رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان

جون لويس بوركهارت

رحلات بوركهارت في بلاد النوبة والسودان

المؤلف:

جون لويس بوركهارت


المترجم: فؤاد أندراوس
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المجلس الأعلى للثقافة
الطبعة: ٠
ISBN: 977-437-201-8
الصفحات: ٣٩٢

بعد أن قطع طريق القوافل المباشر من سنار إلى كردفان بفعل غارات عرب الشلك وسرقاتهم عند عبور القوافل للبحر الأبيض (النيل الأبيض). وهؤلاء العبيد إما من الحبش أو النوبا (واحدهم نوباوى) ، أما الأولون فجلهم جوار من شعوب الجلا ، وفيهم قليلات من الأمارا (١). على أن ما ترسله شندى إلى الشمال من هؤلاء الحبشيات قليل على وجه العموم ، فإن الملوك يشترون أفضلهن لحريمهم. ويمكن الحصول على الجوارى الحبشيات فى مصر وبلاد العرب بثمن أرخص ، وذلك بشرائهن من التجار الجبرت القادمين من مصوع والذين يبيعونهن فى جدة. وعدد الجوارى الحبشيات اللاتى يجلبن سنويا من سنار إلى سواكن أو مصر لا يزيد على المائة حسب تقديرى. وقد اشترى المماليك الكثيرات منهن مؤخرا ، ولا غرو فإنهن يمتزن عن سائر السود بالجمال وحرارة الحب والوفاء لسيدهن متى استطاع أن يغريهن بحبه.

ويطلق لفظ النوبا على جميع السود القادمين من بلاد العبيد جنوبى سنار. ويمتد إقليم سنار رحلة عشرة أيام بعد المدينة على ما علمت من تجارها ، واتجاهه جنوبى وجنوبى شرقى ، وتسكنه كله قبائل حرة من العرب. ويغير هؤلاء العرب على الجبال الجنوبية ويسبون أطفال الوثنيين ، وهؤلاء العبيد النوباويون ـ ويجب أن نسلك فى عدادهم أيضا العبيد المولودين فى إقليم سنار من آباء زنوج وأمهات حبشيات ، والذين يبيعهم بعد ذلك أصحاب آبائهم ـ هؤلاء العبيد وسط بين السود والحبش ، فلونهم أفتح من لون الزنج ، وهو ضارب إلى حمرة النحاس ، ولكنه أدكن من لون العرب الأحرار من أهل سنار وشندى. وفى قسمات وجوههم ما ينم عن أصلهم الزنجى فى جلاء ، ولكن فيها كذلك شيئا من التناسق. فأنوفهم وإن صغرت عن أنوف الأوربيين لا تبلغ فى انبساطها أنوف الزنوج ، وشفاههم أرق وعظام وجناتهم أقل بروزا ، وشعور بعضهم صوفية القوام ، ولكنها فى أكثرهم شبيهة بشعور الأوربيين ، غير أنها أقوى ، وهى دائما

__________________

(*) هكذا يلفظ العرب هذه الكلمة ، فهم لا يلفظونها أمهره Amhara كما زعم بروس. والاسم الذى يطلقونه على الأحباش «نقطى» لا «حبشى».

٢٤١

مجعدة. وفى باطن أيديهم طراوة تميزهم عن الزنوج الخلص الذين تحس بأيديهم قاسية كالخشب.

ويؤثر الناس فى مصر وبلاد العرب عبيد نوبا هؤلاء على من سواهم فى العمل البدنى ؛ فأخلاقهم طيبة ، ويزيد ثمنهم فى شندى ومصر على ثمن الزنوج عشرين فى المائة. أما العبيد الأحباش فمعروفون بعدم صلاحيتهم للعمل البدنى ، ولكنهم مطلوبون لأمانتهم ، وهم من خيرة الخدم فى البيوت ، وكثيرا ما يعملون كتابا ، ولا غرو فهم أذكى من السود. والعبيد النوباويون أسلم أبدانا فيما يقال ، وهم أعصى على المرض وأقوى على احتماله من الحبش ، وجلهم يصدر إلى مصر ، ولكن بعضهم يرسل إلى سواكن.

العاج. يشترى التجار المصريون سن الفيل بمقادير صغيرة ، ولعل هذه التجارة كانت فيما مضى أروج منها اليوم ، أما اليوم فالطلب على العاج قليل فى مصر ، وربما كانت علة ذلك أن أوربا تجلب ما تريد منه بثمن أزهد من بلاد البربر وجزر الهند الشرقية. على أن جلب العاج من دارفور إلى مصر ما زال يحتفظ ببعض أهميته ، وإن كانت سوقه كثيرا ما تكسد فى مصر كسادا تاما.

ويخيل إلى أن الزنوج لم يتعلموا قط استئناس الفيل ، فهم يوقعونه فى الحفر أو يقتلونه بإطلاق وابل من النبال عليه من فوق الأشجار التى يمر تحتها ، ويؤكل لحم الفيل قرب سنار فيما يقال.

قرن الخرتيت. يسمى الخرتيت فى بلاد الزنج «أم قرن» ، ومن الجلى أنه الأصل فى وحيد القرن الخرافى Unicorn. وقد وصف لى العرب الخرتيت مرارا فقالوا إنه أشبه بالبقرة الكبيرة لها قوائم غليظة وذيل قصير وقرن طويل واحد فى جبهتها (١) وجلد كالحراشف الكبيرة قاس كأنه الحديد. وكلما وصفت لهم وحيد

__________________

(*) إن عجز العرب عن التمييز بين المقادير والأبعاد لا يحتاج إلى بيان ، فهم قلما يتحرون الدقة فى استعمال الألفاظ الدالة على الطول أو القصر ، وعلى الكبر أو الصغر ، وعلى العلو أو الانخفاض ، وعلى العمق أو الصحولة الخ .. وهم إذا وصفوا شيئا غالوا فى تضخيمه أو تصغيره غلوا غير معقول.

٢٤٢

القرن وسألتهم هل رأوا مثل هذا الحيوان ذى القرن الطويل ذكروا لى أنه الخرتيت أو «أم قرن». ويسكن الخرتيت منطقة سنار ولكنه لا يرتاد أقاليم النيل شمال هذه المنطقة. ويبدو أن حده الشمالى الذى لا يتجاوزه ـ شأنه فى ذلك شأن الفيل ـ هو الجبل الواقع إلى الشمال من قرية أبو حراز على مسيرة يومين من سنار ، ويمتد هذا الجبل حتى يحدق بالنهر فيعترض المرور على ضفافه. ولا يعرف الخرتيت ولا الفيل فى شندى ولا الحلفاية ، وهى على يومين جنوبيها. ويصنعون فى القاهرة من قرن الخرتيت زخارف يحلون بها مقابض السيوف والخناجر ويطعمونها بها على طريقة المماليك. وثمن القرن غال ، وقد رأيت منه قطعا طول القطعة منها زهاء بوصات أربع ، وسمكها بوصة ، وثمنها أربعة ريالات إسبانية أو خمسة.

المسك. لا يباع مسك قط الزيادcivet ـ cat فى شندى ، ولكن التجار السواكنية الذين يلمون بسنار يجلبون منه المقادير الصغيرة يبيعونها فى جدة. وأهم أسواق المسك مصوع ومكة إبان موسم الحج. ويجلبه إلى القاهرة تجار جدة.

