الفوائد الغرويّة

الشيخ إبراهيم المحقّق الرودسري

الفوائد الغرويّة

المؤلف:

الشيخ إبراهيم المحقّق الرودسري


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-6767-02-8
الصفحات: ١٥٦

لمذهب المصوبة لا المخطئة ـ كما في المعالم ـ خال عن وجه الصحة ، فافهم.

ثم إن السيد المحقق القزويني أجاب عن الإشكال في حاشيته على القوانين بما محصّله : إن الأحكام تلاحظ تارة من حيث كونها واقعية وأخرى من حيث كونها واجبة العمل ، والفقه عبارة عن العلم بها من الجهة الثانية لا الأولى ، وقطعيتها من الجهة الثانية لا تنافي ظنيتها من الجهة الأولى. وإليه يرجع ظاهرا ما قيل في المقام من أن المراد بالعلم هنا هو وجوب العمل أو مدلول الدليل ، فإرجاعه إلى الجواب الأول كما في القوانين لا وجه له ظاهرا.

وكيف كان فهو ـ بعد الغض عما فيه مما أوردناه على الجواب الأول ـ راجع إلى ما اخترناه من الجواب ، لأن الأحكام مطلقا ـ واقعية كانت أو ظاهرية ـ ما دام لم تبلغ إلى مرتبتها الفعلية الجامعة بينها لا يجب العمل بها جزما.

فظهر بما ذكرنا كله أن ما اخترناه من الجواب هو المتعين لا الأحسن كما في القوانين ، فاغتنم.

وثانيهما ما محصله : إن لفظ الأحكام بهيئته ظاهر في الكل ، فالمراد به إما البعض أو الكل ، فعلى الأول يلزم أن لا يكون التعريف مطردا ، لصدقه على من علم بعض المسائل عن الأدلة ، لكنه مبني على أمور ثلاثة :

الأول : أن يكون التجزي ممكنا لا ممتنعا.

والثاني : أن لا يكون ما استنبطه المتجزي من الحكم واجب العمل به ومتّبعا.

والثالث : أن يكون التعريف تعريفا للفقه الصحيح لا للأعمّ منه ومن الفاسد.

وعلى الثاني يلزم أن لا يكون التعريف منعكسا لخروج أكثر الفقهاء عنه لو لا كلهم.

٢١

لا يقال : لا معنى لهذا الحصر بين الكل والبعض ، لجواز كون المراد بالأحكام الجنس بحيث يصدق على الكل والبعض ، مع أنه لا جهة للتعبير عن البعض مطلقا أيضا.

لأنّا نقول : المقصود الحصر في الجميع ، وفيما يصدق على البعض أيضا ، فمآل الإشكال إلى أن الأحكام إما للاستغراق وأو للجنس الذي يصدق على الكل والبعض قليلا كان أو كثيرا ، بعد القطع بأن الحقيقة والماهية من حيث هي ليست بمراد في المقام.

ومرادنا بلزوم دخول من علم بعض المسائل عن الأدلة ، البعض مطلقا ولو كان مسألة واحدة ، باعتبار أن الجمع إذا عرّف باللام يسقط عند اعتبار الجمع ، فحينئذ يجوز إرادة الواحدة منه أيضا. وحينئذ فدفعه على الأول منحصر بمنع أحد الأمور الثلاثة المزبورة. لكن الأظهر هو منع الثالث ، لأن الغرض من التعريف غالبا هو امتياز المعرّف ـ بفتح الراء ـ عن غيره في الجملة لا مطلقا كما لا يخفى.

وأجاب عنه المحقق القمي قدس‌سره بما هذا لفظه : ويمكن دفعه على ما اخترناه أيضا بأنه لم يثبت كون ما أدركه حكما شرعيا حقيقيا ولا ظاهريا ، لأن الدليل لم يقم على ذلك فيه. انتهى.

ولا يخفى ما فيه ، لأنه بعض ما يبتني عليه الإشكال لا مما يندفع به بل ما فيما أفاده قبل هذا من قوله واستراح من جعل العلم في التعريف عبارة .. إلى آخره. لكن بناء على ما بيّنّاه في الجواب الثالث عن الإشكال الأول لا على ما زعمه قدس‌سره ومرت إليه الإشارة ، فتبصر.

ودفعه على الثاني بناء على ما اخترناه سابقا من معنى العلم ، ظاهر لا خفاء

٢٢

فيه. نعم هو متوجه لو كان المراد من العلم معناه الحقيقي أو الظن أو الاعتقاد الراجح أو الإدراك المطلق ، ولا يمكن الذب عنه إلا بإرادة الملكة منها ثانيا المستلزمة لسبك المجاز عن المجاز مع ما فيه على الثلاثة الأخيرة دون الأول.

ومن هنا ظهر وجه ما اخترناه سابقا من معنى العلم ، وظهر الفرق والفائدة بينه وبين غيره من المعاني المزبورة ، فتبصر واغتنم.

