الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ والإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

الثامن والثمانون : قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (١).

أقول : الحاكم غير المعصوم معتد بالفعل ، وكلّ معتد بالفعل (٢) لا يحبّه الله تعالى. ينتج : الحاكم غير المعصوم لا يحبّه الله.

[وكلّ من لا يحبّه الله تعالى فهو غير متّبع للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لقوله تعالى : (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٣)] (٤) ، جعل اتّباعه موجبا لمحبّة الله ، وإلّا لم يتمّ التحريض على اتّباعه ، ولزم نقض الغرض من بعثته ، وينعكس بعكس النقيض.

ويلزمه : كلّ من لا يحبّه الله فهو غير متّبع للنبيّ عليه‌السلام ؛ [لأنّ نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم.

وهما ينتجان : الحاكم غير [المعصوم] (٥) غير متّبع للنبيّ عليه‌السلام] (٦) في الجملة ، بل يخالفه بالفعل.

وكلّ من اتّبع غير متّبع النبيّ في الجملة ، بل [هو مخالف له بالفعل في الجملة ، فهو غير متّبع للنبيّ في الجملة ، بل] (٧) مخالف للنبيّ في الجملة ، [فيكون اتّباع غير المعصوم قبيحا في الجملة] (٨) ، وكلّ ما لا يعلمه المكلّف فاتّباعه فيه يحتمله ذلك ، فيجب الاحتراز عنه.

والإمام لا يجوز أن يكون كذلك ، وإلّا لانتفت فائدته ولزم إفحامه.

__________________

(١) البقرة : ١٩٠.

(٢) لم ترد في «ب» : (بالفعل).

(٣) آل عمران : ٣١.

(٤) من «ب».

(٥) في «ب» : (معصوم) ، وما أثبتناه للسياق.

(٦) من «ب».

(٧) من «ب».

(٨) من «ب».

٢٤١

وكلّ ذلك نقض الغرض ، وهو على الله تعالى [محال ، فيستحيل أن يكون الإمام غير المعصوم.

التاسع والثمانون : قوله تعالى] (١) : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ...) (٢).

الآية تدلّ على شيئين :

الأوّل : أنّه يجب (٣) القتال لارتفاع الفتنة ، والإجماع واقع على عموم هذا الخطاب في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام بعده على المكلّفين كافّة ، ولا يمكن إلّا بوجود رئيس قائم مقام النبيّ بعده.

والغرض من القتال المأمور به نفي الفتنة ، وكون الإمام ـ الذي هو آمر بالقتال ويجب على المكلّفين [كافّة] (٤) [طاعته] (٥) ـ غير [معصوم] (٦) قد يوجب الفتنة ، فمحال أن يكون الإمام غير معصوم ، وإلّا لم يجب اتّباعه.

الثاني : أن يكون الدين كلّه لله ، أي لا يبقى كافر ولا مشرك ولا مخالف للحقّ ، وذلك لم يقع في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة ، ولا بدّ من وقوعه ، وإلّا لم [يحسن] (٧) جعله غاية للتكليف ؛ لأنّه إذا كان ممتنع الحصول أو كان دائم السلب لا [يحسن] (٨) جعله غاية الأفعال المكلّف بها.

__________________

(١) من «ب».

(٢) البقرة : ١٩٣.

(٣) في «أ» زيادة : (على) بعد : (يجب) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٤) من «ب».

(٥) في «أ» و «ب» : (طاعة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٦) في «أ» و «ب» : (المعصوم) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) في «أ» : (يحصل) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) في «أ» و «ب» : (يحصل) ، وما أثبتناه من هامش «ب».

٢٤٢

ولا بدّ وأن يكون الآمر بهذا القتال والرئيس فيه والقائم مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المعصوم ، وإلّا لزم الفتنة ؛ لأنّ غيره يقع من [قتاله] (١) الفتنة ، فيستحيل من الحكيم أن يجعل غايته نفي الفتنة ؛ لأنّه من باب جعل غير السبب مكانه ، وهو من الأغلاط.

وذلك هو الإمام المهدي صلوات الله عليه ؛ لانتفاء هذه [الصفات] (٢) في غيره إجماعا.

