عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٥

قرب حسّيا ، تعالى الله عن الجهة ، فقرب الله تعالى من عبده هو الإفضال عليه والفيض. ولهذا روي أنّ موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إلهي! أقريب فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ فأوحى الله تعالى إليه : لو قدّرت لك البعد لما انتهيت إليه ، ولو قدّرت لك القرب لما اقتدرت عليه.

وقرب العبد من الله تعالى عبارة عن امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ومنه الحديث الذي يروى فيه عن ربّه عزوجل : «ولن يتقرب إليّ عبد بمثل أداء ما افترضت ، وإنّه ليتقرّب إليّ بعد ذلك بالنّوافل حتى أحبّه» (١) الحديث. وقال بعضهم : قرب العبد من الله في الحقيقة التخصص بكثير من الصفات التي يصحّ أن يوصف الله بها وإن لم يكن من وصف الإنسان بها على الحدّ الذي يوصف به تعالى ، نحو الحكمة والعلم والرحمة ، وذلك يكون بإزالة الأوساخ من الجهل والطّيش والحميّة والغضب والحاجات البدنية بقدر طاقة البشر ، وهذا قرب روحانيّ لا بدنيّ ، وعليه نبّه الله تعالى بقوله فيما حكى عنه أمين وحيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من تقرّب مني شبرا تقرّبت منه ذراعا» (٢) إلى آخره ، وقوله «ما تقرّب إليّ عبد» (٣) الحديث.

والقرب والبعد يتقابلان ؛ يقال : قربت منه أقرب قربا ، وقرّبته أقرّبه قربانا وقربا. ويستعمل ذلك في الزمان نحو قوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)(٤) ، وفي المكان نحو قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)(٥) ، والنسبة نحو قوله : (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى)(٦) ، والحظوة والمنزلة نحو قوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)(٧)(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ)(٨)(أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(٩) ، والرعاية كقوله : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ

__________________

(١) ابن حنبل : ٦ ، ٢٥٦ ، وفيه : «وما يزال العبد يتقرّب ...» وفي المفردات : «ما يقرب» ص ٣٦٩.

(٢) النهاية : ٤ / ٣٢ ، وفيه : «إليه ذراعا». وانظر الروايتين في صحيح البخاري ، التوحيد : ١٥ ، والترمذي ، دعوات : ١٣١.

(٣) رواية أخرى للحديث.

(٤) ١ / القمر : ٥٤.

(٥) ٣٥ / البقرة : ٢.

(٦) ١٨ / فاطر : ٣٥.

(٧) ٢٨ / المطففين : ٨٣.

(٨) ٨٨ / الواقعة : ٥٦.

(٩) ١١ / الواقعة : ٥٦.

٣٤١

الدَّاعِ)(١) ، والقدرة نحو قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(٢) وكذا قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ)(٣). ولذلك قال بعده : (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) لأنّه عنى تعالى بقربه قرب حفظته وملائكته التي وكلهم بتوفّي أرواح بني آدم.

قوله تعالى : (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً)(٤). القربان في الأصل ما يتقرّب به إلى الباري تعالى ، ثم غلب في العرف على النّسيكة التي هي الذّبيحة ، وجمعها قرابين ، ومنه قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً)(٥). ولنا في هذه الآية كلام حسن أتقنّاه في «الدرّ المصون».

قوله : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ)(٦). القربة هنا الحظوة عند الله والمنزلة الرفيعة.

قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ)(٧) هذا أبلغ من النّهي عن أكله وتناوله ، لأنه إذا نهى أن يقرب منه ، فالنهي عن تناوله من باب أولى وأحرى ، وهو في المعنى كقوله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها)(٨) إلا أنّ هذا في حيّز نفي المقاربة.

قوله : (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ)(٩) أي قرابة. يقال : فلان ذو قرابتي وذو مقربتي وقلّما يقال : فلان قرابتي.

قوله : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)(١٠) الخطاب في الفعلين ظاهره للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : الخطاب في «اسجد» له عليه الصلاة والسّلام وفي «اقترب» لأبي جهل لعنه الله ، وذلك أنّ أبا جهل لعن بوعده عليه الصلاة والسّلام بأنه إذا سجد وطىء عنقه الكريم ، فأمر بذلك أمر

__________________

(١) ١٨٦ / البقرة : ٢.

(٢) ١٦ / ق : ٥٠.

(٣) ٨٥ / الواقعة : ٥٦.

(٤) ٢٧ / المائدة : ٥.

(٥) ٢٨ / الأحقاف : ٤٦.

(٦) ٩٩ / التوبة : ٩.

(٧) ١٥٢ / الأنعام : ٦ ، وغيرها.

(٨) ٤٠ / النور : ٢٤.

(٩) ١٥ / البلد : ٩٠.

(١٠) ١٩ / العلق : ٩٦.

٣٤٢

تهديد ، وذلك أنه لمّا همّ بذلك رأى فحلا عظيما. والمعنى : إن اقتربت هلكت وأخذت ، واستأنسوا له بقوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى)(١).

قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)(٢) كناية عن الغشيان والوطء ، وهو في المبالغة كقوله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ)(٣). والقراب ـ بالضم ـ (٤) المقاربة ، وأنشد : [من الطويل]

فإنّ قراب البطن يكفيك ملؤه

والقراب ـ بالكسر ـ قراب السيف ، وقيل : هو الغمد نفسه ، وقيل : بل جلد فوق الغمد ، وقيل : هو جراب أو يشبه الجراب يطرح الراكب فيها زاده ، ومنه الحديث : «إنّ لكلّ عشرة من السّرايا قرابا» (٥). وروي في قوله عليه‌السلام حكاية عن ربّه عزوجل : «إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة» (٦) أي ما يقارب ملأها ـ بكسر القاف ـ وإلّا شبّه الضمّ على ما مرّ. وقراب السيف يجمع على قرب نحو حمار وحمر.

