تراثنا ـ العددان [ 85 و 86 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 85 و 86 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٤

بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) (١) ولفظة (اسْتَمْتَعْتُمْ) لا تعدو وجهين : إمّا أن يراد بها الانتفاع والالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللفظة ، أو العقد المؤجّل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع.

ولا يجوز أن يكون المراد هو الوجه الأوّل. لأمرين :

أحدهما : إنّه لا خلاف بين محصّلي من تكلّم في أصول الفقه في أنّ لفظ القرآن إذا ورد وهو محتمل لأمرين أحدهما وضع اللغة والآخر عرف الشريعة ، فإنّه يجب حمله على عرف الشريعة. ولهذا حملوا كلّهم لفظ صلاة وزكاة وصيام وحجّ على العرف الشرعي دون الوضع اللغوي. وأيضاً فقد سبق أنّ القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الأقوال من الصحابة والتابعين كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وابن عباس ومناظراته لابن الزبير معروفة رواها للناس كلّهم ، ونظم الشعراء فيها الأشعار فقال بعضهم :

أقـول للشيخ لمـا طـال مجلسه

يا شيخ هل لك في فتوى ابن عبّاس

وعبد الله بن مسعود ، ومجاهد ، وعطاء ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وسلمة بن الأكوع ، وأبي سعيد الخدري ، والمغيرة بن شعبة ، وسعيد بن جبير ، وابن جريج. وقد ذكر العلاّمة الأخباري أبو جعفر محمّـد بن حبيب المتوفّى ٢٤٥ هـ في كتابه المحبر جملة من الصحابة الذين أباحوا المتعة : خالد بن عبدالله الأنصاري ، وزيد بن ثابت الأنصاري ، وعمران الحصين الخزاعي ، وسلمة بن الأكوع الأسلمي ، وعبـد الله ابن العبّاس بن

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٤.

١٤١

عبـد المطلب رضي‌الله‌عنه ، وابن جريج ، وأنّهم كانوا يفتون بها. فادّعاء الخصم الاتفاق على حظر النكاح المؤجّل باطل» (١).

٤ ـ علاء الدين أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي (من أعلام القرن السادس الهجري) وكتابه إشارة السبق إلى معرفة الحقّ وهو كتاب في أصول الدين وفروعه إلى الأمر بالمعروف ، فقد جمع في هذا الكتاب العقائد والأحكام. وقد طبع الكتاب ضمن الجوامع الفقهية طبعة حجرية سنة ١٢٧٦ للهجرة ـ ثمّ طبع لاحقاً بشكل منفصل ـ ويضمّ الكتاب مجموعة من المعارف المبسوطة في أصول الدين ، ومجموعة من الأحكام الشرعية المختصرة في الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحجّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويشعر المرء بعد التدقيق بالكتاب أنّ مؤلّفه قصد تصميمه على هذا الشكل أي الانتهاء لحدّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٧ ـ مدرسة القرن السابع الهجري

وأهمّ فقهائها : المحقّق الحلّي صاحب كتاب الشرائع.

١ ـ المحقّق الحلّي : أبو القاسم جعفر بن حسن بن بحر بن سعيد (ت ٦٧٦ هـ). وكتابه الفقهي شرائع الإسلام في مجلّدين ، وكتاب النافع ، والمعتبر في شرح المختصر ، ونكت النهاية.

وكتاب شرائع الإسلام نظّم الأبواب الفقهية تنظيماً جديداً ، وأخذ به فقهاء الإمامية حتّى اليوم. فقد قُسّمت الابواب الفقهية إلى أربعة أقسام :

__________________

(١) السرائر : ٦١٢.

١٤٢

الأوّل : العبادات. الثاني : العقود. الثالث : الإيقاعات. الرابع : الأحكام.

ويبرّر المصنّف هذا النمط من التقسيم ، بالصورة التالية : إنّ الحكم الشرعي إمّا أن يتقوّم بقصد القربة أو لا. والأوّل : العبادات. والثاني : أمّا أن يحتاج إلى اللفظ من الجانبين : الموجب والقابل ، أو من جانب واحد ، أو لا يحتاج إلى اللفظ. فالأوّل : العقود. والثاني : الإيقاعات. والثالث : الأحكام. وهذا التقسيم يجمع كلّ أبواب الفقه.

٢ ـ الشيخ ابن ميثم البحراني (ت ٦٧٩ هـ) ، وله كتاب مصباح السالكين.

٣ ـ الشيخ يحيى بن سعيد الحلّي (ت ٦٩٠ هـ) وله كتاب الجامع للشرائع.

٨ ـ مدرسة القرن الثامن الهجري

وتميّز هذا القرن بالتنظيم العلمي للأفكار الفقهية على شكل قواعد وأبواب ، ومن أبرز الفقهاء في هذه المرحلة : العلاّمة الحلّي ، وفخر المحقّقين ، والشهيد الأوّل.

