تراثنا ـ العددان [ 41 و 42 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 41 و 42 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٤

١

محتويات العدد

* كلمة التحرير :

سنوات العطاء.

................................................................. هيئة التحرير ٧

* الصحف المنشرة في بطلان حديث العشرة المبشرة.

................................... السيد حسن الحسيني آل المجدد الشيرازي ١٣

* تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات (٤).

................................................. السيد علي الحسيني الميلاني ٦٥

* أساس نظام الحكم في الإسلام : بين الواقع والتشريع (١).

......................................................... صائب عبد الحميد ١٠٥

* البردة ، والأعمال التي دارت حولها (٢).

............................................................... أسعد الطيب ١٥٨

* إحياء التراث .. لمحة تاريخية سريعة حول تحقيق التراث ونشره ، وإسهام إيران في ذلك (٤).

......................................................... عبد الجبار الرفاعي ٢٢٩

٢

* من التراث الأدبي المنسي في الأحساء (١٥) :

* الشيخ محمد حسين السبعي.

................................................ السيد هاشم محمد الشخص ٢٥٥

* مصطلحات نحوية (٣).

...................................................... السيد علي حسن مطر ٢٦٣

* من ذخائر التراث :

* الشهاب الثاقب (منظومة) ـ للسيد محمد باقر الحجة الطباطبائي الحائري.

.................................................. تحقيق : إحسان الجواهري ٢٧٩

* وصية العلامة الحلي إلى ولده فخر المحققين.

...................................................... تحقيق : حامد الطائي ٤٠٥

* من أنباء التراث.

................................................................ هيئة التحرير ٤٣٠

__________________

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة منظومة «الشهاب الثاقب» في الإمامة للسيد محمد باقر الحجة الطباطبائي الحائري ، المنشورة في هذا العدد ، ص ٢٧٩ ـ ٤٣٠.

٣
٤

٥
٦

كلمة العدد

سنوات العطاء

بمناسبة مرور ١٠ سنوات على إصدار «تراثنا»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

وبعد :

فإن التراث الفكري لمدرسة أهل البيت عليهم‌السلام بمعطياته المتعددة ، وأبعاده المختلفة يشغل ـ بلا أدنى ريب ـ مساحة واسعة ـ لا تناظر ـ من العمق العقائدي للمكتبة الإسلامية التي تمثل بمجموعها المتجزئ خلاصة نموذجية أو ترجمة واقعية للفهم المتعلق بأصول الشريعة الثابتة والخاص بالجماعات الإسلامية المرتكزة في تعاملها معها على القواعد الفكرية الخاصة بها ، والمتبنى من قبلها ، وهذا ما يشير إليه مغزى التفسير المتفاوت للواقعة

٧

الواحدة من قبل منظري تلك المدارس كل على حدة.

ودراسة هذا الفهم بامتداداته المتعددة يظهر بلا شك مدى العمق العقائدي الذي ترتكز عليه تلك الأطروحات المتفاوتة ، أو القاعدة المستقرة عليها أقدامها في طبقات التواصل الفكري ـ بغض النظر عن واقعية ذلك التواصل أو عدمها ـ بينها وبين مصدر التشريع وأصله ، وما يترتب عليها من إدراك حقيقي يقود إلى الثقة والتسليم بصواب منهجها أو عدمه.

ومدرسة أهل البيت عليهم‌السلام بما تمتلكه من شواهد ثابتة لم يختلف فيها أحد ـ إلا مغالطة وجفاء للحق ـ على كون روادها عليهم‌السلام يمثلون الامتداد الواقعي والحقيقي للمصدر التشريعي الرئيسي للشريعة الإسلامية ـ والمتمثل بالرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ والوعاء المقدس الذي احتوى وكنتيجة بديهية للإرادة السماوية المباركة جميع الأسس التشريعية المتعلقة بالعقيدة الإسلامية ، وبأبعادها المترامية الأطراف ، والواسعة الأكناف ، كل ذلك يمنح خريجي هذه المدرسة القدرة الفكرية المرنة في التعامل مع الأصول الشرعية بوعي وواقعية بعيدا عن المؤثرات الغريبة عنها ، والدخيلة عليها.