والأقراب : الخواصر ، ومنه فرس لا حق الأقراب ، وأنشد لرؤبة (٧) : [من الرجز]

لواحق الأقراب فيها كالمقق

والتّقريب : ضرب من السّير سمي بذلك لقربه من العدو. وأقربت السيف وقرّبته : جعلته في قراب. وأقربوا إبلهم : أدنوها من الماء. والمقرب : الحامل دنت ولادتها. وفلان قارب : قرب من الماء. وفي حديث المولد : «فخرج عبد الله متقرّبا متخصّرا» (٨) أي واضعا

__________________

(١) ٩ و ١٠ / العلق : ٩٦.

(٢) ٢٢٢ / البقرة : ٢.

(٣) ١٥٢ / الأنعام : ٦.

(٤) رأى ابن منظور كسرها فقال : «والمقاربة والقراب» : المشاغرة للنكاح ، ومثله الراغب : ٣٩٩ ، وعليه استشهد بالشعر ص ٤٠٠.

(٥) النهاية : ٤ / ٣٤ ، من كتابه لوائل بن حجر ، وفيه خلاف. ورواية الخطّابي بالفاء «قراف» وهي أوعية من جلود يحمل فيها الزاد للسفر ، وتجمع على قروف أيضا.

(٦) النهاية : ٤ / ٣٤ ، والضم منه.

(٧) من أرجوزة لرؤبة مذكورة في شرح الشواهد : ٢ / ٧٦٤ ، وديوانه : ٣ / ١٠٤ (في مجموع أشعار العرب).

(٨) النهاية : ٤ / ٣٤.

٣٤٣

يده على قربه أي خاصرته ، قال أبو سعيد : يقول الرجل لصاحبه إذا استحثّه (١) : تقرّب ، تقرّب ، وأنشد لمرّة بن همام (٢) : [من الكامل]

يا صاحبيّ ترحّلا وتقرّبا

فلقد أنى لمسافر أن يطربا

وفي الحديث : «ثلاث لعينات : رجل عوّر طريق المقربة» (٣) قال أبو عمرو : المقربة : المنزل ، وأصله من القرب ، وهو سير الإبل ، وأنشد للرّاعي (٤). [من الكامل]

يحدون حدبا مائلا إشرافها

في كلّ مقربة يدعن رعيلا

ق ر ح :

قوله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ)(٥) قرىء بفتح القاف وضمّها (٦) ؛ فقيل : المفتوح مصدر والمضموم ألم الجراحات. وقال آخرون : المفتوح الأثر من الجراحة من شيء يصيبه من خارج ، والمضموم أثرها من داخل كالبثرة.

قرحته مثل جرحته وزنا ومعنى. وقرح : خرج به قرح. وقرح قلبه وأقرحه الله. والقرحان : الرجل الذي لم يصبه الجدريّ ، وفي الحديث : «إنّ من معك من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرحان» (٧) من الأضداد. يقال : رجل قرحان للذي لم يمسّه القرح ولا الجدريّ ولا الحصبة ، ويستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد وغيره ، يقال : امرأة قرحان ، ورجلان قرحان ، ورجال قرحان ، ومنهم من يقول : قرحانان وقرحانون ليطابق.

__________________

(١) في الأصل : امتحنه ، والتصويب من د واللسان.

(٢) الشاهد في اللسان من غير عزو.

(٣) النهاية : ٤ / ٣٤.

(٤) العجز مذكور في اللسان ـ مادة قرب. والبيت مذكور في (شعر الراعي وأخباره : ١٤١).

(٥) ١٤٠ / آل عمران : ٣.

(٦) قال الفراء : وأكثر القراء على فتح القاف ، وقد قرأ أصحاب عبد الله بالضم (معاني القرآن : ١ / ٢٣٤).

(٧) النهاية : ٤ / ٣٥ ، والحديث لعمر لما أراد دخول الشام وقد وقع به الطاعون فقيل له ...

٣٤٤

ق ر د :

قوله تعالى : (كُونُوا قِرَدَةً)(١) القردة جمع قرد ، وهو هذا الحيوان المعروف ، قيل : جعلوا مثل صور القردة حقيقة ، وقيل : بل في أخلاقها وفسادها ، وذلك أنّ القرد أخبث حيوان وأفسده.

قوله : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ)(٢) أي في صورها ، قيل مسخ الشبان قردة والشيوخ خنازير. والخنزير أقذر شيء في الحيوان وأخبثها منظرا ، ويجمع على قرود وهو القياس ، نحو حمل وحمول ، وعلى قردة وليس بقياس بل سمع ذلك فيه وفي حسل وحسلة. والمادة تدلّ على اللزوم واللصوق. ومنه اشتقّ القراد ؛ يقال إنه يلزم الأرض عشرين سنة ، وهو جمع قردان ، كذا قال الراغب (٣) ، والظاهر العكس ، أعني أن تكون قردان جمع قراد ، نحو غلمان جمع غلام ، وغربان جمع غراب.

والصوف القرد : المتداخل بعضه في بعض ، ومنه سحاب قرد : أي متلبد متكاثف. وأقرد بمكان كذا : أي لصق بالأرض لصوق القراد. وقرد : سكن سكونه ، وفي المثل : «أسمع من قراد» (٤) ؛ يقال : إنه يسمع مواسم الإبل من مسيرة أيام. وقرّدت البعير : أزلت قراده ، نحو قذّيته ومرّضته. ويستعار ذلك للمداراة المتوصّل بها إلى خديعة ، فيقال : فلان يقرّد فلانا.

وتسمّى (٥) حلمة الثّدي قرادا كما تسمّى حلمة على التّشبيه في الهيئة. وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : «كان لنا وحش فإذا خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسعرنا قفزا ـ أي وثبا ـ فإذا حضر مجيئه أقرد» (٦) ، أي ذلّ وسكن. أسعرنا : آذانا. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إياكم والإقراد ، قالوا : يا

__________________

(١) ٦٥ / البقرة : ٢.

(٢) ٦٠ / المائدة : ٥.

(٣) المفردات : ٤٠٠.

(٤) مجمع الأمثال : ١ / ٣٤٩.

(٥) وفي الأصل : وسمي .. سمي.

(٦) النهاية : ٤ / ٣٦.

٣٤٥

رسول الله وما الإقراد؟ قال : الرجل يكون منكم أميرا ، فيأتيه المسكين والأرملة فيقول لهم : مكانكم حتى أنظر في حوائجكم ، ويأتيه الغنيّ فيقول : عجّلوا قضاء حاجته» (١).

