المدارس النحويّة

الدكتور شوقي ضيف

المدارس النحويّة

المؤلف:

الدكتور شوقي ضيف


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار المعارف
الطبعة: ٧
الصفحات: ٣٧٥

فى بناء الكلمة حين تتحول إلى صيغة التصغير ، فتصغير مثل هار ، وهو البئر ، ويضع اسم رجل هو هوير ويضيع ، وكان المازنى يرى أن يردّ المحذوف ، فيقال هو يئر ويويضع ، لأن أصل هار هائر وخففت ، وأصل يضع يوضع من وضع وحذفت الواو (١). وكان يشترط فى المصغّر كله أن يكون على مثال الأسماء ، ومن أجل ذلك كان يمنع من تصغير انفعال وافتعال ، فلم يجز ـ كما أجاز سيبويه ـ فى انطلاق نطيليق ولا فى افتقار فتيقير لأنه ليس لهما مثال فى الأسماء ، بل كان يحذف بعض حروفهما حتى يصير إلى مثال الأسماء ، فيقول فى تصغيرهما طليق وفقير. وكذلك كان لا يجيز فى المثالين جمعهما جمع تكسير على نطاليق وفتاقير ، كما ذهب إلى ذلك سيبويه ، بل كان يجمعهما على طلائق وفقائر بحذف الألف والنون والتاء (٢). وكان سيبويه يرى قياس اسم التفضيل من صيغة الفعل الماضى المصوغ على أفعل مثل أكرم ، فيقال هو أكرم من زيد ، وذهب المازنى إلى منع القياس فى ذلك حتى لا تلتبس صيغة اسم التفضيل المشتقة من الفعل الثلاثى بصيغته من الفعل الرباعى ، فأكرم عنده تفضيلا مشتقة من كرم ، أما التفضيل من أكرم فتطبّق عليه طريقة الفعل المزيد ، إذ يؤتى بمصدره ويسبقه تفضيل من مثل كثر ، فيقال أكثر إكراما (٣). وكان يذهب إلى أن القياس فى الإلحاق إنما يطّرد فى لام الكلمة مثل قعدد ومهدد ، أما الإلحاق فى وسط الكلمة مثل إلحاق الواو فى جوهر وجدول والياء فى بيطر فشاذ لا يقاس عليه (٤).

ولعل فيما قدمت ما يوضح إمامة المازنى وخاصة فى علم التصريف ، وبدون ريب هو الذى نظّم قواعده ومسائله ، وهو الذى فصله عن النحو الذى كان مخلوطا به فى كتاب سيبويه ، وأقامه علما مستقلا بأبنيته وأقيسته وتمارينه الكثيرة التى ذلل بها شوارده ، ويسّرها للباحثين من بعده أمثال أبى على الفارسى وابن جنى ، وكأنما سخّرت له اللغة ليستتمّ صنيع الخليل وسيبويه فى صياغة قواعد التصريف

__________________

(١) الخصائص ٣ / ٧١.

(٢) الهمع ٢ / ١٨١ ، ١٨٧.

(٣) المفصل للزمخشرى (الطبعة الأولى بالقاهرة) ص ٢٣٥.

(٤) الخصائص ١ / ٢٢٥ ، ٣٥٧ والمنصف ١ / ٤١.

١٢١

صياغة تبنى على الضبط الدقيق ، وسلامة التطبيق. وعلى نحو ما كان إماما فى التصريف كان إماما فى النحو حتى ليقول المبرد : لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبى عثمان المازنى (١). والمبرد أشهر تلاميذه وأنبه نحاة البصرة من بعده. ولعل القارئ لاحظ أننا أسقطنا فى حديثنا عن نحاة النصف الأول من القرن الثالث الهجرى التّوّزى وأبا حاتم والزّيادى والرّياشى لأن اهتمامهم إنما انصب على رواية اللغة والشعر أكثر من انصبابه على النحو ، ولذلك قلما صادفتنا لهم آراء نحوية ، فهم بأن يكونوا لغويين أشبه منهم بأن يكونوا نحويين. وهذا نفسه يلاحظ فى تلاميذ الخليل سوى سيبويه ممن ذكرتهم كتب تراجم النحاة مثل النّضر بن شميل ومؤرّج بن عمرو السدوسى وعلى بن نصر الجهضمى والليث ابن نصر بن سيار ، فقد كانوا لغويين ، وقلما عنوا بمسائل النحو ومشاكله.

__________________

(١) إنباه الرواة ١ / ٢٤٨.

١٢٢

الفصل الخامس

المبرد وأصحابه

١

المبرد (١)

هو محمد بن يزيد الأزدى إمام نحاة البصرة لعصره ، ولد بها سنة ٢١٠ للهجرة ، وقيل سنة ٢٠٧ ، وقيل بل سنة ١٩٥ وأكبّ منذ نشأته على التزود من اللغة على أعلام عصره البصريين ، وشغف بالنحو والتصريف فلزم أبا عمر الجرمىّ يقرأ عليه كتاب سيبويه ، حتى إذا توفّى لزم أبا عثمان المازنى ، وتصدّر حلقته يقرأ عليه الكتاب ، والطلاب يسمعون قراءته. وبلغ من إعجاب المازنى بفطنته أن لقبه بالمبرّد بكسر الراء لحسن تثبته وتأتيه فى العلل ، وحوّر الكوفيون اللقب إلى المبرّد بفتح الراء عنتا له وسوء قصد. ويلمع اسمه وتطير شهرته ، فيستدعيه المتوكل ووزيره الفتح بن خاقان إلى «سرّ من رأى» سنة ٢٤٦ ليفتى الفتوى الصحيحة فى بعض المسائل اللغوية والنحوية ، ويجز لا له فى العطاء ، حتى إذا توفّيا سنة ٢٤٧ كتب محمد بن عبد الله بن طاهر صاحب شرطة بغداد يحثّ فى إشخاصه إليه ، ويقدم إلى بغداد ويلقى بها عصاه ، ويجرى عليه محمد بن عبد الله راتبا حتى إذا توفى تابع أخوه عبيد الله الذى خلفه على شرطة بغداد إجراء الرواتب عليه. وقد مضى يحاضر الطلاب ببغداد فى النحو

__________________

(١) انظر فى ترجمة المبرد أبا الطيب اللغوى ص ٨٣ والسيرافى ص ٩٦ والزبيدى ص ١٠٨ والفهرست ص ٩٣ والأنساب للسمعانى الورقة ١١٦ ونزهة الألباء ص ٢١٧ وتاريخ بغداد ٣ / ٣٨٠ وابن خلكان فى محمد بن يزيد ومعجم الأدباء ١٩ / ١١١ ومعجم الشعراء للمرزبانى ص ٤٤٩ وطبقات القراء ٢ / ٢٨٠ وإنباه الرواة ٣ / ٢٤١ واللباب فى الأنساب ١ / ١٩٧ ولسان الميزان ٥ / ٤٣٠ وشذرات الذهب ٢ / ١٩٠ ومرآة الجنان ٢ / ٢١٠ وبغية الوعاة ص ١١٦ والمزهر ٢ / ٤٢٧ والمبرد : حياته وآثاره لمحمد عبد الخالق عضيمة (نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة).

