خزانة التّواريخ النجديّة - ج ٢

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام

خزانة التّواريخ النجديّة - ج ٢

المؤلف:

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٦

شديدة ، وهم غزو أهل القويعية وناس من أهل الرياض رئيسهم مساعد الضفيري والعسعوس. وصارت الهزيمة على سعود بن فيصل وأتباعه ، وقتل منهم عدة رجال منهم محمد بن عبد الله بن ثنيان ، ورجع سعود بن فيصل بعد هذه الوقعة إلى البحرين وأخذ يكاتب العجمان فقدم عليه خلق كثير.

ولما كان في رجب من هذه السنة المذكورة سار سعود من البحرين ومعه أحمد بن الغتم بن خليفة ومعه عدة رجال من أهل البحرين ، وتوجهوا إلى الأحساء بتلك الجنود. ولما وصلوا إلى العقير اجتمع عليهم من عامة العجمان وآل مرة ومعهم من البوادي جم غفير ، وكان رؤساء العجمان يكاتبون سعود بن فيصل ويعدونه النصرة ويسألونه القدوم عليهم في الأحساء ويأمرون عامتهم بالمسير إليه ، والقيام معه وهم مع ذلك يتملقون عند أمير الأحساء ناصر بن جبر ، وعند فهد بن دغيثر أمير السرية الذين أمر عليهم الإمام بالمقام عند ناصر بن جبر. كما تقدم في السنة التي قبلها ، ويظهرون الطاعة والنصح ، ويبطنون المكر والغدر.

ثم إن سعود بن فيصل ارتحل من العقير وتوجه إلى الأحساء بمن معه من الجنود فلما وصل إلى الجفر البلد المعروفة هناك أراد أهلها الامتناع فعجزوا عن ذلك ، فدخلت تلك الجنود البلد ونهبوها وعاثوا في قرى الأحساء بالنهب. وقام ابن جبيل أمير بلد الطرف مع سعود واشتد الخوف واضطرب البلد ، فقام حزام بن حنلين وابن أخيه راكان بن فلاح بن خنلين ومنصور بن منيخر عند الأمير ناصر بن جبر ، وفهد بن دغيثر ، ورؤساء الأحساء وطلبوا منهم الخروج لقتال سعود ومن معه من الجنود ، وحلفوا لهم أيمانا مغلظة على التعاون والتناصر على قتال سعود ومن معه

٢٠١

من أتباعه ، فخرج أهل الأحساء معهم ، فلما وصلوا إلى الوجاج المعروف غدر بهم العجمان ، وانقلبوا عليهم وأخذوهم وقتلوا منهم نحو ستين رجلا ، منهم عبد الله بن محمد بن ملحم ، وسليمان بن ملحم ، وأبوه ، وانهزم بقيتهم إلى بلد الهفوف وهم ما بين جريج وسليب ، فتحصن أهل الهفوف بعد هذه الوقعة في بلدهم واستعدوا للحرب.

ثم إن سعود بن فيصل بعد هذه الوقعة زحف بمن معه من الجنود ونزل على بلد الهفوف وثار الحرب بينه وبين أهل البلد وأقام لهم محاصرا أربعين يوما وكان الإمام عبد الله بن فيصل لما بلغه مسير سعود من البحرين إلى الأحساء أمر جميع بلدان نجد بالتجهيز للغزو ، وأمرهم أن يقدموا عليه في بلد الرياض فقدم عليه غزو أهل ضرما ، والمحمل وسدير. وكان أهل الهفوف يتابعون إليه الرسل ويطلبون منه النصرة ، فأمر أخاه محمد بن فيصل أن يسير بهم مع غزو أهل العارض وسبيع والسهول للأحساء لقتال أخيه سعود ، فسار بهم محمد بن فيصل المذكور. ولما بلغ سعود بن فيصل مسير أخيه محمد ، وكان إذ ذاك محاصرا بلد الهفوف ارتحل وسار للقاء أخيه محمد ، وسبقه إلى جودة الماء المعروف فنزل عليها ومعه خلائق كثيرة من العجمان ، وآل مرة ، ومعه أهل المبرز وأحمد بن الغتم بن خليفة ، وابن جبيل ، وأقبل محمد بن فيصل ومن معه من الجنود وقد سبقه أخوه سعود وأصحابه على الماء فنزل محمد ومن معه بالقرب منهم ، وجعل بين الفريقين قتال شديد ، وذلك في اليوم السابع والعشرين من رمضان من السنة المذكورة ، فخان بعض الجنود محمد بن فيصل ، وهم سبيع ، وانقلبوا على أصحابهم ينهبونهم ، فصارت الهزيمة على محمد بن فيصل وأتباعه ، وقتل منهم نحو أربعمائة رجل.

