الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

الألفين الفارق بين الصّدق والمين - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤسسة الإسلامية العامة للتبليغ والإرشاد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨١
الجزء ١ الجزء ٢

أحدهما : أنّه لا يعلم الحكم [في الواقعة] (١) يقينا ، فجاز ألّا يحكم بما أنزل الله ، فيدخل تحت قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢) ، ويدخل الاعتماد على قوله [في قوله] (٣) : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ...) (٤) فيحصل [الخوف للمكلّفين من اعتماد أقواله وأفعاله وامتثال أوامره ونواهيه] (٥) ، (٦) وهي مقدّمة وجدانية ، فيجب الاحتراز عنه. فيلزم من وجوب اتّباعه وامتثال أوامره ونواهيه وجوب ترك اتّباعه وترك امتثال أوامره ونواهيه ، فيلزم [التكليف] (٧) بالنقيضين ، وهو محال ظاهر ؛ لاستحالته ، وهو المطلوب.

لا يقال : هذا وارد في المفتي.

لأنّا نقول : يندفع خلله مع وجود الإمام المعصوم ، وأمّا مع [عدم عصمة] (٨) الإمام فلا يمكن انسداد هذا الباب.

السابع والتسعون : قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٩).

فنقول : كلّ ذنب ظلم ؛ لقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (١٠).

والمراد بالحدود هنا الأوامر والنواهي بإجماع الأمّة ، وليس المراد الكلّ ، بل كلّ

__________________

(١) في «أ» : (بالواقعة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) المائدة : ٤٥.

(٣) من «ب».

(٤) هود : ١١٣.

(٥) من «ب».

(٦) في «أ» زيادة : (له الخوف) بعد : (ونواهيه) ، وفي «ب» : (فيحصل له الخوف) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) في «أ» : (بالتكليف) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) في «أ» : (عصمته) ، وما أثبتناه من «ب».

(٩) الأنعام : ٨٢.

(١٠) الطلاق : ١.

١٨١

واحد [منها ، بل أي واحد كان منها. وهي عامّة في كلّ أمر ونهي ، بمعنى أنّ تعدّي كلّ واحد] (١) بانفراده ظلم بإجماع الأمّة.

وقوله تعالى : (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) ، [قوله : (بِظُلْمٍ)] (٢) نكرة في معرض النفي ، فيكون للعموم (٣) ، فيلزم ألّا [يصدر] (٤) مع إيمانهم منهم ذنب ، وهذا معنى العصمة.

ولا شكّ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله [له] (٥) هاتان المرتبتان ؛ لأنّه داع للناس إلى الأولى ، أعني تحصيل الإيمان ، والثانية نفي الظلم والذنوب ، فيكون معصوما.

والإمام قائم مقامه ؛ لأنّ طاعته مساوية لطاعة النبيّ ، فيكون داعيا إلى المرتبتين ، فلا بدّ من تحقّقهما فيه ، فيكون الإمام معصوما.

الثامن والتسعون : الأمن والهداية بحصول هاتين المرتبتين كما ذكر في هذه الآية (٦) ، والإمام طريق إليهما ؛ لأنّه هاد وبه يحصل الأمن للمكلّف. وغير المعصوم ليس كذلك بالضرورة ؛ بحصول الخوف من امتثال أوامره ونواهيه ، وخصوصا فيما بني على الاحتياط التامّ كالدماء والفروج ، فإنّ غير المعصوم يجوّز المكلّف فيه شيئين :

أحدهما : الخطأ.

والثاني : تعمّده للخطأ ، بغلبة القوّة الشهويّة والسبعيّة.

فلا بدّ وأن يكون الإمام معصوما ، وهو المطلوب.

__________________

(١) من «ب».

(٢) من «ب».

(٣) العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٧٥ ، مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. اللمع في أصول الفقه : ٢٧.

(٤) في «أ» : (بصدد) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام : ٨٢) المتقدّمة في الدليل السابع والتسعين.

١٨٢

التاسع والتسعون : قوله تعالى : (وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (١).

