مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٤
دعوات وشبهات أثارها البعض حول نهج البلاغة |
|
الشيخ عبـد الرسول الغفاري
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة :
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله المؤيّد ، ونبيّه المسدّد ، أبي القاسم محمّـد ، وعلى أهل بيته الهُداة الأكرمين ، وأصحابه الأمناء المنتجبين.
وبعد ، لقد خلّف لنا أمير البيان وسيّد البلغاء بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام تراثاً جمّاً خالداً يزخر بالأفكار والنظرات والدروس والعبر ، وإنّ الوارث لهذا التراث هم الناس جميعاً ، لأنّ كلامه عليهالسلام ـ بما فيه من خطب ورسائل وكتب وحكم ـ لم يكن موجّها لفريق دون آخر ، أو لأمّة دون أمّة ، بل كان موجّها لكلّ الأفراد والطوائف ، وإنْ كان المعني الأوّل هو الإنسان المؤمن بخالقه ، الموحّد لـه في ذاته وصفاته وأفعاله ، إنّه الإنسان الرسالي أنّى وجد وأنّى حلّ.
فخطابه عليهالسلام بلسم ، وبيانه ضماد ـ لكلّ جرح ـ ولسانه نبع للعدل والصدق ، وإنّ كلامه عليهالسلام بكل فصوله وشعبه يمسّ القلوب فيبعث فيها
الأمل والحياة والطمأنينة.
فليس عجيباً أن تتطاول الأعناق إلى صاحب هذا النبع الزلال ، وتشرئبُّ إليه النفوس طالما خطابه يعمّ الجميع ، إذ هو خالد عند الجميع.
إنّ المتأمّل في كلام أمير المؤمنين عليهالسلام يجد فيه التأكيد على صفات الخير والمعروف والنظام ، بل التأكيد على كلّ صفات الكمال وما أكثرها ، لذا جاءت خطبه ورسائله لصنع الرجال الأحرار ، إنّها جاءت ليسمو الإنسان في عالم الفضيلة والمُثل ويتحرّر من أسر المادّة والشهوة المبتذلة. إنّ مضامين كلامه عليهالسلام تمثّل جوهر الحياة لذا ينبغي على النفوس ومن يهوى الكمال والسير إلى الله سبحانه أن يقتبس من ذلك الجوهر ، فالنّاس بفطرتهم وعلى اختلاف مشاربهم وتنوّع طبقاتهم وتعدّد أجناسهم تعلّقت بكلماته عليهالسلام أيّما تعلّق.
فما جمعه الشريف الرضي من مختارات كلام أمير المؤمنين عليهالسلامعلى كون ذلك المختار قليلاً إلا أنّه لم يزل يُثير في النفوس الدوافع النبيلة والصفات الخيّرة والأُمنيات الطيّبة.
إنّ نهج البلاغة هو نهج الإنسانية ؛ بشكله ومضمونه وفصوله. فيه تظافرت الأفكار والرؤى ، وفيه تجلّت روح العدالة والمحبّة والإخلاص ، فلا مناص من الأخذ به ، وتطبيق فقراته ، بل لابدّ من الإذعان الكامل بأنّه المنهاج الصالح للحياة والإنسانية. إنّه نهج الفكر والعقل ، نهج العدالة والسعادة ، نهج الرحمة والكمال ؛ نهج لم نر مثله في تراثنا الإنساني. ولا عجب لو قيل عنه وعن صاحبه إنّه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ، وهذا هو سرّ إعجازه ، وسرّ خلوده.
إنّ المتدبّر في كلام الإمام عليهالسلام سيرى فيه جانبين :
الأوّل منه : الجانب العبادي وما فيه من الروابط بين العبد وخالقه ، وفي مقدّمة تلك الروابط عبودية الإنسان الخالصة لله سبحانه ، وهذه العبودية لن تتحقَّق ما لم يفهم المرء معنى التوحيد ، وقد أبان أمير المؤمنين عليهالسلام هذا الجانب بشكل دقيق ، وخطبه في ذلك تُعدّ من الأسس أو القواعد الثابتة لعلم الكلام ، ومن الأصول المهمّة في درك المباني العقائدية الصحيحة.
أمّا الجانب الثاني في كلامه عليهالسلام هو الكشف عن الأبعاد العلمية للحياة الصالحة التي ينشدها كلّ فرد(١) ، والأُسس التي تقود المجتمع إلى السعادة والخير. ممّا دعى الإمام عليهالسلام أن يتطّرق إلى البعد التربوي والأخلاقي بشكل مكثّف ومتواصل وهكذا تطرّق للبعد التعليمي والسياسي والاقتصادي ، وغيرها من الأبعاد التي تخلق مجتمعاً متماسكاً يعي قدراته ويحترم مسؤولياته ، فالفرد أساس المجتمع ، والشريعة الغرّاء جاءت لتهذيب هذا الفرد ، وإرشاده إلى الطريق السوي كي ينتج من ورائه مجتمعاً سويّاً. وكلام أمير المؤمنين عليهالسلام لا ينأى عن هذا التهذيب والإرشاد.
