تراثنا ـ العددان [ 41 و 42 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 41 و 42 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

نسائلكم فيه وقد حكم البلى

عليكم فما تبدون رجعا لسائل

ومعشوقة يصبو إلى وصلها الفتى

وكم صرمت حبلا لخل مواصل

ويقول في آخرها :

ودرة فكر ألبست من جميلكم

جمالا ف (قس) عندها مثل (بأقل) (٤)

__________________

(٤) القصيدة طويلة ، لكن ـ مع الأسف ـ لم يصل بأيدينا منها إلا هذه الأبيات ، إذ اقتصر على ذكرها فقط الشيخ محمد علي آل عصفور في كتابه «الذخائر».

٢٦١

المصادر

١ ـ الذخائر في تاريخ الجزائر والبنادر ، للشيخ محمد علي آل عصفور البحراني ، مخطوط.

٢ ـ معجم شعراء الحسين عليه‌السلام ، للشيخ جعفر الهلالي ، مخطوط.

٣ ـ أعلام هجر ، لهاشم محمد الشخص ، القسم المخطوط.

٢٦٢

مصطلحات نحوية

(٣)

السيد علي حسن مطر

رابعا : مصطلح الحرف

١ ـ الحرف لغة (١) :

أبرز معاني الحرف لغة هو : الطرف ، فحرف كل شئ طرفة وجانبه وحده وشفيره وناحيته. والجمع : أحرف وحروف وحرفة.

وجاء في التنزيل : (ومن الناس من يعبد الله على حرف) (٢) ، «أي : على طرف وجانب من الدين ، أي : لا يدخل فيه على ثبات وتمكن. فهو إن أصابه خير ـ من صحة وكثرة مال ونحوهما ـ اطمأن به ، وإن أصابته فتنة ـ أي : شر ، من مرض أو فقر ونحوهما ـ انقلب على وجهه عنه» (٣).

ويستعمل الحرف أيضا في المعاني اللغوية التالية :

١ ـ الواحد من حروف الهجاء.

__________________

(١) أ ـ لسان العرب لابن منظور ، مارة (حرف).

ب ـ معجم مقاييس اللغة ، لابن فارس ، تحقيق عبد السلام هارون ، مادة (حرف).

(٢) سورة الحج ـ من الآية ١١.

(٣) شرح شذور الذهب ، لابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ص ١٤.

٢٦٣

٢ ـ اللغة ، وقد جاء في الحديث قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نزل القرآن على سبعة أحرف ، كلها شاف كاف» ، أراد بالحرف : اللغة.

٣ ـ العدول ، يقال : حرف عن الشئ يحرف حرفا وانحرف وتحرف واحرورف : عدل عن الشئ ومال عنه.

٤ ـ الناقة الضامرة أو المهزولة ، قال ابن الأعرابي : ولا يقال : جمل حرف ، بل تخص به الناقة.

٢ ـ الحرف اصطلاحا :

استعمل الحرف بمعناه الاصطلاحي منذ نشوء الدراسة النحوية ، ويذكر الرواة أن أبا الأسود الدؤلي (ت ٦٩ ه) تلقى من الإمام علي عليه‌السلام صحيفة فيها : «الكلام كله اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل» (٤).

وقد سجل سيبويه (ت ١٨٠ ه) في كتابه ما يقارب التعريف المذكور في الرواية المتقدمة فقال : الحرف «ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل» أو «وليس باسم ولا فعل» (٥) ، وتابعه عليه أبو علي الفارسي (٦). وظاهره أن الحرف كلمة تدل على معنى ، ولكنها ليست اسما ولا فعلا ، وغني عن البيان أن هذا التعريف لا يوضح حقيقة المعنى الاصطلاحي للحرف.

__________________

(٤) أ ـ إنباه الرواة على أنباه النحاة ، علي بن يوسف القفطي ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ١ / ٣٩.

ب ـ معجم الأدباء ، لياقوت ، ١٤ / ٤٩.

