الرسائل التسع

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

الرسائل التسع

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


الموضوع : الفقه
الناشر: انتشارات زهير
الطبعة: ٠
ISBN: 964-8076-27-8
الصفحات: ٣١٥

قال في الفصول (١) بعد حكايته ما هذا لفظه ، اقول : لا ريب في أنّ قضيّة اطلاق الامر بشىء عدم سقوطه بفعل غيره وان كان مأموراً به بأمر آخر ، ودعوى سقوطه به تقييد للأمر ، ولو فسّر المأمور به بما يؤدّى اليه طريق شرعى كان مجازا ، وعلى كلّ من التّقديرين لا بدّ من قيام دليل عليه ، وليس في الامر الثّانى ما يقتضى ذلك لا عرفا ولا لغة كما عرفت.

والتّمسّك باصل البراءة واصل العدم في المقام فاسد من وجهين : الاوّل : انّ الّذي يتّجه فيه ، اصل الاشتغال لا اصل البراءة ، واصل بقاء التّكليف لا اصل العدم ، وذلك للقطع بحصول الاشتغال والشّك في البراءة عنه وسقوط فيستصحب.

الثّانى : انّ الاستناد الى الاصول الظّاهريّة انّما يصحّ حيث لا يعارضها ظاهر خطاب ، وقد عرفت انّ الظّاهر من اطلاق الامر عدم السّقوط.

وامّا ما ادّعاه من انّ ما امر به بالامر الظّاهرى بدل عمّا امر به بالامر الواقعي ، فممنوع اذ لا شاهد عليه ، على انّا نقطع بانّ الصّلاة بالطّهارة اليقينيّة او المظنونة لم يؤمر بها على كونها بدل عن الصلاة بالطهارة الواقعيّة ، بل من حيث كونها هى ، فالاعتداد بالظّن أو اليقين انّما هو من حيث كونه كاشفا عنها موصلا اليها ، وامّا ما ثبت بدليّته على تقدير العجز عن المبدل كالتّيمم عن الوضوء ، أو القعود وما بعده من الحالات المترتّبة عن القيام فالدّعوى متّجهة فيه ، اذا الظّاهر من البدليّة عرفا ولغة سقوط الامر بالمبدل منه مطلقا.

نعم اذا كان الامر بالبدل على تقدير عدم التّمكن من المبدل في تمام الوقت فعلم ذلك أو ظنّ حيث يعتبر الظّن واتى به ثمّ انكشف الخلاف ، يرجع الى الاصل السّابق.

ثمّ لا يخفى انّ الغرض الاصلى من هذا المبحث بيان كيفيّة دلالة الامر الّذي هو دليل شرعىّ ، لا بيان حال البدل والمبدل اللّذين هما فعل المكلّف ، فالمسألة اصوليّة لا

__________________

(١) الفصول الغروية ص ١١٨.

٨١

فقهيّة ، انتهى كلامه رفع مقامه (١).

قال في المفاتيح (٢) في تنبيهات المسألة بعد الفراغ عنها جامعاً بين القسمين في الحكم وان كان عنوان كلامه في القسم السابق ما هذا لفظه : إذا أمر الشّارع بشىء عبادة كان أولا ، فأتى المأمور بفعل معتقداً على وجه القطع واليقين انّه المأمور به في الواقع ، كما اذا علم انّ ما اتى به وضوء صحيح موافق للواقع ، أو ما ردّها وديعة طلبها صاحبها ، ثمّ تبيّن وعلم بعد ذلك انّ ما اتى به ليس هو المأمور به على وجهه ، امّا لفقد نفسه أو فقد جزئه او ركنه أو شرطه ، فهل مجرّد اعتقاده ذلك أو الامتثال الظّاهرى يكون كافيا في سقوط التّكليف؟ فلا يجب عليه الاعادة ولا القضاء ويترتّب عليه الثّواب ولا يستحق على التّرك العقاب ، كما اذا أتى بالمأمور به على وجهه بحسب الواقع ، أولا؟ اشكال :

من اطلاق المعظم انّ امتثال الامر يقتضى الاجزاء بمعنى الخروج عن عهدة التّكليف وسقوط التّعبّد به ثانيا ، وانّه كان مكلّفا حين العمل بمعتقده ولم يكن مكلفا بالواقع لأنّه تكليف بما لا يطاق ، فالمأمور به بالنّسبة الى المفروض هو الّذي اتى به على وجهه ، فيلزم منه ان يترتّب عليه جميع ما يترتب على الاتيان بما هو متعلّق الامر الشّرعى بحسب الواقع ، وانّه كان حين العمل وبعده متيقّنا ببراءة ذمّته عن الواقع وباتيانه بالمأمور به وسقوط التّكليف عنه ، فيجب استصحاب المذكورات بعد انكشاف الخطأ عملا بعموم قوله : (لا تنقض اليقين الّا بيقين مثله) ونحوه ؛ وانّ في لزوم الاعادة حرجاً عظيما في كثير من الصّور.

و [مِنْ] انّه لم يأت بالمطلوب على الوجه الّذي اراده الطّالب وكان فيه المصلحة ، وغاية اعتقاده رفع المؤاخذة عنه لا سقوط التّكليف ، وانّ مقتضى اطلاق الامر لزوم الاتيان بالمأمور به على وجهه مطلقا ولو أتى بما يعتقد انّه المأمور به بحسب الواقع ، و

__________________

(١) الفصول الغروية ص ١١٨.

(٢) مفاتيح الاصول ص ١٢٧.