المطلوب ـ الغاية من نصب الإمام ـ الهداية ، وهو ظاهر ، ولمساواة طاعته لطاعة النبيّ ، وكونه قائما مقامه ، والصراط المستقيم هو العصمة ، فهو داع للخلق إلى هذه المرتبة ، ويحصل من طاعته ، وإلّا لم يأمر بها الله تعالى ، فلا يكون إلّا معصوما ، وهو المطلوب.

المائة : قوله تعالى : (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) (٢) ، ثمّ قال تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) (٣).

وجه الاستدلال : أنّ القرآن الكريم ناسخ للتوراة ، والناسخ أكمل من المنسوخ ، فيلزم أن يكون نورا وهدى للناس ، ولفظ (النور) هنا مجاز ، والمراد به : واضح الدلالة ، بحيث تكون يقينية لا تقبل الشكّ.

ثمّ أكّد بقوله : (وَهُدىً لِلنَّاسِ) ، وهو عامّ في أهل كلّ عصر.

ثمّ أثبت كونه هدى للناس ، [فلا بدّ من ثبوت مهتد] (٤) بالفعل ؛ لأنّ كلّ موضوع القضية الموجبة [يجب] (٥) الحكم فيها على [ما] (٦) صدق عليه عنوان الموضوع بالفعل.

وكونه هدى بالفعل يستلزم ثبوت مهتد بالفعل ، ولا يصدق أنّ فلانا مهتد [إلّا] (٧)

__________________

(١) الأنعام : ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) الأنعام : ٩١.

(٣) الأنعام : ٩٢.

(٤) في «أ» تكرار قوله : (وهو عامّ في أهل كلّ عصر. ثمّ أثبت) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» و «ب» : (يجلب) ، وما أثبتناه للسياق.

(٦) من «ب».

(٧) من «ب».

١٨٣

مع كونه مهتديا في جميع أفعاله ؛ لأنّ قولنا : فلان ضلّ ، مطلقة عامّة ، يستعمل في تكذيبها : فلان مهتد ، وبالعكس عرفا ، [فهي] (١) مساوية لنقيضها ، فتكون في قوّة سالبة كلّية عرفا.

فقد ثبت أنّ في كلّ عصر من له صفتان :

إحداهما : أنّ له علما بدلالات القرآن [يقينا] (٢) ، علما ضروريا من قبيل فطري القياس.

والثانية : أنّه مهتد بالفعل دائما في جميع أفعاله ، وهو المعصوم.

__________________

(١) في «أ» : (وهي) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) من «ب».

١٨٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المائة التاسعة من الأدلّة

الدالّة على وجوب

عصمة الإمام عليه‌السلام

١٨٥
١٨٦

الأوّل : قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١).

وجه الاستدلال : أنّ هذه الآية عامّة في كلّ عصر ، والإمام لا بدّ أن يحمل الناس عليها إن امتثلوا أمره وتابعوا فعله ، فلا بدّ وأن يكون فيه هذه الصفة.

[فلا بدّ في كلّ عصر من إمام متّصف بهذه الصفة] (٢) وهو المعصوم ؛ لأنّ قوله : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [عامّ] (٣) ؛ لأنّ النكرة المنفية للعموم (٤) ، وهو جواب لقوله تعالى : [(فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ). وكلّ غير معصوم يخاف ويحزن ؛ لقوله تعالى] (٥) : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٦) ، وقوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٧).

فدلّ على أنّ من ذكرناه معصوم.

__________________

(١) الأعراف : ٣٥.

(٢) من «ب».

(٣) في «أ» : (عامّة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٧٥. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. اللمع في أصول الفقه : ٢٧.

(٥) من «ب».

(٦) الزلزلة : ٧ ـ ٨.

(٧) آل عمران : ٣٠.

١٨٧

الثاني : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١).

وجه الاستدلال : أنّ الله سبحانه وتعالى نصب الإمام لحمل الناس على هذه المرتبة ، فلا بدّ وأن تكون فيه.

