عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٥

فلانا : إذا منعه من حقّ يجب عليه. قال : ومن هذا عصرة الغريم ، وهو أن يمنعه مال عليه ويقول : صالحني على كذا أعجله لك.

قوله : (فَأَصابَها إِعْصارٌ)(١) أي ريح عاصف يرفع ترابا إلى السماء ويديره كأنّه عمود تسميه العرب الزّوبعة. وفي المثل : «إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا» (٢) يضرب مثلا للقويّ يلقاه أقوى منه. قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ)(٣) أي وربّ العصر. والعصر : الزمان ؛ قال الشاعر : [من الطويل]

وقد مرّ للدارين من بعد عصرنا

والجمع أعصر وعصور ؛ قال الشاعر : [من الطويل]

حيوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا

وعصر بالفتح والضم. والعصر أيضا : وقت هذه الصلاة المعروفة بخصوصها لأنّها فعلت في وقت. واللغة ليست بقياس : وتسمّى كلّ صلاة عصرا. والعصران ، قيل : الليل والنهار وقيل : الغداة والعشيّ ، وأنشد (٤) : [من الطويل]

ولن يلبث العصران يوم وليلة

إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما

وهذا نصّ في أنّهما الليل والنهار بدليل أنّ اليوم والليلة أبدلا من العصرين. وفي حديث أبي هريرة : «أن امرأة مرت به متطيّبة ولذيلها عصرة» (٥) أي غبار لسحب ذيلها بالأرض. وقيل : عصرة أي رائحة وذلك على التشبيه بما يفوح من رائحة طيبها. والأعاصير. جمع إعصار. وقال الشاعر (٦) : [من البسيط]

وبينما المرء في دنياه مغتبط

إذ حلّ بالرمس تعفوه الأعاصير

__________________

(١) ٢٦٦ / البقرة : ٢.

(٢) المستقصى : ١ / ٢٧٣.

(٣) ١ / العصر : ١٠٣.

(٤) البيت لحميد بن ثور (اللسان ـ مادة عصر) ، وكذا روح المعاني.

(٥) النهاية : ٣ / ٢٤٧ ، وفي رواية : «إعصار». والحديث لأبي هريرة.

(٦) أنشده الأصمعي. وهو من شواهد اللسان ـ مادة عصر. وفي روايته خلاف.

١٠١

ع ص ف :

قوله تعالى : (رِيحٌ عاصِفٌ)(١) أي شديدة الهبوب والمرور. ويقال : عصفت الريح واعتصفت فهي عاصف وعاصفة ومعصف ومعصفة. وقيل : أصله من العصف وهو ما يتكسّر. ومنه العصف لورق الزرع كالتّبن ونحوه. قال تعالى : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ)(٢). وقال تعالى : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)(٣) لم يكفه أن شبّههم بأهون الأشياء. وهو ما يأكله الدوابّ بغير رغبة لها فيه ـ حتى جعلهم بمنزلته بعد ما أكل وصار سرجينا ورجيعا. قوله : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ)(٤) نسب الوصف الواقع فيه لغيره مجازا قصدا للمبالغة كقوله : نهاره صائم (٥) وقيل : أراد : يوم عصف ، فهو على النسب. وقيل : أراد في يوم عاصف الريح لأنها ذكرت في أول الآية. وأنشد (٦) : [من الطويل]

إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف

أي كاسف الشمس فحذف لذكره إياها.

ع ص م :

قوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(٧) أي يمنعك ويحفظك من أذاهم. ولّما نزلت أخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأسه الكريمة وثوقا منه بذلك ، وقال لحرسيّ كان حوله : «أيّها الناس انصرفوا فإنّ الله قد عصمني» (٨). قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ)(٩) أي امتنعوا بالقرآن.

__________________

(١) ٢٢ / يونس : ١٠.

(٢) ١٢ / الرحمن : ٥٥. العصف : ورق الزرع وما لا يؤكل منه ، وقيل غير هذا.

(٣) ٥ / الفيل : ١٠٥.

(٤) ١٨ / إبراهيم : ١٤.

(٥) قال الجوهري : يوم عاصف تعصف فيه الريح ، وهو فاعل بمعنى مفعول فيه مثل قولهم : ليل نائم ، وهمّ ناصب (اللسان ـ مادة عصف).

(٦) اللسان ـ مادة عصف.

(٧) ٦٧ / المائدة : ٥.

(٨) الترمذي ، تفسير السورة : ٥.

(٩) ١٠٣ / آل عمران : ٣.

١٠٢

والاعتصام : الامتساك بالشيء. والاستعصام : الاستسماك. قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) أي امتسكوا به. قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ)(١) أي يتمسك ويمتنع. قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ)(٢) أي امتسكوا وامتنعوا. قوله : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)(٣) أي لا مانع من أمره وما أراده من غرق قوم نوح. قيل : عاصم هنا بمعنى معصوم كقوله : (ماءٍ دافِقٍ)(٤) و (عِيشَةٍ راضِيَةٍ)(٥). وكان الذي أحوج إلى هذا استثناء قوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ) منه على تقدير الاتصال وليس ذلك بلازم لما سيأتي. قال الراغب (٦) : ومن قال : لا معصوم فليس يعني أنّ العاصم بمعنى المعصوم وإنّما ذلك تنبيه على المعنى المقصود بذلك ، وذلك أنّ العاصم والمعصوم يتلازمان فأيّهما حصل حصل معه الآخر. وقال ابن كيسان : لما نفي العاصم صار بمعنى المعصوم ، وصار (إِلَّا مَنْ رَحِمَ) مستثنى من المعصومين الذين دلّ عليهم الفاعل لأنه جواب من قال : من يعصمني من أمر الله؟. والجواب السديد أنّ عاصما على معنى ذي عصمة ؛ ففاعل للنسب كلابن ورامح ونابل ، وحينئذ فالاستثناء متصل واضح.

قوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)(٧) أي بعقد نكاحهنّ. وقال ابن عرفة : العصمة : العقد. والعصمة : المتعة أيضا ، ومنه قيل للبذرقة (٨) عصمة. ومنه قول أبي طالب يمدح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٩) : [من الطويل]

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

__________________

(١) ١٠١ / آل عمران : ٣.

(٢) ٧٨ / الحج : ٢٢.

(٣) ٤٣ / هود : ١١.

(٤) ٦ / الطارق : ٨٦.

(٥) ٢١ / الحاقة : ٦٩ ، وغيرها.

(٦) المفردات : ٣٣٧.

(٧) ١٠ / الممتحنة : ٦٠. الكوافر : النساء الكفرة.

(٨) وفي ح : للبرقة. البذرقة (فارسية) : الخفارة. وقال الهروي في كتابه الغريبين : إن البذرقة يقال لها عصمة ، أي يعتصم بها ، وذلك في فصل «عصم».

(٩) العجز مذكور في النهاية : ٣ / ٢٤٩.

١٠٣

والعصم : مصدر عصمه أي مسكه. وقوله تعالى : (فَاسْتَعْصَمَ)(١) أي تحرّى ما يعصمه ويمنعه من ركوب الفاحشة كأنه طلب ما يعتصم به. والعصام : ما يشدّ به ويربط. ومنه : عصام القربة ، والجمع عصم وأعصمة. ومنه الحديث : «جمل مقيّد بعصم» (٢). والعصمة : ما يبقى من آثار البول على أفخاذ الإبل. وعصام : علم منقول منه. وعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام عبارة عن حفظ الله تعالى إياهم من كلّ كبيرة وصغيرة ورذيلة ، وعمّا خصّهم به من صفاء جوهرهم ، وبما نقّاهم من درن طبائع البشر. وفي الصحيح ما يبين ذلك من شقّ صدره عليه الصلاة والسّلام وإخراج ما ذكره عليه الصلاة والسّلام منه وغسله بالماء والثلج وحشوه وملئه بالحكم. فكلّ هذا من العناية الرّبانية بهم ، وإلا فالبشر من حيث هو بشر يعجز عن اكتساب مثل هذه الأشياء ، ولا تجيء إلا بالفيض الإلهيّ خلافا لمن ضلّ وزعم أنّ النّبوات تكون بالاكتسابات وبما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية ، وبالنصرة وتثبيت أقدامهم بما أنزله عليهم من السكينة وربط الجأش ، حتى إنّ موسى عليه‌السلام يجيء إلى فرعون وهو يدّعي الربوبية ، وقد ربّاه في حجره والناس كلّهم مذعنون لربوبيته مقرّون بالإلهية إلا من عصم الله ، ويكذّبه ويوبخه ، ما ذاك إلا لقوله : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى)(٣). وأعجب من ذلك قصة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع سائر الخلق إنسهم وجنّهم بمفرده ليس له معين غير مرسله. وفي الحديث : «إن جبريل جاء يوم بدر على فرس أنثى وقد عصم ثنيّته الغبار» (٤). قال القتيبيّ : صوابه «عصب» أي يبس. والمعصم : من الكوع إلى المرفق. قال النابغة (٥) : [من الطويل]

فألقت قناعا دونه الشمس واتّقت

بأحسن موصولين : كفّ ومعصم

وكأنّه أجري مجرى الآلة التي تعصم. والأعصم : الغراب لبعض البياض الذي فيه في نوع منه ؛ وفي الحديث : «لا يدخل من النساء الجنة إلا مثل الغراب الأعصم» (٦) قال

__________________

(١) ٣٢ / يوسف : ١٢.

(٢) النهاية : ٣ / ٢٥٠.

(٣) ٤٦ / طه : ٢٠.

(٤) النهاية : ٣ / ٢٤٩ ، ويقول ابن الأثير : «والميم فيه بدل من الباء».

(٥) البيت ليس للنابغة وإنما هو لأبي حية النميري كما في البيان والتبيين : ٢ / ٢٢٩.

(٦) النهاية : ٣ / ٢٤٩ ، وفي الأصل تقديم وتأخير صوّبناه.

١٠٤

أبو عبيد : هو الأبيض الرجلين. وقال ابن شميل : هو الأبيض الجناحين. وقد حاكاه أبو بكر في هذا قال : لأن تشبيه رجليه باليدين أولى من تشبيههما بجناحيه. وفي حديث آخر ، «غراب أحمر المنقار والرجلين. فقال عليه الصلاة والسّلام : «لا يدخل الجنة من النساء إلا قدر هذا الغراب» (١). والعرب تجعل البياض حمرة. ومنه قولهم للبيضاء حمراء. ومنه قوله لعائشة رضي الله عنها : «يا حميراء» (٢). والأعصم أيضا : الوعل الذي بذراعه بياض ، وجمعه عصم. وأنشد : [من الكامل]

لو أنّ عصم ما تبين بديل

والعصمة : شبه السّوار ، والمعصم : موضعه من اليد. ومن ثمّ قيل : للبياض بالرّسغ عصمة تشبيها بالسوار ، وكتسمية البياض بالرّجل تحجيلا.

ع ص و :

قوله تعالى : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ)(٣). العصا معلومة ، وجمعها عصيّ بكسر الفاء وضمّها وهو الأصل ، وهي من ذوات الواو. والأصل عصوو ؛ الأولى واو فعول والثانية لام الكلمة ؛ قال تعالى : (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ)(٤). والتّثنية عصوان. وعصوته : ضربته بالعصا ، وعصيته : ضربته بالسيف. ففرّقوا بين المعنيين بالحرفين. قوله : (قالَ هِيَ عَصايَ)(٥) هذه هي اللغة الفصيحة. وقرىء «عصيّ» على لغة هذيل (٦) ؛ قال شاعرهم (٧) : [من الكامل]

سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم

فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٢٥٠.

(٢) كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينادي عائشة «يا حميراء» ، ويذكرها في حديثه بهذه الصفة. أنظر النهاية : ١ / ٤٣٨.

