الفوائد الغرويّة

الشيخ إبراهيم المحقّق الرودسري

الفوائد الغرويّة

المؤلف:

الشيخ إبراهيم المحقّق الرودسري


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-6767-02-8
الصفحات: ١٥٦

فائدة

[اشتراط قدرة تسليم العوضين في صحة البيع]

يشترط في البيع أن يكون العوضان مقدوري التسليم ، لا خلاف فيه وفي كونه شرطا لصحته كما عن المشهور ، أو للزومه كما عن القطيفي؟ قولان ، والأول أظهر.

استدل له بوجوه لا تخلو بعضها عن مناقشة :

منها ما محصله : إن العقد مستلزم لوجوب تسليم كل من العوضين إلى صاحبه ، فلا بد أن يكون مقدورا عليه ، لأن التكليف بغير المقدور مما لا خفاء في استحالته.

وأورد عليه بما محصله : إنه إن أريد به أن العقد مستلزم لكون التسليم واجبا مطلقا غير مقيد بحصول القدرة ، فهو ممنوع لا مجال لإنكاره ، وإن أريد به أن العقد مستلزم لوجوبه المطلق ، فهو لا ينافي كونه متوقفا على حصول القدرة ، كما إذا طرأ العجز بعد العقد الذي لا خلاف فيه في الصحة المدعى عليها الإجماع أيضا.

لكنه مما لا وجه له ، لأنه مضافا إلى الفرق بين المقيس والمقيس عليه ـ لثبوت الإجماع ونحوه في الثاني دون الأول ـ أن قضية الأصل ـ أي أصالة الإطلاق في الوجوب المردد بين إطلاقه وتقييده ـ هو الأول دون الثاني.

١٢١

ودفعه بدعوى معارضته بمثله في جانب البيع ، لأن الأصل عدم اشتراطه بالشرط أيضا كما في الجواهر قدس‌سره ، أو بدعوى أن الأول مسبب عن الثاني الذي هو حاكم على الأول ومقدم عليه كما هو ظاهر المحقق الأنصاري. مما لا وجه له ، لأن الحكومة مع تسليمها إنما تتم فيما إذا لم يكن الثاني مما قام الدليل على خلافه ، وإلا كما هنا مما مرت الإشارة إليه فلا.

ومنه ظهر ما في دعوى المعارضة ولو فرض أنهما على حد سواء لا حكومة بينهما ، فتبصر.

ومنها : إن الغرض من البيع هو انتفاع كل منهما بما يصير إليه ، وهو لا يتم إلا بالتسليم ، فلا بد أن يكون مقدورا عليه.

وفيه مضافا إلى انتقاضه بما لو تجدد العجز بعد القصد المستلزم لتعذر الانتفاع مع أنه لا خلاف فيه في الصحة كما عرفته ، ومضافا إلى أن المراد بالغرض إن كان هو غرض الشارع بدعوى أن غرضه من تشريعه هو انتفاع المتبايعين فهو رجم بالغيب لا وجه له. ولو سلم فيمكن أن يكون حكمة لا يجب اطرادها كالعلة. وإن كان هو غرض المتبايعين فهو مع أنه لا يصلح أن ينتزع منه شرطية القدرة مما يختلف باختلاف المقام ، فتارة يكون هو الانتفاع وأخرى لا ، فحصره في الأول مما لا دليل عليه منع توقف مطلق الانتفاع على التسليم ، لأن حصوله بالعتق ونحوه قبله مما لا مجال لإنكاره.

وتوهم انحصار الغرض بالانتفاع الحاصل بعده ، فالحاصل قبله ليس بغرض ، مما لا وجه له. مع أن عدم صحة سلب الانتفاع عما يحصل قبله دافع له جدا.

وإليه ينظر ما أفاده المحقق الأنصاري قدس‌سره بما هذا لفظه : ويضعّفه

١٢٢

منع توقف مطلق الانتفاع على التسليم ، بل منع عدم كون الغرض منه إلا الانتفاع بعد التسليم لا الانتفاع المطلق ، فتوهم أنه لا وجه لإضرابه ـ لأنه عين ما ذكره أولا ـ لا تخلو عن الغفلة.

ومنها : إن بذل الثمن على غير المقدور سفه ، فيكون ممنوعا وأكله أكلا بالباطل.

واعترض عليه المحقق الأنصاري تبعا للجواهر قدس‌سره بما هذا لفظه : وفيه أن بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها ، بل تركه اعتذارا بعدم العلم بحصول الغرض سفه ، فافهم.

وفيه : مضافا إلى أخصّيته عن المدعى ـ وهو اشتراط صحة البيع بالقدرة كان المبذول أقل مما قابله أو أكثر منه أو مساويا له ـ أن إقدام العقلاء على الفعل السفهي بالدواعي النفسانية لا توجب خروجه عن السفهية ، غاية الأمر كونه مما اجتمعت فيه الجهة السفهية والجهة العقلائية ، والأولى كافية في فساده وبطلانه ولا يتوقف على كونه سفهيا من جميع الجهات. ولعله إلى ما ذكر أشار بقوله «فافهم».