١٢٣

واللغة ، وسرعان ما اصطدم بثعلب زعيم مدرسة الكوفة لعصره ، وكثرت بينهما المناظرات ، وكتب له فيها دائما التفوق على صاحبه لقدرته على الجدل وإصابته للحجة وحسن بيانه ، مما جعل كثيرين من تلاميذ ثعلب يتحولون إلى حلقته ، يتقدمهم ختنه أبو على الدينورى. وما زال مفزع طلاب اللغة والنحو ببغداد حتى توفّى سنة ٢٨٥ وقيل سنة ٢٨٦.

والمبرد يعدّ ـ بحق ـ آخر أئمة المدرسة البصرية المهمين ، وقد ذكره ابن جنّى فقال : «يعدّ جيلا فى العلم ، وإليه أفضت مقالات أصحابنا (يريد البصريين) وهو الذى نقلها وقرّرها وأجرى الفروع والعلل والمقاييس عليها» (١) ويقول الأزهرى فى مقدمة معجمه «تهذيب اللغة» : «كان أعلم الناس بمذاهب البصريين فى النحو ومقاييسه». وله مصنفات كثيرة ، طبع منها نسب عدنان وقحطان ، وما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد ، وكتاب الفاضل وكتاب الكامل وهما نصوص أدبية عنى بشرح ما فيها من لغة ، وقد يعرض لبعض مسائل نحوية. وينشر له الآن بالقاهرة كتاب المقتضب فى النحو. وله وراء ذلك كتب نفيسة سقطت من يد الزمن ، من أهمها كتاب الاشتقاق وكتاب معانى القرآن وكتاب التصريف وكتاب المدخل إلى سيبويه وكتاب شرح شواهد الكتاب وكتاب معنى كتاب الأوسط للأخفش وكتاب إعراب القرآن. وكتب فى شبابه كتابا سماه الرد على سيبويه أو مسائل الغلط ، وفيه حاول أن يظهر مقدرته فى تخطئة إمام النحاة ، جامعا ملاحظات الأخفش وغيره فى هذا الصدد ، وكان يقول بعد أن تقدمت به السن : «إن هذا كتاب كنا عملناه فى أوان الشبيبة والحداثة» معتذرا بذلك عنه. ويقول ابن جنى : «أما ما تعقب به أبو العباس المبرد محمد ابن يزيد كتاب سيبويه فى المواضع التى سماها مسائل الغلط فقلما يلزم صاحب الكتاب إلا الشىء النّزر ، وهو أيضا مع قلته من كلام غير أبى العباس» (٢). وردّ ابن ولاد المصرى على ما أورده من هذه المسائل فى كتاب سماه الانتصار لسيبويه ، ومنه مخطوطة بدار الكتب المصرية.

__________________

(١) سر صناعة الإعراب ١ / ١٣٠.

(٢) الخصائص ٣ / ٢٨٧.

١٢٤

وإذا أخذنا نبحث فى الأصول التى كان يرجع إليها المبرد فى نثر آرائه النحوية والصرفية وجدناها نفس الأصول التى اعتمد عليها أئمة مدرسته من قبله ، فهو يعنى بالتعريف وبالعوامل والمعمولات وبالسماع والتعليل والقياس. أما التعريف فإنه يسوقه فى فاتحة كل باب من أبواب كتابه المقتضب ، من ذلك حده للاسم فى أوله وبيان العلامة التى تدل عليه ، يقول : «الاسم ما كان واقعا على معنى نحو رجل وفرس وزيد وعمرو وما أشبه ذلك ، ويعتبر الاسم بواحده ، وكل ما دخل عليه حرف من حروف الخفض فهو اسم ، فإن امتنع من ذلك فليس باسم».

ونجد له بعض آراء متناثرة فى العوامل ، من ذلك أنه ذهب فى أحد رأيين له فى نصب المستثنى فى مثل «قام القوم إلا زيدا» إلى أن «إلا» هى عاملة النصب فيه ، وذهب فى الرأى الثانى إلى أن العامل فعل أستثنى المفهوم من الكلام ، وكان سيبويه يرى أنه معمول للفعل السابق له المتعدى إليه بواسطة إلا (١). وكان يذهب إلى أن العامل فى النعت المنعوت وفى عطف البيان متبوعه وفى التوكيد المؤكد ، فكل متبوع ينصبّ على تابعه انصبابا (٢). وكان سيبويه يذهب إلى أن الواو التى يجرّ بعدها المبتدأ المنكر فى مثل :

وليل كموج البحر أرخى سدوله

علىّ بأنواع الهموم ليبتلى

إنما هى واو عطف ، والمبتدأ المنكر بعدها مثل «ليل» فى البيت مجرور برب المحذوفة ، ومن هنا سمّيت هذه الواو واو رب. وذهب المبرد إلى أنها ليست عاطفة ، بل هى حرف جر ، واحتج بأن الشعراء يفتتحون بها أحيانا قصائدهم كقول رؤبة فى مطلع إحدى قصائده : وقائم الأعماق خاوى المخترق (٣) ، مما يؤكد أنها غير عاطفة ، إذ لا يسبقها أحيانا شىء يمكن أن تعطف عليه (٤). وكان يرى أن كان الناقصة وأخواتها لا تدل على الحدث ، وإنما تدل على الزمان

__________________

(١) الإنصاف ص ١١٨ وسر صناعة الإعراب ١ / ١٤٦ والهمع ١ / ٢٢٤.

(٢) الهمع ٢ / ١١٥.

(٣) قاتم صفة لفلاة ، والأعماق : أطرافها.

(٤) المغنى ص ٤٠٠.

(٥) الهمع ١ / ١١٢.

١٢٥

فقط (٥) ، وكان يسمى اسمها فاعلا وخبرها مفعولا به ، ولعله كان يريد بذلك التشبيه متأثرا بصنيع سيبويه نفسه ، كما أسلفنا ، فى تحليل عبارتها (١). ومر بنا أن سيبويه كان يطلق على الحال اسم المفعول فيه ، إذ إن قولك جاء زيد ضاحكا أى فى حالة الضحك ، فهى مرتبطة بزمن الفعل مما يجعلها شبيهة بالمفعول فيه ، ومن هنا أطلق عليها المبرد اسم المفعول فيه ، وكأنها تنصب عنده نصب الظروف ، إذ الفعل يقع فيها على نحو ما يقع المجىء فى المثال السالف فى وقت الضحك ، بالضبط كما تقول جاء زيد اليوم ، فالمجىء ، واقع فى اليوم ، وبذلك كانت تشبه ظرف الزمان (٢). وكان سيبويه لا يجيز فى «حتى الجارة» أن تعمل فى مضمر ، وأجاز ذلك المبرد محتجّا بمثل قول الشاعر :

