رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان

جون لويس بوركهارت

رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان

المؤلف:

جون لويس بوركهارت


المترجم: فؤاد أندراوس
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المجلس الأعلى للثقافة
الطبعة: ٠
ISBN: 977-437-201-8
الصفحات: ٣٩٢

وأشراف بطن الحجر شديد والسمرة ، وقسماتهم جميلة وأجسامهم بديعة. ويمشى رجالهم ونساؤهم عراة ، ولكن النسوة يلبسن تمائم من الجلد حول أعناقهن ، ودمالج وأسوار من نحاس وحلقانا من فضة ، وبتكلم معظم القوم قليلا من العربية ..

٨ مارس ـ ارتقينا من سرس جبلا عاليا. وتتغير طبيعة الصخر هنا ، وقد كان حجرا رمليا حتى وادى حلفا ، فأصبح العنصر الغالب عليه الآن هو الحصى الأشهب grauwacke والحجر الأخضرgrunstein. وتنتشر هذه الصخور الأولية فى كل أنحاء بطن الحجر. وفى الجبل الواقع خلف سرس صخور جرانيتية وصخور هائلة من المرو (الكوارتز) ، كذلك تجد طبقات من المرو تعترض الصخور الخضراء فى كل مكان. وعلى ثلاث ساعات أو أربع إلى الشرق من طريقنا تمتد سلسلة عالية من الجبال محاذية لمجرى النهر ، ويطلق عليها اسم جبل بلنكو وهى غير مأهولة. وتهطل عليها أمطار الشتاء بانتظام ، وتظل المياه فى الشقوق والأغوار طوال الصيف. وبعد ساعتين ونصف بلغنا سهلا على قمة الجبل يدعى عقبة البنات وفى هذه البقعة ابتكر الخبراء العرب طريقة فذة يبتزون بها عطاء صغيرا من المسافرين الذين يصحبونهم فى هذه الجبال ، ذلك أنهم يترجلون فى أماكن معلومة فى عقبة البنات يسمونها قبضة أو مقبضة ، ويسألون المسافر عطاء ، فإن أبى جمعوا كومة من الرمل وشكلوها على هيئة قبر صغير ، ووضعوا عند كل طرف من طرفيه حجرا ، ثم قالوا للمسافر إن قبره قد أعد ، وهم يعنون بذلك أنه لن يكون بعد اليوم فى مأمن أثناء سفره فى هذه المفازة الصخرية. ويؤثر معظم المسافرين دفع مبلغ تافه عن أن يروا قبورهم تمهد لهم أمام أعينهم ، ومع ذلك فقد رأيت قبورا بهذا الوصف مبعثرة فى السهل. ولما كنت راضيا عن دليلى ، فقد نفحته بقرش قنع به وسكت. والصخور الرئيسية على السفح الجنوبى لعقبة البنات من الشست الميكى والكلوريت ، ويصادف المرء عند قاع الجبل ناحية وادى أتيرى صخورا من الحجر السماقى البديع. ولم أر غير أنواع قليلة من السماقى الأخضر تتخللها

٤١

ألواح حمراء من الفلسپار ، ومعظم السماقى أحمر أو مختلط بالشست ، وقد احتفظت بنماذج من هذه الصخور كلها. وبعد سرس اتجه طريقنا جنوب الجنوب الغربى وبلغنا وادى أتيرى بعد أربع ساعات ونصف ، وهو أهم قرى بطن الحجر. وهنا تعود الجزائر تنتشر فى النهر ، وعليها خرائب مساكن قديمة من الطوب وأبراج عتيقة. ويبدو أن ضفاف النهر لم تكن مأمونة حتى فى العصور القديمة ، فإننى لم أصادف أى مساكن خربة على الضفة الشرقية لبطن الحجر. ويلوح أن السكان القدامى قد آثروا الجزائر وحدها مسكنا. وهناك جندل آخر فى النهر عند وادى أتيرى ومثله بين هذا الوادى وبين سرس مقابل سمنة ، على الضفة الغربية. وواصلنا سيرنا أكثر من ساعة فى وادى أتيرى ، وينمو بعض النخيل فى هذه الوديان ، ولكن أشجار الدوم أكثر انتشارا. وبعد خمس ساعات يبدأ ممر وعر يخترق الجبل ، ويدعى عقبة جبل دوشة. وقد استمتعت من قمته بمنظر بديع لمجرى النهر فى الجنوب ، ولكن شطئانه الخضراء الضيقة تكاد تضل فى هذه الفيافى الصخرية الشاسعة التى تمل العين صخورها الجرداء المقفرة فتلتمس مياه النهر الزرقاء ، ولكنها لا تجدها إلا بعد عناء لأن مجرى النهر كثيرا ما تخفيه الجزائر فلا يبدو منه إلا بعضه. وبعد سبع ساعات هبطنا من الجبل إلى وادى أمبقول. وبعد ثمانى ساعات صادفنا جنادل يجرى عندها النهر فى غير هوادة قافزا فوق الصخور دافعا مياهه المرغية المزبدة مئات الأقدام. على أنك لن تجد فى هذه الجهة ما يمكن أن تسميه شلالا بمعنى الكلمة. وكل هذه الجنادل شبيهة بجنادل أسوان ، ولكن الصخور تخنق النهر هنا أكثر مما تخنقه فى أسوان. وهو يجرى مجراه كله فى بطن الحجر بسرعة فائقة تتعذر معها الملاحة. وبعد تسع ساعات وقفنا بكوخ من أكواخ عرب أم شريف.

٩ مارس ـ تقوم جبال عالية إلى الشرق من أمبقول ، وإلى الجنوب منها تنخفض السلسلة الشرقية. ويبدو أن جبال أمبقول هى أعلى قمم بطن الحجر قاطبة. وكان طريقنا يلتزم ضفة النهر تارة ، ويخترق الصخور تارة أخرى. ولم أر فى هذا

٤٢

الإقليم الوعر أى أثر لدرب قديم. وبعد ثلاث ساعات بلغنا وادى أم قناصر حيث يوجد برج حراسة صغير من الحجر قائم على تل. ومن هنا سرنا فى طريق جبلى حتى وادى لاموله فبلغناه بعد خمس ساعات. ويعترض النهر هنا بعض الجنادل والجزائر الصخرية ، وقد رأيت عليها التماسيح تصطلى فى الشمس. وبعد خمس ساعات ونصف ارتقينا الجبل ، وبعد ست بلغنا قمة عالية تدعى جبل لا موله تقابلها قمة مثلها على الجانب الغربى. وفى قاع هذا التل يكرر العرب عادتهم التى أشرت إليها آنفا ، وهى حفرهم قبر المسافر. ولما لم أكن أدرى كم من المرات قد يتذرع دليلى بهذه الحيلة ليطالبنى بعطاء جديد ، فقد أبيت أن أنفحه شيئا حين طلب ، وما إن بدأ يحفر الرمل على هيئة قبر حتى ترجلت عن بعيرى ، وصنعت قبرا نظيره ، وقلت له إن هذا قبره ، فإن من الإنصاف أن ندفن فى صعيد واحد مادمنا أخوين. فأخذ يضحك ، ثم هدم كلانا ما صنع صاحبه ، وركبنا بعيرينا وهو يتلو الآية الكريمة «وما تدرى نفس بأى أرض تموت». وبعد سبع ساعات بلغنا سهلا رمليا فى الجبل المسمى غورسنك ، وسنك واد واقع أسفل هذا الجبل. ولما كان الطريق المؤدى لبلاد الشايقية يتفرع هنا ، كانت هذه البقعة مطروقة أكثر من سواها فى هذا الإقليم الصخرى ، واشتهرت بالسرقات الكثيرة التى يرتكبها هؤلاء العرب ، وقد أرانى دليلى المكان الذى قتل فيه ابن عمه وهو إلى جواره فى عراك مع عرب الشايقية ، ثم هرول بى حثيثا فوق السهل. وبطن الحجر كله إقليم خطر على المسافر وحده ، ولكن التوفيق حالفنى فلم يصادفنى قاطع طريق. ويستطيع الأوربى الذى يبغى السفر إلى هذا المكان أن يحصل فى الدر على أى عدد من الخبراء يرافقونه ، على أن يرتب ذلك مع الحكام النوبيين قبل خروجه فى الرحلة.