و (الصَّالِحاتِ) لفظ جمع محلّى باللام فيفيد العموم (٢) ، فالإيمان وعمل الصالحات يشتمل على ترك المعاصي ؛ لأنّه حكم بأنّهم أصحاب الجنّة المستحقّون لها ، فلا يتمّ إلّا بترك المعاصي ، فالإمام معصوم ، وهو المطلوب.

الثالث : قوله تعالى : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣).

وجه الاستدلال : أنّ الهداية ـ هداية الحقّ ـ لا تتمّ إلّا بالمعصوم ، فقد ثبت الملزوم بهذه الآية ، فثبت اللازم ، فيكون الإمام الذي هو هاد معصوما ، وهو المطلوب.

الرابع : قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ* هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٤).

وجه الاستدلال : أنّه تعالى فصّل الكتاب إلى أحكامه على علم ، فنفى الظنّ ،

__________________

(١) الأعراف : ٤٢.

(٢) العدّة في أصول الفقه ١ : ٢٧٦. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. اللمع في أصول الفقه : ٢٦.

(٣) الأعراف : ٤٣.

(٤) الأعراف : ٥٢ ـ ٥٣.

١٨٨

فيلزم أن يكون جزئيات أحكامه معلومة ، وأكّد ذلك بقوله : (هُدىً) ، وإنّما يكون بالعلم ، فإمّا أن يكون في كلّ زمان ، أو في زمن واحد لا غير.

والثاني محال ؛ لعدم اختصاص لطفه تعالى بقوم دون قوم ، فلا بدّ أن يكون الإمام عالما بذلك ومهتديا في كلّ الأمور ، فهو المعصوم ، وهو المطلوب.

الخامس : قوله تعالى : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١).

الشرط إذا تأخّر كان في الحقيقة متقدّما ، وما [بعده] (٢) المقدّم ، وما قبله [التالي] (٣).

تقريره : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ الشرط ـ (٤) فأنبئوني بعلم ، شرط في صدق المنبئ عن الله تعالى بالأحكام أن يكون [خبره] (٥) عن علم ؛ لأنّ (إن) للشرط ، ولأنّ الحكم إذا علّق بوصف يصلح [للعلّية] (٦) دلّ على العلّية (٧) ، فيصدق : كلّ صادق في إنبائه عن الله تعالى فإنباؤه عن علم ، وينعكس بعكس النقيض : كلّ من ليس إنباؤه عن علم فليس بصادق.

إذا تقرّر ذلك فنقول : الإمام صادق في كلّ إنبائه عن الله تعالى ، وكلّ صادق في إنبائه فإنباؤه بعلم. ينتج : أنّ الإمام في إنبائه عن الله عزوجل بعلم.

__________________

(١) الأنعام : ١٤٣.

(٢) في «أ» : (بعد) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (الثاني) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) لم ترد في «ب» : (الشرط).

(٥) في «أ» : (خيره) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» : (للعية) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) انظر : العدّة في أصول الفقه ٢ : ٦٥٩. المحصول في علم أصول الفقه : ٥ : ١٤٥ ، ٢٠٧ ـ ٢١٠. الإحكام في أصول الأحكام (الآمدي) ٣ : ٣٣٠.

١٨٩

فقد حصل معنا مقدّمتان :

إحداهما : أنّ كلّ إمام يخبر فهو صادق في كلّ ما يخبر به عن الله تعالى في الأحكام الشرعية.

الثانية : أنّ كلّ إمام فهو عالم بكلّ الأحكام علما لا ظنّا.

إذا ثبت ذلك فنقول : إنّما (١) يحصل الجزم بهاتين المقدّمتين مع العلم بعصمة الإمام عليه‌السلام.

فقد بطل قول من يقول (٢) باجتهاد الإمام في الأحكام ، وجواز خطئه في الاجتهاد ، وبظنّ صدقه.

السادس : قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (٣).