وهذه الآية تدلّ على عصمة الإمام وعلى وجوده وظهوره وظهور صاحب الزمان عليه‌السلام.

التسعون : لا شيء من الإمام يباح الاعتداء عليه بالضرورة ، وإلّا لانتفت فائدة نصبه ، ووقوع الهرج والمرج ، واختلّ نظام النوع. وكلّ غير معصوم يباح العدوان عليه في الجملة ؛ لأنّه ظالم في الجملة ، وكلّ ظالم يباح العدوان عليه ؛ لقوله تعالى : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (٣) ، وهو عامّ بالإجماع.

ينتج : دائما لا شيء من الإمام بغير معصوم بالفعل ، وهو المطلوب.

الحادي والتسعون : الإمام متّبع أمر الله تعالى ، فطاعته كطاعة النبيّ عليه‌السلام في [قوله] (٤) : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥) ، فيكون أمره وفعله ونهيه وتقريره حجّة.

فلا بدّ أن يكون صحّة ذلك معلوما منه للمكلّف ، وإلّا لثبت الحجّة

__________________

(١) في «أ» : (قتال) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» و «ب» : (التقسيمات) ، وما أثبتناه من هامش «ب».

(٣) البقرة : ١٩٣.

(٤) في «أ» : (الجملة) ، وما أثبتناه من «ب» وهامش «أ».

(٥) النساء : ٥٩.

٢٤٣

للمكلّف ، ولم يكن نصبه إزاحة لحجّته (١) ؛ لقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ...) الآية (٢).

فغير الإمام يمكن أن يكون [كذلك] (٣) ، وظاهر حاله ومقاله وفعاله لا يدلّ على نفي ذلك بنصّ الآية المذكورة ، ومتابعة مثل هذا [ضرر] (٤) مظنون ، فيجب الاحتراز عنه ؛ لأنّ دفع الخوف واجب [عقلا] (٥) ، وهو ينافي وجوب اتّباعه مطلقا من غير قانون مفيد لمعرفة [نفي] (٦) ذلك عنه ؛ لينتفي الضرر المظنون من اتّباعه.

وليس ذلك إلّا العصمة ، وهو ظاهر ، فيجب أن يكون الإمام معصوما ، وهو المطلوب.

الثاني والتسعون : قوله تعالى : (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ* وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) (٧).

أقول : يستحيل من الحكيم أن [يقرن] (٨) طاعة شخص [بطاعته] (٩) وطاعة رسوله ويمكّنه تمكينا تامّا ويوجب على كلّ من سواه في زمانه اتّباعه ويمكن

__________________

(١) في «ب» : (لعلّته) بدل : (لحجّته).

(٢) البقرة : ٢٠٤.

(٣) في «أ» : (لذلك) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (ضروري) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (قطعا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (فنفي) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) البقرة : ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(٨) في «أ» : (يقول) ، وما أثبتناه من «ب».

(٩) من «ب».

٢٤٤

فيه هذه الأحوال ؛ لأنّه تعالى (١) ذكرها في معرض الاحتراز عنه ، واتّباعه و [تقوية يده] (٢) يوجب المماثلة له [في] (٣) ذلك.

وغير المعصوم يمكن فيه هذه الأحوال ، فيستحيل أن يكلّف الله تعالى باتّباعه ويقرن طاعته بطاعته ، فيستحيل أن يكون إماما ، فيجب عصمة الإمام ، وهو المطلوب.

الثالث والتسعون : قال الله تعالى : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٤).

وجه الاستدلال أن يقال : رأفته تعالى [يستحيل] (٥) منه أن يجعل الرئيس المطاع كطاعة النبيّ ممّن يمكن فيه هذه الأحوال المتقدّمة التي ذكرها الله تعالى ، وغير المعصوم يمكن فيه ذلك ، وليس للمكلّف طريق إلى معرفة انتفائه باليقين ، فرأفته تعالى بعباده توجب ألّا (٦) يكون الإمام غير معصوم ، وهذا هو المطلوب.

الرابع والتسعون : قوله تعالى : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٧).

