تراثنا ـ العددان [ 41 و 42 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 41 و 42 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

بترجمة الأزدي :

«قال أبو بكر الخطيب : كان حافظا ، صنف في علوم الحديث. وسألت البرقاني عنه فضعفه. وحدثني أبو النجيب عبد الغفار الأرموي قال : رأيت أهل الموصل يوهنون أبا الفتح ولا يعدونه شيئا : قال الخطيب : في حديثه مناكير.

قلت : وعليه في كتابه في الضعفاء مؤاخذات ، فإنه قد ضعف جماعة بلا دليل ، بل قد يكون غيره قد وثقهم» (٧١).

وتحصل : صحة الحديث برواية الدارقطني.

وأما رواية (الفضائل) فالحسن فيها هو «الحسن بن علي البصري» .. قال محققه : «موضوع ، وآفته الحسن بن علي البصري».

فمن هو؟!

لقد نقل الذهبي وابن حجر العسقلاني عن الدارقطني أن شيخه «الحسن ابن علي بن زكريا» غير «العدوي» وأن «العدوي» متروك ، فقالا : «الحسن بن علي بن زكريا بن صالح ، أبو سعيد العدوي البصري ، الملقب بالذئب. قال الدارقطني : متروك ، وفرق بينه وبين سميه العدوي» (٧٢).

وهذا وجه آخر يدل على أن شيخه ثقة.

فهذا من جهة.

ومن جهة أخرى : فقد أورد الذهبي وابن حجر عن الحافظ السهمي ـ المتوفى سنة ٤٢٨ ه ـ كلاما هو نص في المغايرة بين «الحسن بن علي البصري» و «العدوي» ... فقالا : «وقال حمزة السهمي : سمعت أبا محمد الحسن بن علي البصري يقول. أبو سعيد العدوي كذاب على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، يقول عليه ما لم يقل ...» (٧٣).

__________________

(٧١) سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٤٨.

(٧٢) ميزان الاعتدال ١ / ٥٠٦ ، لسان الميزان ٢ / ٢٢٨.

(٧٣) ميزان الاعتدال ١ / ٥٠٨ ، لسان الميزان ٢ / ٢٣٠.

١٠١

فالحق أن «الحسن بن علي البصري» شيخ القطيعي ، و «الحسن بن علي ابن زكريا» شيخ الدارقطني ... واحد ... فهو حديث اتفق «الدارقطني» و «القطيعي» على روايته ، وبسند واحد ، وهو صحيح.

وقول محقق كتاب «الفضائل» : «موضوع» باطل ، لأن «الحسن بن علي البصري» غير «العدوي الوضاع» وليس إلا «شيخ الدارقطني» إذ لم نجد في الكتب رجلا بعنوان «الحسن بن علي البصري» أصلا.

كما أن قول ابن الجوزي والسيوطي بعد حديث الدارقطني : «هو العدوي الوضاع» خلط ، إن لم نقل بأنهما تعمدا ذلك لغرض طرح الحديث!

تنبيه :

لقد أثبتنا صحة الأحاديث المذكورة وتمامية الاحتجاج بها ، وإن من ينظر فيما ذكرناه وينصف لا يتردد في صدور المضمون الذي تدل عليه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما لا يتردد في وجوب الأخذ بذاك المضمون اعتقادا وعملا ...

وقد رأينا من المناسب أن نؤكد صدور المضمون ، بحديث بنفس المعنى أخرجه كبار الأئمة الأعلام في المسانيد المعتبرة والكتب المشتهرة ، وبأسانيد صحيحة ، كما نص على صحته غير واحد منهم ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم لعلي عليه‌السلام :

«أنت ولي كل مؤمن من بعدي».

أخرجه :

ابن أبي شيبة في «المصنف» وصححه ، ووافقه على التصحيح : السيوطي (٧٤) والقاري (٧٥).

__________________

(٧٤) القول الجلي في مناقب علي : الحديث ٤٠.

(٧٥) كنز العمال ١٥ / ١٢٤ ط حيدر آباد.

١٠٢

وأبو داود الطيالسي في (مسنده) بسند نص على صحته : ابن عبد البر (٧٦) والمزي (٧٧) وأحمد بن حنبل في (مسنده) بسند صحيح (٧٨).

والترمذي في (صحيحه) (٧٩) والنسائي في (الخصائص) (٨٠).

وابن جرير الطبري وصححه (٨١).

وابن حبان في (صحيحه) (٨٢).

والحاكم ، وصححه على شرط مسلم (٨٣).

وابن حجر ، قال : «أخرج الترمذي بسند قوي ...» (٨٤).

وسندلل بالتفصيل على صحته حيث يذكره السيد ، فانتظر.