ج ـ الأشباه والنظائر في النحو ، السيوطي ، تحقيق عبد العال سالم مكرم ١ / ١٢ ـ ١٣.

(٥) الكتاب ، سيبويه ، تحقيق عبد السلام هارون ١ / ١٢.

(٦) الإيضاح العضدي ، أبو علي الفارسي ، تحقيق حسن الشاذلي فرهود ١ / ٨.

٢٦٤

وقال الجرجاني (ت ٤٧١ ه) : الحرف ما جاء لمعنى ليس فيه معنى اسم ولا فعل» (٧).

ومثله قول المطرزي (ت ٦١٠ ه) : الحرف ما جاء لمعنى ليس بمعنى الاسم ولا بمعنى الفعل» (٨).

وظاهر التعريفين أن الحرف موضوع لمعنى مختلف عن معنى الاسم والفعل ، وهما كسابقيهما في عدم تحديد المعنى الاصطلاحي للحرف.

وعرفه الأخفش الأوسط (ت ٢١٥ ه) بذكر علاماته ، فقال : الحرف «ما لم يحسن له الفعل ولا الصفة ولا التثنية ولا الجمع ولم يجز أن يتصرف» (٩).

وتابعه على هذه الطريقة ابن السراج (ت ٣١٦ ه) فقال : «الحرف ما لا يجوز أن يكون خبرا ولا يخبر عنه» (١٠).

وقد أشكل عليه أبو علي الفارسي بأنه يؤدي إلى دخول بعض الأسماء كضمائر الجر، وضمائر النصب متصلة ومنفصلة ، وضمير الفصل ; إذ إنها جميعا لا يخبر بها ولا عنها (١١).

وانبرى ابن يعيش (ت ٦٤٣ ه) لرد هذا الإشكال بقوله : إن امتناع الإخبار عن الضمائر المذكورة " لم يكن لأمر راجع إلى معنى الاسم ، وإنما ذلك لأنها صيغ موضوعة بإزاء اسم مخفوض أو منصوب ، فلو أخبر عنها وجب أن ينفصل الضمير المجرور ويصير عوضه ضمير مرفوع الموضع ، نحو : (أنت)

__________________

(٧) الجمل ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق علي حيدر ، ص ٦.

(٨) المصباح في علم النحو ، المطرزي ، تحقيق الدكتور عبد الحميد السيد طلب ، ص ٦١.

(٩) الصاحبي ، لابن فارس ، تحقيق مصطفى الشويمي ، ص ٨٦.

(١٠) أ ـ الأصول في النحو ، لابن السراج ، تحقيق عبد الحسن الفتلي ، ١ / ٤٣.

ب ـ الموجز في النحو ، لابن السراج ، تحقيق مصطفى الشويمي وابن سالم دامرجي ، ص ٢٧.

(١١) شرح المفصل ، لابن يعيش ٨ / ٤.

٢٦٥

وشبهه ، وكذلك الضمير المنصوب لو أخبر به أو عنه ، لتغير إعرابه ، ووجب تغيير صيغة الإعراب ، فامتناع الإخبار عن هذه الأشياء لم يكن إلا من جهة الإعراب " وأما ضمائر الفصل «فهي أسماء قد سلبت دلالتها على الاسمية ، وسلك بها مذهب الحروف بأن ألغيت ، ومعنى إلغاء الكلمة : أن تأتي لا موضع لها من الإعراب ، وأنها متى أسقطت من الكلام ، لم يختل الكلام ولم يتغير معناه» (١٢).

ومع ذلك كله يبقى التعريف غير مانع من دخول أفعال الأمر وأسمائها ; لعدم الإخبار بها ولا عنها.

وعرفه ابن مالك (ت ٦٧٢ ه) بالعلامة أيضا ، فقال : «الحرف : كلمة لا تقبل إسنادا وضعيا بنفسها ولا بنظير» (١٣).