٢٠٢

ومن مشاهير القتلى : عبد الله بن بتال المطيري ، ومجاهد بن محمد أمير بلد الزلفي ، وإبراهيم بن سويد أمير جلاجل ، وعبد الله بن مشاري بن ماضي من رؤساء بلد روضة سدير ، وعبد الله بن علي آل عبد الرحمن أمير بلد ضرما ، وقتل من أتباع سعود عدد كبير ، وقبض سعود على أخيه محمد بن فيصل وأرسله إلى القطيف فحبسه هناك ولم يزل في حبسه ذلك إلى أن أطلقه عسكر الترك في السنة التي بعدها ، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

وأقام سعود بن فيصل على جودة بعد هذه الوقعة وكاتب رؤساء أهل الأحساء يأمرهم بالقدوم عليه ، والمبايعة فقدموا عليه هناك وبايعوه ، ثم ارتحل بعد ذلك من جودة وسار إلى الأحساء واستولى عليه ، وأخذ من أهلها أموالا عظيمة وفرقها على العجمان ، وأقام هناك ، وأما الإمام عبد الله الفيصل فإنه خرج من الرياض لما بلغه ما حصل على أخيه محمد بن فيصل بأمواله ، وخيله ، وركابه ، وخدامه. وقصد ناحية جبل شمر ومعه عبد العزيز بن الشيخ عبد الله أبا بطين ، وناهض بن محمد بن ناهض. فلما وصل إلى البعيثة ، الماء المعروف في العروق ، نزل عليه وضرب خيامه هناك ، وأرسل الشيخ عبد العزيز بن الشيخ عبد الله بن عبد العزيز أبا بطين برسائل ، وهدايا لباشا ببغداد ، وباشا البصرة ، والنقيب محمد ، وطلب منهم النصرة والمساعدة على أخيه سعود فوعدوه بذلك ، وأخذوا في تجهيز العساكر إلى الأحساء والقطيف ، وقام عندهم عبد العزيز بن الشيخ عبد الله أبا بطين هناك للمسير معهم.

ولما كان في شوال من هذه السنة وفد محمد بن هادي بن قرملة ومعه عدة رجال من رؤساء قحطان على سعود بن فيصل في الأحساء ، فلم

٢٠٣

يلتفت إليهم سعود فخرجوا من الأحساء وتوجهوا إلى الإمام عبد الله بن فيصل ، وهو على البعيثة وعاهدوه على السمع والطاعة ، فارتحل معهم إلى البعيثة وتوجه إلى الرياض فدخلها. وذلك في ذي القعدة من السنة المذكورة.

ولما كان في آخر الشهر المذكور خرج سعود بن فيصل من الأحساء متوجها إلى الرياض فلما كان في بعض الطريق بلغه الخبر بأن أخاه عبد الله بن فيصل قد رجع إلى الرياض ومعه قحطان فرجع سعود إلى الأحساء.

وفيها قتل سلطان بن قنور في عين ابن قنور المعروفة بالسر ، قتله محمد بن عويد بن قنور ورجال من عشيرته ، ومعهم فوزان الصوينع.

وذلك أنهم اتهموه أنه يميل إلى آل ربيع المعروفين من آل شقرا في السر لما بين آل قنور وآل ربيع من الشرور ، وكان سلطان المذكور حين أرادوا قتله جالسا إلى جانب ابن أخته عبد الله العطيفة ، فلما رآهم سلطان دخل على عبد الله المذكور فقام عبد الله ينهاهم عنه فلم يلتفتوا لقوله وقتلوه ، فسار عبد الله العطيفة المذكور إلى الرياض ومعه ثوب خاله سلطان بن قنور مضرجا بالدماء.

ولما قدموا على بني عمه العطيفات في بلد الرياض وهم : فالح ، وحطاب ، وحجاب ، وراشد. صاح عندهم وقال : إن آل عويد قتلوا خالي ظلما وعدوانا ، وهو في وجهي ونهيتهم فلم ينتهوا وقطعوا وجهي وبكى عندهم فغضبوا لذلك ، وكانوا من جملة خدام الإمام عبد الله بن فيصل ، ومن المقربين عنده لشجاعتهم. وكانوا معروفين بالشجاعة فطلبوا من

٢٠٤

الإمام عبد الله بن فيصل أن يسمح لهم في قتل محمد بن عويد فأذن لهم فركبوا من الرياض ، وقدموا على آل ربيع في بلد شقرا فركبوا معهم وتوجهوا إلى السر.

فلما وصلوا إلى بلدهم الطرفية المعروفة في السر لم يجدوا فيها إلّا النساء والصبيان ، فسألوا النساء عن الرجال فأخبرنهم بأنهم في القنص ، فركب العطيفات ومعهم آل ربيع وأتباعهم من أهل شقراء نحو عشرين رجلا وتوجهوا إلى النفوذ يتطلبونهم فيه ، وأقام باقيهم في الطرفية يترقبون مجيئهم فوجدوهم في نفود السر ، فلما رآهم محمد بن عويد ركب حصانه وانهزم عليه إلى السر وترك أصحابه فأحاطوا بهم. وقام آل ربيع على فوزان الصوينع فقتلوه لأمور بينهم وتركوا الباقين ، ثم ساروا في طلب محمد بن عويد فأدركوه في عين الصوينع فقتله العطيفات ، ثم رجعوا إلى شقراء وسار العطيفات منها إلى الرياض. وكان محمد بن عويد المذكور مشهورا بالرماية بالبندق لم يكن في زمنه مثله. وفي هذه السنة وقع الغلاء الشديد القحط في نجد ، واستمر القحط والغلاء إلى تمام سنة ١٢٨٩ ه‍.

