خزانة التّواريخ النجديّة - ج ١

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام

خزانة التّواريخ النجديّة - ج ١

المؤلف:

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٤

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة خزانة التواريخ النجدية

الحمد لله الأول الآخر ، الظاهر الباطن ، المبدىء المعيد ، الذي بكل شيء عليم. والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، الذي كملت برسالته الرسالات ، وتمت بنبوته النبوات ، وعلى آله وصحبه وأتباعه الذين هم الآخرون زمنّا السابقون إلى دار الخلود.

صلاة وسلاما دائمين ما تعاقب الليل والنهار ، ودارت الأفلاك والأقمار ، وأظلم الليل وأضاء النهار.

أمّا بعد : فإن التاريخ من العلوم المفيدة الممتعة تتداوله الأمم والأجيال ، وتعشق قراءته وسماعه كل الفئات ، فأربابه كثيرون ، وعشاقه لا يحصون ، لما فيه من المتعة واللذّة ، ولما يعود به على القارىء من فائدة.

فمن وعى التاريخ فكأنما أضاف أعمارا إلى عمره ، واطلع على أخبار الأولين والآخرين. هذا مع سهولة قراءته ويسر فهمه.

والتاريخ فيه عبر وعظات ، لما فيه من عرض لأحوال الأمم السالفة والأجيال الماضية.

٥

ولذا ، فإن الله تبارك وتعالى أكثر من ذكر قصص الأمم الماضين في كتابه العزيز للاعتبار والاتعاظ قال تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) [هود : ١٠٠] ، كما قال جل وعلا : (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) [طه : ٩٩].

وأنا منذ نعومة أظفاري لي ولع بالتاريخ ، والذي نمّى هذه الرغبة والدي رحمه‌الله تعالى ، فقد حفظت القرآن الكريم على يديه أنا وشقيقي الشيخ صالح بن عبد الرحمن البسام ، وكان كلما مررنا بقصة نبي قصها علينا ، وبيّن لنا ما جرى له مع قومه وما انتهى إليه أمره ، ثم صار يروي لنا السيرة النبوية وما فيها من أحداث وغزوات ، وكذلك أخبار الفتوحات الإسلامية ، مما حببنا بالأخبار والسّير والتاريخ ، وكان صاحب اطلاع واسع في ذلك.

هذا ، ونحن في طور الصبا من أعمارنا.

ثم صرت أجالس كبار السن والرواة من أسرتي (البسام) وغيرهم ، من مثل :

١ ـ الشيخ محمد سرور الصبان.

٢ ـ الأفندي الشيخ محمد نصيف.

٣ ـ الراوية محمد بن علي آل عبّيد.

٤ ـ الراوية محمد بن إبراهيم بن معتق ، وغيرهم ، فاستفدت ما عندهم من أخبار.

تاريخ نجد :

الجزيرة العربية ولا سيما منطقة نجد فهي منذ قامت الفتوحات

٦

الإسلامية وصارت العواصم الإسلامية في غيرها ، رحل عنها النابهون من أهلها من العلماء والخطباء والشعراء والرواة والقراء والفرسان وصاروا بجانب الخلفاء في تلك العواصم الإسلامية من الشام والعراق ومصر. وأصبحت البلاد النجدية مهملة.

فخيّم عليها الجهل والظلام وأهملت من جانب الخلافة الإسلامية ، فلم يعد لها ذكر. ولم يدون ما جرى فيها من أحداث وأخبار بعد انتهاء الفتوحات زمن الخلفاء الأربعة.

ثم من القرن (التاسع) الهجري صرنا نرى بعض الترسيمات والتقييدات البسيطة بفقرات موجزة تشير إلى ما يحدث من فتن بين البلدان والقبائل ، أو تشير إلى وفاة شهير بعلم أو غيره ، أو تذكر خبر قحط أو خصب ونحو ذلك.

وهي مع هذا أخبار مقتضبة لا تعلل ولا تذكر أسباب تلك الأحداث ، وأول من أطلعنا على ترسيماته جدنا الشيخ أحمد بن محمد بن بسام الذي توفي عام (١٠٤٠ ه‍) ثم تلاه الشيخ أحمد المنقور ، والشيخ محمد بن ربيعة ، ثم الشيخ ابن عباد ، والشيخ ابن يوسف ، والشيخ حمد بن لعبون.