ومنها : قوله «لا تبع ما ليس عندك». ويقرب تارة بما محصله : إن لفظة «عندك» ليس كناية عن الحضور ولا عن الملك ، لصحة بيع الغائب والفضولي ونحوهما لا مجال لإنكاره ، فتعين أن تكون كناية عن القدرة ، فكأنه قال : لا تبع ما لا تقدر على تسليمه ، ومقتضاه فساد بيعه وهو المطلوب. وأخرى بما مهذبه : إن لفظة «عندك» إما كناية عن الحضور أو عن الملك أو عن القدرة أو عن السلطنة التامة الفعلية المتوقفة على الملك مع كونه تحت اليد حتى كأنه عنده عرفا وإن كان غائبا. لا وجه للأول ، لصحة بيع

١٢٣

الغالب والسلف إجماعا ، ولا الثاني لأن مناسبه ذكر اللام لا لفظة «عندك» الآبية عنه ظاهرا ، ولا الثالث لدلالته حينئذ بمفهومه على صحة بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم شراؤها من مالكها ، لا سيما إذا كان وكيلا عنه في بيعه ولو من نفسه ، لحصول السلطنة والقدرة على التسليم هنا ، مع أنه مورده عند الفقهاء وتمسكوا به على فساده واتفقوا عليه لا مجال لإنكاره ، فتعين الأخير. فكأنه قال : لا تبع ما ليس لك عليه سلطنة تامة فعلية عرفية ، ومقتضاه فساد بيع ما ليس كذلك ، سواء لم يكن ملكا لبائعه أو كان ولم يكن له عليه سلطنة تامة فعلية ، وهو المطلوب.

والفرق بينهما أن الاستدلال على الأول متوقف على الأمور الثلاثة وعلى الثاني على الأمور الأربعة أولا ، وأنه مستلزم لبطلان البيع الفضولي الموجب لتخصيصه بما يدل على صحته أو حمله على فساده للبائع بمعنى عدم وقوعه له لو أراده على الثاني دون الأول ثانيا. لكنه مما لا فائدة فيه لوجوه :

الأول : إنه معارض بقوله : «لا بأس ببيع ما ليس عندك» المستلزم لعدم جواز الاستناد إليه. والجمع بينهما بتقديم نص كل منهما على ظاهر الآخر المستلزم لحمل الثاني على الكلي والأول على الجزئي ، لا يجدي لما نحن بصدده من لزوم كون المبيع مقدورا عليه.

الثاني : إن تعذر حمله على ما ذكر لا يوجب حمله على ما ذكر ، لجواز حمله وقصره على مورده المشار إليه المعهود المتعارف في الأزمنة السابقة. ودعوى أن قصره على مورده مع جواز إرادة الأعم منه ومن غير المقدور عليه لعدم المانع منه. مما يفتقر إلى شاهد ، وليس في الأخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد عليه كما أفاده المحقق الأنصاري المشار إليه في الجواهر

١٢٤

أيضا. مما لا وجه له ، لأنه مضافا إلى أن التعارف نفسه قرينة عليه وكاف في الشهادة ، مستلزم لاستعمال النهي في معنييه الإرشادي والشرعي ، لأن المقصود بالنهي عن بيع مال الغير هو لغوية الصيغة والعقد وعدم ترتب الأثر عليه ، وبالنهي عن بيع المملوك الغير المقدور عليه هو حرمة ترتيب الأثر وإن استلزمت فساده تبعا ، مع أنه كما تبين في محله لا يجوز مطلقا.

هذا إذا أريد بالأعم الجامع بينهما لا نفسهما ، وإلا فهو مستلزم لاستعمال لفظ الموصول أيضا في المعنيين ، مع أنه كالأول فاسد لا مجال لإنكاره.

الثالث : إن المراد من الخبر بعد صرفه عن ظاهره ، يدور بين أمور لا مرجح لأحدها ، فيكون مجملا لا يصح الاستناد إليه.

ومنها : ما لعله العمدة ، وهو حديث الغرر المعمول به عند من تقدم وتأخر المنجبر ضعف سنده به جدا. ووجه دلالته هو أن الغرر تارة يفسر بالحظر وأخرى بالغفلة وثالثة بالخدعة ، والمراد به هنا هو الأول ، وهو عبارة عن فعل ما لا يؤمن معه من الضرر وحصوله فيما إذا كان المبيع مجهول المقدار أو الصفة أو الحصول المعبر عنه بالغير المقدور عليه مما لا مجال لإنكاره ، ومقتضاه فساد بيعه وهو المطلوب.