أتت حتّاك تقصد كلّ فجّ

ترجّى منك أنها لا تخيب

وذهب جمهور البصريين إلى أن ذلك ضرورة ولا يقاس عليه (٣). وكان سيبويه يذهب إلى أنه إذا ولى كلمة «لو» أن المفتوحة الهمزة المشددة النون مثل «لو أنك قمت» أعربت أن وما بعدها فى تأويل مصدر مبتدأ مثل تالى لولا ، فى نحو «لولا زيد لجئت» ، ومثله أيضا فى أن الخبر محذوف لا يجوز إظهاره ، وذهب المبرد مع الكوفيين إلى أنه فاعل بفعل مقدر تقديره ثبت (٤). ومرّ بنا أن سيبويه كان يذهب فى مثل عساك وعساه وقول الشاعر : «فقلت عساها نار كأس وعلّها» برفع نار إلى أن عمل عسى عكس فنصبت اسمها ورفعت خبرها حملا على لعل ، بينما كان يذهب الأخفش إلى أنها لا تزال فى المثال ببابها ترفع الاسم وتنصب الخبر ، وكل ما فى الأمر أنه تجوّز فى الضمير ، فجعل مكان ضمير الرفع ضمير النصب ومحله محل رفع نيابة عن الضمير المرفوع الذى كان ينبغى أن يحل محله ، كما ناب ضمير الجر عن ضمير الرفع فى لولاك ولولاه وفى مثل أنا كأنت. وذهب المبرد إلى أن الإسناد أو بعبارة أدق الإعراب قلب ، فجعل المخبر عنه خبرا والخبر مخبرا عنه (٥). وكان سيبويه يذهب إلى أن المفعول معه لا ينصبه العامل المعنوى ،

__________________

(١) الهمع ١ / ١١١.

(٢) المبرد : حياته وآثاره ص ١١٧.

(٣) المغنى ص ١٣١.

(٤) المغنى ص ٢٩٩ والهمع ١ / ١٣٨.

(٥) المغنى ص ١٦٥ والهمع ١ / ١٣٢.

١٢٦

وإنما ينصبه عامل لفظى ، ولذلك قدر فى صيغتيه المسموعتين : «ما أنت وزيدا» و «كيف أنت وزيدا» أنهما على تقدير «ما كنت وزيدا» و «كيف تكون وزيدا» وذهب المبرد إلى أنه يجوز فى العبارتين تقدير كان التامة ماضية أو مستقبلة ، أى لا داعى للتقيد فى المثال الأول بكان الماضية وفى المثال الثانى بتكون المستقبلة. ورد ابن ولاد على المبرد فقال إنه لا يجوز إلا ما قدّره سيبويه لأن ما فى المثال الأول دخلها معنى التحقير والإنكار ، فهو إنما يقال لمن أنكر على شخص مخالطة زيد أو ملابسته ، ولا ينكر إلا ما ثبت واستقر ، أما ما لم يثبت ولم يستقر فليس محلا لإنكار ، وأما كيف فعلى بابها من الاستفهام ، والمعنى كيف تكون إذا وقعت ملابستك لزيد فى المستقبل (١).

وعلى نحو ما تكثر آراؤه فى العوامل المحذوفة والمضمرة والملفوظة تكثر آراؤه فى المعمولات ، من ذلك أن الأخفش كان يجوّز فى «غير» فى مثل «أخذت عشرة كتب ليس غير» الرفع والنصب مع حذف التنوين لانتظار المضاف إليه ، أى أنه كان يرى أنها معربة وليست مبنية ، وعلى الرفع يكون خبر ليس محذوفا وعلى النصب يكون اسمها مضمرا ، أى ليس المأخوذ غير ذلك فى المثال المذكور. وأبى المبرد إلا رفع غير على أن رفعها ضمة بناء لا إعراب ، وأن غير شبّهت بقبل وبعد ، وعلى هذا يحتمل أن تكون اسما لليس أو خبرا لها ، أى على حذف الخبر أو على إضمار الاسم فى ليس (٢). وكان الأخفش يذهب ـ كما مر بنا ـ إلى أن مذ ومنذ حين يليهما اسم مرفوع مثل مذيوم الخميس ومنذ يومان يكونان ظرفين مخبر بهما عما بعدهما ، وذهب المبرد إلى أنهما فى المثالين المذكورين مبتدآن وما بعدهما خبر ، ومعناهما الأمد إن كان الزمان حاضرا أو معدودا وأول المدة إن كان ماضيا (٣). وكان جمهور البصريين يذهب قبله إلى أن اسم لا النافية للجنس إذا كان مثنى أو جمع مذكر ركّب معها وبنى ، كما بنى مفردها ، وذهب المبرد إلى أن اسمها حينئذ يكون معربا لأنه لم يعهد فيهما التركيب مع شىء آخر ، وقال إنه لا يوجد فى كلام العرب مثنى وجمع مبنيان ، ونقض

__________________

(١) الهمع ١ / ٢٢١.

(٢) المغنى ص ١٧١ والهمع ١ / ٢١٠.

(٣) المغنى ص ٣٧٣.

١٢٧

قوله بأنهما يبنيان فى النداء (١). ومر بنا أن سيبويه ذهب إلى أن فاعل خلا وعدا إذا نصبا ما بعدهما فى الاستثناء ضمير مستكن فى الفعل لا يبرز ، عائد على البعض المفهوم من الكلام ، ولذلك لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث لأنه عائد على مفرد مذكر ، والتقدير فى مثل قام القوم خلا زيدا خلا هو أى بعضهم زيدا ، وذهب المبرد إلى أنه عائد على «من» المفهوم من معنى الكلام المتقدم ، فإذا قلت قام القوم علم المخاطب وحصل فى نفسه أن زيدا بعض من قام ، فإذا قلت عدا زيدا كان التقدير عدا هو أى عدا من قام زيدا (٢). وكان سيبويه يذهب إلى أنه لا يجوز الجمع بين فاعل نعم وبئس وتمييزه ، فلا يقال نعم الرجل رجلا محمد ، وذهب المبرد إلى جواز ذلك ، لوروده فى أشعار العرب مثل :

تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزّاد زاد أبيك زادا

وقول آخر :

نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت

ردّ التحية نطقا أو بإيماء

وقيل إن زادا فى البيت الأول إنما هى معمولة لتزوّد فى أول البيت ، وهى إما مفعول مطلق إن أريد بها التزود ، وإما مفعول به إن أريد بها الشىء الذى يتزوده من أعمال البرّ. وقيل إن فتاة فى البيت الثانى حال مؤكدة (٣). ورأى المبرد أدق وأصح. ومرّ بنا أن سيبويه كان يعرب ركضا فى مثل جاء ركضا حال مؤول بالمشتق ، فتأويله راكضا ، وكان الأخفش يعربه مفعولا مطلقا لفعل محذوف من صيغته أى جاء يركض ركضا ، أما المبرد فكان يعربه مفعولا مطلقا دالا على نوع الفعل أى دون حاجة إلى تقدير فعل عامل فيه كما ذهب الأخفش (٤). وكان سيبويه يرى أن إذما الشرطية حرف مثل إن ، أما هو فكان يراها ظرفا مثل إذ وإذا (٥). وذهب الأخفش ـ كما قدمنا فى غير هذا الموضع ـ إلى أن إذا الفجائية حرف ، وذهب المبرد إلى أنها ظرف مكان ، وتكون خبرا

__________________

(١) الهمع ١ / ١٤٦.