الكرابيج. تجلب الكرابيج السالفة الذكر من سنار دون سواها.

الأبنوس. يجلب الأبنوس قطعا صغيرة ، وأطول ما رأيت منها قدم واحدة ، ويقال إن هذا الشجر ينمو جنوب سنار ، ولكنى أحسبه ينمو على مدى بعيد منها لأنه غال جدا. وتجلب من سنار مقابض المدى المشغولة بالأبنوس شغلا دقيقا ، وتركب فيها بعد ذلك المدى التى يحملها العرب فى هذه الأنحاء مشدودة إلى مرافقهم. ولا يحمل جلابو الرقيق الأبنوس إلى مصر ، فمصر تستورده من جدة. على أننى فهمت أن شجره ينمو فى الصحارى الملاصقة لدارفور غربا.

البن. يجلب من البن الذى تنتجه الحبشة وإقليم الجلا المقادير الصغيرة. ولا ينقل شىء منه من مصوع إلى جده لأن شجرة البن لا تنمو إلا فى أقصى الغرب

٢٤٣

من بلاد الحبش. والقهوة ليست شرابا شائعا فى هذه الأنحاء ، إنما هى ترف لا ينعم به إلا الملوك.

الجلد. فى سنار خير مصانع الجلد قاطبة من دارفور إلى البحر الأحمر. ويظهر حذق صانعيه ومهارتهم فى رحال الإبل (القصعة) والحقائب والصنادل. وتصدر الرحال إلى مصر لتوضع على الجمال أو الهجن ، وتباع بعشرين ريالا للرحل ، وتزين بالشراريب من الجلد ، وهى تجمع بين سلامة الذوق والمتانة. أما الحقائب أو الجربان فيشتريها التجار السواكنية ويبيعونها لأهل اليمن يحملون فيها زادهم فى السفر. وحياكتها غاية فى المتانة والدقة ، ولبعضها أقفال ، وكان أهل سواكن يبيعون منها المقادير الكبيرة للوهابيين فى مكة. وجلدها من خير أنواع الجلد ، ويفضل كثيرا جلود مصر والشام ، ويكاد يبلغ فى الجودة الجلد الروسى. وأما الصنادل السنارية فيلبسها كل من يعنى بلباسه من النوبيين رجالا ونساء ، وإن المرأة منهم لتؤثر أن تمشى بقميص ممزق عن أن تلبس صندلا قبيح الشكل. وفى حياكة هذه الصنادل من الدقة والأناقة ما لا ينتظر من عرب غير متحضرين. وفى سوق شندى يساوى أفضل زوج الصنادل من ريالين. ولكل بلد فى هذه الأقطار طراز منها يؤثره أهله ، وعلى ذلك تستطيع بقليل من الخبرة أن تنبىء عن موطن الرجل منهم بنظرة إلى قدميه. وكذلك الشأن فى بلاد العرب ، وإنى لأذكر أننى يوم وصلت جدة أول مرة منتعلا صندلا ابتعته من سواكن كان كثيرون ممن لا يعرفون من أمرى شيئا يشيرون إلى صندلى ويسألوننى ما الذى ذهب بى إلى سواكن.

الزمزميات أو المطاهر من الجلد ، والاقبال عليها فى مصر كبير

كذلك يدخل فى الواردات المجلوبة من سنار الدرق من جلد الخرتيت والزراف ، ويصنعه البدو من العرب ويبيعونه فى سنار ، ويستعمله القوم على طول ضفاف النيل وعبر الجبال حتى القصير وقنا فى صعيد مصر.

النبق. وينزع لحم الثمرة عن النواة ويجفف فى الشمس ثم يعبا فى حقائب جلدية صغيرة ويحمل حتى سواكن. وهو طعام لذيذ فى الرحلات.

٢٤٤

وأهم السلع السنارية فى سوق شندى الابل والذرة ، ولو لا اتصال ورود هاتين السلعتين إلى شندى لهددتها المجاعة. وتخرج قوافل الذرة فى الرحلة وحدها عادة ، وقل أن يصحبها التجار فهم يخرجون فى قوافل خاصة بهم. وهؤلاء التجار أيسر حالا من التجار المصريين ، ولا يندر أن ترى بينهم رجلا يملك عشرة أحمال من الدمور وفرقة كاملة من العبيد. وقد ذكروا لى اسم تاجر سنارى ابتاع فى شندى كل ما حملته قافلة مصرية قوامها ثلاثون راحلة.

الشهد. وتجلب المقادير الكبيرة منه من سنار ، ويجمع العرب النازلون بإقليم سنار العسل البرى الكثير ، ولكنهم لا يهتمون بتربية النحل وتعهد خلاياه قرب مساكنهم.

ولم أسمع بنبأ ضرئب مرور أو إتاوات تجبى على التجارة فى سنار. والعقبة الوحيدة التى يقيمونها فى سبيل التجارة هى أن الملك يفرض بضاعته دائما على المشترين قبل أن يجرؤ غيره من التجار على عرض بضاعتهم والمساومة عليها ، ويأخذ تجار سنار من المصريين ، لقاء بضاعتهم ، السنبل والمحلب بمقادير كبيرة ، وكذلك السكر والصابون وكل سلعة تقريبا من السلع التى تعرضها أسواق مصر وسواكن ومنذ قطعت المواصلات المباشرة بين سنار وكردفان أخذ أهل سنار يشترون من سوق شندى الرقيق المجلوب من كردفان ، فهم يحصلون عليه بأسعار أرخص مما يبتاعون رقيق النوبا من سوق سنار. وكان طريق النيل إلى سنار محفوفا بالخطر فى أثناء مقامى بشندى وذلك لما نشب من خصومة بين مك الحلفاية ومك أربجى ومن ثم كانت القوافل تؤثر الطريق الصحراوى الموازى للنهر على رحلة يوم فى الداخل حتى تبلغ أبو حراز ، ثم تلتقى بالنهر ثانية. وليس بهذا الطريق من الآبار سوى بئر واحدة ، وقد يتنكبها المسافرون لأن بدو الشكرية كثيرا ما يلمون بها ، وأهل سنار يفزعون منهم ويخشون بأسهم أشد خشية.

ووصول قوافل كردفان إلى شندى منتظم ، وهو رهن بمزاج حاكم كردفان الذى طالما منع التجار من الرحيل طمعا فى المزيد من أرباح تجارته. وقد تمضى

٢٤٥

ثلاثة شهور لا تصل فيها قافلة ثم تأتى القوافل بعدها تترى. والطريق مأمون من الأبيض Pbeydh (وليست Ibeit كما كتبها براون) عاصمة كردفان إلى شندى ، ويقطع فى أسبوعين يجتاز المسافر فى الأيام الخمسة الأخيرة منهما صحراء لا ماء فيها ويصل مع قوافل كردفان تجار من دارفور أيضا ، ويقال إن التجاره نشيطة والطريق مأمون بين كوبى عاصمة دارفور وبين الأبيض. وليس بكردفان من العبيد سوى ما يجلب إليها من دارفور ، ويبدو أن أهلها لا يتجرون مع بلاد الزنج الجنوبية ، ولكن منذ أتى المماليك دنقلة فتح طريق تجارى مباشر بين دنقلة وكردفان التى لا تبعد حدودها الشمالية عن حدود دنقلة أكثر من ستة أيام على ما علمت.