ثم دخلت السنة الثامنة والثمانون بعد المائتين والألف : وفيها في المحرم خرج سعود بن فيصل بجنوده من الأحساء وترك فيه فرحان بن خير الله أميرا ، وقصد بلد الرياض. فلما قرب منها خرج الإمام عبد الله الفيصل منها وقصد بوادي قحطان ، وكان قد أرسل قبل خروجه من الرياض أمتعنه ، وأثاثه ومدافعه ، وقبوسة مع سرية كبيرهم حطاب بن مقبل العطيفة ، وأمرهم أن يتوجهوا بذلك إلى عربان قحطان ، فصادفهم سعود بن فيصل في الجزعة فحصل بينه وبين السرية المذكورة قتال شديد وصارت الهزيمة على حطاب المذكور وأصحابه. وأخذ سعود ركابهم

٢٠٥

وسلاحهم وجميع ما معهم ، وقتل منهم عدة قتلى. ومن مشاهيرهم :

حطاب بن مقبل العطيفة ، وفلاح بن صقر العطيفة ، وعويد بن حطاب العطيفة ، ومحمد بن راشد الفقيه.

ثم دخل سعود بلد الرياض ومعه خلائق كثيرة من العجمان وغيرهم فعاثوا في البلد ونهبوا بلد الجبيلة ، وقتلوا جماعة من أهلها وقطعوا نخيلها ، وخربوها وتفرق باقي أهلها في بلدان العارض ، ولم يبق فيها ساكن ، وانحل نظام الملك وكثر في نجد الهرج والمرج واشتد الغلاء والقحط ، وأكلت الحمير ، ومات خلائق كثيرة جوعا وحل بأهل نجد من القحط ، والجوع ، والمحن ، والنهب ، والقتل ، والفتن ، والموت ، الذريع أمر عظيم وخطب جسيم ، فنعوذ بالله من غضبه وعقابه.

ثم إن سعود بن فيصل لما استقر في الرياض كتب إلى رؤساء البلدان وأمرهم بالقدوم عليه للمبايعة ، فقدموا عليه وبايعوه ، وأمرهم بالتجهز للغزو. فلما كان في ربيع الأول من السنة المذكورة خرج من الرياض غازيا ومعه خلائق من العجمان وآل مرة وسبيع ، والسهول ، والدواسر ، وأهل الرياض والجنوب والخرج ومعه عمه عبد الله بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود ، وكان يميل إلى عبد الله بن فيصل وتوجه إلى قحطان وهم على الأنجل ، ومعهم عبد الله بن فيصل. فلما وصل إلى ثرمدا جاءه الخبر بأنهم ارتحلوا من الأنجل ، ونزلوا على البرة القرية المعروفة ، فسار سعود بمن معه من الجنود إلى البرة لقتال أخيه عبد الله بن فيصل ومن معه من قحطان ، وأرسل عمه عبد الله بن تركي إلى شقرا ومعه عدة رجال من الخدام ، وأمرهم بالمقام فيها ، وكان بين سعود وبين عمه وحشة.

٢٠٦

ولمّا كان في اليوم السابع من جمادى الأولى من السنة المذكورة وصل سعود ومن معه من الجنود إلى البرة ، فاقتتل الفريقان قتالا شديدا ، وصارت الهزيمة على عبد الله بن فيصل ومن معه من قحطان وغيرهم ، وقتل منهم قتلى كثيرة منهم عبد العزيز بن محمد بن ناهض بن بسام رئيس قصر البرود ، وبراك عبد الله بن عبد الله بن براك ، وقتل من أتباع سعود عدة رجال ، منهم : منصور الطويل من رؤساء العجمان ، ونهبت تلك الجنود بلد البرة في سابع من جمادى الأولى ، وتوجه عبد الله بن فيصل ومن معه إلى بلد الرويضة ، ونزلوا عليها. وأما سعود بن فيصل فإنه استلحق عمه عبد الله من شقرا بعد الوقعة المذكورة ، وكان قد تركه فيها كما تقدم ثم قفل إلى الرياض ، وأذن لمن معه من أهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم.

وفي ربيع الأول من هذه السنة سارت العساكر من البصرة إلى الأحساء والقطيف ومقدمهم يقال له : فريق باشا ، ومعهم عبد العزيز بن الشيخ عبد الله أبا بطين ، فلما وصلوا إلى الأحساء والقطيف أطلقوا محمد بن فيصل من الحبس وكان محبوسا في القطيف بعد وقعة جودة كما تقدم في السنة التي قبلها ، وأخرجوا فرحان بن خير الله من الأحساء. وكان سعود بن فيصل قد جعله أميرا كما تقدم ، وأظهروا له أنهم جاؤا لنصرة عبد الله بن فيصل ، والقيام معه والمساعدة له على حرب أخيه سعود بن فيصل. وأرسلوا إلى عبد الله بن فيصل وهو إذ ذاك مع عربان قحطان على رويضة العرض يأمرونه بالقدوم عليهم. فسار إليهم وقدم عليهم في بلد الأحساء ، فأكرموه ظاهرا وهم بضد ذلك ، وأقام عندهم هناك.