وتخصيصه ـ أي الفرد المنهي عنه ـ بغير الأخير ، مخالف لإطلاق كلمات الفقهاء وأهل اللغة وإنكار لما اتفقوا عليه من أخذ الجهالة في مفهوم الغرر التي نسبتها إلى ما مر على السواء لا اختصاص لها ببعضه.

ومنها : الإجماع كما صرح به المحقق الأنصاري قدس‌سره ونقله عن غير واحد من المحققين كالمبسوط وجامع المقاصد والتذكرة ، وعن الغنية أنه إنما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه تحفظا مما لا يمكن فيه ذلك

١٢٥

كالسمك في الماء والطير في الهواء ، فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف. وهو ـ لا سيما مع اعتضاده بالأمور المتقدمة ـ كاف في إثبات المرام ولا مجال لإنكاره.

ثم لا خفاء في أن المحكي عن الغنية صريح في شرطية القدرة ، فدعوى ظهورها في مانعية العجز كما عن بعض مما ينادي هو بفسادها جدا. مع أن التردد بين شرطية الشيء ومانعيته مقابله ، إنما يصح في الضدين كالفسق والعدالة ونحوهما. ولا خفاء في أن القدرة والعجز ليسا من قبيلهما ، لأن العجز أمر عدمي ، حيث إنه عدم القدرة عمن من شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا أن يقدر ، فجعله مانعا مع أنه الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم مما لا وجه له جدا.

واستدل للقول الثاني المنسوب إلى القطيفي بوجوه :

منها : إن التسليم من مقتضيات العقد ومعلولا له ، فلا يصح أن يكون شرطا له ، لاستلزامه دورا لا خفاء في بطلانه.

لكنه ممنوع جدا ، لأن العقد علة لنقل المبيع من المالك إلى المشتري المستتبع لأدائه وتسليمه إليه ، فجعله معلولا للعقد فاسد لا خفاء فيه.

ومنها : إن إقدام المشتري على شراء غير المقدور عليه ، لا سيما مع علمه به موجب لانتفاء الغرر ورضى منه بسقوط حقه التسليم. لا خفاء فيه ، لكنه مما لا وجه له ، لأن سقوط ما ثبت اعتباره في صحة البيع تعبدا مما يحتاج إلى دليل مفقود أولا ، واستلزامه لإنشاء الغرر مبني على كون الغرر المنهي عنه بمعنى الخدعة ، وقد عرفت مما مر خلافه ثانيا. مضافا إلى أن المستفاد من حديث الغرر إما مانعية العجز أو شرطية القدرة ، ولازمه فساد البيع مع فقد

١٢٦

القدرة ، إما لوجود المانع أو لانتفاء القدرة ، ومعه لا وجه للصحة.

ومنها : إن كون القدرة شرطا لأصل الصحة المعبر عنها بالصحة الشأنية لا للّزوم المعبر عنه بالصحة الفعلية ، مستلزم لتخصيص ما دل على شرطية القدرة بالنسبة إلى البيع الفضولي والمرهون ونحوهما. مما لا إشكال في صحة الشأنية مع فقد القدرة ، فالأمر في الحقيقة دائر بين التخصيص والتخصص ، والمتعين منهما هو الثاني المستلزم لكون القدرة شرطا للّزوم لا لأصل الصحة. لكنه مما لا وجه له جدا ، لأن اعتبار القدرة فيما تعتبر فيه ـ كما إذا لم يكن المبيع في يد المشتري أو لم يكن ممن ينعتق عليه أو لم يستحق التسليم بمجرد العقد والبيع لاشتراط تأخيره إلى مدة معلومة أو لتزلزل العقد وكونه فضوليا ـ إنما هو وقت التسليم ، وليس هو إلا بعد استكمال العقد بجميع أجزائه وشرائطه التي منها في المرهون ونحوه هو الفك والإجازة المعلوم حصول القدرة بعدهما ، فالدوران المشار إليه مما لا مجال له هنا كما لا يخفى.

نعم له وجه لو اعتبرنا وجود القدرة حال العقد لا التسليم ، إلا أن التحقيق خلافه.

ثم لا فرق فيما ذكرنا من اعتبار القدرة في الصحة واشتراطها بها ، بين ما كان البائع مالكا أو وكيلا عنه في البيع والقبض معا ، فلو عجز الوكيل حينئذ عن التسليم ففي كفاية قدرة الموكل حينئذ مطلقا أو إذا رضي المالك برجوع المشتري عليه وتبانيا عليه؟ قولان ، أظهرهما الأول لا الثاني المحكي عن صاحب المصابيح قدس‌سره. لأن رضى المالك برجوع المشتري عليه مما لا مدخل له في الصحة ، لأن العمدة في إثبات شرطية القدرة كما مر هو حديث الغرر ، فمع قدرة الموكل على التسليم ينتفي الغرر ويحصل الأمن منه

١٢٧

المستلزم للصحة جدا ، مع أن اعتبار تباني الوكيل وتسليمه إنما هو لكونه بمنزلته وليس بأقوى منه جدا.