وخرجنا من الجبال بعد ثمانى ساعات ونصف ، وعبرنا سهلا منحدرا فوصلنا إلى ضفة النهر بعد انقضاء تسع ساعات ونصف. وهنا تنفرج الأرض ، وتستمر السلسلة الشرقية على ميلين من النهر. وبعد عشر ساعات ونصف توقفنا للمبيت

٤٣

فى حرج كثيف من الطرفاء تجاه جزيرة مستطيلة تقوم عليها خرائب وبرج من الطوب. وعلى الضفة الشرقية أطلال قرية صغيرة ، اسمها وادى أمكة. وهنا تبدأ أملاك حاكم سكوت ، وإن يكن الوادى يعد تابعا لبطن الحجر. وبجانب البقعة التى بتنا فيها ضريح ولىّ هو الشيخ عكاشة ، وله عند النوبيين منزلة كبيرة. وقد انتشرت داخل سور الضريح وحوله هبات من الأوانى الخزفية والحصر وقطع القماش الصغيرة. وأهل سكوت يحجون كثيرا إلى هذا الضريح ، ولم يسمح لى دليلى بأن أضرم نارا برغم البرد القارس ليلا ، وذلك لشدة خوفه من عرب الشايقية.

١٠ مارس ـ بعد أن ركبنا ساعتين فوق تلال منخفضة متجهين جنوب الجنوب الغربى وصلنا مقابل جزيرة كولب ، وهى الطرف الشمالى لسكوت ، ومقر حاكم الإقليم (١) وتستغرق الجزيرة مسيرة ساعة طولا ، وتكتنف الشاطىء على الجانبين جلاميد هائلة من الجرانيت الأشهب. وهنا تبدأ بعض الزراعة المنتظمة ، وكنت أحمل خطاب توصية من حسن كاشف إلى الحاكم ، وهو شيخ يدعى داود كرا ، يمت بصلة القربى البعيدة إلى حكام النوبة الثلاثة الذين يحكم إقليمه تحت إمرتهم. ولما كنت أرغب فى زيارته للحصول منه على معلومات عن الحالة فى الجنوب فقد تركت دليلى يلاحظ البعيرين ، وعبرت النهر على رمث أو طوف مع بعض العرب الذين وجدناهم حيث ترجلنا. ويتألف هذا النوع من «المعدية» من أربع سيقان من النخيل مربوط بعضها إلى بعض رباطا غير محكم ، ويسير بمجذاف طوله نحو أربع أقدام لطرفه الأعلى شكل الشوكة ، وقد شد إلى الرمث بحبال من الليف ، ويشبه الرمث كل الشبه تلك الأطواف المنقوشة على جدران المعابد المصرية. والذين يطمئنون إلى ركوب هذه الناقلات الواهية لا بد أن يكونوا على دراية بالسباحة. فهؤلاء القوم لا يستعملون المجاذيف الصغيرة العادية ، بل مجذافا واحدا من النوع المذكور للرمث ، يجذفون به مواجهين الريح تارة

__________________

(*) ليس هناك قرية باسم سكوت ، إنما هذا اسم الاقليم.

٤٤

ومتقينها تارة أخرى بحيث لا يتجه الرمث تجاه الشاطىء رأسا. وقابلنى الحاكم الشيخ فى برود ، ثم قال لى «ليس الجنوب بالإقليم الذى يسلكه مثلك فى غير قافلة» وسألته أن يزودنى بخطاب توصية لولده ، وكان يحكم جنوب سكوت ، فأمر كاتبه (١) أن يخط بضعة سطور على طرف خطاب قديم ، وهو ما تيسر من ورق .. وقد سألنى عن مهمتى مرارا فأجبت بأننى أحمل خطابات من إسنا لولدى كاشف بالمحس. وبعد أن بقيت معه ساعة من الزمان انصرفت وعبرت النهر عائدا أدراجى واستأنفت رحلتى. وكنا نركب فوق أرض جبلية عاد فيها الحجر الرملى يظهر بين الحصى الأشهب والفلسپار. حتى إذا سرنا ساعتين ونصفا من كولب بلغنا وادى دال الذى يمكن أن نعده الطرف الجنوبى لبطن الحجر. وعند دال تقطع النهر جلاميد ضخمة من الجرانيت فتأخذ عليه مجراه فى غير نظام ، وينشأ عنها جنادل يرغى الماء عندها ويزيد ، ويتكون فيها عدة جزائر صخرية يقوم على إحداها بناء كبير متهدم من الآجر. وهنا انفرجت الأرض أمامنا فسرنا نصف ساعة على شاطىء تربته صالحة للزراعة ، يزخر بنخيل تقوم فى وسطه مدينة خربة تدعى الدابة. وبعد أن سرنا ساعة أخرى على السهل ملتزمين النهر بلغنا قرية سركاماتو وفيها قضينا الليل. ويجلب أهالى سركاماتو الملح الصخرى من [واحة] سليمة التى تبعد يومين ونصفا فى الصحراء الغربية ، وهى محطة لقافلة دارفور فى طريقها لأسيوط. وكلما مرت القافلة بسليمة خف إليها النوبيون ليبيعوا المسافرين التمر وغيره من الزاد. ويوجد الملح الصخرى أيضا فى كل أجزاء الجبل الشرقى جنوب قنا ، ويجمعه فلاحو مصر والنوبة ؛ ولكن مذاقة كريه لأن فيه حلاوة تمتزج بالمرارة.

__________________

(*) يتعلم النوبيون القلائل الملمون بالكتابة والذين يعملون كتابا للحكام على يد فقراء الدامر ، جنوبى القوز [بربر] الواردة فى خريطة بروس ، وهؤلاء كلهم علماء يختلفون إلى القاهرة كما ذكرت ليجاوروا فى الأزهر ، وفى طريقهم إلى مصر ينزلون على بيوت ذوى اليسار من الأهالى ، ويعلمون أبناءهم القراءة والكتابة. كذلك يوفد كثير من أبناء سكوت والمحس لمدرسة عرب الشايقية حيث يظلون عشر سنين أو يزيد يأكلون ويتلقون العلم مجانا على يد علماء هذه القبيلة.