(٣) ٣١ / القصص : ٢٨.

(٤) ٦٦ / طه : ٢٠.

(٥) ١٨ / طه : ٢٠.

(٦) قرأها ابن أبي إسحاق (مختصر الشواذ : ٨٧).

(٧) البيت لأبي ذؤيب من عينيته الرثائية (ديوان الهذليين : ١ / ٢).

١٠٥

وفي المثل : «ألقى عصاه» كناية عمّن يطرح الأمور. وألقى عصاه ، أي قدم من سفره ، لأنها حالة المسافر غالبا عندهم ؛ قال شاعرهم (١) : [من الطويل]

فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

قال أبو عبيد : وأصل العصا : الاجتماع والائتلاف. ومنه قولهم : من شقّ عصا المسلمين ، أي فارق جماعتهم. وقال غيره : إنّما ذلك تمثيل بمن شقّ العصا نصفين ؛ فنصفها يفرق من الآخر ولا يعود يلتئم معه ، فضربه ذلك مثلا لكلّ مفارق. وفي الحديث : «لا ترفع عصاك عن أهلك» (٢) كناية عن تأديبهم وجمعهم على طاعة الله تعالى. وقوله عليه الصلاة والسّلام : «لا يضع العصا عن عاتقه» (٣) قيل : كناية عن كثرة سفره لقولهم في الإياب : ألقى عصاه. قال الشاعر : فألقت عصاها ، البيت. وقيل : كناية عن كثرة ضربه أهله ، وهذا من باب المبالغة. والحديث لغالب الأحوال ؛ وإلا فمعلوم أنه كان يضعها في بعض الأحيان لنومه وقضاء حاجته وأكله وغير ذلك. ويحكى أنّ رجلا دخل إلى مالك يستفتيه فقال : اشتريت طائرا على أنه لا يسكت ، فقال : لك ردّه إذا سكت ، فخرج الرجل وكان (٤) الشافعيّ على باب مالك فسأله فقال : بماذا أفتاك مالك؟ فأخبره فقال : راجعه. فلما راجعه قال : من بالباب؟ قيل له : الشافعيّ. فاستدعاه واستفتاه فقال : إن كان غالب أحواله الصياح فلا ردّ بدليل «لا يضع العصا عن عاتقه». فاستحسن ذلك منه.

ع ص ي :

قوله تعالى : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ)(٥) العصيان : مخالفة الأمر. وقيل : عصى عصيانا : خرج عن الطاعة ، قال الراغب (٦) : وأصله أن يتمنّع بعصاه ؛ فإن أراد اشتقاقه من ذلك فمشكل من حيث اختلاف المادّتين ؛ تيك من الواو ـ كما تقدّم ـ وهذه من الياء بدليل :

__________________

(١) البيت لمعقّر بن حمار البارقي (اللسان ـ مادة عصا) وقصته مشهورة.

(٢) النهاية : ٣ / ٢٥٠.

(٣) النهاية : ٣ / ٢٥٠ ، وهو حديث أبي جهم.

(٤) وفي س : وقال.

(٥) ٦ / التحريم : ٦٦.

(٦) المفردات : ٣٣٧.

١٠٦

عصى يعصي عصيانا ، وعصيت أنت. قال تعالى : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)(١). وإن أراد الاشتقاق الأكبر فقريب ، وتقدّم مثله في الصلاة. وليس قوله : (وَيَفْعَلُونَ)(٢) تكريرا لقوله : (لا يَعْصُونَ) إذ لا يلزم من عدم العصيان فعل المأمور به لاحتمال أن يكون المأمور عاجزا عنه. ومثاله من يأمر رجلا بحمل صخرة عظيمة فيمتثل (٣) ، لكن لا يطيق ذلك. فهذا غير عاص لكنه عاجز. والملائكة جامعون بين الأمرين : الامتثال والطاعة ، وهو حسن جدا. وقد يعبّر بالعصيان عن مجرد الامتناع. ومنه الحديث : «لولا أنّا نعصي الله ما عصانا» (٤) أي لم يمتنع إجابتنا في دعائنا له.

فصل العين والضاد

ع ض د :

قوله تعالى : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ)(٥) هو ما بين المنكب إلى الكتف ، وهو عبارة عن الإعانة والتّقوية. وأصله من قولهم : عضدته ، أي شددته واشتدّ بعضده عند وقوع في هلكة من حفيرة وغيرها. ثم جعل عبارة عن كلّ معونة. وعضدته أيضا : أصبت عضده نحو رأسته. وجمل عاضد : يأخذ بعضد الناقة فينوّخها. ويستعار العضد للمعين فيقال : أنا عضدك نحو أنا يدك. ورجل أعضد : رقيق العضد مشتك من العضد ؛ داء يناله في عضده. وأنشد للنابغة الذبياني (٦) : [من البسيط]

شكّ الفريصة بالمدرى فأنفذها

طعن المبيطر إذ يشفي من العضد

ومعضّد : موسوم في عضده. ولتلك السّمة عضاد. والمعضد : دملجة. وأعضاد

__________________

(١) ٩٣ / طه : ٢٠.

(٢) من الآية السابقة.

(٣) وفي س : فتمثيل.

(٤) النهاية : ٣ / ٢٥١.

(٥) ٣٥ / القصص : ٢٨.

(٦) الديوان : ١٠. وفي الديوان وجمهرة اللغة : ٢ / ٢٧٦ : شك المبيطر.

١٠٧

الحوض : جوانبه تشبيها بأعضاد الإنسان. قوله : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)(١) أي أعوانا أتقوّى بهم. وفي حديث أمّ زرع : «وملأ من شحم عضديّ» (٢) تريد إحسانه إليها ملأها شحما ، ولا تريد عضديها فقط بل عبّرت بأظهر ما فيها.