(٢) الهمع ١ / ٦٢.

(٣) المغنى ص ٥١٦ والهمع ١ / ٨٦.

(٤) الهمع ١ / ٢٣٨.

(٥) المغنى ص ٩٢.

١٢٨

مقدما فى مثل خرجت فإذا محمد ، وفى «مثل خرجت فإذا محمد ، وفى «مثل خرجت فإذا محمد جالس» تكون منصوبة بجالس (١). وقد ذكرنا أن ما بعدها مبتدأ فى رأى الأخفش خبره محذوف. وكان سيبويه يعرب حقّا فى مثل «أحقّا أنك ذاهب» مفعول فيه منصوب على الظرفية ، وهو خبر مقدم وأن وما بعدها مؤولان بمصدر مبتدأ ، فالتقدير أفى الحق ذهابك ، وكان المبرد يعرب حقّا مفعولا مطلقا حذف فعله أى حقّ حقّا ، وأن وصلتها فاعل (٢). وكان سيبويه يذهب إلى أن «ما» حين تدخل على قلّ ونحوها مثل كثر وطال تكفها عن العمل ، ولا يليها حينئذ إلا الفعل مثل قلما يكتب ، فأما قول المرّار :

صددت فأطولت الصدود وقلما

وصال على طول الصدود يدوم

فقال فيه إنها دخلت على اسم ضرورة وهو فاعل لفعل محذوف مفسّر والتقدير يدوم ، وذهب المبرد إلى أن ما فى قلما زائدة وهى لا تكفها عن العمل ، فوصال فاعل لقلما (٣). وكان يذهب إلى جواز دخول لام الابتداء على خبر إن ومعموله إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا ، مثل إن زيدا لبك لوائق ، وإنك لبحمد الله لناجح (٤) ، والتكلف واضح فى مثل هذا الأسلوب. وكان الجمهور لا يجوّز دخول لام الابتداء على خبر أن المفتوحة الهمزة وجوّزه المبرد معتمدا على ما جاء فى بعض القراءات للآية الكريمة : (ألا أنهم ليأكلون) بفتح الهمزة ، وخرّج الجمهور ذلك على الزيادة أو على شذوذ القراءة (٥). وكان لا يجيز ترخيم النكرة غير المقصودة مثل شجرة ونخلة ، أما إن كانت مقصودة فلا بأس من ترخيمها فى رأيه كقول بعض الشعراء : «يا ناق سيرى عنقا فسيحا» (٦). ومرّ بنا أن الخليل كان يرى أن الميم فى لفظ الجلالة «اللهم» عوض عن ياء النداء ، وكان يذهب هو وسيبويه إلى أن فاطر السموات والأرض فى قوله جلّ وعزّ : (اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) على نداء آخر أى يا فاطر السموات والأرض ، وذهب المبرد

__________________

(١) المغنى ص ٩٢.

(٢) المغنى ص ٥٦.

(٣) المغنى ص ٣٣٩ وما بعدها.

(٤) الهمع ١ / ١٣٩.

(٥) الهمع ١ / ١٤٠.

(٦) الهمع ١ / ١٨٢.

١٢٩

إلى جواز وصف اللهم بمرفوع على اللفظ أو بمنصوب على المحل وجعل (فاطر) نعتا للفظ الجلالة (١). وكان سيبويه يذهب إلى أن الخبر إذا كان مصدرا مكررا أو محصورا نصب على تقدير أنه مفعول مطلق لفعل محذوف هو الخبر ، فمثل «أنت سيرا سيرا» و «ما أنت إلا سيرا» تقديرهما أنت تسير سيرا سيرا وما أنت إلا تسير سيرا. وجوّز المبرد فى الصورتين الرفع على الخبرية ، فتقول أنت سير سير وما أنت إلا سير (٢). ومرّ بنا أن أبا عمر الجرمى كان يمنع إجراء التنازع فى الأفعال المتعدية إلى مفعولين أو ثلاثة لعدم مجىء ذلك عن العرب ، ولأنه يؤدى إلى صور معقدة ، ونجد المبرد يفتح لهذه الصور فصولا فى كتابه المقتضب عارضا طائفة شديدة التعقيد منها مثل أعطيت وأعطانيه زيدا درهما وظننت وظننته زيدا شاخصا (٣) وكان سيبويه يفضل نصب المضارع حين يعطف على اسم صريح ، كقول من قالت :

للبس عباءة وتقرّ عينى

أحبّ إلىّ من لبس الشّفوف

والفعل فى هذه الحالة منصوب بأن مضمرة ويجوز فيه الرفع وهو مرجوح فى رأى سيبويه ، وراجح فى رأى المبرد (٤). وعرض سيبويه فى باب الاشتغال هذه الصورة : «أأنت عبد الله ضربته» واختار فيها رفع عبد الله ، لأنه فصل بين الاستفهام وعبد الله بلفظة أنت ، وجوّز النصب. واختار المبرد مع الأخفش فى هذا المثال النصب ، لأن همزة الاستفهام يحسن أن يليها فعل ، وهو مسلط على أنت وعلى عبد الله معا ، لذلك يحسن فى رأيهما نصب عبد الله (٥).

__________________

(١) الهمع ١ / ١٧٨.

(٢) الهمع ١ / ١٩٣.

(٣) انظر كتاب الرد على النحاة لابن مضاء القرطبى (طبع دار الفكر العربى) ص ١١٢ وقابل بالمجلد الثالث من المقتضب المخطوط بجامعة القاهرة الورقة ٤٨ ، ٤٩.

(٤) انظر فى ذلك الكتاب ١ / ٤٢٦ والمقتضب ، المجلد الثانى ، الورقة ١٥٤ والرد على النحاة ص ١٥٠.

(٥) راجع الكتاب ١ / ٥٤ والرد على النحاة ص ١٢٨ والهمع ٢ / ١١٣.

١٣٠

وكان المبرد يعنى بالسماع عناية شديدة ، ومضى فى إثر أستاذه المازنى لا يرتضى بعض القراءات الشاذة ، ما دامت لا تطرد مع قواعده النحوية. وتشدّد مثل سالفيه فى قبول الرواية عن العرب ، وكان يطعن فى رواية بعض الأشعار المأثورة ما دامت لا تستقيم مع مقاييسه ، حتى لو وردت عند سيبويه ، فقد استشهد على تسكين المضارع فى الضرورة الشعرية بقول امرئ القيس (١) :

فاليوم أشرب غير مستحقب

إثما من الله ولا واغل

وقال المبرد : ليست هذه هى الرواية الصحيحة للبيت إنما روايته الصحيحة فى مطلعه هى : «فاليوم فاشرب» وإذن يكون سكون الفعل طبيعيّا لأنه فعل أمر ، ويقول ابن جنى معنفا له : «اعتراض أبى العباس فى هذا الموضع إنما هو رد للرواية وتحكم على السماع بالشهوة مجردة من النصفة ، ونفسه ظلم لا من جعله خصمه» (٢). وروى سيبويه والأخفش عن العرب قولهم : لولاك ولولاه ، كما أسلفنا ، ورفض المبرد روايتهما وما جاء عن بعض الشعراء من مثل : «لولاك هذا العام لم أحجج» ، محتجّا بمثل قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) أى أنه كان يحتم أن يليها الضمير مرفوعا (٣).