٨٢

انّ العقلاء لا يعذرون من اتى بحجر معتقداً انّه الجوهر الّذي أمر الامر باتيانه ، وانّ المعهود من سيرة الإسلام والمسلمين انّ الاصل الاتيان بالتّكليف الواقعي ، وانّ التّصويب في الاحكام الشّرعية والموضوعات الصّرفة باطل.

وامّا الوجوه المتقدمة الدّالة على السّقوط فضعيفة جدّاً يظهر وجهه بالتّأمّل ؛ فاذن الاصل عدم السّقوط ، والاتيان بالمأمور به بحسب الواقع حيث ثبت فساده ، ويكون مقتضى اطلاق الادلّة أو عمومها لزوم الاتيان به مطلقا.

نعم قد يعدل عن هذا الاصل لدليل من خارج ... إلى أن قال : وكذلك يمكن أن يقال الاصل لزوم الاتيان بما هو المطلوب الواقعي في ما إذا جعل الشّارع شيئاً بدلا عن الواقع ثمّ تبيّن خلافه ، فعلى هذا الاصل في ما إذا تبيّن للمجتهد فساد ظنّه الاعادة ، وساق الكلام الى أن قال : وبالجملة مجرّد جعل الشّارع شيئا بدلاً عن الواقع أو حكم العقل به لا يكون موجباً لسقوط التّكليف بعد انكشاف الخطاء ، وانّما غاية ذلك جواز الاعتماد على البدل حيث لا يظهر المخالفة للواقع ، فتأمّل. انتهى كلامه (١) رفع مقامه.

اقول : قد تقدّمت الاشارة الى بطلان توهّم كون مقتضى الاصل في المقامين الاجزاء ، سواء اريد منه أصل البراءة حيث إنّ الشّك في اسقاط التّكليف المنجّز بالواقع بغيره ، لا في حدوث التّكليف ، أو الاستصحاب سواء اريد منه اصل العدم حيث انّ الشّك في انقلاب الوجود بالعدم لا في انقلاب العدم بالوجود ، أو الاستصحاب الوجودى أى استصحاب الاجزاء والسّقوط المتحقّق حال القطع أو حال وجود الامارة الشّرعيّة ، لارتفاع موضوع المستصحب على تقدير تسليم ثبوته مع ما فيه بعد زوال القطع وانكشاف خطأ الامارة.

ومن هنا يظهر فساد التّمسّك باخبار الاستصحاب في المقام ، فالاصل لزوم الاتيان بالواقع بعد تبيّن الخلاف لا من جهة استصحابه حيث يحتمل سقوطه بفعل ما اتى به و

__________________

(١) مفاتيح الاصول ص ١٢٧.

٨٣

ان كان الاصل في كلّ حادث شكّ في ارتفاعه في نفسه البقاء ، بل من جهة حكم العقل على سبيل القطع بلزوم الاتيان والحال هذه ، فالحكم مترتّب على الشّك لا المشكوك.

ومنه يظهر فساد التّمسّك بقاعدة التّكليف بما لا يطاق ، حيث إنّا لا نقول بكونه مكلّفا زمان القطع بالواقع المغفول عنه منجّزا وانّما نقول به بعد زوال الغفلة ، ودعوى تكليفه بالمقطوع زمان القطع فاسدة بما عرفت من عدم امكانه عقلا ، وانّما الثّابت القطع بالتّكليف الواقعي المتعلّق بنفس الواقع الّذي تبيّن خطؤه ، فلا تكليف حتى يستصحب ، مع انّه على فرض امكانه لا يمكن استصحابه بعد زوان موضوعه ، كظهور فساد التّمسك بادلّة نفى الحرج لمنع لزومه كما هو ظاهر ، وسيجيء شرح القول فيه.

انّما الكلام في الاصل اللّفظى الّذي تمسّك به كلّ من الفريقين ، والحقّ فساده ؛ لأنّ الظّهور العرفى للأمر الظّاهرى في كفاية ما امر به أو دليله ، فضلاً عن اللّغوى الّذي تمسّك به القائل بالاجزاء ، ضعفه ظاهر جدّا ، حيث انّ مفاد ادلّة الطّرق الشّرعيّة لا القطع على ما زعمه في الفصول (١) كما عرفت حيث انّه ليس طريقا مجعولا عندنا على ما فصّلنا القول فيه في تعليقاتنا (٢) تبعاً لشيخنا العلّامة قدس سرّه ليس الّا تنزيل مؤدّى الطّرق منزلة الواقع في ما يترتّب عليه من الآثار والاحكام الشّرعية لا العقليّة والعادية ، وقد اسمعناك في المسألة كون الاجزاء في الاتيان بالواقع عقليّا فلا يقبل لجعل الشّارع جدّا.

نعم لو سلّم ظهوره كان حاكما على ظهور الامر الواقعي في عدم الاجزاء بمقتضى اطلاقه على ما زعموه ، وإن كان الظّهوران ممنوعين عندنا على ما عرفت وستعرفه ، فما في الفصول (٣) من الجواب الثّانى لا معنى له كما هو ظاهر.

فان قلت : معنى الاجزاء والسّقوط هو رفع التّكليف الشّرعى وعدم وجوب

__________________

(١) الفصول الغروية ، ص ٨٥.

(٢) بحر الفوائد ، الجزء الاول ، ص ١٥٠.

(٣) الفصول الغروية ، ص ٨٥.