ثم جاء بعد هؤلاء مؤرخان هما أوسع من قيّد أخبار نجد وهما : الشيخ عثمان بن بشر بكتابه (عنوان ـ المجد) ، والشيخ إبراهيم بن عيسى بكتابه (عقد الدرر).

ثم جاء بعد هذا كله خالنا الشيخ عبد الله بن محمد البسام بكتابه (نزهة المشتاق). والأستاذ مقبل بن عبد العزيز الذكير بكتابه (مطالع

٧

السعود). ولقد حرصت على جمع هذه التواريخ (النجدية) المطبوع منها والذي لا يزال مخطوطا ، لإخرجها مجموعة باسم (خزانة التواريخ النجدية).

ولي أمل إن مدّ الله في العمر أن أعيد طباعتها بتحقيق وتعليق وإلحاق مصادر أخر. ولكني قدمت هذه المجموعة الآن بحالتها الحاضرة لتكون مساهمة في مناسبة مرور (مئة عام على تأسيس المملكة).

أسأل الله تعالى أن يحقق الأمل ، وأن يعيننا إلى ما قصدنا وأردنا ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

ونشر هذه المجموعة التاريخية تعين من أراد البحث والكتابة عن ما في البلاد النجدية من أخبار ، وما كانت عليه في أفكارها ، وعلمها ، وحربها ، وسلمها ، واقتصادها ، واجتماعها ، وآثارها وغير ذلك من شؤون أهلها.

نسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق وحسن القصد.

كتبه

عبد الله بن عبد الرّحمن بن صالح آل بسّام

٨

تاريخ ابن لعبون

تأليف المؤرخ العلامة

حمد بن محمد بن ناصر بن لعبون

(.... ـ بعد ١٢٥٧)

٩
١٠

ترجمة المؤرخ

الشيخ حمد بن محمد بن لعبون

وهذه ترجمة المؤلف المؤرخ وفقرات عن ابنه الشهير الشاعر الكبير محمد بن حمد بن لعبون تعليقات من كتابنا «علماء نجد» لكمال الفائدة :

الشيخ حمد بن محمد بن ناصر بن عثمان بن ناصر بن حمد بن إبراهيم بن حسين بن مدلج (١) ، الملقّب لعبونّا الوائلي العنزي نسبا من آل.

__________________

(١) أما سبب تسميتهم ـ آل مدلج ـ فهو ما رواه المترجم له في تاريخه قال :

أول من عرفنا اسمه من أجدادنا ـ حسين ـ المشهور ـ ب : أبو علي ـ وكان في بلدة أشيقر صاحب فلاحة. وفي أحد الأيام نزل قريبا من البلدة غزو من ـ آل حفيرة ـ شيخهم ـ مدلج الخياري ـ ، وكانوا نحو ستمائة رجل فجذّ لهم من نخله الشيء الكثير ، ووضعه بين أسطر النخل ، ثم خرج إليهم ودعاهم إلى ضيافته فأبوا ، فعزم عليهم فجاؤوا فأكلوا ، ثم عشاهم وباتوا عنده ، فلما كان آخر الليل رحل الغزو خفية ، فلما جاء الصباح ولم يجدهم ، طووا الفرش التي كانت تحتهم ، فوجد أبو علي أن شيخهم ـ مدلجا الخياري ـ قد وضع تحت الفراش كيسا ممتلئة بالنقود فركب أبو علي فرسا له ، فلحقهم ، ظنا منه أنهم نسوه ، فامتنع مدلج أن يأخذها ، وقال : إنما وضعتها لك على سبيل المعاونة لك على مروءتك ، ثم عاد أبو علي وكانت زوجته حاملا ، فقال : إن رزقنا الله ابنا سميناه

١١

مدلج. ومدلج هذا قال المترجم في تاريخه المخطوط : إن سبب تسمية جده بلعبون أن بندق ابن عمه ـ حمد بن حسين ـ ثارت عليه فنظمت شدقيه وبرىء ، لكنه صار يسيل منه لعابه ، فلقّب ـ بلعبون ـ وصارت ذريته يسمون ـ آل لعبون ـ. وهم من بني وهب من الحسنة أحد أفخاذ المصاليخ ، أحد البطون الكبار للقبيلة الشهيرة عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.