ومن هنا ، فلا يعد بمستغرب قطعا ـ واعتمادا على توفر هذه الأرضية الصلبة المتاحة لأولئك المنتمين لهذه المدرسة الكبيرة ـ أن يكون نتاجهم الفكري غزيرا وواسعا ومتنوعا ، يحيط بردائه الواسع الفضفاض جميع المفردات التي تقف أمام بعضها المدارس الفكرية الأخرى موقف المتحير العاجز ، بل ولا نغالي إن قلنا بأن أولئك الأعلام لم يتركوا بابا إلا وطرقوه ، ولا حجة إلا أقاموها ، ولا مبحثا إلا وخاضوا غماره ومخروا بيسر عبابه.

٨

بيد أن ما سلف من المصادرة المعلنة للحق الشرعي المختص بأهل بيت النبوة عليهم‌السلام والثابت بالدليلين العقلي والنقلي ، والمحاولات الخبيثة المقصودة بإقصاء أصحابه عن ساحة الأحداث الفكرية والعقائدية ، ودفعهم إلى زوايا الظل والعتمة ، والعمل المدبر على استحداث البديل وطرحه مدعوما بالترغيب والترهيب قبالة تلك العقيدة التي قدر لها ورغم حدود الأسر التي طوقت بها أن تمتد وتنفذ بعيدا في الكيان الإسلامي الواسع البنيان تأليفا وتصنيفا ، وبشكل قل نظيره لدى غيرها من الطوائف والفرق الأخرى.

نعم ، كل ذلك كان له كبير الأثر في حجب الجم الوفير من النتاجات المتنوعة لعلماء هذه الطائفة المغلوبة على أمرها ، وإبقائها ـ على كثرتها ـ رهينة القيود المفروضة عليها ، وعلى نشرها ، فخفي على البعض أن يكون لهذه الطائفة مثل هذه الآثار التي يجد بصماتها وآثارها واضحة جلية على صفحات كتب التأريخ وتراجم السير.

أجل ، ولعل المرء ينتابه الاستغراب ، ويعتريه الاستهجان وهو يطالع بين دفات هذه الكتب عن مؤلفات جمة لأعلام الشيعة الإمامية ـ تواضع أمام ما تزخر به من علوم باهرة ، مفكرو الطوائف الإسلامية ، وأقروا مذعنين بمتانتها وقوة أدلتها ـ لا وجود لها في رفوف المكتبة الإسلامية التي تسرب إليها ـ وذلك مما يؤسف له ـ ما لا يمت إلى الفكر الإسلامي بصلة ، ولا يستند إلى حقيقته بدليل ، حين يزداد هذا الاستغراب والاستهجان مع ما يعاينه من الجهل المطبق لدى البعض بوجود هذه المصنفات وانتسابها إلى مصنفونا.

٩

والغريب أن تبدو هذه الظاهرة السلبية في عصرنا الحاضر الذي يشهد نهضة كبيرة في مجال الطباعة والنشر ، فكان ينبغي المبادرة الجادة ـ الواعية والمدروسة ـ لرفع هذا الحيف الذي أحاط بهذا التراث الضخم من جانب ، والتعريف ببعض جوانب العقيدة والفكر الشيعي من جانب آخر ، وهي مهمة مقدسة تستلزم جهدا كبيرا وأسلوبا متقنا ، يتجاوز التقليدية في البناء والعمل.

وإذا كانت مؤسستنا قد خطت خطوتها الأولى الموفقة ببركة أهل بيت النبوة عليهم‌السلام في عالم التحقيق والنشر ، التي شرعت في عام ١٤٠٤ ه ، فإن الخطوة اللاحقة الواسعة في الميدان المقدس الذي أشرنا إليه كان في إصدارها لمجلة «تراثنا» الفصلية في صيف عام ١٤٠٥ ه ـ والتي تعنى بشؤون التراث الغني لمدرسة أهل البيت عليهم‌السلام لما أنيطت بها المسؤولية الكبيرة التي أشرنا إليها آنفا.

