الفوائد الغرويّة

الشيخ إبراهيم المحقّق الرودسري

الفوائد الغرويّة

المؤلف:

الشيخ إبراهيم المحقّق الرودسري


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-6767-02-8
الصفحات: ١٥٦

مع قطع النظر عما عرفته من القاعدة ، فتبصر.

ودعوى الملازمة بين الطهارة والكرية مطلقا ولو كانت لاحقة على الملاقاة أو مقارنة معها ، يحتاج إلى دليل معتبر مفقود في المقام ، ويأبى عنها ظاهر الحديث أيضا.

فظهر أن إعمال الأصل في المثال الثالث إما لا مانع منه أو المانع منه هو معارضته بمثله. وقد عرفت حكمه ، وان فقده شرط لإعمال الأدلة كلها ، ولا اختصاص له بإعمال الأصل جدا.

ثم بما ذكرنا وأشرنا إليه من مبنى الوجهين يظهر لك الحكم في طهارة ونجاسة ما إذا تمم البعض بطاهر كرا وأن الأظهر هو الثاني ، خلافا لصاحب السرائر قدس‌سره حيث صادر إلى الأول وادعى عليه الإجماع ، مع أنها في مثله كما ترى ، فتبصر.

وكيف كان ما ذكرناه في هذه الفائدة مما ساعد عليه نظري ، ولعله مما ينبغي للتصديق والتحسين ، وهو الموفق والمعين.

٨١

فائدة

[اقتضاء الأمر للإجزاء]

اختلف الأصولين في أن الأمر هل يقتضي الإجزاء أو لا؟ على قولين ، أظهرهما الثاني ، يأتي بيانه بعد أمور خمسة :

(الأول) : إن هذا المبحث تارة يعنون على وجه ينسب فيه الاقتضاء وعدمه إلى الأمر نفسه كما ذكرنا تبعا للقوانين المحكمة ، وأخرى يعنون على وجه ينسب فيه الاقتضاء وعدمه إلى فعل المكلف كما صنعه جماعة ، منهم صاحب الكفاية حيث قال : الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء في الجملة بلا شبهة.

لكن الصحيح هو الأول ، للزوم أخذ ما هو مصبّ النزاع وموضوعه في عنوانه والإشارة فيه إليه كائنا ما كان ، لا خفاء ولا شبهة فيه. وسيأتي في الأمر الثالث أن مصب النزاع وموضوعه في هذه الفائدة هو الأمر نفسه ، والبحث عن حاله ليس إلا ، والفعل المشار إليه وغيره مما يأتي ذكره في الأمر الثاني شرط لجريان هذا النزاع وتحققه. فجعله موضوعا له وأخذه في عنوانه مما لا وجه له ، وإن فرض كونه في الحكم العقلي كما لا يخفى.

(الأمر الثاني) : إن الأمر إما واقعي أو ظاهري لا ثالث لهما ، لاندراج الأمر الاضطراري ونحوه ـ مما أخذ واعتبر في تعلقه بموضوعه ـ وصف من أوصاف

٨٢

المكلف ، كالأمر الاستصحابي في الثاني ولا مجال لإنكاره. فتقسيمه إلى الأربعة بإضافة الأمر العقلي الذي يتخيل أنه أمر وليس بأمر حقيقة إلى ما أشرنا إليه كما يظهر من غير واحد ، يستلزم أن يكون قسم الشيء قسيما له لا ، وخفاء في بطلانه ، فتبصر.

والنزاع المزبور إنما هو في الثاني دون الأول ، نظرا إلى ما اعتبر في تحققه وجريانه من الأمرين لا يتصور ثانيهما بالنسبة إلى الأول : أحدهما إتيان المكلف ما تعلق به الأمر على وفقه وحسبه الذي هو وجهه وطريقه. وثانيهما انكشاف مخالفة المأتي به على وفقه لما هو المأمور به في الواقع ، فلو انتفى الأول ـ كما إذا لم يأت المكلف ما تعلق به الأمر على وفقه أو الثاني كما إذا انكشف موافقة المأتي به على وفق أمره لما هو المأمور به في الواقع واتحاده معه كما وكيفا ـ فلا مجال للنزاع المزبور جدا.

فظهر بما ذكرنا أمور :

منها : المعنى الذي ينبغي أن يراد من لفظة «على وجهه» المأخوذة في العنوان المشار إليه ، فجعلها عبارة عن قصد التقرب الذي هو شرط للامتثال لا للمأمور به أو جعلها عبارة عن أجزائه التي هي عينها لا غيرها أو جعلها تأكيدا له الذي لا يساعده قواعده ، مما لا وجه له ظاهرا.

ومنها : الفرق بين النزاع في هذه الفائدة والنزاع في أن القضاء يتبع الأداء أو لا ، حيث إن الثاني إنما هو فيما إذا ترك المكلف المأمور به رأسا ولم يأت به أصلا بخلاف الأول كما مر.