٤٥

١١ مارس ـ اتجه طريقنا من الدابة جنوبا بغرب ، وكنا نلتزم ضفة النهر ، ويبلغ عرض السهل هنا نحو الميلين ، ولكنه فى معظم أنحائه مقفر. ولا يزال النهر غاصا بالجزائر المنخفضة والصخور. وبعد ساعة ونصف بلغنا مجموعة من النجوع تسمى فركة. وفى السهل كيمان من التراب لا شك فى أنها من صنع الإنسان كنظائرها التى رأيتها عند قسطل. ويقيم ابن حاكم سكوت ، الذى كنت أحمل إليه خطاب التوصية ، على جزيرة عند فركة. ووقفنا تجاه الجزيرة ليرعى بعيرانا أغصان الطرفاء. ولما كان حسن كاشف قد أنذرنى بأن هذا المكان يجب أن يكون نهاية رحلتى فى الجنوب ، وأنه أقصى ما يسمح فيه للخبير بمرافقتى ، فقد أصر الخبير على أن يصدع بأمر سيده. على أن وعدا منى بأن أنفحه بقرشين ، وبملاية من الصوف تساوى قرشين آخرين ، كان كافيا لحمله على مخالفة أمره ، فرضى أن يصحبنى للمحس قائلا «إن لامنى حسن كاشف فسأخبره بأنك أصررت على المضى فى طريقك برغم تحذيراتى ، وبأننى لم أر من المروءة أن أتركك تسير وحدك». وكانت خطتى أن أصل إلى تينارى أهم بلد فى المحس ، ومنها أعبر إلى ضفة النهر الغربية ، لأننى علمت أن لولدى كاشف النازلين هناك مركبا تحت تصرفهما. وكنت أنوى فى رجوعى أن أزور صاى وكل الأطلال الموجودة على الضفة الغربية.

ولما لم يكن لى بحاكم فركة حاجة ، فإننى لم أعرج عليه. ولكن الرجل رآنا راكبين فعدا خلفنا على فرسه مع أحد عبيده ليسألنا من نحن ، وأصر على أن نعود معه لبيته. والامتثال فى مثل هذه الحالة أجدى من المقاومة التى لا طائل تحتها. لذلك عبرنا مجرى جافا لفرع من فروع النهر حتى بلغنا الجزيرة ، وهناك وجدنا أهل القرى المجاورة مجتمعين فى بيت الحاكم ليصيبوا حظهم من لحم بقرة ذبحت على روح الميت الذى دعينا لنأكل فى مأتمه فى أدندان. وكان مع النسوة طبل صغير ، أنشدن على دقاته ورقصن إشادة بذكرى الميت. وكان مضيفنا يتلهف على سلب بعيرىّ ، ولو لا خطاب أبيه لفعل ، ولأعطانى بدلهما بعيرين هزيلين. وقد اعتذرت له عن ركوبى رأسا دون أن أمرّ عليه بقولى إننى ظننته

٤٦

يسكن فى أقصى الجنوب. وألح علينا فى البقاء عنده الليل كله ، ولما كنت أعلم أنه لا يرمى من وراء ذلك إلا لابتزاز هدية منى ، فقد نفحته بقطعة صابون كبيرة ، فسمح لنا بالرحيل. والطريق إلى صاى يتجه غربا بجنوب ، وبعد ساعتين بلغنا مكركة ، وبعد أربع ساعات كنيسة. ولا يزرع من السهل هنا إلا أقله ، وتكثر السنامكى الجيدة ، ولكنها لا تبلغ جودة السنا التى تنمو فى الجبل الشرقى. ويجمعها عرب القراريش كلما اشتد عليها الطلب فى إسنا (١). وحدود النهر الغربية رملية مقفرة. وبعد خمس ساعات وصلنا الشيخ مجدرة وهو نجع مبنى حول ضريح ولىّ. وفى هذا المكان كغيره من بلاد النوبة يجد المسافر الظمآن ، على مسافات متقاربة ، أزيارا من الماء على جانب الطريق تحت سقيفة منخفضة ، وتدفع كل قرية راتبا شهريا صغيرا لشخص يملأ هذه الأزيار صباح ومساء. وهى شائعة فى صعيد مصر ، ولكن على نطاق واسع ، وكثيرا ما يجد المرء إلى جوار البئر خانا صغيرا يزود المسافر بالماء (٢). وبعد خمس ساعات ونصف بلغنا عمارة وهى نهاية إقليم سلكوت ، ويبدأ جنوبيها إقليم صاى.

وفى سهل عمارة أطلال معبد مصرى جميل ، تخلفت منه أبدان أعمدة ستة كبيرة من أعمدة البهو مصنوعة من الحجر الجيرى ، وهى الوحيدة التى رأيتها من نوعها ، فكل المعابد المصرية هنا مبنى بالحجر الرملى. ونقوش هذه الأعمدة تقليد لنقوش فيلة ، وصناعتها متوسطة الجودة ، ولكنها أفضل كثيرا من

__________________

(١) يحتكر المسيو روزتى تجارة السنامكى منذ سنوات كثيرة ، وله فى إسنا وأسوان عملاء. ولما كان محمد على قد أجر بالالتزام كل السلع التجارية تقريبا ، الأجنبية منها والوطنية ، فقد دفع المسيو روزتى عن احتكاره السنامكى ١٥٠ كيسا فى السنة ، أعنى نحو ٣٥٠٠ جنيه (انجليزى).

(٢) ذكرت أن مياه الآبار فى الصعيد من أردأ أنواع المياه مع أن الآبار محفورة قرب النهر ، وهو الذى يمدها من غير شك بالماء الذى يتسرب فى جوف الأرض بعد الفيضان ويتجمع على عمق يتراوح بين عشرين قدما وثلاثين.

٤٧

نقوش معبد الدر ، ويتكرر عليها رسم أبى منجل ، وفوق كل طائفة من الرسوم لوحة مربعة فارغة ييدو أنها أعدت للنقش عليها. ومثل هذه اللوحة يراه الزائر لمعابد الدكه وكلابشة وفيلة ، ولكنه لا يرى فى المعابد الموجودة شمال فيلة. والأعمدة خلو من تيجانها ، ولم يتخلف من المعبد سوى تلال من الأنقاض ، باستثناء أسفل الجدران ، وأسسها الحجرية التى ترتكز على قواعد من اللبن. ولعل الجدران كانت مشيدة بمداميك متعاقبة من الطوب والحجر. وحول المعبد سور سميك من اللبن على قرابة خمسين ياردة من الأعمدة. ويلوح أن المعبد شيد فى يدء انحطاط العمارة المصرية. أما أروع نماذج هذه العمارة ففى فيلة والدكة. وينفرج من عمارة سهل فسيح ، إذ تلتف سلسلة الجبال الشرقية مكونة دائرة عريضة. أما الجبال الغربية فتنتهى. وعرض الأرض الصالحة للزراعة على الضفة الشرقية ميل ونصف تقريبا ، وتقوم بينها وبين الجبل مفازة جرداء تكسوها شظايا من الحصى والظران شبيهة بمفازة السوبس : وهنا تكثر منعطفات النهر. وبعد سبع ساعات بلغنا عبرى ، وقضينا ليلتنا فى بيت إحدى زوجات أخى حسن كاشف. ولأمراء النوبة زوجات عديدات موزعات فى كل أملاكهم ليجدوا راحتهم حيث نزلوا أثناء طوافهم وأسفارهم التى لا تنتهى. فلحسين كاشف هذا نحو عشرين زوجة ، لكل منهن بيتها الخاص. وقد وجدنا فى الفناء الداخلى لبيت هذه السيدة التى أقمنا بها بئرا وساقية تديرها الأبقار لرى الحقول المجاورة. وهذه السواقى بجدها المرء أنى سار هنا ، بيد أنى لم أر ساقية غير هذه داخل جدران البيت. وكان بعيرانا يسيران طيلة يومنا سيرا حثيثا.