ذكر تعالى في هذه الآية وجه إزاحة علّة المكلّفين وحجّتهم ، وأنّهم لا عذر لهم بعد مجيء البيّنات ، فدلّ على ثبوت عذرهم وعدم توجّه الإلزام عليهم مع ثبوت مجيء البيّنات إليهم.

وإمامة غير المعصوم ينفي البيّنات ؛ [لإجمال كثير من الآيات] (٨) ، وكثير من

__________________

(١) في «أ» زيادة : (يمكن) بعد : (تعالى) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٢) في «أ» : (تقريره) ، وما أثبتناه من «ب» ، وفيها زيادة : (و) بعد : (يده) حذفناها لاقتضاء السياق ذلك.

(٣) زيادة اقتضاها السياق.

(٤) البقرة : ٢٠٧.

(٥) في «أ» : (فيستحيل) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» زيادة : (يوجب) بعد : (ألّا) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٧) البقرة : ٢٠٩.

(٨) من «ب».

٢٤٥

الآيات والسنّة دلالته بالظاهر لا بالنصّ ، ومع ذلك يكون المبيّن الذي هو الإمام ، فإنّه القائم مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في البيان ، وغيره يحتمل خطؤه بمعنى الجهل المركّب ، وذلك نفي مجيء البيّنات ، فيكون إثباتا لعلّة المكلّف و [حجّته] (١) ، لا إزاحة علّته.

وهذا المحال نشأ من عدم البيّنات وظواهر الآيات ومجملها وكذا في السنّة ، ومن عدم عصمة الإمام.

والأوّل ثابت ، فيلزم نفي الثاني ، وإلّا لكان الله تعالى ناقضا لغرضه ، وهو محال من الحكيم.

و (٢) نفي [عدم] (٣) عصمة الإمام مستلزم لعصمته ؛ لوجود الموضوع هنا ، وهو المطلوب.

الخامس والتسعون : قال الله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) (٤).

وجه الاستدلال : أنّ معرفتهم لذلك لطف لهم ؛ لوجود الداعي إلى الشرّ وهو المحبّة ، وانتفاء الصارف وهو علم كونه شرّا ، ووجود الصارف [عن] (٥) الخير وهو [الكره] (٦) ، وانتفاء الداعي وهو العلم ؛ لأنّه حكم بأنّ الله تعالى : (يَعْلَمُ (٧) وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٨).

__________________

(١) في «أ» و «ب» : (وحجّة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) في «أ» و «ب» زيادة : (إذ) بعد : (و) ، وما أثبتناه موافق للسياق.

(٣) من هامش «ب».

(٤) البقرة : ٢١٦.

(٥) في «أ» و «ب» : (إلى) ، وما أثبتناه للسياق.

(٦) في «أ» و «ب» : (النكرة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) من «ب».

(٨) البقرة : ٢١٦.

٢٤٦

فلا بدّ من شيئين :

أحدهما : من يعلم ذلك ليعلّمهم ذلك.

و [ثانيهما] (١) : من [يمنعهم] (٢) ممّا يضرّهم ، ويحثّهم على ما ينفعهم ؛ لأنّ ذلك لطف ، واللطف على الله تعالى واجب (٣).

فإن لم يكن معصوما كان مساويا لهم في [الحاجة] (٤) ، وهو محال ؛ لأنّه يلزم إقامة غير السبب ـ بل قد يكون سبب ضدّه ـ مقامه ، وهو محال ، فتعيّن أن يكون معصوما.

وهذا حكم عامّ في كلّ زمان ، ومحال أن يخلو زمان من اللطف ، وإلّا لزم الترجيح بلا مرجّح ، ولا يمكن ذلك في النبيّ ؛ لكونه خاتم الأنبياء ولم [يعمّر] (٥).

فتعيّن أن يكون هو الإمام ؛ لأنّه القائم مقامه ، فالإمام معصوم ، فلا يخلو منه زمان ، وهو المطلوب.

السادس والتسعون : قال تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٦).

وجه الاستدلال : أنّ كلّ فاعل لذنب فهو متعدّ لحدّ من حدود الله ، [وكلّ متعدّ لحدّ من حدود الله] (٧) فهو ظالم ، ينتج : كلّ [فاعل ذنب] (٨) ظالم.

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق.

