب الاستخارة ، متقرّباً بها لله سبحانه وتعالى شأنه ، نفع الله بها المؤمنين ، حلفاء الصبر واليقين ، إنّه خير موفّق ومعين ، ورتّبتها على إشارات وأبواب وخاتمة.

الإشارة الأولى : في معنى الاستخارة وحقيقتها اللغوية.

الإشارة مشتقّة من الخير ومعناها : الدعاء ، قال ابن الأثير في نهايته : الاستخارة طلب الخيرة في الشيء ، ومنه دعاء الاستخارة : (اللهمّ خِر لي) أي اخترلي أصلح الأمرين واجعل لي الخيرة فيه(٣).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أورده الكليني في الكافي ١ / ٢٧ ضمن حديث ٢٩ ، عن بعض أصحابنا ، رفعه عن المفضّل بن عمر ، وعنه في وسائل الشيعة ٢٧ / ١٥٥ ح٥.

(٢) أورده الكليني في الكافي ١ / ٤٤ ح٣ ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضال ، عمّن رواه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، البرقي في المحاسن ١ / ٣١٤ ح٢٣ ، ابن إدريس في مستطرفات السرائر : ٦٤٤ (ضمن السرائر ج٣) ابن شعبة في تحف العقول : ٤٧ ، الطبرسي في مشكاة الأنوار ١ / ٣٠٣ ح ١٣.

(٣) النهاية في غريب الحديث : ٢ / ٨٦ ـ خير.

٣١٧

والخِيْرة بسكون الياء : اسم من قولك : خار الله لك(١) ، أي أعطاك ما هو خير لك.

وأمّا الخِيَرة بفتح الياء : فهي اسم من قولك : اختاره الله(٢).

وقال الطبرسي عند قوله تعالى في سورة القصص : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)(٣) : اسم من الاختيار واسم للمختار ، ويجوز التخفيف فيهما(٤). هذا محصّل كلامه.

وقال الإمام العلاّمة محمّد بن إدريس العجلي قدّس الله روحه في كتابه المترجم بـ : السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي : الاستخارة في كلام العرب : الدعاء ، وهو من استخارة الوحش ، وذلك أن يأخذ القانص ـ ولد الظبية ـ فيعرك أذنه فيبغم(٥) ، فإذا سمعت أمّه بغامه ، أتته ورمت (٦) بنفسها عليه فيأخذها القانص.

ومنه قول حميد بن ثور(٧) ، وذكر الظبية وولدها(٨) لمّا أخذه القانص [فقال] (٩) :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الصحاح ٢ / ٣١٤ ـ خير.

(٢) الصحاح ٢ / ٣١٤ ـ خير.

(٣) سورة القصص ٢٨ : ٦٨.

(٤) مجمع البيان ٧ / ٤٧٩.

(٥) بغمت الظبية : صاحت بولدها بأرخم ما يكون من صوتها. المحكم والمحيط الأعظم ٥/٥٤٧ ـ بغم.

(٦) في المصدر : لم تملك أن تأتيه فترمي بنفسها.

(٧) في المصدر زيادة : الهلالي.

(٨) في المصدر زيادة : ودعاؤه لها.

(٩) أثبتناه من المصدر.

٣١٨

رأت مستخيراً فاستزال فؤادها(١).

أي رأت داعياً ، فكان معنى استخرت الله استدعيته إرشادي(٢). انتهى كلامه.

الإشارة الثانية : الرجوع إلى الاستخارات في أفعاله ليعدّ من أهل السعادات في أحواله ، قال الله سبحانه وتعالى شأنه : «من شقاء عبدي أن يعمل الأعمال فلا يستخيرني»(٣).

وروى ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن عبدالله بن مسكان ، عن محمّدبن مضارب ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «من دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتُلي لم يؤجر»(٤).

وهذان الحديثان أوردهما البرقي في محاسنه وهما صريحان في عموم الاستخارة.