١٢ مارس ـ كان طريقنا يجتاز سهلا من صخور الكوارتز ، ويتجه جنوبا بشرق. وبعد ساعة بلغنا تلا عاليا يقوم منعزلا فى السهل ، واسمه جبل العلاقى ، وهنا تبدأ جزيرة صاى. وبعد ساعة وربع رأيت حصن صاى قائما على الجزيرة ملاصقا للماء ، وهو مبنى بمداميك متعاقبة من الحجر واللبن ، وله أسوار عالية. وقد انتزع المماليك ما كان فيه من مدافع قليلة. ولصاى وأقليمها حاكم أو أغا مستقل عن أمراء النوبة ، شأنها فى ذلك شأن إبريم وأسوان ، فقد احتلتها

٤٨

كما احتلت هاتين المدينتين حامية من العسكر البشناق أرسلها السلطان سليم ، وما زال أحفادهم أحياء والجزيرة غنية بالزرع على ساحلها الشرقى. حيث يجرى فرع النيل الرئيسى ، أما ساحلها الغربى فقد لاح أجرد مقفرا. ويبلغ عرضها ميلين ، وفى وسطها تل عال أو جبل. وفى جانبها الغربى مخاضة يعبر منها النهر فى هذا الفصل. وكان فى نيتى أن أعبره عند رجوعى من المحس لأرتاد الجزيرة ، ولكننى منيت بالفشل كما سيرى القارىء. ذلك أنه لا يوجد بالجزيرة رمث أو معدّية ، وإذا اضطر النوبيون للعبور إلى ضفة النهر سبحوا إليها رابطين على رؤوسهم مزاريقهم أو حرابهم. على أن عندى ما يحملنى على الظن بأنه ليس بجزيرة صاى آثار من أى نوع خلا هذا الحصن الذى ذكرت ، ولعله يرجع إلى نفس العهد الذى شيد فيه حصن إبريم.

وبعد ساعتين ونصف من عبرى يتجه الطريق جنوبا بغرب ملتزما النهر تجاه صاى ويحف بالشاطىء حرج كثيف من النخيل. وبعد ثلاث ساعات بلغنا قوبق. وتغطى السهل هنا قبور الأولياء النوبيين. وبعد أربع ساعاب بلغنا وادى حميدة (١) ويقع أمامه الطرف الجنوبى لجزيرة صاى. ولوادى حميدة ملك من قبيلة حميدة العربية ، وهو تابع لأمراء النوبة. وعلى الضفة الشرقية للنهر رصيف كبير صنع من قطع ضخمة من الحجر الرملى كوّم بعضها فوق بعض بغير نظام. وعلى الجانبين مساكن كثيرة وأحراج من النخيل. ويخيل إلىّ أن وادى حميدة أكثر عمرانا من أى بقعة صادفتها جنوبى إبريم. وبلح سكوت وصاى يفضل البلح الإبريمى ، بل يفضل كل أنواع البلح الذى ينمو على ضفاف النيل من سنّار إلى الاسكندرية شمالا ، وهو كبير الحجم إذ يبلغ طول البلحة منه عادة ثلاث بوصات. ولا يصل من هذا البلح إلى شمال النوبة إلا القليل الذى يرسل على سبيل الهدية ، لأن السفن لا تستطيع أن تمخر النيل فى بطن الحجر إلى الشمال. يباع هذا القليل لعرب الشايقية الذين يأتون هنا فى قوافل كبيرة ويقايضون عليه بالذرة (بواقع كيل من الذرة لقاء

__________________

(*) فى الجبال الواقعة إلى الشرق من البحر الميت بدو يسمون بنى حميدة.

٤٩

كيل من البلح) ، وبالسمن وبالدرق المصنوعة من جلود أفراس النهر ، ولها عند النوبيين قيمة كبيرة. وليس فى إقليم الشايقية إلا نخيل قليل ردىء النوع. وبعد خمس ساعات بلغنا وادى عبور ، ويقوم تجاهه على السهل الشرقى تل عال منعزل. وهنا يتجه النهر للجنوب الشرقى بانحراف للجنوب ، ويستمر سهل الرمال والمرو ، ويبعد الجبل الشرقى على النهر مسافة تتراوح بين اثنى عشر ميلا وخمسة عشر. وبعد ست ساعات بلغنا إرو ، وكثير من بيوتها مهجور ، والزراعة فيها قليلة ضئيلة ، وهى الحد الجنوبى لإقليم صاى. ولفظ صاى وإن كان علما على الجزيرة ، إلا أنه يطلق عادة على كل الإقليم الواقع ما بين سكوت والمحس. ومن هنا تبدأ دار المحس جنوبا. ويتجه الطريق الآن جنوبا بغرب. وفى الغرب تأتلف التلال المنخفضة فتكون سلسلة أخرى تعلو كلما سرنا جنوبا. وبعد سبع ساعات بلغنا إشمتة ، وبعد ثمان ونصف بلغنا الواوى ، وهى قرية كبيرة ينعطف النهر عندها غربا. وعبرنا السهل من أقصر طرقه. وبعد تسع ساعات ونصف وقفنا عند أكواخ لعرب القراريش لنقضى الليل. وقد انشرحت صدورهم حين وزعت بعض الذرة عليهم ، وجثا إلى جوارى رجلان منهم وبدءا «تكييس» جسمى وساقىّ وذراعىّ ، على نحو ما يفعلون فى الحمام التركى ، ليعربا عن شكرهما. وعملية التكييس هذه تعيد إلى الدم دورته فى جسم المسافر الذى يكاد بشل حركته طول الركوب ، وتمنحه النوم الهادىء المريح بعد ما عانى من وعثاء السفر.

١٣ مارس ـ تحدق الجبال الشرقية مرة أخرى بالنهر ، وقوامها هنا الصخور النارية الخضراء كما هى الحال عند الشلال الثانى. وقد التزمنا السهل الساحلى الضيق متجهين شرقا ، ومررنا بعدة قرى من إقليم المحس. ولا تصنع الأكواخ إلا من الحصر المجدولة من سعف النخل ، والمشدودة إلى أعمدة عالية ترتفع أطرافها فوق السقف. ووجوه الأهالى لا تنم عن الطيبة التى تجدها فى وجوه النوبيين ، ولونهم أسود خالص ، وشفاههم أشبه بشفاه الزنج ، بعكس أنوفهم وعظام وجناتهم. وكثير من رجالهم عراة ، بل إننى رأيت من الصبايا من

٥٠

لا يستر عوراتهن شىء. ولا شك أن اللغة النوبية هنا قد أقصت العربية التى لم يعد يفقهها أحد من الفلاحين.