وتوهم كون الموكل بعد توكيله خارجا عن الأمر بالوفاء. مما لا وجه له ، لأنه في الحقيقة تعميم للمالك إلى الواقعي والشرعي لا تخصيص له بالأول كما لا يخفى.

ثم إن صاحب المصابيح قدس‌سره فرّع على مختاره هنا : رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي ، معللا له بأن التسليم المعتبر من العاقد غير ممكن قبل الإجارة ، وقدرة المالك إنما تؤثر لو بني العقد عليها وحصل التراضي بها حال البيع ، لأن بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الآذن مطلقا ، بل مع الشرط المذكور ، وهو غير متحقق في الفضولي ، فالقدرة قبل الإجازة لم توجد والموجودة بعدها لا تؤثر لفقد الشرط والباقي. والبناء على القدرة الواقعية باطل ، لأن الشرط هو القدرة المعلومة لا الواقعية. لكنه مما لا وجه له ، لابتنائه على كون شرط الصحة هو القدرة الموجودة حال العقد. مع أنه فاسد ، لما أشرنا إليه سابقا من أن اعتبار القدرة إنما هو عند التسليم واستحقاقه المشتري ، وهو ليس إلا بعد استكمال العقد بجميع أجزائه وشرائطه التي منها الإجازة هنا ، فالقدرة الموجودة بعد الإجازة مؤثرة وموجبة للصحة ، وكان الشرط هو القدرة الواقعية أو المعلومة ، ولا مجال لإنكاره.

ثم إنه قدس‌سره بعد التفريع اعترض على نفسه وأجاب عنه بوجهين بما هذا لفظه :

لا يقال : إنه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك وأنه لا يخرج عن رأيه ، فيتحقق له بذلك القدرة على التسليم حال العقد ، لأن هذا الفرض يخرج

١٢٨

الفضولي عن كونه فضوليا لمصاحبة الإذن للبيع ، غاية الأمر حصوله بالفحوى وشاهد الحال ، وهما من أنواع الإذن ، فلا تكون فضوليا ، ولا تتوقف صحته على الإجازة. ولو سلمنا بقاءه على الصفة فمعلوم أن القائلين بصحة الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض ، لكنه مما لا وجه له أيضا.

أما الاعتراض : ففيه ـ مضافا إلى ابتنائه على أن يكون اعتبار القدرة حال العقد لا حال التسليم وقد عرفت خلافه ـ أن اعتقاد الفضولي وحصول الوثوق له بإرضاء المالك وعدم خروجه عن رأيه مع إمكان خطائه وكونه شبه تعليق للعقد المستلزم لبطلانه ، مما لا يوجب قدرته على التسليم لتوقفه على الملازمة المفقودة هنا كما لا يخفى.

وأما الجواب الأول : فلما في بحث الفضولي من أن رضاء المالك واقعا وباطنا والعلم به أيضا من دون إذنه أو توكيله في البيع أو الشراء ، ليس مخرجا للفضولي عن وصفه بل هو أحدهما المفروض فقده هنا.

وأما الجواب الثاني : فلأن مراد الأصحاب وحكمهم بصحة الفضولي مطلقا هو صحته من حيث كونه فضوليا صادرا من دون إذن سابق أو وكالة سابقة ، بمعنى أنه مع قطع النظر عن جهة خارجية ـ ككون الفضولي صغيرا أو نحوه مما لا اعتبار بفعله وقوله شرعا أو العقد فاقدا لبعض ما يعتبر فيه أو مقترنا بوجود مانع منه مثلا ، وهو لا ينافي بطلانه من هذه الجهة. نعم لو كانت جهة الفضولية ملازمة لانتفاء شرط أو وجود مانع مثلا كان الحكم بصحة الفضولي من حيث هو هو باطلا ، لأن تغاير الجهة المصححة والمبطلة وتعددهما يجدي مع فقد الملازمة بينهما وإلا فلا كما لا يخفى. لكن الظاهر

١٢٩

فقدها هنا ، لأن الفضولي على قسمين : قسم يجعل فيه هذا الشرط ، وقسم لا يجعل هو فيه كما هو مفروض كلامه. فحكمهم بالصحة وعدم قصرهم له بالصورة المفروضة مما لا شاهد فيه لما أفاده قدس‌سره ولا ينهض بإثباته.

ولعل إلى ما ذكرنا أشار المحقق الأنصاري بما هذا لفظه : وفيما ذكره من مبنى مسألة الفضولي ثم في تفريع الفضولي ثم في الاعتراض الذي ذكره ثم في الجواب عنه أولا وثانيا تأمل بل نظر ، فتدبر.