والحق يقال : إن هذه النشرة الفصلية بصفحاتها المحدودة ، وإمكانيات صدورها المتواضعة آنذاك قد وفقت في أداء الدور المناط بها ، واستقطبت أنظار الباحثين والدارسين ، واهتمام المؤسسات العلمية المنتشرة في دول العالم المختلفة ، تحقيقية كانت هذه المؤسسات أم أكاديمية ، والتي تتجاوز المائتين مركزا علميا ، وبشكل قل نظيره لدى غيرها من النشرات المتخصصة الأخرى ، وهذا ما يبدو واضحا من خلال استقراء ومطالعة الرسائل والمكاتبات التي تصل المجلة ، سواء من تلك المراكز العلمية التي أشرنا إليها ، أو من الأساتذة والباحثين.

ف «تراثنا» قد عنيت من خلال صفحاتها هذه بتعريف الكثير من

١٠

مؤلفات علماء الطائفة ، ومواضيعها ، والتعريف أيضا بنشاط عملية إحياء هذا التراث الإمامي الكبير ـ المدفوع قسرا إلى زوايا النسيان ـ ونشر الكثير من الرسائل المحققة والبحوث القيمة لجملة من الفضلاء والأساتذة والباحثين الذين ساهموا بجهودهم المبدعة في رفد عمل هذه المجلة وإغنائه.

واليوم ، إذ تتجاوز المجلة عامها العاشر ، وتخطو بتوفيق من الله تعالى أولى خطواتها في عامها الحادي عشر ، فإنها خلال هذه الأعوام العشرة قد وفقت إلى إصدار أربعين عددا من أعدادها الغنية بالعطاء والخير المتعلق بشؤون التراث ومختصاته ، واستطاعت النفوذ إلى أكثر من ستين دولة من دول العالم المختلفة ، توثقت من خلالها صلاتها التراثية مع الكثير من المؤسسات العلمية المتناثرة في تلك الدول ، والتي حازت على احترامها وتقديرها ، وكثرة الثناء على أسلوبها ومنهجيتها.

وتراثنا إذ تتجاوز عامها العاشر فإنها تجعل محطتها الأخيرة من هذا العام عددا مختصا بالفهارس الفنية لمجموع أعدادها السابقة ، لإدراكها بمقدار الكم الهائل من المفردات المختلفة التي احتوتها تلك الأعداد ، والتي قد يعسر على الباحثين اقتناصها بسهولة ويسر ، كما هو واضح ومعلوم.

وأخيرا :

فإن الذي تأمله إدارة هذه النشرة أن تكون خطواتها المتلاحقة في هذا المضمار المبارك والمترامي الأبعاد قد قربتها من الغاية المقدسة التي من أجلها أنشئت ، ولغرضها أقيمت ، وهي في عين الوقت شادة العزم على أن

١١

تجد السير قدما نحو هدفها ، مستمدة العون من البارئ جل اسمه ، ومستعينة ببركة أهل بيت النبوة عليهم‌السلام.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

هيئة التحرير

١٢

الصحف المنشرة

في بطلان حديث العشرة المبشرة

السيد حسن الحسيني

آل المجدد الشيرازي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي يدخل من يشاء من عباده الجنة بغير حساب ، والصلاة والسلام على نبينا محمد المؤتى جوامع الكلم وفصل الخطاب ، وعلى آله السادة الأطهار ، وخلص صحبه وتابعيهم ما لاح نجم وهطل سحاب.

أما بعد ، فقد شاع وذاع ، وملأ الأطباق والأسماع عن عصابة المخالفين تسمية جماعة من أصحاب سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعشرة المبشرين بالجنة ، وأجمعوا (١) على أنهم أفضل الناس بعده صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ، متشبثين في ذلك بما عزاه الحشوية إليه عليه وآله الصلاة والسلام من تبشير أولئك الرهط والشهادة لهم بالجنة.

ونحن قد حدقنا النظر وأمعنا الفكر في ذاك الخبر ، فألفيناه ـ ويشهد الله ـ

__________________

(١) هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي ـ كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٤٤ ـ وانظر : إتمام الدراية ـ له أيضا ـ ص ١٨ ، وعد الإمام أحمد القول به من الاعتقاد اللازم كما في كتابه إلى مسدد به مسرهد ، فراجع : جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ـ لابن الآلوسي ـ ص ١١٨ لتقف عليه.