ورأيت وأنا أدنو من معسكر الأميرين النوبيين عدة قرى مهجورة ، آثر أهلها ترك حقول القطن التى زرعوها ، وما يرجون من محصولها ، على الرضوخ لطغيان أتباع هؤلاء الحكام الذين رأيت جيادهم وإبلهم ترعى حقول الشعير ، والذين انتزعوا الحصر من البيوت المهجورة وحملوها إلى المعسكر لتستعمل وقودا. وبعد أربع ساعات بلغنا معسكر محمد كاشف تجاه وادى تينارى ، وهو مجموعة من النجوع تقوم حول حصن تينارى المبنى بالطوب ، وهو أهم بقعة فى المحس. وكان هذا منتهى رحلتى فى الجنوب ، وكنت قد أوصيت دليلى أن يتوخى الحذر فى الجواب عن أسئلة محمد كاشف ، فإذا سئل فى أمرى فليجب بأن حسن كاشف قد أمره بمراققتى ، ولكنه لا يعلم عن مهمتى شيئا. وهو قول حق ، لأننى لم أتح له قط رؤيتى أدون مذكراتى فى أثناء رحلتى.

كان الأخوان حسين ومحمد كاشف قد قدما المحس ليحاصرا حصن تينارى الذى استولى عليه ثائر من بنى عمومة ملك المحس. ولما كان الملك حما حسين كاشف فقد وجبت نجدته على حسين ، فذهب فى نحو ستين من رجاله. ووجدتهم جميعا معسكرين فى أكواخهم على ضفة النهر الغربية تحت أسوار الحصن ، بينما احتل أخوه محمد الضفة الشرقية بعدد مماثل من الرجال. وكان الأخوان يحاصران الحصن من أسابيع ، وقد طلبا من الحامية التسليم غير مرة فأبى رجالها مع أنهم لم يعدوا الخمسة عشر رجلا. وأخيرا فكرا فى قطع الماء عنهم ، فأرسلا فى طلب زورق من أرقو ، ووقف الزورق على ضفة النهر تحت الحصن مباشرة ، وعلى ظهره رجال مسلحون بالبنادق يحميهم من نيران الحامية غطاء صفيق من جذوع النخيل التى صفت على ظهر الزورق. واستطاع هؤلاء الرجال ببنادقهم أن يمنعوا المحاصرين من استقاء الماء من النهر ، فاضطرت الحامية إلى طلب الصلح. وتعهد لهم محاصروهم بالعفو وسلامة الإياب ، وسلم الحصن فى الليلة السابقة لوصولى.

٥١

ولما وصلت معسكر محمد كاشف لم أجده لأنه كان مشغولا مع أخيه بتسلم الحصن. والتف قومه بى وبالخبير يسألوننى فيم قدمت بلادهم ، ظانين أننى من حاشية المملوكين اللذين علموا بوصولهما إلى الدر. وبعد قليل أقبل محمد بحاشيته من الضفة الأخرى ، فمضيت إليه فورا لأحييه. وكانت أمه جارية من أهل دارفور ، فكانت لوجهه قسمات السودانيين ، ولكنه خلا تماما من هذه الرقة التي تتسم بها وجوه الزنج ، بل قرأت فى سحنته الشراسه وحدة الطبع. ودحرج عينيه وهو ينظر ناحيتى نظرة مجنون ، ولم يكن يقوى على الوقوف على قدميه لفرط ما تعاطى فى الحصن من عرقى البلح. واجتمع قومه داخل خصه المفتوح ومن حوله ، وكذلك وفد عليه الثوار المهزومون. وجىء بقربتين كبيرتين من العرقى وقدم الشراب للحاضرين فى أكواب صغيرة مصنوعة من القرع صنعا متقنا. وكان منهم قلة تتكلم العربية ، أما كاشف فلم يكد يبين. على أنه ظهر لى بجلاء أننى كنت محور حديثهم. ولم يكن كاشف فى سكره قد سألنى بعد من أنا وما مهمتى. وبعد نصف ساعة كان الجميع قد ثملوا بالخمر ، ثم جىء بالبنادق وأطلقت الأعيرة النارية فى الكوخ ابتهاجا بالنصر. وأعترف أننى فى هذه اللحظة ندمت على مجيئى للمعسكر ، فقد كان من السهل أن تسدد إلىّ إحدى هذه البنادق أو تصيبنى منها رصاصة طائشة. وقد حاولت النهوض للانصراف غير مرة ، ولكن كاشف كان يحتجزنى وهو يلح على فى الشراب حتى أثمل معه. غير أنى لم أصب من الشراب إلّا أقله ، فما كان أحوجنى الآن إلى الصحو. وما انتصف النهار حتى كان جميع من بالمعسكر يغطون فى سبات عميق. وبعد ساعات كان كاشف فى حال من الصحو تمكنه من التحدث إلىّ وهو مالك زمام نفسه ، فأخبرته أننى جئت النوبة لأزور حصنى إبريم وصاى الأثريين بوصفهما من آثار دولة السلطان سليم ، وأننى أحمل له ولأخويه توصيات من إسنا ، وقد جئت المحس مسلما عليه وعلى أخيه ، لأننى لم أر من اللياقة أن أعود أدراجى من صاى دون أن أقوم بواجب التحية لهما. ولكن لسوء الحظ كان حسن كاشف قد احتفظ بخطابات التوصية التى أحملها من إسنا ، والموجهة للأخوة الثلاث ، فقد أبى أن يعيدها إلىّ حين غادرت الدر

٥٢

قائلا إنه ما دام قد حظر على السفر إلى ما بعد سكوت فلم تعد لى بها حاجة. ذلك لم يصدق محمد قصتى ، وقال لى كاتبه العربى «إنك من جواسيس محمد على ، ولكنا هنا فى المحبس نبصق على لحيته ونقطع رأس كل عدو للمماليك». فأكدت له أننى لست عدوا للماليك ، وأننى زرت الأميرين المملوكين بالدر ، وأنهما استقبلانى بمنتهى اللطف. وهكذا انقضت العشية بين أسئلة حادة من طرف ، وإجابات رواغة من الطرف الآخر. وظل كاشف ساهرا مع أخص أصحابه يتشاورون فيما يصنعون بى ، وأنا منتظر ببعيرى تحت سقيفة وراء كوخه. ولم يدر بخلد واحد منهم أننى أوربى. ولم أعلن أنا بالطبع عن هويتى مباهيا أو فخورا ، فقد كنت عازما على عدم الكشف عنها إلا إذا أحدق بى خطر داهم. وفى الليل أوفد رسول إلى حسين كاشف ، فعبر النهر إليه ليستشيره فى أمرى.

