خزانة التّواريخ النجديّة - ج ٢

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام

خزانة التّواريخ النجديّة - ج ٢

المؤلف:

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٦

سرية من أهل الرياض وأمر على غزو أهل ضرما والقويعية بالمسير معه ، وأمره أن يقطع سابلة أهل عنيزة ، فتوجّه عبد الرحمن المذكور بمن معه من الجنود وأغار على أطراف عنيزة ، وأخذ ما وجده من المواشي ، ثم قدم بلد بريدة.

ولما كان في ثالث من ذي الحجة من السنة المذكورة خرج عبد الله بن الإمام فيصل من الرياض بغزو أهل الرياض ، والجنوب. وكان قد واعد غزو أهل سدير والوشم بلد شقراء ، فلما وصل إليها وجدهم قد اجتمعوا هناك ، وذلك يوم عيد الأضحى من السنة المذكورة ، واجتمع عليه خلائق من البادية ، فسار بتلك الجنود إلى بلدة عنيزة.

ولما كان اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة المذكورة ، صبح أهل الوادي ، وأخذ جميع ما عندهم من متاع وأثاث ومواش ، وقتل منهم نحو عشرة رجال. وأمر عبد الله على من معه من الجنود بقطع نخيل الوادي ، فخرج عليهم أهل عنيزة ومعهم خلائق كثيرة من أهل القصيم ، ومن البادية ، فحصلت بين الفريقين وقعة شديدة في الوادي ، وقتل فيها عدة رجال من الطرفين منهم سعد بن سويلم أمير بلدة ثادق. ثم إن عبد الله بن الإمام فيصل ارتحل بعد هذه الواقعة من الوادي ، ونزل العوشزية ، ثم رحل منها ونزل على روضة الربيعية ، وقدم عليه طلال بن عبد الله بن رشيد بغزو أهل الجبل من حاضرة الجبل وباديتهم. وفيها قتل عبد الله بن حمد بن محمد الرزيزا في الرعين عند الهويجة ، قتله فهد بن متلف من الحمدان من عتيبة في وقعة بين أناس من أهل أشيقر وركب من الحمدان المذكورين. وفيها جاء برد عظيم في العقرب الأخيرة قتل بإذن الله غالب الزرع.

١٤١

ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائتين وألف : وفيها قدم علي عبد الله بن الإمام فيصل وهو على روضة الربيعية بقية غزو أهل نجد ، واجتمع عليه من الخلائق من البادية والحاضرة ما لا يحصيهم إلّا الله تعالى. فلما اجتمعت تلك الجنود ، سار بهم عبد الله بن الإمام فيصل ، قاصدا لقتال أهل عنيزة ، ونزل الحميدية ، ثم ارتحل منها ونزل الغزيلية ، واشتد الخطب وعظم الأمر ، ثم إن أهل عنيزة طلبوا الصلح. وكان الإمام فيصل قد ذكر لابنه عبد الله إنهم إن طلبوا الصلح فأجبهم إليه ، ويكون ذلك على مواجهتي وعلى يدي.

وكان رحمه‌الله تعالى إماما عادلا حسن السيرة شفيقا على المسلمين ، رؤوفا بالرعية ، محسنا إليهم ، حريصا على مصالحهم ، فكتبوا بذلك إلى الإمام فيصل ، فأجابهم إلى ذلك ، حقنا لدماء المسلمين ورفقا بهم وأعطاهم الأمان. على أن الأمير عبد الله اليحيى بن سليم يقدم عليه في الرياض ، فركب عبد الله آل يحيى بن سليم المذكور من عنيزة وقدم على الإمام فيصل في الرياض ، وطلب منه العفو والإحسان ، واعترف بالخطأ والإساءة والعصيان ، فقبل الإمام معذرته ، وصالحه على أشياء طلبها الإمام منه ، والتزم بها الأمير عبد الله آل يحيى المذكور. وتم الصلح على ذلك في شهر ربيع الأول فأذن له الإمام بالرجوع إلى بلده ، وكتب الإمام إلى ابنه عبد الله ، وأخبره بما وقع بينه وبين أهل عنيزة من الصلح وأمره بالرجوع إلى بلده ، وأن يأذن لمن معه من أهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم. فقفل إلى بلد الرياض ومعه عمه جلوي بن تركي ، وأذن لأهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم ورحل معه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين بحرمه وعياله ، إلى بلد شقراء ، فتلقاه أهلها