أقول :

ثم إن السيد ـ رحمه‌الله ـ أورد نصوصا أخرى ، وتعرض خلالها ـ بالمناسبة ـ إلى أشياء من غير النصوص النبوية ...

وحيث تكلمنا بالتفصيل في تشييد عمدة نصوص المراجعة ، ودفع شبهات السابقين واللاحقين عنها ، ولم يبق مجال للريب في تمامية ما قصده.

__________________

(٧٦) الإستيعاب في معرفة الأصحاب ، ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ٣ / ١٠٩١.

(٧٧) تهذيب الكمال ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ٢٠ / ٤٨١.

(٧٨) مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٢٥.

(٧٩) صحيح الترمذي ٥ / ٢٩٦.

(٨٠) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : ٩٧.

(٨١) كنز العمال ١٥ / ١٢٤ ط حيدر آباد.

(٨٢) الرياض النضرة ٢ / ٢٢٥.

(٨٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١١.

(٨٤) الإصابة في معرفة الصحابة ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ٢ / ٥٠٩.

١٠٣

السيد ـ رحمه‌الله ـ في هذه المراجعة ... كما لم نجد شبهة تستحق التعليق حول الأحاديث والشواهد الأخرى المذكورة فيها ... ننتقل إلى المراجعة التالية ، وموضوعها «حجج الكتاب».

للبحث صلة ...

١٠٤

أساس نظام الحكم في الإسلام

بين الواقع والتشريع

رؤية في التراث الفكري

(١)

صائب عبد الحميد

(وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ..

ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ..

ذلكم وصيكم به لعلكم تتقون) (١).

الذي يعرفه علماء الاجتماع ومتكلمو المسلمين أن وجود النظام ضرورة لازمة لحفظ الاجتماع ، وعدمه يعني الفوضى التامة.

وقد عبر ابن خلدون عن هذا النظام بأنه : قوانين سياسية مفروضة يسلمها الكافة وينقادون إلى أحكامها ، فإذا خلت الدولة من مثل هذه السياسة لم يستتب أمرها ولم يتم استيلاؤها (سنة الله في الذين خلوا من قبل) (٢).

ورأى ابن حزم أن ذلك معلوما بضرورة العقل وبديهته ، وأن قيام الدين ممتنع غير ممكن إلا بالإسناد إلى واحد ـ (إمام) (خليفة) ـ يكون على رأس هذا النظام (٣).

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ / ١٥٣.

(٢) مقدمة ابن خلدون : ٢١٠ ، فصل ٢٥.

(٣) الفصل ٤ / ٨٧.

١٠٥

فما هو موقف الإسلام من هذه الضرورة؟

إنها لمن دواعي الاستغراب أن تكون (الضرورة) و (سنة الله في خلقه) هي مفترق الطرق بين المسلمين!

هل تفاعل الإسلام ـ كدين ومنهج للحياة ـ مع هذه الضرورة ، سنة الله في خلقه؟!

الإسلام الذي تشعبت أحكامه وتشريعاته حتى استوعبت الجزئيات الصغيرة في حياة الإنسان ، هل نتوقع أنه أهمل أول الضرورات وأهمها ، ضرورة حفظ المجتمع وحفظ الدين وإقامة حدوده وأحكامه؟!

إن فريقا كبيرا منا يقول : نعم ، أهمل الإسلام ذلك.

عندئذ أوقف هذا الفريق نفسه أمام الحاجة الملحة إلى ملء هذا الفرغ الكبير في النظام الإسلامي.

فالإسلام الذي أخذ على عاتقه تنظيم حياة بني الإنسان كافة إلى يوم القيامة سيأتي بفراغ كبير حين لا يقدم جوابا محددا لأول أسئلة الحياة والمجتمع والشريعة (٤).

وأمام هذه الحاجة الملحة قالوا : نعم ، إن الإسلام قد ترك هذا الأمر للأمة ، تختار لنفسها ما تراه الأصلح لحفظ نظامها وحفظ الشريعة ، فعندئذ لا يعد هذا إهمالا.

وهنا يتصدر سؤال جديد ، يقول : ما هي الضوابط اللازم توفرها لضمان شرعية ما تختاره الأمة؟!

فمن البديهي أن «نظام الحكم» موضوع مشترك بين الإسلام وغيره من الأنظمة ، سماوية كانت أو أرضية ، إنما الذي يميزه عن غيره هو هذه النسبة

__________________

(٤) وهذا الفراغ هو الذي دفع الشيخ علي عبد الرزاق أن ينفي أي صلة للدين الإسلامي بالسياسة والدولة المدنية. علي عبد الرزاق / الإسلام وأصول الحكم : الكتاب الثالث.

١٠٦

الملحقة به .. (إسلامي).