٨٤

اعادته ، كما انّ معنى عدم الاجزاء هو بقاء التّكليف الشّرعى ووجوب الاعادة ، فكما انّ حدوث التّكليف بجعل الشّارع ، يكون بقاؤه وارتفاعه بجعله لا محالة ، ومن هنا وَرَدَ في لسان الشّرع كثيراً الحكم بوجوب الاعادة في موارد والحكم بعدم وجوبها في موارد ، فكيف تقول بكون الاجزاء من العقليّات الغير القابلة للجعل؟

قلت : كون بقاء الحكم الشّرعى في مقابل نسخه ، وارتفاعه بمعنى نسخه شرعاً ، كحدوثه فممّا لا اشكال فيه ولا شبهة يعتريه ، الّا انّ الكلام ليس في ذلك ، وانّما هو في ارتفاعه بعد الامتثال والاتيان بالمأمور به بما هو هو ، وليس ذلك على ما اسمعناك في اصل المسألة الّا بحكم العقل ، ولو ورد في لسان الشّرع الحكم بعدم الاعادة في مثل ذلك أو الحكم بالاعادة في موارد عدم الاتيان بالمأمور به فليس حكما تأسيسيّا جعليّا من الشّارع ، وانّما هو بيان للازم بقاء الحكم وارتفاعه بحكم العقل.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر انّ حديث البدليّة المذكور في كلماتهم ، لا اصل له اذ لم يذكر في شيءٍ من الادلّة والاخبار بدليّة الحكم الظّاهرى عن الواقعي او ما يرادفه حتّى نتكلّم في انّ مفاده البدليّة المطلقه أو المقيّدة الموقّتة. فافهم ؛ هذا بعض الكلام على الاصل اللّفظى الّذي تمسّك به القائل بالاجزاء في المقام.

وامّا الاصل اللّفظى الّذي تمسّك به القائل بعَدَم الاجزاء اى اطلاق الاوامر الواقعيّة أو عمومها على ما عرفت في الفصول والمفاتيح المرادُ به اطلاق الهيئة أو عمومها لا المادّة جدّاً ، اذ لا تعلّق للمادّة بمفروض البحث اصلا ، كما لا يخفى.

فيتوجّه عليه انّ التّمسك بالاطلاق في أىّ مورد سواء كان اطلاق المادّة او الهيئة ، انما هو عند احتمال تقييد المطلق بما يصلح ويمكن تقييده به ، وكذا التّمسك بالعموم عند احتمال تخصيص العام بما يمكن تخصيصه به ، وهذا المعنى والتّجويز المذكور غير متحقّق في المقام جدّا ؛ ضرورة لزومه لتقييد الخطابات الواقعيّة أو تخصيصها بالعالم بها ، وهو مع انّه ملازم للتّصويب الباطل عند الاماميّة ، مستلزم للدّور جدّاً ، هذا.

فان شئت قلت : انّ امتثال الحكم الظّاهرى انّما يسقط الامر الواقعي ويجزى عنه

٨٥

على التّوهم المذكور برجوعه الى التّنويع ، كما في الاعذار العقليّة والشّرعية ، والتّنويع بحسب العلم والجهل وقيام الامارة وعدمه غير متصوّر بالنّسبة الى الاحكام وانّ كان متصورّاً بالنّسبة الى الموضوعات الصرفة الخارجية ، فلا معنى للتمسّك باطلاق الاوامر الواقعية أو عمومها بالنسبة الى الامارات الحكميّة واصولها ، نعم لا اشكال في تصوّره بالنّسبة الى الموضوعات الخارجيّة.

لكن القول به على سبيل الاطلاق والقضيّة الكلّية الدّائمة بالنّسبة الى الموضوعات الخارجيّة على ما بنى عليه القائل بالاجزاء موجب للتصويب بالنّسبة اليها الّذي قال ببطلانها العامّة فضلاً عن الخاصّة ، نعم في ما ورد في الشّرع من الحكم بالاجزاء بالنّسبة الى بعض الموضوعات لا مناص عن الالتزام بالتّنويع فيه ، وليكن هذا في ذكر منك لينفعك في ما بعد.

ثمّ اذا انجرّ الكلام الى كيفيّة جعل الطّرق وإن كان في ما ذكرنا غنى وكفاية في مبنى المسألة فلا بأس في التعرض لتفصيل القول فيها تبعا لشيخنا العلّامة قدس‌سره في مجلس البحث وما املاه (١) في مسألة حجيّة الظّن ، وان تعرّضنا له تبعاً في التّعليقة.

فنقول : انّ حكم الشّارع باعتبار غير العلم ووجوب العمل بمقتضاه في حقّ الجاهل بالواقع قد يكون بعنوان الاطلاق والعموم (٢) اللّابشرطي ، أى من غير اشتراطه بالعجز عن تحصيل العلم بمورده ، سواء كان في الاحكام أو في الموضوعات ، كما هو الغالب الكثيرى (٣) في الامارات المعتبرة شرعاً فيهما ، ويعبّر عنه بالظّن الخاصّ المطلق مطلقا أو في خصوص الاحكام ، وقد يكون بعنوان التّقييد واشتراط العجز عن تحصيل العلم بمورده ، سواء كان اعتباره من حيث الخصوص ، فيقدّم على الظّنّ

__________________

(١) في النسخة املائه والصحيح ما اثبتناه.

(٢) في النسخة زيادة واو.

(٣) الظاهر : الكثير.

٨٦

المطلق أيضاً كالقسم الاوّل في الأحكام على تقدير كفايته ، ويعبّر عنه بالظّن الخاص المقيّد ، أو من حيث العموم فيعبّر عنه بالظّن المطلق ، والاصول الشّرعيّة في الشّبهات الحكميّة غير الاحتياط من هذا القبيل اذا العمل بها انّما هو في حقّ الجاهل العاجز عن تحصيل العلم بالواقع أو ما يقوم مقامه ، وان كانت خارجة عن عنوان ظنّى الخاص والمطلق اللّذين يقع البحث فيهما.