١ ـ العلاّمة الحلّي : الحسن بن يوسف بن علي بن مطهّر (ت ٧٢٦ هـ). وكتبه في الفقه : تذكرة الفقهاء ، والقواعد ، ومنتهى المطلب في تحقيق المذهب ، والمختلف.

وكتاب تذكرة الفقهاء من أضخم كتب الإمامية في الفقه الاستدلالي المقارَن ، يبدأ من الطهارة وحتّى كتاب النكاح. يقول في المقدّمة : «قد عزمنا في هذا الكتاب الموسوم بتذكرة الفقهاء على تلخيص فتاوى العلماء ، وذكر قواعد الفقهاء على أحقّ الطرائق ، وأوثقها برهاناً ، وأصدق الأقاويل

١٤٣

وأوضحها ... وأشرنا في كلّ مسألة إلى الخلاف ، واعتمدنا في المحاكمة بينهم طريق الإنصاف» (١). ورتّب الكتاب على أربع قواعد ، ذكر في الأولى قضايا العبادات. ووضع تحتها عناوين الطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والخمس ، والصوم ، والحجّ والعمرة. ثمّ ذكر بقية القواعد في العقود ، والإيقاعات ، والأحكام.

أمّا كتاب المختلف فقد بحث فيه المسائل الخلافية بين فقهاء الشيعة بصورة مستقلّة. فقد كثر الاختلاف العلمي بين فقهاء الإمامية نتيجة ابتعادهم عن عصر النصوص ، وتفاوتهم في الإيمان بسلامة بعض الروايات من حيث السند والدلالة. فكان لا بدّ للفقيه من الإلمام بمختلف وجوه الرأي في المسألة الواحدة من أجل استنباط حكمها الشرعي. فكان كتاب المختلف من المحاولات الرائدة في جمع المسائل المختلف فيها بين علماء الإمامية.

٢ ـ فخر المحقّقين : محمّـد بن الحسن الحلّي (ت ٧٧١ هـ) ابن العلاّمة الحلّي (ت ٧٢٦ هـ). وكتابه الفقهي إيضاح الفوائد في شرح اشكالات القواعد.

٣ ـ الشهيد الأوّل : محمّـد بن مكّي العاملي (ت ٧٨٦ هـ) وكتبه الفقهية : اللمعة الدمشقية ، والدروس الشرعية في فقه الإمامية ، والذكرى ، والبيان.

واللمعة الدمشقية رسالة فقهية ملخّصة ، جمع فيها المصنّف أبواب الفقه ولخّص فيها مسائله وأحكامه. وقد جمعت اللمعة بين الوجازة

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ / ٤.

١٤٤

والاختصار ، وحسن التعبير ، وروعة التنسيق بين الأبواب والأحكام والمسائل. وتتميّز اللمعة الدمشقية بميزتين :

الأولى : التنظيم الفنّي للمسائل الفقهية.

الثانية : الصياغة الرائعة للتعبيرات الفقهية.

وقد اتّبع الشهيد الأوّل في منهج اللمعة الدمشقية أسلوب المحقّق الحلّي في تنظيم الأبواب الفقهية الذي استخدمه في المختصر النافع. وكان منهج المصنّف مرتّباً بصورة موضوعية. فهو يعرض الأحكام العامّة في الباب الفقهي ، ثمّ يعرض ما يتبعه من ملحقات ، ثمّ يتبعها بعرض المسائل المرتبطة بتلك الأحكام ، ثمّ يعرض المستحبّات والمكروهات الخاصّة بالباب.

ولكتاب اللمعة الدمشقية شروح عديدة ، أهمّها : الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني ، ومنها : شرح العالمة الأصفهانية ابنة المولى الأصفهاني المعاصرة لصاحب الرياض ، ومنها : شرح والد صاحب الحدائق (١).

أمّا كتاب الدروس الشرعية في فقه الإمامية فهو كتاب فقهي من الطهارة وحتّى الرهون ، لم يكمله المصنّف في حياته. وأهمّ الشروح عليه : مشارق الشموس في شرح الدروس. وكتاب الدروس من الكتب الفقهية الشاملة لكثير من الفروع التي يحتاجها المكلّف زمن المصنّف. ويعدُّ كتاباً مختصراً لكتابه الاستدلالي المفصّل ذكرى الشيعة. وقد حال استشهاده بينه وبين اتمامه. فقام السيّد جعفر بن أحمد الملحوس الحسيني الحلّي

__________________

(١) الروضة البهية ١ / ١١١.

١٤٥

بتكملته ، فكتب تكملة الدروس وهو من الضمان إلى الديّات.