وإذا وصلت قافلة كردفانية إلى شندى حفلت سوقها بالرقيق وهو أهم السلع التى يجلبها تجار كردفان ، ويجلبون كذلك خير ما تنتجه بلاد الزنج من الصمغ العربى (١) ، والعرديب أو التمر الهندى ، واللبان ، والنطرون من دارفور ، والششم الذى يستعمل فى مصر علاجا للرمد ، والشوشة وهى نوع من البازلاء الصغيرة التى تنمو فى كردفان ودارفور ، ولونها قرنفلى جميل بنقطة سوداء صغيرة فى نهايتها ، ويسلكونها فى خيوط ويلبسونها كالعقود. ومن السلع التى يبيعونها الحبال من الجلد. وسكان البلاد الواقعة على النيل يصنعون حبالهم من ليف النخل أو من الغاب الذى ينمو على ضفاف النهر ، أما سكان البلاد الغربية التى تخلو من النخل فحبالهم من سيور الجلد المفتولة ، وهى غاية فى المتانة والقوة ، ولهذه الميزة مقام الصدارة فى الرحلات الصحراوية على ظهور الإبل المثقلة بالأحمال. وتباع هذه الحبال للتجار المصريين والسواكنية ، وكذلك الجربان الكبيرة المصنوعة من جلود الثيران الغليظة بكردفان ودارفور ، ويحمل فى هذه الجربان دقيق الذرة فى

__________________

(*) كانت قوافل سنار تجلب إلى مصر سنويا ألفى قنطار من الصمغ العربى ، أما اليوم فهى لا تحمل إليها أكثر من مائة قنطار. والصمغ المأخوذ من السنط فى صحارى الحجاز يعرف فى القاهرة بالصمغ الينبعى (نسبة إلى ينبع) ، أما المأخوذ من صحارى السويس والتيه وجبل سيناء فاسمه الصمغ الطورى (نسبة إلى الطور) ، ولا يصدر هذا إلى أى بلد أوربى غير فرنسا. وصمغ كردفان من خير أنواع الصمغ ، وحبيباته صغيرة وبياضه ناصع. أما صمغ سنار فالطلب عليه أقل.

٢٤٦

الصحراء طعاما للعبيد. ثم قرب الماء الكبيرة من جلود الثيران ، وتسمى القربة منها ريا ، ويستعملها التجار الذين يعبرون الصحراء بحشد كبير من العبيد ، وحمولة الجمل قربتان منها. وهى تحفظ الماء خيرا مما تحفظه قرب الماعز الصغيرة ، وغلظ جلدها يمنع الماء من سرعة التبخر. وهذه القرب من السلع الهامة فى تجارة دارفور ومصر ، وتستخدم فى جميع المدن المصرية لا سيما فى القاهرة لحمل الماء من النهر إلى المدينة سدا لحاجة أهلها منه. وكذلك يجلب تجار كردفان قربا من جلد الغنم صنعت بمهارة فائقة لأن الجلد قد حفظ فيها كاملا برمته. وسبيل ذلك أن يفصل الرأس عن الجسد ، ثم يسلخ الجزار الجلد بمهارة لم يؤتها البدو من العرب ، فيدخل يده بنصل صغير من فتحة فى الزور ، ويفصل الجلد عن اللحم دون أن يجرحه. وعلى ذلك لا ترى فى القربة الكردفانية آثار جروح فيما عدا مكان القوائم أما غير هذا من القرب العادية فملفوقة من جوانب ثلاث. ومن السلع المجلوبة من كردفان القصاع الخشبية الكبيرة ، وهى منقورة من أصل نوع من الشجر فيما يقولون ، وتدهن بالسمن ثم ترفع على النار لتسودّ. وكثيرا ما تقوم مقام الخزف والأوانى والصحاف والأكواب الصينية التى يحلى بها بعض الأقوام الشرقيين المتحضرين غرف الجلوس فى بيوتهم بوضعها على رفوف مثبتة فى الجدران. وبعض هذه القصاع من الكبر بحيث يسع من الطعام ما يكفى اثنى عشر شخصا ، وفى صنعها دقة لا تلمح معها أثرا للآلة التى صنعت بها.

كذلك يلقى ريش النعام الذى يجلبه تجار كردفان إقبالا عظيما. وهؤلاء التجار متوسطو الثراء ، ولأكثرهم نساء فى شندى ودارفور وفى الأبيض أيضا. ويشترون العبيد من دارفور ويلمون ببيوتهم فى الأبيض ثم يؤمون شندى بعبيدهم. ويعرف الناس فيهم أمانة ليست فى أهل سنار ، ولكن هذه السمعة الطيبة لا تغرى أحدا ببيعهم بضاعته نسيئة. ويحملون من سوق شندى السنبل والمحلب والكحل والعقود والتوابل الكثيرة وعلى الأخص القرنفل ، وكلها يتهافت الناس على شرائه فى أقاليم السودان الغربية. كذلك يحملون قليلا من البضائع الحديدية والدمور السنارى والكتان المصرى ، وأقمشة الهند القطنية المجلوبة من سواكن ،

٢٤٧

والقليل من ثياب الحجاز الجريرية وقماشه الذى يلبسه أمراؤهم المولعون بكل زاه براق يشعر الناس بمكانتهم ، وبعض البن ، وأهم من هذا كله «الريش» أو الخرز من العقيق الهندى. ويقال إن العملة التى يتداولها أهل كردفان ـ فضلا عن الذرة ـ هى قطع من الحديد صغيرة يشترون بها من السوق اللبن واللحم وخبز الدخن. وتجمع هذه القطع وتصنع منها البلط ورؤوس الحراب. كذلك يتعامل القوم بالأبقار ، فيشترون بها العبيد مثلا ، وطعام هذه الأبقار من الأعشاب البرية موفور وفرة تتيح اقتناء أى عدد منها فى حيشان المنازل.

وأغنى من يؤم اليوم سوق شندى من التجار قاطبة هم تجار سواكن المعروفون فى هذا الجزء من إفريقية بالحداربة أو الحضارمة (نسبة لحضرموت موطنهم الأصلى فى جنوب بلاد العرب). ولن تعدم فى شندى بعض هؤلاء التجار فى أى وقت افتقدنهم. وحين كنت بها غادرتها إلى سواكن قافلتان منهم ووصلتها قافلة كبيرة ، ولا يمر شهر دون أن يصل بعضهم من سواكن. كذلك يلم الحداربة بسوق سنار ، فتتخذ قوافلهم طريق شندى أو الطريق الأقرب طريق قوز رجب على عطبرة ، ومنها ييممون سنار مباشرة عبر الصحراء ، ويلم بعضهم أيضا بالأبيض عاصمة كردفان ، ولكنهم ليسوا من الكثرة بحيث يؤلفون قوافل قائمة بذاتها ، ومن ثم فهم يرحلون إليها فى صحبة التجار الوطنيين. ويرحب تجار سنار وكردفان بقوافل هؤلاء الحداربة حين تصل شندى ، ولا غرو فهم أسرع الناس شراء لبضائعهم ، ولكنهم يثيرون فى صدور المصريين ـ منافسيهم فى تجارة كثير من السلع ـ أشد ضروب الغيرة والحسد. وأهم ما يجلبه تجار سواكن إلى شندى هو السلع الهندية ، فيها الكمبريت مختلف الأنواع من بفتة إلى بنوه ويجلب من مدارس وسورات ، وفيها الموسلين الخشن المجلوب من بنغالة ، وبعضه يستهلكه أهل شندى وسنار ، ولكن أكثره يعطى لتجار كردفان عوضا عن العبيد ، وفيها التوابل والأفاوية لا سيما القرنفل والزنجبيل ، وفيها السكر الهندى ، والعقود اليمنية كما يسمونها ـ وإن كانت لا تصنع فى اليمن ـ وخشب الصندل ، وهو سلعة هامة تتخذ طريقها من شندى حتى تبلغ الأقاليم