وقد احترز بقوله : (وضعيا) «من الإسناد اللفظي ; فإنها تقبله ، نحو : من حرف جر ، وهل حرف استفهام» (١٤).

وبقوله : (ولا بنظير) «احترز من الأسماء الملازمة للنداء ، نحو : يا فل ، فإنها لا تقبل إسنادا وضعيا بنفسها ، لكن لها نظير يقبله ، نحو : رجل ، فيقال : في الدار رجل ، والحرف لا نظير له يقبله» (١٥).

وطرح الزجاجي (ت ٣٣٧ ه) أول مرة تعريفا حديا للحرف بقوله : «الحرف ما دل على معنى في غيره» (١٦).

وتابعه على هذا الحد جمع من النحاة ، كأبي علي الفارسي

__________________

(١٢) شرح المفصل ٨ / ٥.

(١٣) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، تحقيق محمد كامل بركات ، ص ٣.

(١٤) شفاء العليل في إيضاح التسهيل ، السلسيلي ، تحقيق عبد الله البركاتي ١ / ٩٧ ـ ٩٨.

(١٥) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، حاشية ص ٣.

(١٦) أ ـ الإيضاح في علل النحو الزجاجي ، تحقيق مازن المبارك ، ص ٥٤.

ب ـ شرح جمل الزجاجي ، ابن هشام ، تحقيق علي محسن مال الله ، ص ٨٦

٢٦٦

(ت ٣٧٧ ه) (١٧) وجار الله الزمخشري (ت ٥٣٨ ه) (١٨) ، وابن الحاجب (ت ٦٤٦ ه) (١٩) ، وابن هشام (ت ٧٦١ ه) (٢٠) ، والسيوطي (ت ٩١١ ه) (٢١).

وعمد بعضهم إلى إصلاحه بإبدال جنسه البعيد (ما) ب (اللفظ) كما فعل ابن عصفور (ت ٦٦٩ ه) (٢٢) ، أو (الكلمة) كما فعل ابن معطي (ت ٦٦٨ ه) (٢٣) والشلوبيني (ت ٦٤٥ ه) (٢٤) ، وابن يعيش (ت ٦٤٣ ه) (٢٥) ، والرضي الأسترآبادي (ت ٦٨٨ ه) (٢٦).

وقد فضل ابن يعيش عبارة الزجاجي على قول بعض النحاة : «الحرف ما جاء لمعني في غيره» (٢٧) ; لأن في عبارتهم «إشارة إلى العلة ، والمراد من الحد الدلالة على الذات ، لا على العلة التي وضع لأجلها ; إذ علة الشئ غيره» (٢٨).

__________________

(١٧) المسائل العسكريات ، أو علي الفارسي ، تحقيق علي جابر المنصوري ، ص ٨١.

(١٨) المفصل في علم العربية ، الزمخشري ، ص ٢٨٣.

(١٩) أ ـ شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ١ / ٣٦.

ب ـ الأمالي النحوية ، ابن الحاجب ، تحقيق هادي حسن حمودي ٣ / ١٠١.

(٢٠) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ص ١٤.

(٢١) همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، السيوطي ، تحقيق عبد السلام هارون ، وعبد العال مكرم ١ / ٧.

(٢٢) المقرب ، ابن عصفور ، تحقيق الجواري والجبوري ١ / ٤٦.

(٢٣) الفصول الخمسون ، ابن معطي ، تحقيق محمود الطناحي ، ص ١٥٣.

(٢٤) التوطئة ، الشلوبيني ، تحقيق يوسف المطوع ، ص ١١٣.

(٢٥) شرح المفصل ، ابن يعيش ٨ / ٢.

(٢٦) شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ١ / ٣٦.

(٢٧) أ ـ اللمع في العربية ، لابن جني ، تحقيق فائز فارس ، ص ٨.

ب ـ شرح ملحة الإعراب ، الحريري ، ص ٣.

ج ـ المرتحل ، ابن الخشاب ، تحقيق علي حيدر ، ص ٢٣.