وقد حوى الجزء الأوّل من الدروس على (١٢٦) درساً في الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والخمس والحجّ. وقد طغى على الكتاب الطابع الفتوائي الذي ينعكس في عبارات الفقهاء مثل : الأقوى ، والأجود ، والأظهر ، والأشبه ، والأقرب ونحوها. فيقول مثلاً : في التيمّم : «لا يعيد المتيمّم لزحام عرفة أو الجمعة أو مع نجاسة ثوبه على الأقوى» (١). وفي تغسيل أحد الزوجين للآخر : «والأظهر أنّه من وراء الثياب» (٢). وفي صلاة الميّت : «الأجود ترك ما لا يترك في ذات الركوع والإبطال بما يبطل به خلا ما يتعلق بالحدث والخبث» (٣).

أمّا كتاب ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة فقد خرج منه الطهارة والصلاة فقط (٤).

بينما ضمَّ كتاب القواعد والفوائد ما يقرب من (٣٠٠) قاعدة فقهية وفوائد وتنبيهات (٥).

٩ ـ مدرسة القرن التاسع الهجري

ومن أبرز فقهائها : المقداد السيوري ، وابن فهد الحلّي.

١ ـ الفاضل المقداد بن عبـد الله السيوري (ت ٨٢٦ هـ). وكتابه الفقهي : نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية. وله كتب أخرى مثل :

__________________

(١) الدروس : ٢٠.

(٢) الدروس : ٩.

(٣) الدروس : ٦١.

(٤) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١٠ / ٤٠ رقم ٢٢١.

(٥) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٦ / ١٧٣ رقم ٩٤٣.

١٤٦

كنـز العرفان في فقه القرآن ، والتنقيح الرائع في شرح المختصر النافع.

وكتاب نضد القواعد الفقهية يشتمل على ترتيب كتاب القواعد والفوائد للشهيد الأوّل محمّـد بن مكّي العاملي (ت ٧٨٦ هـ). فهو يرتّب أبواب الفقه والأصول ضمن ضوابط أصولية كليّة وفرعية تستنبط منها الأحكام الشرعية. يقول في سبب التأليف : «... كان شيخنا الشهيد الأوّل قدس‌سره قد جمع كتاباً يشتمل على قواعد وفوائد في الفقه تأنيساً للطلبة بكيفية استخراج المعقول من المنقول وتدريباً لهم في اقتناص الفروع من الأصول ، لكنّه غير مرتّب ترتيباً يحصله كلّ طالب وينتهز فرصة كلّ راغب ، فصرفتُ عنان العزم إلى ترتيبه وتهذيبه وتقريبه ...» (١).

ويحتوي الكتاب على مقدّمة حول أغراض الأحكام الشرعية ومطلبين «اسماها قطبين» الأوّل : في القواعد العامّة وما يتفرّع عليها ، وهي ضوابط أصولية كلّية. والثاني : في العبادات وغيرها من أبواب الفقه ، وهي مصاديق جزئية في المسائل الفقهية.

٢ ـ ابن فهد الحلي جمال السالكين أبو العبّاس أحمد (ت ٨٤١ هـ). وكتابه الفقهي المهذّب البارع في شرح المختصر النافع.

١٠ ـ مدرسة القرن العاشر الهجري

ومن أبرز فقهاء هذه المدرسة : المحقّق الكركي ، والشهيد الثاني ، والمقدّس الأردبيلي.

١ ـ المحقّق الكركي : الشيخ علي بن عبـد العالي المعروف بالمحقّق

__________________

(١) نضد القواعد الفقهية : ٤.

١٤٧

الثاني (ت ٩٤٥ هـ) ، وكتابه الفقهي جامع المقاصد في شرح القواعد. وهو كتاب فقهي استدلالي مبسوط ، يشرح فيه كتاب قواعد الأحكام للعلاّمة الحلّي (ت ٧٢٦ هـ). ويتعرّض المصنّف فيه إلى شرح كلام العلاّمة قدس‌سره في القواعد مستعرضاً آراء الفقهاء في مختلف المسائل ويناقشها مناقشة استدلالية. ويحتوي الكتاب على كتب فرعية هي : الطهارة ، والصلاة ... حتّى كتاب النكاح ولكن لم يكمله. فقام المحقّق الهندي (ت ١١٣٧ هـ) بإتمامه في كتاب كشف اللثام.

٢ ـ الشهيد الثاني : زين الدين الجبعي العاملي (ت ٩٦٥ هـ) ، له كتب : الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ، ومسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام ، وروض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ، وتمهيد القواعد الأصولية والعربية ، والعديد من الحواشي والشروح.

الروضة البهية :

والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية هي شرح مزجي استدلالي مختصر كتاب اللمعة الدمشقية ، وتتميّز بالاختصار والشمول والاستيعاب.