١٣

أنه لا يصح مطلقا ، لا متنا ولا إسنادا ، بل هو مما عملته أيدي الوضاعين المقبوحين ـ أخزاهم الله تعالى ـ.

وليت شعري ، كيف تغافل أئمة الحديث وجهابذة النقاد من أهل السنة والجماعة عن التنبيه على اختلاق هذا الحديث الباطل ، وهم يعرفون هذا الأمر (كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك فلا تكونن).

ولعل التحفظ على كرامة هؤلاء العشرة حجزهم على التصريح بذلك ، فأغروا العامة باعتقاد لا أصل له ، وهذا من الخيانة ، وإنها لبئست البطانة (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار).

والمقصود في هذه الرسالة الإبانة عما في هذا الحديث ، والكلام عليه بما يقتضيه الحق والإنصاف ، متنكبا سبيل التعنت والاعتساف إن شاء الله تعالى.

فإن قال قائل : ما أنكرتم من حديث العشرة المبشرة ، وقد وقعت البشارة بالجنة على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لآحاد من الصحابة أيضا من غير العشرة ، كعمار بن ياسر وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وزيد بن صوحان وبلال الحبشي وعبد الله بن سلام وغيرهم رضي‌الله‌عنهم ، بل روي التبشير لبعض التابعين كأويس القرني رحمه‌الله تعالى.

قلنا : لسنا نجحد شيئا من ذلك البتة ، بل نقطع بالجنة لكل من ثبتت له شهادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها ، وإنما الشأن كله في تبشير أولئك النفر على السياق المذكور في الحديث.

على أنه لم ترد البشارة لأكثرهم في غير حديث الباب الذي سنزيح لك عنه غبار الشبهة ، لتقف على جلية حاله وتستبين كنهه ، فتنبه.

إذا تقرر هذا لديك فينبغي أولا التنبيه على شناعة صنيع الوضاعين ،

١٤

وفظاعة فعل الكذابين المتقولين على الصادق المصدوق صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ما لم يقل ، وبيان حكم من تعمد ذلك لتعلم أن هؤلاء القوم ـ قاتلهم الله ـ أي مقعد من النار تبوؤا بوضع حديث تبشير العشرة بالجنة وغيره مما هو في معناه ، وحسبك في ذلك الحديث المتفق على صحته بين أهل الإسلام ـ حتى ادعى ابن الصلاح تواتره ـ أعني قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (٢) وفي لفظ أبي هريرة وأبي قتادة : «من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» (٣).

وقد رواه من الصحابة خلق كثير ، قيل : اثنان وستون (٤) ، منهم ابن مسعود وأنس بن مالك وجابر والزبير بن العوام وأبو سعيد ، وغيرهم.

وأخرج ابن ماجة عن ربعي بن حراش ، عن علي عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تكذبوا علي ، فإن الكذب علي يولج النار» (٥).

وأخرج أيضا عن علي عليه‌السلام وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» (٦).

وغير ذلك مما جاء من النهي الأكيد والوعيد الشديد والتحذير البليغ من تعمد الكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(٢) سنن ابن ماجة ١ / ١٣ ـ ١٤.

(٣) سنن ابن ماجة ١ / ١٣ ـ ١٤.

(٤) وقال ابن الجوزي رواه من الصحابة ثمانية وتسعون نفسا ، وذكر النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم عن بعضهم أن عدة من رواه من الصحابة مائتان ، قال الحافظ العراقي : وأنا أستبعد وقوع ذلك ، وقد جمع الحافظ أبو الحجاج الدمشقي طرقه فبلغ بها مائة واثنين. انتهى.

أنظر ، تنزيه الشريعة المرفوعة ١ / ٩ ـ ١٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ / ١٣.

(٦) سنن ابن ماجة ١ / ١٤ ـ ١٥.

١٥

وقال الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي في «تحذير الخواص» (٧) : لا أعلم شيئا من الكبائر قال أحد من أهل السنة بتكفير مرتكبه إلا الكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن الشيخ أبا محمد الجويني من أصحابنا ـ وهو والد إمام الحرمين : ـ قال : إن من تعمد الكذب عليه صلى الله عليه وآله وسلم يكفر كفرا يخرجه عن الملة ، وتبعه على ذلك طائفة منهم الإمام ناصر الدين ابن المنير من أئمة المالكية.