ثم إن لفظي الشرعية والفرعية صفتان للأحكام ، وفسّر الأول بما من شأنه أن يؤخذ من الشارع من حيث إنه شارع ولو بلسان العقل ، والثاني بما يتعلق بعمل المكلف بلا واسطة ، أي ما يتعلق بقوله أو فعله بلا واسطة في العروض. والمراد بالموصول فيهما ما هو المراد من الأحكام مر بيانه سابقا ، فيخرج بالأول الأحكام العقلية والعادية ونحوهما ، وبالثاني العقائد الدينية كما لا يخفى.

ثم إن الجار ـ أعني «عن أدلتها» ـ متعلق بالعلم ، فيخرج به علم الله تعالى وعلم الملائكة والأنبياء والأئمة عليهم‌السلام ، لا خفاء فيه.

والأدلة جمع الدليل ، وهو ينقسم إلى الشرعي والعقلي ، والأول إلى الكتاب والإجماع والسنة ، فالكلام هنا في أمور ثلاثة :

الأول : إن تقسيم الدليل إلى الشرعي والعقلي بلحاظ الدال أو المدلول أو الدلالة ، أو بلحاظ ما يدل على اعتباره. فيه وجوه ، والمتعين منها هو الأول ، ولا وجه لغيره من الأخر ، فتبصر.

الثاني : إن جعل الإجماع دليلا مستقلا قسيما للكتاب والسنة ـ كما هو ظاهر معاشرنا الخاصة ـ خال عن وجه الصحة ، سواء قلنا فيه بطريق القدماء أو المتأخرين. أما على الأول فلأن الحجة عندهم هو قول الإمام عليه‌السلام

٢٣

المعلوم بين الأقوال إجمالا أو تقريره كما عن الشيخ قدس‌سره أيضا لا الاتفاق نفسه. وأما على الثاني فلأن الحجة عندهم في الحقيقة هو المكشوف بالكشف الحدسي القطعي من الكتاب أو السنة لا الكاشف نفسه ، ولعله الوجه فيما عن المفيد قدس‌سره من حصره الدليل في الثلاثة : العقل والكتاب والسنة.

ويمكن التشبث للنافي عنه بما أشار إليه بعض المحققين قدس‌سره : من أنه اصطلاح من العامة ، لما رأوه من حجية الإجماع بنفسه من دون رجوعه إلى الكتاب أو السنة ، فتبعهم فيه معاشرنا الخاصة وإن كانوا مخالفين لهم في وجه اعتباره ، فتبصر.

الثالث : إن الدليل عند الأصوليين عبارة عما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري ، وعند المنطقيين جار على معنى قول مؤلّف من القضايا يلزم لذاته قولا آخر ، ويعبر بالقياس أيضا. وقيد الإمكان في الأول إشارة إلى عدم اشتراط فعلية الوصل ، فيدخل فيه دليل المغفول عنه ، والخبري لإخراج المعرّف ، والقولي الشارح. والمراد بالصحيح هو الصحيح عند المستدل ، وبالنظر هو ترتيب أمور معلومة.

لا خفاء فيما ذكر كله ، إنما الخفاء في أن الدليل عند الأصوليين أعم من المفرد والمركب ، كما قد يتوهم من إطلاقهم له على المفرد كإطلاقهم له على المركب ، أو هو مركب عندهم كما عند المنطقيين؟ فيه وجهان ، والمتعين منهما هو الثاني كما يظهر من القيود المعتبرة في تعريفهم.

وإطلاقهم له على المعرّف الأوسط إنما هو بلحاظ أنه روحه لا لأنه نفس الدليل وتمامه. كيف وإثبات المطلوب الخبري لا يمكن إلا بمقدمتين ، فإن

٢٤

الدليل من حيث إنه يتوصل به إلى ثبوت المحكوم به للمحكوم عليه لا بدّ فيه من ملزوم للمحكوم به يكون ثابتا للمحكوم عليه لينتقل منه الذهن إلى المحكوم عليه ، ويلزم من ثبوت ذلك الملزوم للمحكوم عليه ثبوت لازمه له ، فلا محيص عن الأمرين بكون أحدهما دالّا باللزوم وثانيهما دالّا على ثبوت الملزوم للمحكوم عليه. والأول هي الكبرى ، والثاني هي الصغرى ، فاعتبارهما مندرج في قولهم : بصحيح النظر.

ومنه ظهر أن الدليل مركب عند الفريقين لا يمكن أن يكون مفردا خبر «ما».

نعم بينهما فرق من وجه آخر ، وهو أن الدليل عند الفرقة الأولى يعم العلمي والظني بخلافه عند الثانية ، فإنه خاص بالبرهان ولا يعم غيره من الصناعات الأخر ، كالوجدانيات والخطابيات والشعريات والمغالطات والاستقراء والتمثيل ، إلا أن لا يعتبر قيد الاستلزام في التعريف كما عن بعض ؛ فإنه حينئذ يعمّها جزما ، فتبصر.