٢٤٨

التى فى غرب دارفور وأقصاها الباقرمى ، كذلك يبيع الحداربة كل ما يجلبه المصريون من بضائع حديدية ، ولكن هؤلاء أقدر على بيعها بأثمان رخيصة ، ويبيعون لتجار سنار ودارفور «الضفر» وهو قشر حيوان يعيش فى البحر الأحمر ، ويقطع قطعا صغيرة تصلح بخورا يفوح شذاه إذا أدنى من النار. ويقبل أهل الحجاز ومصر على قطعه الخرزية الشكل ، فيلبسها النساء قلائد فى أعناقهن ، ولونها أسود أو أزرق قاتم بعروق فاتحة. ويصدر السواكنية هذه القلائد إلى جدة أيضا.

ويحمل الحداربة عوضا عن سلعهم الذهب والعبيد ـ وعلى الأخص من الحبش ـ وسلع بلاد الزنج كافة فيما خلا الصمغ العربى ، وإن كانوا أحيانا يحملون الصمغ أيضا ويبيعونه فى اليمن للتجار الإنجليز والأمريكيين. وفى شندى تبتاع كل قافلة سواكنية عددا من الجياد الدنقلاوية لتبيعها بثمن مجز فى بلاد اليمن ، سواء فى الحدبدة أو اللحية أو فى الجنوب حتى مخا. وفرسان الشريف حمود ـ الأمير الحالى لليمن ـ يمتطون جيادا تكاد تكون كلها مجلوبة من دنقلة لأن الجياد العربية الأصيلة نادرة جدا فى اليمن.

وتجلب القوافل السواكنية التى تبلغ فى رحلاتها سنار تبغا كثيرا من سوقها لتبيعه فى اليمن. ويتمتع التجار السواكنية فى شندى بثقة لا يتمتع بها غيرهم لثرائهم وكثرتهم ، وكلهم من العرب الأحرار ، فهم ليسوا فلاحين كالتجار القادمين من صعيد مصر ، ولا سودا كتجار كردفان ، وجلهم من صفوة الأسر السواكنية ، وهم يبادرون إلى الثأر لأية إهانة توجه إلى أى فرد منهم. ويعاملهم المك بأدب جم ، وهم يتحفونه بهدايا لا ينالها من سواهم من التجار. على أننى سأعود إلى الكلام على هذا فى معرض حديثى عن سواكن. وسواكن اليوم ـ باستثناء مصوع ـ والقاهرة أهم بلد لتجارة الرقيق فى الشمال الشرقى من إفريقية وراء حدود السودان.

وليس لتجارة دنقلة أهمية تذكر فى شندى. ويجلب إليها الدناقلة البلح الذى

٢٤٩

يشترونه من المحس ، والتبغ الذى تنتجه بلادهم. ويرسل البلح إلى سنار وكردفان هدايا للملوك ، ويعده القوم هناك ترفا لا يفضله غير السكر.

ويتهافت التجار على شراء الجوارى اللواتى سبقت لهن خدمة فى بيوت الدناقلة لما اكتسبن من خبره فى الطهو والخدمة (١). وقد أصبحت شندى ـ بفضل اتفاق هؤلاء التجار جميعا ـ أول سوق سودانية لتجارة الرقيق المصرية والعربية ، والتجارتان على صلة وثيقة بعضهما ببعض وبالتجارة الحبشية أيضا ، وقد يلتقى التجار القادمون من هذه الأقطار الثلاثة فى أقصى حدود البلاد التى يوغلون فيها للتجارة ، ويجلبون لأسواق إفريقية من الشمال والشرق سلعا تكاد تكون واحدة. ويبدو أن أبعد الحدود التى يبلغها التجار هى دار صليح ، أو لعلها الباقرمى فى غرب دارفور وشمالها الغربى. أما الأقاليم الواقعة وراء هذين الإقليمين فعلى الرغم من اتصالها بدارفور لاستيراد السلع العربية والمصرية ، إلا أنها تقفل أبوابها فى وجوه هؤلاء التجار ، وعبثا حاول التجار أن يوغلوا وسط قبائل العرب والبدو المعادية التى تقطن بحر الغزال ، ووسط القبائل الإفريقية الوثنية التى تقيم بين الباقرمى وعفنو ، مهما تكن أهمية السلع التى يحملونها. وتبدأ تجارة فزان أو تجارة زبلع ـ وهو الاسم الذى يطلقونه عليها هنا ـ فى الانتشار وراء بحر الغزال فى اتجاه حدود بورنو ، ومن هذا الإقليم تنتشر إلى أقصى الغرب عبر السودان. ولم أعثر على أثر لأى تجارة منتظمة بالقوافل تقوم بين شرق السودان وغربه على الرغم من استفسارى عن هذا المرة بعد المرة (وفى وسع المرء أن يوجه ما شاء من أسئلة للتجار السود دون أن يخشى توجسا منهم أو غيرة) ، ولم ألق أى تاجر قادم من الأقاليم الواقعة وراء الباقرمى. والذين يقصدون تلك الأقاليم يلحقون فى بورنو بقوافل فزان. أما القلة من أهل بورنو التى تسافر بطريق بحر الغزال إلى دارفور رأسا فحجاج يعيشون على الصدقات. وجلّ الرقيق الذين تراهم فى شندى مجلوبون من

__________________

(*) بعد أن استقر المماليك فى دنقلة اضطروا إلى جلب ما يحتاجونه من مصر بطريق شندى. وأقصر الطرق يستغرق خمسة أيام ، ويخترق الجبال من كورتى فى بحدود دنقلة جنوبا ، ولكنه طريق غير مأمون.