ومنها : الفرق بين النزاع المزبور مما لا ينبغي في الأمر العقلي لما مر ، بل هو منحصر في الأمر الشرعي الظاهري المراد منه فيه هو التعبدي لاختصاص

٨٣

الإجزاء بمورده ولا يعم غيره ، كالمعاملات التي لا دخل لشيء من أوصاف المكلف في ترتب آثارها عليها ، ولعله كأخصّية الإجزاء من الصحة مما لا خفاء فيه ، ولذا لم نقيد به الأمر في عنوان النزاع.

(الأمر الثالث) : قد عرفت مما قدمناه أن النزاع إنما هو في الأمر الظاهري الذي لا خفاء في اقتضائه الإجزاء ، بمعنى سقوط إتيان متعلقه المأتي به على وفقه ثانيا في الوقت أو في خارجه ، ولا مجال لإنكاره. فالنزاع فيه إنما هو في اقتضائه الإجزاء ، بمعنى سقوط فعل المأمور به الواقعي في مورده مطلقا وإن لم يتحد معه كمّا وكيفا.

وبعبارة أخرى : النزاع فيه إنما هو في أنه هل يقتضي ويدل ـ ولو بلحاظ دليل اعتباره ـ على أن متعلقه المأتي به على وفقه وحسبه بدل عما هو المأمور به في الواقع ومسقط لأمره أيضا وإن لم يوافقه كمّا وكيفا كما هو القول الأول ، أو لا يدل عليه كذلك كما هو القول الثاني الموافق للأصل العملي : فموضوع النزاع هو الأمر والبحث عن حاله ، وقد قلنا بأنه للطبيعة أو المرة أو التكرار ، ولا اختصاص له بشيء من هذه الثلاثة. نعم بين النزاعين فرق ستأتي الإشارة إليه.

فظهر مما ذكرنا فيه أمور :

منها : أن هذه المسألة لفظية لا عقلية وإن كان بعض أدلتها الآتية عقليا ، لإمكان أن يكون الغرض من التمسك به هو التأييد والإشارة إلى توافق الدليلين فيها كما هو غير عزيز من المهرة. مع أن الاستناد في تعينها إلى أدلتها كالاستناد في تعينها إلى عنوانها الذي هو بيان الفقيه أو الأصولي ، وليس بدليل. ولا يدل على دليليته دليل أيضا خال عن وجه الصحة ، بل الضابط في

٨٤

تعينها بمصب النزاع وموضوع البحث الذي يمكن استظهاره من دليل المسألة ، لكنه غير الاستناد في تعينها إليه كما لا يخفى.

ومنها : أن المراد من الاقتضاء المأخوذ في عنوان النزاع هو الدلالة التي ستأتي إلى تعينها الإشارة ، فحمله على السبب والعلة الذي لا يساعده ظاهر اللفظ ولا قرينة عليه أيضا مما لا وجه له جدا.

ومنها : الفرق بين النزاع في هذه الفائدة والنزاع في أن الأمر هل هو للطبيعة أو التكرار أو المرة ، فان الأول إنما هو في اقتضاء الأمر ودلالته لا في تعيين متعلقه وتشخيصه كالثاني. ومن زعم أن المسألة عقلية فرّق بينهما بأن الثاني إنما هو في تعيين مدلوله وتشخيصه وأنه ما ذا ، لا فيه بعد تعيينه وتشخيصه كالأول ، مع أنه مستلزم لأن لا تكون المسألة عقلية ولا لفظية كما لا يخفى.

ويرد عليه إشكال آخر ستأتي إليه الإشارة.

ثم الثمرة بين القول بالإجزاء وعدمه ظاهرة ، للزوم الإتيان بالمأمور به الواقعي في الوقت أو في خارجه على الثاني إلا فيما قام الدليل على خلافه كما في الصلاة مع الطهارة المستصحبة أو في الوقت الثابت بالبينة ، مع انكشاف خلافهما على القول به وعدمه على الأول إلا فيما قام الدليل على خلافه كما في بعض موارد الجهل أو النسيان على القول به. وحينئذ فلا بد لمن زعم أن المسألة عقلية من التزام التخصيص في الموردين ، مع أنه مما لا طريق له في مجال العقل وحكمه.

ومنه ظهر الإشكال الموعود ، اللهم إلا أن يقال : بأن حكم العقل بالإجزاء أو بعدمه ـ كحكمه بالعقاب في ارتكاب بعض الشبهات ـ معلق على عدم ثبوت خلافه من الشارع. لكن هذا يحتاج إلى دليل مفقود في المقيس لا في المقيس

٨٥

عليه ، فتبصر.

(الأمر الرابع) : الدلالة اللفظية إما مطابقة أو تضمن أو التزام ، والأخيرة إما لفظية وإما عقلية لا ثالث لهما ، لأن اللازم الخارج عن الموضوع له إما مستفاد من اللفظ أو مستفاد من العقل ، فعلى الأول فالدلالة لفظية ، وعلى الثاني فالدلالة عقلية. والأولى إما بيّن بالمعنى الأخص أو بيّن بالمعنى الأعم ، لأن ما يستفاد من اللفظ إما أن يكون مرادا للمتكلم بذلك اللفظ بحيث يلزم تصوره عند سماعه من دون حاجة إلى العقل وحكمه به ، وإما أن يكون مراد المتكلم بحكم العقل ، بمعنى أنه بعد التأمل في الطرفين اللازم والملزوم والنسبة بينهما يحكم بأن اللازم مراد المتكلم بذلك اللفظ ، فعلى الأول فالأول وعلى الثاني فالثاني.