وعن ثعلب : أجرد سكت حياء ، وأقرد : سكت ذلا ، قيل : وأصله من قرّدت البعير لأنه إذا فعل به ذلك ذلّ وسكن.

والقرداء : رداء الصوف. والقردد : الرابية من الأرض. وقردودة (٢) الظّهر : ما ارتفع منه. والقردة : قطعة من نسل وبر البعير ؛ وفي الحديث : «تناول قردة من وبر البعير» (٣).

ق ر ر :

قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ)(٤) أي قرار وثبوت. قوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً)(٥) أي ذات قرار ، وقيل : معناه مستقرّا ، وقال في الجنة والنار لفظ (الْقَرارُ)(٦) ، وقال : (رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ)(٧) و (فَبِئْسَ الْقَرارُ)(٨). وقوله : (ما لَها مِنْ قَرارٍ)(٩) أي ثبات. قوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ)(١٠) قرىء بفتح القاف على أنه اسم مكان أو مصدر ، وبكسرها على تقدير فمنكم مستقرّ في الأصلاب. ولم يقرأ إلا بفتح الدال لفساد الكسر فيه (١١).

والقرار مصدر لقرّ يقرّ في مكان كذا قرارا أي ثبت ثبوتا جامدا ، وأصله من القرّ وهو

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) وفي الأصل : قردون.

(٣) النهاية : ٤ / ٣٧. وهو أردأ ما يكون من الوبر والصوف.

(٤) ٣٦ / البقرة : ٢.

(٥) ٦٤ / غافر : ٤٠.

(٦) مثالا على ذلك : ٢٩ / إبراهيم : ١٤ ، و ٦١ / النمل : ٢٧.

(٧) ٥٠ / المؤمنون : ٢٣.

(٨) ٦٠ / ص : ٣٨.

(٩) ٢٦ / إبراهيم : ١٤.

(١٠) ٩٨ / الأنعام : ٦. مستقر : الرحم ، ومستودع : صلب الرجل.

(١١) يقرأ بكسر القاف بمعنى الولد في الرحم ، وبرفعها على إضمار الصفة (معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٤٧).

٣٤٦

البرد من حيث إنّ البرد يقتضي السكون كما أنّ الحرّ يقتضي الحركة. وقرّت عينه تقرّ أي بردت ، يكنى بذلك عن السّرور ، وفي ضدّه : سخنت وذلك أن دمعة الفرح قارّة ، ودمعة التّرح حارّة ؛ فالماضي مكسور العين والمضارع مفتوحها. وقررت بمكان كذا ، عكسه. وقرىء قوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)(١) بفتح القاف وكسرها (٢) ؛ فالكسر واضح ، وأصله «اقررن» كاضربن فالتقى التّضعيف والكسر فحذف أحد المثلين المتحرك تخفيفا ، ومثله «ظلت» أصله «ظللت» إلا أنّه يجوز هنا فتح الفاء وكسرها بعد الحذف نحو : ظلت وظلت إلا أنه لم يقرأ قوله : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ)(٣) إلا بالفتح لأنه الأصل. وقيل : من وقر يقر نحو وعد يعد. وأما الفتح فقيل : هو من قرّ بالمكان يقرّبه بالفتح في المضارع ، وفيه نظر لأنه لا مسوّغ للحذف لخفّة الفتح ، والأولى أن يجعل من قار يقار أي اجتمع ، فيكون مثل خفي من الخوف ، وقد أتقنّا هذا في غير هذا ، وقال النابغة الذبيانيّ (٤) : [من البسيط]

أنبئت أن أبا قابوس أوعدني

ولا قرار على زأر من الأسد

أي ولا أمن ولا ثبات ولا استقرار. ويوم القرّ : يوم من أيام النّحر ، لاستقرار الناس فيه بمنى ، كذا قاله الراغب (٥). وقال غيره : هو غد يوم النحر وهو الظاهر ، نصّ عليه الهرويّ (٦)

واستقرّ فلان : تحرّى القرار. وقد يستعمل في مكان قرّ كاستجاب وأجاب ، وقال تعالى في الجنة : (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا)(٧) وفي النار (ساءَتْ مُسْتَقَرًّا)(٨). وقال ابن عباس في قوله تعالى : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) مستقرّ في الأرض ومستودع في الأصلاب ، وقال ابن

__________________

(١) ٣٣ / الأحزاب : ٣٣.

(٢) قرأ عاصم وأهل المدينة بالفتح «وقرن» ، ولا يكون ذلك من الوقار ، ولكن نرى أنهم أرادوا : واقررن فحذفوا الراء الأولى. وقراءة كسر القاف من الوقار (معاني القرآن للفراء : ٢ / ٣٤٢).

(٣) ٦٥ / الواقعة : ٥٦.

(٤) من معلقته ، الديوان : ٢٥ ، وفيه : نبئت. وأبو قابوس هو النعمان بن المنذر.

(٥) المفردات : ٣٩٨.

(٦) وهو حادي عشر ذي الحجة.

(٧) ٢٤ / الفرقان : ٢٥.

(٨) ٦٦ / الفرقان : ٢٥.

٣٤٧

مسعود : مستقر في الأرض ومستودع في القبور. الحسن : مستقر في الآخرة ومستودع في الدنيا. قال بعضهم : جملة الأمر أنّ كلّ حالة ينقل عنها الإنسان فليس بالمستقرّ التامّ.

قوله : (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها)(١) أي مأواها على ظهر الأرض ومستودعها في الأرحام.

قوله : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ)(٢) القرار : المكان المطمئن الذي يستقرّ فيه الماء ، ومنه قيل للروضة المنخفضة قرار ، وأنشد لعنترة (٣) : [من الكامل]

جادت عليها كلّ عين ثرّة

فتركن كلّ قرارة كالدّرهم

وقال ابن عباس رضي الله عنهما ، وذكر فضل علم شيخه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : «علمي إلى علمه كالقرارة في المثعنجر» (٤) يريد كالغدير في البحر.

قوله : (رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)(٥) أي ما تقرّ به عيوننا وهو أن يعملوا بعملنا الصالح فيكونوا معنا.