٢٥٠

أقاليم الوثنيين المتاخمة لدارفور وبورقو ودار صليح. أما العبيد المجلوبون من بورنو ـ ويتميزون بالوشم على جلودهم ـ فلا يذهبون إلى شندى قط ، والذين تراهم منهم فى مصر إنما جاءوها بطريق فزان. وقلّ من التجار الأجانب من يفد على شندى خلاف المصريين ، وقد يفد عليها أحيانا بعض عرب ينبع فى قوافل سواكن أو فى القوافل المصرية لأن للينبعيين بصعيد مصر مساكن كثيرة فى قنا وقوص. وحين نزلت شندى كان فى كردفان ينبعيان وتركى من موهل. وقد ذهب إليها هذا التركى يحمل تجارة قليلة من مصر ، ولكنه أنفق ماله فى الدعارة والفجور ولم يستطع أن يدبر مبلغا يستعين به على العودة للشمال. وقد يسلك هذا الطريق التجار الأتراك (١) القادمون من مصر إلى دارفور أو الأشراف القادمون من الحجاز للحصول من الملوك على العطايا بالإلحاح واللجاجة نزل شندى حين كنت بها عربى قادم من سواكن ، وكان من عشيرة رفاعة التى تنتسب إلى قبيلة كبيرة تجاور ينبع هى قبيلة جهينه (٢). وأخبرنى الرجل أن من أبناء عشيرته رفاعه ـ فيما سمع ـ قوما نزلوا جنوب سنار ، وأنه ينوى أن يلم يهم طلبا لعطاياهم لأنهم كانوا يعطفون على ذوى قرباهم بالحجاز ، لا سيما على الذين يتجشمون منهم مشقة الرحلة للسلام عليهم وكان على علم باسم أحد مشايخ رفاعه وبموطنه من شاطىء النهر على نحو ستة أيام من سنار ، وغادر الرجل شندى فى قافلة سنار قاصدا هذا الشيح.

وبلم بشندى أحيانا أفراد قادمون من الحجاز ومصر إلى سنار طلبا لصغار القردة يدربونها على ألعاب يتلهى بمشاهدتها أهل المدن فى بلاد العرب والشام ومصر. وكان القوم حين يتبينون فى ملابسى وأدواتى رثاثة لم يعهدوها فى التجار يسألوننى المرة بعد المرة ، أقادم أنا فى طلب قردة؟ وهؤلاء القرادون محل الازدراء والتحقير لأنهم ـ على حد قول السود فيهم ـ ينفقون حياتهم كلها فى إضحاك الناس عليهم.

__________________

(١) حين أستعمل لفظ الأتراك أقصد بهم العثمانيين أو مسلمى أوربا وآسيا الصغرى.

(٢) لقيت فى القاهرة أعرابيا من قبيلة جهينة أخبرنى أن القبيلة قوامها بدو وزراع.

٢٥١

لقد أفضت فى الحديث عن التجارة لأنها عصب الحياة فى هذه البلاد. ولن تجد من القوم أسرة واحدة لا صلة لها بفرع من فروع التجارة ، سواء تجارة الجملة أو التجزئة ، وتستطيع أن تسمى أهل بربر وشندى أمة من التجار بأدق ما فى هذه العبارة من معنى. وبقيت لى ملاحظات قليلة أذكرها فيما بلى عن أهم فروع تجارتهم وأعنى به تجارة الرقيق.

يبلغ عدد المبيع من الرقيق سنويا بسوق شندى ـ حسب تقديرى ـ قرابة خمسة آلاف ، يحمل التجار السواكنيون نصفهم والمصريون ألفا وخمسمائة منهم ، أما مصير الباقين فدنقلة ومواطن البدو الواقعة شرقى شندى تجاه عطبرة والبحر الأحمر. وقد أشرت فى حديثى السابق إلى المواطن التى يجلب منها هؤلاء. فموطن المجلوبين من كردفان إلى دارفور فى الغالب بلاد يندا وباجه وفتقو وفرتبت الواقعة إلى الجنوب والجنوب الغربى من دارفور على مسيرة عشرين إلى أربعين يوما من كوبى ، وهذه البلاد كلها وثنية ، ولكل منها لغتها الخاصة. ويتجر تجار دارفور مع فرتيت التى تبعد عشرين يوما عن كوبى ناحية الجنوب ، وهى بلاد جبلية يجهل أهلها الزراعة جهلا تاما ولكنهم ذاقوا لذة الذرة والدخن ، وفى سبيل الحصول عليهما ـ إذا عز محصولهما ـ يبيعون حتى أطفالهم فيما يروى.

وجل العبيد المجلوبين إلى شندى دون الخامسة عشرة. ويقسمهم الجلابون حسب أعمارهم إلى فئات ثلاث : الخماسى (دون العاشرة أو الحادية عشرة) والسداسى (فوق الحادية عشرة ودون الرابعة أو الخامسة عشره) ، والبالغ (من الخامسة عشرة فصاعدا). وأغلى هؤلاء عندهم السداسى. وحين كنت بشندى كان العبد السداسى يساوى خمسة عشر ريالا أو ستة عشر ، هذا إذا كان جلده يحمل سمات الجدرى ، وإلا فثلثى هذا المبلغ لا أكثر. وكانت الجارية تساوى من عشرين إلى خمسة وعشرين ريالا إسبانيا. وكان ثمن العبد الحماسى اثنى عشر ريالا وثمن الجارية خمسة عشر. وقصارى ما يبلغه ثمن العبد البالغ ثمانية ريالات أو عشرة ، ونسبة العبيد البالغين ضئيله لأن القوم فى مصر وبلاد العرب لا يركنون إلى عبد لم يربه سيده منذ صغره. لذلك تراهم يكرهون أن يشتروا العبيد الكبار لخدمة

٢٥٢

البيوت أو حتى للفلاحة. وجل البالغين يشتريهم البدو ليستخدموهم رعاة. ويقتنى البشاريون العدد الكبير منهم فى جميع مضاربهم. أما الجوارى الكبيرات فقد تباع الجارية منهن بثمن يرتفع إلى الثلاثين ريالا ـ وإن جاوزت سن الصبا والجمال ـ إذا أثر عنها حذقها الخدمة والحياكة والطهو وما إلى ذلك من أشغال البيوت. وأهل الشام لا يقتنون من العبيد إلا قليلا ، وجل من رأيتهم هناك جلبتهم القوافل من بغداد ، وموطنهم سواحل موزمبيق.

وقل من العبيد المجلوبين لمصر من لم تتبادله أيدى السادة مرات قبل أن ينتهى به المطاف إلى أسرة من الأسر. فالعبيد المجلوبون من فرتيت مثلا يجمعهم من حدود وطنهم أولا صغار تجار الذرة ، فيبيعونهم لتجار كوبى الذين يقصدون فرتيت فى قوافل صغيرة لهذا الغرض. وفى كوبى يبتاعهم تجار دارفور أو كردفان ويحملونهم إلى الأبيض بكردفان. وفى الأبيض ينتقلون غالبا إلى أيدى تجار كردفانيين أخر يمضون بهم إلى شندى. والسبب فى هذا هو أن تجار السودان يقصرون تجارتهم عادة على سوق واحدة ، ففريق من الكردفانيين يتجر مع دارفور وآخر مع شندى ، وفريق من المصريين يتجر مع شندى وآخر مع سنار ، وكذلك الحال مع السواكنية : ففريق منهم يتجر مع شندى وآخر مع سنار. وإذا جىء بالعبد إلى شندى ابتاعه من سوقها مصرى أو عبادى ، حتى إذا بلغ به صعيد باعه فى إسنا أو أسيوط أو القاهرة. وفى إسنا وأسيوط يشترى التجار العبيد بالجملة ثم يبيعونهم بالتجزئة فى القاهرة أو فى بلدان الصعيد يلمون بالبلد منها أياما فى رحلتهم هابطين مع النهر. وقد لا يباع العبد نهائيا حتى فى القاهرة حال وصوله إليها. فوكالة الجلابة القريبة من الجامع الأزهر تغص بالبدالين وصغار التجار يساومون تجار الصعيد على شراء العبيد حال وصولهم ، ثم يبيعونهم لآخرين ، قانعين من هذه الصفقة بربح قليل. يضاف إلى هؤلاء تجار من أزمير والقسطنطينية اتخذوا القاهرة مقرا لهم واشتغلوا بتجارة الرقيق دون غيرها. ويصدر هؤلاء التجار الرقيق من الإسكندرية ، وقد ينتقل العبد إلى أيدى سادة ثلاثة أو أربعة بعد ترحيله من الإسكندرية حتى يبلغ مستقره الأخير فى ولايات تركيا الشمالية.