فكونه إسلامي يعني بالضرورة أن يكون محددا بمبادئ الإسلام وأحكامه ، فمن هنا فقط يستمد إسلاميته ، لا من هوية الشخص الحاكم.

أمام هذا السؤال برز أفق جديد ، حين أسند الأمر هنا بالكامل إلى الواقع التاريخي للأمة في عصر الصحابة ، ورغم أن الكلام هنا سيدور على نفسه ، إذ يصبح اختيار بعض الأمة هو الدليل على شرعية ما اختاروه ، رغم ذلك فهو قول لا مناص منه!

وبهذا أصبح الواقع التاريخي للأمة جزءا من الدين ، ومصدرا من مصادر العقيدة.

وأصبح الواقع الذي يسود في الأمة ، والقرار النافذ الذي يتخذه الخليفة ، جزءا من الشريعة يجب أن ننظر إليه كما ننظر إلى السنة النبوية.

وهذا المبدأ هو الذي شكل السبب المباشر ـ ولو ظاهرا ـ في إقصاء علي ابن أبي طالب عليه‌السلام عن الخلافة يوم الشورى ، إذ عرض علته عبد الرحمن بن عوف البيعة على كتاب الله وسند رسوله وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر ، فلما أظهر علي عليه‌السلام اعتقاده بالالتزام بكتاب الله وسنة رسوله وحسب ، وبأنه غير ملزم باتباع سيرة الشيخين لأنها ليست من مصادر الشريعة ، عندئذ رأي ذلك الفريق أن هذا الاعتقاد يعد مبررا كافيا في إقصاء صاحبه عن الخلافة وإسنادها إلى رجل آخر يتعهد بالتزام ذلك الشرط مصدرا ثالثا مع الكتاب والسنة (٥).

__________________

(٥) راجع : تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٢ ، تاريخ الطبري ٤ / ٢٣٨ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٧١ ، البداية والنهاية ٧ / ١٤٦ ـ ١٤٧.

تعقيب : أرى على دعاة السلفية أن يقفوا أمام هذه المسألة بجد ، فإنها تناقض أصل دعوتهم التي ترفض الالتزام التام بأي مصدر آخر غير الكتاب والسنة ، فدخول هذا الشرط الجديد في البيعة باطل إذن ، فإما أن تكون هذه البيعة باطلة ، أو أن يكون أصل دعوتهم بحاجة إلى إعادة

١٠٧

إذن دخلت سياسة الأمر الواقع في التقسيم العملي لمصادر التشريع ، وبالخصوص في مجال النظام السياسي الإسلامي ، كما في المثال السابق ، وكما في الأعم الأغلب من تفاصيل هذا النظام كما سنرى ...

فحين جعل اختيار الإمام ـ رأس النظام السياسي وفاتحة مساره المقبل ـ منوطا بالأمة ، فلا بد من مزيد بيان وتحديد ، فما معنى أن الأمر منوط بالأمة؟!

هل يعني أن تجتمع الأمة بكامل أفرادها على رجل واحد في وقت واحد لتتم له البيعة فتصح خلافته؟!

* ذهب إلى هذا بعض المعتزلة ـ كأبي بكر الأصم والهشامية ـ ولكن لم يوافقهم عليه أحد ، لأنه أمر لم يتحقق قط ، ولا يمكن تحققه في الواقع بحال من الأحوال ، فهو تكليف ما لا يطاق.

* لذا خفف آخرون من شدة ذلك ، فقالوا : إن المراد بالأمة هنا فضلاؤها من كل بلد ومدينة ، لا سائر أفرادها.

* لكن هذا الرأي هو الآخر لم يحظ بالقبول ، لأنه لم يكن له في الواقع مصداق ، بل رأي البعض فساد هذا الرأي ، لأنه لا بد من ضياع أمور المسلمين قبل أن يجمع جزء من مئة جزء من فضلاء أهل البلاد الإسلامية المتعددة الأطراف (٦).

وإلى هنا لم يكن لهذه الآراء دليل من الشرع ولا من الواقع

* أما الجمهور فذهبوا إلى أن الإمامة تنعقد باختيار أهل الحل والعقد فقط ، لا جميع الأمة ولا جميع فضلائها.

__________________

نظر .. إن عليهم وفق مبدئهم أن ينضموا إلى شيعة علي ، أو أن يذعنوا للشيعة بأنهم هم السلفيون حقا!

(٦) الفصل ٤ / ١٦٨.