١٤ مارس ـ فى الصباح الباكر أقبل حسين كاشف فى نفر من أصحابه ليزور أخاه ويلقى على نظرة. وأعيدت على مسمعى الأسئلة التى سمعتها فى الليلة الماضية ، وأجبت عنها بالإجابات عينها ، ولكن حسينا كان أرق من أخيه معى كان محمد يهدد بإرسال رأسى إلى ابراهيم بك زعيم المماليك ، أما حسين فقد اكتفى بالإذن لى بالإياب ، راجيا منى أن أترك له بعيرىّ وبندقيتى. أما غدارتاى فقد كنت خبأتهما تحت زعبوطى. وأخيرا صارحت الأخوين بأنه لو أصابنى سوء لكان هذا وبالا على تجارتهما بإسنا ، وأنهما إذا شاءا التحقق من صدق روايتى فما عليهما إلا أن يرسلا للدر ، وأننى حتى لو كنت جاسوسا لمحمد على كما يزعمان ، لما رضى الباشا أن يقتل أحد رجاله غيلة دون أن يثأر له. أما وأننى لست إلا سائحا ، فلا عذر لهما ألبتة فى حجزى أو الإساءة إلى شخصى. وبعد لأى استطعت بهذه الحجج ونحوها أن أقنع الأخوين بعض الإقناع ، ولكنى فى شك كبير مما كان ينتظرنى على يديهما آخر الأمر لو لا أن قيض الله لى شخصين من أبناء أخى حاكم سكوت ، قدما فى زيارة لقريبهما ، فأمنا على ما قلت ، لأنهما كانا قد رأيا التوصية القوية التى كنت أحملها من حسن كاشف لعمهما داود كرا. وهنا تغير أسلوب الأخوين فى الحديث إلىّ ، ولكنى بقيت برغم ذلك موضع ريبة وتوجس شديدين

٥٣

لأن الزائرين لم يستطيعا أن يعللا وفودى إلى هذه الأصقاع النائية تعليلا مقنعا وعاد حسين كاشف إلى الضفة المقابلة واعدا إياى بأن يرسل الزورق ليحملنى وبعيرى إلى الضفة الأخرى. ولكنى ما عتمت أن رأيت الزورق يقلع شمالا ، وأنبئت أن المعسكر سينفض فى الغد ويعود الرجال إلى سكوت على مهل.

وبرغم ما شعرت به من أسف بالغ لفشلى فى زيارة الضفة الغربية للنيل ، فقد رأيت من الحمق أن أحاول المضى جنوبا إلى أبعد مما ذهبت. وكنت الآن بغير صاحب ولا ولى يحمينى فى إقليم لا يبعد سوى يومين ونصف عن الحدود الشمالية لدنقلة ، وهى المملكة التى فتحها أخيرا المماليك الذين اتهمت بالتجسس عليهم ، والذين كان أمراء المحس يظاهرونهم. وكنت أعلم كذلك أن الأميرين المملوكين اللذين لقيتهما فى الدر يتقدمان حثيثا نحونا ، وحملنى ما سمعت عنهما على الظن بأنهما قد يعترضان سبيلى فى إيابى. لهذا كله قررت أن أقفل راجعا إلى الشمال فورا ، لأننى لم أر من الحكمة أن أسافر فى صحبة أتباع محمد كاشف. ولكنى حين مثلت بين يدى هذا الحاكم لأستأذنه فى السفر ، طلب إلىّ فى جفاء أن أمكث إلى الغد وأن أسافر فى صحبته. ولما كنت قد ظفرت بالسلامة ـ وهى هدفى الأهم ـ ولم يكن الفضل فى ذلك إلا لتوجس الحاكم من الإساءة إلى والى مصر ؛ فقد فكرت فى أن أغامر بمطلب آخر ، فقلت إننى تواق إلى بلوغ الدر بأسرع ما أستطيع ، وأننى لهذا السبب لا أريد أن أتقيد برحلة جنده البطيئة. ولكنه ألح علىّ فى تأجيل سفرى ـ ولعله فعل ذلك أملا فى ابتزاز بعض الهدايا منى فأخبرته فى صراحة أننى أعد نفسى منذ الساعة أسيرا فى معسكره لأننى منعت حرية التصرف. فأجابنى فى فظاظته المعهودة «امش يا ....!» ، فصدعت بأمره توا. ولم تمض خمس دقائق حتى كنت قد تواريت عن هذا المعسكر الذى قضيت فيه يوما من أنكد الأيام التى مرت بى فى سنوات أربع من الرحلات. وبت ليلتى فى كوخ مهجور يبعد أربع ساعات عن تينارى قرب معسكر القراريش الذى نزلنا عنده قبل ذلك بيومين.

وقد يتساءل القارىء هنا : لم لم أنتحل صفة التاجر فى أثناء سفرى بالنوبة؟

٥٤

وجوابى أن التجار لا يبلغون إلى المحس فى رحلاتهم إلا إذا سافروا فى قوافل الرقيق. زد على ذلك أنهم يضطرون للبقاء طويلا فى الأقاليم التى يجتازونها ، وهو عكس خطتى. كنت أستطيع أن أحمل معى للمحس تجارة تكفى لشراء عبد أو عبدين ، ولكن القوم كانوا فى هذه الحالة يقولون إن الصفقة لا تستحق الرحلة إلى المحس ، لأن ما تجلبه من ربح لا يعوض نفقات الرحلة من إسنا وإليها ، وكنت لا أنجو من توجس الناس وظنهم أننى قادم فى مهمة سرية. ولو حملت معى بضاعة تساوى ثمن ستة من العبيد مثلا لفرض الحكام علىّ الإتاوات واحتجزونى أطول مما أبغى.

ويزعم المحس أنهم من نسل قريش ـ قبيلة الرسول ـ وكان رجالها بدوا وزراعا كما هو معلوم. ويروون أن جماعة كبيرة من قريش استولت على الوادى حين غزا البدو القادمون من الشرق مصر والنوبة. وزعيمهم ملك المحس ، أو «ملك الدار» ، من عشيرة جامع ، وهو يجبى إيراد مملكته ، ويدفع كل سنة لأمراء النوبة عن كل قسم من أقسامها الستة خمسة جمال أو ستة ، ومثلها من البقر ، وعبدين ، ونحو أربعين شاة بالإضافة إلى المطالب الاستثنائية. وقد تشرفت برؤية ملك المحس ، فإذا هو أسود دميم ، تحيط به حاشية من ستة عبيد عراة يحملون الدروع والمزاريق. وفى الإقليم الممتد على النيل من هنا إلى سنار ـ ويستغرق قطعه نحو خمسة وثلاثين يوما ـ ما يزيد على عشرين ملكا ومملكة ، فكل رئيس مستقل يلقب ملكا. وسلطة هؤلاء الملوك الصغار مطلقة فى فرض الضرائب على رعاياهم ، ولكن الملك لا يجرؤ على قتل أحد من رعاياه ، ولو فعل لجلب على أسرته انتقام أسرة القتيل.