والعضد ـ بالسكون ـ : القطع ؛ وفي الحديث : «أن يعضد شجرها» (٣) أي يقطع. وأصل ذلك من : عضدته : أصبت عضده بقطع وغيره ، فاستعير ذلك لقطع الشجر ونحوه. يقال : عضده واستعضده نحو علاه واستعلاه ، وقرّ واستقرّ. وفي حديث آخر : «ونستعضد البرير» (٤) البرير : ثمر الأراك. ونفس المعضود يقال فيه عضد نحو قبض ونقض. ومنه قولهم في بني عمرو بن خالد بن جذيمة : «يخبطون عضيدها ويأكلون حصيدها» (٥). وفي الحديث : «كان له عضد من نخل» (٦) أراد طريقة من النخل. قال بعضهم : إنما هو عضيد. قال بعضهم : إذا صار للنخلة جذع يتناول منه فهو عضيد ، وجمعه عضدان.

ع ض ض :

قوله تعالى : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ)(٧) تمثيل لشدة غيظهم وحسدهم وعدم انقيادهم للأمر ، فهم حين يقدرون عليهم بمثابة من تفوته فرصة فيعضّ أنامله ندما على ما فاته. وقيل : لشدة إيغاظهم المؤمنين وغيظهم منهم يفعلون ذلك. يقال : عضّ فلان يده غيظا على فلان : إذا بالغ في عداوته. وقوله : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ)(٨) يعني ندما وتحسّرا. وأنشد (٩) : [من الوافر]

كمغبون يعضّ على يديه

تبيّن غبنه بعد البياع

__________________

(١) ٥١ / الكهف : ١٨.

(٢) النهاية : ٣ / ٢٥٢. ولم ترد (من) في الأصل ، ونقلناها من النهاية ومن م.

(٣) النهاية : ٣ / ٢٥١. ومطلع الحديث : «نهى أن ..».

(٤) النهاية : ٣ / ٢٥٢ ، أي نقطعه ونجنيه من شجره للأكل. وهو حديث طهفة.

(٥) النهاية : ٣ / ٢٥٢ ، والحديث لظبيان.

(٦) النهاية : ٣ / ٢٥٢ ، وفي الأصل : «كانت ...».

(٧) ١١٩ / آل عمران : ٣.

(٨) ٢٧ / الفرقان : ٢٥.

(٩) البيت لقيس بن ذريح (الديوان : ١١٨). وهو مذكور في اللسان ـ مادة بيع.

١٠٨

وأصل العضّ : الأزم بالأسنان على الشيء. والعضّ (١) : النّوى (٢) ولما تعضّ عليه الإبل. والعضاض : معاضّة الدوابّ بعضها بعضا. ورجل عضّ : مبالغ في أمره بمنزلة من يعضّ عليه. ويقال ذلك في المدح تارة وفي الذمّ أخرى بحسب ما يبالغ (٣) فيه. يقال : هو عضّ في سفره ، وعضّ في الخصومة. ويستعار ذلك لأزم الزمان وشدّته. وأنشد للفرزدق (٤) : [من الطويل]

وعضّ زمان يابن مروان لم يدع

من المال إلا مسحت أو مجرّف

والتّعضوض (٥) ضرب من التمر يعسر عضّه ومضغه ، ومنه الحديث : «أهدت لنا نوعا من التّعضوض» (٦). وجمع العضّ عضوض ؛ قيل : العضوض جمع عضّ وهو الرجل الخبيث الشرير. وغلّط الأزهريّ من ضمّ العين وقال : صوابه عضوض بالفتح. يقال : ملك عضوض : إذا نال رعيته منه جور كأنّه يعضّهم. قلت : إن كانت الرواية «ملك» بالإفراد فيظهر ما قال ، وإن كانت «ملوك» بالجمع فيشكل إلا أن يقصد الجنس. وفي الحديث : «من تعزّى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا» (٧) تقدّم تفسير «تعزّى بعزاء الجاهلية» وأمّا «فأعضّوه» قيل : معناه قولوا له : اعضض بأير أبيك ، ولا تكنوا بالهن تأديبا وتنكيلا.

ع ض ل :

قوله تعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ)(٨) أي لا تمنعوهنّ من نكاح أزواجهنّ. وأصل

__________________

(١) ١٢ وفي الأصل : المعض.

(٢) وفي الأصل : الهوى. وكلاهما وهم.

(٣) وفي الأصل : يبلغ.

(٤) الديوان : ٥٥٦. ورواية الديوان المعتمدة : مسحتا (بالنصب). والقافية في الأصل : مجلّف. والمسحت : الذي لا يدع شيئا إلا أخذه.

(٥) وفي الأصل وم : والتعموض. والسياق يناسب ما قرأنا.

(٦) النهاية : ٣ / ٢٥٣.

(٧) النهاية : ٣ / ٢٥٢.

(٨) ١٩ / النساء : ٤.

١٠٩

العضل (١) التضييق. يقال : أعضل في الأمر أي ضاق. ومنه قول عمر رضي الله عنه : «أعضل بي أهل الكوفة» (٢) قال الأزهريّ : أصل العضل من قولهم : عضلت المرأة : إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه. وعضّلت الدجاجة : نشبت بيضتها. ومسألة معضلة : إذا كانت صعبة لا يهتدى لوجه الصواب فيها لضيقها. ومنه قول معاوية (٣) رضي الله عنه : «معضلة ولا أبا حسن» أي صعبة ضيقة المخارج ولا مثل علي لها ، يعني هو الذي يشرحها. وأعضل الأمر : اشتدّ. وداء عضال : إذا عسرت مداواته. وأنشد (٤) : [من الطويل]

شفاها من الداء العضال الذي بها

غلام إذا هزّ القناة سقاها

وهو عضلة من العضل ، أي لا يقدر عليه لشدته. والعضلة : الداهية المنكرة أيضا. وعضّلت الأرض بالجيش : ضاقت بهم ، كناية عن كثرتهم. وأنشد (٥) : [من الطويل]

ترى الأرض منّا بالفضاء مريضة

معضّلة منّا بجمع عرمرم

والعضلة : كلّ لحم صلب وعصب. ومنه : رجل عضل : مكتنز اللحم. وعضلته : شددته بالعضل المأخوذ من الحيوان نحو : عصبته ، ثم تجوّز به في كلّ منع شديد. وقوله : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا). هذا [بلا] خلاف خطاب للأزواج. أي لا تضيقوا عليهنّ بالمضارّة ليفتدين منكم ببعض مهورهنّ. وأما (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ)(٦) فالظاهر أنه للأولياء ، وقيل : للأزواج.