١٠٨

من هم أهل الحل والعقد؟

سؤال كبير يواجه النظرية الأخيرة ، تتفرع منه أسئلة أخرى :

فمن هم أهل الحل والعقد؟

ما هي مواصفاتهم؟ ومن الذي يتولى اختيارهم؟ وكيف يتم اختيارهم؟ وكم يكون عددهم؟ وما هي حدود صلاحياتهم؟ وما هو الأسلوب الذي سيعتمدونه في انتخاب الخليفة؟

ليس هناك نص من الشرع ولا شئ من السيرة النبوية يمكن الرجوع إليه في الإجابة عن شئ من هذه الأسئلة. من هنا تعددت الإجابات وتناقضت ، ومع ذلك فإن أيا منها لم يقدم حلا شافيا لتلك الأسئلة ..

* فبعضهم قال : لا تنعقد الإمامة إلا بجمهور أهل الحل والعقد من كل بلد ، ليكون الرضا بهم عاما ، والتسليم لإمامته إجماعا.

* ورده الآخرون ، فقالوا : هذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها ، ولم ينتظر قدوم غائب عنها.

* ومن هؤلاء من قال : أقل ما تنعقد به الإمامة خمسة من أهل الحل والعقد يجتمعون على عقدها ، أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة. واستدلوا لذلك بأمرين :

الأول : أن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثم تابعهم الناس فيها. والخمسة هم : عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأسيد بن حضير. وبشير بن سعد.

والثاني : أن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة.

* ومنهم من قال : بل تنعقد بثلاثة ، يتولاها أحدهم برضا الاثنين ، ليكونوا حاكما وشاهدين ، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين.

١٠٩

* ومنهم من قال : بل تنعقد بواحد ، لأن العباس قال لعلي عليه السلام : امدد يدك أبايعك ، فيقول الناس : عم رسول الله بايع ابن عمه ، فلا يختلف عليك اثنان. ولأنه حكم ، وحكم واحد نافذ (٧).

والاضطراب واضح في هذه الإجابات ، ومصدره رجوعها إلى الأمر الواقع في وجوهه المختلفة ، وإلى أقيسة غير صحيحة ، لاختلاف الموضوع بين عقد الخلافة وعقد النكاح أو حكم الواحد.

* وقد كشف ابن حزم عن فساد هذه الآراء في أثناء عرضه لها ، وقال : كل قول في الدين عري عن دليل من القرآن أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من إجماع الأمة المتيقن فهو باطل بيقين ، قال تعالى : (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (٨) فصح أن من لا برهان له على صحة قوله فليس صادقا فيه (٩).

ثم قال : فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها فالواجب النظر في ذلك على ما أوجبه الله تعالى في القرآن والسنة وإجماع المسلمين ، كما افترض علينا عزوجل إذ يقول : (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) (١٠).

ولكن ابن حزم حين أبطل هذه الآراء كلها لأنها كانت عرية عن الدليل الشرعي ، لم يفلح في إيجاد البديل المتماسك كما سنرى ذلك في محله من هذا البحث.

__________________

(٧) راجع : الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ٦ ـ ٧.

(٨) سورة النمل ٢٧ : ٦٤.

(٩) الفصل ٤ / ١٦٨.

(١٠) الفصل ٤ / ١٦٩ ، والآية من سورة النساء ٤ : ٥٩.

١١٠

وجوه تعيين الخليفة :

هذه المسألة الكبرى في نظام الدين والدنيا كيف تجد لها حلا حين يغفلها التشريع بمصدرية الرئيسين ـ القرآن والسنة ـ ويفوض أمرها إلى الأمة؟!

هل هناك قاعدة ثابتة تستند إليها الأمة في تعيين الخليفة؟!

وما مدى شرعية هذه القاعدة؟!

الحق أننا لم نقف في إطار هذه النظرية على قاعدة واحدة محددة المعالم اعتمدتها الأمة في اختيار الإمام لتكتسب شرعيتها من الإجماع. وإنما وجدنا أساليب مختلفة لا يترجح أحدها على الآخر بدليل شرعي.

عندئذ وجدنا أنفسنا مضطرين إلى قبول تلك الأساليب كلها ، لا لكونها مؤيدة بدليل من الشرع ، بل لأنها قد حصلت في الفترة المتقدمة من تاريخ الأمة ، أي في عهد الصحابة ، مع أنها كانت عرية عن دليل الإجماع أيضا ..

فقالوا : هناك ثلاثة وجوه لتعيين الخليفة :

الوجه الأول : اختيار أهل الحل والعقد ، ويطلق عليه (نظام الشورى) أيضا.

لكن نظام الشورى هذا لم يتخذ شكلا واحدا عند الصحابة ، لذا فقد فصلوا فيه تبعا لذلك الاختلاف ، فقالوا : الشورى على شكلين :

الأول : نظام الشورى ابتداء ، كما حدث في بيعة أبي بكر وعلي بن أبي طالب.

والثاني : نظام الشورى بين عدد يعينهم الخليفة السابق ، كما صنع عمر.