وأقرّ الله عينه : أنامها من ذلك ، لأنّ الفرح ينام والمحزون يسهر. وفي حديث أمّ زرع : «لا حرّ ولا قرّ» (٦) هذا مبالغة ، أو على حذف مضاف ، أي هو لا ذو حرّ ولا ذو قرّ. والقرّ ـ بالفتح ـ ترديد الكلام في أذن الأبكم ليفهمه. ومنه حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تنزل الملائكة في العبادة ـ أي السحاب ـ فيتحدّثون بما علموا به مما لم ينزل من الأمر ، فيأتي الشيطان فيتسمّع فيسمع الكلمة ، فيأتي بها إلى الكاهن ، فيقرّها في أذنه كما تقرّ القارورة إذا أفرغ فيها ، فيزيد فيها مئة كذبة» (٧) ، وروي أيضا «كقرّ الدّجاجة» أي صوتها

__________________

(١) ٦ / هود : ١١.

(٢) ٥٠ / المؤمنون : ٢٣.

(٣) وفي الأصل : لزهير ، وهو وهم ، الديوان : ١٤٥.

(٤) النهاية : ٤ / ٣٨. القرارة جمعها القرار.

(٥) ٧٤ / الفرقان : ٢٥.

(٦) النهاية : ٤ / ٣٨ ، وفي الأصل : « ... ولا قرة».

(٧) النهاية : ٤ / ٣٩ ، مختصرا.

٣٤٨

إذا قطعته ؛ يقال : قرّت الدجاجة تقرّ قرّا وقريرا ، فإن ردّدته قلت : قرقرت قرقرة وقريرا (١). وفي المثل : «حرّة تحت قرّة» (٢) يضرب لمن يظهر أمرا ويخفي غيره. وقال عمر لأبي مسعود البدري ـ رضي الله عنهما ـ «إنك تفتي ، ولّ حارّها من تولّى قارّها» (٣) ؛ قال شمر : معناه يتولّى شديدها من يتولّى هينها. قال ابن الأعرابيّ : يقال : حرّ يومنا فهو حارّ ، وقرّ يومنا فهو قرّ ، ولا أقول قارّ ، وفي المثل : «وقعت بقرّك» وأصله أنهم يقولون لمن أدرك ثأره أي أصاب قلبك مطلوبه فقرّ ، إمّا بمعنى ثبت واستكنّ من قلقه ، وإمّا من القرّ والبرودة. وفي شعر الشمّاخ (٤) : [من البسيط]

كأنّها وابن أيام تؤبّنه

من قرّة العين مجتابا ديابوذ

أي من طيب مرتعهما ورضاهما. وفي الحديث أنه قال لأنجشة (٥) وهو يحدو بالنساء : «رفقا بالقوارير» (٦) شبّه النساء بالقوارير من الزجاج لضعف عزائمهنّ ، والقوارير أقرب شيء إلى الكسر ، فخاف عليه الصلاة والسّلام من حصول الفتنة لهن ، لأنه روي أن أنجشة كان يشبّب في حداثته. قال الهرويّ : والظاهر أنه أراد بالقوارير نفس الإبل شبّهت بذلك لضعفها ، وأنّ الحداء إذا سمعته جهدت أنفسها في السّير فتهلك.

والقرقرة : الضّحك العالي ، وهي ـ أيضا ـ فروة الوجه ، وفي الحديث : «إذا قرّب منه المهل سقطت قرقرة وجهه» (٧). وفي الحديث : «ركبوا القراقير» (٨) وهي جمع قرقور ، وهو

__________________

(١) وزاد الهروي : «وقر قريرا». وفي الأصل : «قرت الزجاجة».

(٢) مجمع الأمثال : ١ / ١٩٧. الحرة : مأخوذة من الحرارة وهي العطش ، والقرة : البرد. ويقول الميداني : يضرب لمن يضمر حقدا وغيظا ويظهر مخالصة.

(٣) النهاية : ٤ / ٣٨. وفي مجمع الأمثال : قاله لعتبة بن غزوان أو لأبي مسعود الأنصاري ، أي احمل ثقلك على من انتفع بك (مجمع الأمثال : ٢ / ٢٦٩).

(٤) اللسان ـ مادة قرر.

(٥) وفي رواية للبراء بن مالك.

(٦) النهاية : ٤ / ٣٩.

(٧) النهاية : ٤ / ٤٨. ويروى : « .. فروة وجهه».

(٨) المصدر السابق ، والحديث لموسى عليه‌السلام.

٣٤٩

السفينة الصغيرة ، وفي الحديث : «بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر» (١) أي مستو ، وفي رواية : «بقاع قرق» (٢) وهو بمعناه. وأنشد قول الشاعر (٣) : [من الرجز]

كأنّ أيديهنّ بالقاع القرق

أيدي جوار يتعاطين الورق

وفي حديث البراق : «أنه استصعب ثم ارفضّ وأقرّ» (٤) أي ذلّ وانقاد.

ق ر ش :

قوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ)(٥) قريش قبيلة هي أشرف القبائل ، وقريش بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. فكلّ من كان من ولد النّضر فهو قرشيّ دون ولد كنانة ومن فوقه. واشتقاقه قيل من التقرّش وهو التجمّع ؛ يقال : تقّرشوا أي تجمّعوا. والتقريش مثل التّحريش عن أبي عبيدة. وقيل : من الكسب ؛ يقال : تقرّش أي تكسّب ، وكانت قريش قوما تجارا مكتسبين.

والتقارش : التداخل أيضا ، ومنه تقارشت الرّماح في الحرب أي تداخلت والإقراش : السّعي بالإنسان والوقوع فيه ، ومنه : أقرش بفلان ، وقيل : هو دابة في البحر ، وعن ابن عباس وقد سأله معاوية أو عمر رضي الله عنهم عن ذلك فقال : هي دابّة عظيمة في البحر تعلو ولا تعلى وتأكل ولا تؤكل. وقياس النسب إليه قريشي بالتكميل ، ولكنّ المشهور في الاستعمال قرشيّ بالحذف ، ويجوز صرفه باعتبار الحيّ كقوله : [من البسيط]

حاشا قريشا فإنّ الله فضّلهم

على البريّة بالإسلام والدّين

ومنعه باعتبار القبيلة كقوله : «قريش المعضلات» (٦) في أحد وجهيه من التخريج

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) النهاية : ٤ / ٤٧. والحديث لأبي هريرة.