وجه الاستدلال بهذه الآية [وجوه :

الأوّل : أنّ هذه الآية] (٤) فيها مراتب خمس مع كمالها تحصل صفة الراشد التي لا يتّصف بها [إلّا من كملت فيه هذه المراتب] (٥).

المرتبة الأولى : الإيمان.

المرتبة الثانية : أن يكون [مزيّنا] (٦) في قلوبهم ، بمعنى أن يكون لهم علم اليقين

__________________

(١) في «ب» : (فقد) بدل : (إنّما).

(٢) انظر : المغني في أبواب التوحيد والعدل (الإمامة ١) : ٩٠.

(٣) الحجرات : ٧.

(٤) من «ب».

(٥) زيادة اقتضاها السياق.

(٦) في «أ» : (مرئيا) ، وما أثبتناه من «ب».

١٩٠

وعين اليقين ، وإليهما أشار إبراهيم عليه‌السلام [في سؤاله] (١) : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٢).

ولا يرد أنّ المعقول (٣) أقوى من المحسوس (٤) ، فكيف يؤكّد المعقول بالمحسوس؟

لأنّ علمه من قبيل فطري القياس ، ثمّ أراد إدراكه [حسّا] (٥) ، فالأول في الإيمان حصل له العلم ، والثاني الإدراك الحسّي ، فيكون قد أدركه عقلا وحسّا.

ثمّ سلّمنا ، لكنّه سأل عن الكيفية المحسوسة ، ثمّ أراد الله تعالى أن ينفي عن إبراهيم اعتقاد المبطلين أنّه كان شاكّا في ذلك ، والله علم أنّه لا يشكّ ، لكن أراد بالسؤال نفي وهم المبطلين الشاكّين في كمال الأنبياء ، فأظهر فائدة سؤال إبراهيم عليه‌السلام بقوله تعالى : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) وجواب إبراهيم ، فهنالك [تنفى] (٦) ضلالة كلّ من شكّ في شيء.

المرتبة الثالثة : الكفر والتبري منه واعتقاد (٧) بطلانه باعتقاد [علم] (٨) اليقين وعين اليقين كالإيمان.

__________________

(١) من «ب».

(٢) البقرة : ٢٦٠.

(٣) المعقول : هو الصورة الحاصلة في العقل (الذهن). انظر : الإشارات والتنبيهات (الفلسفة الإسلامية) : ٣٦٨. إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : ١٣٤. النافع يوم الحشر (في شرح الباب الحادي عشر) : ٥.

(٤) المحسوس : هو الشيء الذي يحكم به العقل بواسطة أو بمعاونة الحسّ ، فالشيء يكون محسوسا عند ما يشاهد. انظر : الإشارات والتنبيهات (الفلسفة الإسلامية) : ٣٦٧. إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : ٩٩.

(٥) في «أ» : (حسّيا) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» و «ب» : (يعني) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) في «أ» زيادة : (كلّ) بعد : (واعتقاد) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٨) من «ب».

١٩١

المرتبة الرابعة : نفي الفسوق.

المرتبة الخامسة : نفي العصيان ، وهو عامّ ؛ لأنّ نفي الماهية لا يتمّ إلّا بنفي جميع جزئياتها.

فإذا كان الراشد من كملت هذه المراتب فيه بإرسال النبيّ ونصب الإمام الذي هو نائبه وقائم مقامه لإرشاد الخلائق وحملهم على هذه المراتب كلّها ، فلا بدّ وأن يكون النبيّ والإمام راشدين ؛ حتى تتمّ دعوتهما ، ولا يحتاجان إلى غيرهما.

ولا تنقطع حاجة (١) من ليس فيه هذه الصفات إلّا بمن تكمل هذه الصفات فيه ، وإلّا لزم له تسلسل الحاجة ، وعلى تقدير التسلسل لا ينقطع الحاجة.

وهذا معنى العصمة بالضرورة ، فيكون الإمام معصوما.

الثاني : هذه المراتب هي الحقّ ، وهي الهداية الخالصة ، وهي المرتبة التي قال الله تعالى : (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) (٢).