ومنهجية الكتاب تسير على طريق استخدام قوّة التعبير ، والاشارة إلى الدليل ، وعرض الآراء الفقهية المهمّة ؛ ثمّ نقد آراء الشهيد الأوّل ـ مصنّف المتن ـ وإظهار رأي الشارح. وقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني ما يقرب من تسعين حاشية وشرح عليه (١).

يقول في مقدّمة الكتاب شارحاً منهجه : «هذه تعليقةٌ لطيفةٌ ، وفوائد

__________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١١ / ٢٩٠ رقم ١٧٥٧ ، ٦ / ٩٠ ـ ٩٨ ، ١٣ / ٢٩٢ ـ ٢٩٦.

١٤٨

خفيفة اضفتها إلى المختصر الشريف والمؤلَّف المنيف المشتمل على أمّهات المطالب الشرعية الموسوم بـ : اللمعة الدمشقية .... جعلتها جاريةً له مجرى الشرح الفاتح لمغلقه ، والمقيِّد لمطلقه ، والمتمّم لفوائده ، والمهذِّب لقواعده ، ينتفع به المبتدي ويستمدُّ منه المتوسّط والمنتهي ...» (١).

ومن المفيد أن نعرض نموذجاً بقلمه :

يقول المصنّف في شرحه على وجوب التيمّم بالتراب الطاهر والحجر : «[يجب] التيمّم [بالتراب الطاهر والحجر] ؛ لأنّه من جملة الأرض إجماعاً ، والصعيد المأمور به هو وجهها ؛ ولأنّه ترابٌ اكتسبَ رطوبةً لزجةً وعملت فيه الحرارةُ فأفادته استمساكاً. ولا فرق بين أنواعه من رُخام وبِرام (٢) وغيرهما ، خلافاً للشيخ [الطوسي] حيث اشترط في جواز استعماله فَقْدَ التراب. أمّا المنع منه مطلقاً (٣) فلا قائل به. ومن جوازه بالحجر يُستفاد جوازه بالخزف بطريق أولى ، لعدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض وإن خرج عن اسم التراب. كما لم يخرج الحجر مع أنّه أقوى استمساكاً منه ، خلافاً للمحقّق في المعتبر محتجّاً بخروجه مع اعترافه بجواز السجود عليه. وما يخرج عنها بالاستحالة يمنع من السجود عليه ، وإن كانت دائرة السجود أوسع بالنسبة إلى غيرها» (٤).

ونستلهم من هذا النصّ طبيعة المنهج العلمي الذي استخدمه الشهيد

__________________

(١) الروضة البهية في شرح اللمعة ١ / ٢١٥.

(٢) بِرام : نوع من الحجر تصنع منه الآلات الحجرية.

(٣) أي بوجود التراب او بعدم وجوده.

(٤) الروضة البهية في شرح اللمعة ١ / ٤٥٠.

١٤٩

الثاني قدس‌سره في الكتابة :

أوّلاً : الاستدلال بالنص ، والعقل ، والإجماع على جواز التيمّم بالحجر. فقد استدلّ بالإجماع على أنّه من جملة الأرض ، وبالعقل على أنّه تراب اكتسب رطوبة لزجة وعملت فيه الحرارة فأفادته استمساكاً ، وبالنصّ على أنّ الصعيد في قوله تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (١٤٢) هو وجه الأرض.

ثانياً : التعدّي عن مورد النصّ من جواز التيمّم بالحجر إلى جواز التيمّم بالخزف ؛ لعدم خروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض وإن خرج عن اسم التراب.

ثالثاً : ناقش رأي المحقّق الحلّي قدس‌سره الذي يقول بخروج الخزف من الأرض وعدم صدقها عليه بسبب الطبخ. فتسائل المصنّف : كيف يُخرج المحقّق الخزف من عنوان الأرض ، في الوقت الذي يجوّز فيه السجود على الأرض؟ فإنّ ما يخرج عن الأرض بالاستحالة يمنع من السجود عليه!

بقية أعمال الشهيد الثاني :

ومسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام شرح مزجي لكتاب شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي. وكان منهجه الاختصار في الشرح في أوائل الكتاب ، لكنّه استدرك وبدّل منهج الاختصار وبدأ بالإطناب. فأخذ الكتاب في التوسّع حتّى أصبح كتاباً ضخماً في مجلّدين بالطبعة الحجرية.

وكتاب روضة الجنان في شرح إرشاد الأذهان وهو شرح مزجي

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٤٣.

١٥٠

استدلالي خرج منه مجلّد في الطهارة والصلاة. طبع مع كتاب منية المريد للمصنّف في إيران سنة ١٣٠٧ هـ.

