تراثنا ـ العددان [ 85 و 86 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 85 و 86 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٤

مرات : (الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره) أُعطي خيراً كثيراً» (١).

لا إله إلاّ الله ، لدفع الوسوسة :

عن محمّـد بن حمران ، قال : «سألت أبا عبـد الله عليه السلام عن الوسوسـة ، وإنْ كثرت.

فقال : لا شيء فيها. تقول : لا إله إلاّ الله» (٢).

وعن جميل بن درّاج ، عن أبي عبـد الله عليه السلام ، قال : «قلت له : إنّه يقع في قلبي أمر عظيم.

فقال : قل : لا إله إلاّ الله.

قال جميل : فكلّما وقع في قلبي شيء قلت : لا إله إلاّ الله ، فيذهب عنّي» (٣).

«لا حول ولا قوّة إلاّ بالله» ... للهمّ والفقر :

عن رسـول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «مَن تظاهرت عليه النعم فليقل : الحمد لله ربّ العالمين. ومَن ألحَّ عليه الفقر فليكثر من قول : لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ؛ فإنّه كنز من كنوز الجنة ، وفيه شفاء من اثنين وسبعين داء ، أدناها الهمّ» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ / ٤٨٣ ح ٨٥٠١.

(٢) وسائل الشيعة ٧ / ١٦٨ ح ٩٠٢٨.

(٣) وسائل الشيعة ٧ / ١٦٧ ح ٩٠٢٥.

(٤) وسائل الشيعة ٧ / ١٧٥ ح ٩٠٤٥.

٤١

«من كثرت همومه فعليه بالاستغفار» :

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «مَن كثرت همومه فعليه بالاستغفار» (١).

الاستغفار ، لطلب الولد :

«سأل رجل أبا جعفر عليه السلام ـ وأنا عنده ـ فقال : إنّي كثير المال وليس يولد لي ولد ، فهل من حيلة؟

قال : استغفر ربّك سنةً في آخر الليل مائة مرة ، فإنْ ضيّعت ذلك بالليل فاقضـه بالنهار ، فإنّ الله يقول : (استغفروا ربّكم ...)» الآية (٢).

«لا إله إلاّ الله الحقّ المبين» ١٠٠ مرّة :

عن أبي عبـد الله عليه السلام : «مَن قال مائة مرة : لا إله إلاّ الله الحقّ المبين ، أعاذه الله العزيز الجبّار من الفقر ، وآنس وحشة قبره ، واستجلب الغنى ، واستقرع باب الجنّة» (٣).

«ما شاء الله» ١٠٠٠ مرّة :

عن أبي عبـد الله عليه السلام : «مَن قال : ما شاء الله ألف مرّة في دفعة واحدة ، رزق الحج من عامه ، فإن لم يرزق أخّره الله حتّى يرزقه» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ / ١٧٦ ح ٩٠٤٩.

(٢) وسائل الشيعة ٧ / ١٧٨ ح ٩٠٥٦ ، والآية من سورة نوح عليه السلام ٧١ : ١٠.

(٣) وسائل الشيعة ٧ / ٢٢٣ ح ٩١٧٤.

(٤) وسائل الشيعة ٧ / ٩٢ ح ٨٨٢٢.

٤٢

الحمد لله ربّ العالمين على كلّ حال :

عن أمير المؤمنين عليه السلام : «مَن قال إذا عطس : (الحمد لله ربّ العالمين على كلّ حال) لم يجد وجع الأُذنين والأضـراس» (١).

علّمْني شيئاً إذا أنا قلته كنت معكم :

عن إسماعيل بن سهل ، قال : «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : علّمْني شيئاً إذا أنا قلته كنت معكم في الدنيا والآخرة. قال : فكتب بخطّه أعرفه : أكثِر من تلاوة (إنّا أنزلناه) ، ورطِّب شفتيك بالاستغفار» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ / ٩٣ ح ١٥٧٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ / ٦٩ ح ٢١٠٠٣.

