تراثنا ـ العددان [ 85 و 86 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 85 و 86 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٤

١
٢

تراثنا

صاحب الامتیاز :

مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العددان الأول والثاني [٨٥ و ٨٦]

السنة الثانية والعشرون

محتويات العدد

* كلمة العدد :

* التراث وازدواجية المعايير.

............................................................... هيئة التحرير ٧

* الفوائد البديعة من «وسائل الشيعة» (٣).

................................................ السيد علي الحسيني الميلاني ١٠

* عدالة الصحابة (١٤).

....................................................... الشيخ محمد السند ٤٨

* تاريخ النظرية الفقهية في المدرسة الإمامية (١).

...................................................... السيد زهير الاعرجي ٧٨

* ديك الجن وفن الرثاء

.............................................. الشيخ عبد الرسول الغفاري ١٥٦

٣

محّرم ـ جمادي الآخرة

١٤٢٧ هـ

* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المومنين عليه‌السلام العامّة / النجف الأشرف (٢٠).

......................................... السيد عبد العزيز الطباطبائي قدس‌سره ٢٠٠

* من المخطوطات العربية في مكتبة المتحف البريطاني / لندن (٢).

................................................ الشيخ محمد مهدي نجف ٢٢٤

* من ذخائر التراث :

* الإبانة عن المماثلة في الاستدلال بين طريقي النبوّة والإمامة ـ للكراجكي.

................................................... تحقيق علي جلال باقر ٢٧٥

* من أنباء التراث.................................................................

........................................................... هيئة التحرير ٣٩٥

٤

٥
٦

كلمة العـدد :

التراث وازدواجية المعايير

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

لمصلحة من يدمّر تأريخنا ، تراثنا ، معالم حضارتنا ..؟! لِمَ تجدّ المساعي الشرّيرة كي تقضي على المكانة الخالدة التي رسمها الزمن لقادة فكرنا وديننا؟! رسماً رشح عن عطاء أغدق على الإنسانية حكمةً وعدلاً ونبلاً إلى يومنا هذا. أليس لكونه عهداً عملياً وخطاباً واعياً يحاكي العقول النيّرة والضمائر الحيّة ، فتجافيه حينئذ تلك التي امتلأت غيضاً وحقداً حتّى أنّها لم تألُ جهداً لحذفه ونفي كلّ ما يمتّ له بنوع صلة أو ارتباط؟!

نعم ، لقد فجّر الحقد مرقد الإمامين العسكريّين عليهما‌السلام بمدينة سامرّاء في العراق ، ولن تكون فعلتهم الشنيعة هذه نهاية المطاف ، بل إنّه نهج وفكر يدوم بدوام دواعي الكراهية والعداء لمدرسة آل البيت عليهم‌السلام ورؤاها السامية.

لا نبثّ شكوىً ولا نستعطف أحداً ولا نحمّل غيرنا الفكرة والرؤية عنوةً ، ولسنا بصددها هنا ، فآل بيت المصطفى عليهم‌السلام ـ تأريخاً وسيرةً وعطاءً وتجسيداً لقيم السماء ـ كالشمس في رابعة النهار ، بل أبزغ وأسنى ، حيث

٧

لا اُفول لمكانتهم الشامخة وتعالميهم الرائدة. ولسنا أيضاً في مقام تناول التيّار السلفي التكفيري بالنقد والتحليل ، فأمره كان ولا زال واضحاً ويزيده الله تبارك وتعالى يوماً بعد آخر فضيحةً وهزيمة.

إنّما ننطلق في إشارتنا لهذه الجريمة من زاوية التراث ، فهو القاسم المشترك ونقطة الالتقاء مع سائر الحضارات والثقافات والأديان ، وقد حظى بعناية واحترام الكلّ بالإجماع.

نعم ، إنّه ضمير الأُمّة ، المرآة التي ترى فيه الاُمّة تحقّق الممكن. والمتمسّكون بالتراث لا يتمسّكون به لمجرّد أنّه تراث الآباء والأجداد ، بل لأنّهم يقرءُون فيه ما ينبغي أن يكون ؛ إنّه قراءة للمستقبل في صورة الماضي.