ثم إن الشرط تارة يكون واقعيا وأخرى يكون علميا ، ويعبر عن الأول تارة بما لا يكون لاعتقاد المكلف علما أو ظنا مدخلا في وجوده أو عدمه ، وأخرى بما له واقع مع قطع النظر عن وصف المكلف واعتقاده ، وثالثة بما تكون العبرة فيه وجودا وعدما بنفس الواقع والكل بمعنى الطهارة الحدثية بالنسبة إلى المشروط بها ، ويعبر عن الثاني بما يكون لاعتقاد المكلف مطلقا مدخلا في وجوده وعدمه ، وأخرى بما لا واقع له مع قطع النظر عن وصف المكلف واعتقاده ، وثالثة بما تكون العبرة في وجوده أو عدمه بوصف المكلف واعتقاده بحيث يكون هو الشرط ليس إلا والكل بمعنى ، كعدالة الإمام بالنسبة إلى صحة الاقتداء ونحوها.

وفي كون شرط القدرة من قبيل الأول أو الثاني؟ قولان ، أظهرهما الثاني ، لأن ما يمكن أن يستدل به للأول أمران : أحدهما : أن القدرة من الأمور الواقعية التي يتطرق إليها الجهل والخطأ ، ولا دخل لوصف المكلف واعتقاده فيها مطلقا. وما هذا شأنه لا يكون إلا من قبيل الأول.

وثانيهما : ما يعبر عنه بالأصل والقاعدة ، وهو أن الألفاظ موضوعة لمعانيها الواقعية ، ومقتضاه أن يكون الشرط المستفاد من اللفظ كما هنا من

١٣٠

قبيل الأول.

لكنهما مما لا ينهض بإثباته : أما الأول : فلأن شرط صحة البيع في الحقيقة ـ كما عرفته من حديث الغرر ـ هو انتفاؤه لا القدرة ويعبر عنه بها إنما هو لما بينهما دائما أو غالبا من الملازمة ، وقد عرفت أن الغرر عبارة عما لا يؤمن معه من الضرر الذي هو عبارة أخرى من محتمل الضرر ، وهو من الأمور الوجدانية التي لاعتقاد المكلف مدخل في وجودها وعدمها ولا يتطرق إليها الجهل والخطأ. فما هو شرط في الحقيقة ليس مما يتطرق إليه الجهل والخطأ ، وما يتطرق إليها ليس بشرط في الحقيقة ، وما هذا شأنه لا يكون إلا من قبيل الثاني.

وتوهم أن العبرة في صدق الغرر إنما هو جنس الغرر الذي هو مما يتطرق إليه الجهل ولا أثر لاعتقاد المكلف في وجوده وعدمه ، ومقتضاه أن يكون الشرط من قبيل الأول. مما لا وجه له ، لأن العبرة في صدق الغرر وعدمه إنما هو بالأمن من الضرر وعدمه ، وهما من الأمور الوجدانية التي يكون لاعتقاد المكلف مدخل فيها ، ولا يتطرق إليها الجهل والخطأ كما لا يخفى.

ومما ذكرنا يظهر الجواب عن الأمر الثاني ، فتبصر.

وقد يستدل للقول الثاني بما عن بعض : من أن الأصحاب اتفقوا على أن انقطاع المسلّم فيه في بيع السلم وعدم وجوده عند الأجل مما لا يوجب فساده ، وهذا منهم يدل على أن شرط القدرة ليس من الشروط الواقعية وإلا لما اتفقوا على أصل الصحة ، لأن المشروط عدم عند عدم شرطه. وتوهم خروجه بالنص والإجماع المتوقف على وجوده خصوصية فيه دون غيره المعلومة فقدها ، بعيد جدا.

١٣١

مع أن المتعين في دوران الأمر بين تطبيق المعنى على القاعدة أو خلافها هو الأول ، لاستلزام الثاني التخصيص الذي لا يستلزمه الأول. لكنه مما لا وجه له ، لأن الأصحاب كما في العناوين وغيره اشترطوا في السلم أن يكون المسلم فيه عام الوجود من رأس الأجل ، حتى يحصل الوثوق بوجوده وظهوره في كون الشرط فيه واقعيا لا علميا ، مما لا مجال لإنكاره. واحتمال وجود خصوصية فيه ولو عند الشارع كاف في تحصيله ، مع أنه مع قيام الدليل عليه وصلاحيته له مما لا بعد فيه جدا.

والتطبيق المزبور مما يختلف باختلاف الموارد ، فيصح في بعضها كما إذا كان النص ضعيفا دون أخرى كما إذا كان النص قويا. ضعيفة هنا أو مطلقا مما يفتقر إلى دليل جدا.

فالتحقيق أن كل مورد كان الشرط فيه مما يتطرق إليه الجهل والخطأ ولا ينوط وجودا أو عدما بوصف المكلف واعتقاده ، فهو من الشروط الواقعية.

