الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ والإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

دخول جهنّم ، ومن يستحقّ دخول جهنّم بعمل لا يجوز أن يتّبع في كلّ عمله وقوله وفعله ، وإلّا لكان إماما من أئمّة النار ، [فيهلك] (١) باتّباعه.

ولا يمكن ألّا يتّبع أصلا ، فلا (٢) فائدة في نصبه. أو في البعض منه فيلزم منه محالان : أحدهما إفحامه ، والثاني يلزم عدم اتّباعه مطلقا ، بل فيما يعلم صوابه إمّا من اجتهاده ، أو من غيره ، فلا فائدة في نصبه.

التاسع والتسعون : قوله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ...) الآية (٣).

وجه الاستدلال : أنّ الرحمة أوجبها الله تعالى للذين يتّقون ، وغير المعصوم بالفعل لا يجب ولا يوجب الله له الرحمة ؛ لأنّه فاعل الذنب ، فهو مستحقّ للعقاب ، فلا يجب رحمته ، فلا شيء من غير المعصوم بمتّق.

والإمام إنّما نصّب [للدعوة] (٤) إلى التقوى والحمل عليها ، فلا يمكن أن يكون غير [متّق ، فلا يمكن أن يكون غير] (٥) معصوم.

المائة : المعصومون المتّقون هم المتّبعون للنبيّ الأمّي بحكم هذه الآية (٦) ، فإنّه تعالى عرّفهم بذلك ، والمعرّف مساو [للمعرّف] (٧) ، فيكون [المتّقي] (٨) والمتّبع للرسول في كلّ أقواله وأفعاله وتروكه متساويين ، وهو ظاهر ضروري.

__________________

(١) في «أ» و «ب» : (فهلك) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) في «ب» : (فلا بدّ) بدل : (فلا).

(٣) الأعراف : ١٥٦.

(٤) في «أ» : (الدعوة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) أي الآية المتقدّمة في الدليل السابق والآية التي تليها التي هي : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ...) (الأعراف : ١٥٧).

(٧) في «أ» : (للعرف) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) في «أ» : (المنفي) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٠١

وغير المعصوم غير متّبع للرسول كذلك ، والإمام إنّما نصّب لهداية (١) الناس إلى اتّباع الرسول في جميع أقواله وأفعاله وتروكه ، وألّا يخرجوا بفعل لهم ولا ترك ولا قول عن شريعة النبيّ بما ينافيها ، وحملهم على ذلك.

ومن غير المعصوم لا يتصوّر ذلك ، فلا شيء من غير المعصوم بإمام.

__________________

(١) في «أ» زيادة : (الله) بعد : (لهداية) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

٣٠٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[الألف الثانية من الأدلّة

الدالّة على وجوب

عصمة الإمام عليه‌السلام]

٣٠٣
٣٠٤

الدليل الأوّل بعد الألف من الألف الثانية من الأدلّة الدالّة

على وجوب عصمة الإمام (١) عليه‌السلام

قال الله تعالى : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ...) الآية (٢).

وجه الاستدلال : أنّه لما بيّن وجوب اتّباع النبيّ وأنّ التقوى والنجاة لا تحصل إلّا باتّباعه بيّن بعده بلا (٣) فصل أنّه ما ذا يصنع بهم الرسول الذي أمروا باتّباعه حتى يحصل لهم ذلك المقام ، وهو التقوى ووجوب الرحمة (٤) ، فذكر مراتب :

الأولى : أنّه يأمرهم بالمعروف ، وهو كلّ فعل حسن له وصف زائد على حسنه عرف فاعله ذلك أو دلّ عليه ، وذلك يستلزم شيئين :

أحدهما : إعلامهم بالمعروف.

وثانيهما : أمرهم به وحملهم [عليه] (٥) ، وهو يشمل كلّ الواجبات يعلمهم بها وجوبا ، ويأمرهم بها [وجوبا عليه وعليهم وجوب الفعل ، وكلّ المندوبات يعلمهم بها وجوبا عليه ويأمرهم بها] (٦) على سبيل أمر ندب ؛ ليكون فعلها عليهم مندوبا.

