واللغة ، وسرعان ما اصطدم بثعلب زعيم مدرسة الكوفة لعصره ، وكثرت بينهما المناظرات ، وكتب له فيها دائما التفوق على صاحبه لقدرته على الجدل وإصابته للحجة وحسن بيانه ، مما جعل كثيرين من تلاميذ ثعلب يتحولون إلى حلقته ، يتقدمهم ختنه أبو على الدينورى. وما زال مفزع طلاب اللغة والنحو ببغداد حتى توفّى سنة ٢٨٥ وقيل سنة ٢٨٦.
والمبرد يعدّ ـ بحق ـ آخر أئمة المدرسة البصرية المهمين ، وقد ذكره ابن جنّى فقال : «يعدّ جيلا فى العلم ، وإليه أفضت مقالات أصحابنا (يريد البصريين) وهو الذى نقلها وقرّرها وأجرى الفروع والعلل والمقاييس عليها» (١) ويقول الأزهرى فى مقدمة معجمه «تهذيب اللغة» : «كان أعلم الناس بمذاهب البصريين فى النحو ومقاييسه». وله مصنفات كثيرة ، طبع منها نسب عدنان وقحطان ، وما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد ، وكتاب الفاضل وكتاب الكامل وهما نصوص أدبية عنى بشرح ما فيها من لغة ، وقد يعرض لبعض مسائل نحوية. وينشر له الآن بالقاهرة كتاب المقتضب فى النحو. وله وراء ذلك كتب نفيسة سقطت من يد الزمن ، من أهمها كتاب الاشتقاق وكتاب معانى القرآن وكتاب التصريف وكتاب المدخل إلى سيبويه وكتاب شرح شواهد الكتاب وكتاب معنى كتاب الأوسط للأخفش وكتاب إعراب القرآن. وكتب فى شبابه كتابا سماه الرد على سيبويه أو مسائل الغلط ، وفيه حاول أن يظهر مقدرته فى تخطئة إمام النحاة ، جامعا ملاحظات الأخفش وغيره فى هذا الصدد ، وكان يقول بعد أن تقدمت به السن : «إن هذا كتاب كنا عملناه فى أوان الشبيبة والحداثة» معتذرا بذلك عنه. ويقول ابن جنى : «أما ما تعقب به أبو العباس المبرد محمد ابن يزيد كتاب سيبويه فى المواضع التى سماها مسائل الغلط فقلما يلزم صاحب الكتاب إلا الشىء النّزر ، وهو أيضا مع قلته من كلام غير أبى العباس» (٢). وردّ ابن ولاد المصرى على ما أورده من هذه المسائل فى كتاب سماه الانتصار لسيبويه ، ومنه مخطوطة بدار الكتب المصرية.
__________________
(١) سر صناعة الإعراب ١ / ١٣٠.
(٢) الخصائص ٣ / ٢٨٧.