ولد في بلدة حرمة ـ إحدى بلدان سدير ـ ونشأ فيها وتعلّم ، وصار اتجاهه إلى الأدب والتاريخ فعد من مؤرّخي نجد المعتبرين. وقد توفي والده محمد ابن ناصر ـ في حرمة عام ١١٨١ ه‍.

ذكر ذلك في تاريخه المخطوط.

ولمّا استولى الإمام عبد العزيز بن محمد على بلدة حرمة عام ١١٩٣ ه‍ ، وأبعد بعض أكابرها ، خرج منها المترجم له هو وعمه ، وسكنا بلدة القصب إحدى بلدان الوشم ، ثم ارتحلا إلى بلدة ثادق وولد ابنه الشاعر فيها. قال المترجم له في تاريخه : وفيها ـ أي سنة ١٢٠٥ ه‍ ـ ولد الابن محمد بن حمد في ربيع الثاني. اه.

ثم إن الإمام عبد العزيز بن محمد جعل المترجم له كاتبا مع جباة الزكاة.

قال ابن بشر في «عنوان المجد» : وأخبرني حمد بن محمد

__________________

باسم هذا الرجل الكريم. فجاءهم ابن فسمّوه ـ مدلجّا ـ ا. ه. نقلا ملخصا من «تاريخ حمد بن لعبون» المخطوط. المؤلف. انظر تمام القصة (ص ١٤) من هذا الكتاب.

١٢

المدلجي ، قال : كنت كاتبا لعمال علوي من مطير مرة في زمن عبد العزيز ، فكان ما حصل منهم من الزكاة في سنة واحدة أحد عشر ألف ريال.

ولمّا خرج إبراهيم باشا إلى نجد واستولى على بلدانها ، وهدم الدرعية عام ١٢٣٣ ه‍ ، انتقل المترجم له إلى حوطة سدير وأقام فيها إلى عام ١٣٣٨ ه‍ ، ثم انتقل منها إلى بلدة التويم ، وصار إماما وخطيبا في البلدة المذكورة ، واستوطنها هو وذريته.

ألّف تاريخا عن نجد يعد من أحسن التواريخ لا يزال مخطوطا ، وأكثر ما فيه لم يذكره مؤرخو نجد ، وكأنهم لم يطلعوا عليه كما اطلعوا على «تاريخ الفاخري» ، الذي سلخوه بلا رد شكر له.

وهذا التاريخ ألّفه رغبة لابن عمه التاجر الثري ضاحي بن عون المدلجي ، فقد قال في مقدمة التاريخ : أما بعد فقد سألني من طاعته على واجبة ، وصلاته إلي واصلة ، أن أجمع له نبذة من التاريخ تطلعه على ما حدث بعد الألف من الهجرة ، من الولايات والوقائع المشتهرة ، من الحروب والملاحم ، والجدب وملوك الأوطان ، ووفيات الأعيان ، وغير ذلك مما حدث في هذه الأزمان ، خصوصا في الدولة السعودية الحنفية ، فأجبته إلى ذلك ، ورأيت أن أكمل له الفائدة ولغيره بمقدمة تكون كالأساس للبنيان. اه.

قال الشيخ إبراهيم بن عيسى : انتقل حمد بن محمد بن لعبون من بلد حوطة سدير وسكن بلد التويم واستوطنها هو وذريته ، وتوفي فيها ـ رحمه‌الله تعالى ـ. وله كتاب في التاريخ مفيد وقفت عليه بخط يده ،

١٣

والتقطت منه فوائد كثيرة. وله مشاركة في العلوم وكان حسن الخط.

فطبع من هذا التاريخ في عام ١٣٥٧ ه‍ بمطبعة أم القرى ، ولكن لم يطبع منه إلّا المقدمة التي أشار إليها : بأنها أساس للتاريخ. أما التاريخ فلا يزال مخطوطا قليل النسخ.

وقد ذكر في هذا التاريخ ولادة أبنائه : محمد ، وزامل ، وناصر ، وحجاته وتنقلاته في البلدان. ولا داعي لنقلها هنا.