٢٥٣

ذلك هو المصير الدى يلقاه هذا التعس المنكود ، وفى حالات كثيرة تتناقله أيدى السادة بأسرع من هذا. فقد رأيت فى شندى وإسنا عبيدا بيعوا واشتروا فى السوق مثنى وثلاث قبل أن ينقلوا منها نهائيا ، وقد يعرضهم سيدهم بعد ذلك للبيع مرة أخرى أو يستبدل بهم غيرهم إذا جربهم أياما فألفاهم على غير ما يشتهى. والواقع أنه لا فرق بين الرقيق وسائر السلع ، وعلى ذلك لا يفتأ الأرقاء ينتقلون من تاجر إلى تاجر. والقوم يسمون الرقيق رأسا ، كأنه من الأنعام ، فيقولون فلان يملك عشرة رءوس من الرقيق (١) ، كقولهم إنه يملك خمسين رأس غنم. وإذا طلبوا إلى المشترى أن يمضى بالعبد قالوا له «سوقه» ، وهو لفظ لا يستعملونه إلا للأنعام ، فيقولون مثلا «سوق الغنم قدامك».

وبين العبيد الذين شهدتهم معروضين للبيع بشندى أطفال كثيرون فى الرابعة أو الخامسة بغير والديهم ، ولكنك تجد بالسوق أيضا أطفالا فى هذه السن تصحبهم أمهاتهم. ويبدى الجلابة من الشفقة عليهم ما يمنعهم من بيع الأطفال منفصلين عن أمهاتهم إلا نادرا ، فإذا أتى أحدهم هذا الأمر استحق لوم الجميع على قسوته.

ويحرص الجلابة حين يشترون العبيد على التأكد من جنسهم ، فقد تعلموا بالتجربة أن أفراد الجنس الواحد لا تختلف طباعهم إلا قليلا. فعبيد نوبا المجلوبون من سنار أدمث العبيد طباعا بعد عبيد الحبش والجلا فيما يقال ، وهم أشدهم تعلقا بسادتهم وإخلاصا لهم. أما الحبش فالشماليون منهم ـ ويسمون القسطانيين ـ عرف عنهم الخبث والخيانة والغدر ، فى حين يؤثر عن الأمارة اللطف والوداعة ، وأغلى الزنوج الغربيين عند الجلابة هم أهل بندا ، ويليهم العبيد المجلوبون إلى دارفور من قطر إسلامى يدعى برقو يخطف أهله جيرانهم الوثنيين. ويقال إن العبيد المجلوبين من فرتيت متوحشون محبون للثأر والانتقام ، ومرتبتهم أحط مراتب العبيد.

وندر بين العبيد المجلوبين إلى شندى من لم يقض فى الرق أمدا طويلا ، وآية

__________________

(*) فى إقليم سنار لا يسمون العبد عبدا بل رقيقا.

٢٥٤

ذلك أننى لم أر بينهم عاجزا عن التفاهم بالعربية ، وجل الأرقاء المجلوبين من دارفور وكردفان على شىء من العلم بلهجات هذين القطرين فضلا عن معرفتهم بلغتهم القومية وباللغة العربية.

وإذا اقتنى المسلم غلاما ختنه وأطلق عليه اسما عربيا. على أن العبيد قلما يحظون بشرف الأسماء الإسلامية الصحيحة كحسن ومحمد وسليم ومصطفى وما إليها ، فجلهم يحمل أسماء كخير الله وفضل الله وفضل الواسع وجبر الواحد وأم الخير إلخ .. وقد تكون أسماؤهم أغرب من هذا وأعجب ، كصباح الخير ، وجراب ، إلخ .. وندر أن يجلب من الغرب غلمان غير مختونين ، ولم أسمع قط بغلام زنجى آثر اتباع وثنية آبائه وأبى دخول الإسلام. ولكنى سمعت عن كثير من الأرقاء الأحباش ممن حولهم سادتهم الأحباش المسيحيون من الوثنية إلى المسيحية ثم باعوهم فيما بعد إلى الجلابة المسلمين ـ أقول إن كثيرا منهم ـ لا سيما الجوارى ـ رفضوا التحول عن دينهم ، ومن الجوارى من ثبتن على الرفض وهن فى حريم المسلمين ثباتا حمل سادتهن آخر الأمر على بيعهن خشبية أن يعقبوا من أمهات نصرانيات ، وهى معرة تلصق بالأب وذريته أبد الدهر. وأهل السودان لا يعلمون العبيد القراءة ولا الصلاة وإن سلكوهم فى زمرة المسلمين بالختان. وحتى فى مصر وشبه جزيرة العرب لا يعلم القوم من العبيد إلا آثرهم لديهم. ومع ذلك فإنك تجد فى هؤلاء العبيد تعصبا للإسلام لا تجده فى أشد العلماء تزمتا ، والمسيحيون والفرنجة أكثر تعرضا للاهانة والسب على يد العبيد منهم على يد أية طائفة أخرى من طوائف المسلمين. وسألت القوم فى شندى هل بين العبيد المجلوبين لها خصيان فقالوا إنه لم يرد لسوقها من الخصيان أحد أثناء مكثى بالمدينة ، وإن الإقليم الوحيد من أقاليم السودان الغربى الذى يخصى فيه العبيد لتصديرهم هو برقو (غربى دارفور). على أن هؤلاء قلة لا تذكر ، ويؤخذ بعضهم من دارفور إلى مصر ، ويبعث ملوك الزنوج بالباقين على سبيل الهدية للمساجد الكبرى بمكة والمدينة بطريق سواكن. وأكبر «مصنع» يزود تركية أوربا جميعها ومعظم تركية آسيا بهؤلاء الحراس القائمين على عفة النساء تجده فى قرية من أعمال أسيوط بصعيد مصر تدعى «زاوية الدير»

٢٥٥

وأغلب أهلها من القبط. وكان يقوم بهذه العملية يوم ألممت بهذا البلد راهبان قبطيان قيل لى إنهما فاقا كل من سبقهما حذقا لصناعتهما ، وكان لهما بيت يستقبلان فيه الضحايا. وهذه الصناعة يمقتها القوم ويزدريها حتى سفلتهم ، ولكن الحكومة تبسط على الراهبين حمايتها لأنهما يؤديان لهن إتاوة سنوية. أما أصحاب العبيد فإنهم يجدون فى الأرباح الطائلة التى تدرها عليهم هذه العملية الوحشية ما يغريهم بالرضى عن عمل قد ينفر منه أكثرهم ويستهجنونه فى دخيلة نفوسهم. والعملية على غرابتها وشذوذها يندر أن تفضى إلى موت العبد. وأنا أعلم على التحقيق أنه لم يمت من بين ستين غلاما خصوا فى خريف عام ١٨١٣ سوى غلامين.