الوجه الثاني : العهد.

وهو أن ينص الخليفة قبل موته على من يخلفه. وقد اتخذ هذا العهد أشكالا ثلاثة :

١١١

الأول : أن يعهد الخليفة إلى واحد ، كما صنع أبو بكر في عهده إلى عمر.

الثاني : أن يعهد إلى جماعة يكون الخليفة واحد منهم ، كما صنع عمر في عهده إلى ستة نفر ينتخبوا الخليفة القادم من بينهم.

الثالث : أن يعهد إلى اثنين فأكثر ويرتب الخلافة فيهم بأن يقول : الخليفة بعدي فلان ، فإذا مات فالخليفة بعده فلان. وفي هذا النظام تنتقل الخلافة بعده على الترتيب الذي رتبه ، كما عهد سليمان بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز بعده ثم إلى يزيد بن عبد الملك ، وكذلك رتبها هارون الرشيد في ثلاثة من بنيه : الأمين ، ثم المأمون ، ثم المؤتمن (١١).

الوجه الثالث : القهر والاستيلاء ، أو الغلبة بالسيف (١٢).

قال الإمام أحمد : «ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما ، برا كان أو فاجرا».

وعند وجود إمام مستقر ثم يخرج عليه آخر طلبا للملك ، فقد قال الإمام أحمد : «الإمامة لمن غلب» واحتج لذلك بأن ابن عمر صلى بأهل المدينة في زمن الحرة وقال : «نحن مع من غلب» (١٣).

والأمر مطرد ، فلو ثبتت الإمامة لواحد بالقهر والاستيلاء ، فيجئ آخر ويقهره ويستولي على الأمر ، ينعزل الأول ويصير الإمام هو الثاني (١٤).

وظاهر جدا أن هذه النظرية إنما هي نظرية تبرير ، لا نظرية تشريع.

__________________

(١١) راجع الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ٦ ـ ١٤ ، الأحكام السلطانية ـ للفراء ـ : ٢٣ ، مآثر الإنافة ١ / ٣٩ ـ ٥٨.

(١٢) الأحكام السلطانية ـ للفراء ـ : ٢٠ ، مآثر الإنافة ١ / ٥٨ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٣٣.

(١٣) الأحكام السلطانية ـ للفراء ـ : ٢٠ و ٢٢ و ٢٣.

(١٤) مآثر الإنافة ١ / ٧١.

١١٢

إنها نظرية تبرير الأمر الواقع وإضفاء الشرعية عليه ، والدافع الوحيد إلى هذا التبرير هو إعفاء الصحابة من تهمة العمل في هذا الأمر الخطير بدون دليل من الشرع ، وإعفاؤهم مما ترتب على ذلك من نتائج.

لأجل هذا ظهر في هذه النظرية من التكلف والتعسف ما لا يخفى ، ومن ذلك :

١ ـ إن أيا من هذه الوجوه الثلاثة لا يستند إلى دليل شرعي البتة ، ولم يكن يعرفه حتى فقهاء الصحابة قبل ظهوره على الواقع. ومن هنا طعن ابن حزم هذه الوجوه كلها كما تقدم.

٢ ـ إن مبدأ الشورى المذكور في الوجه الأول والمأخوذ من بيعة أبي بكر لم يكن قد تحقق في تلك البيعة ، وليس لأحد أن يدعي ذلك بعد أن وصفها عمر ـ في خطبته التي رواها البخاري وغيره وأصحاب السير ـ بأنها كانت فلتة ، عن غير مشورة!

ولم يكن هذا قول عمر وحده ، بل كان يقينا في أذهان الصحابة وعلى ألسنتهم ، لذا قال بعضهم : لئن مات عمر لأبايعن لفلان ، فما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة.

فلما بلغ عمر ذلك لم ينكره بل أكده ، فقال : «لا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا إنها قد كانت كذلك ، ولكن وقى الله شرها» (١٥)!

وشتان بين الشورى والفلتة!

والغريب أن عمر قد نهى عن تكرار مثل تلك البيعة ، وحذر من العودة لمثلها تحذيرا شديدا خشية أن يكون عاقبتها القتل ، «فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا».

__________________

(١٥) صحيح البخاري ـ كتاب الحدود ٨ / ٣٠٢ ح ٢٥ ، مسند أحمد ١ / ٥٦ ، سيرة ابن هشام ٤ / ٣٠٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٠.

١١٣

إنه يقول : «من عاد لمثلها فاقتلوه»!! (١٦).

وفي هذا وحده دليل كاف على إلغاء صفة الشرعية عن تلك البيعة ، فإنما هي بيعة ساقتهم إليها الأحداث ، فلا يصح العودة لمثلها بحال.