٤٣

(١٨)

تعلُّم الإنسان من الحيوان

وجاء في بعض الروايات الأمر بتعلّم بعض الصفات من الحيوانات ، وهذا من أساليب الإرشاد والهداية ، كما لا يخفى ، ويدلّ ذلك على علم الأئمّة عليهم السلام بحالات الحيوانات ولغاتها :

علم الأئمّة بلغات الحيوانات وحالاتها :

ومن الأخبار في علم الإمام عليه السلام بلغات الحيوانات وحالاتها ما روي عن سليمان الجعفري ، عن الرضا عليه السلام : «إنّ عصفوراً وقع بين يديه وجعل يصيح ويضطرب ، فقال : أتدري ما يقول؟ قلت : لا. قال : يقول لي : إن حيّةً تريد أن تأكل فراخي في البيت. فقم وخذ تلك النسعة (١) وادخل البيت واقتل الحيّة. فقمت وأخذت النسعة ودخلت البيت وإذا حيّة تجول في البيت فقتلتها» (٢).

وعن أبي عبـد الله عليه السلام ، قال : «قال رسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : استوصوا بالصنانيات خيراً ـ يعني الخطاف ـ فإنّه آنس طير بالناس هم. ثمّ قال رسول الله : أتدرون ما تقول الصنانية إذا هي ترغّمت؟ تقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ربّ العالمين. حتّى تقرأ أُمّ الكتاب ، فإذا كان في آخر ترغّمها قالت : ولا الضالّين» (٣).

__________________

(١) النسعة : سير عريض من جلد ، مجمع البحرين ٤ / ٣٩٧.

(٢) وسائل الشيعة ١١ / ٥٣٦ ح ١٥٤٧٧.

(٣) وسائل الشيعة ١١ / ٥٢٤ ح ١٥٤٤٤.

٤٤

وعن أبي عبـد الله عليه السلام : «مَن اتّخذ في بيته طيراً فليتّخذ ورشاناً (١) ؛ فإنّه أكثر شيء لذكر الله عزّ وجلّ وأكثر تسبيحاً ، وهو طير يحبّنا أهل البيت» (٢).

وفي رواية عنه : «إنّه نهى ابنه إسماعيل عن اتّخاذ الفاختة ، وقال : إنْ كنت لا بُدّ متّخذاً فاتّخذ ورشاناً ؛ فإنّه كثير الذكر لله عزّ وجلّ» (٣).

أمرهم باتّخاذ بعض الحيوانات في المنازل :

وإذا كان يقول في الرواية السابقة : «إنْ كنت لا بُدّ ...» ففي رواية يأمر عليه السلام باتّخاذ الحيوان ، لكنْ الحمام الراعبي :

عن داود بن فرقد ، قال : «كنت جالساً في بيت أبي عبـد الله عليه السلام ، فنظرت إلى حمام راعبي يقرقر طويلاً ، فنظر إليّ أبو عبـد الله عليه السلام فقال : يا داود! تدري ما يقول هذا الطير؟ قلت : لا والله جعلت فداك.

قال : يدعو على قتلة الحسين عليه السلام ؛ فاتّخذوه في منازلكم» (٤).

والأدلّة على علم الأئمّة ـ كالأنبياء عليهم السلام ـ بحالات الحيوانات ولغاتها كثيرة ، وقد أُقيم عليه البرهان في علم الكلام ، والتفصيل في محلّه.

__________________

(١) الورشان : طائر يشبه الحمام ، لسان العرب ٦ / ٣٧٢.

(٢) وسائل الشيعة ١١ / ٥٢٦ ح ١٥٤٤٩.

(٣) وسائل الشيعة ١١ / ٥٢٧ ح ١٥٤٥١.

(٤) وسائل الشيعة ١١ / ٥١٨ ح ١٥٤٢٥.

٤٥

موعظة الإنسان بحال الحيوان :

وكم وعظوا الناس بالنظر إلى حال الحيوانات؟ وكم هي مؤثّرةٌ في النفوس؟

ففي رواية ـ مثلاً ـ عن أبي عبـد الله عليه السلام ، قال : «أما يستحيي أحدكم أنْ يغنّي على دابّته وهي تسبّح؟!» (١).

ولا يخفى أنّه عليه السلام يقصـد الآية المباركة : (وَإِن مِن شَيْء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِن لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (٢) ..