ثم قد وقع الاختلاف في كيفية حصول التعبد بالنتيجة ، فقيل كما عن المعتزلة : إن العلم بالنتيجة من باب الآثار المترتبة على فعل العبد ، فيكون من قبيل الأفعال التوليدية ، كحركة المفتاح عند حركة اليد ، غاية الأمر أن ذلك أثر لا تأثير ، فإطلاق الفعل عليه مجاز.

وقيل كما عن الحكماء : إنه يحصل من إفاضة المبادئ الإفاضية ، ويقولون : إن فيضان الممكنات موقوف على الاستعدادات ، وبعد حصولها يجب الإفاضة ، فيكون النظر والعلم بالمقدمتين من المقدمات لحصول العلم بالنتيجة.

٢٥

وقيل كما عن الأشاعرة : إنه من باب جري العادة ، فلا يمنع عقلا أن يتخلف العلم بالنتيجة عن العلم بالمقدمتين ، ولا استلزام بينهما ، إلا أن عادة الله تعالى جرى بإيجاد العلم بها بعد العلم بهما ، لأنه لا مؤثر عندهم في الوجود سوى الله تعالى. فلم يفرقوا بين البرهان والأمارة في جواز التخلف عقلا ، إلا أنهم يقولون بالامتناع العادي في الأول دون الثاني.

ويؤيد القول الثالث ما ورد : من أن العلم ليس بكثرة التعلم بل هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء. ومن هنا يظهر وجه اعتبار قيد الاستلزام وعدمه في التعريف ، فتبصر.

ثم لا خلاف في أن اختلاف القوم في «التفصيلية» وصفا للأدلة ، إنما هو خلاف في أنه قيد احترازي أو توضيحي ، فذهب الأكثر ـ على ما حكي عنهم ـ إلى الأول وإلا مخرج لعلم المقلد بالأحكام لكونه حاصلا من دليل إجمالي مطرد في جميع مسائله ، وهو قوله : كلما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقي.

وذهب المحقق القمي قدس‌سره ـ بعد النقض عليهم بوجود مثله للمجتهد وهو قوله : كلما أدى إليه ظني فهو حكم الله في حقي وحق مقلدي ـ إلى الثاني ، وأن علم المقلد يخرج بنفس الإضافة ، أي إضافة الأدلة إلى الأحكام المراد بها هي الأدلة المعهودة المستفادة من الإضافة.

لكن الصواب هو الأول ، لأنه مضافا إلى الفرق بين الإجمالين ، إذ التفصيل ملحوظ في علم المجتهد دون علم المقلد ، لأن قوله «هذا ما أدى إليه ظني» ناظر إلى تفاصيل الأدلة ووجوه الدلالة وجهات الترجيح في كل مسألة مسألة ، وإن عبر عنها بتلك العبارة الإجمالية ، فإنها إجمال في الصورة وتفصيل في الحقيقة. بخلاف علم المقلد ، فإنه ناش عن دليل إجمالي محض غير ملحوظ

٢٦

فيه شيء من التفصيل كما لا يخفى ، فافهم أن تعدد الدليل ووحدته إنما هو بتعدد الأوسط وحده لا بتعدد الأصغر والأكبر ووحدتهما ، ولا خفاء في أن دليل المقلد في كل واقعة ليس له إلا وسط واحد ، وهو فتوى المفتي ، فلا يتصور التعدد لدليله كما لا يخفى ، فتوهم تعدده بالنظر إلى الموارد فاسد لا خفاء فيه.

ثم إن المحقق القمي قدس‌سره أفاده في هذا المقام أمرين :

أحدهما : ما محصله : إن ما ذكره القوم من خروج علم المقلد بقيد «التفصيلية» يصح لو كان دليله الإجمالي دليلا لعلمه بالحكم ، وإلا بأن كان دليلا لجواز عمله به كالإجمالي للمجتهد فلا ، لخروج علم المقلد حينئذ بالمفهوم لا بالوصف ، فيكون توضيحيا.

وفيه ما لا يخفى ، لأن دليل المقلد على جواز عمله بالحكم الصادر من المجتهد ، هو ما يدل على وجوب رجوعه إلى العالم المجتهد وأخذ حكمه منه كما أن دليل المجتهد على جواز عمله بما استفاده عن الأدلة من الحكم هو ما يدل على اتباع وجوب عمله على طبقه ، فجعل الإجمالي المزبور دليلا لجواز العمل لا العلم بالحكم خال عن وجه الصحة ، فتبصر.