وهكذا دافع عنها أبو علي الجبائي والقاضي عبد الجبار ، فقالا : إن الفلتة ليست هي الذلة والخطيئة ، وإنما تعني البغتة من غير رؤية أو مشاورة ، ويقصد عمر بقوله «من عاد إلى مثلها فاقتلوه» أن من عاد إلى الطريقة التي تمت بها البيعة لأبي بكر من غير مشاورة أو عذر ولا ضرورة ، ثم طلب من المسلمين البيعة ، فينبغي قتله (١٧).

هذا ما كان يعرفه الصحابة وكثير غيرهم عن تلك البيعة إذن ...

أما عامة المتأخرين فكأنهم قد عز عليهم أن ينظروا إليها بتلك النظرة ، فأضفوا عليها صبغة الشورى ليجعلوا منها ـ في ثوبها الجديد ـ الوجه الشرعي الأول في اختيار الخليفة.

ولم يكتف بعضهم بهذا القدر حتى أضفى عليها صبغة الإجماع ابتداء ، كما فعل ابن تيمية! (١٨).

غير أنها دعوى لا يؤيدها شئ من النقل الصحيح ، بل حتى غير الصحيح ، فليس في شئ من أخبار تلك البيعة ما يشير إلى ذلك الإجماع من قريب أو بعيد.

والذي دعا ابن تيمية إلى هذا هو عقيدته في شرط صحة البيعة ، إذا كان يرى ـ وفقا للمذهب الحنبلي ـ أنه يشترط لصحة البيعة اجتماع جمهور أهل

__________________

(١٦) الملل والنحل ١ / ٣٠ ، شرح المواقف ٨ / ٣٥٨.

(١٧) المغني ٢٠ / ٣٤٠ ، وعنه الدكتور مصطفى حلمي / نظام الخلافة بين أهل السنة والشيعة : ٤٦.

(١٨) أنظر : منهاج السنة ـ لابن تيمية ـ ٣ / ٢١٥ و ٢١٧ و ٢١٨.

١١٤

الحل والعقد في بلد الخليفة (١٩).

لكن الآخرين ردوا هذا الشرط تصحيحا لبيعة أبي بكر خاصة ، فقالوا : هذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر ، فقد تمت بعقد رجل واحد ورضا أربعة ، ولم ينتظر فيها حضور من لم يحضرها (٢٠).

وهذا الكلام الأخير هو الموافق لما صح عن عمر في خطبته المتقدمة ، والموافق لسائر ما ورد من النقل في أخبار السقيفة.

٣ ـ الخوف من وقوع الفتنة ، كان هو العذر المنتخب في تبرير أول بيعة لأول خليفة حين تمت عن غير مشورة ، ولم ينتظر فيها حضور الكثير من كبار المهاجرين والأنصار ممن ينبغي أن يكون في طليعة أهل الحل والعقد.

فالعذر في هذا التعجل هو خوف الاختلاف والفتنة ، وهذا ظاهر أيضا في نص خطبة عمر.

لكن الغريب أن (الفتنة) قد عادت لتصبح طريقا شرعيا من طرق تعيين الخليفة!

ففي الوجه الثالث يرون القهر والاستيلاء والتغلب بالسيف طريقا إلى الخلافة ، والمتغلب دائما هو الخليفة الشرعي الواجب الطاعة! وما يزال الطريق مفتوحا أمام كل طامح!

وهل الفتنة شئ غير هذا؟!

ثم كيف يقول بهذا من يعتقد بمبدأ الشورى ، واختيار أهل الحل والعقد؟!

إن المضي على طريقة تبرير الأمر الواقع هو الذي أدى إلى ظهور هذا التناقض وأمثاله.

٤ ـ هل يستدعي قبول الأمر الواقع كل هذا القدر من التنظير والتبرير؟!

__________________

(١٩) الأحكام السلطانية ـ للفراء ـ : ٢٣.

(٢٠) الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ٦ ـ ٧.

١١٥

أليس من الأولى أن تكون هناك نظرية ثابتة محددة المعالم تبنى باعتماد نصوص الشريعة ومفاهيم الإسلام وروح الإسلام ، ثم بعد ذلك توزن عليها عقود الخلافة التي تمت بالفعل ، فكل عقد وافق هذه النظرية وانسجم معها فهو عقد شرعي صحيح ، يكون عنده الخليفة الذي تمت له البيعة إماما وأميرا للمؤمنين وخليفة من خلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحق ، وكل عقد لم يوافق تلك النظرية فهو عقد غير صحيح؟

وعندئذ يكون قبول الأمر الواقع المخالف للشروط الصحيحة حالة من حالات الضرورة ما دامت الأمة عاجزة عن إصلاحه.