ويدخل في ذلك ترك المكروهات فإنّه راجح (٧) ، فجاز إطلاق المعروف عليه.

__________________

(١) في «أ» و «ب» زيادة : (الأوّل) بعد : (الإمام) ، وما أثبتناه موافق للسياق.

(٢) الأعراف : ١٥٧.

(٣) في «ب» : (فلا) بدل : (بلا).

(٤) في «أ» و «ب» زيادة : (وذكرها) بعد : (الرحمة) ، وما أثبتناه موافق للسياق.

(٥) في «أ» : (إليه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) من «ب».

(٧) في «أ» زيادة : (إليها) بعد : (راجح) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

٣٠٥

الثانية : النهي عن المنكر ، بأن ينهاهم [عن] (١) كلّ المنكرات ، وهو يشتمل على شيئين :

أحدهما : [إعلامه] (٢) إيّاهم بذلك.

وثانيهما : [نهيهم] (٣) عنها ، و [ردعهم عنها] (٤) وجوبا.

الثالثة : يحلّ لهم الطيّبات ، وهذه إشارة إلى الإذن في المباحات ، وهو يشتمل على شيئين :

أحدهما : إعلامهم به.

وثانيهما : [إباحته] (٥) لهم.

الرابعة : إعلامهم بالخبائث ـ كالسموم والنبات ـ وما يحرم عليهم من المآكل والمشارب والملابس الخبيثة.

الخامسة : أن يضع عنهم إصرهم والأغلال ، ومعناه أن يخرجهم من المناقص والأخلاق الذميمة والقوى الشهوية والغضبية إلى القوى الروحانية.

والإمام يفعل ذلك بالأمّة بعد النبيّ ، فلا بدّ أن يكون بمنزلته في ذلك ، ويفعل فعله ، فلا بدّ وأن يكون قد حصلت له هذه المراتب من النبيّ ، وإلّا لكان مساويا للرعية في احتياجه إلى مكمّل يعمل معه ذلك ، فترجيحه عليهم ترجيح بلا مرجّح ، فليس حصول ذلك لهم منه أولى من حصوله من أنفسهم ، فيكون معصوما.

__________________

(١) في «أ» : (على) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (إعلاه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (نهاهم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (ردعنهم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (إباحة) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٠٦

وغير المعصوم لا يحصل منه ذلك ، وإلّا لكان معصوما (١) ، [فإنّا] (٢) لا نعني بالمعصوم إلّا من هو على هذه الطريقة ، فيجب عصمة الإمام ، وهو المطلوب.

الثاني : قال الله تعالى : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) الآية (٣).

وجه الاستدلال : أنّ الإمام إنّما نصّب لدعاء الأمّة إلى هذه الأشياء ، [إلى] (٤) اتّباع النور الذي أنزل معه ، فلا يكون فيه اختلاف ؛ لأنّه طريق واحد.

وغير المعصوم لا يصحّ منه ذلك ، ولا يعلم حصوله ، فتنتفي فائدة نصب الإمام ، فيجب عصمته.

الثالث : قوله تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ ...) الآية (٥).

وجه الاستدلال : أنّ القرآن أعظم من التوراة فيلزم أن يكون فيه كلّ شيء مفصّلا ، والسنّة [و] (٦) الإجماع بيان له وتفصيل لأحكامه ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أرسل لإبلاغه وبيانه و [حمل] (٧) الناس على العمل به وتعليمهم إيّاه ، ولا يحصل الاعتماد التامّ إلّا مع عصمته ، فيلزم أن يكون معصوما.

والإمام قائم مقامه في ذلك ، ويحصل منه بعد النبيّ [لمن] (٨) بعد النبيّ ما حصل من النبيّ لمن هو في زمانه ، فلا يحصل الوثوق به إلّا مع عصمته وعلمه بكلّ الشرائع ، وإلّا لم يتمّ فائدته.

__________________

(١) لم ترد في «ب» : (غير المعصوم لا يحصل منه ذلك ، وإلّا لكان معصوما).