وثانيهما : أن الوصف المزبور مخرج لما دل على ثبوت التكاليف إجمالا من الأدلة الإجمالية ، فإن معرفة الأحكام بهذه الأدلة ليست بفقه جزما ، بل هو معرفتها عن الأدلة التفصيلية ، وهذا مبني على ما أفاده قدس‌سره ومرت الإشارة إليه من خروج علم المقلد بنفس الإضافة ، وهو بناء عليه ينبغي للتصديق ظاهرا ، إلا أنه خلاف ما عرفته من الصواب الذي مر بيانه ، فتبصر.

ثم لا خفاء في أن موضوع الفقه عمل المكلف وما يصدر منه مطلقا ، قولا

٢٧

كان أو فعلا ، وثمرته هو معرفة المكلف بكيفية عمله وصفا وتكليفا.

فبما ذكرنا كله ظهر تعريف الفقه عكسا وطردا مع موضوعه وفائدته على وجه لو نظر فيه ناظر يجده موردا للتصديق والتحسين ، وهو الموفق والمعين.

***

٢٨

فائدة

[تعريف أصول الفقه والمناقشة فيه]

قولنا : أصول الفقه علم لعلمه. وله معنيان الإضافي والعلمي. وقد جرت عادة الأصوليين بتعريفه بمعنييه معا : أما الثاني فالوجه فيه ظاهر ، لأنه المقصود بالبيان ، وأما الأول فالوجه فيه إما إظهار المناسبة المصححة للنقل أو الإشارة إلى توافق المعنيين في المصداق وصحة إرادة كل منهما من اللفظ لانتفاء الهجر. وقد يقدم تعريفه بالمعنى الأول نظرا إلى تقدمه طبعا ، وقد يقدم تعريفه بالمعنى الثاني نظرا إلى أنه المقصود بالبحث أصالة ، كما أن الأمر كذلك في جميع المقامات ، فلا تغفل.

فتهذيب المرام في المقام في أمور ثلاثة :

(الأول) : في تعريفه بمعناه الإضافي

وهو يظهر بمعرفة أجزائه الثلاثة :

الأول : لفظ الأصول وهو جمع الأصل ، وهو في اللغة ما يبنى عليه الشيء ، وقد يعبر عنه بأسفل الشيء ، وفي الاصطلاح يأتي لمعان مرجعها إلى الأربعة المعروفة : الظاهر ، والاستصحاب ، والدليل ، والقاعدة.

والنسبة بين المعنيين ـ اللغوي والاصطلاحي ـ أعم مطلق ، والنقل من الكلي إلى فرده تعينا لا تعيينا ، لأصالة عدم تعدد وضع الواضع أولا ولأنه

٢٩

الغالب في مثله ثانيا ، فافهم.

الثاني : لفظ الفقه ، قد مر بيانه في الفائدة الأولى ، فلا نطيل الكلام بالإعادة.

الثالث : نفس الإضافة ـ أي إضافة الأصول إلى الفقه التي يعبر عنها بالجزء الصوري ـ وهي هنا لامية ، إذ ليس الفقه عين الأصول ولا ظرفا لها على الحقيقة ، فلا تكون بيانية ولا ظرفية ، فيدل على اختصاص المضاف بالمضاف إليه.

فظهر أن أصول الفقه بمعناه الأول إما عبارة عن مباني مختصة بالفقه إن أريد بالأصل في التركيب الإضافي معناه اللغوي أو قواعد مختصة به إن أريد به فيه الرابع من الاصطلاحية أو أدلة مختصة به إن أريد به فيه الثالث منها ، ولا وجه لإرادة غيرها ظاهرا ، لكن الأول أحسن من الثاني وهو من الثالث ، يظهر وجه ذلك في الأمر الثاني ، فانتظر.

(الثاني) : في تعريفه بمعناه العلمي

وله بهذا المعنى على ما وجدنا تعاريف أربعة :

الأول : ما عن المشهور من أنه العلم بالقوانين الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية.

والثاني : ما عن بعض الفحول من أنه العلم بالقواعد التي يستنبط منها الأحكام الشرعية الفرعية.

والثالث : ما في الضوابط من أنه العلم بأحوال أدلة الأحكام الشرعية الفرعية من حيث إنها أدلتها.

والرابع : ما في الفصول من أنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.

٣٠

وهذه التعاريف بين صحيحة وسقيمة ، فالأولان من الأولى والأخيران من الثانية.

وتوضيح الأمر بذكر ما أورد على الأولين من الإشكال والإشارة إلى دفعه وفساد الأخيرين معا بما يساعده الحال ، فنقول :

قد أورد المحقق الشريف قدس‌سره على الأول بوجوه :

منها : أنه غير مطرد ، لصدقه على القواعد الفقهية وبعض المسائل اللغوية التي يذكر في هذا العلم لأمر اعتباري مع خروجها عن المعرّف جزما.