ثمّ انّه في كلّ من القسمين قد لا يلاحظ الشّارع في حكمه وجعله الّا الطّريقيّة والمرآتيّة والمطابقة للواقع والايصال اليه ، فيكون امره ممحّضاً في الارشاد ، وقد يلاحظ المصلحة وان لاحظ الطّريقيّة أيضاً.

وعلى الاوّل لا يخلو بحسب الصور العقليّة من امور واقسام : لأنّه قد يكون في نظر الشّارع العالم بالغيب دائم المطابقة للواقع ؛ وقد يكون غالب المطابقة للواقع ، فحينئذ قد يكون صوب (١) من العلوم الّتي يستعملها المكلّف لتحصيل الواقع ، وقد يكون مساويا لها من حيث الصّواب والخطاء ، وقد يكون أقلّ صوابا منها ؛ وقد يكون كثير المطابقة للواقع مع عدم بلوغ الكثرة مرتبة الغلبة ؛ وقد لا يكون كثير المطابقة.

لا اشكال في كون الاوّل مجوّزاً للجعل ، الّا انّه يخرج عن مسألة الاجزاء كما هو ظاهر ؛ كما انّ العلم بالعنوان المذكور للأمارة يوجب خروجها عن عنوان الجعل وكذا الثانى مع كونها اصوب في نظر الشارع من الادلة العملية لكنّ العلم بالعنوان المذكور لا يوجب الخروج عن عنوان الجعل لاحتمال الخطاء في كلّ مورد ولو موهوماً ، والكلام في اجزاء سلوكه عن الواقع هو الكلام في مسألة الاجزاء الّتي تقدّم الكلام فيها ، وانّه لا معنى للقول بالاجزاء فيه مع تبيّن الخطاء لعدم ما يوجب تدارك الواقع الفائت من جهة سلوك الامارة بالفرض.

وامّا اذا لم يكن اصوب فلا يصح جعله من حيث عدم المرجّح في صورة المساواة

__________________

(١) الصحيح اصوب.

٨٧

وتفويت الواقع المترتّب عليه في صورة عدمها وان كان الحكم من حيث مسألة الاجزاء واحداً في جميع صور الطّريقيّة المتصوّر فيها تبيّن الخطاء.

وممّا ذكرنا في الحكم الصّور يعلم حكم باقيها من حيث امكان الجعل وعدم الاجزاء عن الواقع ، فلا حاجة الى طول الكلام وانفراد كلّ قسم بالبحث عنه ؛ هذا كلّه فيما اذا كان الاعتبار بعنوان الاطلاق والعموم في هذا القسم.

وامّا اذا كان بالعنوان التّقييدى فالحكم من حيث الاجزاء والعدم ظاهر واضح ، الّا انّ فرض اجتماعه موضوعاً لمسألة الاجزاء المبنيّة على تبيّن خطأ الامارة مشكل ، اللهمّ الّا أن يفرض حصول التّمكّن عن العلم بالواقع بعد العمل ؛ فتأمّل.

وعلى الثّانى فلا يخلو عن صور أيضا :

الأولى : ان يوجب قيام الامارة في حقّ الجاهل بوجوب شيء مثلا حدوث المصلحة الملزمة فيه ، بحيث لا يوجد في حقّه مع قطع النّظر عن قيام الامارة على وجوبه مقتض لجعل الوجوب اصلا من حيث اختصاص ما يوجبه بالعالم بالحكم واقعا ، فيكون العلم والجهل والظّن كسائر حالات المكلّف وصفاته الموجبة لاختلاف الحكم والتّنويع بحسب الواقع كالحضر والسّفر ونحو هما من الحالات المنوّعة العرضيّة ، فيكون جعل الامارة على هذا ممحّضاً في السببية المحضة في قبال القسم الاوّل الممحض في الطّريقيّة المحضة حسب ما عرفت ، كما اذا قامت الامارة على وجوب صلاة الجمعة وكان الواجب واقعا صلاة الظّهر بالفرض ، اذا فرض اختصاص المصلحة الموجبة لجعل وجوب صلاة الظّهر في يوم الجمعة مثلاً في حقّ العالم بوجوب صلاة الظّهر واقعاً ، ولا يوجد في حقّ الجاهل بوجوبها المصلحة اصلا الّا بعد قيام الامارة في حقّه بوجوب صلاة الجمعة فهي واجبة واقعا في حقّه ، كما انّ صلاة الظّهر واجبة واقعا في حقّ العالم بوجوبها ، كوجوب التّمام واقعا في حقّ الحاضر ، والقصر واقعا في حقّ المسافر.

الثّانية : ان يوجب قيام الامارة في حقّ الجاهل مصلحة ، لكن لا على وجه لا يوجد

٨٨

في حقّه مع قطع النّظر عن قيام الامارة المصلحة الموجودة في حقّ العالم اصلا ، بل على وجه يوجب منعها عن التّأثير في ايجاب حكم العالم في حقّ من قامت الامارة عنده ، على خلاف حكم العالم من جهة المزاحمة وقوّة المصلحة الحادثة بواسطة قيام الامارة على الخلاف.

وهذه الصّورة كما ترى تشارك الاولى في كون الحكم واقعا ما قامت الامارة عليه على خلاف حكم العالم ، الّا انّها تفارقها في صورة عدم قيام الامارة أو قيامها على طبق حكم العالم حيث انّه لا تأثير للأمارة في شيء منهما في الصّورة ، ويكون الحكم فيهما واقعا حكم العالم بمقتضى دليل جعله ، بخلاف الصّورة الاولى فانّ مؤدّى الامارة معلول لها ولو قامت على طبق حكم العالم اتّفاقا.