وذكر الطوسي رحمه‌الله في أماليه : عن عليّ عليه‌السلام ، قال : «لمّا ولاّني النبي (صلى الله عليه وآله)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تكملة البيت في المصدر : بمحنية تبدو لها وتغيب. ولم نعثر عليه في ديوانه المطبوع سنة١٩٥١ م في القاهرة.

(٢) السرائر ١ / ٣١٤.

(٣) أورده البرقي في المحاسن ٢ / ٤٣١ ح٣ ، المفيد في المقنعة : ٢١٧ ، ابن طاووس في فتح الأبواب : ١٣٢ ، الحرّ العاملي في الوسائل ٨ / ٧٩ ح٢ ، عن المحاسن ، والجواهر السنية في الأحاديث القدسية : ٣٥٢ ، والفصول المهمّة ٢ / ١١٢ ح٢ ، المجلسي في البحار٨٨/ ٢٢٢ ، عن فتح الأبواب ، المحدّث النوري في مستدرك الوسائل ٦ / ٢٦٢ ح٢ ، عن البحار.

(٤) المحاسن ٢ / ٤٣٢ ح٤ ، وعنه الحرّ العاملي في الوسائل ٨ / ٧٩ ح١ ، والفصول المهمّة ٢ /١١١ ح١ ، وأورده ابن طاووس في فتح الأبواب : ١٣٤ ، بسنده عن مشايخه.

٣١٩

على اليمن قال وهو يوصيني : يا علي ، ما حار(١) من استخار ، ولا ندم من استشار»(٢).

وروى البرقي في محاسنه والكليني ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب : عن عثمان بن عيسى ، قال : حدّثنا عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كان علي بن الحسين عليهما‌السلام إذا همّ بأمر حجٍّ ، أو عمرة ، أو بيع ، أو شراء ، أو عتق ، تطهّر ، ثمّ صلّى ركعتي الإستخارة فقرأ فيهما سورة الحشر والرحمن(٣) والمعوّذتين وَ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).

ثمّ قال : اللهمّ إن كان كذا وكذا خيراً لي في ديني ودنياي وآخرتي ، وعاجل أمري وآجله فيسّره لي على أحسن الوجوه وأجملها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) في الأصل : ما خاب ، وما أثبتناه من المصدر ، وهو الموافق للمصادر الشيعية.

(٢) أمالي الطوسي : ١٣٦ ح٣٣ ، عن محمّد بن محمّد ، عن أبي الحسن علي بن خالد المراغي ، عن أبي صالح محمّد بن فيض العجلي ، عن أبيه ، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني رضي‌الله‌عنه ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن موسى ، عن أبيه الرضا علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر بن محمّد ، عن أبيه جعفر ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، وفيه : قال : بعثني رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وأورده ابن شعبة في تحف العقول : ٢٠٧ ، ونقله الحرّالعاملي في الوسائل ٨ / ٧٨ ح١١ و ١١/ ٣٦٦ ح٨ ، عن الأمالي ، والمجلسي في بحارالأنوار : ٧٢ / ١٠٠ ح١٣ و ٨٨ / ٢٢٥ ح٥ ، عن الأمالي و ٧٥ / ٤٥ ح٤٩ ، عن تحف العقول.

وأورده الطبراني في المعجم الصغير ٢ / ٧٨ ، القاضي القضاعي في مسند الشهاب ٢ / ٧ح٧٧٤ ، ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ٥٤ / ٣ ، الهيثمي في مجمع الزوائد ٢ / ٢٨٠ ، السيوطي في الجامع الصغير ٢ / ٤٩٤ ح٧٨٩٥ ، والدرّ المنثور ٤ / ٨٨ ، في تفسير قوله تعالى : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) من سورة آل عمران آية : ١٥٩ والمتّقي الهندي في كنزالعمال ٧ / ٨١٣ ح٢١٥٣٢ ، وفي الكلّ : ما خاب ، وبزيادة : ولا عال من اقتصد.

(٣) في الأصل : سورة الرحمن والحشر ، وما أثبتناه من المصادر.

٣٢٠