وفاته :

توفي في بلد التويم ، ولم أقف على السّنة التي توفي فيها. إلّا أنه ذكر وفاة ابنه محمد في عام ١٢٤٧ ه‍.

وله ثلاثة أبناء : محمد ، وزامل ، وعبد الله.

وأما ابنه محمد : فهو الشاعر النبطي الكبير المشهور. قال والده في تاريخه المخطوط : وفي سنة خمس ومئتين وألف ولد الابن محمد بن حمد بن لعبون الشاعر المشهور ، وانتقل من بلدة ثادق إلى بلد الزبير وهو ابن سبعة عشر سنة. وله أشعار مشهورة عند العامة ، نرجو الله أن يسامحه. مات في الكويت في الطاعون الذي أفنى أهل البصرة ، والزبير ، والكويت عام ١٢٤٧ ه‍. فيكون عمره اثنين وأربعين سنة. اه ، من تاريخ أبيه.

***

١٤

تفصيل نسب آل لعبون

وهذا نسب آل لعبون نقلناه من كتاب «تحفة المشتاق» تأليف خالنا الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن حمد البسام وسيأتي طرف منها في تاريخ المؤلف نفسه ونصه كما يلي :

وإليك تفصيل نسب آل مدلج ، نقلته من تاريخ حمد بن محمد بن لعبون المعروف في بلد التّويم بقلمه ، قال :

أول من سمّي لنا من أجدادنا حسين أبو علي ، من بني وائل ، ثم من بني وهب من الحسنة ، وكان لوهب ولدان ، وهما منبّه وعليّ ، وهو جد ولد على المعروفين اليوم

ولمنبّه ولدان وهما حسن جدّ الحسنة ، وصاعد جدّ المصاليخ.

ولصاعد ولدان وهما : يعيش وقوعي والنسل لهما.

فنزل حسين أبو علي المذكور في بلد أشيقر ، ونزل عليه بعد ذلك في بلد أشيقر عدّة رجال من بني وائل ، منهم : يعقوب أخو شميسة جدّ آل أبو ربّاع ، أهل حريملاء من آل حسني من بشر.

وحتايت جدّ آل حتايت المعروفين من وهب من النّويطات.

١٥

وسليم جدّ آل عقيل منهم أيضا.

وتوسّعوا في أشيقر بالفلاحة ، وصار لهم شهرة وكثرت أتباعهم.

ونزل عندهم جدّ آل هويمل ، وآل عبيد المعروفين الآن في التويم من آل أبو ربّاع.

واشتهر حسين أبو علي في أشيقر بالسّخاء والمروءة وإكرام الضيف.

وفي أثناء أمره أقبل غزو من آل مغيرة ، ومعهم أموال كثيرة ، قد أخذوها من قافلة كبيرة بين الشام والعراق ، فألقاهم الليل إلى بلد أشيقر ، فنزلوا قريبا من نخل «أبو علي» وكانوا متبّرزين عن ضيافة البلد ، فأمر أبو عليّ بجذاذ جملة من نخلة ، ووضعه في الأرض بين أسطر النخل ، ثم دعا الغزو المذكورين ، وأميرهم حينئذ مدلج الخياري ، المشهور في نجد بالشجاعة ، وكثرة الغزوان ، وهو رئيس عربان آل مغيرة ، فدخلوا إليه ، وأجلسهم على التمر ، فأكلوا حتى شبعوا عن آخرهم ، وهم نحو مائة رجل.

ثم أمر أبو علي مدلجا المذكور ورؤساء الغزو بالمبيت عنده ، وذبح لهم ، وصنع لهم طعاما خصّهم به ، فلما كان آخر الليل وعزموا على المسير وضع مدلج تحت الوسادة صرّة كبيرة فيها مال كثير ، مما أخذوه من القافلة وساروا ، فلما كان بعد صلاة الصبح ، وطووا الفراش وجدوا الصّرّة تحت الوسادة ، فركب أبو عليّ فرسا له ، فلحقهم ظنّا أنهم قد نسوها فأبى مدلج أن يأخذها وقال : إنما وضعتها لك على سبيل المعاونة لك على مروءتك ، فرجع أبو عليّ بها. وكانت زوجته حاملا فقال لها : إن

١٦

ضيفنا البارحة من أهل المروءة والكرم ، فإن رزقنا الله ولدا ذكرا سمّيناه على اسمه مدلج ، وولدت ذكرا فسماه مدلجا.