كما انّها تشاركها في السّببيّة المحضة وكون مرجع الجعل فيها أيضاً الى التّنويع ، وان كان التّنويع في هذه الصّورة نظير التّنويع بحسب الحالات الطولية كما في ذوى الاعذار ، حيث انّ الامر الاختيارى بحسب الشأنيّة والمصلحة متحقق في حقّه وان لم يوجد فعلا عند تحقّق العذر ؛ ومن هنا قلنا على ما عرفت بامكان تعلّق الامر النّدبى فيه بالاعادة بعد زوال العذر ، ومرجع الامر في الصّورتين وان كان الى التّصويب الباطل عند اهل الصّواب من التّخطئة كما برهن عليه في محلّه عقلا ونقلا ؛ وقد ادّعى تواتر الاخبار على الحكم المشترك ، كما في كلام شيخنا العلّامة (١) قدس‌سره وان كان يوهمه كلام العلّامة قدس‌سره في محكى النّهاية (٢) بل الشّيخ في محكى العدّة (٣) حيث قالا : انّه لا يمتنع ان يكون الفعل ذا مصلحة ونحن على صفة مخصوصة ، وكوننا ظانّين بصدق الرّاوى صفة من صفاتنا ، فدخلت في حالاتنا الّتي يمكن ان يكون الفعل معها ذا مصلحة ، الّا انّ لازمه كما ترى اقتضاء الاجزاء عند تبيّن الواقع والعلم به ، لأنّ مرجع

__________________

(١) فرائد الاصول ، ص ١١٠.

(٢) نهاية الوصول الى علم الاصول ، المخطوطة ، ص ٧٩.

(٣) العدة في اصول الفقه ، ج ١ ، ص ٨٠.

٨٩

الامر فيهما الى انقلاب موضوع الحكم بعد الاتيان بوظيفته الى موضوع آخر ، كما اذا صار الحاضر بعد التّمام مسافراً أو المسافر بعد القصر حاضراً على القول بايجاب الحالتين للحكمين واقعا اذا وجدا في جزء من الوقت كما هو المشهور ، أو المريض الآتي بوظيفته كما إذا قلنا بكفاية المرض في جزء من الوقت وتأثيره في وظيفته أو فرض امتداده الى اخر الوقت ، وهذا امر ظاهر لا سترة فيه اصلا ، ومن هنا جعلوا من ثمرات التّصويب ولوازمه الاجزاء كما عن ثانى الشّهيدين قدس‌سرهما ، حيث قال في محكى تمهيده (١) : ومن ثمرات التصويب والتخطئة عدم اعادة الصلاة بظنّ القبلة واعادتها في صورة تبيّن الخلاف ، انتهى ؛ ولا فرق في ما ذكرنا في حكم الصّورتين بين القسمين في جعل الامارة ، أى كون جعل الامارة على وجه الاطلاق أو على وجه الاشتراط والتّقييد كما هو ظاهر لا سترة فيه اصلا.

الثّالثة : ان لا يوجب قيام الامارة مصلحة في ما قام عليه اصلا حتى في ما قامت على خلاف حكم العالم ولا تؤثّر فيه شيئا ، فيكون الحكم الواقعي متحقّقا في حقّ الجاهل مطلقا حتّى في حقّ من قامت امارة عنده على خلاف الواقع كتحقّقه في حقّ العالم ، من حيث تعلّقه بموضوع لا بشرط ، وان كان الجاهل معذوراً في مخالفته اذا كان قاصراً أو قامت عنده امارة معتبرة على خلافه ، فيكون الاحكام الشّرعية بحسب وجودها التّشريعى نظير الموضوعات الخارجيّة بحسب وجودها التّكوينى في تحقّقها في حقّ العالم بها والجاهل بوجودها مطلقا حتّى في حقّ من قامت الامارة على عدم وجودها ، فيكون مدار جعلها على الطريقيّة لا السّببية المحضة ، الّا انّ الشّارع لاحظ مصلحة نوعيّة في جعلها في حقّ الجاهل ولو كانت تسهيل الامر على نوع المكلّفين ، من غير فرق بين زمانى الغيبة والحضور ، وتلك المصلحة التّسهيلية الملحوظة في اصل تشريع الحكم الظّاهرى في حقّ الجاهل ، من حيث إنّ في سلوك خصوص الطّرق العلميّة وتحصيل الواقع على سبيل القطع واليقين نوع كلفة في حقّه ، لا يوجب

__________________

(١) تمهيد القواعد ، القاعدة ١٠٠ ، ص ٣٢٢ ، والعبارة غير منقولة بالفاظها.

٩٠

تغيير الواقع اصلا ، وانّما الحاصل في حكم العقل في خصوصيّات التّرخيص الظّاهرى اذا اخذ الجاهل به معذوريّته في مخالفة الواقع ، من جهة العمل بالحكم الظّاهرى ما دام جاهلا بالواقع ، فاذا ارتفع جهله بتبيّن الخطاء لزم عليه في حكم العقل امتثال الواقع ، والعائد اليه من الفائدة والمصلحة ما لوحظ في سماحة بناء الاحكام في شريعتنا وسهولتها من الرّغبة والميل الى قبولها وعدم فوتها عن المكلّفين كما تفوت لو كان بنائها على الضّيق وعدم السّهولة لضعف دواعى الامتثال في غالب النّفوس البشريّة ، ومن هنا بنى التّبليغ على التّدريج ، حتّى انّ التكليف في اوّل البعثة الى عشر سنين كان منحصراً في التّوحيد والايمان بالرّسالة على ما في غير واحد من الاخبار ، وهذه العائدة والفائدة كما ترى ليست ممّا يحصل للمكلّف في شخص الواقعة ، وانّما يحصل له من حيث رغبتها في اطاعة نوع احكام الشّرع ، فهي في الحقيقة مصلحة غيريّة لا تعلّق لها بشخص الواقعة ، فإن شئت زيادة توضيح لذلك فاستمع لما يتلى عليك سماع طالب شائق متأمّل منصف غير متعسّف.