قال : وهذا يدل على أنه أكبر الكبائر ، لأنه لا شئ من الكبائر يقتضي الكفر عند أحد من أهل السنة. انتهى.

وقال أيضا في «الخصائص الكبرى» (٨) : قال النووي وغيره : الكذب عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكبائر ، ولا يكفر فاعله على الصحيح وقول الجمهور.

وقال الجويني : هو كفر ، فإن تاب منه فذهب جماعة منهم الإمام أحمد والصيرفي وخلائق إلى أنه لا تقبل له رواية أبدا ـ وإن حسنت حاله ـ بخلاف التائب من الكذب على غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن سائر أنواع الفسوق ، وهذا مما خالف فيه الكذب على غيره.

قال السيوطي : وهذا القول هو المعتمد في فن الحديث ـ كما بينته في شرح التقريب وشرح ألفية الحديث ـ وإن رجح النووي خلافه. انتهى.

قلت : ونقل الحافظ عماد الدين ابن كثير عن أبي الفضل الهمذاني ـ شيخ ابن عقيل من الحنابلة ـ أنه وافق الجويني على هذه المقالة (٩).

وقال الحافظ شمس الدين الذهبي في كتاب «الكبائر» : لا ريب أن تعمد الكذب على الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تحريم حلال أو

__________________

(٧) تحذير الخواص : ٢١.

(٨) الخصائص الكبرى ٢ / ٢٥٤.

(٩) تنزيه الشريعة المرفوعة ـ لابن عراق ـ ١ / ١٢.

١٦

تحليل حرام كفر محض ، وإنما الشأن في الكذب عليهما في ما سوى ذلك (١٠). انتهى.

وهذا أوان الخوض في أصل المراد ، فنقول ـ مستعينين برب العباد ـ : إعلم أن حديث تبشير العشرة بالجنة ينتهي إسناده إلى عبد الرحمن بن عوف الزهري وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، ونحن نستوفي الكلام في هذه الألوكة على رواية كل في فصل مفرد ، والله الموفق والمستعان

__________________

(١) تنزيه الشريعة المرفوعة ـ لابن عراق ـ ١ / ١٢.

١٧

فصل

في رواية عبد الرحمن بن عوف

أخرج الإمام أحمد في مسنده (١١) والترمذي في سننه (١٢) والنسائي في «فضائل الصحابة» (١٣) ، قالوا : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبد الرحمن بن حميد ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد في الجنة ، وسعيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة.

قال الترمذي : أخبرنا مصعب (١٤) قراءة ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن عبد الرحمن بن حميد ، عن أبيه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحوه ، ولم يذكر فيه : عن عبد الرحمن بن عوف ، انتهى.

قلت : ورواه يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي عن الدراوردي (١٥) لكن قال فيه أحمد : كان يكذب جهارا ، وقال أيضا : ما زلنا نعرفه أنه يسرق الأحاديث أو يلتقطها أو ينقلها (١٦) ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال في موضع آخر : ليس بثقة ، وقال الذهلي : ما أستحل الرواية عنه (١٧).

__________________

(١١) مسند أحمد ١ / ١٩٣.

(١٢) سنن الترمذي ٥ / ٦٤٧ ـ كتاب المناقب ـ باب مناقب عبد الرحمن بن عوف.

(١٣) فضائل الصحابة : ٢٨ ، وأبو نعيم في «المعرفة» كما في فيض القدير ١ / ٩٢.

(١٤) كذا في الترمذي ، لكن في المعاجم : أبو مصعب الزهري المدني.

(١٥) كتاب الأربعين البلدانية : ١٠٧ ، أسد الغابة ٢ / ٣٨٨.

(١٦) تهذيب التهذيب ٦ / ١٥٦.

(١٧) تهذيب التهذيب ٦ / ١٥٧.