__________________

(١) الكلمة ساقطة من ح وأضفناها من م. والتعريف حتى قول عمر ساقط من س.

(٢) النهاية : ٣ / ٢٥٤.

(٣) الاسم ساقط من ح. والحديث قاله حين جاءته مسألة مشكلة (النهاية : ٣ / ٢٥٤). ويعزى شبيه بهذا القول إلى عمر (اللسان ـ مادة عضل).

(٤) عزاه ابن منظور إلى ليلى (اللسان ـ مادة عضل).

(٥) البيت لأوس بن حجر في اللسان ، ومن غير عزو في المفردات : ٣٣٨.

(٦) ٢٣٢ / البقرة : ٢.

١١٠

ع ض ه (١) :

قوله تعالى : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ)(٢) اختلف في تفسير معناه فقيل : معناه فرقا وأنواعا لأنّ بعضهم يقول : هو سحر ، وبعض كهانة ، وبعض شعر وبعض أساطير الأولين. إلى غير ذلك مما افتروه وانتحلوه. وقيل : معناه جعلوه مقسما أقساما يؤمن ببعضه ويكفر بآخر ، لقوله تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)(٣) وعضون جمع عضة وفيها لغتان : عضوة وعضهة ، كما في سنة (٤) : سنهة وسنوة ، ويدلّ لذلك قولهم : عضيهة وعضيهات وعضيّة وعضوات ، فحذفت اللام وجمعت جمع المذكر السالم في ظاهر قول النحاة (٥) وعند تحقيقهم ليس هذا تصحيحا إنما هو تكسير كما حقّقناه في غير هذا ، لكنه جرى مجرى جمع التصحيح في الإعراب حيث رفع بالواو ونصب وجرّ بالياء. فمن قال : أصلها الواو قال هو من العضو. والتّعضية : تجزئة الأعضاء. وقد عضيته (٦) أي أجزأته. قال الشاعر (٧) : [من الرجز]

وليس دين الله بالمعضّى

أي بالمقسّم بل هو دين واحد ، قال الكسائيّ : هو من العضو أو من العضه ، وهي شجرة. وأصل عضة في لغة عضهة لقولهم عضيهة ، وفي لغة عضوة لقولهم عضوات. قلت : ومنهم من جعل مادة عضهة غير معنى مادة عضوة فقال : العضه : السّحر ، والعاضه : الساحر ، والعاضهة : الساحرة. ومنه الحديث : «لعن الله العاضهة والمستعضهة» (٨) وفسّر بالساحرة والمستسحرة. وفي الحديث أيضا : «ألا أنبّئكم بالعضه؟ هي النميمة» (٩) والعضيهة : البهتان ؛ قالوا : فسمي السحر عضها لأنه كذب وإفك وتخييل لا

__________________

(١) وفي الأصل : ع ض ن ، وهو وهم.

(٢) ٩١ / الحجر : ١٥.

(٣) ٨٥ / البقرة : ٢.

(٤) في الأصل : سنون ، ولعل الصواب ما ذكرنا.

(٥) يعني : عضون.

(٦) في ح : عضدته ، وفي س : عضته ، ولعل الصواب ما ذكرنا.

(٧) الشاهد في اللسان ـ مادة عضا.

(٨) النهاية : ٣ / ٢٥٥.

(٩) النهاية : ٣ / ٢٥٤. وفي رواية : « ... ما العضة؟».

١١١

حقيقة له. وعلى هذا التأويل فالمعنى : جعلوا القرآن أنواعا من السّحر. وفي الحديث : «لا تعضية في ميراث» (١) أي لا قسمة فيما فيه ضرر على الورثة ؛ كأن تقسم جوهرة نفيسة أو ثوب نفيس فتنقص بذلك قيمته.

فصل العين والطاء

ع ط ف :

قوله تعالى : (ثانِيَ عِطْفِهِ)(٢) أي متكبر ، وقد تقدّم أنّ ذلك كناية عن التكبر نحو : لوى جيده ، وصعّر خدّه. وعطفا الإنسان : جانباه يمينا ويسارا من عند رأسه إلى وركه. وقيل : هما ناحيتا عنقه. وقيل : منكب الرجل : عطفه ، وهو الذي يمكنه أن يلقيه من بدنه. والعطف : ثني الشيء وردّ أحد طرفيه على الآخر كعطف الوسادة والغصن والحبل. ومنه سمي الشيء المثنيّ عطافا. وقد يكنى به عن الشفقة والميل إذا تعدّى بعلى نحو : عطف عليه. وإذا عدي بعن عكس المعنى ، نحو : عطفت عنه نحو مال في تعدّيه بالحرفين. وشاة عاطفة وظبية عاطفة وعاطف على ولدها. وناقة عطوف على بوّها (٣). وأنشد : [من السريع]

ما ظبية في مرمر صوّرت

أو ظبية في حمر عاطف

أحسن منها يوم قالت لنا

والدمع من مقلتها واكف :

لأنت أحلى من لذيذ الكرى

من أمان ناله خائف

وفي الحديث : «سبحان الذي تعطّف بالعزّ وقال به» (٤) أي تردّى بالعزّ. ومنه قيل للرّداء عطاف. وقد اعتطف وتعطّف : إذا تردّى. وسمّي الرداء عطافا لأنه يقع على عطفي الإنسان. وفي حديث أمّ معبد : «وفي أشفاره عطف» (٥) تصفه بطول هدب العين ، أي طال وانعطف. ويروى بالمعجمة.

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٢٥٦.

(٢) ٩ / الحج : ٢٢.