ففي الوقت الذي يسبّح الحيوان بحمده ، يغنّي الراكب عليه! أما يستحيي من ربّه؟! أما يستحيي من نفسه؟! أما يستحيي من دابّته؟!

تعلّموا من الديك :

وصفات من الديك :

قال الرضا عليه السلام : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : تعلّموا من الديك خمس خصال : محافظته على أوقات الصلاة ، والغيرة ، والسخاء ، والشجاعة ، وكثرة الطروقة» (٣).

وفي موضع آخر وصف الديك بـ : «الأبيض» ، وأنّ هذه الخصال هي من خصال الأنبياء عليهم السلام :

عن الرضا عليه السلام ، قال : «في الديك الأبيض خمس خصال من

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ / ٤١٩ ح ١٥١٥٠.

(٢) سورة الإسراء ١٧ : ٤٤.

(٣) وسائل الشيعة ٢٠ / ٢٤٢ ح ٢٥٥٣٩.

٤٦

خصال الأنبياء عليهم السلام : معرفته بأوقات الصلوات ، والغيرة ، والسخاء ، والشجاعة ، وكثرة الطروقة» (١).

تعلّموا من الغراب :

ومن هذا الباب : أمرهم عليهم السلام بتعلّم صفات من الغراب :

قال الصّادق عليه السلام : «تعلّموا من الغراب ثلاث خصال : استتاره بالسفاد ، وبكوره في طلب الرزق ، وحـذره» (٢).

للبحث صلة ...

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ / ١١٣ ح ٤٦٥٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ / ٧٨ ح ٢٢٠٣٢.

٤٧

عـدالـة الصـحابـة

(١٤)

الشـيخ محمّـد السـند

تعرّضنا في الحلقة السابقة (١) للبحث في أزمة كتب السيرة وأسباب النزول ، الناشئة من أثر سياسة الحزب القرشي في مواجهة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته الجديدة ، من خلال تشييد قاعدة الإزراء بشخصيّته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والحطّ من قدره ، والتنزيل من عظمته ، وإثارة الشكوك حول عصمته ، والنيل من حكمته ، والطعن في هديه وسيرته ، في مقابل بناء رموز للتطاول على مقامه الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإحاطتها بهالات من التقديس تحرّم التعرّض إليها ..

وذكرنا موردين للمزايدة بين عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدالة الصحابة ، أوّلها كان : الصلاة على موتى المنافقين ، ثمّ أُسارى بدر.

وبحثنا ، في عدّة نقاط ، ما ورد في تفسير الآية الخاصّة بالأسرى وما ذُكر من أسباب في نزولها ، وها نحن نستمر في ما بدأناه ..

__________________

(١) المنشورة في العدد المزدوج (٧٧ ـ ٧٨) لسنة ١٤٢٥ هـ.

٤٨

ذكر الآلوسي في ذيل قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيّ أن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى ...) (١).

قال : «أخرج أحمد ، والترمذي وحسّنه ، والطبري ، والحاكم وصحّحه ، عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه ، قال : لمّا كان يوم بدر جيء بالأُسارى ، وفيهم العبّـاس ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما ترون في هؤلاء الأُسارى؟

فقال أبو بكر ...» ثمّ ذكر الرواية المتقدّمة (٢) وكلام أبي بكر وعمر وعبـد الله بن رواحة ، وفي الذيل : «فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : إنّ الله تعالى ليلين قلوب رجال حتّى تكون ألين من اللبن ، وإنّ الله سبحانه ليشـدّد قلوب رجال حتّى تكون أشـدّ من الحجارة» (٣).

أقـول :

هذه الرواية شاهدة لما مرّ استنتاجه : إنّ موقف عمر في قضية الأُسارى من المحطّات التي يجب التوقّف عندها ؛ لمعرفة رأيه تجاه قرابة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعشـيرته ؛ لأنّ تعريضـه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالموقف المتشـدّد : «إنّ الله سبحانه ليشـدّد قلوب رجال حتّى تكون أشدّ من الحجارة» هو تمثّل منه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلكَ فَهِيَ كالْحِجارَةِ

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٦٧.