وأما سعود بن فيصل فإنه لما أذن لمن معه من الجنود بالرجوع إلى أهليهم بعد وقعة البرة المذكورة ، ولم يبق عنده في الرياض غير خدامه

٢٠٧

وشرذمة من العجمان قام عليه أهل الرياض ، وعمه عبد الله بن تركي فحاصروه في قصره وثار الحرب بينه وبينهم أياما. ثم إنهم أخرجوه هو ومن معه من القصر بالأمان ، وتوجهوا إلى بلد الدلم وتولى عبد الله بن تركي على الرياض. وقبل خروج سعود من الرياض كان قد أذن لوفود قد اجتمعوا عنده بالرجوع إلى أهليهم ، منهم : إبراهيم بن سليمان الصبي ، ومحمد بن سعد بن معيقل ، وسعود بن حمد من أهل الشعراء ، وعبد الله بن إبراهيم بن نشوان من رؤساء أهل أشيقر ، وعبد الله بن عثمان من أهل الدوادمي ، ومحمد بن سعد بن معيقل ، وغيرهم فخرجوا من الرياض ، فلما وصلوا إلى البكرات بالقرب من ثادق صادفهم ركب من آل عاطف من قحطان ، كبيرهم فريج بن مجحود ، فحصل بينهم وقعة شديدة ، وصارت الهزيمة على القحطان ، وقتل منهم عدة رجال منهم شنار بن فريح بن مجحود ، وقتل في هذه الوقعة عبد الله بن إبراهيم بن نشوان ، وكان كريما سخيّا شجاعا رحمه‌الله تعالى ، وعبد الله بن عثمان ، وكان معروفا بالشجاعة والرماية بالبنادق رحمه‌الله تعالى.

وفي آخر جمادى الآخرة من هذه السنة سار سعود بن فيصل من بلد الدلم ، وتوجه إلى الأحساء ، وقدم على وادي العجمان ، وآل مرة ، فرغبوه في أخذ الأحساء والقطيف من عسكر الترك واجتمع عليه خلائق كثيرة فعاثوا في قرى الأحساء بالنهب والتخريب ، وذلك في رجب من السنة المذكورة ، فخرجت عليهم عساكر الترك ومعهم عبد الله بن فيصل ، فالتقى الفريقان في الحويرة ، واقتتلوا قتالا شديدا وصارت الهزيمة على سعود بن فيصل وأتباعه ، وقتل منهم خلائق كثيرة.

ولما كان بعد هذه الوقعة بأيام وصل إلى بندر العقير عساكر كثيرة

٢٠٨

من بغداد ، مقدمهم يقال له : مدحت باشا. فجاء رجل من أعيان العسكر الذين في الأحساء إلى عبد الله بن فيصل وقال له : إنّ مدحت باشا قد وصل إلى العقير ، وهو يريد القبض عليك ويرسلك إلى بغداد ، وقد التزم بذلك للدولة ، فإن قدرت على الهرب فافعل. فأخذ عبد الله بن فيصل يدبر الحيلة في ذلك ، فحضر عند فريق باشا وطلب منه أن يأذن له في الخروج بعد العصر إلى عين نجم المعروفة هناك هو وأخوه محمد ، وابنه تركي للاغتسال فيها والتفرج ، فأذن له في ذلك فلما خرج من عند الباشا أمر بعض خدامه أن يجهزوا خمس ركائب ، ويأخذ معه رفيقا من العجمان ، ورفيقا من آل مرة وواعده الجبل المعروف الذي يقال له : أبو غنيمة ، ففعل الخادم ما أمره به.

ولما كان بعد العصر من يومه ذلك خرج عبد الله بن فيصل وابنه تركي وأخوه محمد بن فيصل على خيلهم ، وخرج معهم ثلاثة من عسكر الترك على خيلهم ، فلما وصلوا إلى الصفيا المعروفة أخذوا يتطاردون ويلعبون على خيلهم ، فلما قرب غروب الشمس انهزم عبد الله بن فيصل هو وابنه وأخوه على خيلهم فلحقهم الثلاثة الموكولون بهم من العسكر على خيلهم ، فقاتلوهم فرجعوا إلى البلد. ولما وصل عبد الله بن فيصل هو وابنه وأخوه إلى الجبل المذكور وجدوا الركائب هناك ، فركبوا وقصدوا بلد الرياض ، فلما وصلوا إليه استبشر بهم أهل الرياض ، وحصل لهم الفرح والسرور.

وقدم على عبد الله الفيصل بعض رؤساء أهل نجد وبايعوه على السمع والطاعة. وفي هذه السنة وقع وباء في بلد أشيقر مات فيه حمد بن عبد العزيز بن منيع ، وإبراهيم بن محمد بن سدحان المطوع ، والأمير

٢٠٩

عبد العزيز بن محمد بن عبد الكريم البواردي. وكانت وفاته في عين ابن قنور ، سار من بلد شقراء إليها لبعض الحاجات ، فتوفي فيها.

وفي هذه السنة نزل ثقل ابن رويضان ومن معه من عربان السهول بالقرب من بلد شقرا ، وكثر منهم النهب والفساد ، فخرج أهل شقراء وحصل بينهم وبين السهول قتال شديد ، وصارت الهزيمة على السهول ، وقتل منهم عدة رجال كبيرهم ثقل بن رويضان ، وأخذ منهم أهل شقرا من الأغنام والأمتعة شيئا كثيرا. وقتل من أهل شقرا في هذه الوقعة محمد بن سعد البواردي. وفي ذي الحجة من هذه السنة غزا الإمام عبد الله بن فيصل بأهل الرياض ، وضرما وأخذ آل شامر بالقرب من عليا ، وقتل منهم عدة رجال ، وقتل في هذه الوقعة محمد بن عبد الله بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود. وفيها حفر أبناء محمد بن إبراهيم بن محمد البواردي القليب المسماة الفيضة وغرسوها.

وفيها توفي مطلق بن عبد الرحمن السحمي في أشيقر بعد جلوته من عنيزة وكان ضرير البصر رحمه‌الله تعالى.