وحاجة الناس إلى الإمام ليهديهم ويحملهم عليها ، وبه وبامتثال أوامره ونواهيه واتّباع أقواله وأفعاله ينقطع حاجتهم ، ويحصل [لهم] (٣) الاستغناء ، فلو لم يكن فيه هذه الصفات المذكورة مجتمعة لم ينقطع الحاجة.

الثالث : قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) يدلّ على انحصار الراشد في هؤلاء ؛ لأنّها صيغة الحصر ، وخصوصا مع التأكيد ، فغير هؤلاء ليسوا براشدين ، فالإمام إمّا راشد ، [أو ليس] (٤) براشد.

والثاني محال ؛ لأنّه لا شيء ممّن ليس [براشد] (٥) مرشد مطلقا بالضرورة ، وكلّ إمام مرشد مطلقا بالضرورة ، ينتج : لا شيء ممّن ليس براشد مطلقا بإمام بالضرورة.

__________________

(١) في «أ» زيادة : (إلى) بعد : (حاجة) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٢) الأنعام : ٨٢

(٣) في «أ» : (له) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (فليس) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» و «ب» : (بمراشد) ، وما أثبتناه للسياق.

١٩٢

فتعيّن القسم الأوّل ، وهو أن يكون الإمام من هؤلاء ، فهو معصوم ؛ لما تقرّر ، وهو المطلوب.

السابع : اتّباع الإمام [موجب] (١) لمحبّة الله تعالى بالضرورة ، ولا شيء من المذنب اتّباعه [موجب] (٢) لمحبة الله تعالى بالضرورة ، فلا شيء من الإمام [بمذنب] (٣) بالضرورة.

[أمّا] (٤) الصغرى ؛ فلمساواة اتّباع الإمام لاتّباع النبيّ ؛ لقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥) ، فجعل طاعة الإمام وطاعة النبيّ متساويتين ، واتّباع النبيّ موجب لمحبّة الله تعالى ؛ لقوله تعالى : (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٦).

وأمّا الكبرى ؛ فلقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٧) ، والمذنب معتد بالضرورة.

الثامن : كلّ إمام مصلح بالضرورة ؛ لأنّه [غاية] (٨) إمامته ؛ لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٩) ، والجمع المضاف

__________________

(١) في «أ» : (موجبة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٢) في «أ» : (موجبة) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) في «أ» : (بمذهب) ، وما أثبتناه من «ب».

(٤) في «أ» : (فإنّ) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) النساء : ٥٩.

(٦) آل عمران : ٣١.

(٧) البقرة : ١٩٠. المائدة : ٨٧.

(٨) في «أ» : (غائب) ، وما أثبتناه من «ب».

(٩) النساء : ٥٩.

١٩٣

للعموم (١). ولا شيء من غير المعصوم بمصلح بالإمكان ، وهو بديهي. فلا شيء من الإمام بغير معصوم بالضرورة ؛ لما بيّن في المنطق (٢).

وهو يستلزم : كلّ إمام [معصوم] (٣) بالضرورة ؛ لوجود الموضوع ، وهو المطلوب.

التاسع : قوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٤).

وجه الاستدلال أن نقول : الإمام هاد لكلّ من هو إمام له بالضرورة ، وكلّ هاد يهديه الله بالضرورة. ينتج : أنّ الإمام [يهديه الله] (٥) بالضرورة.

فنجعلها (٦) صغرى في قولنا : لا شيء من الفاسق يهديه الله ؛ للآية المذكورة ، ينتج : لا شيء من الإمام بفاسق بالضرورة.

وكلّ غير معصوم فاسق بالإمكان ، ينتج : لا شيء من الإمام غير معصوم بالضرورة.

[وهو يستلزم قولنا : كلّ إمام معصوم بالضرورة] (٧) ؛ لوجود الموضوع ، وهو [المطلوب] (٨).

فهاهنا مقدّمات :

الأولى : الإمام هاد لكلّ من هو إمام له ؛ لقوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (٩). فالإمام هو هادي المأموم إلى الحقّ.