(٢) قد ذكر مصدرها في الحلقة السابقة ، وهو تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) ٨ / ٤٦ ، الذي يرويها عن مسلم في صحيحه : كتاب الجهاد ب ١٨ : باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم.

(٣) روح المعاني ١٠ / ٣٤ ؛ وانظر : مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٨٣ ، المعجم الكبير ١٠ / ١٤٣.

٤٩

أوْ أشَدُّ قَسْوَةً) (١) ..

وبقوله تعالى : (أفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلى نُور مِن رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسيَةِ قُلُوبُهُم مِن ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ في ضَلال مُبِين) (٢) ..

وبقوله تعالى : (وَلكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ مَا كَانُوا يَعْمَلونَ) (٣) ... وغيرها من الآيات الذامّة لقساوة القلب.

تداعيات موقف عمر وأحكام الأسير :

وممّا أوجب اضطراب مؤدّى آيتي الأسير عند أهل سُـنّة الخلافة : ما التزموه في ما يخصّ قصّة الأُسارى في بدر بحسب روايات عمر وموقفه فيها ..

وكلماتهم تشتّتَت في نسبة مفاد قوله تعالى في سورة محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) : (فإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَروا فَضَرْبَ الرِّقابِ حتَّى إذا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فإمَّا مَنّاً بَعْدُ وإمّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أوْزارَها) (٤) ؛ فقد ذكر القرطبي أنّهم اختلفوا في تأويل هذه الآية على خمسة أقوال :

الأوّل : إنّها منسوخة ، وهي في أهل الأوثان لا يجوز أن يفادَوا ولا يُمنّ عليهم ، والناسخ لها عندهم : قوله تعالى : (فاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ) (٥) ، وقوله تعالى : (فإمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٧٤.

(٢) سورة الزمر ٣٩ : ٢٢.

(٣) سورة الأنعام ٦ : ٤٣.

(٤) سورة محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) ٤٧ : ٤.

(٥) سورة التوبة (البراءة) ٩ : ٥.

٥٠

بِهِم مَنْ خَلْفَهُمْ) (١) ، وقوله تعالى : (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) (٢) ؛ قاله قتادة والضحّاك والسدي وابن جريج والعوفي ، عن ابن عبّـاس.

واسـتدلّ على هذا القول بفعل أبي بكر.

الثاني : إنّها في الكفّار جميعاً ، وهي منسوخة على قول جماعة من العلماء وأهل النظر ، منهم : قتادة ومجاهد ؛ قالوا : إذا أُسـر المُشرك لم يجز أن يمنّ عليه ، ولا أن يفادى به فيردّ إلى المشركين ، ولا يجوز أن يفادى عندهم إلاّ بالمرأة ؛ لأنّها لا تقتل ، والناسخ لها قوله تعالى : (فاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ) ؛ إذ كانت براءة آخر ما نزلت بالتوقيف ، فوجب أن يُقتل كلّ مشرك إلاّ مَن قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومَن يؤخذ منه الجزية. وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة ؛ خيفة أن يعودوا حرباً للمسلمين.

الثالث : إنّها ناسخة لقوله تعالى : (فاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ) ؛ قاله الضحّاك والحسن وعطاء ..

فعن عطاء : لا يقتل المشرك ولكن يُمنّ عليه ويفادى. وبزعم الحسن : أن ليس للإمام قتل الأسير المشرك بعد وضع الحرب أوزارها والإثخان ، لكنّه يختار : إمّا أن يمنّ ، أو يفادي ، أو يسترق.

الرابع : قول سعيد بن جبير أنّها غير ناسخة ولا منسوخة ، والفداء والأسر لا يكون إلاّ بعد الإثخان والقتل بالسيف لقوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أن يَكونَ لَهُ أسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ في الأرْضِ) (٣) ، فإذا أُسر بعد ذلك

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٥٧.

(٢) سورة التوبة (البراءة) ٩ : ٣٦.

(٣) سورة الأنفال ٨ : ٦٧.

٥١

فيتخيّر الإمام بين القتل وغيره.