وكل مورد كان الشرط فيه مما لا يتطرق إليه الجهل وينوط وجوده أو عدمه بوصف المكلف واعتقاده ، فهو من الشروط العلمية. وعليك بهذا الضابط مطلقا كان الشرط مستفادا من اللفظ أو من غيره.

ثم الثمرة بين القولين تظهر فيما لو باع معتقدا عجزه عن التسليم عند استحقاقه المشتري فبان خلافه ، فإنه يصح على الأول دون الثاني ، أو باع معتقدا قدرته على التسليم عند استحقاقه المشتري فبان خلافه ، فإنه يصح على الثاني دون الأول.

هذا كله ما ساعد عليه نظري ، ولعله مما ينبغي للتصديق والتحسين ، وهو الموفق والمعين.

١٣٢

فائدة

[حكم قراءة المأموم في صلاة الجماعة]

اختلف الأصحاب في حكم قراءة المأموم الغير المسبوق خلف الإمام المرضي على أقوال ، والكلام فيها تارة في الأولتين من الرباعية وأخرى في الأخيرتين منها ، وفي الأولتين تارة في الأولتين من الإخفاتية وأخرى في الأولتين من الجهرية ، فتوضيح المرام فيها في مقامات ثلاثة :

[المقام]

الأول في الأولتين من الإخفاتية

وفيهما أقوال أربعة :

أحدها : كراهة القراءة كما نسبها إلى المشهور في الروضة.

وثانيها : حرمتها المحكية عن جماعة.

وثالثها : استحبابها كما عن القاضي والمبسوط والنهاية.

ورابعها : عدم الكراهة كما في اللمعة.

والأول أظهر ، لأن الأخبار الواردة هنا طائفتان متعارضتان ، فإن إحداهما تدل بظاهرها على حرمة القراءة ، وهي كثيرة :

منها : ما رواه حسين بن بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام سأله رجل عن

١٣٣

القراءة خلف الإمام؟ فقال : لا ، إن الإمام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه ، وإنما يضمن القراءة.

ومنها : رواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبّح في نفسك.

ومنها : رواية محمد بن مسلم ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من قرأ خلف إمام يأتم به بعث على غير الفطرة.

ومنها : رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون خلف الإمام يقتدي به في الظهر والعصر يقرأ خلفه؟ قال : لا ولكن يسبح الله ويحمد ربه ويصلي على النبي وعلى أهل بيته.

وغيرها من الأخبار التي هي مثلها أو أظهر منها ولا حاجة إلى ذكرها ، المنجبر ضعفها سندا أو دلالة لو كان بالتراكم والشهرة.

وثانيتهما : تدل بظاهرها على جواز القراءة ، وهي أيضا كثيرة :

منها : صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيها الإمام؟ قال : إن قرأت فلا بأس ، وإن سكتّ فلا بأس.

ومنها : رواية إبراهيم بن علي المرافقي عن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه سئل عن القراءة خلف الإمام؟ فقال : إذا كنت خلف الإمام تولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته ، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه.

ومنها : صحيحة سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله [عليه‌السلام] : يقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ قال : لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الإمام.

١٣٤

وغيرها من الأخبار التي هي مثلها دلالة أو أظهر منها ولا حاجة إلى ذكرها ، المنجبر ضعفها سندا أو دلالة لو كان بالتراكم والشهرة.

وحينئذ فرفع تعارضهما يمكن بوجوه :

الأول : أن تحمل الأولى على الكراهة والثانية على دفع توهم وجوب القراءة ، المحكي عن جماعة من العامة المؤيد بما عن الخاصة من إطباقهم على عدم وجوب القراءة.

والثاني : أن تبقى الأولى على ظاهرها وتحمل الثانية على ما مر.

والثالث : أن تطرح الأولى وتحمل الثانية على ما مر ، ويحكم حينئذ باستحباب القراءة لأقربيته إلى الحقيقة المتعذرة إرادتها من المعتبرة الآمرة بها أو بعدم كراهتها المستلزم لإباحتها المتوهم بقاؤها بعد الحقيقة.

لكن لا وجه للثاني ، لشيوع استعمال صيغ النهي في الكراهة المانع عن حملها على ظاهرها مع فقد القرينة ، ولا مجال لإنكاره ولا لتاليه أيضا ، لأن الجمع بين المتعارضين دلالة مع إمكانه كما هنا مقدم على ما سواه مطلقا ، لا مجال معه لغيره جدا. مع أن الحكم بإباحة القراءة هنا خال عن وجه الصحة لا خفاء فيه ، فالمتعين منها هو الأول المستلزم للقول الأول ولا مجال لغيره كما مر ، فتبصر.