ومنه ظهر أن الثانية ـ وهي الدلالة الالتزامية العقلية ـ هي التي يكون اللازم ومراديته معا مستفادا من العقل تبع خطاب الشرع ، وهي معتبرة مطلقا ، كان المستفاد من أحكام الطلب كوجوب المقدمة أو من أحكام الوضع كأقل الحمل المستفاد من الآيتين كان المتكلم ممن يلتفت إلى اللوازم أو لا. فالقول باعتبارها فيما إذا كان المتكلم من الأول دون الثاني كما في الضوابط لا وجه له ، لأن الدلالة واعتبارها مما لا ينوط بالتفات المتكلم ولا دليل عليه كما لا يخفى.

وقد يذكر للاستلزام العقلي معنى آخر ، لكنه لا يخلو عن المناقشة كما أشار إليها في القوانين المحكمة ، والمراد ببقاء الاقتضاء المأخوذ في عنوان النزاع الدلالة الالتزامية اللفظية وقد ظهر وجهه مما مر ، فتبصر.

(الأمر الخامس) : الإجزاء في اللغة بمعنى الكفاية ، وفي الاصطلاح قد يراد

٨٦

منه موافقة الأمر وحصول الامتثال في الجملة مع قطع النظر عن سقوط القضاء والإعادة ، وقد يراد منه سقوط الفعل ثانيا أعم من القضاء والإعادة.

ودلالة الأمر على الإجزاء بالمعنى الأول واقتضاؤه له مما لا خلاف فيه ، كما صرح به جماعة ، وإنما هو في دلالته عليه بالمعنى الثاني. فتفسيره في الاصطلاح بكون الفعل مسقط للتعبد به أو بإسقاط القضاء ، مما لا يخلو بظاهره عن المناقشة ، لظهور الأول بإطلاقه في سقوط التعبد به مطلقا قضاء كان أو إعادة ، كالنافي بظهور لفظ القضاء في معناه الاصطلاحي ، وهو إتيان المأمور به في خارج وقته الغير المراد منه فيه قطعا في إسقاط القضاء فقط إلا هو مع الإعادة أيضا ، مع أن شيئا منهما لا ينطبق على ما مرت الإشارة إليه وموهم لخلافه جدا.

والقول بأن ما يسقط القضاء يستلزم لسقوط الإعادة ، لا انفكاك بينهما ، وحينئذ فلا مجال للمناقشة. خال عن وجه الصحة ، لانفكاكهما وعدم الملازمة بينهما ، كما في ناسي القصر أو النجاسة على القول بالتفصيل بين أن يكون التذكر في الوقت أو في خارجه : بلزوم الإتيان بالفعل ثانيا في الوقت أو في خارجه على الأول وعدمه على الثاني ، أو بين أن يكون الناسي سببا للنسيان وعدمه بلزوم الإتيان بالفعل ثانيا في الوقت أو في خارجه على الأول وعدمه على الثاني كما عن العلامة قدس‌سره في المختلف.

مضافا إلى أن التفسير الثاني ـ وهو إسقاط القضاء ـ يدل بمفهومه لما مرّ ، على أن عدم الإجزاء عبارة عما لا يسقط القضاء فقط وإن أسقط الإعادة. مع أنه فاسد ، لأن ما لا يسقط القضاء لا يسقط الإعادة بطريق أولى.

وقد أشار إلى ما ذكرنا بعض الفحول وأجاب عنه الفصول بما لا يخلو عن

٨٧

الذهول ، قال بعد الإشارة إلى تفسيري الإجزاء بما هذا لفظه : واعترض بعض المتأخرين على من حدّه بالمعنى الأول بأنه يوهم خلاف المقصود ، إذ بظاهره يدل على إرادة إسقاط القضاء فقط ، فيكون الفعل الغير المجزي ما لا يسقط القضاء فقط وإن أسقط الإعادة. وهو فاسد ، لأن ما لا يسقط القضاء لا يسقط الإعادة بطريق أولى.

هذا محصّل كلامه ، وهو عند التأمل مما لا محصل له. وفيه ما لا يخفى ، لأنه ـ مضافا إلى أن المحصل المزبور ليس ما أراده بعض الفحول من إشكال الإيهام ولا ربط بينهما ولا خفاء في ما بينهما من المغايرة تظهر بما تقدمت الإشارة إليه ـ إن رجع إلى منع ظهور لفظ القضاء فيه في المعنى المشار إليه فممنوع لا مجال لإنكاره ، وإن رجع إلى أن الإشكال مع ظهور المراد من لفظ القضاء فيه مما لا وجه له. ففيه أن ظهور المراد منه من الخارج لا يمنع من الإشكال الذي يتعلق باللفظ غالبا. وكيف كان قال بعده بما هذا لفظه أيضا : وزعم أيضا أن ما يسقط القضاء قد لا يسقط الإعادة ، كناسي القصر إذا تذكر بعد خروج الوقت ، وكذا ناسي النجاسة على القول بالتفصيل بين المقامين.