وفيها أقبل بن شويمان من الفيضة يريد بلد عنيزة فصادفه شلاش بن العميشا من السحمة من قحطان ومعه ستة رجال من قحطان بين المذنب ، والمربع فشووه وأكلوه ، ثم ساروا إلى الوشم فصادفوا ابن شيخه خارجا من بلد شقراء ، فذبحوه في غويمض ، وشووه ففزع عليهم أهل شقراء فقبضوا عليهم فادعى أصحاب شلاش أن الذي قتله وشواه بن العميشا ، وأنهم لم يشاركوه في ذلك ، وأقر شلاش أنه هو الذي قتله بنفسه ، وأنهم لم يشاركوه فيه ، فدفعوه إلى أخي المقتول فقتله ، ولا تسأل عما وقع من

٢١٠

الفتن والمحن في هذه السنة وما بعدها إلى عدة سنين ، فلا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

ثم دخلت السنة التاسعة والثمانون بعد المائتين والألف : وفيها اشتد الغلاء والقحط في نجد ، وأكل الناس الميتة وجيف الحمير ، وعظم الأمر ومات خلائق كثيرة جوعا ، وصار كثير من الناس يأكلون الجلود البالية بعد حرقها بالنار ويدقون العظام ويأكلون الرطبة ، وهو القت بلسان العامة ، ويأكلون ورق الزرع ، فأثر ذلك في وجوه الناس وأرجلهم نفخا وأوراما ، ثم يموتون بعد ذلك واستمر الغلاء والقحط إلى آخر السنة التي بعدها.

وفي هذه السنة في المحرم حصل وقعة بين حاج أهل شقراء وبين ناصر بن عمر بن قرملة ومن معه من قحطان قتل فيها من أهل شقرا عبد الله بن عبيد. وفيها في ربيع الأول حصل وقعة بين أهل شقرا وبين أهل بلد وثيثية. وسبب ذلك أن عيال محمد بن عبد الكريم البواردي جاءوا بأمتعة لهم من شقرا يريدون بلد وثيثية ، وهم إذ ذاك ساكنون فيها.

فلما وصلوا إلى البلد صادفهم ركب من السهول خارجين من البلد فأخذوهم خارج البلد فدخل أولاد محمد البورادي البلد فوجدوا فيه رجلا من الركب فأمسكوه وربطوه في المال الذي أخذه لهم أصحابه ، فقام بعض أهل البلد يريدون إطلاقه وقد كثر الكلام ، فسار أحد عيال محمد البواردي إلى شقرا ، وجاء بعده رجال منها ليسيروا بالرجل المذكور إلى شقرا إلى أن يأتي المال الذي أخذه لهم أصحابه ، فمنعهم أهل البلد من المسير به ، وحصل بين أهل شقرا وبين أهل وثيثية وقعة في وسط البلد قتل فيها من

٢١١

أهل وثيثية عبد الله بن الأمير سعد بن عبد الكريم بن زامل ، وعبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن زامل الملق بالمقوفي.

وفي شوّال من هذه السنة قدم سعود بن فيصل إلى الأفلاج وكان قبل ذلك مقيما عند بادية العجمان بعد وقعة الخويرة كما تقدم ، فلما قدم هناك قام معه ابن قنيان والعجالين ، وقام معه الهزاني آل حسين أهل الحوطة.

فلما علم بذلك عبد الله بن فيصل أمر أخاه محمد بن فيصل أن يسير إلى بلد الدلم بغزو أهل الرياض ، وأهل ضرما خوفا عليها من أخيه سعود بن فيصل ، فسار إليها محمد بن فيصل ومعه عمه عبد الله بن تركي وغزو أهل ضرما ، فدخلوها وأقبل سعود بن فيصل بن تركي ومعه وفود كثيرة من العجمان ، والدواسر ، وأهل الجنوب ، فنزلوا على البلد وحصروها حصارا شديدا. ثم إن أهل البلد خانوا محمد بن فيصل وأصحابه ففتحوا أبواب البلد فدخلها سعود ومن معه من الجنود ، فلما رأى ذلك محمد بن فيصل ركب فرسه وانهزم عليها إلى بلد الرياض وقبض سعود على عمه عبد الله بن تركي ، وأمر بحبسه وأخذ ركائب أصحاب محمد بن فيصل وسلاحهم وقتل منهم عدة رجال. وبعد أيام قليلة توفي عبد الله بن تركي بحبسه ذلك ، وكان شهما شجاعا صارما رحمه‌الله تعالى.

وفي هذه السنة قام محمد بن عبد الله بن علي بن رشيد على أولاد أخيه طلال ، وقتلهم وهم خمسة وترك أخا لهم اسمه نائف كان إذ ذاك صغيرا ، وتولى محمد المذكور الإمارة على بلد الجبل.

وفيها حصل وقعة بين أناس من أهل الحريق نحو عشرين رجلا رئيسهم عبد الرحمن بن عثمان الطويل ، وكان شجاعا وهم يريدون بلدة

٢١٢

بريدة وبين ركب من قحطان والسهول وركائيهم عشرون وهم أربعون رجلا ، وذلك في صعفيق النفود المعروف بالقرب من بلد الزلفى ، فصارت الهزيمة على قحطان والسهول ، وقتل منهم ثلاثة رجال.