(٢) في «أ» : (يعلّمهم) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) أوائل المقالات (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) ٤ : ٥٩. الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد : ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٤) في «أ» : (الجانبين) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (يعمّ) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) البقرة : ٢٢٩.

(٧) من «ب».

(٨) في «أ» : (ذنب فاعل) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٤٧

أمّا الصغرى فضرورية.

وأمّا الكبرى ؛ فللآية.

ثمّ نقول : كلّ فاعل ذنب ظالم ، ولا شيء من الظالم يجوز الركون إليه ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (١).

ينتج : لا شيء من فاعل الذنب يجوز الركون إليه.

[وكلّ إمام يجب الركون إليه] (٢) ، وهذه مقدّمة ضرورية ؛ لأنّ فائدة الإمام ذلك ، فإنّه تعالى أوجب طاعته كطاعة الله وطاعة الرسول ، وهما عامّتان ، فيجب أن تكون طاعة الإمام عامّة وجوبا.

ولا معنى للركون إلّا ذلك ، بل هو الركون الكلّي ، والمنفي الجزئي على سبيل التحريم ، وبينهما منافاة كلّية [ذاتية] (٣) ، وهو مطلوبنا.

لا يقال : الموضوع في الآية كلّ واحد واحد ممّن يتعدّى كلّ حدود الله ؛ لأنّ لفظة (حُدُودَ) جمع ، وهو مضاف ، والجمع المضاف للعموم (٤) ، والموضوع في كبرى القياس الأوّل المتعدّي لحدّ من حدود الله ، وفرق بين متعدّي الكلّ ومتعدّي حدّ واحد ، فلا تدلّ الآية عليه ، [فيتوجّه] (٥) منع الكبرى ، ومبنى [دليلكم عليه] (٦).

لأنّا نقول : المراد في الآية ب : (الحدود) الجنس ، فمن تعدّى حدّا واحدا تناوله الحكم ، وهذا بالإجماع.

ولأنّ العلّة هي الوصف ، وهو تعدّي حكم الله تعالى ، والعلّة موجودة في الواحد ، ووجود العلّة يستلزم وجود المعلول.

__________________

(١) هود : ١١٣.

(٢) من «ب».

(٣) من «ب».

(٤) معارج الأصول : ٨٥ مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. روضة الناظر وجنّة المناظر ٢ : ١٢٣.

(٥) في «أ» : (فيتوضا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (على دليلكم) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٤٨

السابع والتسعون : ولأنّ الله ذكر عقيب قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) (١) ، ف (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) حكم لمنفرد ، وهو جنس خاصّ ، [فمن ثمّ جاز وصف المفرد بالجمع ، ومن حيث إنّه جنس خاصّ] (٢) وفاعل الذنب جنس خاصّ أيضا وصحّ وصفه بها ، فدلّ على أنّ الحدود جنس ، وليس الحكم مختصّا بالكل من حيث هو كلّ.

ولأنّه تعالى أراد أن يبيّن حكم الاقتداء ، فلو لم يكن المراد من الحدود الجنس ، بل المراد الكلّ من حيث هو كلّ ، لكان من [قبيل] (٣) جعل ما ليس بدليل دليلا ، ولكان ذكر القياس غير متّحد الوسط ، وهو ممتنع على الحكيم.

الثامن والتسعون : قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) إلى قوله : (لا يُظْلَمُونَ) (٤).

غاية نصب الإمام كونه لطفا للمكلّفين في تحصيل هاتين المرتبتين :

إحداهما : أن يجتنب جميع المعاصي.

وثانيتهما : أن يفعل جميع الطاعات.

ولا يتمّ ذلك إلّا بالمعصوم ؛ لأنّه لو لم يكن الإمام معصوما لساوى غيره ، فلا يندفع حاجة المكلّف به ؛ لأنّ وجه الحاجة عدم العصمة ، فإذا تحقّق في الإمام لم يصلح لدفع الحاجة.

ولأنّه لو كفى غير المعصوم لم يحتج إلى إمام ؛ لمساواة المكلّف [للإمام] (٥) ، ولاستلزامه الترجيح بلا مرجّح.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» و «ب» : (قبل) ، وما أثبتناه للسياق.