(٢) في «أ» : (فإذا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) الأعراف : ١٥٧.

(٤) في «أ» : (أو) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) الأعراف : ١٤٥.

(٦) من «ب».

(٧) في «أ» : (حمله) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) في «أ» : (من) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٠٧

الرابع : قال الله تعالى : (إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ ...) الآية (١).

دلّ [ذلك] (٢) على أنّ النبيّ إنّما يتّبع الوحي الإلهي ولا يجوز له غير ذلك ؛ لأنّ (إِنَّما) للحصر ، والناس مخاطبون بذلك ، وأنّه إنّما يأمر الناس ويهديهم إلى ما أوحاه الله تعالى من الأحكام لا غير ، و [إليه] (٣) أشار بقوله : (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

والإمام قائم مقام النبيّ [عليه‌السلام في ذلك ، ولا يجوز أن يتّبع الناس إلّا النصّ من النبيّ] (٤) أو الإمام عليهما‌السلام فيما فيه احتمال ، وما هو نصّ صريح من القرآن فالنبيّ عليه‌السلام يبلّغه ويحمل الناس عليه ، ولا يشارك باجتهاد مجتهد ولا برأي ولا غيره ، فلا بدّ وأن يوثق به ، ويحصل اليقين أنّه لا يخلّي (٥) شيئا منه ، ولا يأمر بغيره.

ولا يحصل ذلك إلّا بعد العلم بأنّه معصوم ، فكذا الإمام ، فيجب عصمته ، فإنّه لو لا عصمته لم يحصل للمكلّف الوثوق به ولا العلم بقوله ، فيعذر في عدم اتّباعه ؛ لدلالة القرآن في عدّة مواضع أنّه تعالى لا [يعذّب] (٦) العاصي إلّا بعد إعلامه بالبيّنات والبراهين (٧).

الخامس : قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ ...) (٨).

ذكر ذلك حجّة عليهم على وجوب اتّباعه ؛ لأنّه إنّما يتّبع ما يوحى إليه من ربّه ،

__________________

(١) الأعراف : ٢٠٣.

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» : (إنّما) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) من «ب».

(٥) في «أ» زيادة : (منه) بعد : (يخلّي) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٦) في «أ» : (يعذر) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) كقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء : ١٥). وقوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً) (القصص : ٥٩). وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) (يونس : ١٣).

(٨) الأعراف : ٢٠٣.

٣٠٨

وفيه بصائر من الله وهدى ورحمة ، وذلك موقوف على أنّه لا يصدر منه [ضدّ ذلك] (١) ، ولا يتمّ إلّا بعصمته.

وهذا بعينه قائم [في] (٢) الإمام ؛ لأنّه قائم مقامه ، فيجب عصمته.

السادس : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (٣).

نهى عن التولّي مع السماع ، والمراد به سماعهم لما يفيدهم العلم ، ولا يحصل ذلك إلّا مع عصمته ؛ لأنّ خبر الفاسق نهى الله عن اتّباعه بمجرّد سماعه ؛ لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٤) ، فكلّ من أمكن أن يكون فاسقا لا يحصل من خبره العلم ، فلا يكون منهيّا عن التولّي عنه ، فلا فائدة في نصبه.

والإمام قائم مقام النبيّ فيما هو لأجله ، فيجب عصمته ؛ ليحصل العلم [به بقوله] (٥) ، فيحرم التولّي عنه ، وإلّا لم يحرم.

السابع : قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٦).

إنّما جعل [الخيانة] (٧) مع العلم ، فلا بدّ وأن ينصّب طريقا إلى العلم ، وذلك الطريق هو النبيّ ، فيكون قوله يفيد العلم ، وإنّما يكون بعصمته ، فيجب عصمته ؛ ليتمّ فائدة [بعثته] (٨).

__________________

(١) من «ب».

(٢) من «ب».

(٣) الأنفال : ٢٠.

(٤) الحجرات : ٦.

(٥) في «أ» : (بقوله به) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) الأنفال : ٢٧.