ومنها : أنه غير منعكس ، لعدم تناوله لمسألة حجية الظن ونحوها ، لأن الظاهر من التعريف هو كون القواعد الممهدة سببا قريبا لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية ، والعلم بالمسألة المزبورة ونحوها ليس علما بما هو كذلك ، وجعل السبب أعم من القريب والبعيد يستلزم لدخول المسائل اللغوية ونحوها من الأسباب البعيدة في المعرّف كما لا يخفى.

وبما ذكر أورد الفصول قدس‌سره على التعريف الثاني المحكي عن بعض الفحول ، فتبصر.

ومنها : أن المراد بالقواعد الممهدة إما ممهدة في السابق واللاحق أو ممهدة في السابق ، وعلى الثاني فالمراد منها : إما ما مهّده كل العلماء ، أو السابقون الموجودون في صدر بناء العلم ، أو ما مهّده بعض مطلقا كان موجودا في صدر بناء العلم أولا. والأول يستلزم لدخول المسائل اللغوية ونحوها في المعرّف لو مهّدها بعض لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية ، والثاني والثالث يستلزمان لخروج أكثر المسائل الأصولية ، والرابع يستلزم لدخول ما هو ممهد سابقا في المعرّف وخروج ما يمهد لاحقا عنه. وبطلان اللوازم كنفس الملازمة ظاهر.

٣١

فقيد التعريف جزما مع أنه لا معنى لتعلّق معرفة مسائل الأصول بتمهيد العلماء لما فيه من السخافة لكنّها مدفوعة جزما : أما الأول فلأن المراد بالقواعد هي المباني الكلية المرتبطة بالأدلة المعهودة المنتمية إليها المأخوذة من البحث عن حالها المعبرة بقواعد يستنبط منها الأحكام الشرعية الفرعية ، ككون الخطابات الإنشائية ظاهرة في الوجوب أو الحرمة والنص مقدما والأظهر مقدما وأقوى الدليلين وأرجحهما مقدما والخاص مقدما على العام ومبينا له والمفهوم حجة وخبر العادل حجة والظن حجة وأمثالها من القواعد المبنية عليها الفقه التي هي مسائل لعلم أصول الفقه وحقيقته أيضا.

ولا خفاء في أن هذا المعنى لا يصدق على القواعد الفقهية ولا على المسائل اللغوية ويصدق على مسألة حجية الظن ونحوها جزما ، فلا غبار على التعريف مطلقا لا طردا ولا عكسا.

ومنه ظهر اندفاع ما أورده صاحب الفصول على التعريف المحكي عن بعض الفحول مرت الإشارة إليه ، بل يظهر اندفاع الثالث أيضا ، سواء أريد بالممهدة المعنى الأول أو غيره من المعاني الأخر ، لعدم استلزام شيء منهما بعد ما عرفته من معنى القواعد لشيء من المحذور المتوهّم الذي مرت الإشارة إليه ، مع أن القواعد العلمية كلها مؤسّسة من العلماء ومأخوذة منهم لا مجال لإنكاره. ولا أن يقال : إن المعلوم يتزايد بتزايد الأفكار.

وكيف كان لا وجه لعدوله عن تعريف المشهور إلى ما أفاده من التعريف الذي مرت الإشارة إليه ، مع أن العلم بأحوال الأدلة نفسه ليس من القواعد التي عرفت المراد منها.

كما لا وجه لما أفاده الفصول من التعريف ، لأن الأدلة موضوعات لعلم

٣٢

أصول الفقه وليست من القواعد التي عرفت أنها حقيقته وأنها مما يستنبط منها الأحكام لا الأدلة. وما ربما يقال من أنها مما يستنبط منها الأحكام ، تسامح لا خفاء فيه ، فتبصر.

فظهر بما ذكرنا كله أن ما ينبغي المصير إليه من التعاريف الأربعة هو أحد الأولين لا غير ، لكن الأحسن هو الأول لما فيه من موافقة المشهور دونه.

ثم النسبة بين المعنى الإضافي والعلمي هو الأعم المطلق أو التوافق أو التباين ، فيه وجوه ثلاثة مبنية على الوجوه الثلاثة المتقدمة في الأمر الأول التي مرت الإشارة إلى أصلها. فالأول على الأول الذي هو أعم فائدة ، لشموله مباحث الاجتهاد والتقليد والعلم بأحوال الرواة ونحوها مما لا مدخل لها في الاستنباط ولو بعيدا ، والثاني على الثاني الذي هو دون الأول في الفائدة ، والثالث على الثالث. وتوهم كونه كالثاني فاسد ، لأن الأدلة نفسها موضوع لعلم أصول الفقه لا ما يبنى عليه الفقه بل هو غيرها مما سبق ذكره.

ومما ذكرنا ظهر ما وعدناه في الأمر الأول من وجه الأحسنيّة ، فتبصر.

(الثالث) : في موضوعه

المشهور أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية.