(٤) البقرة : ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٥) في «أ» و «ب» : (الإمام) ، وما أثبتناه للسياق.

٢٤٩

التاسع والتسعون : هذه الآية ـ المذكورة في الوجه المقدّم بلا فصل ـ دلّت على أنّ من فعل سوءا يجز به ، ومن فعل طاعة أثيب عليها ، فلا يخلو إمّا أن يتوقّف على إعلام المكلّف الفعل وصفته ، أو لا.

والثاني محال ، وإلّا لزم تكليف الغافل.

والأوّل إمّا أن يكون العلم بديهيا ، أو كسبيا.

والأوّل منتف بالضرورة.

فتعيّن الثاني ، فإمّا أن يكون عقليا ، أو نقليا.

والأوّل منتف عند أهل السنّة [و] (١) الجماعة (٢) ، وعندنا (٣) يوجد في بعض الأحكام ، وهو ما علم بالضرورة ، وهو نادر جدّا ، وليس من الفقه.

والثاني إمّا أن يكفي فيه الظنّ ، أو لا.

والأوّل باطل ؛ لأنّه [تعالى] (٤) ذمّ المتّبع للظنّ في مواضع (٥) ، ولقوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٦).

ولأنّه لو اكتفى بالظنّ لكان ذلك الظنّ إمّا ممّن كلّف بأن يكلّف بالاجتهاد ، ويلزم منه الحرج العظيم في تكليف جميع المكلّفين بالاجتهاد في الأحكام

__________________

(١) من «ب».

(٢) انظر : كتاب أصول الدين ٢٠٥ ، اللمع في أصول الفقه : ١٢٩. ميزان الأصول ١ : ١٠٥ ـ ١٠٧. المحصول في علم أصول الفقه ١ : ١٦٧.

(٣) انظر : الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٨٢٤ ـ ٨٢٦ تقريب المعارف : ١٢٠. العدّة في أصول الفقه ٢ : ٧٥٩ ـ ٧٦٢. الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد : ٨٦

(٤) في «أ» : (قد) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) كقوله تعالى : (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم : ٢٨). وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات : ١٢).

(٦) يونس : ٣٦.

٢٥٠

الجزئية الفرعية ، [وهو] (١) محال ، وينفى بقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢).

ولأنّه يلزم إفحام الإمام ؛ لأنّه إذا أمر المكلّف بشيء ، يقول : لا يجب عليّ امتثال قولك إلّا [إذا] (٣) أدّى اجتهادي إليه ، وإنّ اجتهادي لم يؤدّ إليه ، فيلزم إفحام الإمام من كلّ من أراد الإمام إلزامه بشيء ، وهو ينفي فائدة الإمامة.

ولأنّه يلزم أن يكون كلّ مجتهد مصيبا ، وهو باطل ؛ لما بيّن في الأصول (٤).

وإمّا من غيره ، وهو ترجيح بلا مرجّح مع تساويهما ، ولأنّ الحجّة للمكلّف ثابتة حينئذ.

فتعيّن الثاني ، وهو أن يكون الطريق المؤدّي إلى الأحكام يفيد العلم ، وهو إمّا أن يكون بوجود من علم وجوب عصمته بحيث يمكن أن يستفاد منه الأحكام يقينا ، أو غيره.

والثاني منتف ؛ [للإجماع] (٥) على أنّ مثل هذا لم يوجد.

فلو لم يكن الأوّل موجودا لانتفى الطريق المفيد للعلم ، وهو باطل ؛ لما قلنا ، وهو المطلوب.

وهذا هو مذهب [الإمامية] (٦) ، فإنّهم يقولون : الأحكام مستفادة من النبيّ عليه‌السلام ؛ لأنّه المبلّغ للقرآن والمفسّر له والمبيّن [لمحكمه] (٧) ومتشابهه ، والسنّة تعلم منه يقينا.

__________________

(١) من «ب».

(٢) الحج : ٧٨.

(٣) من «ب».