(٧) في «أ» : (الجناية) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) في «أ» : (بعته) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٠٩

وكذا الإمام ؛ لأنّه نصّب ليحصل منه ما يحصل من النبيّ.

الثامن : قال الله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١).

وجه الاستدلال : أنّه تعالى طلب من عباده [بأمر أن] (٢) لا تكون فتنة [في جميع الأزمان ؛ لأنّ قوله : (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ)] (٣) دلّ على أنّ المراد في كلّ الأوقات.

فنقول : أحد أمور ثلاثة لازم :

إمّا ألّا (٤) يكون إمام ، وإمّا أن يكون الإمام بنصب الله ونصّ الرسول ، أو يكون فتنة.

فإنّ الضرورة قاضية بأنّه إذا نصّب الإمام غير الله تعالى ، بل يكون مفوّضا إلى الخلق مع اختلاف دواعيهم وآرائهم وأهوائهم (٥) لا يتّفقون على إمام واحد ، بل تقع الفتنة ، و [عدم] (٦) الإمام [يقع منه الفتنة] (٧) ، فيجب أن يكون بنصب الله تعالى ، فإمّا أن يكون معصوما ، أو لا.

والثاني باطل ؛ لأنّ نصب غير المعصوم يختلف فيه الآراء ، ولا يحصل الوثوق بقوله.

ولأنّه يمكن (٨) لزوم الإغراء بالجهل من نصبه ، وهو من الله تعالى محال ، وإمكان المحال محال ، فمحال أن يكون غير معصوم ، وهو المطلوب.

__________________

(١) الأنفال : ٣٩.

(٢) في «أ» : (بأمره أو) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) من «ب».

(٤) في «أ» : (إن) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» زيادة : (و) بعد : (أهوائهم) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٦) في «أ» : (مع) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) من «ب».

(٨) في «أ» زيادة : (أن) بعد : (يمكن) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

٣١٠

التاسع : كلّ غير معصوم مخالفه معذور ، ولا شيء من الإمام مخالفه معذور بالضرورة ، فلا شيء من غير المعصوم بإمام بالضرورة ، [أو] (١) دائما (٢).

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ غير المعصوم [قوله] (٣) غير مفيد للعلم ؛ لجواز الخطأ وتعمّد الكذب عليه ، [وكلّ من كان كذلك] (٤) ويحكم فيأبى لذلك ، فقوله غير مفيد [للعلم] (٥) ، والمقدّمتان بديهيّتان.

وكلّ من قوله لا يفيد العلم فمخالفه معذور ؛ لأنّ الله تعالى لا يعاقب من لم يعلم الحكم ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (٦) ، علّل عدم معاقبتهم وقتلهم بعدم علمهم وطلبهم للعلم (٧) بما يفيد (٨) ، وهو كلام الله تعالى.

والإمام إذا كان غير معصوم فكلامه لا يفيد العلم ، ولا مظنّته.

وأمّا الكبرى ؛ فلانتفاء فائدة نصبه حينئذ.

العاشر : غير المعصوم بالفعل ظالم بالفعل ، [ولا شيء من الظالم بالفعل بهاد ، فلا شيء من غير المعصوم] (٩) بهاد بالضرورة.

__________________

(١) في «أ» : (فلو) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) انظر : تجريد المنطق : ٣٤ ـ ٣٥. الجوهر النضيد : ١١٨ ـ ١١٩. القواعد الجلية في شرح الرسالة الشمسية : ٣٦٠ ـ ٣٦٣.

(٣) من «ب».

(٤) من هامش «ب» خ ل.

(٥) من «ب».

(٦) التوبة : ٦.

(٧) لم ترد في «ب» : (للعلم).

(٨) في «ب» : (يفيده) بدل : (يفيد).

(٩) من «ب».

٣١١

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ القرآن الكريم نطق في عدّة مواضع أنّ مرتكب الذنب ظالم لنفسه (١) ، وإن (٢) كان الذنب بظلم الغير فلا كلام في أنّه ظالم قطعا للغير ولنفسه.