أقول : بناء على التفصيل إن لم يتذكر في الوقت سقط عنه الإعادة والقضاء وإلا لم يسقطا عنه بل وجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه على تقدير عدم الإتيان بها ، كما هو الشأن في كل مقام يجب فيه القضاء ، فلا يثبت الانفكاك بينهما في السقوط.

نعم يجوز الانفكاك من الجانبين عقلا ، إلا أنه غير واقع شرعا إلا فيما مر. وحيث يتعذر فيه الإعادة كالصوم المعين لكن لا إسقاط فيه حقيقة.

وفيه أيضا ما لا يخفى ، لمنع سقوط القضاء على الأول أولا ، ولو سلّم فهو

٨٨

لدليل خارجي لا للملازمة المتوهمة ثانيا ، وجواز انفكاكهما ولو عقلا كما اعترف به كاف في منع التلازم ثالثا ، مع أن سقوط الإعادة على الأول إنما هو لتعذرها كما لا يخفى رابعا ، فما أفاده من الكلامين مما لا فائدة له جدا.

وورود المناقشتين على التفسيرين المختصة ثانيتهما بالثاني مما لا مجال لإنكاره. اللهم إلا أن يرجع أولهما إلى ما ذكرناه أولا وثانيهما إلى ما ذكرناه ثانيا ، ويقال : إن المراد من التفسير الأول هو الأول ومن الثاني هو الثاني كما صنعه المحقق القمي قدس‌سره ، ولا بأس به ظاهرا.

والظاهر أن المراد بكونه مسقطا للقضاء هو ما لو فرض له قضاء ، بمعنى إسقاطه على تقدير ثبوته ، لا أن له قضاء إلا أنه أسقطه. فلا يرد على عكسه نقض بصلاة العيد إذا كانت صحيحة ولا بالنذر المطلق ولا بالقضاء نفسه ، حيث إنه لا قضاء لهذه الثلاثة حتى يكون إجزاؤها جابرا عن إسقاطه. ولا ما يوجب القضاء مطلقا ، كان له قضاء وأسقطه أو لم يكن له قضاء في الواقع. فلا يرد على طرده نقض أيضا بصلاة العيد إذا كانت فاسدة ، حيث يصدق عليها على هذا التقدير عدم الإجزاء ، بناء على تساوي الإجزاء والصحة في العبادات مع أنها مما لا يوجب القضاء.

وكيف كان فالنسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي كالنسبة بين اللازم والملزوم لا فرق بينهما ، ولو كان فهو تعيّني لا تعييني. كما هو الغالب الموافق له الأصول.

إذا عرفت ما ذكرناه من الأمور فاعلم أن ما يمكن أن يستدل به للقول الأول أو استدل به له وجوه :

منها ما محصّله : إن ما تعلق به الأمر ليس إلا الطبيعة التي تحصل بإيجاد

٨٩

فردها مرة ، فمتى أوجدها المكلف بإيجاد فردها في الخارج يسقط الأمر جدا ، وليس بعده ما يقتضي بالإتيان به ثانيا كما لا يخفى. لكنه مسلم إن كان المراد بالساقط الأمر الظاهري وممنوع إن كان المراد به الأمر الواقعي ، لأن سقوطه من دون إيجاد متعلقه في الخارج وعدم اتحاد المأتي به معه كمّا وكيفا كما هو المفروض ، مما لا وجه له كما لا يخفى.

ومنها ما محصله : إن إتيان المأمور به على وجهه لو لم يكن موجبا لحصول الامتثال واقتضى الأمر فعله ثانيا لزم كون الأمر للتكرار ، مع أنه خلاف الفرض أو التحقيق.

وفيه : إن ما يقتضي بالإتيان ثانيا إنما هو الأمر الواقعي لا الظاهري ، والملازمة المزبورة مسلمة على الثاني لا الأول.

ومنه ظهر أن إتيان الثاني أيضا بعنوان الأصالة لا الإعادة ، والتعبير عنه بها مسامحة ليس إلا. فالقول بأن الإتيان الثاني فيما نحن فيه بعنوان الإعادة لا الأصالة كما على القول بالتكرار مما لا يخلو عن الغفلة ، فتبصر.

ومنها ما محصله : إن المكلف لو كان مأمور بالإتيان ثانيا : فإما أن يكون مأمورا بإتيان ما أتي به أولا أو بإتيان غيره ، فعلى الأول يلزم تكليف بما لا يطاق ، لعدم قدرته على إيجاده كما [لا] يخفى ، وعلى الثاني يلزم أن لا يكون ما أتى به أولا تمام المأمور به أو نفسه ، واللازم باطل ، ووجهه كالملازمة ظاهر.

وفيه : إنه مأمور بإتيان غير ما أتى به أولا ، وهو ما تعلق به الأمر الواقعي لا الظاهري. وانتفاء الملازمة الثانية مما لا خفاء فيه ، لأن ما تعلق به الأمر الواقعي مطلوب مستقل مغاير لما تعلق به الأمر الظاهري ، وليس مركبا منه

٩٠

ومن غيره جدا.