وفيها أصاب مكة والمدينة وباء عظيم ابتدأ من آخر ذي الحجة حتى نهاية المحرم من عام ١٢٩٠ ه‍. وفيها توفي عبد الله الإبراهيم العبد الرحمن البسام وعبد الرحمن الإبراهيم العبد القادر البسام في المدينة في أول محرم.

ثم دخلت سنة التسعين بعد المائتين والألف : وفي المحرم منها خرج سعود بن فيصل من بلد الدلم بمن معه من الجنود ، وقصد بلد ضرما وأخذ من أهلها أموالا عظيمة وقسمها على جنوده. ثم سار منها إلى بلد حريملاء فلما وصل إليها خرج أهلها لقتاله فحصل بينه وبينهم وقعة شديدة خارج البلد ، وصارت الهزيمة على أهل حريملاء وقتل منهم نحو ثلاثين رجلا منهم الأمير ناصر بن حمد آل مبارك وابنه ، وسليمان السياري من رؤساء أهل ضرما صارت تلك الأيام في بلد حريملاء فحضر الوقعة ، وتحصن أهل البلد في بلدهم وأمر سعود من معه من الجنود بقطع نخل حريملاء ، فقطعوا كثيرا منها.

ثم إنهم صالحوه وارتحل عنهم وسار إلى الرياض فلما قرب منها خرج عليه أخوه عبد الله بن فيصل ، ومعه أهل الرياض فحصل بينه وبينهم وقعة شديدة في الجزعة ، وصارت الهزيمة على عبد الله وأهل الرياض ، وقتل منهم عدة رجال منهم مساعد بن سليمان الظفيري ، وأخوه فهد ودخل أهل الرياض بلدهم. وأما عبد الله بن فيصل : فإنه توجه بمن معه

٢١٣

من الخدام إلى جهة الكويت ، وأقام هناك عند بادية قحطان على الصبيحية. ثم إن سعود بن فيصل بعد هذه الوقعة دخل بلد الرياض وبايعه أهلها على السمع والطاعة ، وكتب إلى رؤساء البلدان وأمرهم بالقدوم عليه للمبايعة ، فقدموا عليه وبايعوه على السمع والطاعة وأمرهم بالتجهز للجهاد.

وفي هذه السنة في صفر أخذ أهل عنيزة مصلط بن ربيعان ومن معه من عتيبة في الشقة. وفيها أنزل الله الغيث. وفي صفر من هذه السنة حصل وقعة بين أهل الحريق وبين ركب من عتيبة في الروضة المسماة بالعكرشية المعروفة في الحمادة قتل فيها عبد الرحمن بن عثمان الطويل من رؤساء أهل الحريق ، وكان شجاعا رحمه‌الله تعالى.

ولمّا كان في ربيع الثاني من هذه السنة خرج سعود بن فيصل من الرياض بمن معه من الجنود ، واستلحق غزو البلدان واستنفر من حوله من العربان فاجتمع عليه خلائق كثيرة ، فتوجه وقصد مصلط بن ربيعان ومن معه من عتيبة وهم على طلال الماء المعروف فصبحهم بتلك الجنود فحصل بين الفريقين قتال شديد ، وصارت الهزيمة على سعود بن فيصل ومن معه ، وقتل منهم خلق كثير. ومن مشاهير القتلى سعود بن صنيتان ، ومحمد بن أحمد السديري أمير بلد الغاط ، وأخوه عبد العزيز وعلي بن إبراهيم بن سويد أمير بلد جلاجل ، ومن أهل شقرا فهد بن سعد بن سدحان وسعد بن محمد بن عبد الكريم البواردي ، وصالح بن إبراهيم بن موسى بن فوزان بن عيسى ، وسليمان بن عبد الله بن خلف بن عبد الله بن خلف بن عثمان بن عبد الله بن عيسى وعبد العزيز بن حمد بن منيع. وأخذ العتبان منهم من الركاب والسلاح والفرش والأمتعة شيئا كثيرا. وفي تاسع

٢١٤

عشر من جمادى الآخرة السنة المذكورة توفي الشيخ عثمان بن عبد الله بن عثمان بن أحمد بن بشر في بلد جلاجل رحمه‌الله تعالى ، وهو من بني زيد ، وهو صاحب التاريخ المسمى «عنوان المجد في تاريخ نجد» كان رحمه‌الله تعالى أديبا لبيبا فاضلا عابدا ناسكا حسن السيرة كريم الأخلاق.

وفي ذي الحجة من هذه السنة نزلوا أكلب أيام الربيع بالقرب من أشيقر وباعوا الغنم ثلاثة الأطراف بريال ، واشتروا الثوب الأبيض بريال ، وآخر الوقت اشتروا صمط الثوب بريال.

وفي هذه السنة ١٢٩٠ ه‍ : توفي الشيخ عبد الباقي بن محمود بن عبد الله الألوسي البغدادي طلب العلم في استنبول عينه فيض الدين باشا قاضيا في الأحساء.

ويذكر عن نفسه أشياء غريبة منها أنه حفظ القرآن وهو ابن خمس سنين ، وأنه قرأ على أبيه في فقه الحنفية ، والشافعية ، وفي الحديث والنحو والصرف والبلاغة والأدب والمنطق وعلم الوضع والهندسة والاصطرلاب.

وبعد وفاة والده قرأ على أبي الهدى صفاء الدين عيسى أفندي في الأصلين والحساب والمعاني والبيان والبديع والحديث والتفسير وغير ذلك.