وكان يحاول دائما أن يسند آراءه بالعلل ، فلا بد لكل رأى من علة تبرّره ، وكان يتسع فى ذلك سعة جعلته يعمّمه فيما لا حاجة للنطق به ، من ذلك تعليله لمجىء الإعراب فى آخر الكلم دون أوائلها وأواسطها ، يقول : «لم يجعل الإعراب أولا ، لأن الأول تلزمه الحركة ضرورة للابتداء ، لأنه لا يبتدأ إلا بمتحرك ، ولا يوقف إلا على ساكن فلما كانت الحركة تلزمه لم تدخل عليه حركة الإعراب ، لأن الحركتين لا تجتمعان فى حرف واحد. ولما فات وقوعه أولا لم يمكن أن يجعل وسطا ، لأن أوساط الأسماء مختلفة لأنها تكون ثلاثية ورباعية وخماسية وسباعية ، فأوساطها مختلفة ، فلما فات ذلك جعل آخرا بعد كمال الاسم ببنائه وحركاته» (٤). وكان يعلل تسكين الفعل فى مثل ضربن

__________________

(١) الكتاب ٢ / ٢٩٧.

(٢) الخصائص ١ / ٧٢ والخزانة ٢ / ٢٧٩ ، ٣ / ٥٣٠.

(٣) الإنصاف ص ٢٨٥ والمغنى ص ٣٠٣ وانظر تقريرات السيرافى على طبعة بولاق من كتاب سيبويه ١ / ٣٨٨.

(٤) الزجاجى ص ٧٦.

١٣١

ويضربن بأنه لو لم يسكّن لاجتمع أربع متحركات ، إذ الفعل والفاعل كالشىء الواحد. وفى الوقت نفسه علل لتحرك نون النسوة المتصلة بالفعل بأنها لو لم تحرّك لاجتمع ساكنان ، وكأن سكون ما قبلها سبب حركتها (١). وعلّل لبناء «الآن» على الفتح بمصاحبة أداة التعريف لها دائما ، مع أنها فى أخواتها من الظروف قد توجد وقد لا توجد أى أنها لا تلزمها هذا اللزوم فى «الآن» مما جعلها تبنى بسبب ذلك (٢). وكان يجمع مثل مقعنسس على قعاسس معتلا بأن السين أشبه بالحرف الأصلى فى الكلمة لأنها من قعس ، فلذلك كان ينبغى أن تظل لا أن تحذف وتذكر الميم على نحو ما صنع سيبويه. إذ جمعها على مقاعس(٣). وكان سيبويه يصغر إبراهيم وإسماعيل على بريهيم وسميعيل ، وصغرهما المبرد على أبيريه وأسيميع ، لأن الهمزة أصلية وليست زائدة ، لأنها لا تزيد أولا إلا وبعدها أربعة أحرف ، أما الميم فإنها تحذف لأنها آخر الكلمة ، وآخر الكلمة يحذف كثيرا فى الخماسى حين يصغّر كتصغير سفرجل على سفيريج. (٤) وكان يعلل لوقف العرب على الكلمات ونقل حركتها إلى ما قبلها ، إذ يقولون قام عمر بنقل حركة الراء إلى ميم عمرو السابقة لها كما يقولون مررت ببكر بكسر الكاف والوقف على الراء ، بأن ذلك للدلالة على الحركة المحذوفة فى آخر الكلمة (٥).

وكان يحتكم دائما إلى القياس ولكنه لم يكن يقدمه على السماع عن العرب ، بحيث يرفض ما ورد على ألسنتهم أو قل على أكثر ألسنتهم ، فقد كان يردّ ما يخالف الكثرة الكثيرة الدائرة فى أفواههم ، ولكن حين لا توجد هذه الكثرة كان يفسح للقياس ، وكذلك كان يفسح له حين يشيع استعمال بين العرب. وليس معنى ذلك أنه كان يقيس على الشاذ والنادر ، إنما كان يقيس على ما سمع كثيرا قائلا : «إذا جعلت النوادر والشواذ غرضك واعتمدت عليها فى مقاييسك كثرت زلّاتك» (٦). فمن ذلك أن العرب كثر على لسانهم استعمال صيغة فعّال مستغنين بها عن ياء النسب كخبّاز وبزّاز وقزّاز وسقّاء وبنّاء وزجّاج وبقّال

__________________

(١) ابن مضاء ص ٥٩.

(٢) الإنصاف ص ٢١٣.

(٣) الهمع ٢ / ١٨١.

(٤) الهمع ٢ / ١٩٢.

(٥) الهمع ٢ / ٢٠٨.

(٦) الأشباه والنظائر للسيوطى ٣ / ٤٩.

١٣٢

وخيّاط ونجّار ولبّان ، وكذلك استعمال صيغة فاعل كحائك وشاعر أى ذى شعر وفارس أى ذى فرس وطاعم أى ذى طعام. وقال سيبويه إن الصيغتين فى النسب موقوفتان على السماع ، ولا يقاس عليهما شىء وإن كان قد كثر فى كلامهم فلا يقال لصاحب البرّ برّار ولا لصاحب الشعير شعار ولا لصاحب الدقيق دقّاق ولا لصاحب الفاكهة فكّاه. وقاس المبرد الصيغتين جميعا محتجّا بأن ذلك فى كلام العرب أكثر من أن يحصى أو يستقصى (١). ومرّ بنا أنه جاء عن العرب كثيرا فى النسبة إلى فعيل وفعيل حذف الياء مثل ثقيف وثقفى وقريش وقرشى وهذيل وهذلى ، وعلى الرغم من كثرة ذلك قال سيبويه إن هذا الصنيع لا يقاس عليه إذ القياس فى رأيه أن تثبت الياء فى الصيغتين ، فيقال ثقيفى وهذيلى ، وقاسه المبرد لأنه هو الذى كثر عن العرب (٢). والقياس فى فعيلة فى النسب أن تحذف الياء ، فيقال فى النسبة إلى بنى حنيفة حنفى وإلى بنى ربيعة ربعى. وقال سيبويه إن حكم فعولة فى النسب حكم فعيلة ، فتسقط الواو منها كما سقطت الياء فى أختها ، فيقال فى بنى شنوءة شنئى ، وخالفه المبرد ، فقال بل ينسب إليها على لفظها فيقال شنوئى ، لأن الياء إنما حذفت فى فعيلة تخفيفا بسبب كثرة الياء والكسرات فيها إذا أبقيت على لفظها ، فقيل مثلا فى حنيفة حنيفى ، وقال : مما يدل على ذلك دلالة واضحة أنهم نسبوا إلى على «علوى» فحذفوا ياء وقلبوا الثانية واوا خشية الثقل فى النطق ، وهو ما لا يوجد فى فعولة وموزوناتها ، ويوضح ذلك أيضا أن العرب حين نسبت إلى مثل نمر المكسور العين فتحوها فقالوا نمرى بفتح الميم ، ولكنهم لما نسبوا إلى مثل سمرة بضم الميم أى شجرة لم يغيروا حركة الحرف الثانى. وعلى نحو ما خالفت الكسرة الضمة فى نمر سمرة كذلك ينبغى أن تخالف الواو فى فعولة الياء فى فعيلة ، فلا تحذف ، لفقدان علة الحذف ، وهى استثقالهم اجتماع المتجانسات أو بعبارة أخرى الكسرات والياءات (٣).