فنقول : كما انّ الحكمة الالهيّة قضت بوجود السّفراء ووسائط علميّة من الانبياء والاولياء بينه وبين خلقه ، كذا قضت من جهة حفظ النّظام ، وكون اخذ جميع المكلّفين لآحاد الاحكام من دون واسطة من السّفراء بالطّرق العادية موجباً لاختلاله كما هو ظاهر بنصف طرق خاصّة غير علميّة في حقّهم اذا كانت اصوب في نظر الشّارع من الظّنّ المطلق الّذي يحكم العقل بحجيّته عند فقد الطّرق الخاصّة الشّرعيّة ، والّا فلا يجب عليه النّصب والجعل بالخصوص ، وانّما يوكل الامر الى حكم العقل في باب طرق الامتثال كما هو الشّأن عند تماميّة مقدّمات الانسداد ، اذ لا فرق بين زمانى الغيبة والحضور في ذلك ، ضرورة عدم الفرق في حكم العقل بين الزّمانين على تقدير وجود علّة حكمه في زمان الحضور كما قد يتّفق في حقّ المكلّفين في البلاد النّائية ولو في برهة من الزّمان ، فكما انّ العقل لا يلاحظ في حكمه بحجّية الظّن بعد وجدان الحرج في تحصيل العلم الإجمالي باطاعة الاحكام الّا الطريقية ،

٩١

كذلك لا يلاحظ الشّارع في حكمه بحجيّة ظنون خاصّة بعد وجدان الحرج النّوعى في تحصيل العلم التّفصيلى بالاحكام الّا طريقيّتها ، مع كون المرجّح في نظره اصوبيّتها من بين الظّنون ، كما يكون مرجّحا في نظر العقل في ترجيحه الظّنّ على الشّكّ والوهم ، والى ذلك اشير في بعض ما دلّ على حجيّة الاخبار من الرّوايات وما دلّ على اعتبار اليد كما في رواية حفص وغيرها وما ورد في شأن اصالتى الحلّ والطّهارة.

فان قلت : الحكم الظاهرى الشّرعى إنشاء من الشّارع كالواقعى ويشاركه في جميع اللّوازم والآثار وليس اخباراً عن مجرّد المعذوريّة سيّما ما كان منه متعلّقا بالظّن ، ومن هنا لا يفرق فيه بين اللّوازم الشّرعيّة وغيرها ، فكما انّ سلوك الحكم الواقعي يلازم الاجزاء كذلك سلوكه يلازمه.

قلت : قد سبقت الاشارة الى هذا التوهم ودفعه ونزيدك توضيحا : انا لم نقل ولا نقول بانّ مرجع الحكم الظّاهرى الى الاخبار عن المعذورية ، كيف؟! وقد اسمعناك كون الحاكم بالمعذوريّة العقل عند جعل الحكم الظّاهرى ، بل مرجعه في ما كان لسانه التّنزيل الى جعل نظير الحكم الواقعي في مرحلة الظّاهر اذا كان متعلّقا مورداً بالحكم ، فيترتّب عليه جميع لوازمه اذا كان لازماً للحكم بالمعنى الاعمّ من الواقعي والظّاهرى لا لخصوص الحكم الواقعي ، ونظير محمولات مورده الشّرعيّة اذا كان متعلّقا بالموضوع سواء كان محمولا أوّليّا لمورده أو ثانويّا بواسطة اللّازم العقلى أو العادى ، كما إذا تعلّق بالامارة ، أو بشرط ان يكون محمولاً أوّليا اذا كان متعلّقا بالاصل كما في الاستصحاب ونحوه ، وهذا هو الفرق بين الامارات والاصول الشّرعيّة ، والاجزاء عن الامر الواقعي على ما عرفت من الاحكام العقليّة في خصوص امتثاله ، كما انّ الاجزاء عن الامر الظّاهرى أيضا من اللّوازم العقليّة لامتثاله ، وامّا اجزائه عن الامر الواقعي مع مغايرته له وتعلّقه بالامارة من حيث كونها كاشفة عنه وطريقا اليه من غير ان يكون في عرضه ، فليس له وجه اصلا ؛ ومن هنا فرّعوا على التّخطئة عدم الاجزاء على ما اسمعناك مراراً هذا ؛ وان كنت قد اذعنت بالحقّ وادركت حقيقة ما

٩٢

ذكرنا في الصّورة الثّالثة من انّ مجرّد ملاحظة المصلحة في الجعل والتشريع لا يلازم المصلحة في الفعل والاجزاء عن الواقع فطوبى لك ؛ والّا فنقول : انّه لا طريق لنا في الحكم بلزوم ملاحظة المصلحة في جعل الطّرق على الشارع بعد تجويز دوام المطابقة في المجعول او أصوبيّة الامارات الشّرعيّة بالنّسبة الى ما يستعمله المكلّف من الادلّة العلميّة ، فلا دليل على الاجزاء في المقام ، فليحرّر المسألة بما حرّرنا ، لا بما حرّره شيخنا الاستاد العلّامة قدس‌سره في كتابه ، فانّه مع طوله وتعقيده لا يخلو عن بعض المناقشات ولو لا اساءة الادب لأشرنا اليه وان تابعناه فيما علّقناه عليه فراجع اليه رجوع متأمل منصف.