وله مؤلفات كثيرة منها : «البهجة البهية في إعراب الآجرومية» و «النهجة السوية في شرح الآجرومية» و «أسعد كتاب في فصل الخطاب» وغير ذلك مما ذكر عن مؤلفاته.

ومن غرائب دعاويه وأخباره قوله : إنّ في جرم القمر عوالم ومدائن

٢١٥

وأنهارا عظيمة ، وأن الإفرنج حاولوا الاتصال به وبنوا لهم صرحا ، ووضعوا فوقه مدفعا ليضربوا القمر حتى يلقوه ويطّلعوا على ما فيه.

وله خرافات من هذا الجنس كثيرة مشهورة.

ثم دخلت السنة الحادية والتسعون بعد المائتين والألف : وفيها أمر سعود بن فيصل على أهل البلدان بالجهاد وأمرهم بالقدوم عليه في بلد الرياض ، فلما حضروا عنده توجه بهم إلى بلد القويعبة ، ونزل ، وأقام هناك عدة أيام. وكان الإمام عبد الله بن فيصل نازلا مع عربان عتيبة إذ ذاك ، وكان سعود قد أراد أن يغزوهم فبلغه أن عربان عتيبة قد حشدوا واجتمعوا ، وأنهم في شوكة عظيمة وقوة هائلة فانثنى عزمه عن ذلك ، ثم ارتحل منها وتوجه إلى الرياض ، وأذن لمن معه من أهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم. وفي هذه السنة قتل عبد الله آل غانم في بريدة قتله عبد المحسن بن مدلج هو وأولاده وهم من عشيرته آل أبي عليان في عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان أمير بريدة المقتول سنة ١٢٧٦ ه‍ كما تقدم يدعى عبد المحسن المدلج ، لأنه أقرب عاصب له وكان عبد الله الغانم المذكور من جملة القاتلين لابن عدوان.

وفي هذه السنة وقع فتنة في بلد أشقير بين آل نشوان من المشارفة من الوهبة وبين الحصانا والخراشا من آل بسام من منيف من الوهبة.

وسبب ذلك أن أمير بلد أشقير محمد بن إبراهيم بن نشوان بن محمد ابن نشوان لما أمر سعود بن فيصل على أهل البلدان بالغزو كما ذكرنا في أول هذه السنة جهز غزو أهل أشيقر وأمر عليهم ابن عمه محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن محمد بن نشوان. وسافر إبراهيم بن محمد

٢١٦

المذكور بعد ذلك إلى بلد بريدة لبعض حاجاته ، وقدم الغزو على سعود بلغ الخراشا والحصانا أن محمد بن علي بن نشوان قد تكلم فيهم بكلام عند سعود ، فلما أذن لهم سعود بالرجوع وأقبلوا على البلد خرج عبد الرحمن بن إبراهيم بن حسن بن راشد الخراشي الملقب بالطويسة ، وأخوه عبد الله وعلي بن عثمان الحصيني ، وابن أخيه عبد العزيز بن إبراهيم الحصيني ، وأمسكوا محمد بن علي بن إبراهيم بن نشوان خارج البلد وضربوه ضربا شديدا فرجع إلى بلد الفرعة وأقام عند أصهار له فيها.

ولمّا بلغ الخبر عثمان بن عبد الله بن إبراهيم بن نشوان. وكان إذ ذاك في الجعفرية سار إلى الحريق وطلب منها النصرة ، لأن آل نشوان وأهل الحريق كلهم عشيرة من المشارفة من الوهبة من تميم ، فسار معه عدة رجال منهم ودخلوا بلد أشيقر آخر الليل ، ورصدوا على باب عبد الرحمن بن إبراهيم الخراشي وعلى باب علي بن عثمان الحصيني ، فلما خرج عبد الرحمن المذكور لصلاة الفجر أمسكوه وضربوه ضربا شديدا وأمسكوا علي بن عثمان الحصيني وضربوه وجرحوه جراحا شديدة فقام عليهم أهل البلد مع آل بسام ، وحصل بينهم وبين أهل الحريق قتال فانهزم أهل الحريق إلى بلدهم. وقتل منهم عثمان بن عبد الله بن مقحم من أهل الحريق ، وجرح محمد بن عبد الرحمن بن نشوان في يده جرحا شديدا صار في يد منه عيب فانهزم أهل الحريق إلى بلدهم ، وهذه الوقعة تسمى وقعة الجميعية.

وفي شهر رمضان من هذه السنة قدم الإمام عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود بلد الأحساء هو وفهد ابن صنيتان من بغداد ، فقام أهل الأحساء مع عبد الرحمن بن فيصل على

٢١٧

العسكر الذين عند أبواب بلد الهفوف فقتلوهم ، ثم حصروا على العسكر الذين في خزام القصر المعروف خارج البلد ونصبوا عليه السلالم ، وأخذوه عنوة ، وقتلوا جميع من فيه من العسكر ، وتحصن أهل الكوت فيه هم ومن عندهم من عسكر الترك الذين في كوت إبراهيم ، وفي كوت الحصار. فحاصرهم الإمام عبد الرحمن بن فيصل ومن معه من أهل الأحساء ومن العجمان وآل مرة. واشتد الحصار عليهم ، وقتل في هذه الوقعة رشيد بن عبد العزيز الباهلي رحمه‌الله تعالى ، وقد رثاه الأديب الأريب صاحبنا المكرم ، وصديقنا المقدم أخوه عبد المحسن بن عبد العزيز الباهلي بقصيدة طويلة مطلعها :