وليس التراث في الوعي المعاصر قطعة عزيزة من التأريخ فحسب ، ولكنّه دعامة من دعامات وجودنا وأثر فاعل في مكوّنات وعينا الراهن ، وأثر قد لا يبدو للوهلة الاُولى بيّناً لكنّه يعمل فينا في خفاء ويؤثّر في تصوّراتنا.

وتراثنا الإسلامي قد قُيّض له أن سلّم به قسم كبير من العالم منذ أكثر من ألف عام واستطاع أن يزوّد الإنسانية بحضارة حقيقية وعلم صحيح ورجال عظام ما زالوا إلى يومنا هذا هم النموذج الأرفع. فهو عالمي ، بمعنى أنّه تراث حضارة عالمية ، حضارة الإنسانية ، فالثقافة الإسلامية تمثّل ثقافة على المستوى العالمي؛ كونها غير محدودة ولا منغلقة ، بل متفتّحة قابلة لاستيعاب كلّ الثقافات التي احتكّت بها.

وخلاصته : إنّه تفاعل الناس مع القرآن والنبي وآله الأطهار وصحبه الأخيار.

أقلّ ما يقال في حقّ مرقد الإمامين العسكريين عليهما‌السلام : إنّه تراث محترم لدى كافّة الاُمم والشعوب والحضارات والثقافات. وعليه ، فهل نالت

٨

جريمة تفجير هذا المرقد الطاهر الحدّ الأدنى من اهتمام المحافل الدولية والمنظّمات المختصّة؟! مثلما نال الانحراف المستمرّ في برج بيزا الإيطالي متابعة هذه الدوائر التي طالما عبّرت عن قلقها حياله ، بل إنّ المقطوعة الموسيقية المسروقة من إحدى سمفونيّات بيتهوفن بقيت ليومنا هذا مورد عناية ومتابعة تلك الجهات ، وهكذا لوحة الموناليزا .. ومنظّمة الثقافة والعلوم «اليونسكو» التابعة للاُمم المتحدة راقبت عن كثب وعملت ما بوسعها من أجل الحصول على نتائج لائقة بهذا الشأن ، بل وذرفت دموع التماسيح من أجل تمثال «بوذا» الذي دمّرته حكومة الطالبان في أفغانستان ، التمثال الذي يجسّد الشرك والكفر بأجلى مصاديقه ، لكنّها لم تنبس ببنت شفة ـ حتّى يومنا هذا ـ تضامناً أو اهتماماً بقضية تفجير المرقد المقدّس للإمامين العسكريّين عليهما‌السلام ، هذا الصرح الذي يمثّل بكلّ شموخ مفهوم العدل والحرية والإنسانية بأروع مضامينه.

إنّ هذه الازدواجية في التعامل مع القيم والأحداث ما هي إلاّ إفرازة من التراكمات التأريخية والمصالح السياسية والاقتصادية والثقافية لقوى الهيمنة والتسلّط العالمي.

ولن تزيدنا هذه الظلامة إلاّ عزماً وتصميماً في الذود عن مبادئنا السامية وديننا الحنيف وفكرنا الحقّ.

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَالله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).

والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

هيئة التحرير

٩

الفوائـد البديـعة

مـن

«وسائل الشـيعة»

(٣)

السـيّد عليّ الحسـيني الميلاني

(١٢)

القرآن القرآن

عن يعقوب الأحمر ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ علَيَّ ديناً كثيراً ، وقد دخلني ما كاد القرآن يتفلّت منّي.

فقال أبو عبد الله عليه السلام : القـرآن القـرآن ..

إنّ الآية من القـرآن والسـورة لتجيء يوم القيامة حتّى تصـعد ألف درجة ـ يعني في الجنّة ـ فتقول : لو حفظتني لبلغتُ بك ها هنا» (١).

أقول :

الظاهر : إنّ الرجل ـ وهو يعدُّ من فقهاء أصحاب الأئمّة عليهم السلام (٢) ـ كان حافظاً للقرآن الكريم ، فلمّا أصابته الهموم بسبب كثرة

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ١٩٤ ح ٧٧١٠.

(٢) معجم رجال الحديث ٢١ / ١٤٣.