ولمّا كان هدف الإمام عليهالسلام هو سلوك الإنسان فقد انصبّ كلامه على هذا المخلوق في سيره التكاملي ابتداءً من مرحلة طفولته وحتى أواخر مراحله الدنيويّة ، بل الاستمرار في توجيهه بشكل يحرز فيه الإنسان حياته الأخروية وفق مرضاة الله سبحانه ، لأنّ الحياة الأبدية هي الآخرة وهي الغاية المنشودة.
إذن هدف أمير المؤمنين عليهالسلام وطموحاته النبيلة أغنته عن ذكر الملوك
__________________
(١) لم نقل الحياة المثالية لأنّها هي أنشودة النخبة من الناس أو علّية المجتمع.
والسّلاطين ما خلا بعض كلامه في صدد حقّه المغتصب ، فهو لم يمدح ولم يستعطف أحداً منهم ، ولم يكن قريناً ولا عضداً لذوي النفوذ وأهل الكبرياء والمردة ، بل حذّر الناس منهم ؛ لكونهم طغاة مفسدين ، ولكونهم دعاة الكفر والتمرّد على نواميس الحياة ثمّ دعا الناس إلى الله ، فكانت دعوته هي دعوة الشريعة الغرّاء إلى التوحيد وتقوية روح العبودية لله سبحانه.
وعليه لم يكن ما نطق به أمير المؤمنين عليهالسلام تعبيراً عن عاطفة ذاتية مجرّدة عن المثل والقيم الإنسانية ، ولم يمجّد أحداً من الملوك والأكاسرة والفراعنة ، بل كرّس قوله عليهالسلام في صنع الإنسان وتقوية عزيمته وصبره ليفز بحياة رغيدة ، لذا مدح الفقراء وأثنى على صبرهم وعفّتهم في السرّاء والضرّاء ، وأكّد على حقوقهم التي هي في رقاب الأغنياء ، ثمّ أشاد عليهالسلامبجهاد الضعفاء والمساكين والوقوف إلى جانبهم لنصرتهم ، ومواساته لهم قولاً وعملاً.
ومن الضروري أن أشير في هذه المقدّمة إلى عدّة أمور :
منها ما يخصّ فصاحة الإمام عليهالسلام.
ومنها ما يرتبط بعمل الشريف الرضي.
وثالثها ما يخصّ الموضوعات التي تطرّق إليها أمير المؤمنين عليهالسلام ، والأمر الرابع دواعي الكتابة في هذا الموضوع.
أمّا الأمر الأوّل : فصَاحته عليهالسلام :
لا يخفى أنّ شهرة الإمام في الفصاحة والبلاغة هي من المسلّمات بحيث لا يختلف فيه اثنان ، بل حتّى أعداؤه يقرّون له هذه الفضيلة ؛ فهذا «محقن الضبّي قدم على معاوية فقال : جئتك من عند أعيى النّاس. فقال له
معاوية : يا ابن اللّخناء لعليٍّ تقول هذا؟! وهل سنّ الفصاحة لقريش غيره؟»(١).
وفي بلاغة أمير المؤمنين عليهالسلام وفصاحته نقل ابن أبي الحديد كلام أبي عثمان عن جعفر بن يحيى وكان من أبلغ الناس وأفصحهم للقول والكتابة ، أنّه كان يتعجّب بقول عليّ عليهالسلام : «أين من جدّ واجتهد ، وجمع واحتشد ، وبنى فشيّد ، فمهّد وزخرف فنجّد.
قال : أَلاَ ترى أنّ كلّ لفظة منها آخذة بعنق قرينتها ، جاذبة إلى نفسها ، دالّة عليها بذاتها ، قال أبو عثمان : فكان جعفر يسمّيه فصيح قريش»(٢).
وقال ابن أبي الحديد : «واعلم أنّنا لا يخالجنا الشكّ في أنّه عليهالسلامأفصح من كلّ ناطق بلغة العرب من الأوّلين والآخرين إلاّ ما كان من كلام الله سبحانه وكلام رسول الله عليهالسلام وذلك لأنّ فصيلة الخطيب أو الكاتب في خطابته وكتابته يعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ ، ومركّباتها ، أمّا المفردات فأنّ تكون سهلة سلسلة غير وحشيّة ولا معقّدة ، وألفاظه عليهالسلامكلّها كذلك ، وأمّا المركّبات فحسن المعنى وسرعة وصوله إلى الأفهام واشتماله على الصفات التي باعتبارها فضّل بعض الكلام على بعض ، وتلك الصفات هي الصناعة التي سمّاها المتأخرون البديع ؛ من المقابلة والمطابقة وحسن التقديم وردّ آخر الكلام على صدره والترصيع والتكافؤ والتسميط والمشاكلة ، ولا شُبهة أنّ هذه الصفات كلّها موجودة في خطبه وكتبه ، مبثوثة متفرّقة في فرش كلامه عليهالسلام ، وليس يوجد هذان الأمران في كلام لأحد غيره ، فإن كان قد تعمّلها وأفكر فيها وأعمل رويّته في وضعها وسرّها فلقد
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ٢٤ ، شجرة طوبى ١ / ٦١.