د ـ أسرار العربية ، ابن الأنباري ، ص ١٢.

(٢٨) شرح المفصل ، ابن يعيش ٨ / ٢.

٢٦٧

وذكر ابن الحاجب أنه قد يشكل على هذا التعريف «بالأسماء المشتركة ; فإنها لا يفهم مدلولها إلا بالقرينة ، وكذلك الحرف لا يفهم معناه إلا بذكر متعلقه» ، ثم أجاب عنه ب «أن الأسماء المشتركة ليس من شرط استعمالها لفظ آخر يقترن بها ، بل قد يكون قصد المتكلم الإبهام ، ومن ثم يجئ كثير من المشتركات يجوز فيها الأمران ، أعني كل واحد من مدلوليها ، كقوله تعالى : (ثلاثة قروء) ، وليس كذلك الحرف ; فإنه لا يستقيم أن تقول : خرجت من» (٢٩).

وهناك جواب آخر ، وهو : أن معاني اللفظ المشترك كلها مفهومة منه ، وإن أثر القرينة تحديد المعنى الخاص المراد من تلك المعاني ، بينما ذكر متعلق الحرف ضروري لحصول أصل دلالته على معناه.

وأشكل على التعريف «بأين وكيف ونحوهما من أسماء الاستفهام ، ومن وما ونحوهما من أسماء الجزاء ; فإن هذه الأسماء تفيد الاستفهام في ما بعدها ، وتفيد الجزاء ، فتعلق وجود الفعل بعدها على وجود غيره ، وهذا معنى الحروف» (٣٠).

والنحاة أمام هذا الإشكال فريقان :

أما الأول منهما فقد عمد إلى التخلص منه بإضافة قيد احترازي إلى التعريف ، فقال بعض : «الحرف ما أبان عن معنى في غيره ، ولم يكن أحد جزأي الجملة» (٣١) ، وإن الأسماء المذكورة «وإن دلت على معنى في غيرها ... [لكنها] تكون أحد جزأي الجملة ... نحو : أين زيد وكيف

__________________

(١) الأمالي النحوية ، ابن الحاجب ، تحقيق هادي حسن حمودي ٣ / ١٠١ ـ ١٠٢.

(٣٠) شرح المفصل ، ابن يعيش ٨ / ٢.

(٣١) أ ـ شرح المقدمة المحسبة ، ابن بابشاذ ، تحقيق خالد عبد الكريم ، ص ٢١٥.

ب ـ شرح المفصل ٨ / ٣.

٢٦٨

عمرو ... وليس كذلك الحروف ، فإنه لا يخبر بها ولا عنها» (٣٢).

واحترز بعض آخر بقوله : «الحرف ما دل معنى في غيره فقط» (٣٣) ، أو «ما لا يدل إلا على معنى في غيره» (٣٤) ، أو «كلمة لا تدل على معنى إلا مع غيرها مما معناه في نفسه» (٣٥).

وبهذا يفصل بين الحروف والأسماء التي أشكل بها ; «إذ هذه الأسماء دلت دلالتين : دلالة الأسماء ودلالة الحروف» (٣٦).

وأما الفريق الثاني ، فقد عمد إلى الرد على الإشكال «بما قال سيبويه : إن حرفي الاستفهام والشرط ، أعني : الهمزة وإن ، حذفتا وجوبا قبل مثل هذا الاسم ; لكثرة الاستعمال ، فكان الأصل ، أأيهم ضربت؟ وإن أيهم تضرب أضرب ، ثم تضمن (أي) معنى الاستفهام والشرط ، فالمعنيان عارضان ، وإن كانا لازمين ، وكذا ما سوى (أي) من أسماء الاستفهام والشرط» (٣٧).