__________________

(١) مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ١٢٢. روضة الناظر وجنّة المناظر ٢ : ١٢٣.

(٢) انظر : تجريد المنطق : ٣٤ ـ ٣٥. الجوهر النضيد : ١١٦ ، ١١٨ ـ ١١٩.

(٣) من «ب».

(٤) المائدة : ١٠٨ ، التوبة : ٢٤.

(٥) من «ب».

(٦) في «ب» : (فجعلها) بدل : (فنجعلها).

(٧) من «ب».

(٨) في «أ» : (الخطأ) ، وما أثبتناه من «ب».

(٩) الأنبياء : ٧٣.

١٩٤

الثانية : كلّ هاد يهديه الله بالضرورة ؛ لقوله تعالى : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) (١) ، ولاتّفاق الأمّة عليه.

أمّا الأشاعرة فظاهر (٢) ، وأمّا المعتزلة (٣) ؛ فلأنّ [العقل] (٤) والاستعداد من فعل الله تعالى.

الثالثة : أنّ المراد من قوله تعالى : (الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) إمّا كلّ واحد [واحد] (٥) ، أو الكلّ.

وعلى التقديرين فالمطلوب حاصل.

أمّا على الأوّل فظاهر.

وأمّا على الثاني ؛ فلأنّ الفسق ليس بهداية ، فالفاسق حال فسقه غير مهتد بالضرورة.

الرابعة : أنّ كلّ غير معصوم فاسق بالإمكان ، وهو ظاهر ؛ إذ وجوب العصمة هي بامتناع الذنب ، والفسق [بإمكانه] (٦).

العاشر : قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ) الآية (٧).

وجه الاستدلال : أنّ القوّة الشهوية مرجّحة لارتكاب الشهوات ، ثمّ هي محبوبة زيّن للناس حبّها. فقد حصل ترجيح من هذه الوجوه الثلاثة.

__________________

(١) الإسراء : ٩٧.

(٢) لأنّهم يقولون : إنّ المحدث هو الله تعالى ، ولا مؤثّر غيره ، وأنّ الله هو الخالق لجميع أفعال العباد ، وأنّه لا تأثير لقدرة العبد في مقدوره. انظر : مناهج اليقين في أصول الدين : ٢٣٥. نهج الحق وكشف الصدق : ٧٣ ، ١٠١. كتاب تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل : ٣٤١ ـ ٣٤٢. كتاب أصول الدين : ١٣٣ ـ ١٣٤. كتاب المحصّل : ٤٥٥ ـ ٤٥٦.

(٣) انظر : المغني في أبواب التوحيد والعدل (المخلوق) : ٣.

(٤) في «أ» : (الغير) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) من «ب».

(٦) في «أ» : (بإمكانها) ، وما أثبتناه من «ب».

(٧) آل عمران : ١٤.

١٩٥

وذلك يوجب لمن ضعف عقله مقاومة هذه المرجّحات ، وهم أكثر الخلق على ما [نشاهده] (١) ، وذلك يوجب ارتكاب المحرّمات وعدم الالتفات إلى الشرع.

فلا بدّ من رادع ، فكلّ غير معصوم فيه هذا بالإمكان ، ولأنّ القوى متفاوتة غير منضبطة ، [فالرادع] (٢) هو الرئيس ، ولا بدّ أن تمتنع منه هذه الأشياء ، وإلّا لساوى غيره ، بل تكون الرئاسة له [معيبة] (٣) ، وتمكّنه وعدم ممانعة غيره ، فإنّ غيره لا يقواه ، فوجب أن يحكم بامتناع ذلك [منه] (٤) ؛ حتى يكون الناس له أطوع.

ولا نعني بالمعصوم [إلّا] (٥) ذلك ، وهو المطلوب.

الحادي عشر : قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٦).

وجه الاستدلال يحتاج إلى مقدّمات :

إحداها : أنّ [لله] (٧) تعالى في كلّ واقعة حكما واحدا هو الحقّ (٨) ، وأنّه لا يختلف باختلاف الاجتهاد.