(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ٦ / ٢٧٨.
أتى بالعجب العجاب ووجب أن يكون إمام النّاس كلّهم في ذلك لأنّه ابتكره ولم يعرف من قبله ، وإن كان اقتضبها ابتداءً وفاضت عليها لسانه مُرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير روية ولا اعتمال فأعجب وأعجب على كلا الأمرين فلقد جاء مجليا والفصحاء ينقطع أنفاسهم على أثره»(١).
وأمّا الأمر الثاني :
ما يخصّ عمل السيّد الشريف الرضي رحمهالله فقد صرّح في مقدّمة كتاب نهج البلاغة إنّ ما أودعه في هذا الكتاب هو المختار من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام وهذا يعني أنّه لم يورد كلّ ما صدر عنه عليهالسلام من خطب وكتب ورسائل وحكم ... وإنّ تأليفه هذا كان لاحقاً لما ألّفه من كتاب في خصائص الأئمّة عليهمالسلام الذي يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم ، إلاّ أنّه لم يتمّ ، ولمّا استحسن جماعة من الأصدقاء عمله ذاك طلبوا منه أن يختار لهم من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام ما يشمل جميع الفنون من خطب وكتب ومواعظ وأدب .. ، قال رضوان الله تعالى عليه :
«وسألوني ـ عند ذلك ـ أن أبتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام في جميع الفنون ، ومتشعّبات غصونه من خطب وكتب ومواعظ وأدب. علماً أنّ ذلك يتضمّن من عجائب البلاغة ، وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية مالا يوجد مجتمعاً في كلام ، ولا مجموع الأطراف في كتاب ... إلى أن يقول : ... فأجبتهم إلى الابتداء بذلك عالماً بما فيه من عظيم النفع ومأثور الذكر ، ومذخور الأجر ... ورأيت كلامَهُ عليهالسلام يدور على أقطاب ثلاثة :
__________________
(١) بحار الأنوار ٤١ / ٣٥٩.
أوّلها : الخطب والأوامر ، وثانيها : الكتب والرسائل ، ثالثها : الحكم والمواعظ. فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب ، ثمّ محاسن الكتب ، ثمّ محاسن الحكم والأدب»(١).
ثمّ قال : «ولا أدّعي ـ مع ذلك ـ أنّي أحيط بأقطار جميع كلامه عليهالسلامحتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ ، ولا يندّ نادّ ، بل لا أبعد أن يكون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ ، والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي ، وما عليّ إلاّ بذلّ الجهد ، وبلاغ الوسع ، وعلى الله سبحانه وتعالى نهج السبيل ، وإرشاد الدليل إن شاء الله»(٢).
وأمّا الأمر الثالث :
موضوعات نهج البلاغة :
أبرز الموضوعات فيه ، تلك التي تصدّرت كلامه عليهالسلام ، إذْ خصّ جملة من خطبه في التوحيد وهو يشمل توحيد الله سبحانه في صفات ذاته من السمع والقدرة والحياة والعظمة والجبروت وغيرها من الصفات ، ثمّ توحيده في صفات الأفعال ؛ كالإحياء والإماتة والرازقيّة ، وفي هذا الباب نجد في كلامه الكثير من المفاهيم العقائدية تندرج هنا.
ثمّ من الموضوعات المهمة في كلامه عليهالسلام ما يخصّ النبوة والأنبياء والشرائع السابقة ثمّ نبوّة خاتم الرسول محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) مع بيان ما في القرآن الكريم من الأوامر والإرشادات والنظم التي رسمها الله سبحانه للبشر فهو الثقل الأكبر وإلى جنب هذا جاءت خطب تؤكّد على موضوع الإمامة
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ٤٨.
(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ١٣.
والخلافة ، حيث إنّ أهل البيت هم الثقل الأصغر وهم عدل القرآن الكريم وإنّ الخلافة والإمامة فيهم.
ثمّ لا يخلو كلامه عليهالسلام من التعرّض لمواقف بعض الصحابة وما في ذلك من الإشارة أو التصريح بالأحداث السياسية التي عصفت بالأمّة الإسلامية حيث تكلّم فيها الإمام عليهالسلام بشكل صريح يفهمه الجميع.
ثمّ موضوعات أخرى شملت مساحة كبيرة من المفاهيم الأخلاقية والتربوية والاجتماعية كلّها تؤكّد على السير والسلوك.