وعلى الرغم من أن أبا علي الفارسي قد أثبت تعريف الزجاجي في كتابه «المسائل العسكريات» ، فإنه أثار عليه جملة من الإشكالات ، سجلها ابن يعيش في شرحه على مفصل الزمخشري ، وعقب عليها قائلا : «وكأن أبا علي أورد هذه التشكيكات للبحث ، وإذا أنعم النظر كانت غير لازمة» (٣٨) ، ثم شرع

__________________

(٣٢) شرح المفصل ٨ / ٣.

(٣٣) أ ـ الجنى الداني في حروف المعاني ، المرادي ، ص ٢٠.

ب ـ شرح المفصل ٨ / ٣.

(٣٤) أ ـ الفصول الخمسون ، ابن معطي ، ص ١٥٣.

ب ـ شرح الرضي على الكافية ١ / ٤٢.

(٣٥) الحدود في النحو ، الرماني ، ضمن كتاب «رسائل في النحو واللغة» تحقيق مصطفى جواد ويوسف مسكوني ، ص ٣٨.

(٣٦) شرح المفصل ، ابن يعيش ٨ / ٣.

(٣٧) أ ـ شرح الرضي على الكافية ١ / ٤١.

ب ـ شرح المفصل ، ابن يعيش ٨ / ٣.

(٣٨) شرح المفصل ٨ / ٣ ـ ٤.

٢٦٩

بردها جميعا.

والمهم في هذا التعريف بيان مضمونه وتحديد المراد به ، فقد ذهب جمهور النحاة إلى أن دلالة الحرف على معناه متوقفة على ارتباطه بغيره من أجزاء الكلام ، وأرجعوا ضميري (نفسه ، وغيره) الواردين في تعريف الاسم والحرف إلى (ما) التي يراد بها الكلمة ، فيكون المعنى : أن الاسم كلمة تدل بنفسها على معناها دون حاجة إلى كلمة أخرى ، بخلاف الحرف ، قال المرادي (ت ٧٤٩ ه) : «إن دلالة الحرف على معناه الأفرادي متوقفة على ذكر متعلق ، بخلاف الاسم والفعل ; فإن دلالة كل منهما على معناه الأفرادي غير متوقفة على ذكر متعلق ، ألا ترى أنك إذا قلت : (الغلام) فهم منه التعريف ، ولو قلت : (أل) مفردة لم يفهم منه معنى» (٣٩).

وهذا في الواقع بيان للفرق بين الحرف وبين قسيميه (الاسم والفعل) في مرحلة الدلالة على المعنى ، وأن الحرف «مشروط في إفادته معناه الذي وضع له انضمامه إلى غيره» (٤٠) ، ولكنه لا يوضح حقيقة المعنى الذي وضع له الحرف.

وذهب ابن الحاجب إلى إرجاع الضميرين في (نفسه ، وغيره) إلى (المعنى) ، وقال : إن مدلول كل من الاسم والفعل معنى ثابت بنفسه ، وأما الحرف فيدل على معنى متعلق بغيره من المعاني المستقلة بذاتها ، المدلولة للأسماء والأفعال.

أي أنه فرق بين الحرف وقسيميه بلحاظ المعنى الموضوع له كل من القبيلين ، لا بلحاظ دلالة كل منهما على معناه.

وقد صرح ابن الحاجب برأيه هذا في كتابيه : الإيضاح في شرح

__________________

(٣٩) أ ـ الجنى الداني في حروف المعاني ، المرادي ٧ ص ٢٢.

ب ـ شرح المفصل ، ابن يعيش ٨ / ٢.

(٤٠) همع الهوامع ، السيوطي ١ / ٧.

٢٧٠

المفصل (٤١) ، والأمالي النحوية (٤٢) ، وأيده الشريف الجرجاني ودفع عنه إشكال الرضي الأسترآبادي (٤٣).

واعترض عليه السيوطي بقوله : «ومن جعل الضمير المتصل ب (نفس) و (غير) راجعا للمعنى كابن الحاجب فقد أبعد ; إذ لا معنى لقولنا : (ما دل على معنى) ... ثابت فيه أو في غيره ... لأنه لا يصح أن يكون الشئ ظرفا لنفسه» (٤٤).