(٤) العدّة في أصول الفقه ٢ : ٧٢٥ ـ ٧٢٦. تهذيب الوصول إلى علم الأصول : ٢٨٦ ـ ٢٨٧. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(٥) في «أ» : (بالإجماع) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (الإمام) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) في «أ» : (لحكمه) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٥١

وبالجملة ، ما دام النبيّ موجودا فيتمكّن المكلّف من الوصول إلى العلم ، فإذا مات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وجد بعده إمام واجب العصمة يفيد قوله العلم ، وهكذا كلّ إمام يفوت يوجد بعده آخر واجب العصمة إلى انتهاء الدنيا ، فدائما يحصل العلم بالأحكام للمكلّفين.

وهذا طريق [إذا جرّد] (١) الإنسان ذهنه وفكره عن العناد ، وجرّد طرفي المطلوب عمّا يعرض بسببه الغلط ، فإنّه يعلم صحّة هذا الطريق [و] (٢) فساده غيره ، وأنّ الحكيم الكامل لا يصدر منه إلّا الكمال ، وأنّ هذا هو الطريق الأكمل والدين الأقوم الذي لا يعتريه [شك] (٣).

لا يقال : الحاجة إلى الإمام منتفية بقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٤) ، فلو لم يكف الرسول عن الإمام لكان للناس حجّة على الله بانتفائه مع وجود الرسول ، لكنّه نفى الحجّة مع ثبوت الرسول ، وهذا يدلّ على أنّه تمام ما يتوقّف عليه التكليف ، أي لا يتوقّف على شيء آخر بعده ، فأقلّ مراتبه أن يكون هو الجزء الأخير ، فلا يكون الإمام شرطا في شيء.

ولأنّ دليلكم هذا يلزم منه أحد أمور ثلاثة :

إمّا ارتفاع التكليف مع عدم ظهور الإمام للمكلّفين.

أو إخلاله تعالى باللطف ، ويلزم منه نقض غرضه.

أو بطلان هذا الدليل على تقدير صحّته ، وهو يستلزم اجتماع النقيضين.

واللازم بأقسامه باطل ، فالملزوم مثله.

والملازمة وبطلان التالي ظاهران ، فيبطل دليلكم.

__________________

(١) في «أ» : (إلى و) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (أو) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (شيء) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) النساء : ١٦٥.

٢٥٢

لأنّا نقول (١) : أمّا الجواب عن الأوّل (٢) : في الآية إضمار تقديره : لئلّا يكون للنّاس على الله حجّة بعد الرّسل وتشريعهم الأحكام ، وبيانهم [الحلال] (٣) من الحرام ، ونصب الأدلّة والبراهين وجميع ما يحتاج إليه المكلّفون في علمهم وعملهم ؛ لأنّه لو لا ذلك لم يكن في نصب الرسول فائدة.

ولأنّ مجرّد وجود الرسول بلا نصب الأدلّة وتشريع الأحكام لا ينفي الحجّة قطعا ، ومن جملة الأدلّة ووجوه الإرشاد للعباد نصب الإمام ، وفي الأحكام وجوب طاعته وبيانه عليه‌السلام ذلك كلّه بنصّ جلي.

وعن الثاني : بمنع الملازمة ؛ لأنّ الواجب عليه تعالى نصب الإمام والدلالة عليه وإيجاب طاعته ، وعلى الإمام القبول ، وعلى المكلّفين طاعة الإمام ونصرته والجهاد معه ، وذلك ليس من فعله تعالى على سبيل الإجبار لهم ؛ لأنّه ينافي التكليف ، فالمكلّفون تبعوا أنفسهم كما أنّ المكلّف يعصي بترك الواجب من الصلاة والصيام.

لا يقال : إنّ [غيبة] (٤) الإمام ليست من كلّ المكلّفين ، بل من بعضهم ، فذلك البعض الآخر إمّا أن [يبقى] (٥) مكلفا ، أو لا.

والثاني ينفي التكليف عمّن لم يكن له مدخل في منع الإمام [ولا] (٦) أوجب غيبته ، وهو محال إجماعا.

والأوّل إمّا أن يكلّف بالعلم ، وهو باطل ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق.

فبقي أن يكون الظنّ فيم لا يكون ابتداء.

__________________

(١) في «أ» و «ب» زيادة : (و) بعد : (نقول) ، وما أثبتناه موافق للسياق.