وأمّا الأمر الرابع :
هو الكلام عن الدواعي التي دفعتنا إلى الكتابة في هذا الموضوع.
فمنذ سنين وأنا أدرّس مادّة (تاريخ الأدب العربي) لعصور مختلفة منها العصر الإسلامي والعبّاسي في جامعات عديدة ولسنوات مكرّرة وكانت مادّة (نهج البلاغة) هي إحدى المواد المقرّرة في الدراسات الأكاديمية لمرحلتي البكالوريوس والماجستير ، والكلّ يعلم أنّ نصوص هذا الكتاب هي من إنشاء أمير المؤمنين عليهالسلام ، وما كان عمل الشريف الرضي إلا الجمع والتبويب (فجزاه الله جزاء المحسنين) وبالتالي فإنّ كلام أمير المؤمنين عليهالسلاميمثّل أوج البلاغة والفصاحة ، بل هو يمثّل العصر الذهبي للنثر في جميع عصوره ومراحله.
غير أنّ البعض لم يتحمّل هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليهالسلام شأنه كشأن بعض السلف الذي استصغر سنّ الإمام أو غمط حقّه في الخلافة لأنّ المسلمين ـ على زعم أحد الصحابة ـ أبوا أن تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم ، لذا أثار هذا البعض شبهات حول جمع الشريف الرضي وما
أودعه من خطب ورسائل للإمام عليهالسلام ممّا كان هذا الداعي الأوّل للكتابة ، فوضعت بين يدي القارئ الأدلّة الكافية في توثيق هذه النصوص الشريفة من خلال المصادر التي سبقت عمل الشريف الرضي ، ثمّ الوقوف عند مصادر الخطبة (الشقشقيّة) ابتداءً من عصر التدوين وحتّى عصر الرضي. وما عملي هذا إلا كخطوة لنصرة الحقّ والدفاع عن التراث الإسلامي الأصيل وردع أهل الباطل والمغرضين ومن أراد السوء والتوهين بشخصية أمير المؤمنين عليهالسلام.
أمّا الدّاعي الثاني : هو ردّ تلك الشبهات التي جاءت مكرّرة على ألسنة عدّة من الكتّاب ، وللأسف الشديد أخذ بعض المتأخّرين يجترّون كلام من سبقهم ، وقد خيّل لهم إنّما جاءوا بفتح عظيم ليس لـه مثيل .. ، إنّها تخرّصات سطّرتها أقلام حاقدة من رجال عرفوا ببغضهم وعدائهم لوصي الرسول وأخيه عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
أمّا الدّاعي الثالث : هو كشف اللثام عن الحقائق التي انطوت عليها الخطبة (الشقشقيّة) والأدوار السياسية التي مرّ بها المسلمون بعد رحيل النبيّ الأكرم عليهالسلام ، وسيرة بعض رجال السلطة في تلك الحقبة السابقة على خلافة أمير المؤمنين عليهالسلام.
تاريخ نهج البلاغة
من الآثار التي يفتخر بها كلّ أديب غيور هو كلام أمير المؤمنين عليهالسلامالذي يشمل كلّ من : خطبه ورسائله وكتبه والأمثال والحكم الصادرة منه.
وقد أجهد الأوائل أنفسهم في أن يجمعوا بعض كلامه عليهالسلام في صحائفهم ، بينما حفظ البعض الآخر من كلامه عليهالسلام الشيء الكثير عن ظهر قلب ثم تناقلته الأجيال عبر مئات السنين حتّى انتهى الأمر إلى الشريف الرضي الموسوي الذي حرص كلّ الحرص على أن يجمع هذا التراث النفيس من مصادر الكتب وأفواه الرجال التي اهتمّت غاية الاهتمام بكلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فطلع علينا الشريف الرضي في عام ٤٠٠ ، للهجرة بكتاب نهج البلاغة وهو يضمّ ١٢١ خطبة للإمام عليهالسلام وجملة من رسائله وكتبه للأمراء والولاة والقضاة الذين أوكل إليهم الإمام عليهالسلام تلك المناصب السياسيـة ..
هذا الجهد الذي قدّمه لنا الشريف الرضي لايمكن أن يتغافله أيّ مسلم عربي أو غير عربي ، بل يستوجب على الجميع الشكر والثناء لما صنعه جامعه ، غير أنّ الذي لا يطيق رؤية ضوء الشمس ينكر هذا النور الشاخص بنفسه.