(٣) البيت في اللسان ـ مادة قرق ، في وصف الإبل بالسرعة ، وفيه : أيدي نساء.

(٤) النهاية : ٤ / ٣٨.

(٥) ١ / قريش : ١٠٦.

(٦) من بيت لعدي بن الرقاع يمدح الوليد بن عبد الملك :

غلب المساميح الوليد سماحة

وكفى قريش المعضلات وسادها

والمعضلات : الأمور الشداد.

٣٥٠

والوجه الآخر أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين كقراءة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(١) وقوله : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً)(٢).

ق ر ط س :

قوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ)(٣) القرطاس ما يكتب فيه كالرّق والكاغد ونحوهما ، لا كالخشبة والحجر وإن كان يكتب فيه ، ولذلك قال ابن عرفة : العرب تسمي الصّحيفة قرطاسا من أيّ شيء كانت ، فأجد في مسمّاه الصحيفة وهي مختصّة بما يطوى وينشر.

والقرطاس ـ أيضا ـ ما يصيبه السهم ، والجمع قراطيس ، ويغلب في قافه لغة شاذّة بالضمّ.

ق ر ض :

قوله تعالى : (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً)(٤) القرض في الأصل القطع ، ومنه : قرض الفأر الثوب ، وقرضت الخشبة. والقرض : الدّين المعروف وهو إعطاء الشيء وردّ بدله صورة كما في الحديث : «اقترض بازلا وردّ بكرا». وأقرضه : أعطاه قرضا. واستقرضه : سأله القرض. واقترض : فعل ذلك ، والمشهور فتح قافه ويجوز كسرها وهو مصدر.

قوله تعالى : (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ)(٥) أي تقطعهم وتجاوز مكانهم إلى أحد الجانبين فسمي قطع المكان وتجاوزه قرضا مجازا واتساعا.

__________________

(١) ١ / الإخلاص : ١١٢.

(٢) ١٤٢ / النساء : ٤.

(٣) ٧ / الأنعام : ٦.

(٤) ١٨ / الحديد : ٥٧.

(٥) ١٧ / الكهف : ١٨.

٣٥١

قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً)(١) مرادا به الصدقة (٢) واجبها ومندوبها. وسمّاه قرضا تكرّما منه وتطيّبا للمتصدّقين ، وأنّ ما يعطونه من الصّدقة على الوجه المطلوب وهو المراد بقوله «حسنا» لا بدّ أن يرجع إليهم بدله وأنه لا يضيع على ما يتعارفونه فيما بينهم ، وقيل : لأنه أفضل من الصدقة فعبّر به دونها. و «قرضا» في الآية مصدر على حذف الزوائد كقوله : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(٣).

والمقارضة والمفاوضة في الشعر. والقريض : الشّعر ؛ فعيل بمعنى مفعول لأنه يقطع من الكلام فيجعل نوعا برأسه. ومنه : «حال الجريض دون القريض» (٤) أي حال الموت وغصصه ، وقيل : استعير القرض للشعر استعارة الحوك والنّسج له. والمقرض والمقراض : آلة القرض كالمفتح والمفتاح.

ق ر ع :

قوله تعالى : (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ)(٥) هي القيامة لأنها تقرع الخلائق : أي تصيبهم بشدائدها. وأصل القرع ضرب شيء على شيء. والمقرعة : آلة القرع.

قوله : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ)(٦) أي داهية تفجؤهم وقيل : سريّة من سرايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وفي الحديث : «لما أتى على محسّر قرع راحلته» (٧) أي ضربها بسوطه.

__________________

(١) ٢٤٥ / البقرة : ٢.

(٢) الصدقة قريضة هي الزكاة على الأغنياء ، وواجبة كالنذور وصدقة عيد الفطر و .. ومندوبة وهي ما سوى ذلك من التطوعات والتبرعات (وانظر تفسير أضواء البيان لمحمد أمين المختار : ٨ / ٤٦٩).

(٣) ١٧ / نوح : ٧١.

(٤) مثل قاله جوشن بن قنفذ الكلاعي ، وذلك أن أباه منعه قول الشعر حسدا له لتبريزه عليه. فجاش الشعر في صدره فمرض منه فرقّ له فقال : يا بني انطق بما أحببت فقال الابن ذلك (المستقصى : ٢ / ٥٥). الجريض : هو أن يجرض الإنسان وهو أن يغصّ بريقه عند الموت. وقيل : قاله كذلك عبيد بن الأبرص حين استنشده المنذر.

(٥) ١ و ٢ / القارعة : ١٠١.

(٦) ٣١ / الرعد : ١٣.

(٧) النهاية : ٤ / ٤٣ ، وفيه «ناقته» ، وما في اللسان على رواية الأصل.

٣٥٢

وقوارع القرآن : آياته التي يزجر بها من قرأها. وقيل : هي التي من قرأها أمن من الشيطان ، كأنّها تقرع الشيطان.

والأقرع : الذي لا شعر له ، والأفرع عكسه. وفي حديث منع الصّدقة : «يجيء كنز أحدهم (١) شجاعا أقرع» (٢) أي حية قد تمعّط شعر رأسها لكثرة سمّها. والقرعة : التّساهم لأنّ القارع يصيب نصيبه أو يصيبه نصيبه. والاقتراع : افتعال من ذلك. وتصوّر من قرع الرأس قرع الدار أي خلوّها. وتقول العرب : نعوذ بالله من قرع الغناء وصفر الإناء (٣) : أي خلوّ الدار من قطّانها. وفي الحديث : «لا تحدثوا في القرع فإنّه مصلّى الخافين» (٤). قال ابن قتيبة : هو أن يخلو موضع من الكلأ ليس فيه نبت. والخافون : الجنّ نهاهم عن ذلك لئلا يتأذّى إخوانهم الجنّ المصلّون.

ق ر ف :

قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً)(٥) أي يكتسب. والاقتراف : الاكتساب. وأصل القرف والاقتراف قشر اللّحاء عن الشجرة والجلدة عن الجرح (٦) ، وذلك الشيء المأخوذ قرف ثمّ استعير الاقتراف للاكتساب حسنا كان أو سيئا إلا أنّه في السوء أغلب ولذلك قيل : الاعتراف يزيل الاقتراف.