ونشأ مدلج في بلد أشيقر ، في حجر أبيه ، ثم صار له بعد أبيه شهرة عظيمة ، واجتمع عليه من قرابته جماعات ومن بني وائل ، وتمكنوا في أشيقر بالمال والرجال والحراثة ، فخافوا منهم الوهبة أهل أشيقر ، أن يضمعوا في البلد ، فتمالأوا الوهبة على إجلائهم من البلد ، بلا تعدّ منهم في دم ولا مال.

وكان أهل أشيقر قد قسموا البلد قسمين : يوم يخرجون الوهبة بأنعامهم وسوانيهم للمرعى ، ومعهم سلاحهم ، وذلك أيّام الربيع ، ويقعد بنو وائل في البلد ، يسقون زروعهم ونخيلهم ، ويوم يخرج فيه بنو وائل بأنعامهم وسوانيهم ، ويقعدون الوهبة ، يسقون زروعهم ونخيلهم.

فقال الوهبة بعضهم لبعض : إنّ الرأي إذا كان اليوم الذي يخرج فيه بنو وائل للمرعى ، وانتصف النهار ، أخرجنا نساءهم وأولادهم وأموالهم خارج البلد ، وأغلقنا أبواب البلد دونهم ، وأخذنا سلاحنا وجعلنا في البروج بوارديّة ، يحفظون البلد ببنادقهم ، فإذا رجع بنو وائل منعناهم من الدخول ، ففعلوا ذلك. فلما رجع بنو وائل آخر النهار ، منعوهم من الدخول ، وقالوا لهم : هذه أموالكم ونساؤكم وأولادكم قد أخرجناها لكم ، وليس لنا في شيء من ذلك طمع ، وإنّما نخاف من شرور تقع بيننا وبينكم ، فارتحلوا عن بلدنا ، ما دام نحن وأنتم أصحابا. ومن له زرع فليوكّل وكيلا عليه منا ، ونحن نقوم بسقيه حتى يحصد. وأما بيوتكم ونخيلكم فكل منكم يختار له وكيلا منّا ، ويوكّله على ماله ، فإذا سكنتم في

١٧

أي بلد ، فمن أراد القدوم إلى بلادنا لبيع عقاره فليقدم ، وليس عليه بأس ، وليس لنا طمع في أموالكم ، وإنما ذلك خوفا منكم أن تملكوا بلدنا وتغلبونا عليها فنمّ الأمر بينهم على ذلك.

ثم رحل بنو وائل ، مدلج وبنوه وجدّ أهل حريملاء وسليم ، وجد آل هويمل الذين منهم آل عبيد المعروفون في التّويم ، والقصارى المعروفون في الشّقّة من قرى القصيم ، وآل نصر الله المعروفون في الزّبير ، فاستوطنوا بلد التّويم.

وكان أول من سكنها مدلج وبنوه ثم اجتمع عليه قرابته.

وكانت بلد التّويم قبل ذلك قد استوطنها أناس من عايذ بني سعيد ، بادية وحاضرة ، ثم إنهم جلوا عنها ودمرت ، وعمرها مدلج وبنوه ، وذلك سنة ٧٠٠ تقريبا.

ونزل آل حمد وآل «أبو ربّاع» في حلة ، وآل مدلج في حلة البلد. ثم إنه بدا لآل حمد الارتحال والتفرّد لهم في وطن ، فسار عليّ بن سليمان بن حمد الذي هو أبو حمد الأدنى ، وراشد ، وتوجه إلى وادي حنيفة ، فقدم علي بن معمّر رئيس العيينة ، وكان قد صار طريقه على أرض حريملاء ، وفيها حوطة لآل «أبو ريشة» الموالي ، قد استوطنوها قبل ذلك ، ثم ضعف أمرهم ، وذهبوا ، واستولى عليها ابن معمّر ، وذلك بعد دمار ملهم ، انتقال شرايد أهله إلى بلد العيينة ، فساوم عليّ بن سليمان المذكور ابن معمّر في حوطة حريملاء ، واشتراها منه بست مائة أحمر ، وانتقل إليها من التّويم ، وسكنها هو وبنو عمه سويد وحسن ابنا راشد آل حمد ، وجدّ آل عدوان ، وجدّ البكور ، وآل مبارك وغيرهم من بني بكر بن وائل وذلك سنة ١٠٤٥ ه‍.