وقد أكد لى كل من سألته بأسيوط أن هذه النسبة أعلى من المعدل ، إذ قلّ أن تزيد نسبة الوفاة على اثنين فى المائة. ولم تتح لى فرصة مشاهدة هذه الجراحة لأنها تجرى لأكثر الغلمان حال وصولهم أسيوط فى قوافل دارفور وسنار ، ولكنى سمعت وصفها من فم شهود عيان كثيرين. ويتفاوت عمر الغلمان الذين يقع عليهم الاختيار بين ثمانى سنوات واثنتى عشرة لأن المتقدمين عن هذه السن قد تقضى الجراحة على حياتهم (١).

ولا يختار للخصى من الغلمان إلا أصلبهم عودا وأوسمهم خلقة ، ولكن الجراحة تترك على قسمائهم أثرا يبدو واضحا حين يكتمل نموهم. وحين تأملت الخصيان الذين لقيتهم بالحجاز ألفيت لهم وجوها تجردت من اللحم أوكادت ، وعيونا غارت ، ووجنات برزت عظامها ، وسحنات عجفاء تستطيع بنظرة واحدة أن تحكم بأن أصحابها مخصيون.

ويبلغ ثمن الغلام بعد أن يجوز هذه الجراحة بسلام ألف قرش فى أسيوط ، وقد يكون سيده ابتاعه بثلاثمائة قبل أسابيع ، وأدى للجراح القبطى أجرا يتفاوت بين خمسة وأربعين قرشا وستين. وفى هذا الربح الفاحش الذى يصيبه الجلاب من صفقته هذه ما يكفى للقضاء على كل عاطفة للرحمة قد ينبض بها قلبه. ويخصى فى كل

__________________

(*) أورد المؤلف فى ص ٣٣٠ فقرة باللاتينية تصف الجراحة وقد حذفناها ، ونحيل من أرادها على الأصل. (غربال)

٢٥٦

ما يقرب من مائة وخمسين غلاما. وقبل عامين أمر محمد على بخصى مائتى غلام من دارفور أهداهم إلى الباب العالى. وقد ضعفت عادة اقتناء الخصيان فى مصر والشام ضعفا شديدا. ولست أحسبك واجدا فى مصر كلها من هؤلاء الخصيان أكثر من ثلاثمائة ، إذا استثنيت الموجودين منهم فى حريم الباشا وحريم أبنائه ، أما فى الشام فهم أقل من هذا. ذلك أن الناس فى هذين القطرين يتعرضون لأشد الأخطار إذا أعلنوا ثراءهم وجهروا بنعمتهم ، واقتناء الرجل منهم عددا من الجوارى يتطلب خصيا يحرسهن أمر يثير جشع الحكام ويغريهم بابتزاز ماله. ومن أندر الأشياء أن تجد خصيانا بيضا فى أملاك العثمانيين ، وقد لقيت فى شبه جزيرة العرب عددا من الخصيان الهنود فى وجوههم صفرة الموت ، وقيل لى إن العبيد فى الهند كثيرا ما يخصون. وجل الغلمان الذين يخصون بأسيوط يرسلون إلى القسطنطينية وآسيا الصغرى(١).

ويلقى العبيد من الجلابة معاملة هى أقرب إلى الرقة منها إلى العنف (٢). والعادة أن يعلّم العبد أن يدعو سيده «أبوى» وأن يعتبر نفسه ابنا له. وقل أن يجلد الجلاب عبيده أو يرهقهم بالعمل ، بل إنه ليعطيهم طعاما طيبا ويتلطف معهم فى الحديث ، لا رحمة بهم وبرا ولكن خشية من عروبهم إذا أساء معاملتهم. وهو

__________________

(١) كان القحطانيون ـ بحكم تحمسهم للوهابية التى اعتنقوها ـ يناوئون شريف مكة أشد المناوأة إبان حروبه مع سعود زعيم الوهابيين ، فأسر الشريف منهم مرة أربعين رجلا ، وقال لهم إنه قد قتل من قبيلتهم ما يكفى ، ثم أمر بخصيهم وردهم إلى أهلهم. ولما كانو رجالا لا أحداثا فقد فتكت الجراحة بهم جميعا إلا اثنين عادا لوطنهما وأصبحا بعد ذلك ألد أعداد الشريف غالب ، فقتل أحدهما بيده ابن عم لغالب فى إحدى المعارك ، أما الثانى فقد قتل وهو يحاول فى معركة ثانية أن يخترق صفوف الفرسان ليثأر من الشريف شخصيا. وقد لام الناس الشريف على قسوته أشد اللوم لأن فعلته هذه تجافى الرحمة التى طبع عليها العربى. وقد سقت هذا الحادث دليل على أن الناس لم ينسوا تماما هذه العادة القديمة ، أعنى معاملة الأسرى على هذه الصورة التى تراها ممثلة على كثير من المعابد فى صعيد مصر ولا سيما فى مدينة هانو. على أن هذا الحادث هو الوحيد الذى سمعت به من نوعه.

(٢) وردت فى ص ٣٣١ وهامشها وفى ص ٣٣٢ وهامشها تفصيلات عن ختان البنات آثرنا حذفها ونحيل من أرادها على الأصل. (غربال)

٢٥٧

لا يجهل ما يلحقه بصحة العبد من أذى إذا هو حاول منعه من الهروب بحبسه والتضييق عليه ، لأن للعبيد الجدد غراما بالخلاء ، وهم لا يدخلون البيوت إلا كارهين ، فهى السجون بعينها فى نظرهم. ولكنهم ما إن يدخلوا الصحراء ـ فى طريقهم إلى نهاية الرحلة ـ حتى يتنكر لهم سادتهم وبرخوا العنان لشراستهم وتوحشهم ، لأنهم يعرفون أن العبيد سدت دونهم سبل الهروب. وطالما سمعت رفاقى بشندى ـ وهم على فظاظتهم لم يكونوا أحط طبقات الجلابة ولا أسفلها ـ يحدث بعضهم بعضا إذا أساء عبد من العبيد أدبه وخافوا مغبة عقابه ، فيقولون : صبرا حتى يجتاز بربر ، وبعدها يعلمه الكرباج الطاعة والامتثال. وقد رأيت مثل هذه القسوة فى التجار السواكنية الذين سافرت فى قوافلهم بعد ذلك ، فهم يتنكرون للعبيد إذا اجتازوا التاكة. على أن صحة العبد هى على الدوام محل عناية الجلاب ، فالعبد يصيب طعامه بانتظام ، ويأخذ حظه من الماء خلال الرحلة مع سيده. كذلك يسمح لصغار الفتيات ونحافهن بركوب الإبل فى حين يقطع الباقون الرحلة راجلين ، سواء كانت وجهتهم مصر أو سواكن ، كما قطعوها من دارفور إلى شندى. وقد رأيت فى صغار العبيد من شدة البدن وصلابة العود عجبا. كنت أجدهم ، بعد مسيرة أيام متوالية بمعدل عشر ساعات إلى اثنتى عشرة ساعة فى اليوم ، يلعبون ويمرحون عقب العشاء كأنهم قد نعموا براحة طويلة. وتحمل النساء الأطفال على ظهورهن ماشيات خلف القافلة. وإذا أعيا جمل حمّل الجلاب العبيد حمله ، ويكفى الغلام شىء من السمن يصيبه فى العشاء مع خبز الذرة وقليل من الشحم يلطخ به جسده وشعره كل يومين أو ثلاثة ، فلا يشكو قط تعبا ولا نصبا. وثمت دافع آخر يحفز الجلابة إلى الترفق بالعبيد ، وأعنى رغبتهم الشديدة فى محو ما علق بأذهان الزنوج أجمعين من خوف وفزع مبعثهما مصر وسائر بلاد البيض. فالفكرة السائدة فى بلاد الزنج هى أن «ولد الريف (١)» (أى المصريين) يأكلون العبيد ، وإن هؤلاء يجلبون إلى مصر لهذا

__________________

(*) الريف هو اللفظ الذى يطلقونه فى هذه البلاد على مصر ، ومعناه الأرض المنخفضة الكثيرة المياه.