(٢) في «ب» زيادة : (في الأوّل) بعد : (عن الأوّل).

(٣) في «أ» : (الأحكام) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» و «ب» : (غلبة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٥) في «أ» : (ينفي) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (وإلّا لما) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٥٣

لأنّا نقول : الاكتفاء بالظنّ هنا رخصة ، وهو طريق ناقص لا يفعله الله ابتداء ، بل من تقصير المكلّفين. والمعارضة بقتل الأنبياء ، ولا خلاص عن هذه المعارضة.

المائة : قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) (١).

اعلم أنّ تفصيل الكتاب لم يعلمه بالحقيقة والتحقيق في كلّ الأحكام [إلّا] (٢) المعصوم ؛ لأنّ مجملاته كثيرة ، والاجتهاد لا يفيد إلّا الظنّ ، ولا يحصل اليقين في دلالته على كلّ حكم حكم إلّا [من] (٣) المعصوم ؛ لأنّه العالم بما يراد بالمجمل منه حقيقة.

واعلم أنّ الحكم المفصّل هو بمنزلة كبرى الدليل الدال على حكم كلّي وأمور واقعة ، والصغرى شخصيّتها ، فيكون كلّيا ، وهذه جزئية.

__________________

(١) الأنعام : ١١٤.

(٢) في «أ» و «ب» : (إلى) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) من هامش «ب».

٢٥٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المائة العاشرة من الأدلّة

الدالّة على وجوب

عصمة الإمام عليه‌السلام

٢٥٥
٢٥٦

الأوّل : قال الله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) (١).

اعلم أنّ (الْفَواحِشَ) عامّ لا يعلم تفصيلها بالتحقيق إلّا المعصوم ؛ لاختلاف الأمّة (٢) ، وليس ترجيح [قول بعض المجتهدين أولى من العكس ، والترجيح] (٣) بلا مرجّح محال.

الثاني : قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) (٤).

أقول : المراد هنا بالحقّ الحقّ المعلوم يقينا ، فعلى هذا الحدود والقصاصات لا يجوز إلّا بالاستظهار التامّ ، وهو مبني على قول الإمام ، فإنّ الحدود إليه ، والقصاص هو الذي يأمر به ، فإن لم يكن معصوما لم يحصل الاحتياط والعلم بقوله ، فدلّ على أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما.

الثالث : قوله تعالى : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٥).

[أقول] (٦) : هذا تأكيد لما سبق ، فيجب في ذلك الاحتياط ، وإنّما يتمّ من المعصوم.

__________________

(١) الأنعام : ١٥١.

(٢) في هامش «ب» : (الأئمّة) بدل : (الأمّة).

(٣) من «ب».

(٤) الأنعام : ١٥١.

(٥) الأنعام : ١٥١.

(٦) في «أ» : (القول) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٥٧

الرابع : قال الله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) (١).

أقول : هذا نهي عن إثبات اليد على مال اليتيم ، ثمّ استثنى (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، فهذا الاستثناء للإمام لا لغيره ، ولا يجوز لغيره التصرّف فيه ، فغير المعصوم لا يؤمن عليه ، ولا يعلم وجه الأحسن ، ولا ولاية له عليه ؛ لمساواته غيره لو لم يكن معصوما.

فلا بدّ من إمام معصوم ، وهو المراد.

الخامس : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) (٢).

كلّ غير معصوم يمكن أن يكون كذلك ، [ولا شيء من الإمام يمكن أن يكون كذلك] (٣) بالضرورة.

السادس : قوله تعالى : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٤).

أقول : ذكر ذلك مدحا لمن يقتل في سبيل الله أو يموت في سبيل الله ، وهذا المدح لا يختصّ بأهل زمان النبيّ ، بل هي عامّة لكلّ الأزمان التي فيها إمام ، فإنّ هذه لطف عظيم في حقّ المكلّف ، فلا يختصّ بأهل زمان دون زمان.

وأيضا الإجماع من المسلمين على عمومها للأزمان التي فيها إمام.

وذلك الإمام هو الآمر بالقتال الذي إذا قتل فيه المؤمن كان في سبيل الله ، ولا

__________________

(١) الأنعام : ١٥٢.