وأمّا الكبرى ؛ فلقوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٣).

ومن لم يهده الله لا يصلح أن يجعله الله هاديا بالضرورة ، فثبت قولنا : لا شيء من غير المعصوم بهاد بالضرورة.

[فنجعلها صغرى لقولنا : كلّ إمام هاد بالضرورة ، ينتج : لا شيء من غير المعصوم بهاد بالضرورة] (٤). هذا غير المعصوم بالفعل.

وأمّا غير واجب العصمة ـ أي غير معصوم بالإمكان الخاصّ ـ [فنقول : كلّ غير معصوم بالإمكان] (٥) ظالم بالإمكان ، ولا شيء من الإمام بظالم بالضرورة.

ينتج : لا شيء من غير المعصوم [بالإمكان بإمام] (٦) بالضرورة ، فيجب عصمة الإمام.

والصغرى بديهية ، والكبرى بمقتضى الآية (٧) ، فإنّ كلّ إمام يهديه الله بالضرورة ؛ لأنّ نصب الله تعالى إماما للهداية وليس بمهتد يلزم منه أحد الأمرين ، وهو : إمّا الجهل أو الإغراء به ، أو نقض الغرض.

واللازم بقسميه باطل.

__________________

(١) كقوله تعالى : (لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (البقرة : ٢٣١). وقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ ...) (النساء : ١١٠). وقوله : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (الطلاق : ١).

(٢) في «ب» : (فإن) بدل : (وإن).

(٣) البقرة : ٢٥٨ ، آل عمران : ٨٦

(٤) من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) من «ب».

(٧) وهو قوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة : ٢٥٨. آل عمران : ٨٦).

٣١٢

وبالجملة ، فجعل من هو غير مهتد هاديا قبيح بالضرورة.

الحادي عشر : الله جلّت عظمته وتقدّست أسماؤه مع الإمام بالضرورة ، ولا شيء من غير المعصوم الله معه بالإمكان ، فلا شيء من الإمام بغير معصوم ، فيلزم أن يكون الإمام معصوما ؛ لوجود الموضوع.

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ الإمام متّق بالضرورة ؛ لأنّه يدعو الناس إلى التقوى ويحملهم عليها ويحرّضهم على ملازمتها ، ومن لم يكن متّقيا لا يصلح لذلك قطعا ، فالإمام متّق ، وكلّ متّق معه الله تعالى ؛ لقوله : (أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (١).

وأمّا الكبرى فظاهرة ؛ إذ معنى كونه معه نصرته إيّاه ، ورضاه عنه ، وهدايته إيّاه ، وكنفة (٢) النجاة له.

الثاني عشر : قال الله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٣).

الإمام يدعو الناس إلى الأفعال ويعلّمهم إيّاها ويلزمهم بها [في كلّ الأزمان] (٤) ، و [في] (٥) كلّ الأحكام وفي كلّ الوقائع ، فهذه فائدة نصب الإمام ، فإمّا أن يكون هو كذلك ، أو لا.

والثاني محال ؛ لأنّ نصبه ينافي الحكمة ، ولأنّ الطباع مجبولة على أنّ الشخص يجب أن يكون أكمل من غيره مع الإمكان ، فلو لم يكن الإمام [متّصفا بهذه الصفات] (٦) لما أحبّها لغيره. وبالجملة فهذا ظاهر.

__________________

(١) البقرة : ١٩٥ ، التوبة : ٣٦ ، ١٢٣.

(٢) الكنف والكنفة : ناحية الشيء ، وناحيتا كلّ شيء كنفاه ، والجمع أكناف. وكنف الله : رحمته ، واذهب في كنف الله وحفظه أي في كلاءته وحرزه وحفظه. لسان العرب ١٢ : ١٦٩ ـ ١٧٠ ـ كنف.

(٣) التوبة : ٧١.

(٤) من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) زيادة اقتضاها السياق.