وكتاب تمهيد القواعد الأصولية والعربية يشتمل على قسمين. الأوّل : يتضمّن مائة قاعدة أصولية وما يتفرّع عليها من أحكام. والثاني : مائة قاعدة من القواعد العربية ، ويليهما فهرس مبسوط لتسهيل استخراج مطالب الكتاب. طبع مع كتاب الذكرى سنة ١٢٧٢ هـ في إيران (١).

ومنهج الشهيد الثاني هو شرح المتون والتعليق عليها بكتابة الحواشي. كما لاحظنا ذلك في شرح اللمعة الدمشقية ، وشرح شرائع الإسلام ، وشرح إرشاد الأذهان. وينطبق الأمر أيضاً على الحواشي التي كتبها على كتب : قواعد الأحكام ، والشرائع ، والإرشاد.

٣ ـ المقدّس الأردبيلي : أحمد بن محمّـد (ت ٩٩٣ هـ) ، له كتاب مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان ، وزبدة البيان في أحكام القرآن.

مجمع الفائدة والبرهان :

وكتاب مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان هو شرح استدلالي معمّق لكتاب إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان للعلاّمة الحلّي (ت ٧٢٦ هـ). ويتضمّن أغلب أبواب الفقه عدا بعض الأبواب التي فقدت بتلف الصحف التي دوّنت عليها ، كأبواب النكاح والطلاق والعتق والعطايا والوصايا.

__________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٤ / ٤٣٣ رقم ١٩٢٣.

١٥١

ففي كتاب «الطهارة» ، نعرض جانباً من منهجه الاستدلالي. يقول في شرحه للمطهّرات : «ومن المطهّرات : الاستحالة (بصيرورة) الخمر خلاًّ عند القائلين بنجاستها إذا كانت بنفسها ، أو بالعلاج بنحو الخلّ القليل.

الدليل الأوّل : إجماع المسلمين. والثاني : إجماعنا ، قاله في المنتهى ، والأخبار الصحيحة مثل خبر عبـد العزيز بن المهتدي قال : كتبتُ إلى الرضا عليه‌السلام : جعلتُ فداك العصير يصيرُ خمراً فيصبُّ عليه الخلّ وشيء يُغيّره حتّى يصيرَ خلاًّ. قال : لا بأس (١).

والاجتناب عن الأخير (٢) أفضل للخبر الصحيح الدالّ على المنع حينئذ ، وحمل على الاستحباب للجمع.

قال في المنتهى : يستحبّ تركه لينقلب من نفسه ، كما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبـد الله عليه‌السلام سئل عن الخمر يجعل فيها الخَلّ فقال : لا ، إلاّ ما جاء من قبل نفسه (٣). واعلم أنّه لا إشعار في هذه الأخبار على الطهارة والنجاسة ، بل على الحلّ فقط.

(وبالنار) (٤) اذا صار رماداً أو دخاناً و (قيل) أو فحماً (وقيل) بل خزفاً. وما وجدتُ عليها دليلاً إلاّ الخروج عن اسم ما كان نجساً ، مثلاً الأرض والطين كانا نجسين فإذا صارا رماداً مثلاً فليسا بأرض ولا طين. ونقلوا خبراً ما أفهمه.

وقال في المنتهى في طهارة الرماد : والأقرب أن يقال ، بعد ردّ الخبر :

__________________

(١) الوسائل : باب ٣١ ، ح ٨ من ابواب الاشربة المحرمة.

(٢) أي ما صار خلاً لعلاج.

(٣) الوسائل : باب ٣١ ح ٧ من أبواب الاشربة والاطعمة.

(٤) عطف على قوله : بصيرورة الخل خمراً.

١٥٢

النار أقوى إحالة من الماء وكان الماء مطهّراً فالنار أولى. ولأنّ الناس بأسرهم لم يحكموا بنجاسة الرماد ، إذ لا يتوقون منه ولو كان نجساً لتوقّوا منه قطعاً انتهى.

وفيه تأمّل ؛ لأنّا لا نسلّم كون النجاسة للإسم وهو ظاهر فيما إذا تنجّس. والمصنّف في المنتهى منع من طهارة الكلب والخنزير بانقلابهما ملحاً» (١).

وأُسلوبه الاستدلالي قدس‌سره كما ترى يتلخّص بعرض الحكم الشرعي ثمّ يلحقه بالدليل من آية او رواية صحيحة ، ثمّ يناقش آراء الفقهاء وسند الروايات التي استدلّوا بها.

زبدة البيان :

وكتاب زبدة البيان في أحكام القرآن يتضمّن تفسيراً لآيات الأحكام يبدؤه بالطهارة وينهيها بكتاب القضاء والشهادات.