(٢) آل عمران : ١٥٦.

(٣) من «ب».

(٤) آل عمران : ١٥٧.

٢٥٨

يتحقّق ذلك إلّا مع عصمة الإمام ، فإنّ غير المعصوم لا يؤمن على سفك الدماء ، ولا على [قتل] (١) النفس.

لا يقال : هذا مع غيبة الإمام لا يحصل ، ولا مع كفّ يده.

لأنّا نقول : الغيبة وكفّ يد الإمام إنّما هو من المكلّفين لا من الله تعالى ، فهم منعوا أنفسهم من اللطف.

السابع : قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢).

أقول : هذا يدلّ على عصمة الإمام من وجهين :

أحدهما : اتّباع الشيطان مطلقا ـ ولو في شيء ما ـ محذور ويكرهه الله ، ومراد الله تعالى ألّا يتّبع الشيطان البتة في شيء من الأشياء ؛ لأنّ (اتّبعتم) نكرة ، وهي في معرض النفي للعموم (٣).

والإمام منصوب للدعاء إلى الله تعالى في جميع [ما يريده] (٤) وحمل الناس عليه ، بحيث لا يخلّ المكلّف بشيء منه أصلا والبتة إن أطاع المكلّف الإمام. ولو لم يكن الإمام متّصفا بهذه الصفة [لكان] (٥) إيجاب طاعته على المكلّف مع مساواته إيّاه ترجيحا بغير مرجّح ، وكان إيجاب طاعته له (٦) ليحصل ما لم يفعله [بنفسه لغيره] (٧) من الحكيم محالا.

__________________

(١) في «أ» : (قتله) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) النساء : ٨٣

(٣) العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٧٥. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. اللمع في أصول الفقه : ٢٧.

(٤) من «ب».

(٥) في «أ» : (الكاملة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) لم ترد في «ب» : (له).

(٧) في «أ» : (لنفسه بغيره) ، وما أثبتناه من «ب».

٢٥٩

وثانيهما : [أنّ] (١) (لو لا) يدلّ على امتناع الشيء لوجود غيره ، [وفضل] (٢) الله تعالى هو المانع للمكلّفين من اتّباع الشيطان ، فإمّا بإمام معصوم ، أو بغيره.

والثاني لم يوجد ، فدلّ على الأوّل.

لا يقال : جاز أن يكون الفضل بالتكليف وخلق العقل والدلالة على القبيح ليحترز عنه ، وعلى الواجب ليفعله ، وذلك كاف ؛ لأنّ حصول ذلك مشروط باتّباع المكلّف وطاعته للأمر ، فلا يحتاج إلى توسّط الإمام ؛ لأنّ الإمام لا يكرهه ، وإلّا لنافى التكليف ، فإن سمع أوامر الله تعالى وأطاع حصل مقصوده ، وإلّا فكما لا يسمع الله لا يسمع الإمام.

لأنّا نقول : في الإمام فوائد :

إحداها : إعلام المكلّفين المجمل والمتشابه.

وثانيتها : الحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ؛ لقوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ) (٣) ، ويجب عليهم الاتّباع.

وثالثتها : الجهاد والقتال وإقامة الحدود ، وإنّها (٤) من أعظم الروادع.

ورابعتها : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمعاقبة عليه من غير لزوم إكراه ؛ لتجويز المكلّف عدم علم الإمام ، ولا يتصوّر ذلك في حقّ الله تعالى.

[فقد ظهر [أنّه لا] (٥) يتمّ ذلك إلّا بإمام معصوم ، ولأنّ غير المعصوم من [الطرق] (٦) لم يجعله الله تعالى] (٧) ؛ للآية المتقدّمة. فقد علم أنّه لا بدّ من إمام معصوم.

__________________

(١) في «أ» : (أنّه) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (فضل) ، وفي «ب» : (ففضل) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) النساء : ٨٣

(٤) في «ب» : (فإنّها) بدل : (وإنّها).

(٥) في «ب» : (أن) ، وما أثبتناه للسياق.

(٦) في «ب» : (الظرف) ، والظاهر ما أثبتناه.

(٧) من «ب».

٢٦٠