١٤٢

بالسلام ، واستبشروا بقدومه. وذلك في ربيع الآخر من السنة المذكورة.

وفيها قام عيال راشد بن ثامر بن سعدون وأخذوا في جمع الجنود ، وساروا لقتال محمد بن عيسى بن محمد بن ثامر بن سعدون ، وكان غلبهم على الرياسة على عربان المنتفق ، كما تقدم في سنة تسع وستين ومائتين وألف. وقام مع عيال راشد سلطان بن سويط وسار معهم بمن تبعه من الظفير وسار معهم صقر بن حلاف بمن معه من السعيد ، وباذراع بمن معه من الصعدة وقام معهم بنو أسد وبنو نهد فالتقى الفريقان على نهر الفاضلية ، واقتتلوا قتالا شديدا فقتل محمد بن عيسى في المعركة وسارعت الهزيمة على أصحابه وقتل من الفريقين قتلى كثيرة وصارت رياسة المنتفق لمنصور بن راشد بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع بن شبيب ، وذلك في رجب من السنة المذكورة.

ولما كان في شهر رمضان منها حصل الاختلاف بين منصور بن راشد المذكور ، وبين أخيه ناصر بن راشد في طلب الرياسة ، وانقسمت عليهما عربان المنتفق ووقع بين الفريقين قتال شديد ، وصارت الهزيمة على منصور وأتباعه وصارت الرياسة على المنتفق لناصر بن راشد بن ثامر. وبعد هذه الواقعة سار منصور بن راشد إلى بغداد ، وصار عند الوزير سعيد باشا وأقام عنده ، وطلب منه الإعانة والمساعدة على قتال أخيه ناصر ، فوعده بذلك.

ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف : وفيها أنزل الله الغيث في أول الوسمي ثم تتابت الأمطار والسيول وعمّ الحياء جميع بلدان نجد ، وكثر الخصب ورخصت الأسعار. وفيها خرج منصور بن راشد

١٤٣

وجهز معه الوزير سعيد باشا عساكر كثيرة ، رئيسهم يقال له مصطفى باشا ، فتوجهوا إلى سوق الشيوخ ونزلوه ، ومنصور معهم ليس له أمر ولا نهي.

وكان ناصر لما بلغه خبر مسيرهم إليه وتيقّن كثرتهم علم أنه لا طاقة له في لقائهم ، فخرج بأهله وأولاده ، وماله وأتباعه ، من سوق الشيوخ ، ونزل على سلطان بن سويط على كابده وحاصل الأمران حكم المنتفق مرج وتغلبت عليهم الدولة ، فكانوا يولون من أرادوا توليته ، ويعزلون من أرادوا عزله ، وذلك لكثرة خلافهم وتفرّقهم.

وفي هذه السنة قدم الزبير رجل يقال له السيد خميس الهيازعي صاحب طريقة ومعه تلامذة له فبدر من بعض تلامذته أمور منكرة فأنكر عليهم السيد عبد الغفار البغدادي المعروف بالأخرس وحصل بينه وبين الهيازعي المذكور سباب وهجاه السيد عبد الغفار بهذه الأبيات على البحر الوافر :