فان قلت : على ما ذكرت لا يتصور الاجزاء بالنّسبة الى الاحكام الظاهريّة عن الامر الواقعي على مذهب التّخطئة ، مع انّ من المسلّم المعهود في الشّرعيّات ثبوت الاجزاء في موارد : منها ما اذا اعتقد دخول الوقت وصلّى ثمّ تبيّن وقوع الصلاة خارج الوقت إلّا جزءاً واجباً منها ولو كان هو السّلام.

ومنها ما اذا صلّى الى جهة بظن كونها قبلة في ما كان الظّن معتبراً ، ثمّ تبيّن خطأ الظّن مع وقوع الصلاة بين المغرب والمشرق.

ومنها ما اذا تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقصان الصلاة فانّ المصرّح به في أخبار الشكوك والمفتى به كفايتها عن الواقع.

ومنها ما اذا تبيّن بعد الفحص عن طلوع الفجر في رمضان وعدم العلم بالطّلوع والاتيان بالمفطرات وقوعها في اليوم ... الى غير ذلك ممّا ورد فيه النّص والفتوى من الجميع على الاجزاء بالنّسبة اليه.

قلت : الحكم بالكفاية في الموارد المسطورة وامثالها مبنىّ على التّعميم في موضوع الحكم النّفس الأمرى ، فيقال انّ المعتقد بدخول الوقت سواء كان على وجه القطع أو الظّن المعتبر صلاته واقعة في الوقت في الصّورة المسطورة ، نظير ادراك ركعة من

٩٣

الوقت ؛ وكذا يقال في حقّ المعتقد بجهة القبلة من انّ القبلة في حقّه بين المغرب والمشرق فصلاته صحيحة واقعا لا ظاهراً ؛ وبمثل ذلك يقال في صلاة الاحتياط في الصّورة المسطورة ، فانّ المانع من الحكم بالصّحة الواقعيّة تخلّل التّسليم وزيادة التّكبير ، فاذا قلنا بعدم قدحهما بعد ورود حكم الشّارع بعدم الاعادة وتماميّة الصلاة فالصلاة صحيحة بحسب الواقع لا الظّاهر ، نظير الحكم بعدم قدح زيادة الرّكوع في صلاة الجماعة من جهة المتابعة ؛ وكذا يقال في حق المتفحّص عن طلوع الفجر في الصّورة المسطورة ، لأنّه لا مانع من الحكم بعدم كون ما اقدم عليه في النهار الواقعي مفطراً نظير الافطار في حال النّسيان أو التبييت جنبا في النّومة الاولى ... الى غير ذلك.

وبالجملة الموارد الواردة في الشّرعيّات باسرها في الموضوعات الخارجيّة لا الاحكام الكليّة والتفصّى عنها بما ذكرنا في غاية السّهولة بحيث لا يرد هناك اشكال والله العالم بحقيقة الحال وقد اشار الى ما ذكرنا في الفصول (١) فيما تقدّم منه هذا مع انّ الوقوع في بعض الموارد مع بطلان بطلان القياس عندنا لا يجدى شيئا إلّا في هدم القول باستحالة الاجزاء هذا بعض الكلام في المسألة وهنا امور ينبغى التّنبيه عليها.

الاوّل : انّه لا اشكال في جريان ما ذكرنا من الكلام في الاوامر الواجبة بالنّسبة الى الاوامر النّدبية حرفا بحروف وان كانت خارجة عن عنوان المسألة موضوعا بالنّظر الى ظاهره نظراً الى ظهور لفظ الامر ، الّا انّها ملحقة بالمسألة حكما لاتّحاد المناط والدّليل كما صرّح به غير واحد منهم السيّد في المفاتيح (٢).

الثّانى : انّه لا اشكال في كفاية ما يؤتى به احتياطا في موارد الاتيان بالواقع بحسب تكليفه الظّاهرى مع تبيّن خطائه أو كون الواقع الاولى ما اتى به بعنوان الاحتياط وهذا كما ترى لا تعلّق له بالمسألة اصلا كمالا يخفى.

__________________

(١) الفصول الغروية ، ص ١١٦.

(٢) مفاتيح الاصول ، ص ١٢٦.

٩٤

الثّالث : انّه لا اشكال في كفاية امتثال الامر النّدبى في الجملة عن الايجابى عند تبيّن عدمه في مرحلة الواقع وان اعتقد ثبوته أو قام الطّريق الشّرعى عليه كما اذا تبيّن في موارد التّجديد انّه لم يكن متطهّراً بحسب الواقع وانّ وضوئه الاوّل الّذي اتى به بعنوان الوجوب كان فاسداً بل الامر كذلك اذا اتى به بعنوان الاحتياط لا التجديد فيما كان مستصحب الطّهارة لكنّه داخل في الامر السّابق والاشكال فيه أوهن من الاشكال في المقام ، ومن هنا تامّل بعض الفقهاء في كفاية الوضوء التّجديدى ، بل المحكىّ عن آخر الفتوى بعدم الكفاية ، وان كان الحقّ ما عرفت من الكفاية ، بل هى المستفاد ممّا ورد فيه عند التّامّل من كونه نوراً على نور ، حيث انّ المستفاد منه كونه مفيداً للطّهارة أيضاً ، فاذا تبيّن عدم حصول الطّهارة بالوضوء الواجب لفساده كفى عنه من جهة حصول الغرض من الامر به بالتّجديد ، وهذا باب واسع في الفقه يتفرّع عليه فروع ؛ منها ما اذا تبيّن فساد الفرادى بعد المعادة جماعة ، فانّه لا اشكال في الحكم بكفايتها وسقوط الامر بالصلاة معها ؛ لكن عليك بالتّأمّل والتّتبع في كلمات الاصحاب في فروع المسألة فانّها غير مذكورة في كلماتهم بالعنوان الكلّى ، وان كان الّذي يقتضيه النّظر عاجلا الحكم بالكفاية مطلقا ، لكنّه خارج عن مسألة الاجزاء موضوعاً ، كما لا يخفى على العارف الخبير ؛ هذا بعض الكلام في ما ينبغى التنبيه عليه.