يقول في مقدّمة الكتاب ناقلاً كلام الشيخ الطبرسي في تفسيره ، عارضاً الرأي المشهور بأنّه لا يجوز تفسير القرآن بغير نصّ وأثر : «التفسير معناه كشف المراد عن اللفظ المشكل ، والتأويل ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الآخر. وقيل التفسير كشف المغطّى ، والتأويل انتهاء الشيء ومصيره ، وما يؤول إليه أمره ، وهما قريبان من الأوّلين. فالمعنى من فسّر وبيّن وجزم وقطع بأنّ المراد من اللفظ المشكل ـ مثل المجمل والمتشابه ـ كذا ، بأن يحمل المشترك اللفظي مثلاً على أحد المعاني من غير مرجّح فقد

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١ / ٣٥٤.

١٥٣

أخطأ ...» (١).

وبكلمة ، فقد أخرج من كتابه التفسير الممنوع وهو التفسير بغير نصّ ، أي التفسير الذي يريده المفسّر من غير دليل. بل بمجرّد رأيه وميله واستحسانه. وهذا المنهج العلمي في تفسير آيات الأحكام طغى على الكتاب.

وقال في معرض عرضه لآية : (لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ... لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٢) ، «فيه إشارة إلى سبب جواز الأكل مع عدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه عقلاً ونقلاً ، وهو حصول الرضا بقرينة الأبوّة وغيرها. وهذا المقدار قد يفيد علماً بالرضا وذلك كاف مع أنّه قد يقال يكفي الظنّ بل لا يحتاج إليه ، فإنّ الله قد جوّزه وهو السبب فتأمّل.

وقال في مجمع البيان : «هذه الرخصة في أكل مال القرابات ، وهم لا يعلمون ذلك كالرخصة لمن دخل حائطاً [أي بستاناً] وهو جائع أن يصيب من ثمره ، أو مرَّ في سفر بغنم وهو عطشان أن يشرب من لبنه توسعة منه على عباده ولطفاً لهم ورغبة لهم عن دناءة الأخلاق وضيق العيش.

وقال الجبائي : إنّ الآية منسوخة بقوله تعالى : (لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَام غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) (٣) ، وبقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يحلّ مال امرىء مسلم الاّ بطيب نفس منه.

والمروي عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام أنّهم قالوا : لا بأس بالأكل لهؤلاء من

__________________

(١) زبدة البيان في أحكام القرآن : ٢.

(٢) سورة النور ٢٤ : ٦١.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

١٥٤

بيوت من ذكره الله تعالى بغير إذنهم قدر حاجتهم من غير إسراف (١).

وأنت تعلم أنّ حصول الرخصة لمن دخل حائطاً أيضاً محلُّ التأمّل. وما جوّزه بعض الأصحاب ومن جوّزه ما قيّده بالجائع ولا بالحائط بل قال : للمارّ على الغلّة وغيرها أن يأكل منها. وإنّي ما رأيت جواز اللبن ، وأنّه لا منافاة بين الآيتين حتّى يكون ما هنا منسوخة وهو ظاهر. وعدم صلاحية الخبر للناسخية أظهر. وإنّ المروي عنهم : متبع وإن كان قدر الحاجة الذي في ما روي عنهم غير ظاهر من الآية بل ظاهرها دالٌ على عدمه. نعم لا بدّ من عدم الإسراف والتضييع ...» (٢).

وكانت منهجيته (رضوان الله عليه) هي :

أوّلاً : تفسير الآيات الخاصّة بالأحكام الشرعية بالاستناد إلى الدليل الشرعي من سنّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وامتدادها بأهل البيت عليهم‌السلام.

ثانياً : مناقشة آراء الفقهاء والمفسرين ونقدها نقداً علمياً كما فعل مع الشيخ الطبرسي ، والجبائي في جواز شرب اللبن والنسخ ونحوها.

ثالثاً : عرض رأيه الذي يتبنّاه استناداً على الدليل الشرعي.

للبحث صلة ...

__________________

(١) مجمع البيان ٧ / ١٥٦.

(٢) زبدة البيان في أحكام القرآن : ٣٧٠.

  

١٥٥

ديـك الجنِّ

وفـنُّ الـرثـاء

الشيخ عبد الرسول الغفاري

بسـم الله الرحمن الرحـيم

نسبه :

هو أبو محمّـد ، عبـد السلام بن رَغْبان بن عبـد السلام بن حبيب بن عبـد الله ، ينتهي نسبه إلى تميم ، ثمّ إلى كلاب.

ولد في حمص سنة ١٦١ هـ ، وقد أشار البعض أنّه ولد في قرية اسمها (سلميه) من أعمال حمص ، فهو عربي الأصل والنشأة والوطن.

ونقل ابن خلّكان في الوفيات : إنّه مولى لطيء ، كما ذكره ابن الجرّاح في كتاب الورقة (١).

أغلب المصادر متّفقة على سنة ولادة الشاعر دون اختلاف يذكر ، كما أجمعت على أنّ سنة وفاته في ٢٣٥ هـ أو ٢٣٦ هـ ، عدا الصفدي ، فإنّه قال :

__________________

(١) وفيات الاعيان : ٣ / ١٨٤.