وأورد عليه بما محصله : إنه تعريف بالأخص ، وهو كما في محله غير مائز.

ووجّه ذلك بوجهين : أحدهما أن المتداول في المباحث العلمية هو البحث عن الأمور العارضة لموضوعاتها بتوسط أمر أعم من تلك الموضوعات ، كالبحث عن وجوب الأفعال وكراهتها التي هي عارضة لموضوعاتها بتوسط طلب الشارع الذي يعم كلّا من تلك الموضوعات وغيرها. وثانيهما أن المبحوث عنه غالبا في العلوم هو الأمور العارضة لأنواع موضوع العلم أو

٣٣

لعوارضه الذاتية. ومن المعلوم أن شيئا منهما ليس عرضا ذاتيا لموضوع العلم ، لأن العارض بتوسط الأخص ـ نوعا كان أو صنفا ـ غريب اتفاقا.

وما ذكرناه من تقرير الاعتراض هو الذي أشار إليه غير واحد من المحققين ، ومنهم شارح المطالع ، قال بعد كلام له بما هذا لفظه : واعلم أن ما عرّف به المصنف من موضوع العلم ليس يتناول إلا الأعراض الأولية ، ويخرج عنه ما يعرض للشيء بتوسط أمر مساو داخل أو خارج والتعويل على ما شيدنا أركانه. انتهى.

ومنهم بعض تلامذة صاحب القوانين في حاشيته ، قال بعد كلام له بما هذا لفظه : وقد أورد بأن أكثر موضوعات المسائل إما أنواع موضوع العلم أو أعراضها الذاتية ، فلم خصصتم البحث عن عوارضه الذاتية فقط؟ انتهى المقصود من كلامه قدس‌سره.

ومنهم صاحب هداية المسترشدين ، قال بما هذا لفظه : إن تفسير الموضوع بالمعنى المزبور لا يكاد ينطبق على شيء من موضوعات العلوم للوجهين المزبورين. وعلى هذا يرد على من قرر الاعتراض المزبور ـ بما هذا لفظه : ثم إن هنا إشكالا معروفا ، وهو أن المبحوث عنه في العلوم غالبا هو الأمور اللاحقة للأنواع والأصناف ، ومن المعلوم أن العارض بتوسط الأخص غريب نوعا كان أو صنفا ـ أنه خلط بين الوجه والموجّه ، فتبصر.

وأجيب عن الوجهين بوجوه :

أحدها : ما يختص بالوجه الأول ، ومحصله : إن المعتبر في الأمر الأعم أن لا يكون أعم من موضوع العلم ، والمحمولات المفروضة ونحوها كذلك.

وفيه : إن مجرد عدم الأعمية لا يوجب كونها عوارض ذاتية مطلقا لا

٣٤

لموضوعاتها ، لأن المفروض عروضها لأمر خارج أعم ولا لموضوع العلم إذ لا يلزم أن يكون الوسط من الأمور المساوية له أبدا ، إذ قد يكون أخص منه أيضا. ومن البيّن أن العارض لأمر خارج ـ أعم كان أو أخص ـ غريب جزما.

وثانيها : ما عن الدواني وتختص بالوجه الثاني ، وهو أن ما ذكروه في طي العبارة ، وكأنهم أجملوا في المقاصد بما فصلوه في موضوعات المسائل.

وفيه : أنه خلاف الظاهر أولا وغير مناسب للمقام ثانيا.

وقد أورد عليه أيضا بأنه مستلزم لعدم تميز العلم الأدنى عن العلم الأعلى كسائر العلوم عن العلم الإلهي ، لما قد صرحوا به من أن الموضوعات في سائر العلوم من العوارض الذاتية لموضوع العلم الإلهي ، فيكون البحث عن عوارضه الذاتية المذكورة في سائر العلوم مندرجا في العلم الإلهي حسبما ذكر في التوحيد.

وفيه : منع انحصار التميز بالموضوع ، وما هو المعروف من أن تمايز العلوم بتمايز موضوعاتها وارد على الغالب ، فتبصر.

وثالثها : ما عن الدواني ، ويختص بالوجه الثاني أيضا ، وهو أنه فرق بين محمول العلم ومحمول المسألة كالفرق بين موضوع العلم وموضوع المسألة ، لأن محمول العلم هو ما ينحل إليه محمولات المسائل ، وهو المفهوم المردد بين جميع محمولات المسائل. ولا شك أنه عرض ذاتي لموضوع العلم ، وإن كان كل واحد عرضا غريبا بالنسبة إليه.