(٣) في ح بياض موضع الكلمة ، وفي س : ولدها. والتصويب من م.

(٤) النهاية : ٣ / ٢٥٧.

(٥) النهاية : ٣ / ٢٥٧ ، أي طول.

١١٢

ع ط ل :

قوله تعالى : (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ)(١) أي أهملت ، وشغل عنها أهلها مع أنّها أعظم أموالهم وأحبّها إليهم. والتعطيل : الإهمال. وجيد عاطل ، أي خال من الحليّ. وامرأة عاطل ونسوة عطل نحو ضرب ، وأنشد (٢) : [من المتقارب]

ويأوي إلى نسوة عطل

وشعث مراضيع مثل السّعالي

(وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ)(٣) أي مستغنى عنها لخراب مكانها وعدم قاطنيه بعد أن كانت آهلة. ويقال إنها بئر بعينها في اليمن تجاور القصر المذكور معها (٤). والمعطّلة : قوم يزعمون أن لا صانع أوجد هذا العالم ، وإنما الطبائع اقتضت ذلك. وقد ردّ هذا القول بقوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) إلى قوله : (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ)(٥) وما أبلغ هذا الردّ حيث بينّاه في كتابنا «أحكام القرآن» وغيره. ووصفت عائشة رضي الله عنها أباها فقالت : «رأب الثّأي وأو ذم العطلة» (٦) ؛ هي الناقة الحسنة أو الدلو المتروكة. أو ذمت : شدّدت فيه الوذم.

ع ط ي :

قوله تعالى : (فَتَعاطى فَعَقَرَ)(٧). تعاطى الشيء : تناوله وقصد فعله ، ومنه : كان يتعاطى كذا وعطوته : تناولته ، أيضا وأعطيته : ناولته ؛ يتعدّى بلا همزة لواحد ، وبها لاثنين ثانيهما غير الأول ، ويجوز حذفهما اختصارا واقتصارا ، وحذف أولهما والعكس ؛ قال تعالى :

__________________

(١) ٤ / التكوير : ٨١. العشار : النوق الحوامل أهملت بلا راع.

(٢) كذا رواية اللسان. والبيت لأمية بن أبي عائذ الهذلي (ديوان الهذليين : ٢ / ١٨٤). وروايته فيه :

له نسوة عاطلات الصّد

رعوج مراضيع مثل السّعالي

(٣) ٤٥ / الحج : ٢٢.

(٤) إشارة إلى تمام الآية : وَقَصْرٍ مَشِيدٍ.

(٥) ٤ / الرعد : ١٣.

(٦) النهاية : ٣ / ٢٥٨. وفي الأصل : العطيلة.

(٧) ٢٩ / القمر : ٢٤.

١١٣

(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى)(١)(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ)(٢) فذكر الأول (وَأَعْطى قَلِيلاً)(٣) فذكر الثاني. وأولهما هو فاعل في المعنى ثم وجب ، أعطيت الدرهم صاحبه ، وامتنع صاحبه الدرهم. ولهذا كان قوله تعالى : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ)(٤) أي أمكنه من تناول ما يصلحه. وقالت عائشة رضي الله عنها تصف أباها : «أبي والله لا تعطوه الأيدي» (٥) أي لا تبلغه فتتناوله. ومن أمثالهم : «عاط بغير أنواط» (٦) يضرب لمن لا جدوى لعمله ، شبه بمن يريد أن يتناول شيئا من غير معلّقه. وغلب الإعطاء في الصلة : (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ)(٧).

وأعطى البعير : انقاد ؛ كأنه ناول رأسه قائده. وظبي عطو وعاط : رفع رأسه ليتناول أوراق الشجر. وقياس مصدر أعطى إعطاء ، وعطاء اسم مصدره ويعمل عمله وأنشد (٨) : [من الوافر]

أكفرا بعد ردّ الموت عني

وبعد عطائك المئة الرّتاعا؟

__________________

(١) ٥ / الليل : ٩٢.

(٢) ٥ / الضحى : ٩٣.

(٣) ٣٤ / النجم : ٥٣.

(٤) ٥٠ / طه : ٢٠.

(٥) النهاية : ٣ / ٢٥٩.

(٦) مجمع الأمثال : ٢ / ٢٤. الأنواط : ج نوط وهو كل شيء معلق.

(٧) ٥٨ / التوبة : ٩.

(٨) البيت للقطامي ـ اللسان مادة عطا. وهو من شواهد النحويين (أوضح المسالك : ٢ / ٢٤٣).

١١٤

فصل العين والظاء

ع ظ م :

قوله تعالى : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(١). العظم الموصوف به الباري تعالى عبارة عن كبريائه وجلاله وجبروته وقدرته وأنه متّصف بصفات الكمال. وأصل العظم : الكبر والزيادة في الأجزاء المحسوسة ، هذا أصله ثم يتجّوز به في المعاني نحو قوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٢). قال بعضهم : أصله من عظم الرجل : كبر عظمه وكثر ، ثم استعير لكلّ كثرة محسوسا كان ذلك الشيء أو معقولا. قال (٣) : والعظيم إذا استعمل في الأعيان فأصله أن يقال في الأجزاء المتصلة ، والكثير (٤) في الأجزاء المنفصلة. ثم قد يقال في المنفصل عظيم نحو جيش عظيم ومال عظيم أي كثير.

والعظيمة : النازلة. والإعظامة والعظامة : شبه وسادة تعظّم بها المرأة عجيزتها والعظم : معروف وهو جسد الإنسان. قوله : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي)(٥) كناية عن كبر سنّه. وإذا وهن منه أقوى ما فيه ـ وهو العظم ـ فما عداه من اللحم والعضل والعصب أوهن ، وجمعه عظام وأعظم. وأنشد (٦) : [من الخفيف]

نضّر الله أعظما دفنوها

بسجستان طلحة الطلحات

__________________

(١) ٢٥٥ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٢) ١٧٦ / آل عمران : ٣.

(٣) المفردات : ٣٣٩.

(٤) يعني : والكثير يقال ...