ففي سنة ٦٨١ هـ ، نرى شمس الدين أحمد بن خلّكان الأربلي البرمكي أوّل من شكّ في نهج البلاغة ، ثمّ تبعه الصفدي في الوافي
بالوفيات(١) واليافعي في مرآة الجنان(٢) ثمّ تبعهم ابن تيمية في منهاج السنة(٣) المتوفّى سنة ٧٢٨ هـ ، والذهبي صاحب ميزان الاعتدال المتوفّى سنة ٧٤٨ هـ(٤) ثمّ جاء المعاصرون ليقتفوا آثار مَن سبقهم حيث شكّكوا في نسبة نهج البلاغة إلى الإمام عليهالسلام وكان في طليعتهم جرجي زيدان الذي أثار الشكّ في كتابه آداب اللّغة العربية(٥) ، ومحمّـد كرد علي في كتابه الإسلام والحضارة العربية(٦) وطه حسين الذي عرف بمنهجه المتميّز وهو الشكّ في كلّ شيء ابتداءً من التراث الأدبي العربي إلى القرآن ، ولولا مواقف الأزهر لأدّى بنا طه حسين إلى كارثة كبيرة لا يحمد عقباها. غير أنّ طه حسين أسّس مدرسةً اتّبعها تلامذته ومريدوه فذابت شخصيّتهم الأدبية والعلمية بشخصية أستاذهم وفي مقدّمتهم أحمد أمين في فجر الإسلام(٧) ، فهو أوّل من رفع صرخاته بالشكّ في نهج البلاغة. ثمّ تبعه الدكتور شوقي ضيف فراح يدوّي بكتاباته الأدبية متّبعاً خطى أستاذه هو الشكّ في نهج البلاغة ، خاصّة في كتابه : الفنّ ومذاهبه في النثر العربي(٨).
وممّن شكّ في النهج : الأستاذ أحمد حسن الزيّات في كتابه تأريخ الأدب العربي(٩) ، ومحمّـد سيّد كيلاني في كتابه أثر التشيّع في الأدب
__________________
(١) الوافي بالوفيات ٢ / ٣٧٥.
(٢) مرآة الجنان ٣ / ٥٥.
(٣) منهاج السنة
(٤) مرآة الجنان ١ / ١٠١.
(٥) تاريخ آداب اللّغة العربية ١ / ٢١٨.
(٦) الاسلام والحضارة العربية ٢ / ٦١.
(٧) فجر الإسلام : ١٤٨.
(٨) انظر : الفن ومذاهبه في النثر العربي.
(٩) تاريخ الأدب العربي : ١٨٧.
العربي(١) ، ولا ندري إلى أين سينتهي إليه منهج الشكّاكين في تراثنا العربي والإسلامي ، فقد تمادى هذا الفريق حتّى تطاول إلى القرآن والسنّة النبويّة بل أراد البعض هدم صرح الإسلام وتراث المسلمين الذي شيّده رجال الدعوة إلى الله وعلى رأسهم النبيّ محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلا عجب أنْ يثور فريق من المسلمين لينتصر إلى تراثه ومبادئه ، ويصدّ الفريق الأوّل ومنهجه السقيم القائم على الشكّ ، وهذا الفريق المنتصر قد أشار إلى بلاغة الإمام عليهالسلامإشارة سريعة تتناول كلّ ما عرف عنه عليهالسلام من نثر بليغ ، نذكر من هذا الفريق المدافع : سبط ابن الجوزي ، ومحمّـد بن طلحة الشافعي ، وعبـد الحميد الكاتب وهذا الأخير هو القائل : «ما تعلّمت البلاغة إلاّ بحفظ كلام الأصلع»(٢).
والبعض الآخر : اختار قطعاً ونصوصاً كثيرة وبليغة من كلام الإمام عليهالسلام فحفظها أو دوّنها كالجاحظ ، والخطيب الخوارزمي ، وأبو الفتح الآمدي ، وابن نبات المصري وهذا الأخير هو القائل : «حفظت مئة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب عليهالسلام»(٣).
وفريق ثالث : اعتنى بكلام أمير المؤمنين؟ عناية فائقة واهتمّ بشرح خطبه ورسائله ، منهم ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي ، إذ فاق جميع مَن سبقه حين شرح النهج ، واعتبر كلام الإمام علي عليهالسلام في المرتبة الثانية لكلام الله وكلام رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
__________________
(١) أثر التشيّع في الأدب العربي : ٥٧.
(٢) نظرات في الكتب الخالدة : ١٧٧.
(٣) انظر : شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ٢٤ ، والفوائد الرجالية ٢ / ١١٩ ، والكنى والألقاب ١ / ٢١٧.
وهناك فريق رابع : وهم طائفة من جهابذة الأدب والشعر من المعاصرين قد أُعجبوا أيّما إعجاب بنهج البلاغة ، منهم : العلاّمة الأديب الشيخ محمود شكري الآلوسي ، والشيخ ناصيف اليازجي ، ومحمّـد حسن نائل المرصفي ، والدكتور زكي مبارك ، وأمين نخلة ، وعبّاس محمود العقّاد ، ومحي الدين عبـد الحميد وآخرون يطول الكلام على ذكرهم.