خليلي هبا فالوطا مله جنبي

وأرقني بعد الأحبة عن صوبي

ويقول فيها :

وأقسم لو خيرت أفدي حياته

بروحي بذلت النفس بالطوع عن حبي

ولكنها الأقدار تجري على القضا

بميزان قسط لا تجيء على الحسب

إلى أن قال :

وبوء رشيدا وهو يا ربّ كاسمه

رشيد بما يأتي ولم يدن من عيب

وكانوا قد أرسلوا إلى باشا البصرة وباشا بغداد يطلبون البصرة فأمر باشا بغداد ناصر بن راشد بن ثامر بن سعدون رئيس المنتفق أن يسير إلى الأحساء ، وعقد له إمارة الأحساء والقطيف ، وجهز معه عساكر كثيرة من بغداد ، واستنفر ناصر بن راشد رعاياه من المنتفق وغيرهم من بادية

٢١٨

العراق ، فاجتمع عليه جنود عظيمة فسار بهم إلى الأحساء. فلما قرب من بلد الهفوف خرج إليهم عبد الرحمن بن فيصل ومن معه من العجمان ، وآل مرة ، وأهل الأحساء ، ووقع بين الفريقين قتال شديد فانكسر أهل الأحساء ، وانهزموا إلى بلادهم وتتابعت الهزيمة على العجمان ومن معهم من العربان ، وتوجه الإمام عبد الرحمن إلى البحرين ، ودخل ناصر بن راشد ومن معه من الجنود بلد الهفوف ونهبوها وأباحوها ثلاثة أيام.

وخرج عسكر الترك الذين في الكوت وصاروا مع تلك الجنود فعاثوا في البلد بالنهب والقتل والفساد ، وقتلوا كل من ظفروا به من أهل السنة من أهل الأحساء ، وممن كان هناك من أهل نجد ، ولم يتعرضوا للرافضة ، فقتل خلائق كثيرة ، ونهبت أموال عظيمة لا يحصيها إلّا الله تعالى.

وكان أكثر من باشر القتل عسكر الترك طلبا لثأر من قتل منهم ، وممن قتل من الأعيان في هذه القضية الشيخ عبد العزيز بن نعيم ، ومحمد بن عبد الرحمن بن عامر ، وعمه أحمد ورشيد بن عبد العزيز الباهلي ، ومحمد بن الحسن الباهلي ، رحمهم‌الله تعالى. وضربوا الشيخ عبد الرحمن ابن عبد الله الوهيبي ضربا شديدا ، وأخرجوه من الكوت ، وكان ساكنا فيه قبل ذلك وحصل في هذه الأيام [أحداث] عظيمة ، وخطوب جسيمة فلا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم. وكانت هذه الوقعة في آخر شهر ذي القعدة من السنة المذكورة.

وفيها في ليلة الأحد تاسع جمادى الآخرة توفي الشيخ العالم الفاضل محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن مانع بن إبراهيم بن حمدان بن محمد بن مانع بن شبرمة الوهيبي التميمي في بلد عنيزة رحمه‌الله تعالى : ولد في شقرا في حدود ١٢١٠ ه‍ أو بعدها بقليل ، ونشأ نشأة حسنة في

٢١٩

الديانة والصيانة والنزاهة والعفاف ، وحفظ القرآن في صغره وطلب العلم فقرأ على الشيخ العالم الورع الزاهد عبد العزيز بن عبد الله الحصيني الناصري التميمي وجد واجتهد. ولما انتقل العالم العلامة القدوة الفهامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين العائذي من روضة سدير ، وسكن بلد شقرا لازمه ملازمة تامة ، وتزوج ابنته وصار لا يفارقه إلّا وقت النوم ، فقرأ عليه كتبا عديدة في التفسير ، والحديث ، والفقه وأصوله ، وأصول الدين ، والنحو فمهر في ذلك كله.

ولما تولى الشيخ عبد الله أبا بطين المذكور قضاء بلد عنيزة ارتحل إليها بأهله ، وأولاده ، وارتحل معه الشيخ محمد بن عبد الله بن مانع المذكور من شقراء بأهله ، وأولاده ، ونزل بها وأحبه أهلها وأكرموه إكراما لم يعهد لغيره من الغرباء لحسن أخلاقه وملاطفته ، وتحببه إلى الخاص والعام. وكان ذكيا أديبا فاضلا مكرما للغرباء خصوصا طلبة العلم منهم.

وكان حسن الخط مضبوطه كثير التصحيح والتحرير والضبط والتهميش غالب مقروءاته مهمشة بخطه ، محررة بضبطه ، وأخذ عنه جماعة من الفضلاء ، ولم يزل على كماله واستقامة حالة إلى أن توفي في التاريخ المذكور رحمه‌الله تعالى. ورثاه تلميذه الشاب الذكي النجيب ، والفاضل الزاكي الأريب. الشيخ صالح بن عبد الله بن بسام بهذه المرثية ، وهي من بحر الطويل :

أيا قلب دع تذكار سعدى فما يجدي

وأيام أنس سالفات بذي الرند

فليس بذي الدنيا مقام ترومه

ولكنها كالحلم تمضي على العبد

ومما شجاني أن قضى حتف أنفه

محمد المحمود في العلم والزهد

عنيت به الحبر الجليل ابن مانع

ومن هو في دنياه عاش على الحمد

٢٢٠