ثم إن المحقق الأنصاري قدس‌سره في رسالته الصلاتية أشار إلى ما ذكرناه من الجمع ، وأورد عليه بما هذا لفظه : ولكن هذا الجمع لا يخلو عن إشكال ، لأن هذه الأخبار ضعيفة سندا ودلالة ، لقوة احتمال إرادة الركعتين من مورد السؤال في الصحيحة الأخيرة ، فيكون المراد في الجواب نفي البأس عن السكوت عن القراءة والإتيان بالتسبيح. واحتمل هذا في

١٣٥

الصحيحة الأولى بقرينة قوله : وهو لا يعلم أن الإمام يقرأ مع أن ظهور «لا ينبغي» في الكراهة ليس بأجلى من ظهور النواهي الكثيرة في التحريم. وأما رواية المرافقي فهي ضعيفة مع احتمالها للاحتمال السابق ولأن يراد من قوله «فيما يخافت فيه الجهر» على وجه لا يسمعه المأموم.

أقول : محصله أن أولوية الجمع بين المتعارضين وتقدمه على ما سواه إنما هو مع تكافئهما في السند والدلالة معا ، وإلا لفقد الأول أو الثاني أو هما معا ـ كما فيما نحن فيه لاحتمال أن يكون مراد السائل من الركعتين في رواية علي بن يقطين وسليمان بن خالد هو الأخيرتين من الرباعية لا الأولتين منها كما هو محتمل في رواية المرافقي أيضا ، لا سيما مع كون المراد من قوله عليه‌السلام «مما يخافت فيه الجهر» على وجه لا يسمعه المأموم الذي لا خلاف حينئذ في جواز القراءة ، فهو مما لا وجه له. لكنه مع أن الاحتمال المشار إليه مما يأباه ظاهر السؤال كما يظهر بالتأمل ، وإن ما زعمه قرينة لا يناسب قوله عليه‌السلام في الجواب «يكله إلى الإمام» الظاهر في القراءة المتعينة ، وإن ما احتمله أخيرا في رواية المرافقي خلاف ظاهرها. مندفع بما مرت إليه الإشارة من انجبار ضعفها بالتراكم والشهرة ، وحينئذ فلا محيص عن الجمع بما تقدمت الإشارة إليه ، فتبصر.

الثاني : في الأولتين من الجهرية والمأموم فيهما : إما يسمع القراءة نفسها ، وإما يسمع مجرد الصوت دونها ، وإما لا يسمع شيئا منهما. أما الأول ففيه قولان : أحدهما كراهة القراءة كما في الشرائع وغيره ، وثانيهما حرمة القراءة المحكية في الجواهر عن غير واحد من المحققين. والأول أظهر لأن الأخبار الواردة هنا أيضا طائفتان :

١٣٦

إحداهما تدل على جواز القراءة ، كموثقة سماعة : سألته عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول؟ فقال : إذا سمع صوته فهو يجزيه ، وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه. وغيرها من المعتبرة التي هي مثلها دلالة أو أظهر منها المنجبر ضعفها سندا أو دلالة لو كان بالتراكم والشهرة.

وثانيتها تدل على حرمة القراءة ، كرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله [عليه‌السلام] قال : سألته عن الصلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟

فقال : أما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه ، وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه ، فإن سمعت فانصت وإن لم تسمع فاقرأ. وغيرها من المعتبرة التي هي مثلها دلالة أو أظهر منها المنجبر ضعفها سندا أو دلالة لو كان بالتراكم والشهرة.

ومقتضى ما تقدمت الإشارة إليه في المقام الأول من لزوم الجمع مع إمكانه وتقدمه على ما سواه ، هو صرف الثانية عن ظاهرها بحملها على الكراهة المستلزم للقول الأول. وتوهم العكس أو الطرح مما لا وجه له كما عرفته في المقام الأول ولا حاجة إلى الإطالة.

وأما الثاني : ففيه أيضا قولان : أحدهما كراهة القراءة ، وثانيهما حرمة القراءة. والأول أظهر ، لأن المعتبرة الواردة هنا أيضا طائفتان : إحداهما تدل على جواز القراءة ، وهي موثقة سماعة المتقدمة وغيرها الدالة على جوازها. وثانيتهما تدل على حرمة القراءة كرواية قتيبة : إذا كنت خلف إمام يرتضى به في صلاة تجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك ، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ. وغيرها الدالة على حرمتها.

ومقتضى ما عرفته من لزوم الجمع وتقدمه على ما سواه ، هو صرف الثانية

١٣٧

عن ظاهرها بحملها على الكراهة الموجب للقول الأول ، ولا وجه لغيره كما مر.

وأما الثالث : فلا خلاف فيه في جواز القراءة ، كما ادعاه غير واحد من المحققين ، مضافا إلى بعض المعتبرة المتقدمة الآمرة بالقراءة لا مجال لإنكاره.