بينما يذكر محقّق الوفيات ـ الدكتور إحسان عبّاس ـ في هامش الصفحة : لم يرد في كتاب (الورقة) المطبوع ما ذكره ابن خلّكان.

١٥٦

وتوفّي في حدود الأربعين ومائتين (١).

يؤكّد الشاعر على نسبه ويفتخر باعتزاز أنّه من كلب ، فهي خير من أنجبت من الرجال الأشاوس فقال :

كَلبٌ قَبِيلي وكَلبٌ خَيرُ من وَلَدَتْ

حَوّاءُ مِنْ عَرَب غُرٍّ وَمِنْ عَجَمِ

وعَيَّرَتْنَا وَمَا إن طُلَّ فِي أَحَد

وَطُلّ في مُؤتَة والدِينُ لَم يَرمِ

ثُمّ يسترسل في شعره ليؤكّد أنّ قبيلته هي التي دافعت عن حمى الإسلام ، وأنّ رجالها اشتركوا في أغلب الحروب والغزوات ، كغزوة أُحد ومُؤته وحنين ويوم الطفوف فيقول :

غَداةَ مؤتةَ والإشراكُ مكتَهلٌ

والدِينُ أمْرَدُ لَم ييفعْ فيحتَلِمِ

وَيَومَ صفِّينَ مِنْ بَعدِ الخريبةِ كَمْ

دَم اُطِلَّ لِنَصرِ الدِّينِ إِثْرَ دَمِ

وَفِي الفُراتِ فِداءَ السِبط قَدْ تُرِكَتْ

أشلاؤنا فِي الوَغى لَحْماً على وَضَمِ

غَدَاة شَالَتْ من التقوى نَعَامَتُها

وآذنتْ صَعقاتُ الحَقِّ بالنّقَمِ

إن تعبَسِي لدم منّا هُريق بها

فقد حقنّا دَم الإسلام فابتسمي

ذكر الجهشياري : إنّ حبيب بن عبـد الله بن رغبان ـ الجدّ الأكبر لديك الجنِّ ـ كان كاتباً في أيّام الخليفة المنصور ، وكان يتقلّد الإعطاء ، وكان موجوداً في سنة ثلاث وأربعين ومائة ، وأنّ ديك الجنِّ الشاعر من ولده ، وإليه ينسب مسجد ابن رغبان بمدينة السلام ، وأنّه مولى حبيب بن مسلمة الفهري (٢).

وفي نسبه قال الشيخ عبّاس القمّي في الكنى :

أبو محمّـد ، عبـد السلام بن رَغْبان ـ بفتح الراء المهملة وسكون الغين

__________________

(١) الوافي بالوفيات : ١٨ / ٢٥٧ ، تاريخ أبي الفداء : ٢ / ٣٨.

(٢) وفيات الاعيان : ٣ / ١٨٦.

١٥٧

المعجمة ـ ، أصله من مؤته ، وولد في حمص ، وهو شاعر مشهور مجيد ، يذهب مذهب أبي تمّام في شعره ، وكان مقيماً في حمص ، ولم يبرح نواحي الشام ، وكان يتشيّع ، له مراث كثيرة في الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام : ، وله قصّة لطيفة مع الرشيد مشهورة ، ذكرها الشيخ يوسف البحراني في كشكوله ، وشيخنا المتبحّر النوري ـ نوّر الله مرقده ـ في كتاب ظلمات الهاوية.

قيل : إنّه لمّا كان شيعيّاً نسبوه إلى الإلحاد ... (١).

من النصّ المتقدّم نفهم : إنّ مؤتة هي الموطن الأصلي لآباء الشاعر (٢) ، بينما ولادة الشاعر ومحلّ إقامته كانت حمص ، ويؤكّد الشيخ القمّي كلام من سبقه في أنّ الشاعر لم يبرح نواحي الشام.

ثمّ يطالعنا القمّي في كون الشاعر له قصّة لطيفة مع الرشيد.

وشيء آخر : إنّ تشيّع ديك الجنِّ أصبح سبباً في قذفه بشتّى التهم ورميه بالإلحاد.

لذا ينبغي ـ في المقام ـ أن أذكر ما وسعني النظر بعد جولة سريعة في سطور الكشكول.

أقول : ورد في الجزء الثالث من كشكول الشيخ يوسف البحراني في الصفحة ٢٩ إلى الصفحة ٣٢ قصّة (الحسن الكركدان المعروف بديك الجنّ) مع المتوكّل العباسي في العراق.

وخلاصة القصّة : إنّ المتوكّل من شدّة سكره يضطرب ـ وبانزعاج ـ

__________________

(١) الكنى : ٢ / ٢١٢.