٩٥
٩٦

الفصل الثانى

مسألة تبدّل رأى المجتهد

٩٧
٩٨

مسألة تبدّل رأى المجتهد (١)

تذنيب وتذييل : اعلم أنّ المذكور في كلام غير واحد في مسألة تبدّل رأى المجتهد المعنونة في باب الاجتهاد والتّقليد ابتناء حكمها على مسألة إجزاء الأوامر الظّاهريّة عن الواقعيّة ، ومن هنا جعلها بعض من جزئيّات المسألة وفروعها ، بل تعرّض لها آخر في طىّ المسألة.

والانصاف أنّ تلك المسألة أعمّ من مسألتنا هذه ، فإنّ موضوع المسألة كفاية الأمر وامتثاله ، فيختصّ بما إذا كان هناك أمر وطلب ، وموضوع تلك المسألة تبدّل رأى المجتهد إلى ما يخالفه في أىّ مسألة كانت من الفقه من العبادات بالمعنى الأخصّ أو المعاملات أو الإيقاعات أو الأحكام من الأبواب الأربعة للفقه عندهم ، بل قد يكون التكلّم في مسألة تبدّل الرّأى في موضوع مسألة تبيّن الخطأ بالنّسبة إلى ما أوقعه من الأعمال ، كما في غير صورة القطع ببطلان الرّأى السّابق وانكشاف خطئه على سبيل القطع واليقين ، لاختلاف ملاك المسألتين ، حيث إنّ غير واحد من المتأخّرين منع من حجّيّة الاجتهاد الظّنى بالنّسبة إلى الوقائع السّابقة الماضية ، بل لو لا تعرّضهم للتبدّل العلمى لقيل بكون حيثيّة التّكلّم في المسألتين مختلفة ، حيث إنّ الظّاهر من الرّأى هو التّرجيح الظّنّى كما لا يخفى ، ونحن وإن تكلّمنا في المسألة بما يليق بها عند بحثنا عنها في باب الاجتهاد والتّقليد ، إلَّا أنّ إصرار بعض حاضرى

__________________

(١) هذه الرسالة كما أشرنا في العدد الأوّل في الفصل الاول من تأليفات العلّامة الميرزا محمّد حسن الآشتياني. وقد طبعت سنة ١٣١٥ ه‍ ق حجرياً. حقّق هذه النسخة سماحة الفاضل الشيخ جواد الروحانى. وقد طبع القسم الأوّل منها في الفصل الماضى والان نقدم تتمّتها تحت عنوان تبدّل رأى المجتهد.

٩٩

مجلس البحث دعانا إلى التّكلّم فيها في ذيل المسألة بعض الكلام.

فنقول بعون الله الملك العلّام ، ودلالة أهل الذّكر عليهم آلاف (١) الصلاة والسّلام وإعانتهم : إنّ مبنى الرّأى السّابق المتبدّل المرجوع عنه لا يخلو : إمّا أن يكون الاجتهاد القطعى بحيث حصل منه القطع بالحكم الواقعي وإن كان خارجاً عن موضوع الاجتهاد اصطلاحاً ، كما تبيّن في محلّه ، أو الاجتهاد الظنّى أو أصلاً من الاصول التعبّدية ، كالاستصحاب ، أو البراءة ، أو نحوهما ، وعلى كلّ تقدير من هذه التّقادير لا يخلو الأمر بالنّسبة إلى المتبدّل إليه : إمّا أن يكون مبناه على القطع واليقين بخطإ الرّأى الأوّل ، أو الظّنّ الاجتهادى ، أو الأصل.

ثمّ في صورة عدم القطع بفساد الرّأى الأوّل ومخالفته للواقع ، قد يقطع بفساد مدركه وعدم صلاحيّته للاستناد إليه ، وقد لا يقطع بذلك من جهة عدم تذكّره أو غير ذلك ؛ ومحلّ الكلام في ما إذا كان الرّأى الأوّل على خلاف الاحتياط ، كما إذا كان على عدم جزئيّة الجلسة للاستراحة ، أو كفاية التّسبيحة للرّكعتين الأخيرتين ، أو كفاية النّكاح بالفارسى مثلاً ، أو طهارة الغسالة ، أو كفاية الغسل مرّة ، أو كفاية فرى الودجين في الذّبح ، إلى غير ذلك من الأمثلة وعمل بمقتضاه ، وإلّا قد يكون الرّأى على خلاف الاحتياط ويحتاط المجتهد ومقلّدوه في مورد ، فهو خارج عن موضوع المسألة ، كما هو واضح ، وإن كان كلام بعضهم ظاهراً ، بل صريحاً في التعميم على ما ستقف عليه.

ثمّ إنّ الكلام إنّما هو في حكم ما أوقعه من الوقائع على طبق الرّأى الأوّل في ما كان له أثر بعد الرّجوع من الاعادة والقضاء ، أو استرداد العوض والمعوّض في المعاملات مثلاً ، وأمّا بالنّسبة إلى الوقائع الحادثة المستقبلة فلا إشكال ، بل لا خلاف في تعيّن إيقاعها على مقتضى الرّأى اللّاحق في عمل نفسه وفتواه لمن يقلّده ، بل

__________________

(١) في النسخة : ألف.

١٠٠