وقرفت فلانا بكذا : اتّهمته به أو عبته به.

قوله : (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ)(٧) أي ليكسبوا ، وقيل : المعنى ليعملوا ما هم عاملون من الذّنوب. يقال : قرف الذنب واقترفه أي عمله. وهي لام الأمر وهو تهكّم بهم ، وقيل : لام كي. وقارفت الأمر : أي تعاطيت ما أعاب به.

__________________

(١) ورواية اللسان ـ أحدكم.

(٢) النهاية : ٤ / ٤٤.

(٣) الكلام مذكور في اللسان ـ قرع. ورأى ثعلب أن الراء بالتسكين على غير قياس.

(٤) النهاية : ٤ / ٤٥.

(٥) ٢٣ / الشورى : ٤٢.

(٦) وفي الأصل : اللحاء ، وهو وهم.

(٧) ١١٣ / الأنعام : ٦.

٣٥٣

وقارفت الأمر : قاربته ولا صقته. والإقراف في الخيل : ملاصقة العيوب إليها. وقيل : قارفت الأمر : أي تعاطيت به ما أعاب به. والمقرف : الهجين من الخيل. وقيل : المقرف : ما كان من قبل الآباء ، والهجين : ما كان من جهة الأمهات ، ومنه قوله (١) : [من الرمل]

كم بجود مقرف نال العلى

وكريم بخله قد وضعه

وفلان قرفني : أي أتّهمه. وفي الحديث أنه سئل عن (أرض وبيئة) (٢) فقال : «دعها فإنّ من القرف التّلف» (٣) القرف : مداناة المرض ، وفي آخر : «أراك أحمر قرفا» (٤) أي شديد الحمرة. كأنّه قشر : وضع ثوبه بقرف السّدر أي بقشره.

ق ر ن :

قوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ)(٥) القرن : الجماعة المقترنون في وقت واحد. وقيل : كلّ طبقة في وقت اقترنت في زمان. وقيل : كلّ طبقة بعث فيها نبيّ ، وقيل : القرن : المدّة ، واختلف في قدرها ؛ فقيل : ثمانون سنة ، وقيل : أربعون ، وقيل : مئة ، واستدلّ للأربعين بقول النابغة الجعديّ (٦) : [من المتقارب]

ثلاثة أهلين أفنيتهم

وكان الإله هو القرن

واستدلّ للآخر بما ثبت في الصّحيح «أنّه مسح برأس غلام وقال : عش قرنا. فعاش مئة» (٧) وقال ابن الأعرابيّ : القرن : الوقت. وقال غيره : يقال له قرن لأنّه يقرن أمة بأمة

__________________

(١) البيت من شواهد سيبوية (٢ / ١٦٧) ولم ينسبه ، ونسبه أبو الفرج في الأغاني في جملة أبيات لأنس بن زنيم. والبيت شاهد على جواز الجر والرفع والنصب لكلمة «مقرف» وانظر شرح المفصل لابن يعيش : ٤ / ١٣٢.

(٢) بياض في الأصل ، وذكرت في د ، ووضحتها رواية ابن الأثير.

(٣) النهاية : ٤ / ٤٦ ، وفي الأصل : فإن في ، وكذا في الهروي.

(٤) النهاية : ٤ / ٤٧ ، والحديث لعبد الملك.

(٥) ٩٨ / مريم : ١٩ ، وغيرها.

(٦) غير مذكور في ديوانه.

(٧) النهاية : ٤ / ٥١.

٣٥٤

وعالما بعالم. وهو في الأصل مصدر قرنت أقرن. ثم جعل اسما للوقت أو لأهله ، قال الشاعر (١) : [من البسيط]

تلك القرون ورثنا الأرض بعدهم

فما يحسّ عليها منهم أرم

قوله تعالى : (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)(٢) أي مزدوجين ومجتمعين من : قرنت البعير بالبعير في قرن. والقرن : الحبل. وأنشد (٣) : [من البسيط]

وابن اللّبون إذا ما لزّ في قرن

لم يستطع صولة البزل القناعيس

قوله : (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ)(٤) من ذلك : أي مجتمعين في قرن مقيّدين ، فالتشديد فيه للتكثير. وفلان قرن فلان إمّا في الولادة وإمّا في القوة والجلادة وفي غيرها من الأحوال ، وهو قرينه أيضا.

قوله تعالى : (وَقالَ قَرِينُهُ)(٥) قيل : هو المقيّض له من الشياطين لقوله تعالى : (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)(٦).

والقرون : النّفس لكونها مقترنة بالجسم. والقرون ـ أيضا ـ الناقة التي يدنو أحد خلفيها (٧) من الآخر. وقرن الشاة والبقرة معروف. وشاة قرناء : عظيمة القرن ، وكبش أقرن : مثله. والقرن في المرأة : منع وطئها لعظم في فرجها يمنع من ذلك ، ومنه امرأة قرناء. قال بعضهم : سمّي عفل المرأة قرنا تشبيها بالقرن في الهيئة. وتأذّي عضو الرجل بمباضعتها كالتأذّي بالقرن. قلت : العفل والعفلة : شيء يخرج من فرج المرأة وحياء الناقة شبه الأدرة (٨) التي في الرجل.

__________________

(١) من شواهد اللسان ، مادة ـ أرم.

(٢) ٥٣ / الزخرف : ٤٣.

(٣) البيت لجرير كما في الديوان : ٣٢٣. ابن اللبون : ما أوفى ثلاث سنين. القناعيس : الشداد.

(٤) ٣٨ / ص : ٣٨.

(٥) ٢٣ / ق : ٥٠.

(٦) ٣٦ / الزخرف : ٤٣.

(٧) الخلف : حلمة ضرع الناقة.

(٨) العفل : الخط الذي بين الذكر والدبر. الأدرة : نفخة في الخصية.

٣٥٥

وقرن الجبل : ما نتأ منه. وقرن ـ بالتحريك ـ قبيلة مشهورة ، وإليها نسب أويس القرنيّ الذي وصّى به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١). وأمّا قرن (٢) ـ بالتسكين ـ فموضع يحرم منه الحاجّ يقال له قرن المنازل. وغلط بعضهم ففتح راءه وجعل أويسا منسوبا إليه. وسميت ذؤابة المرأة قرنا تشبيها بذلك.