ألا أبلغ جناب الشيخ عني

رسالة متقن بالأمر خبرا

وسل عنه غداة يهز رأسا

بحلقة ذكره ويدير حجرا

أقال الله : صفق لي وغني

وقل كفرا وسمّ الكفر ذكرا

وويحك ما العبادة ضرب

ولا في طول هذا الذكر فخرا

تقول : العيدروسي كان يحيى

من الأنفاس من قد مات دهرا

فما يكفيك الحال حتى

كذبت على النبي وقلت نكرا

متى صارت هيازع من قريش

فعدوها لنا بطنا وظهرا

ولو كان السيادة في اخضرار

لكان السلق أشرف منك قدرا

وإن قلت : اشتهرت بكل علم

فأعرب لي إذا لاقيت عمرا

١٤٤

ثم إن بعض أصحاب الهيازع انتصر له ، ورد على السيد عبد الغفار بأبيات شنيعة ، فثارت العامة بالهيازعي وأتباعه ، فانهزموا إلى البصرة ، ثم وجهوا إلى الهند.

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف : وفيها سار عبد الله بن الإمام فيصل بجنوده المسلمين ، من البادية والحاضرة ، وأخذ ابن مجلاد ومن معه من عنزة ، في الدهناء. وكان عبد الله قد واعد طلال بن عبد الله بن راشد أن يقدم عليه بغزو أهل الجبل ، في زرود وتوجّه عبد الله إلى زرود فلما وصل إليها وجد طلال بن رشيد وعمه عبيد بن علي بن رشيد بغزو أهل الجبل قد نزلوا هناك فسار من زرود وعدا على مسلط بن محمد بن ربيعان ومن معه من عتيبة وذلك في جمادى الآخرة من السنة المذكورة. فصبحهم على شبيرمة وأخذهم ثم أغار على الروسان وهم على الرشاوية وأخذهم ، ثم توجه إلى الشعراء ونزل عليها وقسم الغنائم ، ثم قفل راجعا إلى الرياض وأذن لأهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم. وفي رمضان غزا طلال بن عبد الله بن علي وأخذ مسلط بن محمد بن ربيعان وسلطان بن حميد من عتيبة.

وفي شهر رمضان من السنة المذكورة توفي عبد الله بن ربيعة بن وطبان الشاعر المشهور ، وكانت وفاته في بلد الزبير ، وهم من آل وطبان المعروفين في الزبير ، وهم من ولد وطبان بن ربيعة بن مرخان بن إبراهيم بن موسى ، ووطبان المذكور هو ابن أخي مقرن بن مرخان ، جد آل مقرن ملوك نجد المعروفين ، فيجتمع آل مقرن وآل وطبان في مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة. وسبب نزول

١٤٥

وطبان بن ربيعة بن مرخان بلد الزبير أنه قتل ابن عمه مرخان بن مقرن بن مرخان في الدرعية فهرب إلى بلد الزبير وصار لآل وطبان في الزبير صيت وشهرة ، وصاهروا السعدون شيوخ عربان المنتفق ، وآل صباح رؤساء بلد الكويت ، وشاخ في بلد الزبير إبراهيم بن ثاقب بن وطبان.

ولما توفي تولّى الرياسة بعده في الزبير ولده محمد بن إبراهيم بن ثاقب بن وطبان ، وكان حازما عاقلا ، ومن الدهاة المعدودين ، وكان أهل الزبير يسمونه البلم لدهائه ومعرفته بالأمور ، لأن البلم يغرق غيره ، ويسلم. ولم يزل على رياسته في بلد الزبير ليس له فيه منازع ، وقوله في البصرة نافذ ، وكان متسلم البصرة أحمد آغا يخافه ، ويعلم أنه لا يتم له الأمر في البصرة إلّا بقتله ، ولم يزل يدبّر الرأي والحيلة لقتله ، فلم يحصل له ذلك مدة ، لأن بن ثاقب المذكور كان كثير الجنود شديد التحفّظ على نفسه إلى أن أنفذ الله فيه قدره.