الخامس : إنّ الآية محكمة والإمام مخيّر في كلّ حال ؛ روي ذلك عن ابن عبّـاس ، وقاله ابن عمر والحسن وعطاء ، وهو مذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأبي عبيد وغيرهم ، ويروى ذلك عن أهل المدينة أيضاً ..

واسـتدلّ بفعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لكلّ ذلك ؛ إذ قتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث يوم بدر صبراً ، وفادى سائر أُسارى بدر ، ومنّ على ثمامة وهو أسير في يده (١).

ويدفع دعاواهم :

أوّلاً :

إنّه لا دليل على النسخ ؛ إذ هو متوقّف على دليل قاطع وإلاّ لزم تعطيل آيات الكتاب بمجرّد التخرّص والتظنّي ، كما إنّ النسخ يتوقّف على تعارض ما بين المفادين ، والحال أن لا تنافي بين الآيات ؛ إذ آية الأُسارى كالمفصّل لما أجمل من الإطلاق في آيات قتال المشركين ، مع إنّه متوقّف على تأخّر آيات القتال المطلقة على آية الأُسارى.

ثانياً :

إنّه لا قرينة على اختصاص آية الأُسارى بالمشركين كي يفرض رفع حكمها مطلقاً ؛ فهي ـ على ظاهرها ـ شاملة لغير المشركين ، وتكون نسبة مدلولها لمدلول آيات قتال المشركين هي العموم والخصوص من وجه.

__________________

(١) انظر : تفسير القرطبي ١٦ / ١٩٢.

٥٢

ثالثاً :

إنّ آية الأُسارى صريحة في كون المنّ أو الفداء هو بعد الإثخان فيهم وهزيمتهم و (تضع الحرب أوزارها) فكيف يثبت قبله؟!

ونظير ذلك قولهم بالقتل بعد الإثخان مع إنّ الآية صريحة في الانتهاء بالغاية ، وهي : الإثخان.

رابعاً :

ما استدلّوا به من قتل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض أفراد المشركين بعد الإثخان لا ينافي ظهور وصريح الآية ؛ لإنّها موارد خاصّة ، كعقوبة متخصّصة ، نظير استباحته (صلى الله عليه وآله وسلم) دماء نفر في فتح مكّة ولو كانوا متعلّقين بأستار الكعبة ..

وأمّا فعل أبي بكر وعمر فلا حجّية فيه حسب ما يقرّ أهل سُـنّة الخلافة من عدم عصمتهما وعدم حجّية فعلهما ، بل إنّ الذي ورّطهم في هذا الفهم المقلوب للآيات هو فعل عمر وموقفه اعتراضاً على الساحة النبوية ، من أن إبقاء الأسير بعد انتهاء الحرب كان منهيّاً عنه.

خامساً :

إنّ الذي التزموا به من النسخ المتبادل المتعاكس بين آية الأُسارى وآيات قتال المشركين لا يبرّر ولا يفسّر موقف عمر بالاعتراض والمطالبة بقتل الأسرى بعد الحرب يوم بدر ؛ وذلك لأنّ بين قوله تعالى في شأن الأُسارى في سورة الأنفال : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أن يَكونَ لَهُ أسْرى حَتَّى يُثْخِنَ في الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا واللهُ يُريدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزيزٌ حَكيمٌ) ،

٥٣

وبين قوله تعالى في سورة القتال (سورة محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)) : (فإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَروا فَضَرْبَ الرِّقابِ حتَّى إذا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فإمَّا مَنّاً بَعْدُ وإمّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أوْزارَها) تمام التطابق ..

فإنّ آية الأنفال في الأُسارى تنفي وتنهى أن يكون لنبيّ أسرى ـ أي شدّ وثاق ـ قبل الإثخان وقبل إنهاك العدو وهزيمته وانتهاء الحرب والقتال في المعركة ، وشدّ الوثاق عبارة وكناية عن الأسر والاسترقاق ؛ فالآيتان في السورتين متطابقتان على تحديد القتل للأُسارى إلى غاية الإثخان ، وهو انتهاء الحرب ، وأنّ بعد الحرب لا يقتل الأسير ، وهو ما لا يتطابق مع إصرار عمر على قتل أُسارى بدر بعد الحرب.