وقرن الشمس : حاجبها ، وقرن الشيطان ، على التشبيه. وفي الحديث : «الشمس تطلع بين قرني الشيطان» (٣) قيل : ناحيتا رأسه ، وقيل : معناه تطلع حين قوة الشيطان. والقرن : القوة ، قال إبراهيم الحربيّ (٤) : هذا مثل يقوله حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلّط فيكون كالمعين لها ، ولذلك قوله : «إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» (٥) وليس معناه أنه يدخل في جوفه.

«والنّهي عن القران في التمر» (٦) الجمع بين تمرتين في الأكل. والقران في الحجّ : الجمع بين النّسكين بشروط مذكورة في كتب الفقه (٧).

وقرن الهامة : حافتها. وقرن الفلاة : حرفها. قوله : (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)(٨) أي مطيقين مقتدرين ، من أقرن له الأمر : إذا قوي عليه ، من قوله : فلان قرن فلان أي له من القوة مثل ما لصاحبه.

__________________

(١) قرن : بطن من مراد ، وهو قرن بن ردمان بن ناجية ، منها أويس القرني الزاهد ، روى عن عمر وقتل بصفين في رجالة علي. وقيل : مات بمكة. وقيل : بدمشق (اللباب : ٣ / ٢٩).

(٢) قال الأصمعي : جبل مطلّ بعرفات. وقال الغوري : هو ميقات أهل اليمن والطائف يقال له قرن المنازل ويدعي قرن الثعالب (معجم البلدان ـ قرن).

(٣) النهاية : ٤ / ٥٢.

(٤) هو إبراهيم بن إسحاق الحربي إمام فاضل له تصانيف كثيرة ، روى عن ابن حنبل. توفي سنة ٢٨٥. وهذه النسبة إلى محلة ببغداد وإلى جد (اللباب : ١ / ٣٥٤).

(٥) ذكره في الإحياء. قال العراقي : متفق عليه (كشف الخفاء : ١ / ٢٢١).

(٦) من الحديث : «أنه نهى عن القران إلا أن يستأذن أحدكم صاحبه» (النهاية : ٤ / ٥٢).

(٧) بأن يجمع بينهما بنيّة واحدة وإحرام واحد وطواف واحد وسعي واحد فيقول : لبيّك بحجّة وعمرة. وهو عند أبي حنيفة أفضل من الإفراد والتمتّع (المصدر السابق).

(٨) ١٣ / الزخرف : ٤٣.

٣٥٦

قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ)(١) هو الاسكندر بن داري ، وفي تسميته بذلك خلاف ؛ فقيل : لأنه كان له ضفيرتان من الشّعر. وقيل : لأنه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الأيسر فمات ثم أحياه الله تعالى (٢). وحكى عليّ ـ رضي الله عنه ـ قصته كذا ثم قال : «وفيكم مثله» (٣) قالوا : فنرى أن يكون عنى نفسه لأنه ضرب ضربتين : ضربة يوم الخندق ، وضربه ثانيا ابن ملجم لعنه الله ، وقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ لك بيتا في الجنة وإنك ذو قرنيها» (٤) أي طرفي الجنة ، وقال أبو عبيد : أحسب أنه أراد الحسن والحسين (٥).

والقرن : البدعة ، وفي حديث خبّاب : «هذا قرن قد طلع» (٦) يعني بدعة لم تكن على عهده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : أراد قوما أحداثا نبغوا بعد أن لم يكونوا (٧).

وقرنا البئر : عمودان عن يمينها ويسارها يسقى عليهما. والقرن في الحاجبين : التقاؤهما ضدّ البلج. وفي صفته عليه الصلاة والسّلام : «سوابغ في غير قرن» (٨) وهذا خلاف ما روت أمّ معبد رضي الله عنها (٩).

ق ر ي :

قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(١٠) قيل هي اسم للمكان الذي يجتمع فيه الناس ، وللناس جميعا ، ثم يستعمل في كلّ واحد منهما ، قاله الراغب (١١). قلت : وعلى هذا فكون

__________________

(١) ٨٣ / الكهف : ١٨.

(٢) ولكن ليس الاسكندر المكدوني لأن هذا كافر وذاك مؤمن (أنظر معجم أعلام القرآن ـ مادة : ذو القرنين).

(٣) النهاية : ٤ / ٥٢.

(٤) النهاية : ٤ / ٥١. ورواية الراغب : « .. لذو ..» (المفردات : ٤٠١).

(٥) هذا ليس قول أبي عبيد على رواية ابن الأثير ، بل قوله : «وأنا أحسب أنه أراد ذو قرني الأمة ، فأضمر».

(٦) النهاية : ٤ / ٥١.

(٧) يعني القصّاص.

(٨) النهاية : ٤ / ٥٤.

(٩) فإنها قالت : «أزجّ أقرن» والأول الصحيح في صفته (المصدر السابق).

(١٠) ٨٢ / يوسف : ١٢.

(١١) المفردات : ٤٠٢.

٣٥٧

القرية اسما للمكان وحده أو للناس وحدهم مجازا واشتقاقها من القري وهو الجمع. [أي يقال : قريت الماء في الحوض ، أي جمعته. ومنه : المقرى والمقراة ، وهي مجتمع الماء](١) وفي الحديث : «أتى إلى مقرى بستان فتوضأ» (٢). قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) قيل : هو على حذف مضاف أي أهلها ، وقيل : بل القرية نفسها مسؤولة. وساغ ذلك لأنّ السائل ... (٣) يجوز أن تجيبه الأحجار وما معها ، فيكون حقيقة. وقيل : نسب السؤال للقرية والمراد أهلها ، والعلاقة المجاورة ؛ فالأول من مجاز الحذف ، والثاني من مجاز العلاقة. والأصوليون يقولون : إذا تعارض المجاز والإضمار فالمجاز أولى. وقيل : مستويان ، وهو تسامح منهم لأنّ الإضمار مجاز.

قوله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ)(٤) هي إيليّا. قوله : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)(٥) هما مكة والطائف. وقوله : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً)(٦) يجوز أن يكون عبّر بالقرية عن القوم ، وأن يكون أراد الحذف.