وفيما قدمنا ما يدل على أن المبرد لم يكن يقدم القياس على السماع ، فالأساس

__________________

(١) الهمع ٢ / ١٩٨.

(٢) الهمع ٢ / ١٩٥.

(٣) ابن يعيش ٥ / ١٤٦ وما بعدها.

١٣٣

عنده السماع أولا ، إذ القياس إنما يستمدّ منه ، ويعتمد عليه ، من ذلك أن القياس فى صيغة مفعول أن تحذف واوها إذا كانت مشتقة من فعل أجوف مثل مقول ، ولكن سمع عن بنى تميم كثيرا إثبات الواو فى الصيغة ، مثل مقوول ومصوون فجعل المبرد ذلك قياسا مطّردا ، فيقال مبيوع على نحو ما يشيع فى العامية المصرية (١). ونراه دقيقا فى استنباط القاعدة المقيسة ، يشهد لذلك حكمه باطراد القياس فى باب المفعول معه فى كل صيغة يكون فيها ما قبل الواو سببا فى تاليها مثل جاء الشتاء وملابس الصوف ، فالشتاء سبب فى استخدام ملابس الصوف ، ولذلك تنصب الملابس مفعولا معه ، ولا تعطف (٢). وكان يعنى كثيرا بقياس الشبه على نحو ما يلقانا عنده فى منع تقدم خبر ليس الناقصة الجامدة عليها قياسا على فعل التعجب وأنه لا يصح تقدم معموله عليه ، وكذلك الأفعال الجامدة : عسى وبئس ونعم ، فكلها لا تتقدمها معمولاتها لعدم تصرفها (٣). وتدل كتابات المبرد المختلفة على أنه كان دقيق الحس اللغوى دقة شديدة ، فأودع كتبه ومصنفاته كثيرا من الملاحظات اللغوية والتعبيرية التى تدل على رهافة حسّه ، من ذلك أنه كان يرى أن عبارة «عبد الله قائم» تستخدم فى موطن لا تستخدم فيه عبارتا «إن عبد الله قائم» و «إن عبد الله لقائم» ، فالعبارة الأولى تعبر عن مجرد الإخبار بقيام عبد الله ، بينما العبارة الثانية تستخدم للإجابة على سؤال سائل تأكيدا له ، أما العبارة الثالثة فتستخدم فى خطاب من ينكر قيام زيد ويبالغ فى إنكاره ، ومن أجل ذلك تؤكد له العبارة بمؤكّدين (٤). وسئل عن الفرق بين العبارتين : «ضربت زيدا» ، و «زيد ضربته» فقال : إنك إذا قلت ضربت زيدا ، فإنما أردت أن تخبر عن نفسك وتثبت أين وقع فعلك ، وإذا قلت زيد ضربته فإنما أردت أن تخبر عن زيد.

وإذا كنا ميّزنا فى تلاميذ الأخفش وسيبويه وأصحابهما بين من عنى منهم باللغة وبين من عنى منهم بالنحو والتصريف فكذلك الشأن فى تلاميذ المبرد ، وممن اشتهروا منهم فى المباحث اللغوية أبو بكر بن دريد ، واشتهر

__________________

(١) الهمع ٢ / ٢٢٤.

(٢) الهمع ١ / ٢١٩.

(٣) الخصائص ١ / ١٨٨ والإنصاف ص ٧٣ والهمع ١ / ١١٧.

(٤) دلائل الإعجاز للجرجانى (طبع مطبعة السعادة) ص ٢٢١.

١٣٤

ابن درستويه بالمباحث الصرفية ، بينما اشتهر بالمباحث النحوية الأخفش الصغير على بن سليمان المتوفى سنة ٣١٥ ومحمد بن على المعروف باسم مبرمان المتوفّى سنة ٣٢٦ ، وأشهر منهما فى تلك المباحث الزجّاج وأبو بكر بن السّراج اللذان انتهت إليهما الرياسة فى النحو البصرى والإمامة فيه بعد المبرد ، ونبغ من تلاميذ ابن السراج السيرافى ، وبه تنتهى المدرسة البصرية ، ولعل من الخير أن نخصّ كل واحد من هؤلاء الثلاثة الأخيرين بطرف من الحديث.

٢

الزجاج (١)

هو أبو اسحق إبراهيم بن السّرىّ بن سهل ، وكان فى حداثته يخرط الزجاج فنسب إليه ، ورغب فى درس النحو ، فلزم المبرد وكان يعلّم مجانا ، فجعل له على نفسه درهما كل يوم أجرة على تعليمه ، وظل يؤديه إليه طوال حياته. وحسن رأى المبرد فيه ، حتى كان من يريد أن يقرأ عليه شيئا من كتاب سيبويه أو غيره يأمره بأن يعرض على الزجاج أولا ما يريد قراءته.

والتمس منه بعض ذوى الوجاهة معلما لأولادهم ، فأسماه لهم ، ولم يلبث عبيد الله بن سليمان وزير الخليفة المعتضد أن طلب منه معلما لابنه القاسم ، فقدمه إليه ، ولما وزر القاسم بعد أبيه اتخذه كاتبا له فأقبلت الدنيا عليه ، وأصبح من جلساء الخلفاء ومن تجرى عليهم رواتبهم. وظلّ فى عيشة رخيّة حتى توفى سنة ٣١٠ للهجرة. وله مصنفات مختلفة منها كتاب شرح أبيات سيبويه ومختصر فى النحو وكتاب الاشتقاق وكتاب ما ينصرف وما لا ينصرف وكتاب فعلت وأفعلت وكتاب معانى القرآن وكتاب القوافى وكتاب فى العروض.

__________________

(١) انظر فى ترجمة الزجاج السيرافى ص ١٠٨ ونزهة الألباء ص ٢٤٤ وابن خلكان فى إبراهيم وتاريخ بغداد ٦ / ٨٩ والأنساب الورقة ٢٧٢ ومقدمة تهذيب اللغة للأزهرى والفهرست ص ٩٦ والزبيدى ص ١٢١ ومعجم الأدباء ١ / ١٣٠ وإنباه الرواة ١ / ١٥٩ واللباب ١ / ٣٩٧ وتهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٧٠ وشذرات الذهب ٢ / ٢٥٩ وبغية الوعاة ص ١٧٩.