ومن وضوح دلالة الآيتين على ذلك اضطر غير واحد منهم إلى الإقرار بأنّ معنى الآية في الأنفال هو : عتاب الله عزّ وجلّ لأصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والمعنى : ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبيّ أسرى قبل الإثخان ، ولهم هذا الإخبار بقوله تعالى : (تُريدونَ عَرَضَ الدُّنْيا) ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يأمر باستبقاء الرجال وقت الحرب ولا أراد قط عرض الدنيا وإنّما فعله جمهور مباشـري الحرب (١).

فموضع العتاب الإلهي ومورد قوله تعالى : (لَوْلا كِتابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظيمٌ) (٢) هو : أخذ الأُسارى واستبقاؤهم وقت الحرب قبل الإثخان ؛ فالمؤاخذ على هذه الغنيمة هو بلحاظ أنّها أُخذت من غير حلّها ، مع الالتفات إلى أنّ الأُسارى لم يؤخذوا كلّهم وقت الحرب بل فيهم القليل ممّن أُخذ بعد الحرب ، كـ : العبّاس وعقيل ونوفل.

__________________

(١) تفسير القرطبي ٨ / ٤٥.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٦٨.

٥٤

والعجيب أن تراهم مع كلّ ذلك يتمحّلون لاعتراض عمر ، والذي كان بعد الحرب ، ورأيه بقتل الأُسارى ، بأنّ النهي والعتاب في الآية طال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً ؛ لأنّه لم ينهَ عن استبقاء الأسرى حين رآهم من العريش ، وفي المقابل فإنّ سعد بن معاذ وعمر بن الخطّاب وعبـد الله بن رواحة كرهوا ذلك ، مع إنّ الروايات التي رووها عن عمر ـ في ما زعم من فعله ـ تشير إلى أنّه كان بعد الحرب ، فكيف يتّفق ذلك مع القول بأنّ موضع النهي في الفعل الذي حدث كان أثناء الحرب؟!

وتمحّلوا أنّ قتل الأسرى الّذين فودوا ببدر كان أوْلى من فدائهم ، ويومئذ كان المسلمون قليلون فلمّا كثروا واشتدّ سلطانهم أنزل الله عزّ وجلّ بعد هذا في الأسارى : (فَإِمَّا مَنَّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) في سورة محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم) (سورة القتال) ، فزعموا أنّ الآية الثانية في الأسرى ناسخة للأُولى وقد تقدّم تمام المطابقة بين الآيتين ، كما هو حكم الأُسارى من التفصيل بين أخذهم أثناء الحرب أو بعدها في مذهب الإمامية ، كما رووه عن الصادق عليه‌السلام : «كان أبي يقول : إن للحرب حُكمين : إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام بالخيار إن شاء ضرب عنقه وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه يتشحّط في دمه حتّى يموت ؛ وهو قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِنْ خِلاَف أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الاْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) في سورة المائدة الآية ٣٣ ...

والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكلّ أسير أُخذ في تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم

٥٥

وإن شاء فاداهم أنفسهم وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً» (١).

وقد روي عن الكلبي في قوله تعالى : (فَشُدُّوا الْوَثَاقَ) : «نزلت في العبّـاس لمّا أُسر في يوم بدر فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : افد نفسك وابنيْ أخيك ـ يعني عقيلا ونوفلا ـ وحليفك ـ يعني عتبة بن أبي جحدر ـ فإنّك ذو مال.

فقال : إنّ القوم استكرهوني ولا مال عندي.

قال : فأين المال الذي وضعته بمكّة عند أُمّ الفضل حين خرجت ، ولم يكن معكما أحد ، وقلت : إن أُصبت في سفري فللفضل كذا ، ولعبد الله كذا ، ولقثم كذا؟!

قال : والذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما علم بهذا أحد غيرها ، وإنّي لأعلم أنّك لرسول الله.