والتجارة مهنة كل رجل محترم فى المحس. وهم يشترون الرقيق من دنقلة وبربر وإقليم الشايقية ويرسلون قافلة للقاهرة مرتين فى العام. والمحس أقرب بقعة فى السودان يسافر منها الجلابة إلى القاهرة ، والمسافة بينهما قرابة ألف ميل ، والعبد فى المحس يساوى من خمسة وعشرين دولارا إسبانيا إلى ثلاثين ، أما الجارية فمن ثلاثين إلى أربعين. ويباع الرقيق فى القاهرة بربح يبلغ مائة وخمسين فى المائة ،

٥٥

وتغل التجارة التى يحملها التجار فى عودتهم ربحا يتراوح بين ٢٠٠ و ٣٠٠% إن لم يكن أكثر فى الظروف الحاضرة بفضل تهافت المماليك على شرائها. والريال هو العملة المتداولة فى السلع الغالية ، أما فى الصفقات الصغيرة فالمد أو كيل الذرة الذى أشرت إليه آنفا ، وذراع القماش من الكتان الذى تحاك منه القمصان ، هما أداة المعاملة ؛ وثوب القماش ثلاثون ذراعا ، وثمنه ريال ، وثمنه فى أسيوط قرشان ، أى سبعا الريال. ولا يتجر النوبيون من الدر إلى دنقلة مع أهل دارفور أو بورنو. وقد أخبرنى عربى فى المحس أن الرحلة إلى بورنو تستغرق من خمسة وعشرين يوما إلى ثلاثين ، ولكنه درب لا يكاد المسافر يجد فيه للماء أثرا.

ويمتد وادى المحس مسيرة يومين بعد تينارى ، وأهم بلاده التى يصادفها المسافر جنوبا هى : دلقو وتبعد عن تينارى من ساعتين إلى ثلاث ، وتقع على ضفة النيل الشرقية ، ثم كوكه على الضفة الغربية ، وعندها آخر جندل فى هذه المنطقة. وعلى مسيرة يوم من تينارى تقوم فورى على الضفة الشرقية ، ثم برجه وفربق على الضفة الغربية ، وعلى يومين من تينارى تقوم حانك وعندها تنتهى الجبال التى تكتنف النيل فى وادى المحس. وعلى مسيرة نصف يوم جنوبى حانك تبدأ جزيرة تدعى مشو ، وعلى الضفة الغربية قرية بنفس الاسم ، وإلى جانب هذه الجزيرة جزيرة أرقو ويقطعها المرء فى يوم كامل ، وهى من أعمال دنقلة. ويقوم عليها حصن من الطوب لا تجد بناء كبيرا سواه جنوبى المحس. ومشو حد دنقلة الشمالى. وبين أرقو ودنقلة قرية أو مدينة الخندق التى رأيتها على مصورات أفريقيا. ولا بد أن منعطفات النهر فى وادى المحس كبيرة ، لأن المرء يستطيع الوصول من تينارى إلى مشو في يوم ونصف إذا سلك دربا فى الجبل ، وإذا لم تخنى الذاكرة فإنى أعتقد أن المرسلين اليسوعيين زاروا مشو فى طريقهم من دنقلة إلى الواحة الكبرى.

٥٦

ووادى دنقلة الذى عنده ينتهى الكلام باللغة النوبية يمتد مسيرة خمسة أيام إلى الجنوب على جانبى جزيرة أرقو وغيرها من الجزائر الكثيرة التى تتكون فى النهر. وتبدأ جنوبى حانك سهول دنقلة الشاسعة. ولقد علمت عن ثقة أن الإقليم خلو من الصخور ، وأنه فى زمن الفيضان يغمره الماء فى مسطح يبلغ عرضه من اثنى عشر ميلا إلى خمسة عشر. ولا تزكو التجارة فى دنقلة كما تزكو فى الأقاليم الواقعة جنوبيها ، لأن التجار فيها يلقون عنتا كثيرا من الملوك ومن شيوخ القرى المستقلين تقريبا عن الملوك. وتقدر ثروة الفرد هنا كما فى النوبة بعدد ما يملك من السواقى ، ويجبى الخراج من هذه السواقى. ومنذ استولى عرب الشايقية على شطر من الخراج اعتادوا أن يجبوا على الأرض التى ترويها كل ساقية أربعة مهوريات (١) من الذرة ، وشاتين أو ثلاثا ، وثوبا من الكتان يساوى ريالين. ويجبى الملوك الوطنيون مثل هذا الخراج. وتشتهر دنقلة بفصيلة من الخيول يستورد أهل المحس العدد الوفير منها ، ومعظمها من الفحول لأن الوطنيين قلما يركبون الأفراس. والفصيلة عربية الأصل ، وهى من أنجب ما رأيت من فصائل الخيل ، فقد اجتمعت لها كل الخصال الرفيعة التى تتسم بها الخيول العربية ، وزادت عليها الحجم الكبير والعظم العريض. وكل الخيول التى رأيتها هنا بيض القوائم إلى الركب ، وقيل لى إن قليلا جدا من خيل هذا الإقليم يخلو من هذه العلامة المميزة. والفحول الأصيلة غالية يتراوح ثمن الواحد منها من خمسة عبيد إلى عشرة. ولا تزكو هذه الخيل فى مناخ العروض الشمالية ، بل ولا فى مناخ القاهرة ، وإن كان محمد على أهدى أخيرا للباب العالى جوادا منها دفع فيه ٧٥٠ دولارا إسبانيا. وعلف أكثرها هو التبن الخالص عشرة شهور في السنة ، وفى الربيع الشعير الأخضر. ومنذ أغار المماليك على دنقلة اتخذوا مطاياهم من هذه الخيول.

وليس فى دنقلة فيلة ، ولكن أفراس النهر كثيرة الانتشار فى النيل ، ويسمى الواحد منها بالعربية «البرنيق» أو «فرس البحر» ، وبالنوبية

__________________

(*) المهورى مكيال يعادل اثنى عشر مدا (وهو الكيل المستعمل بالقاهرة) أو ثمانية بوشلات تقريبا.

٥٧

«الإرد» ، وهو نكبة كبرى على الإقليم بسبب شراهته ، وعجز الأهالى عن القضاء عليه. وكثيرا ما يسبح فى النيل شمالا حتى سكوت. وقد أخبرنى الفلاحون فى مرورى أن فى النهر بين المحس وسكوت ثلاثة من هذه الأفراش. وقد مر عدد منها فى العام الماضى ببطن الحجر وظهرت فى وادى حلفا والدر ، وهو حدث لم يعهد مثله حتى أكبر شيوخ الإقليم سنا. وقد قتل عربى فرسا منها برصاصة أصابته فوق عينه اليمنى. وأكل الفلاحون لحمه ، وبيع الجلد (١) والأسنان لتاجر أسيوطي. وواصل فرس آخر رحلته فى النوبة شمالا ، وقد شوهد في دراو وراء الشلال الأول ، على مسيرة يوم شمالى أسوان.

ومدينة دنقلة التى يسميها الأهالى «دنقلة العجوز» ، أو على الأصح «تنكل» ، تعادل الدر مساحة. وتسكن الإقليم قبيلة من البدو تسمى الكبابيش ، ويشن رجالها على دارفور غارات لا تنقطع ، ومنها يجلبون العبيد. كذلك استوطن دنقلة كثيرون من قبيلة العبابدة التى تسكن الجبل الشرقى ، وأصابوا فيها مالا كثيرا ونفوذا كبيرا ، فلما انبث المماليك فى أنحاء الإقليم كما سأفصّل ، ارتدوا إلى مصر مع رئيسهم حىّ.