وهذا القول هو الذي تؤيده السنة ، إذا أطلقت على هذا النوع من الحكم اسم «الملك العضوض» أي الذي فيه عسف وظلم ، فكأنهم يعضون فيه عضا! وروي أيضا «ملوك عضوض» وهي صيغة جمع ، مفردها : ملك عض ، وهو الخبيث الشرس (٢١).

فكيف يجتمع هذا مع الخلافة الشرعية؟!

إمامة المفضول :

هل تعد الأفضلية شرطا في الإمامة؟

قالوا : نعم. ثم قالوا : لا. وفي كلا القولين غاب الدليل الشرعي.

والأمر الذي جاء ب (لا) محل (نعم) هو القبول بشرعية التغلب بالسيف طريقا إلى الخلافة ، بعد أن كان طريقها الشورى والعهد!

فحين كان لزاما تبرير خلافة معاوية بن أبي سفيان وتقديمه على سائر الصحابة ، كان لزاما أن يلغى القول باشتراط الأفضلية في الإمامة!

هذا ، فيما كان الرأي أن الإمامة لا تكون إلا للأفضل (٢٢) ، حتى اشتد

__________________

(٢١) لسان العرب ـ مادة (عضض).

(٢٢) شرح المقاصد ـ للتفتازاني ـ ٥ / ٢٩١.

١١٦

النزاع وطال في تفضيل بعض الصحابة على بعض تثبيتا لهذا المبدأ ، وحتى ظهرت العقيدة بأن الخلفاء الراشدين هم أفضل الأمة ، وأن ترتيبهم في الفضل موافق لترتيبهم في الخلافة ، فأفضل الأمة : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي (٢٣).

وشدد بعضهم في التزام هذه القاعدة حتى قال : من فضل عليا على عثمان فقد أزرى على المهاجرين والأنصار! (٢٤) ليصور في ذلك أن المهاجرين والأنصار لم يقدموا عثمان في الخلافة إلا لاعتقادهم أنه أفضل من علي عليه السلام.

لكن لما أريد تبرير قبول خلافة معاوية ومن بعده ، كان لا بد من ظهور قول آخر ..

* قال الجويني إمام الحرمين : والذي صار إليه معظم أهل السنة أنه يتعين للإمامة أفضل أهل العصر ، إلا أن يكون في نصبه هرج وهيجان فتن ، فيجوز نصب المفضول إذ ذاك!

وقال : مسألة امتناع إمامة المفضول ليست بقطعية.

ثم علل ذلك بأن الشرع لا يمنع منه ، كيف؟! ولو تقدم المفضول في إمامة الصلاة لصحت الصلاة وإن ترك الأولى (٢٥)؟

* وبرر الرازي ذلك بأن دخول الفاضل تحت إمامة المفضول مما يسهل على من هو أنقص فضلا من الأمير الدخول تحت طاعته ، ففي إمامة المفضول رياضة للفاضل وكسر ما فيه من نخوة!! (٢٦).

__________________

(٢٢) شرح المقاصد ـ للتفتازاني ـ ٥ / ٢٩٠ ، العقيدة ـ لأحمد بن حنبل ـ : ١٢٣ ، الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزالي ـ : ١٥٣.

(٢٤) العقود الدرية : ٢٠٩ عن ابن تيمية.

(٢٥) الإرشاد ـ للجويني ـ : ٣٦٣.

(٢٦) الرازي / نهاية العقول ، عنه نظرية الإمامة : ١٥٩.

١١٧

* ودافع ابن حزم عن إمامة المفضول من عدة وجوه :

الأول : أنه لا يمكن معرفة الأفضل إلا بالظن ، والظن لا يعني من الحق شيئا.

الثاني : أن قريشا قد كثرت وطبقت الأرض من أقصى الشرق إلى الغرب ، ولا سبيل إلى معرفة الأفضل من قوم هذا مبلغ عددهم.

والثالث : إجماع الأمة على بطلان شرط الأفضلية في الإمامة ، فإن جميع الصحابة ممن أدرك ذلك العصر أجمعوا على صحة إمامة الحسن أو معاوية ، وقد كان في الناس أفضل منهما ، كسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وابن عمر! فلو كان ما قاله الباقلاني ـ في وجوب إمامة الأفضل ـ حقا ، لكانت إمامة الحسن ومعاوية باطلة! (٢٧).

ملاحظات :

ألا يظهر أن الموضوعية قد غابت بالكامل عن هذه النظرية؟!

أنظر في الملاحظات التالية :

١ ـ إن الخوف من وقوع الهرج وهيجان الفتن الذي كان مبررا لقبول خلافة معاوية وفي الناس من هو أفضل منه ، هذا العذر نفسه قد جرى على لسان عمر بن الخطاب في تقديم أبي بكر على علي عليه‌السلام!