ففدّى نفسـه بمائة أُوقية ، وكلّ واحد بمائة أوقية ، فنزلت : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِمَن فِي أَيْدِيكُم مِنَ الأسْرَى) (٢) ، فكان العبّـاس يقول : صدق الله وصـدق رسوله ؛ فإنّه كان معي عشرون أوقية فأُخذت ، فأعطاني الله مكانها عشرين عبداً ، كلّ منهم يضرب بمال كثير ، أدناهم يضرب بعشرين ألف درهـم» (٣) ..

وهذه الرواية تدلّ على كون الأسرى من بني هاشم لم يكن موقفهم معادياً لمعسكر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّما أُكرهوا على المجيء إلى بدر ، فهم كالأُسارى انتقلوا من أسر إلى آخر ، بل إنّ موقفهم متعاطف مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فقد رووا تجاوب العبّـاس مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّه ذكر أنّه كان

__________________

(١) الكافي ٥ / ٣٢.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٧٠.

(٣) بحار الأنوار ١٨ / ١٣٠.

٥٦

مُكرهاً ، وأنّه تشهّد الشهادتين ..

روى القمّي في تفسيره بعد ذلك أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعقيل : «قد قتل الله ـ يا أبا يزيد! ـ أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومنية وبنية ابني الحجّاج ، ونوفل بن خويلد ، وسهيل بن عمرو ، والنضر بن الحارث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، وفلاناً وفلاناً.

فقال عقيل : إذاً لا تُنازَع في تهامة ، فإن كنت قد أثخنت القوم ألا فاركب أكتافهم. فتبسّـم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله.

وكان القتلى ببدر سبعين ، والأسرى سبعين ، وقد قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام سبعة وعشرين ولم يؤسـر أحداً» (١).

وهذا دالّ بوضوح على أنّ أُسارى بني هاشم الثلاثة كانوا في اصطفاف لنصرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإن أكرهتهم قريش للقتال في بدر ..

قال السـيّد المرتضى قدس‌سره : «إنّهم لمّا تباعدوا عن العريش وعن مرآه (صلى الله عليه وآله وسلم) أسروا من أسروا من المشركين بغير علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا يبعد أن يكون هو عليه السلام لم يأسر حتّى فرّ الكفار وانهزموا وتباعدوا وانتهى الأمر إلى آخره ووضعت الحرب أوزارها ، فحينئذ أُسر من أُسر ...

وأمّا الأمر بالقتل في قوله تعالى : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان) (٢) ، فالمراد به : الكثرة لا محالة ، لا عموم ضرب أعناق الكفّار بلا خلاف ، فالقتل المدلول عليه بالآية لا ينافي الأسـر ، وممّا يدلّ على أنّ المراد به : الكثرة ، هذه الآية ؛ فإنّها كالمفسّـرة لتلك ..

وكذلك قوله تعالى : (فإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَروا فَضَرْبَ الرِّقابِ

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٢٦٩.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ١٢.

٥٧

حتَّى إذا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ) ...

والأمر بالقتل كان مقيّداً بحال المحاربة ، كما هو المتبادر من قوله تعالى : (فإذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَروا فَضَرْبَ الرِّقابِ) ؛ فإنّ الظاهر من الأمر بضرب الرقاب وقت اللقاء ، وهو حال الحرب ، ولا يسمّى ما بعد الحرب وحصول الأسرى مكتوفين بأيدي الخصوم وتبدّد شملهم وزوال فئتهم عن مراكزهم : لقاءً.

وأيضاً المتبادر من مثل هذه العبارة حدثان ذلك الفعل وفواتحه ، لا أواخـره ، وإن دام.

على أنّ ضرب الأطراف الذي فُسّر به ضرب البنان غير معهود من صاحب الشرع في الأسير ؛ فإنّه يجري مجرى المثلة ، وإنّما يجوز وقت التحام الحرب وحين المسايفة» (١).

ومن الموارد الأُخرى التي خاضوا في مزايداتها بين عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدالة الصحابة :

آية الحجاب في حقّ نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)

وهو قوله تعالى : (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنوا لا تَدْخُلوا بُيوتَ النَّبِيِّ إلاّ أن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلَى طَعام غَيْرَ ناظِرينَ إنَاهُ ولكِنْ إذَا دُعِيتُمْ فادْخُلوا فإذَا طَعِمْتُمْ فانتَشِروا ولاَ مُسْتَأنِسينَ لِحَدِيث إنَّ ذلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِ مِنَ الْحَقِّ وَإذَا سَأَلْتُـمُوهنَّ مَتاعاً

__________________

(١) بحار الأنوار ٣٤ / ٣٨٨.