٣١٣

فنقول : كلّ إمام متّصف بهذه الصفات [بالضرورة ، ولا شيء من غير المعصوم بمتّصف بهذه الصفات] (١) بالإمكان ، فلا شيء [من الإمام] (٢) غير معصوم ، وهو المطلوب.

والصغرى قد [بيّنا] (٣) على أنّها من باب فطري القياس.

والكبرى ظاهرة ؛ لأنّ كلّ من لم يكن واجب العصمة يمكن ألّا تجتمع فيه هذه الصفات في كلّ الأوقات (٤) في كلّ الأحكام في كلّ الوقائع ، [بل يحكم في بعض الأوقات ببعضها ، أو في بعض الأحكام ، أو في بعض الوقائع] (٥) ، وهذا ضروري.

الثالث عشر : قال الله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦).

وجه الاستدلال : أنّ الله تعالى بيّن أولا المؤمنين وصفاتهم وأفعالهم ، ثمّ بيّن غاياتهم الحاصلة من أفعالهم ، والإمام يدعو الناس ويلزمهم بتلك الأفعال ليوصلهم إلى تلك الغايات ، فكلّ إمام يفعل كلّ ذلك ويأمر به ويرشد إليه في كلّ الأوقات في كلّ [الأحكام] (٧) بالضرورة ، وإلّا لانتفت الغاية من نصبه ، ولا شيء من غير المعصوم يفعل [بعض] (٨) ذلك بالإمكان.

ينتج : لا شيء من الإمام بغير معصوم بالضرورة ، وهو المطلوب.

__________________

(١) من «ب».

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» : (بيّنها) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» زيادة : (و) بعد : (الأوقات) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٥) من «ب».

(٦) التوبة : ٧٢.

(٧) زيادة اقتضاها السياق.

(٨) من «ب».

٣١٤

الرابع عشر : قال الله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (١).

كلّ إمام الله يرضى عنه بالضرورة ، ولا شيء من الفاسق يرضى الله عنه ما دام فاسقا. ينتج : لا شيء من الإمام بفاسق بالضرورة.

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ الإمام يرشد الناس إلى ما يرضى الله عنهم به ويحصّل مرتبة الرضا ، وكلّ من ليس له هذه المرتبة [لا يحسن من الحكيم نصبه لدعاء الناس إلى طريقة الرضوان وباتّباعه يحصل لهم هذه المرتبة] (٢) قطعا ، فلا يمكن أن ينصّب الله تعالى من لم يرض عنه لفسقه ليحصل لغيره من اتّباعه رضوان الله.

ولأنّ الإمام إمّا هاد [دائما ، [أو] (٣) يضلّ دائما ، أو يضلّ في وقت وهاد في وقت ، أو يضلّ في بعض الأوقات أو هاد] (٤) في بعض الأوقات.

والثاني محال ، وإلّا لاستحال نصبه.

والثالث محال ؛ لأنّه يعذر المكلّف في ترك اتّباعه ؛ لأنّ كلّ وقت يفرض [فإنّه] (٥) لا يأمن [ألّا] (٦) يكون مضلّا فيه.

والرابع أيضا محال ، وإلّا لخلا وقت عن اللطف ، وهو محال.

فتعيّن (٧) الأوّل.

وأمّا الكبرى ؛ فلهذه الآية.

__________________

(١) التوبة : ٩٦.

(٢) من «ب».

(٣) في «ب» : (و) ، وما أثبتناه للسياق.

(٤) من «ب».

(٥) في «أ» : (أنّه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (لا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) في «أ» زيادة : (أنّ) بعد : (فتعيّن) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

٣١٥

فنجعل هذه النتيجة كبرى لقولنا : كلّ غير معصوم [فاسق] (١) بالإمكان ، هكذا : كلّ من غير واجب العصمة فاسق بالإمكان ، ولا شيء من الإمام بفاسق بالضرورة.

ينتج : لا شيء من غير المعصوم [بإمام] (٢) بالضرورة ، وهو المطلوب.

الخامس عشر : قال الله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٣).

كلّ غير معصوم يمكن أن يكون كذلك ، [ولا شيء من الإمام يكون كذلك] (٤) بالضرورة ، فلا شيء من غير المعصوم بإمام بالضرورة ، وهو المطلوب.