٢٥٨

الغرض (١). لذلك لا يدخر الجلابة جهدا فى محو هذه الفكرة والقضاء عليها ، ولكنهم برغم ذلك لا يفلحون فى اقتلاعها من رءوس العبيد. وشىء آخر يفزع منه العبيد هو حيوان ضئيل وثاب يزعمون لهم أنه سيعيش على جلودهم ويمتص دماءهم ولا يدعهم ينعمون بالراحة ولو لحظة واحدة. وهم يعنون البراغيث ، وهى حشرات لا عهد للقوم فى قلب السودان بها ، ويروون عنها أغرب الروايات حين يحصون الفضائل التى تميزت بها بلادهم على أرض مصر. غير أن بلادهم تحفل بحشرات أخبث من البراغيث وأشنع. وأخوف ما يخافه الغلمان أيضا أن يطوّشوا فى مصر حين يبلغونها.

وللغلمان العبيد مطلق الحرية فى نطاق حيشان البيوت ، أما الكبار ممن لا يطمئن سادتهم إلى طباعهم أو ممن يجهلون أخلاقهم فيحبسون ويراقبون بل ويوثقون بالأغلال فى كثير من الأحيان. ويربط العبد فى أثناء الرحلة إلى قائمة طويلة يشد أحد طرفيها إلى رحل الجمل ويحيط طرفها الثانى ـ وهو على شكل شوكة ـ بعنقه من الجنبين ويربط خلفه بحبل متين يمنعه من إخراج رأسه من محبسه. ثم تشد يمناه إلى القائمة على مقربة من رأسه ، فلا يبقى طليقا من العبد غير ساقيه ويسراه. ويمشى خلف الجمل على هذا النحو سحابة يومه ، أما الليل فيقضى سواده راسفا فى الأغلال بعد أن يفك من القائمة. وقد رأيت فى رحلتى إلى سواكن عبيدا كثيرين يساقون على هذا النحو ، وكان الجلابة يخشون أن يهربوا أو أن يثأروا لأنفسهم منهم. وهكذا يظل العبد حبيسا مغلولا حتى يشتريه سيد ليقتنيه ، فيترفق به اجتلابا لمحبته وولائه ويخشى الجلابة على العموم مغبة غضب العبيد وسخطهم ، وإذا أراد أحدهم أن يجلد فتى منهم وضع الأغلال فى يديه ورجليه أولا.

__________________

(*) حين كنت بصعيد مصر حدث حادث غريب أسوقه دليلا على تسلط هذه الفكرة على عقول السود. ذلك أن رجلا من علية القوم اشترى بأسيوط فتاتين من قافلة دارفورية ، ثم دعا نفرا من أصحابه ليقضوا معه عصر يوم فى مغارة لطيفة الجو من مغارات الجبل الواقع خلف أسيوط. وأمر الرجل الفتاتين أن تصحباه ، ولكن ما إن دخلتا المغارة حتى توهمتا أنها المكان المعد لذبحهما. ولما رأتا المدى التى جىء بها لتقطيع اللحم الذى سيأكله القوم حاولت إحداهما الفرار فأطلقت ساقيها للريح ، ووقعت أختها على الأرض تضرع إليهم ألا يذبحوها. واقتضى إقناع الفتاتين بفساد هذه المخاوف وقتا غير قليل.

٢٥٩

وليس من المستغرب أن يبيع الجلاب أبناءه الذين ولدتهم له نساء زنجيات ، وفى كل يوم تسمع عن جلابة باعوا جوارى قد حبلن منهم. وفى هذه الحالة يصبح الطفل المنتظر ملكا للمشترى بطبيعة الحال. ويقتنى معظم الجلابة عبيدا كبارا يكلون إليهم أمر صغار العبيد الذين يشترونهم ويفيدون أعظم الفائدة من خدماتهم فى أثناء السفر. ولكنى رأيت الجلابة لا يبقون حتى على هؤلاء ، مع أنهم لطول مكثهم فى بيوتهم أصبحوا كالأهل والولد. ولا حافز لهم إلى بيعهم غير شهوة الربح. فمن العبث إذن أن تلتمس عند هذه الطائفة أثرا للمودة أو العطف أو عرفان الجميل. وثمن الجوارى فى كل مكان يزيد ثلاثين فى المائة على ثمن أترابهم العبيد. ويدعونهن هنا خادمات لا جوارى كما فى مصر. وأجملهن يقتنيه الجلابة أنفسهم ، ويسمون الفتاة منهن «سرية». وتتمتع هؤلاء السرارى بقسط كبير من الحرية كثيرا ما يسئن استعماله. ويزعم لك الجلابة فى مصر ـ كاذبين ـ أن من عاداتهم المرعية ألا يعتدوا على عفاف الجوارى الجميلات ، أما الواقع فهو أنهم فى صلاتهم بهن لا يرعون أدبا ولا لياقة ، وكثيرا ما شهدت فى رحلتنا إلى سواكن مناظر مخزية يندى لها الجبين ، وذلك حين كان الخوف من الخطر يلجىء المسافرين إلى التخييم فى حلقة واحدة واسعة ، وكان الجلابة ، وهم المسئولون عن هذه المناظر قبل غيرهم ، يكتفون بالضحك منها. وإنى أقرر هنا ـ أيا كانت مزاعم القوم فى القاهرة ـ أن القليل جدا من الجوارى اللاتى جاوزن العاشرة يصلن مصر أو بلاد العرب عذارى. ويحرص وجوه القوم فى هذين القطرين أشد الحرص على ألا يشتروا من الجلابة جوارى بالغات إلا للخدمة ، وأكثر ما يشترون الفتيات الصغيرات يربونهن بين نسائهم.

ويبتاع القوم صغار العبيد تحت التجربة. وللمشترى من سوق شندى أن يجرب العبد يوما ، أما فى مصر فثلاثة أيام. وكثيرا ما يأخذ المشترى فتاة «لتجربة ليلة» كما يقولون ، وله أن يردها فى الغد دون أن يبدى لردها سببا سوى نفوره منها ، إذ قل أن يهتم هؤلاء المتوحشون بتربية جواريهم على الشعور بالحياء أو الشرف ، فلا غرابة إذا شببن فاجرات بعد بقائهن زمنا فى حوزة الجلابة. وقد يباع صغار العبيد أحيانا بيعا يشترط فيه عدم ردهم شرطا صريحا.

٢٦٠