وفيه : مضافا إلى أن اللازم حينئذ أن يعرّف الموضوع بما يبحث عن عرضه الذاتي ، لأن الذاتي بناء عليه ليس إلا المفهوم المردد ، وهو عرض واحد لا متعدد ، ومضافا إلى فساد النسبة ، لأن البحث عن موضوع المسائل بحث عن

٣٥

موضوع العلم ، بخلاف البحث عن محمولات المسائل فإنه ليس بحثا عن المفهوم المردد وإثباتها ليس إثباتا له : إنه يتم لو كان الملحوظ في تلك المباحث هو القدر المشترك والمفهوم المردد بينها ، وهو لكونه اعتباريا غير ملحوظ فيها ، بل الملحوظ والمبحوث عنه في المباحث المذكورة ليس إلا أحوالها الخاصة لا المشترك والمفهوم المردد.

ورابعها : ما يعم الوجهين معا ، وهو أنهم قد تسامحوا في التعبير اتكالا على ما مر من أنه في موضوعات المسائل.

وفيه : إن التسامح في مثل المقام ـ لا سيما عن المحققين الذين بناؤهم على البيان والتوضيح ـ بعيد كله.

وخامسها : ما يعم الوجهين أيضا ، وهو ما أفاده بعض الأعلام بما هذا لفظه :

والتحقيق في دفع الإشكال أن المبحوث عنه هو الموضوع ، فإن البحث عن الشيء عبارة عن استعلام أحواله ، فمعنى البحث عن العوارض الذاتية جعلها عناوين للأبحاث ، فإن الفاعل والمفعول والمضاف إليه وغيرها إنما هي أصناف الكلمة ، وهي أعراض ذاتية ، وكذا الحال في أفعال المكلّف. انتهى.

وفيه : ما لا يخفى من المصادرة أولا ، واستلزامه لأن لا يكون موضوع أصول الفقه مثلا الأدلة المعهودة نفسها بل عوارضها مع ما فيه ثانيا ، واقتضاؤه لأن يكون موضوع المسائل عرضا لا غير ، الظاهر خلافه ثالثا.

فالمناص عن الإشكال : إما بما في هداية المسترشدين من أن الوسائط المزبورة ثبوتية لا عروضية فلا نظر للأخصية ولا الأعمية. أو بما يقال من أن غرض المشهور ليس إلا امتياز الموضوع عن غيره في الجملة ، وأنه العروض لا العارض ، وأما أن العارض لا بد أن يكون ذاتيا للموضوع نفسه ولا يبحث

٣٦

عن غيره أو يبحث عن غيره ، أيضا كالعارض لنوعه مثلا ، فليسوا في مقام بيانه.

ويدل عليه ما عن الشيخ الرئيس وغيره من المحققين المتعيّن التصديق أيضا : من أن موضوع كل علم هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية أو عن العوارض الذاتية لأنواعه أو لعوارضه الذاتية.

ويدل عليه أيضا ما أفاده شارح المطالع بما هذا لفظه : الثالث : البحث عن الأعراض الذاتية ، والمراد منه حملها إما على موضوع العلم أو أنواعه أو أعراضه الذاتية أو أنواعها ، كالناقض في علم الحساب على العدد والثلاثة والفرد وزوج الزوج ، فهي من حيث يقع البحث فيها يسمى مباحث ، ومن حيث يسأل عنها يسمى مسائل ، ومن حيث يطلب حصولها مطالب ، ومن حيث يستخرج من البراهين نتائج ، فالمسمى واحد وإن اختلفت العبارات. انتهى.

وهذا الكلام نشر على اللف كما قيل ، فالعدد موضوع لعلم الحساب والثلاثة من أنواعه والفرد من أعراضه الذاتية وزوج الزوج من أنواع عرضه الذاتي الذي هو الزوج ، فتبصر.

ويدل على ما ذكرنا أيضا ما أفاده المحقق القمي قدس‌سره بما هذا لفظه المحكي : و«مسائل العلم» هي المطالب المثبتة فيه ، وقد يكون موضوع تلك المسائل نفس موضوع العلم وقد يكون جزءه أو جزئياته أو عرضا من أعراضه أو أعراض جزئه أو جزئياته ، فالبحث عن جواز نسخ الكتاب وعدمه ونسخه بالخبر وعدمه وجواز نقل الخبر بالمعنى وعدمه ونحو ذلك بحث عن عوارض ذات الموضوع ، وما قد يذكر لمثال ذلك بقولهم «الكتاب حجة» أو

٣٧

«السنة حجة» لا يرجع إلى محصل ، إذ ذلك معنى كونه دليلا ، والمفروض أنا نتكلم بعد فرضها أدلة فهو خارج عن الفن ، وبيانه ليس من الأصول كما لا يخفى بل هو من توابع علم الكلام.

والبحث عن جواز النسخ قبل حضور وقت العمل مثلا وعدمه بحث عن عوارض العوارض الذاتية ، والبحث عن أن المحكم مقدم على المتشابه والنص على الظاهر بحث عن عوارض جزئيات الموضوع ، وكذا العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين.