١٠

الديون عليه ، فلم يوفّق لتلاوة القرآن والمواظبة على ذلك ، وخاف أن يعرضه النسيان ، شكا حاله إلى الإمام عليه السلام ، ففزع عند ذلك حين ذكر القرآن ـ كما في رواية أُخرى عنه في الباب ـ فجعل عليه السلام يؤكّد على الاهتمام به قائلاً : القرآن القرآن ، ثم ذكر له ما لحفظ الآية الواحدة منه من الفضل فضلاً عن كلّه ..

فكأنّه يريد أن يقول له : إنّ تلك الهموم التي أنت فيها على أثر الدَين لا تقاس بما ستخسـره من المراتب ، وما سيصيبك من الهمّ على خسرانها ؛ بسبب تفلّت آية أو سورة واحدة من القرآن منك.

وعلى الجملة ، فإنّه لا ينبغي للمؤمن أن تؤدّي همومه الدنيوية ـ مهما كثرت واشتدّت ـ إلى الغفلة عن التكاليف الدينية والوظائف المعنوية ، وإنّ الأئمّة عليهم السلام ليفزعون إذا علموا بوقوع أحد من شيعتهم في مثل ذلك.

وعليك بتلاوة القرآن على كلّ حال :

هذا في وصـيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين عليه السلام (١) ، فانظر إلى عظمة القرآن وما لتلاوته من الأثر ، حتّى جاء ذلك في وصايا النبيّ ، وأمر بتلاوته على كلّ حال!

و «التلاوة» وإنْ استعملت بمعنى «القراءة» إلاّ أنّها أخصّ منها ؛ فقد قال الراغب الأصبهاني : «التلاوة تختصّ باتّباع كتب الله المنزلة ، تارةً بالقراءة وتارةً بالارتسام ؛ لِما فيها من أمر وترغيب وترهيب ، أو ما يتوهّم

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ١٨٦ ح ٧٦٨٧.

١١

فيه ذلك ، وهي أخصّ من القراءة ؛ فكلّ تلاوة قراءة وليس كلّ قراءة تلاوة» (١).

لكن قد ورد في الأخبار تلاوة آيات أو سور خاصّة لأحوال أو أغراض معيّنة.

القرآن عهد الله إلى خلقه :

والمهمُّ هو أنّ «القرآن عهد الله إلى خلقه ـ كما روي عن أبي عبـد الله عليه السلام ـ فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية» (٢).

قال الراغب : «العهد : حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال ، وسمّي الموثق الذي يلزم مراعاته : عهداً» (٣) ..

قال الله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٤)

فلمّا أمر عليه وآله الصلاة والسلام بتلاوة القرآن على كلّ حال ، أراد الإيعاز إلى وجوب حفظ القرآن ومراعاته ، في أوامره ونواهيه ، وترغيبه وترهيبه ، في كلّ الأحوال ، ولو أنّ المرء المسلم قرأ في كلّ يوم ـ ولو خمسين آية ـ بهذا القصد لكان من أهل الوفاء بعهد الله ، وقد أفادت الآية المباركة أنّ : مَن وفى بعهد الله فإنّ الله يوفي بعهده ، (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله) (٥)؟!

__________________

(١) مفردات غريب القرآن : ٧٥.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ١٩٨ ح ٧٧٢١.

(٣) مفردات غريب القرآن : ٣٥٠.

(٤) سورة البقرة ٢ : ٤٠.

(٥) سورة التوبة ٩ : ١١١.

١٢

ومن جهة أُخرى ، فإنّ القرآن ذكرٌ ؛ قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (١) ، ومَن تعاهد القرآن ، بأن تلاه على كلّ الأحوال ، كان ذاكراً لله ، وقد قال تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (٢).

لا يعذّب الله قلباً وعى القرآن :

وإذا تلا المسلم القرآن ، وتعاهد عهد الله ، وعمل بوصيّة نبيّه ، «اختلط القرآن بلحمه ودمه» ، كما في الخبر (٣) ، وكان قلبه وعاءً للقرآن ؛ وهل يعذّب الله ظرفاً هو وعاءٌ للقرآن؟!

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لا يعذّب الله قلباً وعى القرآن» (٤).

من قرأ القرآن فكأنّما أُدرجت النبوّة في جنبيه :

وكيف يعذّب الله عبداً قرأ القرآن ، أي تلاه حقّ تلاوته ، حتّى كأنّ النبوّة أُدرجت في جنبيه؟!