والمقدّمتان ظاهرتان.

السادس عشر : كلّ غير معصوم يمكن أن يكون منافقا ، ولا شيء من الإمام بمنافق بالضرورة.

أمّا الصغرى فظاهرة ؛ لأنّ اللفظ [والفعل] (٥) لا يدلّان على نفي المنافقة قطعا ، بل ظنّا ؛ لقوله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) (٦) ، [فإذا] (٧) كان النبيّ عليه‌السلام لا يعلمهم ، وإنّما يعلمهم الله لا غير مع إقرارهم عند النبيّ عليه‌السلام بالإسلام ، فكيف يعلمهم غيره؟

وأمّا الكبرى فظاهرة.

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «أ» و «ب» : (بفاسق) ، وفي هامش «ب» : (بواجب العصمة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) الأنعام : ٢١.

(٤) من «ب».

(٥) في «أ» : (بالفعل) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) التوبة : ١٠١.

(٧) في «أ» : (قالوا) ، وما أثبتناه من «ب».

٣١٦

السابع عشر : قال الله تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١).

دلّت هذه العبارة على انحصار قوله وفعله وتركه وتقريره فيما يوحي الله إليه ، وذلك واجب في الأحكام الشرعية قطعا.

والإمام عليه‌السلام يجب أن يكون كذلك ؛ لأنّه قائم مقامه ، ولأنّه تعالى ساوى بين طاعته وطاعة الرسول وطاعة الإمام في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) ، فتنتفي الفائدة من نصبه.

وغير المعصوم لا يعلم منه ذلك ، والظنّ لا يقوم مقامه ، والقرآن دالّ على ذلك (٣).

الثامن عشر : الإمام متّبع للوحي كالنبيّ بالضرورة ، ولا شيء من غير المعصوم كذلك بالإمكان ، فلا شيء من الإمام بغير معصوم بالضرورة.

التاسع عشر : قال الله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (٤).

المراد بقوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ) بعض المؤمنين ، فلا بدّ وأن يكون نظر هذا البعض مساويا لنظر الرسول ، فيكون معصوما ؛ لأنّ غير المعصوم لا يساوي نظره لنظر النبيّ عليه‌السلام ، فهذا البعض إمّا أن يكون هو الإمام ، أو غيره.

والثاني محال ؛ لأنّ الإمام أعلى مرتبة من الكلّ ، فتعيّن أن يكون هو [الإمام] (٥) ، وهو المطلوب.

__________________

(١) يونس : ١٥.

(٢) النساء : ٥٩.

(٣) بقوله تعالى : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (يونس : ٣٦). وقوله تعالى : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات : ١٢).

(٤) التوبة : ١٠٥.

(٥) في «أ» و «ب» : (المعصوم) ، وما أثبتناه من هامش «ب».

٣١٧

العشرون : قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) (١).

اعلم أنّ هذه الآية تدلّ على أنّ الإهلاك للفاسقين بذنوبهم إنّما هو بعد أن تجيئهم البيّنات ، أي الأمور المفيدة للعلم ، والرسل إنّما يركبون الحجّة بعد تبليغ ما يفيد العلم ، وهذا عامّ في كلّ الأزمان ، وإلّا [لمنعت] (٢) بعض الأمّة من اللطف ، هذا خلف.

ومع عدم إمام معصوم لا يحصل ما يفيد العلم ؛ لأنّ ظواهر القرآن والأحاديث لا تفيد العلم ، فلا بدّ من إمام معصوم في كلّ الأوقات ، وهو المطلوب.

الحادي والعشرون : قال الله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣).

اعلم أنّ دعاء الله بالوحي إلى النبيّ و [بهداه] (٤) ، والنبيّ يفيد الإمام ويعلّمه (٥) ويهديه إلى صراط مستقيم ، والإمام يهدي الأمّة إلى صراط مستقيم.