(٥) ٤ / مريم : ١٩.

(٦) البيت لعبد الله بن قيس الرقيات (اللسان ـ مادة طلح).

١١٥

فصل العين والفاء

ع ف ر :

قوله تعالى : (عِفْرِيتٌ)(١) هو المتمرد من الجنّ الخبيث منها. وقيل : هو من الجنّ النافذ القويّ مع خبث ، ويستعار ذلك للآدميين استعارة الشيطان لهم. قال ابن قتيبة : هو من قولهم : رجل عفريت ، وهو الموثّق الخلق. وأصله من العفر وهو التراب. ومنه : عافره : صارعه فألقاه في العفر. وعلى هذا فنسبة هذه الصفة إلى الإنس أولى من الجنّ ، لأنّ الإنس خلقوا من التراب ، والجنّ من النار. ويقال : رجل عفر نفر ، وعفريت نفريت ، وعفارية نفارية : إذا كان خبيثا. ومنه الحديث : «إنّ الله يبغض العفرية النّفرية» (٢). قيل : الجموع : المنوع. وقيل : الظّلوم. ويقال : رجل عفر ، نحو شمر. وليث عفرّين : دابّة تشبه الحرباء تتعرّض للراكب (٣). وعفرية الديك والحبارى للشّعر الذي على رأسهما. ورجل أعفر : أبيض وليس بالناصع ولكنه لون الأبيض. ومنه قيل للظباء : عفر. وقال شمر : هو بياض إلى الحمرة قليلا. وقال أبو بكر : العفر والعفرة : البياض الذي ليس بخالص. يقال : ما على عفر الأرض مثله. وبعضهم يطلق فيقول : العفرة : البياض. ومنه الحديث : «لكأني أنظر إلى عفرتي إبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٤). وشكت إليه عليه‌السلام امرأة قلّة نسل غنمها ورسلها فقال : «ما ألوانها؟ قالت : سود. فقال : عفّري إذا خلطتها بعفر» (٥) أي بيض. ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «لدم عفراء أحبّ إليه من دم سوداوين» (٦).

ومن كلامهم : «ليس عفر الليالي كالدّآدىء» (٧). قال القرشيّ : سميت عفراء لبياضها.

__________________

(١) ٣٩ / النمل : ٢٧.

(٢) النهاية : ٣ / ٢٦٢ ، وفي الأصل : « ... العفريت النفريت».

(٣) ويطلق كذلك (ليث عفرّين) على الرجل الكامل ابن الخمسين. وانظر ثمار القلوب فهي عنده دويبة.

(٤) النهاية : ٣ / ٢٦١.

(٥) النهاية : ٣ / ٢٦١. يعني بغنم عفر.

(٦) النهاية : ٣ / ٢٦١ ، من حديث الضحية.

(٧) النهاية : ٣ / ٢٦١. والدآدي : الليالي المقمرة. وقال أبو رزمة :

ما عفر الليالي الدّآدي

ولا توالي الخيل كالهوادي

١١٦

ويقولون : لقيته عن عفر ، أي بعد خمسة عشر يوما فصاعدا ، أي حتى جاوز الليالي العفر. وأنشدني لأبي العميثل : [من الطويل]

لقيت ابنة السهميّ زينب عن عفر

ونحن حرام منمى عاشرة العشر (١)

والعفر أيضا : تلقيح النخل ومنه الحديث : «ما قربت امرأتي مذ عفرنا» (٢). العفر (٣) : [أول سقية] ثم تترك أربعين لا تسقى ثم تسقى فتصلح. ومعافر (٤) : موضع تنسب إليه البرود. وفي الحديث : «وعليه ثوبان معافريّان» (٥).

ع ف ف :

قوله تعالى : (فَلْيَسْتَعْفِفْ)(٦) أي ليصبر ويتقنّع. يقال : تعفّف واستعفّ بمعنى وأنشد (٧) : [من الطويل]

وقائلة : ما للفرزدق لا يرى

من الشرّ يستغني ولا يتعفف؟

وقيل : العفة : حصول حالة (٨) للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة. والمتعفّف : المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة. قال بعضهم : وأصله من الاقتصار على تناول الشيء

__________________

(١) العجز مضطرب ولم يستقم معنا.

(٢) النهاية : ٣ / ٢٦٣ ، أي عفرنا النخل.

(٣) في الأصل : اليعفر ،. وفي م : اليعفران. والإضافة من اللسان.

(٤) معافر : اسم قبيلة من اليمن ، تنسب إليه الثياب المعافرية (معجم البلدان) ، والميم زائدة.

(٥) النهاية : ٣ / ٢٦٢ ، وفيه : بردان.

(٦) ٦ / النساء : ٤.

(٧) البيت لجرير (الديوان : ٢٨٠ ، وتاج العروس ـ مادة : عفف). وفي الديوان : على السنّ. وفي التاج : مع العف (في موضع من الشر).

(٨) في الأصل : حاصلة.

١١٧

القليل الجاري مجرى العفافة. والعفّة : البقيّة من الشيء ، وقيل : الجاري مجرى العفعف (١) وهو ثمر الأراك. والاستعفاف أيضا : طلب العفّة.

ع ف و :

قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ)(٢) أصله القصد لتناول الشيء. يقال : عفاه واعتفاه : إذا قصده متناولا ما عنده. ومنه : عفت الريح التراب ، أي قصدته متناولة آثاره وعفت الدار من ذلك : تصوّر أنها قصدت نحو البلى. وعفا النّبت والشعر قصد نحو الزيادة وتناولها ، كقولك : أخذ النّبت في الزيادة. وعفوت عنه (٣) ، كأنه قصد إزالة ذنبه صارفا عنه. فالمفعول في الحقيقة متروك ، وعن متعلقة بمضمر. فالعفو هو التجاوز عن الذنب. فقوله : (خُذِ الْعَفْوَ) أي ما سهل قصده وتناوله. وقيل : معناه : تعاط العفو مع الناس. قوله : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)(٤) أي ما سهل إنفاقه. وأنشد (٥) : [من الطويل]

خذي العفو مني تستديمي مودّتي

ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

وقد تقدّم تفسير الآية في العرف. وقولهم : أعطى عفوا مصدر (٦) في موضع الحال ، أي أعطى ، وحاله حال العافي أي القاصد للتناول إشارة إلى المعنى الذي عدّوه (٧) بديعا في قول الشاعر (٨) : [من الطويل]

تراه ، إذا ما جئته متهلّلا ،

كأنك تعطيه الذي أنت سائله

والعفوّ : المتجاوز عن الجرائم. ومن ثمّ وصف به تعالى في قوله إنه : (كانَ عَفُوًّا

__________________

(١) في الأصل : التعفف.