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «مَن قرأ القرآن فكأنّما أُدرجت النبوّة بين جنبيه ، إلاّ أنّه لا يوحى إليه» (٥).

__________________

(١) سورة الحجر ١٥ : ٩.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٥٢.

(٣) وسائل الشيعة ٦ / ١٧٧ ح ٧٦٧٠.

(٤) وسائل الشيعة ٦ / ١٦٧ ح ٧٦٤٠.

(٥) وسائل الشيعة ٦ / ١٩١ ح ٧٧٠٤.

١٣

القرآن شاهد وشافع :

ومَن كان قلبه وعاء كلام الله ، وكأنّ بين جنبيه النبوّة ، فإنّه سيكون له ما للقرآن من قدر وشأن في القيامة ..

فقد جاء في خبر عن سعد الخفّاف ، عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «يا سعد! تعلّموا القرآن ؛ فإنّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق ... حتّى ينتهي إلى ربّ العزة فيناديه تبارك وتعالى : يا حجّتي في الأرض وكلامي الصادق الناطق! ارفع رأسك وسلْ تعطَ ، واشـفع تُشـفّع ، كيف رأيت عبادي؟

فيقول : يا ربّ! منهم مَن صانني وحافظ علَيّ ولم يضّيع شيئاً ، ومنهم مَن ضيّعني واستخفّ بحقّي وكذّب بي ، وأنا حُجّتك على جميع خلقك.

فيقول الله عزّ وجلّ : وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني! لأُثيبنّ عليك اليوم أحسن الثواب ، ولأُعاقبنّ عليك اليوم أليم العقاب ...» (١).

ففي هذا الخبر نقاط ، منها :

١ ـ إنّ القرآن شاهد على العباد ؛ لأنّ الله يسأله عنهم ، وقد وصفه بالكلام الصادق الناطق.

٢ ـ إنّ القرآن شافع لمَن حافظ عليه ولم يضيّع منه شيئاً ، وهو مشفّع ؛ فللقرآن منزلة الشهادة والشفاعة معاً ، وقد ثبت ذلك لأهل البيت عليهم السلام أيضاً ، فإنّهم «شهداء دار الفناء ، وشفعاء دار البقاء» (٢) ؛ ولذا

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ١٦٥ ح ٧٦٣٦ ، الباب الأوّل من أبواب قراءة القرآن.

(٢) بحار الأنوار ٩٧ / ٣٤٤.

١٤

أوصى بهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأمر بالتمسّك بهما في حديث الثقلين المتواتر ، وغيره من الأحاديث الثابتة عنه ..

وكما أنّ الله جلّ وعلا سيسأل القرآن عن الّذين حافظوا عليه ، وعن الّذين ضـيّعوه ، فإنّه سيسأل الثقلين عن ذلك في يوم القيامة ؛ إذ جاء في الحديث : «إنّ الله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وفي أهل بيتي» (١).

٣ ـ بل إنّ المؤمن أيضاً سيكون له هذه المنزلة ؛ على ما تقدّم ، والله العالم.

حملة القرآن في الدنيا عرفاء أهل الجنّة :

فالمهمّ هو التلاوة بالمعنى المذكور ، ومَن كان كذلك يُعبَّر عنه بـ : «حامل القرآن» ، ويكون له ذلك المقام الرفيع في الآخرة ، وقد جاء في أكثر من خبر : «حملة القرآن في الدنيا عرفاء أهل الجنّة يوم القيامة» (٢).

قال الطريحي : «وفيه : حملة القرآن عرفاء أهل الجنة. قيل فيه : العرفاء جمع عريف ، وهو : القيّم بأُمور القبيلة والجماعة من الناس ، يلي أُمورهم ويتعرّف الغير منه أحوالهم ، وهو دون الرئيس. وسئل ابن عبّـاس عن معنى : أهل القرآن عرفاء أهل الجنّة ، فقال : رؤساء أهل الجنّة» (٣).

الحافظ للقرآن العامل به :

إذاً ، لا بدّ من العمل ، ومَن قرأ القرآن وحفظه وعمل به كان «مع

__________________

(١) كشف الغمّة ١ / ٥٠.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ١٦٩ ح ٧٦٥٠ ، وص ١٧٥ ح ٧٦٦٥.