٥٨

فَسْألُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب ذلِكُمْ أطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقُلُوبِهِنَّ ومَا كانَ لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ولاَ أنْ تَنكِحُوا أزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أبَداً إنَّ ذلِكُمْ كانَ عِندَ اللهِ عَظِيماً) (١).

وهي قصّة تشريع الحجاب ؛ فإنّها من الموارد التي جعلها أهل سُـنّة الخلافة والجماعة من مناقب عمر ، المنقولة عن لسانه ، وأنّ استقامته فاقت عصـمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد نزل الوحي بموافقته على خلاف موقف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ..

وفي الحقيقة هذه الحادثة هي أيضاً من الموارد الشنيعة التي تعدّ من المواقف المحسوبة على عمر ، والتي أُريد لها تغطية حقيقة الحدث وملابساته ، ولو كنّا نحن وما رواه أهل سُـنّة الجماعة ولحن الآيات الكريمة لاستكشفنا حقيقة الأمر ـ كما سيتبيّن ـ وهي : إنّ آية الحجاب واردة انتهاراً لسلوك عدّة من الصحابة البارزين!

فقد روى أبي داود الطيالسي في مسـنده بسنده عن أنس بن مالك ، قال : قال عمر : وافقت ربّي عزّ وجلّ في أربع :

قلت : يا رسول الله! لو صلّيت خلف المقام ، فنزلت هذه الآية : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) (٢) ، وقلت : يا رسول الله! لو ضربت على نسائك الحجاب ؛ فإنّه يدخل عليك البرّ والفاجر ، فأنزل الله عزّ وجلّ : (وإذَا سَألْتُـمُوهنَّ مَتاعاً فَسْألُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب) ... الحديث (٣).

والرواية كما ترى يرويها عمر نفسـه!

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٢٥.

(٣) مسند أبي داود الطيالسي : ٩.

٥٩

ورواه الطبراني (١) في الصغير بسنده عن عمر بن الخطاب إلاّ أنّ فيه : وافقت ربّي في ثلاث ... وذكر الثالثة في قصّة أُسارى بدر ، التي مرّ أنّها ورطة وقع فيها وقد حاول التخلّص من وصمتها بجعلها منقبة.

ورواه في الكبير (٢) عن عبـد الله بن عمر ، أنّه قال في أبيه : فضل عمر الناس بأربع : بذكره الأسارى يوم بدر ، فأمر بقتلهم ، فأنزل الله عزّ وجلّ : (لَوْلا كِتابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظيمٌ) ، وبذكره الحجاب ، فقالت زينب : وإنّك لتغار منّا والوحي ينزل في بيوتنا ، فأنزل الله عزّ وجلّ : (وإذَا سَألْتُـمُوهنَّ مَتاعاً فَسْألُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب) ... الحديث.

وقال ابن جرير الطبري في تفسيره في ذيل قوله تعالى : (وإذَا سَألْتُـمُوهنَّ مَتاعاً فَسْألُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب) :

«قال بعضهم : نزلت بسبب قوم طعموا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وليمة زينب بنت جحش ثمّ جلسوا يتحدّثون في منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبرسول الله إلى أهله حاجة ، فمنعه الحياء من أمرهم بالخروج من منزله» (٣).

وروى بإسناده عن أنس بن مالك أنّه : «كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة ، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أُنزل في مبتنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بزينب بنت جحش أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بها عروساً ، فدعا القوم فأصابوا من الطعام حتّى خرجوا ، وبقي منهم رهط عند

__________________

(١) المعجم الصغير ـ للطبراني ـ ٢ / ٣٨.

(٢) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٩ / ١٦٧.

(٣) جامع البيان ـ لابن جرير الطبري ـ ٢٢ / ٤٥.

٦٠