ومنه ظهر أيضا ما مرت الإشارة إليه من أن إتيان الثاني أيضا بعنوان الأصالة كما لا يخفى.

ومنها : أن إتيان المأمور به على وجهه لو لم يستلزم سقوط فعله ثانيا لم يعلم امتثال أبدا ، وهو باطل بالضرورة والاتفاق : أما الملازمة فلأن التقدير جواز أن يأتي المأمور به على وجهه ، ولا يسقط عنه بل يجب عليه أن يأتي به قضاء ، وكذلك إذا فعل القضاء.

وفيه ما لا يخفى ، لأنه إن أريد به أن إتيان ما تعلق به الأمر الظاهري على وجهه أو الواقعي كذلك مستلزم لسقوط فعله ثانيا في الوقت أو في خارجه ، فمسلّم لا نزاع فيه كما أشرنا إليه سابقا. وإن أريد به أن إتيان ما تعلق به الأول مستلزم لسقوط الثاني وما تعلق به أيضا ولو لم يتّحد معه كمّا وكيفا ، فممنوع مرّ إلى وجهه الإشارة ، فتبصر.

ومنها : أن الأمر الظاهري في مورده قائم مقام الأمر الواقعي وبدل عنه ، ومقتضاه سقوط الثاني في مورد الأول ، فعوده يحتاج إلى دليل معتبر لا خفاء في فقده. مع أن الاستصحاب وأصالة العدم وعدم الدليل في فهم العرف واللغة يقتضيه أيضا.

وفيه ما لا يخفى ، لأنه قبل انكشاف الخلاف بالمعنى الذي أشرنا إليه سابقا مسلم لا نزاع فيه ، وبعده ممنوع مر وجهه أيضا ، فتبصر.

وما ذكر من الاستصحاب وغيره مما لا فائدة فيه جدا : أما الأول فلاحتياجه إلى اليقين السابق والشك اللاحق معا ، فلو انتفى أحدهما كما هنا فلا مجال له جدا ، وذلك لأن المراد به إما استصحاب سقوط الأمر الظاهري أو

٩١

الواقعي بعد الإتيان بما تعلق به الأول على وجهه ، ولو لم يتحد مع ما تعلق به الثاني كمّا وكيفا ، أو استصحاب عدم تكليف المكلف بالواقع الأوّلي في مورد الأول وانتفاء الأمر الثاني على الأول والأول على الثاني مما لا خفاء فيه ، كما أنه على الفرض الثالث مسلّم قبل انكشاف الخلاف ، ولا نزاع فيه ، وبعده ممنوع مرّ وجهه سابقا ، فتبصر.

ومنه ظهر ما في الثاني ، وهو أصالة العدم إن رجع إليه. وإلا ـ بأن كان المراد به أصالة عدم التكليف وبقائه مطلقا ظاهريا كان أو واقعيا ـ فهو مع قيام الدليل على الثاني وبقائه كما يظهر في القول الثاني مما لا مجال له جدا.

ومنه ظهر ما في الثالث وهو عدم الدليل ، فتبصر.

وأما الرابع ـ وهو فهم العرف واللغة ـ فالوجدان على خلافه ، بل لا مجال له بناء على كون النزاع في الأمر العقلي ، فتبصر.

واستدل للقول الثاني بوجوه لا يخلو بعضها عن مناقشة :

منها ما محصله : إن إتيان المأمور به لو كان مقتضيا للإجزاء لكان إتمام الحج الفاسد موجبا لعدم لزوم إتيانه ثانيا ، وبطلان اللازم كنفس الملازمة مما لا خفاء فيه.

وفيه : منع بطلان اللازم إن كان المراد بالمرجع ـ أي مرجع الضمير في قوله «إتيانه» ـ هو الحج الفاسد ، ومنع الملازمة إن كان المراد به هو الحج الصحيح.

وإليه يرجع ما في تهذيب العلامة قدس‌سره من أنه مجز بالنسبة إلى الأمر الثاني وغير مجز بالنسبة إلى الأمر الأول.

ومنها ما محصله : لو كان إتيان المأمور به على وجهه مقتضيا للإجزاء لما وجب القضاء على من صلى بظن الطهارة بعد انكشاف خلافه ، والملازمة

٩٢

كبطلان اللازم مما لا خفاء فيه.

وفيه ما لا يخفى ، لأنه إن أريد به أن إتيان ما تعلق به الأمر الظاهري لو كان مقتضيا للإجزاء لما وجب على المصلي المزبور قضاء المأتي به وإتيانه ثانيا ، فبطلان اللازم ممنوع لا خفاء في وجهه. وإن أريد به أن إتيان ما تعلق به الأمر الظاهري لو كان مقتضيا للإجزاء لما وجب عليه قضاء ما تعلق به الأمر الواقعي وإتيانه بعد انكشاف الخلاف وظهور عدم اتحاد ما تعلقا به كمّا وكيفا ، فالملازمة المزبورة ممنوعة جدا ، ظهر وجهه سابقا. مع أنه كسابقه مما لا يرتبط بالمدعى ، بناء على ما اخترناه في بيان محل النزاع من كونه في حال الأمر ووصفه لا في فعل المكلف والمأتي به. نعم لهما وجه بناء على كون الخلاف في الأمر العقلي كما صنعه في الكفاية ، وقد عرفت سابقا فساده.