(٣) مجمع البحرين ٥ / ٩٧.

١٥

السفرة الكرام البررة» (١).

وكأنّه إشارة إلى قوله تعالى : (كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُف مُكَرَّمَة * مَرْفُوعَة مُطَهَّرَة * بِأَيْدِي سَفَرَة * كِرَام بَرَرَة) (٢).

وهنالك آثار لم يتّضح لي أن ترتّبها على مطلق القراءة أو القراءة بالمعنى الأخصّ :

«من قرأ القرآن ... خفّف على والديه وإنْ كانا كافرين» (٣) :

وهذه فائدة عظيمة لقراءة القرآن ، فإذا كانت للوالدين الكافرين فكيف بالوالدين المسلمَين العاصيَين؟! بل يمكن أن يقال بترتّبها للمسلمَين المطيعَين ، بأن ترتفع درجاتهما ويعلو شأنهما في الآخرة ببركة قراءة ولدهما للقرآن ..

لكنّ الرواية مقيّدة بـ «في المصحف».

«من قرأ القرآن في المصحف متّع ببصَرِه ...» (٤) :

وهذا أثر آخر من آثار قراءة القرآن في المصحف.

البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن :

وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «نوّروا بيوتكم بتلاوة

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ١٧٦ ح ٧٦٦٧.

(٢) سورة عبس ٨٠ : ١١ ـ ١٦.

(٣) وسائل الشيعة ٦ / ٢٠٤ ح ٧٧٣٤.

(٤) وسائل الشيعة ٦ / ٢٠٤ ح ٧٧٣٤.

١٦

القرآن ، ولا تتّخذوها قبوراً ، كما فعلت اليهود والنصارى ، صلّوْا في الكنائس والبيَع وعطّلوا بيوتهم ؛ فإنّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره ، واتّسع أهله ، وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الدنيا» (١).

وعن أبي عبد الله عليه السلام : «إنّ البيت إذا كان فيه المسلم يتلو القرآن ، يتراياه أهل السماء كما يترايا أهل الدنيا الكوكب الدرّي في السماء» (٢).

ومن الأخبار في الباب ما يفيد أنّ لترك قراءة القرآن في البيت آثاراً سيّئةً على أهله :

عن أبي عبـد الله عليه السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عزّ وجلّ فيه تكثر بركته وتحضـره الملائكة ، وتهجره الشياطين ، ويضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض. وإنّ البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله عزّ وجلّ فيه تقلّ بركته ، وتهجره الملائكة ، وتحضـره الشياطين» (٣).

وعن أبي عبـد الله عليه السلام ، عن أبيه ـ في حديث ـ قال : «كان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتّى تطلع الشمس ، ويأمر بالقراءة مَن كان يقرأ منّا ، ومَن كان لا يقرأ منّا أمـره بالذكر ، والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكـر الله عزّ وجلّ فيه تكثر بركته» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ٢٠٠ ح ٧٧٢٧.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ١٩٩ ح ٧٧٢٤.

(٣) وسائل الشيعة ٦ / ١٩٩ ح ٧٧٢٥.

(٤) وسائل الشيعة ٦ / ١٩٩ ح ٧٧٢٥.

١٧

وعن الرضا عليه السلام يرفعه إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : «اجعلوا لبيوتكم نصيباً من القرآن ؛ فإنّ البيت إذا قرئ فيه القرآن يسّر على أهله ، وكثر خيره ، وكان سكّانه في زيادة ، وإذا لم يقرأ فيه القرآن ضيّق على أهله ، وقلّ خيره ، وكان سكّانه في نقصان» (١).

وعن أبي هارون ، قال : «كنت ساكناً دار الحسن بن الحسين ، فلمّا علم انقطاعي إلى أبي جعفر وأبي عبـد الله عليهما السلام أخرجني من داره ، قال : فمرّ بي أبو عبـد الله عليه السلام فقال : يا أبا هارون! بلغني أنّ هذا أخرجك من داره؟ قلت : نعم ، قال : بلغني أنّك كنت تكثر فيها تلاوة كتاب الله ، والدار إذا تُلي فيها كتاب الله كان لها نور ساطع في السماء ، وتعرف من بين الدور» (٢).