(٢) كان جدّه تميم من أهل مؤتة ، وأسلم على يدي حبيب بن مسلمة الفهري.

انظر الأغاني : ١٤ / ٢٨٧.

١٥٨

فيرسل على الشاعر ليلاً فيأتيه ، ويسأله عن أبيات قالها الشاعر ؛ لأنّ المتوكّل فزع منها وأقلقت مضجعه ، والأبيات هي :

أَصْبَحتُ جَمَّ بَلابِلِ الصدَرِ

وَأبلَيتُ مَطوِيّاً عَلى الجَمْرِ (١)

اِن بُحْتُ يَوماً طَلّ فيهِ دَمِي

وإنْ سَكتُ يَضِيقُ بِه صَدْرِي (٢)

فقال المتوكّل مخاطباً الكراكدان : قلْ لي ما يطلّ به دمك ويضيق صدرك؟

فقال : ولي الأمان؟

فقال : قل ، ولك الأمان.

فقال :

مِمّا جَنَاه عَلى أبي حَسَن

عُمرٌ وصاحِبُهُ أَبُو بَكْرِ

جَعَلُوكَ رَابِعَهم أبا حسن

مَنَعُوكَ حَقَ الإرثِ والصِهرِ (٣)

وإلى الخِلاَفَةِ سَابَقُوك وما

سَبَقُوك فِي أُحُد ولا بَدْرِ

وَقَتَلْتَ فِي بَدْر مَشَائِخَهُم

فَلأَجْلِ ذَا طَلَبُوكَ بِالوتْرِ

فَعَلى الذي يَرْضى بِفِعْلِهِم

أضْعافَ ما حمَلوا مِنَ الوِزْرِ

ثمّ يتسلسل الشيخ البحراني في سرد القصّة وما فيها من محاورة المتوكّل للشاعر ، حتّى يستخلّصا بكفر يزيد وأسلافه الأمويّين ، الذين ما آمنوا بدين ولا نبيّ وإنّما أعمتهم الرئاسة ، وأنّ الملك لعقيم (٤).

وذكر الشيخ شبيه هذه القصّة وتلك المحاورة ، بين الرشيد والشاعر

__________________

(١) في الديوان «وَأبِيتُ مُنْطَوِيّاً عَلى الجَمْرِ».

(٢) في الديوان : «وَلَئِنْ كَتَمْتُ يَضِيقُ بِه صَدْرِي».

(٣) في الديوان «ظَلَموا وَرَبِّ الشفع والوترِ».

(٤) الكشكول : ٣ / ٢٩ ـ ٣٣.

١٥٩

إسحاق بن إبراهيم ، الملقّب بديك الجنِّ ، إذ واش من الوشاة أغرى الرشيد بأن يوقع بهذا الشاعر ، وكان يحثّه على قتله ، وقد ادّعى أن لا يُثبت صانعاً ولا يقول ببعثة ولا نبوّة ، وهو ممّن يقع في الإسلام وأهله ـ على حدّ زعمه ـ وهكذا حمل الرشيد على هذا الإغراء ، فبعث وراء الشاعر ، وبعد حوار واستظهار ما في ضميره ، وجده على خلاف ما قيل له ، بل العداوة والبغضاء والحسد ـ وما أكثرها بين الشعراء وذوي النعم ـ دفعت بهذا الواشي أن يتّهم الشاعر إسحاق بن إبراهيم.

هذه القصّة بما فيها من الأشعار ، نقلها البحراني في كشكوله الجزء الثالث من الصفحة ٥٦ إلى الصفحة ٦١.

وتعليقنا على القصّتين هو :

إنّ في القصّة الأولى يطالعنا اسم الشاعر الحسن الكركدان.

وفي القصة الثانية أنّ الشاعر هو إسحاق بن إبراهيم. وفي القصّة الأولى كانت المحاورة مع المتوكّل ، بينما في القصّة الثانية مع الرشيد.

ثمّ إنّ تهمة الإلحاد جاءت مفتعلة من حسّاد الشاعر.

وعليه كلا القصّتين اجنبيّتان عمّا نحن فيه ، فتأمّل.

أمّا الشعر الذي أورده الشيخ في كشكوله ، فهي أبيات من قصيدة تتكوّن من ١٥ بيتاً.

وقد آثرنا أن نذكرها ؛ حتّى يتمّ التعليق في ما ورد في شأن عقيدة الرجل الذي نحن بصدد ذكر أخباره وأغراضه الشعرية.

أقول : وتكملة الأبيات هي :

طَلَبَ النَّبِيُّ صَحِيفةً لهُمُ

يُمْلِي ليأمَنَهُم مِنَ الغَدْرِ

فَأَبَوا عَلَيهِ ، وَقَال قائِلُهُم

قُوْمُوا بِنَا قَدْ فَاهَ بالهُجْرِ

١٦٠