١٨

* وأما الحديث من طريق أبي مصعب فإنه مرسل بلا ريب ، لأن حميد ابن عبد الرحمن بن عوف لم يدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك من الطريق الآخر فإنه مرسل أيضا ، لأن حميدا توفي سنة خمس ومائة ـ وهو قول الفلاس وأحمد بن حنبل وأبي إسحاق الحربي وابن أبي عاصم وخليفة بن خياط ويعقوب بن سفيان وابن معين (١٨) ـ وهو ابن ثلاث وسبعين سنة فيكون قد ولد سنة اثنتين وثلاثين ـ وهي سنة وفاة أبيه عبد الرحمن بن عوف ـ أو بعد ذلك بسنة ، فكيف تحمل الحديث عن أبيه وهو لم يره إلا أياما معدودات على أكثر تقدير؟!! فروايته عن عمر منقطعة قطعا ، وكذا عن عثمان وأبيه ـ كما قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (١٩) ـ.

ولمكان هذه العلة لا يصح هذا الإسناد ولا يتم ـ وقد نبه على ذلك شيخنا الأميني رحمه‌الله من قبل (٢٠) ـ ومن ثم ذهب البخاري إلى أن حديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن سعيد بن زيد أصح من حديثه عن أبيه (٢١) ، فتنبه!

على أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف لا تندفع عنه التهمة في هذا الحديث وأضرابه ، فإنه ممن صنعوا على عين معاوية لحمل أمثال هذا الحديث ، وللرئاء بالعبادة والتقشف ، وللولوع بالسماع من أعداء علي عليه السلام (٢٢) ـ كما قال الإمام شرف الدين العاملي رحمه‌الله تعالى (٢٣) ـ وهو الذي روى عن أبي هريرة ذلك الإفك البين ، أعني حديث تأمير أبي بكر على

__________________

(١٨) تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠.

(١٩) تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠.

(٢٠) الغدير في الكتاب والسنة والأدب ١٠ / ١١٢.

(٢١) سنن الترمذي ٥ / ٦٤٧ ، كتاب الأربعين البلدانية : ١٠٧.

(٢٢) سمع معاوية وحديثه عنه في صحيح البخاري ، وسمع النعمان بن بشير وحديثه عنه في صحيح مسلم ، وله عن المغيرة بن شعبة وابن الزبير ومروان وغيرهم من أمثالهم

(٢٣) أبو هريرة : ١١٧.

١٩

الحج سنة تسع وبعثه ببراءة ـ كما أخرجه الشيخان عنه في الصحيحين (٢٤) ـ.

هذا ، مضافا إلى أن حديث ابن عوف قد انفرد الدراوردي بروايته عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن جده ، ولم يرو من وجه آخر.

وقال الحافظ ابن عساكر ـ بعد تخريجه الحديث في «الأربعين البلدانية» (٢٥) ـ : هذا حديث غريب من حديث عبد الرحمن بن عوف ، تفرد به عنه ابنه حميد بن عبد الرحمن. انتهى.

* وأما عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي فقد تكلموا فيه.

قال أحمد بن حنبل : إذا حدث من كتابه فهو صحيح وإذا حدث من كتب الناس وهم ، وكان يقرأ من كتبهم فيخطئ.

وقال أبو زرعة : سيئ الحفظ ، فربما حدث من حفظه السيئ فيخطئ.

وقال النسائي : ليس بالقوي (٢٦).

وقال أبو حاتم : لا يحتج به (٢٧).

وقال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (٢٨) : لم يخرج له البخاري في صحيحه سوى حديثين قرنه فيهما بعبد العزيز بن أبي حازم وغيره ، وأحاديث يسيرة أفرده لكنه أوردها بصيغة التعليق في المتابعات. انتهى.

__________________

(٢٤) صحيح البخاري ـ كتاب الحج ـ باب لا يطوف بالبيت عريان ، صحيح مسلم ـ كتاب الحج ـ باب لا يحج بالبيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.

(٢٥) كتاب الأربعين البلدانية : ١٠٧.

(٢٦) تهذيب التهذيب ٣ / ٤٧١.

(٢٧) ميزان الاعتدال ٢ / ٦٣٤.

(٢٨) هدي الساري : ٤٤١.

٢٠