ويمر المسافر جنوبى دنقلة بهذه القرى الواقعة على ضفة النيل : أفار قرب دنقلة ، ودفار وحيتانى وكنات وأمبقول التى تبعد عن دنقلة ثلاثة أيام وعن أرقو (٢) سبعة أيام أو ثمانية. وهنا ينتهى إقليم دنقلة الذى يفصله عن أملاك عرب الشايقية مفازة من جبال وصخور ، تقطع عرضا فى ساعتين ، وتحدق بالنهر مكونة سلسلة جديدة تنتهى عند حانك. وفى جنوب هذه المفازة ، أو على الأصح فى شرقيها ـ لأن النهر هنا يجرى من الشرق للغرب ـ يبدأ إقليم الشايقية. وأول بلد أو واد هو قوص الذى تقطنه قبيلة

__________________

(١) تصنع الكرابيج من جلد فرس النهر ، وهى من السلع التى تحملها قوافل سنار ودارفور.

(٢) تتناقض تقديرات الأهالى للمسافات تناقضا كبيرا والطريقة الوحيدة عندهم لحسابها هى حساب المراحل ، ولكن مراحل الإبل تتفاوت تفاوتا كبيرا. إذا لم تكن مسافرة فى قوافل.

٥٨

العونية ، ويليه حاتك الزبير الذى تقطنه قبيلة بهذا الاسم ، ثم دار السواراب وكربر ، وقرى ، وأبرصنار ، ووسطه ، وتنقسى ، والكرو ، وغوشابى ، ومروى ، والعجيب أن يتفق نطقها ونطق «مروى» القديمة ثم البركل ، وفورى ، والكاسنجر ، والحمداب ، وأولى ، وزوارة ، ودلقو ، وعندها ينتهى إقليم الشايقية الذى يقطع طولا فى خمس وثلاثين ساعة إلى أربعين. وأهم هذه البلاد قرى غوشابى ومروى ، ويقع البلدان على النيل يواجه الواحد منهما الآخر. وتعد مروى عاصمة الشايقية أو أهم مقر لهم ، ولها حصن من الآجر. وبين دنقلة ومروى وادى عرب البديرية ، وكان شيوخهم إلى عهد قريب خاضعين للشايقية. وبين دنقلة ومروى درب قصير يخترق الصحراء ويقطع فى يومين ونصف. والطريق الجبلى من المحس إلى مروى يستغرق سبعة أيام إلى ثمانية من السفر الهين ، ولكنه خلو من الماء (١). وعرض وادى النيل فى إقليم الشايقية لا يتجاوز ثلاثة أميال فى أى جزء منه. وهناك جنادل صغيرة تنتشر فى مواضع كثيرة من النهر تكاد عندها تتعانق الجبال القائمة على الضفتين. وليس فى هذا القسم من النهر إلا تماسيح قليلة ، أما أفراس النهر فلا ترى. والأشجار المنتشرة على ضفاف النهر هى السنط ، أما النخيل فنادر. وأهم الحاصلات الزراعية الذرة والدخن ، وتروى الحقول صيفا بالسواقى. والإقليم آهل بالسكان كأعمر بقاع مصر.

وعرب الشايقية ، الذين لم أر منهم فى المحس غير رجل واحد ، يثيرون اهتمام الباحث بلا ريب. فهم أقوى الدويلات شمالى سنار ، وتقول رواياتهم إن جدهم كان

__________________

(*) تبعد مروى مسيرة سبعة أيام من الدامر (انظر خريطة بروس). وبين مروى والقوز الواردة فى خريطة بروس يقوم إقليم مقرات ورئيسه قاطع طريق اسمه نعيم ، وكثيرا ما يهاجم القوافل المسافرة من القوز لمصر ، إلا إذا كانت من الكبر بحيث يخشى بأسها. وتبعد مقرات ثلاثة أيام عن القوز ، واسم القوز هذا لا يعرفه الإفريقيون فى المناطق التى مررت بها ، ولكنهم يعرفون «بربر» جيد المعرفة ، وهى على يوم واحد شمالى الدامر ، فهى لذلك تتفق و «القوز» التى ذكرها بروس. وتصل قوافل بربر كل شهر تقريبا إلى الصعيد.

٥٩

يدعى شايق ، وقد أنجب أربعة أبناء انحدرت منهم القبائل الرئيسية. وهم ينقسمون الآن عشائر كثيرة أقواها عشيرة العدلاناب لأنها عشيرة شيخهم الأكبر. أما العشائر الأخرى فهى الحمدان والسليمانى والعمراب ، يضاف إليها عشائر العونية والزبير (التى يجب التمييز بينها وبين الأسرة المالكة فى أرقو ، وهى لا تمت لهم بقرابة) ، وعرب المناصير الذين يسكنون وادى المناصير شرقى إقليم الشايقية ، والذين وإن كانوا لا ينتمون للشايقية على وجه الدقة إلا أنه يجوز أن نسلكهم فى عشائرهم لما لهم بهم من صلة وثيقة. وهذه القبائل فى حرب متصلة مع بعضها البعض ، يخرج شبانها فى حملات للنهب والسلب تبلغ دارفور غربا ووادى حلفا شمالا ، وكلهم يحاربون على خيولهم لابسين دروعا يشترونها من تجار سواكن وسنار. وهم لا يستعملون الأسلحة النارية ، فسلاحهم الوحيد الرمح والدرقة والسيف. ويقذف المقاتل منهم رمحه مسافة بعيدة بمهارة فائقة ، ويحمل دائما فى يسراه أربعة رماح أو خمسة وهو يكر على العدو ، وكلهم يمتطون خيولا دنقلية ، ويشتهرون بالفروسية كما كان يشتهر بها مماليك مصر ، ويدربون جيادهم على القفز العنيف بقوائمها الخلفية وهى تعدو. وتذكرنى سروجهم بما رأيت من رسوم لسروج الأحباش ، وهم كفرسان الأحباش لا يضعون فى ركاب السرج غير إبهام القدم. وعرب الشايقية هم الذين يزودون المحس بما يحتاجونه من سروج.

والشايقية مستقلون استقلالا تاما ، ولهم ثروة طائلة من الذرة والماشية ، وهم كبدو جزيرة العرب لا يدفعون ضريبة لشيوخهم الذين لا تبلغ سلطتهم مبلغ سلطة شيوخ دنقلة. وهم مشهورون بكرم الضيافة ، وشخص الضيف أو الرفيق مقدس عندهم. وإذا قطعوا الطريق على مسافر وسلبوه ماله ثم اتضح أن بينهم صديقا له ، ردوا إليه ماله حتى ولو كان ملكهم هو الذى غنمه. ولا يتكلمون سوى العربية ، وكثيرون منهم يكتبونها ويقرءونها. وعلماؤهم موضع التبجيل والتعظيم ، ولهم مدارس تدرس فيها كل العلوم الإسلامية. باستثناء الرياضة والفلك ، وقد رأيت كتبا منسوخة فى مروى بخط لا يقل جمالا وروعة عما يكتبه خطاطو القاهرة وكبير

٦٠