ويلاحظ عليه :

أولا : إن هذا الإشكال إذا صح وروده على تعريف الاسم والفعل ، فإنه لا يرد على تعريف الحرف ; لصحة كون الشئ ظرفا لغيره.

ثانيا : إنه لا يرد حتى على تعريف الاسم ; إذ ليس مراد ابن الحاجب من تعريف الاسم بأنه (ما دل على معنى في نفسه) الذهاب إلى ظرفية الشئ لنفسه ، وإنما مراده أن معنى الاسم معقول في نفسه ملحوظ في ذاته ، بخلاف الحرف ، فإن معناه ملحوظ في غيره من المعاني قائم بها (٤٥).

وقد ذكر السيوطي عند شرحه التعريف أن كلمة (في) الواردة فيه دالة على السببية ، وقيل بدلالتها على الظرفية (٤٦).

أقول :

بناء على رأي جمهور النحاة من أن دلالة الحرف على معناه مشروطة

__________________

(٤١) شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ١ / ٣٦.

(٤٢) الأمالي النحوية ، تحقيق هادي حسن حمودي ٣ / ٥٩.

(٤٣) تعليقات الشريف الجرجاني على شرح الرضي ـ طبعة شركة الصحافة العثمانية ١ / ٩.

(٤٤) همع الهوامع ، السيوطي ١ / ٧.

(٤٥) تعليقات الشريف الجرجاني على شرح الرضي ١ / ٩.

(٤٦) همع الهوامع ، السيوطي ١ / ٧.

٢٧١

بانضمامه إلى غيره يتعين حمل (في) على السببية ، وأن دلالة الحرف على معناه مسببة عن انضمامه إلى غيره. وأما بناء على رأي ابن الحاجب من أن معنى الحرف يتقوم بغيره من المعاني القائمة بذاتها المدلولة للأسماء والأفعال ، فيجب حمل (في) على الظرفية ، وأن معنى الحرف ثابت ضمن غيره من المعاني.

ويتضح مما تقدم أن أوفق المعاني اللغوية للحرف بمعناه الاصطلاحي ، هو المعنى الأول ، أي : الطرف ; لأن الحرف في مرتبة دلالته على معناه يكون طرفا في الكلام مرتبطا بغيره ، ولأن معناه لا يتقوم بذاته ، بل هو دائما متعلق بغيره ، مرتبط بالمعاني الاستقلالية المدلولة للأسماء والأفعال.

٢٧٢

خامسا : مصطلح البناء

١ ـ البناء لغة :

«البناء في اللغة : وضع شئ على شئ على صفة يراد بها الثبوت» (٤٧).

قال ابن فارس : «الباء والنون والياء أصل واحد ، وهو بناء الشئ بضم بعضه إلى بعض» (٤٨).

وقال ابن جني في بيان وجه المناسبة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي للبناء : «وكأنهم إنما سموه بناء ; لأنه لما لزم ضربا واحدا ، فلم يتغير تغير الإعراب سمي بناء ، من حيث كان البناء لازما موضعه لا يزول من مكان إلى غيره» (٤٩).

٢ ـ البناء اصطلاحا :

احتوى كتاب سيبويه على أوليات هذا المصطلح ومحاولة لتعريفه ; فإنه بعد أن عدد علامات الإعراب والبناء قال : إنما ذكرت ذلك ; لأفرق بين ما يدخل ضرب من تلك العلامات «لما يحدث فيه العامل ... وبين ما يبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه لغير شئ أحدث ذلك فيه من العوامل» (٥٠).

وعرف المبرد (ت ٢٨٥ ه) المبني بأنه «ما لا يزول من حركة إلى أخرى» (٥١).

__________________

(٤٧) شرح الأشموني على الألفية ١ / ٤٩.