وغير المعصوم لا يعلم أنّه يدعو إلى ذلك ، فيحصل نقض الغرض من نصبه ، فيستحيل أن يكون الإمام غير معصوم ، هذا خلف.

الثاني والعشرون : قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ...) الآية (٦).

كلّ إمام داع إلى ذلك بالضرورة ، ولا شيء من غير المعصوم بداع إلى ذلك بالإمكان ، فلا شيء من الإمام بغير معصوم ، وهو المطلوب.

__________________

(١) يونس : ١٣.

(٢) في «أ» : (لنفت) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) يونس : ٢٥.

(٤) في «أ» : (يهديه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» و «ب» زيادة : (ويعلّم) بعد (ويعلّمه) ، وما أثبتناه موافق للسياق.

(٦) يونس : ٢٦.

٣١٨

الثالث والعشرون : إنّما يجب اتّباع الإمام إذا علم أنّه يدعو إلى ذلك ، ولا شيء من غير المعصوم يعلم [منه] (١) أنّه يدعو إلى ذلك ، فلا يصلح أن يكون الإمام غير معصوم.

الرابع والعشرون : قال الله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢).

إنّما نصّب الإمام ليرشد الناس إلى رضاء الله تعالى عنهم وإلى الأعمال التي تقتضي ذلك ، وإنّما يتمّ ذلك باتّباعه وكونه على تلك الصفة ؛ لأنّ اتّباعه في قوله وفعله وتركه وتقريره كالنبيّ عليه‌السلام.

إذا تقرّر ذلك فنقول : كلّ غير معصوم لا يرضى الله عنه [بالإمكان ، وكلّ إمام يرضى الله عنه] (٣) بالضرورة.

ينتج : لا شيء من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الخامس والعشرون : قال الله تعالى : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٤).

الإمام يدعو إلى ذلك لنقل المكلّف الذي يطيعه ويتّبع أمره ونهيه وفعله وتركه إلى هذه المرتبة ، فالإمام يدعو إلى هذه المرتبة بالضرورة ، ولا شيء من غير المعصوم يدعو إلى هذه المرتبة بالإمكان ، فلا شيء من الإمام بغير معصوم بالضرورة.

أمّا الصغرى ؛ فلأنّ هذه فائدة نصب الإمام ، فإنّ الله تعالى رغّب العباد إلى هذه المرتبة وذكر ذلك ترغيبا للعباد إليه ، والإمام مكمّل للأمّة بحسب قبول استعدادهم للكمال ، فلو لم يدعو إلى هذه المرتبة انتفت الفائدة من نصبه.

__________________

(١) من «ب».

(٢) التوبة : ٩٦.

(٣) من «ب».

(٤) التوبة : ٩٩.

٣١٩

وأمّا الكبرى فظاهرة.

السادس والعشرون : قال الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١).

هذه صفة كمال ، والله تعالى ذكرها للترغيب إليها ، والإمام يحمل العباد [عليها] (٢) ويبيّنها لهم.

وكلّ إمام يدعو إلى هذه المرتبة بالضرورة ، ولا شيء من غير المعصوم [يدعو إلى] (٣) هذه [بالإمكان] (٤) ، فلا شيء من الإمام بغير معصوم بالضرورة ، وهو المطلوب.

السابع والعشرون : قال الله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) (٥).

الإمام يحذّر الناس عن هذه الطريقة ويمنعهم [عنها] (٦) ، ويعرّفهم ما فيها من المحذور ، ويؤدّبهم إن ارتكبوا بعضها ، وإلّا لانتفت فائدة نصبه.

فنقول : الإمام يمنع ذلك لمن يطيعه ويردعهم [عنها] (٧) بالضرورة ، ولا شيء من غير المعصوم يفعل ذلك بالإمكان ، فلا شيء من الإمام غير معصوم بالضرورة.

__________________

(١) التوبة : ١٠٠.

(٢) في «أ» : (إليها) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (في) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (الإمكان) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) التوبة : ١٠١.

(٦) في «أ» : (عينا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) في «أ» : (ذلك) ، وما أثبتناه من «ب».

٣٢٠