١٣٥

وله آراء مختلفة تدور فى كتب النحو ، منها ما يتصل بالعوامل ومنها ما يتصل بالتعليل ، ومنها ما يتصل ببعض الأدوات ، ومنها ما يتصل ببعض مسائل نحوية صرفية. فأما ما يتصل بالعوامل فمنها أنه كان يرى أن الفعل المضارع لا يدل على الحال والاستقبال كما ذهب إلى ذلك سيبويه وجمهور النحاة ، إنما يدل على الاستقبال فقط ، لأن اللحظة الحالية التى ننطق فيها بكلمة يكتب بمجرد أن ننطق بها تصبح ماضية (١). وكان يجوّز عمل لعل وكأنّ إذا اتصلت بهما ما الزائدة فى مثل لعلما محمدا قادم وكأنما محمدا شاعر (٢). وكان الخليل وسيبويه يذهبان إلى أن كأن مركبة من الكاف وأن ، وزعم الزجاج أن الكاف فيها جارة غير زائدة ، ومن أجل ذلك قدّر فيها التعلق ، فقال إنها اسم بمنزلة مثل ، وقدّرها مبتدأ محذوف الخبر وما بعدها فى تقدير مصدر مضاف إليها ، فمثل كأن محمدا أخوك تقديره عنده مثل أخوة محمد إياك موجودة. وهو بعد واضح فى التقدير (٣). وكان سيبويه يذهب إلى أن ناصب المفعول له الفعل السابق له ، لأنه علة لمضمونه ولذلك كان الأصل أن يجر باللام مثل قمت للأدب ، فتحذف اللام وأداة التعريف ويقال قمت أدبا ، وذهب الزجاج إلى أنه صورة من صور المفعول المطلق لبيان النوع ، كأنك قلت فى المثال السابق ، تأدبت بالقيام ، فالتأديب مجمل والقيام بيان له ، كأنك قلت تأدبت بالقيام أدبا ، ومن هنا قال إن المفعول له مفعول مطلق منتصب بفعل مضمر من لفظه جعل عوضا منه ، ولذلك لا يظهر (٤). وكان الجمهور يذهب إلى أن عامل المفعول معه الفعل أو معناه بتوسط الواو ، وذهب الأخفش كما مر بنا إلى أنه منصوب على الظرفية ، وذهب الزجاج إلى أنه منصوب بفعل مضمر بعد الواو ، فمثل «استيقظ وطلوع الفجر» تقديره عنده استيقظ ولابس طلوع الفجر ، وما أشبه ذلك ، لأن الفعل فى رأيه يعمل فى المفعول وبينهما الواو (٥) ، وكأنما فاته أنه يعمل فى المعطوف وبينهما الواو فى مثل أقبل محمد وعلى. ومعروف أن تمييزكم الاستفهامية يجوز

__________________

(١) الهمع ١ / ٧.

(٢) الهمع ١ / ١٤٣.

(٣) المغنى ص ٢٠٩ والهمع ١ / ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٤) الرضى على الكافية ١ / ١٧٥ والهمع ١ / ١٩٥.

(٥) الرضى على الكافية ١ / ١٧٨ والإنصاف ص ١١٠ وأسرار العربية ص ١٨٣ والهمع ١ / ٢٢٠.

١٣٦

جره إذا سبقها حرف جر مثل «على كم معلم درست» ، وذهب الجمهور إلى أن التمييز مجرور حينئذ بمن مقدرة حذفت تخفيفا ، اتفق فى ذلك سيبويه والبصريون والكوفيون ، وذهب الزجاج إلى أنه مجرور بالإضافة إلى كم فهى العاملة فيه ، لا من المضمرة (١).

وكان يعنى بالتعليل سواء فى المسائل النظرية أو العملية ، من ذلك استدلاله على صحة مذهب أصحابه البصريين فى أن المصدر هو الأصل وأن الفعل مشتق منه ، يقول : «لو كان المصدر بعد الفعل وكان مأخوذا منه لوجب أن يكون لكل مصدر فعل قد أخذ منه لا محيص عن ذلك ولا مهرب منه ، فلما رأينا فى كلام العرب مصادر كثيرة لا أفعال لها ألبته مثل العبودية والرجولية والبنوة والأمومة والأموّة (من الأمة) وما أشبه ذلك مما يطول تعداده من المصادر التى لم تؤخذ من الأفعال ، ورأينا فى كلامها أيضا مصادر جارية على غير ألفاظ أفعالها نحو الكرامة والعطاء (يقصد أسماء المصادر) وما أشبه ذلك علمنا أنه ليست الأفعال أصولا للمصادر ، إذ كانت المصادر توجد بغير أفعال ، وعلمنا أن المصادر هى الأصول ، فمنها ما أخذ منه فعل ، ومنها ما لم يؤخذ منه فعل ، وهذا بيّن واضح» (٢). وكان يعلّل لرفع الفاعل ونصب المفعول بقوله : «أنما فعل ذلك للفرق بينهما ، ثم سأل نفسه فقال : فإن قيل : فهل عكست الحال فكانت فرقا أيضا؟قيل : الذى فعلوه أحزم ، وذلك أن الفعل لا يكون له أكثر من فاعل واحد ، وقد يكون له مفعولات كثيرة ، فرفع الفاعل لقلته ونصب المفعول لكثرته ، وذلك ليقلّ فى كلامهم ما يستثقلون ويكثر فى كلامهم ما يستخفون» (٣). وكان يعلل لعدم استخدام العرب صيغة «ما زال زيد إلا قائما» بأنها نفى للنفى يفضى إلى الإيجاب ، فامتنعوا من ذلك (٤). وكان المبرد يذهب ، كما مرّ بنا ، فى تعليل بناء الآن باقترانها دائما بأداة التعريف دون أخواتها ، وذهب الزجاج إلى أنها بنيت لتضمنها معنى الإشارة ، لأن معناها هذا الوقت (٥). وكان الجمهور يذهب إلى أن المثنى فى مثل الزيدان والزيدين معرب ، وذهب الزجاج إلى أنه

__________________

(١) الهمع ١ / ٢٥٤.

(٢) الزجاجى ص ٥٨.

(٣) الخصائص ١ / ٤٩ والمنصف ١ / ١٩٠.

(٤) الخصائص ٣ / ٢٤١.

(٥) الهمع ١ / ٢٠٧.

١٣٧

مبنىّ لتضمنه معنى الحرف ، وهو العاطف ، إذ أصل قام الزيدان قام زيد وزيد ، وكأنه بنى لنفس العلة التى بنيت لها الأعداد المركبة مثل ثلاثة عشر (١).