وقد يعد من جملة ذلك البحث عن كون الخبر الواحد حجة والإجماع المنقول حجة أو ليس بذلك ، إذ ذاك كلام في تعيين الدليل لا في عوارض الأدلة ، فتدبر.

والبحث عن أن الأمر للوجوب وعدمه وللفور وعدمه وللمرة وعدمها بحث عن أجزاء الموضوع وهكذا فقس. انتهى.

وقال الحاكي بعده بما هذا لفظه : أقول : في الكلام لف ونشر ، فقال : الأول للأول والثاني للرابع والثالث للثالث والرابع للثاني ، بقي الخامس والسادس ، وهما البحث عن عوارض عوارض أجزائه وعن عوارض عوارض جزئي من جزئياته بلا مثال. ويمكن التمثيل للأول بالبحث عن أن الأمر إذا نسخ وجوبه بقي جوازه ، والإجزاء هل هو مسقط للعقوبة أو عبارة عن إسقاط القضاء ، وللآخر بالبحث عن جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة مثلا وعدمه ، فتدبر.

ودلالته على ما ذكرنا من تعريف الموضوع ظاهر.

ثم اختلف القوم في أن العرض الذاتي عبارة عما ليس له واسطة في العروض فقط وإن كان له واسطة في الإثبات ، أو عما ليس له واسطة في

٣٨

العروض غير مساوية لمعروضه في الصدق ، سواء لا يكون له واسطة أصلا أو كانت مساوية للمعروض ، سواء كانت داخلية أو خارجية ، أو عما لا يكون واسطته في المعروض عين الجزء أو الخارج المساوي له في الصدق ، سواء لا تكون له واسطة أصلا أو لا تكون الواسطة غير أحدهما ، من دون فرق في الجزء بين أن يكون مساويا أو أعم. على أقوال ثلاثة : اختار صاحب الفصول قدس‌سره الأول حيث فسره بما يعرض للشيء لذاته أي لا بواسطة في العروض فقط ، وبعض المحققين الثاني حيث فسره بما يعرض للشيء بما هو هو أو لأمر يساويه ، والمشهور الثالث حيث فسروه بما يعرض للشيء بما هو هو أو لجزئه أو لعرض يساويه.

فملاك الذاتية على الأول واحد ، وعلى الثاني اثنان على البدل ، وعلى الثالث ثلاثة على البدل أيضا.

والنسبة بين الأول وكل واحد من الأخيرين كالنسبة بينهما أعم مطلق لا خفاء فيه ، فالعرض الغريب على الأول أربعة ، وهو ما يعرض للشيء بتوسط الجزء أو الخارج المساوي أو الأخص أو الأعم ، وعلى الثاني ثلاثة ، وهو ما يعرض للشيء بتوسط الجزء الأعم أو الخارج الأخص أو الأعم ، وعلى الثاني اثنان ، وهو ما يعرض للشيء بتوسط الخارج الأعم أو الأخص. فمجموع العوارض من الذاتي والغريب خمسة ، وهو ما يعرض للشيء بلا واسطة أو بتوسط الجزء أو الخارج المساوي أو الأعم أو الأخص. فجعلها ستة بزيادة قسم آخر ـ وهو ما يعرض للشيء بتوسط الأمر المباين وعدّه من الأعراض الغريبة كما عن صاحب القسطاس ومن تبعه ـ خال عن وجه الصحة ، لما أشرنا إليه من أن المراد بالواسطة هي الواسطة في العروض التي يستحيل أن تكون

٣٩

مباينة.

وكيف كان ، فالمتعين من الأقوال المزبورة ـ بناء على ما نقلناه عن المحققين سابقا ممن يعتبر الموضوع هو القول الأول لا غير ، لخلوّ العوارض المبحوث عنها بناء عليه عن الواسطة في العروض لا مجال لإنكاره ، فتبصر.

ثم إن قضية ما ذكرنا سابقا من تعريف الموضوع هو انحصار موضوع أصول الفقه بالأدلة الأربعة المعروفة ، إما نفسها كما قيل ، أو مع وصفها كما هو الأظهر ، لأن انطباقه عليها وانحصاره فيها لا يستلزم أن يكون هو ذواتها مع أنه لو ساوى هو ذواتها لم يكن الفن فنا واحدا لعدم الجامع ، ولا يتميز عن سائر العلوم أيضا ، فتبصر.

والثمرة بين القولين يظهر في البحث عن أن الكتاب ونحوه حجة أو لا ، لا خفاء فيه كما لا خفاء في أن فائدة أصول الفقه هو استنباط الأحكام الشرعية عما هو ممهد له لا خفاء فيه.

فظهر بما ذكرنا كله تعريف أصول الفقه بمعنييه مع ما يتعلق به ، إن نظرت فيه بعين الإنصاف تجده حقيقا بالتصديق والتحسين ، وهو الموفق والمعين.

٤٠