وكيف كان لا فائدة فيهما كما عرفته ، فتبصر.

ومنها ما أفاده بعض المحققين ، ومحصله : إن الخطابات الشرعية لكون الألفاظ موضوعة لمعانيها الواقعية تابعة لمتعلقاتها الواقعية ، والطرق الشرعية ـ كالاستصحاب وخبر العدل وغيرهما ـ معتبرة من حيث كونها كاشفة عنها وموصلة إليها ، فإذا عول المكلف على بعضها واستند إليها في مقام عمله وظهر أنه لم يصل إلى ما هو تكليفه واقعا ، فلازمه بقاؤه على كلفة التكليف وعدم خروجه عنها ، فيجب عليه إتيانه في الوقت أو في خارجه إن لم يأت به في وقته.

والقول بأن الواقع في موردها ليس إلا موردها. تصويب لا نقول به ولا خفاء في بطلانه.

مع أن المستفاد مما يدل على اعتبارها ليس إلا وجوب التعويل عليها

٩٣

والاستناد إليها في مقام العمل وإيجاده على طبقها. ودعوى الزائد عليه مما لا شاهد له جدا. فابقاء القول بالإجزاء على اعتبار الطرق الشرعية من باب الموضوعية لا الطريقية ، خال عن وجه الصحة ، لأنه مضافا إلى ما ظهر من فساد المبنى وعدم الانحصار يؤول في الحقيقة إلى البدلية المطلقة وإن مؤديات الطرق الظاهرية الشرعية في موردها إبدال عن الواقع الأولي مطلقا كانت متحدة معه كمّا وكيفا أو لا. ومثل هذه البدلية يحتاج ثبوتها إلى دليل معتبر قوي قد عرفت فقده سابقا.

مع أن الأمر لو كان مقتضيا للإجزاء ودالّا عليه فلا بد أن يكون بالدلالة الالتزامية التي لا بد فيها من لزوم ذهني عقلا أو عرفا ، بمعنى كون الأمر الخارج اللازم بحيث يستحيل تصور الموضوع له بدونه ، سواء كان هذا اللزوم الذهني عقليا كالبصر بالنسبة إلى العمى أو عرفيا كالجود بالنسبة إلى حاتم. وفقده هنا مما لا خفاء فيه جدا. فالأظهر هو القول الثاني كما أشرنا إليه أولا.

هذا كله مما ساعد عليه نظري لعله مما ينبغي للتصديق والتحسين ، وهو الموفق والمعين.

٩٤

فائدة

[ورود الأسباب المتعددة على مسبب واحد]

إذا وردت أسباب لم يكن بعضها ملغاة أو مؤكدة على مسبب واحد : ففي تداخلها مطلقا وعدمه مطلقا أو الأول فيما إذا كانت متفقة الحقيقة والثاني فيما إذا كانت مختلفة الحقيقة؟ أقوال ثلاثة ، أظهرها الثاني تأتي الإشارة إلى وجهه بعد ذكر أمور سبعة :

(الأمر الأول) :

إن هذا البحث تارة يعنون على وجه ينسب فيه التداخل وعدمه إلى أوامر شرعية كما في هداية المسترشدين ، وأخرى على وجه ينسب فيه التداخل وعدمه إلى شروط متعددة كما في الكفاية ، وثالثة على وجه ينسب فيه التداخل وعدمه إلى أسباب متعددة كما ذكرنا تبعا لبعض المهرة. وهو الأولى ، لأن الأول يشتمل بإطلاقه للخطابات المسببة وغيرها كالابتدائية لو لا يدعى ظهوره في الثانية التي هي خارجة عن موضوع الخلاف وستأتي الإشارة إلى وجهه. مع أن الخلاف المزبور يأتي في الخطابات العرفية ونحوها من الخطابات المسببة ، كانت بلسان الشرطية أو السببية أو غيرهما ، لوجود ما هو ملاكه من تعدد الخطاب المسبب المستلزم لتعدد الطلب الموجب لتعدد المطلوب المقتضي لتعدد الامتثال ظاهرا فيها كلها ، لا اختصاص له بالخطابات

٩٥

الشرعية فضلا عن أوامرها كما لا يخفى.

ومنه ظهر ما في الثاني ، مع أنه بظهور الشرط في غير الغاية مستلزم لخروج الخطابات الناشئة عن تعدد الغاية عن موضع الخلاف ، مع أنها داخلة فيه كما تأتي الإشارة إلى وجهه ، فافهم.