(٤٨) معجم مقاييس اللغة ، ابن فارس ، تحقيق عبد السلام هارون ، مادة ((بني).

(٤٩) الخصائص ، ابن جني ، تحقيق محمد علي النجار ١ / ٣٧.

(٥٠) الكتاب ، سيبويه ، تحقيق عبد السلام هارون ١ / ١٣.

(٥١) المقتضب ، محمد بن يزيد المبرد ، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمه ١ / ٤.

٢٧٣

ولاحظ ابن السراج (ت ٣١٦ ه) أن هذه العبارة لا تنطبق على واقع البناء بنحو دقيق ; لأنها لم تنص على أن محل علامة البناء هو آخر الكمة ، ولا تشمل ما يبنى من الكلمات على السكون ، فأصلحها بقوله : البناء «أن يبنى آخر الكلمة على حركه غير مفارقة أو سكون غير مفارق» (٥٢).

وعرفه الفارسي (ت ٣٧٧ ه) بقوله : «البناء أن لا يختلف الآخر باختلاف العوامل» (٥٣).

وفيه نوع تسامح ; إذ المراد اختلاف حال آخر الكلمة وعلامتها ، ويؤخذ عليه تعريفه البناء بأمر عدمي هو (عدم اختلاف الآخر) مع إمكان تعريفه بأمر وجودي.

وقريب منه تعريف السرمري (ت ٧٧٦ ه) : «أن لا يتغير آخر الكلام بتغير العوامل عليه» (٥٤) ، مع ملاحظة تعبيره ب (الكلام) بدلا من (الكلمة).

وقام الرماني (ت ٣٨٤ ه) باختصار التعريب المتقدم لابن السراج وقال : «البناء لزوم آخر الكلمة بسكون أو حركة» (٥٥).

وتابعه عليه ابن الأنباري (ت ٥٧٧ ه). (٥٦).

وقال ابن جني (ت ٣٩٢ ه) : البناء «لزوم آخر الكلمة ضربا واحدا من السكون أو الحركة ، لا لشئ أحدث ذلك فيه من العوامل» (٥٧).

فأضاف قيد (لا لشئ ...) احترازا من شمول التعريف لبعض

__________________

(٥٢) الموجز في النحو : ابن السراج ، تحقيق مصطفى الشويمي وبن سالم دامرجي ، ص ٢٨.

(٥٣) الإيضاح العضدي ، أبو علي الفارسي ، تحقيق حسن الشاذلي فرهود ١ / ١٥.

(٥٤) شرح اللؤلؤة ، السرمري (مخطوط بحوزتي) الورقة ٦٠ الوجه ب.

(٥٥) الحدود في النحو ، الرماني (ضمن كتاب رسائل في النحو واللغة) تحقيق مصطفى جواد ويوسف مسكوني ، ص ٣٨.

(٥٦) أسرار العربية ، ابن الأنباري ، تحقيق محمد بهجة البيطار ، ص ١٩.

(٥٧) الخصائص ، ابن جني ، تحقيق محمد علي النجار ، ١ / ٣٧.

٢٧٤

الكلمات المعربة «نحو : سبحان ، والظرف غير المتصرف ك (لدى) بناء على إعرابها ... والاسم الواقع بعد (لولا) الامتناعية ; فإن لزومها حالة واحدة للعامل ، وهو (أسبح) في الأول ، ومتعلق الظرف في الثاني ، والابتداء في الثالث» (٥٨).

وتابعه عليه مع تغيير يسير في الألفاظ ابن الخشاب (ت ٥٦٧ ه) (٥٩) ، وأورده بنصه ابن يعيش (ت ٦٤٣ ه) في شرحه على مفصل الزمخشري (٦٠) ، والسيوطي (ت ٩١١ ه) في كتابه همع الهوامع (٦١).