وفي وجوب القراءة حينئذ ـ كما نسبه في الجواهر إلى غير واحد من المحققين ـ اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن مع عموم المعتبرة الآمرة بها الظاهرة في وجوبها. لكنه مع وجود الدليل المعتبر الذي عرفته المخصص للعموم والمانع من الاقتصار ، لا سيما مع مصروفية المعتبرة الآمرة في ظاهرها بما عن الخاصة من اتفاقهم على عدم وجوب القراءة ، مما لا وجه له.

أو إباحة القراءة المنسوبة في الجواهر إلى ظاهر التلخيص والقاضي كالشرائع أيضا نظرا إلى تعينها بالإرادة بعد الحقيقة المتعذرة إرادتها من المعتبرة الآمرة بالقراءة كما هي مقتضى الأصل أيضا ، لكنه لا يخلو عن تأمل بل منع كما هو مبين في محله.

مع أن أصالة الإباحة مما لا معنى لها في إجزاء العبادة كنفسها ، فالقول بها مما لا وجه له أيضا.

أو استحبابها كما نسبه في الجواهر إلى غير واحد من المحققين قدست أسرارهم ، نظرا إلى أقربيته إلى الحقيقة المتعذرة إرادتها من المعتبرة الآمرة بالقراءة وأظهريتها من بين المعاني المجازية بعد الحقيقة المتعذرة.

أقوال ثلاثة ، والمتعين منها هو الأخير ، لا وجه لغيره كما مر.

وبما ذكرنا يظهر ما هو الصواب في الأولتين من فريضة الجهرية الثلاثية التي لا يخلو المأموم فيها أيضا عن الحالات الصلاتية ، فتبصر.

١٣٨

ثم إن ما ذكرنا كلّه إنما هو فيما إذا كان المأموم والإمام ممن أشرنا إليه في صدر الفائدة ، وإلا ـ بأن كان المأموم مسبوقا أو الإمام غير مرضى ـ فلا خلاف في وجوب القراءة على المأموم. يدل عليه مضافا إليه وإلى انتفاء القدوة في الثاني ، المعتبرة الكثيرة المذكورة في مظانها لا حاجة إلى الذكر والإطالة.

الثالث : في الأخيرتين من الرباعية جهرية كانت أو إخفاتية ، وفيه أقوال سبعة :

أحدها : التخيير مطلقا ، وهو المحكي في الحدائق وغيره عن الشيخ والمحقق والعلامة.

وثانيها : أفضلية القراءة مطلقا ، وهو المنسوب إلى الحلبي والمدارك واللمعة قدس‌سرهم.

وثالثها : أفضلية التسبيح مطلقا ، وهو المنسوب إلى ابن أبي عقيل والشيخ الحر العاملي وابن إدريس والصدوقين ، واختاره في الحدائق ونسبه إلى غير واحد من علماء البحرين أيضا.

ورابعها : التفصيل بين الإمام وغيره ، بأفضلية القراءة للأول والمساواة للثاني مطلقا مأموما كان أو منفردا ، وهو المنسوب إلى الإستبصار والبيان والشرائع والقواعد والمحكي عن المحقق الثاني والأردبيلي في شرحهما على القواعد والإرشاد أيضا.

وخامسها : أفضلية القراءة للإمام والتسبيح للمنفرد ، وهو المحكي عن الدروس والمستحسن في محكي التذكرة أيضا.

وسادسها : أفضلية القراءة للإمام والتسبيح للمأموم ، وهو المحكي عن

١٣٩

المنتهى.

وسابعها : أفضلية التسبيح للإمام إذا تيقن أن ليس معه مسبوق والقراءة له إذا تيقن دخول مسبوق أو جوازه والقراءة للمأموم والتخيير للمنفرد ، وهو المحكي عن ابن جنيد.

والأظهر ما اختاره صاحب الحدائق قدس‌سره ، لأن الأخبار الواردة هنا على أقسام ثلاثة :

الأول : ما يدل على أن القراءة والتسبيح على حد سواء لا أفضلية لأحدهما على الآخر مطلقا كان المصلي إماما أو غيره. وهو ما رواه علي بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الركعتين ما أصنع فيهما؟ قال : إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله فيهما سواء. قلت : فأي ذلك أفضل؟ قال : والله سواء ، إن شئت سبحت وإن شئت قرأت.

والثاني : ما يدل على أفضلية التسبيح مطلقا ، ومنه ما يدل على أفضليته للإمام خاصة كما يأتي ذكرهما. ولا منافاة فيهما بعد كونهما من قبيل : أكرم العلماء وأكرم [ال] عالم النحوي ، وإن جعلناهما قسما واحدا ، وهو كثير :

منها : ما رواه في الكافي عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما يجزي عن القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وتركع.

ومنها : ما رواه في المعتبر عن زرارة أيضا قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأخيرتين من الظهر؟ قال : تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك.

ومنها : ما رواه الشيخ عن محمد بن قيس قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا صلى يقرأ في الأولتين من صلاة الظهر سرا ويسبح في الأخيرتين

١٤٠