١٨

ثم إنّ سليما جد آل عقيل قدم على ابن معمّر من بلد التّويم ، فنزل عنده في بلد العيينة فأكرمه ، ونشأ ابنه عقيل بن سليم ، وصار أشهر من أبيه وله ذرية كثيرة.

وأما مدلج فإنه تفرّد في بلد التّويم هو وأتباعه وجيرانه ، وعمروه وغرسوه.

ثم نشأ ابنه حسين بن مدلج ، وعظم أمره ، وصار له شهرة ، وله أربعة أولاد : إبراهيم ، وإدريس ، ومانع ، وحسن ، وصار لهم صيت.

فأما إدريس فإنه أعقب زامل أبو محمد والفارس المشهور ، الذي قتل في وقعة القاع سنة ١٠٨٤ ه‍ ، وهي وقعة مشهورة بين أهل التّويم بأهل جلاجل ، قتل فيها محمد بن زامل بن إدريس رئيس بلد التّويم ، المذكور ، وإبراهيم بن سليمان بن حمّاد بن عامر الدوسريّ رئيس بلد جلاجل.

ومحمد المذكور هو أبو فوزان جد عبد الله بن حمد بن فوزان ، ومفبز جدّ مفيز بن حسين بن مفيز بن حسين وهم من آل زامل.

وأما مانع فهو جد آل حزيم بن مانع المعروفين.

وأما حسن فهو جد آل جطيل والمفارعة.

وأما إبراهيم بن حسين فإنه ارتحل في حياة أبيه إلى موضع بلد حرمة المعروفة ، وهي مياه وآثار منازل ، قد تعطلت ، من منازل بني سعيد من عايذ ، ونزلها إبراهيم المذكور ، وعمرها وغرسها ، ونزل عليه كثير من قرابته وأتباعه ، وتفرّد بملكها عن أبيه وإخوته.

وكان نزول إبراهيم بن حسين بن مدلج المذكور بلد حرمة وعمارته

١٩

لها تقريبا سنة ٧٧٠ ه‍ ، وعمارة بلد المجمعة سنة ٨٢٠ ه‍.

ثم إنه توفي حسين بن مدلج في بلد التّويم ، وصار أميرها بعده ابنه إدريس.

فأما إبراهيم بن حسين فإنه استقر في بلد حرمة وكان لأبيه فداويّ فارس يقال له عبد الله الشمريّ من آل ويبار ، من عبدة من شمّر ، فلما مات حسين المذكور قدم على ابنه إبراهيم في حرمة ، وطلب منه قطعة من الأرض لينزلها ويغرسها ، فأشار أولاد إبراهيم على أبيهم أن يجعله أعلى الوادي ، لئلا يحول بينهم وبين سعة الفلاة والمرعى ، فأعطاه موضع المجمعة المعروفة. وصار كلما حضر أحد من بني وائل وطلب من إبراهيم وأولاده النزول عندهم ، أمروه أن ينزل عند عبد الله التّمّري طلبا للسعة وخوفا من التّضييق عليهم ، في منزل وحرث وفلاة ، ولم يخطر ببالهم النظر في العواقب ، وأن أولاد عبد الله الشّمّري وجيرانهم لا بدّ أن ينازعوهم بعد ذلك ويحاربوهم فيكون من ضمّوه إليهم تقوية لهم عليهم.

فأتاهم جدّ التواجر وهو من جبارة من عنزة.

ووجدت في بعض التواريخ أن التواجر من بني وهب من النّويطات من عنزة ، وجدّ آل بدر وهو من آل جلاس من عنزة ، وجدّ آل سحيم من الحبلان من عنزة.

وجد التّمارى من زعب ، وغيرهم فنزلوا عند عبد الله الشمّري.

وكان أولاد عبد الله الشّمّري ثلاثة : سيف ، ودهيس ، وحمد.

فأما حمد فهو أبو سويد ، وذريّته في الشّقة المعروفة من قرى القصيم.

٢٠