* قال عمر في حديث له مع ابن عباس يذكر فيه أمر الخلافة وحق علي. عليه‌السلام فيها ، قال : لقد كان في رسول الله من أمره ذرو من قول (٢٨) .. ولقد

__________________

(٢٧) الفصل ٤ / ١١. ونقله عنه الدكتور أحمد محمود صبحي ثم عقب عليه فقال : وهكذا ينكر ابن حزم أن معاوية قد استولى على أمر هذه الأمة قهرا وبالسيف ، أما إمامة الحسن فهذا هو رأيه الشخصي في الحسن ، وإن لم يكن رأي جميع من بايعوه حيث اعتقدوا بأفضليته بعد علي. (نظرية الإمامة : ٢٥٩).

(٢٨) أي : طرف من قول.

١١٨

أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام! ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا! (٢٩).

* ومرة أخرى قال عمر لابن عباس : أتدري ما منع الناس منكم؟.

قال : لا.

قال عمر : لكني أدري .. كرهت قريش أن نجتمع فيكم النبوة والخلافة فتجخفوا جخفا (٣٠) ، فنظرت قريش لنفسها فاختارت (٣١).

* وفي ثالثة قال : ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه (٣٢).

* وفي رابعة قال فيه : والله ولولا سيفه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعد أقضى الأمة ، وذو سابقتها ، وذو شرفها.

فقيل له : فما منعكم عنه يا أمير المؤمنين؟!

* قال : حداثة السن ، وحبه بني عبد المطلب (٣٣).

* وفي خامسة قال : استصغرناه ، وخشينا ألا تجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها (٣٤).

* وفي سادسة .. في خطبته التاريخية في وصف قصة السقيفة ، إذ قال في ختامها : «فارتفعت الأصوات ، وكثر اللغط ، فلما أشفقت الاختلاف قلت لأبي بكر : ابسط يدك أبايعك ، فبسط يده ، فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار ، ... خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة ، فإما

__________________

(٢٩) شرح ابن أبي الحديد ١٢ / ٢١.

(٣٠) الجخف : التكبر.

(٣١) تاريخ الطبري ٥ / ٣١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٦٣ ـ ٦٥. شرح ابن أبي الحديد ١٢ / ٥٣ ـ ٥٤.

(٣٢) الموفقيات ـ للزبير بن بكار ـ ، عنه شرح ابن أبي الحديد ٦ / ٤٥ و ١٢ / ٤٦.

(٣٣) أمالي أبي بكر الأنباري ، عنه شرح ابن أبي الحديد ١٢ / ٨٢.

(٣٤) محاضرات الأدباء ـ للراغب الأصبهاني ـ ٢ / ٤٢٨.

١١٩

أن نتابعهم على ما لا نرضى ، أو نخالفهم فيكون فساد!! (٣٥).

إذن لماذا لا يقال : إن تقديم أبي بكر كان لهذه الأعذار أو بعضها ، وليس على أساس التفضيل؟!

إن الإغضاء عن كل هذه النصوص ، وعن غيرها مما ثبت عن كثير من الصحابة في تفضيلهم عليا عليه‌السلام على غيره أمر لا يقره البحث الموضوعي.

٢ ـ أغرب من ذلك أنهم استدلوا على جواز إمامة المفضول بجواز إمامته في الصلاة ، فكما تصح إمامة المفضول في الصلاة تصح إمامته على الأمة! هذا ، مع أن الإمامة في الصلاة كانت هي الدليل الأول على تفضيل أبي بكر وعلى إمامته ، فحين قلنا بتفضيل أبي بكر وأحقيته في الخلافة ، قلنا : إن أول الأدلة على ذلك تقدمه في الصلاة!

فلماذا لا يقال : إنه قدم في الصلاة لجواز تقديم المفضول على الفاضل؟!

إنه تناقض ظاهر ...

٣ ـ إن طريقة انتخاب أبي بكر كانت صريحة تماما بغياب مبدأ التفضيل ، وكلمة عمر المتفق على صحتها : «إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، ولكن وقى الله شرها» من أهم الأدلة على ذلك.

فلا يستطيع أحد أن يدعي إذن أن الصحابة قد أجمعوا على أن الإمام لا يكون إلا الأفضل ، ثم أجمعوا على تفضيل أبي بكر فبايعوه على هذا الأساس!

إن أي دعوى من هذا القبيل تنهار أمام كلمة عمر المتقدمة ، كما تنهار أمام تفاصيل أحداث السقيفة والبيعة.

__________________

(٣٥) صحيح البخاري ـ كتاب المحاربين باب ١٦ ح ٦٤٤٢.

١٢٠