وعرفه ابن معطي (ت ٦٦٨ ه) بأنه «لزوم أواخر الكلم حركة أو سكونا من غير عامل ولا اعتلال» (٦٢) ، فاختصر قيد ابن جني ، وأضاف إليه قيدا آخر (ولا اعتلال) ; للاحتراز به من دخول نحو : (الفتى) في التعريف (٦٣) ; فإنه معرب رغم ملازمة آخره للسكون بسبب كونه حرف علة.

ويلاحظ على تعريف ابن السراج وما بعده ، عدم ذكر الحرف والحذف بوصفهما من علامات البناء ، كما في نحو : (لا رجلين) و (إرم) (٦٤).

وقال ابن عصفور (ت ٦٦٩ ه) : «البناء أن لا يتغير آخر الكلمة لعامل عما كانت عليه قبل ذلك لفظا ولا تقديرا» (٦٥).

واحترز بقوله : (ولا تقديرا) عن دخول نحو (الفتى) في الحد ، وتبقى عليه الملاحظة المتقدمة من التعريف بالأمر العدمي.

__________________

(٥٨) حاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ٥٠.

(٥٩) المرتجل ، ابن الخشاب ، تحقيق علي حيدر ، ص ٢٥.

(٦٠) ٣ / ٨٠.

(٦١) تحقيق عبد السلام هارون وعبد العال سالم مكرم ١ / ٤٥.

(٦٢) الفصول الخمسون ، ابن معطي ، تحقيق محمود الطناحي ، ص ١٥٤.

(٦٣) حاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ٥٠.

(٦٤) حاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ٤٩ ـ ٥٠.

(٦٥) المقرب ، ابن عصفور ، تحقيق أحمد الجواري وعبد الله الجبوري ١ / ٢٨٩.

٢٧٥

وعرفه ابن هشام (ت ٧٦١ ه) بأنه : «لزوم آخر الكلمة حالة واحدة لفظا أو تقديرا» (٦٦).

ويلاحظ في تعريف ابن هشام وابن عصفور عدم ذكرهما لعلامات البناء فيه ، ولعلهما آثرا ذكرها في شرح التعريف ، وهو الأولى ، وكذلك الأمر في قولهم : (من غير عامل ولا اعتلال) وقولهم : (لفظا أو تقديرا) ، فينبغي ذكره في الشرح ، والاقتصار في الحد على القول : البناء ملازمة آخر الكلمة لحال واحدة.

ولا بد من الإشارة إلى أن صياغة التعريف على النحو المتقدم تقوم على اعتبار البناء أمرا معنويا ، وأما على اعتباره أمرا لفظيا ، فهناك تعريف واحد تقدم به ابن مالك (ت ٦٧٢ ه) فقال : البناء ما جئ به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب ، وليس حكاية أو اتباعا أو نقلا أو تخلصا من سكونين» (٦٧).

وقال السلسيلي في شرحه : «مثال الحكاية (من زيد؟) لمن قال : مررت بزيد ، ومثال الاتباع (الحمد لله) ، ومثال النقل (قد أفلح) ، ومثال التخلص من سكونين (من يشأ الله يضلله). أي : ما خالف حركة الإعراب وحركة الحكاية وحركة الاتباع وحركة التخلص من السكونين ، فهو بناء» (٦٨).

وقد أخذ به بعض من جاء بعده كالسيوطي (٦٩) ، والأشموني (٧٠) ، والأزهري (٧١).

للبحث صلة ...

__________________

(٦٦) شرح شذور الذهب ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ص ٦٨.

(٦٧) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ابن مالك ، تحقيق محمد كامل بركات ، ص ١٠.

(٦٨) شفاء العليل في شرح التسهيل ، السلسيلي ، تحقيق عبد الله البركاتي ١ / ١٢٦.

(٦٩) همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، السيوطي ١ / ٤٥.

(٧٠) شرح الإشموني على الألفية ١ / ١٩.

(٧١) شرح الأزهرية في علم العربية ، خالد الأزهري ، ص ٤٨.

٢٧٦

من ذخائر التراث

٢٧٧
٢٧٨

٢٧٩
٢٨٠