وفي بعض هذه الأخبار فوائد أُخرى :

منها : قوله عليه السلام : «كان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتّى تطلع الشمس ، ويأمر بالقراءة مَن كان يقرأ منّا ، ومَن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر» ؛ ففيه :

إنّ الإمام عليه السلام كان يجمع أهله وولده ويُجلسهم في مجلس واحـد ، وكان ذلك دأبه ومنهجـه ..

وأنّه كان يأمرهم ، لا أنّه كان يقترح عليهم ..

وأنّه كان يأمر بالذكر حتّى تطلع الشمس ... وبقراءة القرآن ..

فهكذا كانوا يؤدّبون أهاليهم وأولادهم ؛ وهل نحن كذلك؟!

ومنها قضية أبي هارون ، وأنّه أُخرج من الدار لانقطاعه إلى الأئمّة

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ٢٠٠ ح ٧٧٢٨.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ٢٠٠ ح ٧٧٢٩.

١٨

عليهم السلام. ومَن هو (الحسن بن الحسين) الذي أخرجه للسبب المذكور؟ ولماذا؟

فهي قضية تحتاج إلى تحقيق ؛ ليُعرف أنّ في أقرباء الأئمّة عليهم السلام مَن كان مخالفاً لهم حتّى يُخرج مَن انقطع إليهم من الدار التي كان يسكنها؟!

مَن تعلّم القرآن فلم يعمل به :

وإذا كانت تلك آثار ترك قراءة القرآن في البيوت ، فما ظنّك بحال مَن تعلّم القرآن فلم يعمل به؟!

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال في حديث : «مَن تعلّم القرآن فلم يعمل به ، وآثر عليه حبّ الدنيا وزينتها ، استوجب سخط الله ، وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى ، الّذين ينبذون كتاب الله وراء ظهورهـم» (١).

القرّاء ثلاثة :

ومن الناس مَن تعلّم قراءة القرآن أو حفظه من أجل الدنيا ، فما هي عاقبته؟

عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «قرّاء القرآن ثلاثة : رجل قرأ القرآن فاتّخذه بضاعةً ، واستدرّ به الملوك ، واستطال به على الناس. ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده وأقامه إقامة القدح ، فلا كثّر الله هؤلاء

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ١٨٣ ح ٧٦٨٣.

١٩

من حملة القرآن. ورجل قرأ القرآن ، فوضع دواء القرآن على داء قلبه ، فأسهر به ليله ، وأظمأ به نهاره ، وقام به في مساجده ، وتجافى به عن فراشه ، فبأُولئك يدفع الله البلاء ، وبأُولئك يديل الله من الأعداء ، وبأُولئك ينزل الله الغيث من السماء ، فوالله لهؤلاء في قرّاء القرآن أعزّ من الكبريت الأحـمر» (١).

وعن أبي عبـد الله عليه السلام : «القرّاء ثلاثة : قارئ قرأ القرآن ليستدرّ به الملوك ويستطيل به على الناس ، فذاك من أهل النار. وقارئ قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده فذاك من أهل النار. وقارئ قرأ القرآن فاستتر به تحت برنسـه ؛ فهو يعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه ، ويقيم فرائضـه ، ويحلّ حلاله ويحرّم حرامه ، فهذا ممّن ينقذه الله من مضلاّت الفتن ، وهو من أهل الجنّة ، ويشفع في مَن يشاء» (٢).

وعنه عليه السلام في حديث : «عليكم بالقرآن فتعلّموه ، فإنّ من الناس مَن يتعلّم القرآن ليقال : فلان قارئ. ومنهم مَن يتعلّمه فيطلب به الصوت فيقال : فلان حسن الصوت ، وليس في ذلك خير. ومنهم مَن يتعلّمه فيقوم به في ليله ونهاره ، لا يبالي مَن علم ذلك ومَن لم يعلمه» (٣).

سبحان الله! ذاك من الشيطان :

عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «قلت : إنّ قوماً إذا ذكروا شيئاً من القرآن أو حدّثوا به صعق أحدهم ، حتّى يرى أنّ أحدهم لو

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ١٨٢ ح ٧٦٧٨.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ١٨٣ ح ٧٦٨٠.

(٣) وسائل الشيعة ٦ / ١٩٤ ح ٧٧١١.

٢٠