(٢) ١٩٩ / الأعراف : ٧.

(٣) في الأصل : منه.

(٤) ٢١٩ / البقرة : ٢.

(٥) في اللسان ـ مادة عفا.

(٦) يعني : عفوا هي المصدر.

(٧) في الأصل : وعدوه.

(٨) البيت لزهير بن أبي سلمى (شعر زهير : ٥٦).

١١٨

غَفُوراً)(١) وصف نفسه بأنه يستر الذنوب ولا يعاقب عليها ؛ إذ لا يلزم من ترك أحدهما ترك الآخر. فمن ثمّ ذكر الوصفين المقتضيين لذينك المعنيين في الدعاء : أسألك العفو والعافية ، أي ترك العقوبة والسلامة. وفي الحديث : «ما أكلت العافية فصدقة» (٢) ، عنى بالعافية طلّاب الرّزق من الطير والوحش والإنس. وقيل فيها : «العوافي» أيضا (٣) من قولك : عفوت فلانا : أتيته أطلب عفوه ، أي معروفه. وأعفيت الشيء : تركته يعفو ويكثر ، ومنه الحديث : «وأعفوا اللّحى» (٤). والعفاء : ما كثر من الوبر والشعر ، وقد يستعار لغيرهما. قال زهير بن أبي سلمى (٥) : [من الوافر]

على آثار من ذهب العفاء

وفي الحديث : «فعلى الدّنيا العفاء» (٦) قيل : الدّروس. وقيل : التراب وعفا الشّعر : كثر. وفي الحديث : «إذا دخل صفر وعفا الوبر» (٧). والعفا (٨) ـ بالقصر ـ : ولد الحمار. ويقال فيه عفو وعفو ـ بالكسر والفتح ـ ، ومنه الحديث : «قد ترك أتانا وعفوا» (٩) والعفاء بالكسر والمدّ نفس الشّعر الذي حلّ به العفاء ، أي الكثرة (١٠). والعافي : ما يردّ مستعير القدر من المرق. قال الشاعر (١١) : [من الطويل]

__________________

(١) ٤٣ / النساء : ٤.

(٢) النهاية : ٣ / ٢٦٦ ، وانظر تمامه.

(٣) وهي رواية ثانية للحديث.

(٤) الحديث في صحيح مسلم ، الطهارة : ٥٤ : «وفّروا اللحى وأحفوا الشوارب». وفي حديث «خر : «أنه أمر بإعفاء اللحى» (النهاية : ٣ / ٢٦٦). ولم يجعله الراغب حديثا.

(٥) عجز لزهير (شعر زهير : ١٢٤) وصدره :

تحمّل أهلها منها فبانوا

(٦) النهاية : ٣ / ٢٦٦ ، من حديث صفوان.

(٧) النهاية : ٣ / ٢٦٦ ، أي كثر وبر الإبل.

(٨) بفتح العين وكسرها ، والعفو ، والعين مثلثة : الجحش (اللسان ـ عفا).

(٩) النهاية : ٣ / ٢٦٧ ، وفيه : «أتانين».

(١٠) يقول ابن منظور : العافي الطويل الشعر ، ويقال للشعر إذا طال ووفى عفاء.

(١١) البيت لمضرّس الأسدي (اللسان ـ مادة عفا). وصدره :

فلا تسأليني واسألي ما خليقتي

١١٩

إذا ردّ عافي القدر من يستعيرها

قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ)(١) قال ابن عرفة : أي من جعل له في ماله دية (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) من الطالب (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) من المطالب. قال : وسميت الدية عفوا لأنها يعفى بها عن الدم ؛ ألا ترى إلى قوله : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ)(٢). وقال (٣) : أي من جعل له من أولياء المقتول عفو من الدّية ، أي فضل بدل أخيه المقتول فاتباع بالمعروف ، أي مطالبة جميلة. قال : ومن معناه البدل. قال : ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)(٤) أي بدلكم.

وعوّضت فلانا من حقّه ثوبا ، أي بدل حقّه. قوله : (حَتَّى عَفَوْا)(٥) أي كثروا وكثرت أموالهم. وقيل : «فمن عفي له من أخيه شيء» أي ترك. قوله : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ)(٦) أي التاركين حقوقهم مع قدرتهم على إنفاذها ، ولذلك عقبه بقوله : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

قوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ)(٧) اختلف في ضمير «بيده» ؛ فقيل للزوجة وقيل للوليّ. قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ)(٨) أي رفع لك بذلك درجات حيث اجتهدت فأثبت. سمّى ذلك عفوا وإن كان مدلوله في الأصل لغيره عليه الصلاة والسّلام. محا الله ذنبك. وفي الحديث : «ويرعون عفاءها» (٩) هو ما ليس لأحد فيه ملك من عفا الشيء إذا

__________________

(١) ١٧٨ / البقرة : ٢.

(٢) تابع الآية السابقة.

(٣) القول لأبي منصور كما في النسخة م.

(٤) ٦٠ / الزخرف : ٤٣.

(٥) ٩٥ / الأعراف : ٧.

(٦) ١٣٤ / آل عمران : ٣.

(٧) ٢٣٧ / البقرة : ٢.

(٨) ٤٣ / التوبة : ٩.

(٩) النهاية : ٣ / ٢٦٦.

١٢٠