الثانية : هذه الآية عامّة في الأزمان والمكلّفين ـ وهو ظاهر ـ والمكلّف به من الأفعال والتروك ، أمّا الأوامر من جهة المعروف ، والنواهي من جهة المنكر.

__________________

(١) في «أ» : (نشاهذه) ، وفي «ب» : (نشاء هذه) ، وما أثبتناه للسياق.

(٢) في «أ» و «ب» : (فالرداع) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) في «أ» و «ب» : (معيّنة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٤) في «أ» : (له) ، وما أثبتناه من «ب».

(٥) في «أ» : (لأنّ) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) التوبة : ٧١.

(٧) في «أ» : (الله) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) العدّة في أصول الفقه ٢ : ٧٢٦. مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ٢٤٤. المحصول في علم الأصول ٦ : ٣٦.

١٩٦

ثمّ أكّد بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لشدّة الاهتمام بهما ، وأكّد الجميع وعمومه بقوله : (وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ).

الثالثة : أنّ اختلاف الآراء وتضادّ الشهوات واستهانة (١) الجهّال [بالشريعة] (٢) يقتضي اختلال نظام النوع.

إذا تقرّر ذلك فنقول : الآية تقتضي أنّه لا بدّ من نصب رئيس واحد يأمر الكلّ وينهاهم ويحملهم على ذلك ، وإلّا لزم وقوع أحد الأمرين :

إمّا وقوع الهرج والمرج واختلال نظام النوع ؛ إذ كلّ واحد يقول : إنّ أمري هو (٣) المعروف ونهيي عن (٤) المنكر ؛ لأنّ كلّ واقعة مهمّة [فيها] (٥) حكم ، وليس كلّ الأحكام معلوما للكلّ.

وجعل الاجتهاد من أيّ من اتّفق مناطا يؤدّي إلى وقوع [الفتن] (٦) و [اختلال] (٧) نظام النوع ونقض الغرض من التكليف.

[وإمّا] (٨) زوال التكليف أو عمومه في أحد ما ذكرنا ، وهو باطل بالإجماع.

ولا بدّ (٩) أن يكون ذلك الرئيس لا يجوز عليه الخطأ وأن يعمل منكرا أو يترك معروفا ، وإلّا لاحتاج إلى إمام آخر ، وتسلسل ، ووقوع الهرج واختلال نظام النوع.

__________________

(١) في هامش «أ» و «ب» : (واستسهال) خ ل ، بدل : (استهانة).

(٢) في «أ» و «ب» : (الشريعة) ، وما أثبتناه للسياق.

(٣) لم ترد في «ب» : (هو).

(٤) في «ب» : (هو) بدل : (عن).

(٥) في «أ» : (فيهما) ، وما أثبتناه من «ب».

(٦) في «أ» و «ب» : (الفطن) ، وما أثبتناه للسياق.

(٧) في «أ» : (اختلاف) ، وما أثبتناه من «ب».

(٨) في «أ» : (فإمّا أنّ) ، وفي «ب» : (فإمّا) ، وما أثبتناه للسياق.

(٩) في «ب» زيادة : (و) بعد : (ولا بدّ).

١٩٧

ولا بدّ منه في كلّ زمان ؛ لأنّ تخصيص بعض الناس في بعض الأوقات بالمعصوم دون بعض ترجيح من غير مرجّح ، وذلك هو الإمام.

فظهر أنّ الإمام معصوم ويجب في كلّ زمان.

الثاني عشر : قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (١).

وجه الاستدلال أن نقول : كلّ غير معصوم يمكن أن يكون بهذه الصفة ، [ولا شيء من الإمام بهذه الصفة] (٢) بالضرورة. وينتج : لا شيء من غير المعصوم بإمام بالضرورة ؛ لأنّ الإمام مركون إليه بالضرورة ، ومن بهذه الصفة ظالم بالضرورة ، ولا شيء من الظالم بمركون إليه ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (٣).