المؤلّفون في تأريخ نهج البلاغة
ممّن ألّف في تاريخ نهج البلاغة جملة من الأعلام والأُدباء ، في طليعتهم كلّ من :
١ ـ الشيخ هادي آل كاشف الغطاء له كتاب : مدارك نهج البلاغة.
٢ ـ الإمام السيّد هبة الدين الشهرستاني له كتاب ما هو نهج البلاغة؟ إذْ بحث فيه تاريخ نهج البلاغة وقيمته العلمية والأدبية.
٣ ـ الأستاذ حسين بستانة له بحث رائع تعرّض فيه إلى الشبهات الحائمة حول النهج نشرته مجلّة الاعتدال النجفية في عددها الرابع من سنّتها الخامسة.
٤ ـ الأستاذ امتياز علي عرشي له كتاب في سند خطب أمير المؤمنين؟ سمّاه استناد نهج البلاغة باللغة الأردوية ونقله إلى العربية الأستاذ عامر الأنصاري ونشرته مجلّة (ثقافة الهند) التي يصدّرها مجلس الهند للروابط الثقافية بعددها الرابع من المجلّد الثامن في ديسمبر سنة ١٩٠٧
٥ ـ العلاّمة السيّد عبـد الزهراء الحسيني الخطيب له كتاب مفصّل في أربع مجلّدات سمّاه مصادر نهج البلاغة وأسانيده.
٦ ـ عبـد الله نعمة له كتاب مصادر نهج البلاغة وقد سبق الجميع
من ذكرناهم آنفاً ـ كلّ من ابن النديم ، والنجاشي ، والطوسي ، وياقوت الحموي وحاجي خليفة وابن الأثير وسبط ابن الجوزي وأبي القاسم النجفي ، وأغا بزرك الطهراني والعلاّمة السيّد محسن الأمين العاملي.
المشتغلون في جمع كلام أمير المؤمنين عليهالسلام
لم يكن الشريف الرضي أوّل من جمع كلام الإمام علي عليهالسلام وخطبه ، فقد سبقه إلى ذلك من كان هو أقرب زمانا وأكثر التصاقاً بالإمام نذكر منهم :
١ ـ نوف بن فضالة البكالي ، نسبة إلى بني بكال ، حاجب أمير المؤمنين عليهالسلام.
٢ ـ ضرار بن ضمرة الضبائي ، مولى أمّ هاني بنت أبي طالب.
٣ ـ الحارث الأعور الهمداني ، المتوفّى سنة ٦٥ هـ.
٤ ـ كميل بن زياد النخعي ، الشهيد ، قتله الحجّاج بن يوسف الثقفي سنة ٨٣ هـ ..
٥ ـ شريح القاضي المتوفّى سنة ٨٧ هـ.
٦ ـ زيد بن وهب الجهني المتوفّى سنة ٩٦ هـ. جمع خطب أمير المؤمنين عليهالسلام في الجمُعات والأعياد.
٧ ـ الأصبغ بن نباتة المجاشعي المتوفّى بعد المئة الأولى.
قال ابن واضح اليعقوبي المؤرّخ المتوفّى سنة ٢٩٢ هـ : «كان علي بن أبي طالب عليهالسلام مشتغلاً أيّامه كلّها في الحرب ... وحفظ النّاس عنه الخطب ، فإنّه خطب بأربعمائة خطبة حفظت عنه ، وهي التي تدور بين النّاس»(١).
__________________
(١) مشاكلة الناس لزمانهم : ١٥.
وأحصى العلاّمة المسعودي المتوفّى سنة ٣٤٦ هـ ما كان محفوظاً من خطبه عليهالسلام فقال : «والذي حفظ الناس من خطبه في سائر مقاماته أربعمائة ونيف وثمانون خطبة»(١).
وقال سبط ابن الجوزي الحنفي : «أخبرنا الشريف أبو الحسن علي بن محمّـد الحسيني بإسناده إلى الشريف المرتضى قال : وقع إليّ من خطب أمير المؤمنين عليهالسلام أربعمائة خطبة»(٢).
وقال القطب الراوندي : «سمعت بعض العلماء بالحجاز ، يقول : إنّي وجدت في مصر مجموعاً من كلام عليٍّ عليهالسلام في نيف وعشرين مجلّداً»(٣).
هذه النصوص تقودك إلى كون نهج البلاغة ـ بجمع الشريف الرضي ـ لا يشكّل اِلاّ عشر أو دون العُشر من كلام الإمام علي عليهالسلام حيث المذكور من كلامه عليهالسلام في نهج البلاغة هو ١٢١ خطبة ، وهي أقلّ بكثير ممّا ذكره القطب الراوندي ، وسبط ابن الجوزي.