قوله : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ)(٧) فالقرى هنا اسم للمدن فقط. ودخل بعض القضاة على عليّ بن الحسن رضي الله عنهما فقال : أخبرني عن قول الله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً)(٨) ما يقول فيه علماؤكم؟ فقال : يقولون : مكة. فقال : وهل رأيت؟ فقال : ما هي؟ فقال : إنّما عني الرجال. قال : فقلت : فأين ذلك في كتاب الله تعالى؟ فقال : أولم تسمع قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها)(٩).

وقريت الماء جمعته قريا. وقريت الضّيف قرى. وقريان الماء : مجتمعه. والاستقراء :

__________________

(١) إضافة من د.

(٢) النهاية : ٤ / ٥٦ ، وفيه خلاف.

(٣) كلمة غير واضحة في ح وس ، وفي د «بين».

(٤) ١٦٣ / الأعراف : ٧.

(٥) ٣١ / الزخرف : ٤٣.

(٦) ١١٢ / النحل : ١٦.

(٧) ١١٧ / هود : ١١.

(٨) ١٨ / سبأ : ٣٤.

(٩) ٨ / الطلاق : ٦٥. والخبر في المفردات : ٤٠٣.

٣٥٨

التتبّع والاستقصاء ، وفي الحديث : «فخرج يستقري الرّفاق» (١). وفي الحديث : «أمرت بقرية تأكل القرى» (٢) يعني : أمرت بالهجرة إلى المدينة ، ومعنى أكلها القرى ما يفتح الله على أيديهم من الغنائم ، وهو من أحسن المجاز.

فصل القاف والسين

ق س س :

قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً)(٣) القسّيس : العالم المتعبد من رؤوس النصارى ، وقيل : بل هو رئيس النّصارى ، ومثله القسّ. وجمع القسّ قسوس ، والقسيس قسّيسون وقساوسة وقسوس ، وهما على غير قياس (٤).

والقسّ في اللغة تتّبع الخبر ، وقيل : تتبع الشيء وطلبه بالليل ، وبين العبارتين عموم وخصوص من وجه ؛ يقال : تقسّست أصواتهم بالليل أي تتبّعتها. والقسقاس والقسقس : الدليل بالليل.

والقسقاسة : التحريك ، وفي الحديث : أنّ فلانة خطبها أبو جهم ومعاوية ، فقال لها صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمّا أبو جهم فأخاف عليك قسقاسته» أي تحريكه إيّاها عند الضرب (٥).

وقسقس الرجل في مشيته : أي أسرع. وما زال يقسقس ليلته ، أي إذا أسرع (٦). وأنشد : [من الرجز]

كأنّها وقد براها الأخماس

وأدلج الليل وهاد قسقاس

قيل : وكان القياس قسقسته دون ألف ، وإنّما زيدت كيلا تتوالى الحركات ، وفسّر أبو

__________________

(١) النهاية : ٤ / ٥٦.

(٢) النهاية : ٤ / ٥٧.

(٣) ٨٢ / المائدة : ٥.

(٤) القسّ : بين الأسقف والشمّاس ، الكاهن والكلمة سريانية معناها الشيخ.

(٥) النهاية : ٤ / ٦١ ، ويعني تحريك العصا. والحديث لفاطمة بنت قيس. وفي الأصل أبو جهل ، والتصويب من النهاية واللسان.

(٦) وفي الأصل : سره ، ولعله كما أثبتنا. والبيت كذا رسمه في الأصل!

٣٥٩

زيد القسقاسة بالعصا ، وهو الظاهر المراد في الحديث. وقيل : عنى عليه‌السلام بذلك كثرة أسفاره. وروى عليّ رضي الله عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنّه نهى عن لبس القسّيّ» (١) قيل : من ثياب مصر فيها حرير نسبة إلى القسّ وهو موضع (٢). وقال شمر : قال بعضهم : أصله القزّيّ فأبدلت الزاي سينا (٣).

ق س ور :

قوله تعالى : (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)(٤). القسورة : الأسد ووزنه فعولة ، اشتقاقا من القسر وهو القهر. وقيل : القسورة : الصيادون ؛ شبّههم بحمر وحشية ، وهي أنفر الصّيد. ثم لم يكتف بذلك حتى وصفها بالفرار ، ثم لم يكتف بذلك حتى بيّن سبب الفرار من أشدّ الحيوان بأسا وهو الأسد (٥). ويقال : قسرته واقتسرته ، أي غلبته وقهرته.

ق س ط :

قوله تعالى : (قائِماً بِالْقِسْطِ)(٦). القسط : العدل : وقيل : النّصيب بالعدل كالنّصف والنّصفة. والقسط ـ بالفتح ـ هو أن يأخذ قسط غيره ، وهذا جور. والإقساط : أن يعطى قسط غيره ، وذلك إنصاف ؛ قال الراغب (٧) : ولذلك يقال : قسط الرّجل : إذا جار. وأقسط : إذا عدل. قال تعالى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً)(٨) ، وقال : (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(٩). ويحكى / أنّ الحجاج الخبيث قال لسعيد بن جبير في حكاية طويلة : ما تقول فيّ؟ فقال : أقول إنّك قاسط عادل. فأعجب الحاضرين ، فقال الحجاج : ما أبلدكم!

__________________

(١) النهاية : ٤ / ٥٩.

(٢) قس : قرية على شاطىء البحر في مصر قرب تنيس (معجم البلدان ـ قس).

(٣) فتكون نسبة إلى القزّ وهو ضرب من الحرير.

(٤) ٥١ / المدثر : ٧٤ ، وذكر السيوطي أن الأسد يقال له بالحبشية قسورة (الإتقان : ١١٠٩).

(٥) خطّأ ابن منظور الليث في جمع قسور على قسورة ، إنما القسورة اسم جامع للرماة ، ولا واحد له من لفظه. ومن معاني القسورة : ضرب من الشجر.

(٦) ١٨ / آل عمران : ٣.

(٧) المفردات : ٤٠٣.

(٨) ١٥ / الجن : ٧٢.

(٩) ٩ / الحجرات : ٤٩.

٣٦٠