وكان يخالف جمهور البصريين فى مسائل نحوية وصرفية كثيرة ، من ذلك أن الجمهور كان يرى أن نون المثنى والجمع عوض عن التنوين فى المفرد ، وذهب الزجاج إلى أنها عوض عن حركة الإعراب فى المفرد (٢). وذهب جمهور البصريين إلى أن «هو وهى» أصلان ، فالضمير فى كل منهما مجموع الحرفين ، وذهب الزجاج إلى أن الضمير فيهما الهاء فقط والواو والياء زائدتان لحذفهما فى مثل هما وهم وهن ، وحذفهما أيضا فى المفرد فى بعض لغات الأعراب كقول بعضهم : «دار لسعدى إذه من هواكا» (٣). وذهب الجمهور إلى أن أيمن فى مثل أيمن الله مرفوعة بالابتداء وخبرها محذوف ، وذهب الزجاج إلى أنها حرف جرّ وقسم (٤). ومرّ بنا أن الأخفش كان يرى أن إذا الفجائية حرف ، ورأى المبرد أنها ظرف مكان ، وذهب الزجاج إلى أنها ظرف زمان ، ولذلك منع أن تكون خبرا لما بعدها فى مثل «خرجت فإذا محمد» ، بل الخبر محذوف ، لأن الزمان لا يخبر به عن الجثة (٥). وذهب الجمهور إلى أن جواب لو حين يكون جملة اسمية مثل : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) محذوف وتقديره لأثيبوا ، أما (لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) فجواب قسم تقديره والله لمثوبة وقال الزجاج بل الجملة جواب لو واللام الداخلة عليها ليست لام قسم إنما هى اللام التى تدخل عادة فى جواب لو (٦). وكان الجمهور قبله يعرب الرجل فى مثل مررت بهذا الرجل نعتا ، لمجىء ذلك ، على لسان سيبويه وكأنهم لم يلاحظوا ما سبق أن قلناه من أنه قد يسمّى التوكيد وعطف البيان صفة ، وتنبه لذلك الزجاج ، فأعرب الرجل فى المثال المذكور عطف بيان لا نعتا (٧) ومرّ بنا أن المازنى كان يذهب إلى أن الفاء فى مثل «خرجت فإذا محمد» زائدة ، وذهب الزجاج إلى أنها للسببية المحضة (٨). وكان الجمهور يمنع تقديم المستثنى على فعله ، فلا يقال «إلا زيدا قام القوم» وجوّز ذلك الزجاج

__________________

(١) الهمع ١ / ١٩.

(٢) الهمع ١ / ٤٨.

(٣) الهمع ١ / ٦١.

(٤) المغنى ص ١٠٥ والهمع ٢ / ٤٠.

(٥) المغنى ص ٩٢ وما بعدها والهمع ١ / ٢٠٧.

(٦) الهمع ٢ / ٦٦.

(٧) المغنى ص ٦٣١.

(٨) المغنى ص ١٨٠.

١٣٨

مستدلا بقول بعض الشعراء :

خلا الله لا أرجو سواك وإنما

أعدّ عيالى شعبة من عيالكا (١)

وارتضى فى مسوّغات الجملة الخبرية التى لا تحتوى على ضمير المبتدأ أن يضمر فى الشرط التالى لها مثل «زيد يقوم عمرو إن قام» (٢). وجوّز أن تدخل لام الابتداء بعد إن على الخبر ومعموله التالى له سواء أكان مفعولا أم ظرفا أم جارّا ومجرورا مثل «إن محمدا القائم لفى الدار» و «إن محمدا القارئ للكتاب (٣)» ، والتكلف فى مثل ذلك واضح. وذهب الجمهور إلى أن وزن سلسل فعلل ، وذهب الزجاج إلى أنها هى وما يماثلها كنحو كبكب على وزن فعفل (٤) ، وإذ كان يرى أن كل لفظتين اتفقتا فى أكثر الحروف لا بد أن تكون إحداهما مشتقة من الأخرى ، فمثلا سلسل مشتقة من سل وحثحث من حث ورقرق من رق (٥). وكان الجمهور يرى أن وزن اتخذت افّعلت بتكرار التاء ، وذهب الزجاج إلى أن أصلها أو تخذت فقلبت الواو تاء. وكان الجمهور يذهب إلى أن الهمزة فى مصائب من الشاذ الذى لا يقاس عليه ، وأن القياس فيها مصاوب ، لأن الواو أصلية فلا تقلب همزة ، إنما تقلب فى مثل صحيفة وصحائف وحمولة وحمائل وقلوص وقلائص ، مما حرف المد فيه زائد على الحروف الأصلية ، وذهب الزجاج إلى تصحيح مثل ذلك وأن الواو أبدلت همزة (٦) ، وكأنه كان يرتضى أن تجمع معيشة على معائش ، مخالفا بذلك سيبويه ، كما أسلفنا ، وجمهور البصريين من بعده.

__________________

(١) الهمع ١ / ٢٢٦.

(٢) الهمع ١ / ٩٨.

(٣) الهمع ١ / ١٣٩.

(٤) الخصائص ٢ / ٥٢.

(٥) الهمع ٢ / ٢١٢.

(٦) المنصف ١ / ٢٣٠.

١٣٩

٣

ابن السراج (١)

هو أبو بكر محمد بن السّرىّ ، كان من أحدث تلاميذ المبرد سنّا مع ذكائه وحدة ذهنه ، وعكف على دروس أستاذه ، متزودا بكل ما عنده من أزواد نحوية ولغوية. وعنى بجانب ذلك بدراسة المنطق والموسيقى ، وتحول بعد موت المبرد إلى حلقات الزجاج يعبّ منها وينهل ، ثم استقلّ عنه بحلقة كان يؤمّها كثيرون فى مقدمتهم السيرافى ، وأبو على الفارسى وعليه قرأ كتاب سيبويه. وكان يعنى عناية واسعة بعلل النحو ومقاييسه ، وفيهما صنّف كتاب الأصول الكبير ، انتزعه من كتاب سيبويه وأضاف إليه إضافات بارعة ، ويقال إنه جعله تقاسيم على طريقة المناطقة. ولم يكتف فيه بآراء سيبويه ، فقد ضم إليه كثيرا من آراء الأخفش الأوسط والكوفيين موازنا ومقارنا. وقال له أحد تلاميذه وهو يلقى بعض فصول هذا الكتاب إنه أحسن من كتاب المقتضب للمبرد أستاذه ، فبادره بقوله : لا تقل هذا فإنما استفدنا ما استفدناه من صاحب المقتضب ، وأنشد :

ولكن بكت قبلى فهاج لى البكا

بكاها فقلت الفضل للمتقدّم

وكان يحسن نظم الشعر وإنشاد المأثور منه فى الأوقات والمواقف المناسبة ، وكانت فيه دقة حس ورقة شعور ، ويقال إنه جاءه يوما بنى صغير له ، فأظهر من العطف عليه ما جعل بعض جلسائه يسأله أتحبّه أيها الشيخ؟ فقال متمثلا :

أحبّه حبّ الشحيح ماله

قد كان ذاق الفقر ثم ناله

وله وراء كتاب الأصول مصنفات نحوية مختلفة منها كتاب مجمل الأصول

__________________

(١) انظر فى ترجمة ابن السراج السيرافى ص ١٠٨ والزبيدى ص ١٢٢ والفهرست ص ٩٨ ونزهة الألباء ص ٢٤٩ وتاريخ بغداد ٥ / ٣١٩ والأنساب الورقة ٢٠٥ ومعجم الأدباء ١٨ / ١٩٧ وإنباه الرواة ٣ / ١٤٥ وابن خلكان وشذرات الذهب ٢ / ٢٧٣ واللباب ١ / ٥٤٧ ومرآة الجنان ٢ / ٢٧٠ وبغية الوعاة ص ٤٤.

١٤٠