وممّا يستدلّ على أنّ كلام أمير المؤمنين عليهالسلام كان بعضه مدوّناً عند أناس سبقوا الشريف الرضي ما أشارت إليه كتب الفهارس من مصنّفات منها :
١ ـ خطب أمير المؤمنين عليهالسلام المروية عن الصادق عليهالسلام برواية فرج بن فروة عن مسعدة بن صدقة انتقلت هذه النسخة المدوّنة إلى السيِّد علي بن طاووس.
__________________
(١) مروج الذهب ٢ / ٤٣١ ، شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ١ / ٥ ، ونهج السعادة ١ / ١٢.
(٢) تذكرة الخواص : ١٢٨.
(٣) شرح نهج البلاغة ـ ابن ميثم البحراني ـ ١ / ١٠١.
٢ ـ خطب أمير المؤمنين عليهالسلام لمسعدة بن صدقة العبدي من علماء الجمهور كان هذا الكتاب موجوداً عند السيّد هاشم البحراني المتوفّى سنة ١١٠٧ هـ.
٣ ـ الخطبة الزهراء لأمير المؤمنين عليهالسلام وهذا النصّ المدوّن من جملة الكتب التي رواها أبو مخنف ، لوط بن يحيى المتوفّى سنة ١٥٧ هـ ، وقد اعتمد الطبري على مرويّات أبي مخنف.
٤ ـ خطب أمير المؤمنين عليهالسلام وهذه الخطبة أوردها ابن عبـد ربّة في العقد الفريد ـ م ٢ ص ١٣٦ لإسماعيل بن مهران السكوني الكوفي.
٥ ـ كتاب خطب عليٍّ عليهالسلام لهشام بن محمّـد بن السائب الكلبي المتوفّى سنة ٢٠٦ هـ.
٦ ـ خطب أمير المؤمنين عليهالسلام برواية محمّـد بن عمر الواقدي الأسلمي المتوفّى سنة ٢٠٧ هـ رواه الشيخ أبو غالب الزراري عنه.
٧ ـ كتاب الملاحم للإمام عليهالسلام تصنيف أبي يعقوب إسماعيل بن مهران السكوني من أصحاب الإمام الرضا عليهالسلام.
٨ ـ خطب أمير المؤمنين عليهالسلام لأبي الخير صالح بن أبي حمّاد سلمة الرازي. ممّن لقي ألأئمة الجواد والهادي والعسكري عليهمالسلام.
٩ ـ مئة كلمة من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام مع شرحها لقاضي القضاة لدى الفاطميّين أبي حنيفة النعمان المصري المتوفّى سنة ٣٦٣ هـ.
١٠ ـ كتاب الخطب لمحمّـد بن عيسى بن عبـد الله بن سعد الأشعري القمّي عاصر الإمام الرضا عليهالسلام وروى عن الإمام الجواد عليهالسلام.
١١ ـ كتاب خطب عليٍّ عليهالسلام وكتبه إلى عمّاله لأبي الحسن علي بن محمّـد بن عبـد الله المدائني ، المتوفّى سنة ٢٢٥ هـ أو سنة ٢١٥ هـ ذكره
ابن النديم.
١٢ ـ خطب أمير المؤمنين عليهالسلام للسيّد عبـد العظيم الحسني ، من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي عليهمالسلام.
١٣ ـ كتاب خطب علي لنصر بن مزاحم المنقري صاحب كتاب وقعة الجمل ، المتوفّى سنة ٢١٢ هـ.
١٤ ـ كتاب خطب الإمام علي عليهالسلام لأبي أحمد عبـد العزيز بن يحيى بن عيسى الجلودي الأزدي البصري المتوفّى سنة ٣٣٢ هـ وللجلودي هذا عدّة مصنّفات تناهز على الثلاثمائة منها تخصّ ما نحن فيه.
١٥ ـ كتب المغازي والحروب والأخبار والسير حيث اشتملت على كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام وخطبه ، وهي أكثر من خمسمائة مصنّف وتوفّي أصحابها قبل أن يولد الشريف الرضي بعشرات السنين.
١٦ ـ كتاب رسائل أمير المؤمنين عليهالسلام لإبراهيم بن محمّـد بن سعيد بن هلال الثقفي المتوفّى سنة ٢٨٣ هـ.
١٧ ـ كتاب رسائل عليٍّ عليهالسلام.
١٨ ـ كتاب ذكر كلام عليٍّ عليهالسلام في الملاحم.
١٩ ـ كتاب مواعظ الإمام عليٍّ عليهالسلام.
٢٠ ـ كتاب قوله عليهالسلام في الشورى.
٢١ ـ كتاب الدعاء عن الإمام عليهالسلام.
٢٢ ـ كتاب بقية رسائله وخطبه وأوّل مناظراته عليهالسلام.
٢٣ ـ كتاب بقية مناظراته.
٢٤ ـ كتاب ما كان بين عليٍّ عليهالسلام وعثمان من الكلام.