وذلك أنه لما كان في سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف اتفق أن المتسلم أحمد آغا المذكور ، سافر إلى بغداد ، مكيدة منه ، وأقام فيه مدة أيام ، ثم رجع إلى البصرة وليس معه ما يريب من عسكر ولا غيرهم وأرسل إلى محمد بن إبراهيم بن ثاقب بن وطبان المذكور ، وطلب منه أن يأتي إليه في البصرة ، ويأتي معه بمن يحب من الأعيان ، لموجب السلام ، وليعرض عليهم كتابا من وزير بغداد للأهالي. فانحدر محمد المذكور من الزبير إلى البصرة ، بجنوده بسلاحهم ، ومعهم الطبول. فلما أقبلوا على السرايا قاموا يعرضون ويغنون ، ويضربون الطبول ، وكان المتسلم قد جعل كمينا من العسكر في موضع من السرايا في السطح وفي أسفل السرايا كمينا آخر فدخل محمد بن إبراهيم المذكور السرايا ومعه أصحابه ، يغنون

١٤٦

ويضربون الطبول ، ويلعبون في أسفل السرايا ، وصعد محمد المذكور ، ومعه ثلاثة رجال من أصحابه ، إلى المتسلم وهو في السطح للسلام عليه ، فخرج عليهم العسكر الذين جعلهم المتسلم كمينا كما تقدم ، وقبضوا عليهم وقتلوهم ، وقطعوا رأس محمد بن إبراهيم المذكور ثم رموا برأسه وجثته على أصحابه ، من أعلى السرايا وهم يلعبون ويغنّون. فلما رأوه هربوا إلى الزبير.

وأرسل المتسلم المذكور عدة أنفار من العسكر للزبير ، وأمرهم بقبض أموال محمد بن إبراهيم المذكور ، وأموال آل إبراهيم بن ثاقب بن وطبان وأتباعهم ، فقبضوا ما وجدوه من أموالهم وكان شيئا كثيرا وهرب آل ثاقب من الزبير إلى الكويت.

وفي رمضان غزى طلال بن عبد الله بن علي بن رشيد وأخذ مصلط بن محمد بن ربيعان وسلطان بن حميد من عتيبة.

وفي شوال من هذه السنة توفي الشيخ العالم عبد العزيز بن عثمان بن عبد الجبار بن شبانة الوهبي التميمي. وكانت وفاته في بلد المجمعة رحمه‌الله تعالى ، أخذ العلم عن أبيه الشيخ العالم العلامة عثمان بن عبد الجبار بن الشيخ أحمد بن شبانة ، وعن الشيخ العالم العلامة والقدوة الفهامة ، عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم‌الله تعالى. كان عالما فاضلا ، ولّاه الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود القضاء على بلدان منيخ والزلفي بعد وفاة أبيه الشيخ عثمان بن عبد الجبار في سنة اثنتين وأربعين ومائتين وألف. فلما توفي الإمام تركي بن عبد الله رحمه‌الله تعالى تولى بعده الأمر الإمام فيصل

١٤٧

وعزل صالح بن عبد المحسن بن علي عن إمارة الجبل ، وولي الإمارة مكانه عبد الله بن رشيد ، وبعث معه الشيخ عبد العزيز بن عثمان المذكور قاضيا ، فأقام هناك ثلاثة أشهر حتى انقضى الموسم ، ثم أذن بالرجوع إلى بلده ، واستمر قاضيا على بلدان منيخ والزلفي إلى أن توفي في هذه السنة المذكورة.