الثالث عشر : قوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (٤).

هذا يدلّ على أنّ الأئمّة لهم صفات :

إحداها : أنّ الله تعالى وصفهم بقوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً).

وثانيتها : أنّهم يهدون بأمر الله من هم أئمّة لهم.

وثالثتها : أنّ الهداية بأمر الله ، أي لا يأمرون [إلّا] (٥) بأمر الله ، ولا ينهون إلّا عمّا نهى الله عنه ، ولا يفتون إلّا بما حكم الله.

__________________

(١) النساء : ١٤.

(٢) من «ب».

(٣) هود : ١١٣.

(٤) الأنبياء : ٧٣.

(٥) من «ب».

١٩٨

ورابعتها : أنّهم يفعلون الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، ووصفهم بالعبادة هو عامّ في الخيرات والصلاة في كلّ الأوقات ، وكذا الزكاة والعبادات كلّها.

الرابع عشر : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (١) (٢).

الخامس عشر : قوله تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) الآية (٣).

وجه الاستدلال : أنّ كلّ غير معصوم يمكن أن يكون كذلك ، [ولا شيء من الإمام يمكن أن يكون كذلك] (٤) بالضرورة ، وإلّا لم يحصل الوثوق بقوله ، ولا يحصل الطمأنينة والأمان بتبعيّته ، ولجواز أن (٥) يفيد هذه الصفات المذمومة ، فيكون تبعيّته [سببا في الخوف ، ودفع الخوف] (٦) واجب ، [فترك تبعيّته واجب] (٧) ، فتنتفي فائدة إمامته. وينتج : لا شيء من غير المعصوم بإمام ، وهو المطلوب.

السادس عشر : قوله تعالى : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (٨).

وجه الاستدلال : أنّ كلّ غير معصوم كذلك بالإمكان ، ولا شيء من الإمام كذلك [بالضرورة.

__________________

(١) النساء : ٤٠.

(٢) لم يذكر وجه الاستدلال في «أ» ، وفي «ب» بياض يسع لبضعة أسطر.

(٣) النساء : ١٠٧.

(٤) من «ب».

(٥) في «أ» زيادة : (يكون كذلك بالضرورة أن) بعد : (أن) ، وما أثبتناه موافق لما في «ب».

(٦) من «ب».

(٧) من «ب».

(٨) النساء : ١٠٨ ـ ١٠٩.

١٩٩

ينتج : لا شيء من غير المعصوم بإمام بالضرورة ، وهو] (١) [المطلوب] (٢).

السابع عشر : قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٣).

وجه الاستدلال أن نقول : كلّ غير معصوم يمكن أن [يكون] (٤) له هذه الصفات ، ولا شيء من الإمام بهذه الصفات بالضرورة.

ينتج : لا شيء من غير المعصوم بإمام بالضرورة ، وهو المطلوب.

الثامن عشر : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (٥).

وجه الاستدلال : أنّ هذه إشارة إلى القرآن ، وفيه متشابه ومجاز ، فلا بدّ وأن يكون له مبيّن دلالته معه يقينية ، وهو في غير المعصوم محال ، فثبت المعصوم (٦).

التاسع عشر : قوله تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) (٧).

وجه الاستدلال أن نقول : أمرنا الله تعالى بالتقوى ، وهي الاجتناب عن جميع المحرّمات والأخذ بما يؤدّي إلى الطاعة واجتناب المعصية يقينا ، وكلّما عرض في شيء شبهة تحريم يجتنبه ، مع اشتمال القرآن على المجمل والمؤوّل ، [و] (٨) مع كون

__________________

(١) من «ب».

(٢) في «أ» : (بالمطلوب) ، وما أثبتناه من «ب».

(٣) النساء : ١٧٣.

(٤) من «ب».

(٥) النساء : ١٧٤.

(٦) في هامش «ب» : (المطلوب) خ ل ، بدل : (المعصوم).

(٧) المائدة : ٦.

(٨) من «ب».

٢٠٠