٢٥ ـ كتاب الخطب لأمير المؤمنين عليهالسلام لأبي إسحاق النهمي
إبراهيم بن سليمان الكوفي الخرّاز يرويه عنه النجاشي بثلاث وسائط ، آخرها حميد بن زياد الكوفي المتوفّى سنة ٣١٠ هـ
٢٦ ـ كتاب خطب أمير المؤمنين عليهالسلام لإبراهيم بن الحكم بن ظهير الفزاري.
٢٧ ـ كتاب أبي العبّاس يعقوب بن أبي أحمد الصيمري الذي جمعه من كلام عليٍّ عليهالسلام إلى معاوية.
٢٨ ـ خطب أمير المؤمنين عليهالسلام مع شرحها لقاضي القضاة لدى الفاطميّين أبي حنيفة النعمان المصري المتوفّى سنة ٣٦٣ هـ(١).
__________________
(١) هذه جملة من أسماء العلماء والأُدباء الذين افردوا مصنّفات خاصّة في خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وكتبه ورسائله وللمزيد راجع الذريعة ٧/١٨٧ ومنتهى المقال : ٥٩ وفهرست الشيخ الطوسي : ٣٤ وفهرست ابن النديم : ١٤٧.
دعوات وشبهات
أثارها البعض حول نهج البلاغة
يُعدّ نهج البلاغة من عيون الأدب العربي الخالدة ، إذ امتاز بإعجاز وبلاغة لا نظير لها فهو عظيم في مادّته ، ورفيع في إسلوبه ، وشامل في مواضيعه وصادق في رؤيته ، إنّه نصّ متماسك يهدف إلى بناء حضارة إنسانية مُثلى ، وهو بهذا السبك لا يبلغ أحد شأوه ولا يرقى إليه أديب مهما أوتي من بلاغة وفطنة ..
مع كلّ هذا وكما ذكرنا سابقاً فإنّ زمرة من المؤرّخين ؛ من قدامى ومحدّثين قد شكّكوا في نسبة ما في نهج البلاغة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، بل تجاوز بعضهم إلى القول بأنّ جميع أو بعض نهج البلاغة منحول موضوع على أمير المؤمنين عليهالسلام وأنكروا الصلة بين النهج وبين الإمام عليٍّ عليهالسلام متشدّقين بأسباب عديدة ـ واهية ـ يزعمون أنّها مدعاة للشكِّ أو القول بأنّه منحول.
فمن القدامى ابن خلّكان ثمّ تبعه اليافعي في مرآة الجنان(١) ، والصفدي في الوافي بالوفيات(٢) والذهبي في ميزان الاعتدال(٣) ، وابن حجر في لسان الميزان(٤).
__________________
(١) مرآة الجنان ٣ / ٥٥.
(٢) الوافي بالوفيات ، ترجمة الرضي ٢ / ٣٧٥.
(٣) ميزان الاعتدال ١ / ١٠١.
(٤) لسان الميزان ٤ / ٢٢٣.
ومن المتأخّرين جرجي زيدان في آداب اللغة العربية(١) ، وأحمد أمين في فجر الإسلام(٢) ومحمّـد كرد علي في الإسلام والحضارة العربية(٣) ، وأحمد حسن الزيّات في تاريخ الأدب العربي(٤) ، ومحمّـد سيّد گيلاني في كتابه أثر التشيّع في الأدب العربي(٥) ، وآخرون كطه حسين وشوقي ضيف .. وأخيراً الدكتور نايف معروف في كتابه الأدب الإسلامي في عهد النبوّة وخلافة الراشدين(٦).
أما دواعي الشكّ عند هؤلاء فيمكن حصرها بما يلي :
١ ـ تشبّث البعض بالكمِّ الذي هو عليه نهج البلاغة فهو يشمل قدراً كبيراً من الخطب والرسائل وهذا ممّا يتعذّر حفظه.
٢ ـ وآخرون تذرّعوا بالخطب الطويلة ، فقالوا إنّ التطويل غير مألوف عند البلغاء ، كخطبة القاصعة ، والأشباح ، والعهد الذي كتبه لمالك الأشتر عندما أرسله الإمام والياً إلى مصر.
٣ ـ اشتمال بعض كلامه على التعريض بالصحابة والطعن عليهم كما في خطبة الشقشقية ، لذا قال بعضهم إنّ نهج البلاغة منحول على أمير المؤمنين عليهالسلام.
٤ ـ في بعض خطبه إنباء بالغيب ، إذ أخبر عن إمور وقعت بعد عصره عليهالسلام.
__________________
(١) تاريخ آداب اللغة العربية ١ / ٢١٨.
(٢) فجر الإسلام : ١٤٩.
(٣) الإسلام والحضارة العربية ٢ / ٦١.
(٤) تاريخ الأدب العربي : ١٨٧.
(٥) أثر التشيع في الأدب العربي : ٥٧.
(٦) الأدب الإسلامي في عهد النبوّة وخلافة الراشدين : ٥٥.