ولما توفي الشيخ عبد العزيز المذكور ، طلب أهل المجمعة من الإمام فيصل أن يرسل إليهم الشيخ عبد العزيز بن صالح بن موسى بن صالح بن مرشد قاضيا على بلدان منيخ والزلفي ، وعلى جميع بلدان سدير. وفيها في آخر ذي القعدة قام ابن مهليب شيخ برية على حاج أهل عنيزة وهم على الدات الماء المعروف ، وطلب عليهم مطالب ، فامتنعوا من إعطائه ، فأخذهم ولم يحج منهم أحد في هذه السنة. وفي هذه السنة حصل على حاج أهل الوشم حريقة في الصرايف في مكة المشرفة هلك فيها لهم أموال كثيرة. وفي ٢٥ رجب توفي عبد الله بن حمد بن محمد بن عليوي رحمه‌الله تعالى. وفي رمضان توفي عبد الله بن ربيعة بن وطبان الشاعر المعروف في الزبير.

ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائتين وألف : وفيها كسفت الشمس ضحوة الجمعة في ثامن وعشرين من عاشوري. وفيها أنزل الله الغيث في الوسمي وكثر الخصب فيها تناوخ عتيبة وحرب بالقرب من ساق وأقاموا في مناخهم ذلك عشرين يوما وحصل بينهم قتال شديد ، وصارت الهزيمة على عتيبة وقتل من عتيبة نحو ستين رجلا ، ومن حرب نحو خمسين رجلا. وفيها توفي الحميدي بن فيصل بن وطبان الدويش شيخ عربان مطير. وفي ثالث عشر من شعبان من السنة المذكورة توفي الشريف

١٤٨

محمد بن عبد المعين بن عون بن محسن بن عبد الله بن حسين بن عبد الله بن حسين بن عبد الله بن حسن بن أبي نمي ، وعمره نحو السبعين ، وخلف ستة من الذكور ، وهم عبد الله وعلي وحسين وعون وسلطان وعبد الله ، وتولى إمارة مكة بعده ابنه عبد الله.

وفيها غزا عبد الله بن الإمام فيصل بجنود ـ المسلمين من البادية والحاضرة ، وصبح ابن حميد والهيضل ومن معهما من عربان عتيبة على دخنة وأخذهم ثم عدا من دخنة وأخذ العصمة على نفي وأقام هناك أياما ثم عدا على البقوم ومعهم أخلاط من سبيع ، وهم على أم الجواعر فصبحهم وأخذهم ، ثم قفل راجعا إلى الرياض ، وأذن لمن معه من أهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم. وفي رمضان منها أخذ طلال بن عبد الله بن علي بن رشيد أخلاطا من عتيبة ومن بني عبد الله. وفي هذه السنة وقع الوباء العظيم في نجد والبحرين والأحساء ومات خلائق كثيرة.

وفيها في رابع جمادى الآخرة توفي الشيخ حسن بن عمر بن معروف بن شطي نسبة لجده المذكور البغدادي الأصل الدمشقي المولد والدا والوزارة ولد في دمشق عام ١٢٠٥ ه‍ ، وقرأ على عدة مشايخ منهم الشيخ مصطفى بن عبده الشهير بالرحيباني شارح الغاية ، ومهر وبرع في العلم وصنف شرح زوائد الغاية ، وتعقب الشراح فجاء في مجلد حافل ، وله مختصر شرح عقيدة السفاريني ، في نحو ثلثها وشرح الاظهار في النحو وغير ذلك. وخطة ظريف منمق ، ودفن بسفح جبل قاسيون بقرب الشيخ الموفق رحمهما‌الله تعالى.