(الأمر الثاني) :

إن السبب قد يراد منه ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم كالعلة التامة ، وقد يراد منه ما يقابل الغاية ، وقد يراد منه ما يلزم من وجوده الوجود بمعنى عدم الانفكاك لو لا المانع ولا يلزم من عدمه العدم عكس الشرط ويعبر عنه بالمقتضي ، كان الاقتضاء بنفسه كالحدث بالنسبة إلى الأمر بالوضوء مثلا أو لأمر يقارنه في الوجود كالبول بالنسبة إليه مثلا ، وقد يراد منه الخطاب نفسه شرعيا كان أو غيره. والمراد منه هنا هو الأخير من باب إطلاق السبب على المسبب للإشارة إلى أن الموضوع هنا هو الخطابات المسببة خاصة ، من دون فرق فيه بين أن تكون نفسية أو غيرية أو غيرهما ، لوجود ما هو ملاك الخلاف مما مر إليه الإشارة فيها على السواء. فإخراج الثانية عن موضوعه والحكم فيها بالتداخل مدعيا عليه الإجماع كما عن هداية المسترشدين مع احتمال كونه لما ادعاه من الإجماع لا وجه له.

والقول بأن نظره إلى أن الغرض من الثانية لما كان هو التوصل إلى الغير الذي هو بمجرد حصوله في الخارج موجب لسقوطها ، فلا يكون فيها ثمرة عملية. لا يخلو عن مناقشة ، لا سيما فيما يكون الخلاف فيه في أمر عقلي كما هنا وستأتي الإشارة إلى وجهه.

وكيف كان ، الأسباب المشار إليها إما متحدة في المسبب ـ بأن يكون ثانيها

٩٦

وثالثها مثلا سببا لما يكون مسببا لأولها ـ أو مختلفة فيه ، وعلى الثاني إما أن يكون الاختلاف بالمباينة أو بالزيادة والنقيصة. والمراد منها هنا هو الأولى ، لأن عدم تداخلها في الصورة الثانية كالصورة الثالثة بالنسبة إلى الزائد عن القدر المشترك بينهما مما لا خلاف فيه. كما لا فرق هنا بين أن يكون ورودها على المسبب الواحد دفعة أو تدريجا.

(الأمر الثالث) :

ان المراد بورود الأسباب المشار إليها على المسبب المزبور هو تعلقها به ، وحينئذ فإما أن يكون تعلقها به ناشئا ومترشحا عما يصدر من المكلف كالبول والجنابة والظهار والزيارة ونحوها ، أو لا يكون كذلك كقول المولى : أكرم زيدا ونحوه. فعلى الأول تسمى بالخطابات المسببة ، وعلى الثاني تسمى بالخطابات الابتدائية. والمراد منها هنا هو الأولى لا الثانية ، وهو الوجه للتعبير عنها بالأسباب في العنوان كما مرت الإشارة إليه.

ومنه ظهر أمران :

أحدهما : الوجه الموعود في الأمر الأول ، وهو وجه خروج العامية عن موضوع الخلاف. مضافا إلى أن الخلاف فيها من حيث التأكيد والتأسيس لا في أمر عقلي كما في الأولى وستأتي إليهما الإشارة مفصلا.

وثانيهما : دخول الخطابات الناشئة عن تعدد الغاية والمسببة عنها في موضوع الخلاف كما عن الشهيد الثاني قدس‌سره ، وصرح به السيد المحقق الطباطبائي قدس‌سره. لكن بعض المهرة بعد إخراجه الغاية وتعددها عن موضوع الخلاف ـ استنادا فيه إلى أن السبب غير الغاية لتقدم الأول عن المسبب وتأخر الثانية عن المغياة ـ فصّل بين أن تكون المغياة من الأفعال

٩٧

كقول المولى : افعل للزيارة ونحوها مثلا ، وأن تكون من الأوصاف كقوله : اغسل للجنابة ونحوها مثلا. وفي الأول فرّق بين أن تكون الغاية علة أو قيدا ، وحكم في الأول بالتداخل معلّلا بأن مفاد الأمر المعلّل بالغاية حينئذ مفاد الشرطية ، فمفاد قوله : اغسل للزيارة مثلا هو اشتراطها صحة أو كمالا بالغسل.

فحينئذ يندرج في الواجبات الغيرية التي هي بمجرد وجودها في الخارج موجبة لسقوطها ، فلا يكون فيه ثمرة عملية. وفي الثاني بعدمه معللا له بأن القيد موجب لتعدد الموضوع وتكثره ، فالغسل بقصد كونه للزيارة مثلا مباين له بقصد كونه للتوبة مثلا ، فهو يخرج له عن كونه ماهية واحدة ويدخله في المتباينين لا تداخل فيهما قطعا. ولو ثبت التداخل في مورد علم بكون الغاية فيه قيدا كما في الأغسال المقيدة بالغاية ، فهو محمول على الإسقاط جدّا.