ودخلت سنة خمس وسبعين ومائتين وألف : وفيها ظهر نجم له

١٤٩

ذنب في آخر عاشوري ظهر في الجدي ولا غاب إلّا في الهيف بعد شهرين من طلوعه ، وفيها تصالح قبايل علوي وقبايل برية بعد حروب بينهم. وفي ربيع الأول منها أخذ عبد الله بن فيصل البقوم ، وفيها في جمادى الأول وقع وباء شديد في البحرين أقام فيه نحو أربعة أشهر وهلكت أمم عظيمة ، ووقع في الأحساء وأقام نحو ستة أشهر وهلك خلائق كثيرة ووقع في الرياض وفي جميع بلدان نجد والبوادي ، وهلك خلائق لا يحصون. وفيها قتل ناصر بن عبد الرحمن بن عبد الله السحيمي في الهلالية ، قتله عبد الله آل يحيى السليم ، وكان سبب ذلك أن السحيمي أيام إمارته في بلدة عنيزة قتل إبراهيم بن سليم وذلك في سنة ١٢٦٥ ه‍ ، وناصر السحيمي المذكور ، هو ناصر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن إسماعيل ، من آل إسماعيل المعروفين في بلد أشيقر ، وفي بلد عنيزة من آل بكر من سبيع ، والسحيمي لقب علي عثمان بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن إسماعيل ، فأولاد عثمان بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسماعيل المذكور ، وأولاد أولادهم هم المعروفون بالسحامي انتقل عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن إسماعيل جد ناصر السحيمي المذكور من بلد أشيقر ، إلى عنيزة ، ومعه ابنه عبد الرحمن أبو ناصر المذكور ومع عبد الرحمن ابنه مطلق الضرير ، فنزلوا على عشيرتهم آل بكر من سبيع أهل الخريزة فأكرموهم وأقاموا عندهم وتزوج عبد الرحمن هناك وولد له ناصر المذكور.

وكان آل بكر وبنو عمهم آل زامل يتجاذبون الرياسة على بلد عنيزة ، فلما كبر ناصر المذكور ظهرت منه الشهامة والنجابة والشجاعة ، وكان

١٥٠

يحيى بن سليم ذلك الوقت هو الأمير في بلد عنيزة ، فصار ناصر يعارضه في بعض الأمور ويساعده في ذلك أكابر عشيرته من آل بكر ، وكان يحيى بن سليم عاقلا حليما حازما نبيها. فخاف من شر يقع بينه وبين آل بكر ، فاستدعى بناصر المذكور ، وقال له : «إن لك حقّا علينا فاختر في إمارة عنيزة» ، وكان ذلك في اختلاف نجد بعد الدرعية. وقبل قيام الإمام تركي واستيلائه على نجد. فقال له ناصر : «أنت ـ كبيرنا. والأمر لله ثم لك. ولا أريد شيئا من ذلك». وكان ناصر قد ظن أنه غير صادق فيما قال فحلف له يحيى أنه صادق فيما قلته لك. فلما علم ناصر صدقه قال له : «أنا ولد لك ويكفيني الشداد ومعلوم الدرب». واستقام الأمر على ذلك إلى أن قتل الأمير يحيى بن سليم في الوقعة التي بين أهل القصيم وبين ابن رشيد ، في بقعاء سنة سبع وخمسين ومائتين وألف ، ثم تأمر بعده في عنيزة أخوه عبد الله بن سليم. وبقي فيها إلى أن قتل في سنة إحدى وستين ومائتين وألف. في الوقعة التي بين أهل عنيزة وبين ابن رشيد أيضا فتولّى بعده إمارة عنيزة أخوه إبراهيم بن سليم.

ولما كان في سنة أربع وستين ومائتين وألف عزل الإمام فيصل إبراهيم بن سليم عن إمارة عنيزة ، وأمر فيها ناصر بن عبد الرحمن السحيمي المذكور. ولما كان في السنة التي بعدها قام عبد الله آل يحيى بن سليم ، وزامل العبد الله بن سليم. ورجال من أتباعهم ، ورصدوا لناصر المذكور في طريقه بعد العشاء الآخرة ، وكان ناصر المذكور قد ضبط قصر عنيزة بالرجال. وجعل فيه أخاه مطلق الضرير.

فلما وصل إليهم رموه ثلاث رميات ، وإصابته واحدة منهن على غير مقتل.

فسقط على الأرض ، وظنوا أنهم قد قتلوه ، فركضوا إلى القصر ليدخلوه ،

١٥١

فوجدوا من فيه قد أنذروا وأغلقوا باب القصر ، وشمّروا للحرب.