وفي الثاني ـ وهو ما إذا كانت الغاية من الأوصاف ـ حكم بأنه يرجع إلى السبب ويصير الواجب من هذه الجهة نفسيا لا غيريا ، معلّلا له بأن الواجب الغيري ما كان الغرض منه التوصل به إلى فعل آخر لا إلى شيء آخر ، وإلا لزم صيرورة الواجبات كلها غيرية ، لأن الغرض منها التوصل إلى شيء لا محالة. ولا أقل من المصلحة الباعثة على الأمر بها ، فإن جلها بل كلها علل غائية ، فالغاية إذا كانت وصفا ـ كقول المولى : اغسل للجنابة مثلا ـ فهو يرجع إلى السبب ويصير الواجب من هذه الجهة نفسيا. فمحصّل ما أفاده هنا أمور أربعة لكنها لا تخلو عن مناقشة :

أما الأول ـ وهو إخراجه الغاية وتعددها عن موضوع الخلاف ـ لما عرفته في الأمر الثاني من أن المراد بالسبب هنا ليس ما يقابل الغاية بل هو الخطاب المسبب والناشئ عما يصدر من المكلف فعلا كان كالزيارة ونحوها أو وصفا

٩٨

كالحيض والجنابة ونحوهما ، أو غيرهما كالظهار ونحوه. فالغاية وتعددها مما ينشأ منه الخطاب وينبعث منه التكليف ، فلا وجه لإخراج الغاية وتعددها عن موضوع الخلاف جدا.

وأما الثاني ـ وهو ما أفاده فيما إذا كانت الغاية علة ـ فلما مرّ فيه أيضا من أنه لا فرق في الخلاف المزبور بين أن يكون الخطاب المسبب نفسيا أو غيريا أو غيرهما كما مرت الإشارة فيه إلى وجهه أيضا.

وأما الثالث ـ وهو ما أفاده فيما إذا كانت الغاية قيدا ـ فلعلّ وجهه قياس الواحد الجنسي بالواحد الشخصي في عدم قابليته للتكرار ، فلا بد من تقييده الموجب لتعدده المستلزم لاندراجه حينئذ في المتباينين لا تداخل فيهما جدا. لكنه فاسد يظهر وجهه بما لا مزيد عليه في بيان دليل المختار ، فانتظر.

وأما الرابع ـ وهو ما أفاده فيما إذا كانت الغاية وصفا ـ فلأن الحكم بصيرورة الواجب فيما يكون الغاية فيه من الأوصاف مستلزم لدخول الغاية وتعددها حينئذ في موضوع الخلاف ، مع أنه لا يجتمع مع حكمه أولا بخروجها عنه مطلقا كما لا يخفى ، فاغتنم.

(الأمر الرابع) :

إن السبب الواحد إما قابل للتكرار ويعبر عنه بالكلي وبالواحد الجنسي أيضا ، أو غير قابل له ويعبر عنه بالجزئي وبالواحد الشخصي أيضا. والمراد منه في هذا الخلاف هو الأول لا الثاني ، لامتناع ورود الأسباب المشار إليها سابقا عليه عقلا ، لأن قابلية المحل له من الشروط العقلية ، ومع فقدها كما في الثاني يستحيله العقل جدا ، ولذا صرح الكل بخروجه عن موضوع الخلاف وحكموا فيه بالتداخل واتفقوا فيه عليه ظاهرا ، لكنهما مما لا يخلو عن مناقشة :

٩٩

أما الأول ، وهو ما نسب إلى العقل من الاستحالة ، فلانتقاضه بما نراه بالحس والعيان من ورود الخطابات الشرعية للقصاص والارتداد والزنا والسرقة على قتل زيد مثلا ، بل ورودها العرفية كالخطابات الصادرة عن الطبيب لما يراه من أمور خفية على التبريد ونحوه مثلا ، مع أن القتل كالتبريد جزئي لا يقبل التكرار جدا.

وأما الثاني وهو ما اتفقوا عليه فيه من التداخل ، خلافه ظاهر في جواز ورود الأسباب المشار إليها على المسبب الواحد الجزئي ، وهو لا يجتمع مع ما عرفته من حكم العقل باستحالته جدا. فلا بد إما من رفع اليد عن العقل وحكمه أو التخطئة فيما صدر عن الكل. مع أنه مما لا يخلو عن القصور والغفلة جدا.

وأجيب عن الأول : تارة بما عن المحقق الثاني قدس‌سره من أن الأسباب الشرعية معرفات لا مانع من اجتماعها وورودها على المسبب الواحد الجزئي. لكنه مع الغض عما فيه مما يظهر في الأمر السابع بما لا مزيد عليه ، مما لا يندفع به الإشكال رأسا كما لا يخفى. وأخرى بما أفاده بعض المحققين قدس‌سره من أن المسبب في الموارد المزبورة متعدد كيفا. وهو كاف في اندفاع الإشكال ظاهرا ، لكنه لو تمّ فإنما يتم فيما إذا كان المسبب المزبور قابلا للتعدد كيفا ، وإلا ـ كما لعله الغالب ـ فلا مع أنه خلاف ما يتبادر من لفظ التعدد جدا.

وعن الثاني بأن مرادهم بتداخلها فيه هو تداخلها فيه في الثاني لا في أمر عقلي كما في المسبب الواحد الكلي. لكنه مما لا فائدة فيه ، لأنه إما أن يرجع إلى اشتراكها في الأثر المستلزم لكون المؤثر هو مجموعها الموجب

١٠٠