وأما عبد الله اليحيى وزامل فانهزموا إلى بلد بريدة ، وأقاموا عند أميرها عبد العزيز آل محمد. وأما ناصر السحيمي فإنه قام من فوره من موضعه ، ودخل بيته وجارحوه حتى برىء من جرحه. وكتب إلى الإمام فيصل يخبره بأن آل سليم تعدو عليه بلا جرم ولا سبب وكتب عبد العزيز آل محمد إلى الإمام فيصل يخبره بأن آل سليم عنده وأنهم ما فعلوا ذلك إلّا لأشياء حدثت من السحيمي. فكتب الإمام فيصل إلى عبد العزيز آل محمد يأمره بأن يرسلهم إليه بلا مراجعة. فأرسلهم إليه بهدية سنية ، فأنزلهم الإمام في بيت وعفا عنهم ، وكتب إلى السحيمي إن آل سليم عندنا ، وأنت على مرتبتك ، ونحن ننظر في الأمر إن شاء الله.

وكان مطلق عبد الرحمن السحيمي الضرير ، لما جرح أخوه ناصر ، أرسل إلى رجل من أعوان آل سليم يقال له ابن صخيبر فضربه حتى مات ثم قام ناصر السحيمي لما برىء من جرحه على إبراهيم بن سليم فقتله فقام آل سليم يحاولون قتل ناصر بعد قتله إبراهيم بن سليم المذكور. فلم يتفق لهم ذلك إلّا هذه السنة.

لما كان في هذه السنة اتفق أنه ركب من عنيزة لينظر إلى خيل له قد ربطها في بلد الهلالية عند بعض أصدقائه فيها ليعلفها هناك. فعلم بذلك عبد الله اليحيى بن سليم وزامل بن عبد الله بن سليم وحمد بن إبراهيم بن سليم. فركبوا في أثره وسطوا عليه في الهلالية ، فوجدوه نائما عند خيله فقتلوه ، ثم رجعوا إلى عنيزة ، وانتقل أخوه مطلق بن عبد الرحمن الضرير بعد قتل أخيه ناصر بأولاده إلى بلد أشيقر. ولم يزل بها إلى أن توفي سنة ١٢٨٢ ه‍ رحمه‌الله تعالى.

١٥٢

وفي رجب من هذه السنة ـ أعني سنة خمس وسبعين ومائتين وألف ـ كتب الإمام فيصل إلى عبد العزيز المحمد أمير بريدة أن يقدم عليه ، فركب عبد العزيز المذكور ، وقدم على الإمام فيصل ومعه ولداه عبد الله وعلي وثلاثة من خدامه ، فلما جلس عبد العزيز بين يدي الإمام انتهره ، وأغلظ له في الكلام ، وجعل الإمام يعدد عليه أفعاله القبيحة ، وما حصل منه من الشقاق فقال : «كل ما تقوله حق ، وأنا أطلب العفو والمسامحة». فأنزله الإمام في بيت هو ومن معه ، وأجرى عليهم من النفقة ما يكفيهم وأمرهم بالمقام عنده في الرياض وأمر في بريدة عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان ، وهو من آل عليان عشيرة عبد العزيز آل محمد المذكور. وفيها غزا الإمام فيصل بجنود المسلمين من البادية والحاضرة وذلك في شعبان من السنة المذكورة ، ونزل على وضاح وأقام هناك أياما ثم أمر على ابنه عبد الله أن يسير بتلك الجنود ، ويقصد بهم عربان برية من مطير لأمور حدثت منهم.

وقفل الإمام فيصل إلى الرياض ، فتوجه عبد الله بمن معه من الجنود. وصبح عربان برية على دخنة وأخذهم ، ثم نزل على عريفجان واستدعى كبار برية فركبوا إليه فلما صدروا من الشبيكية وإذا غزوا قحطان متوجهين إلى عبد الله بن فيصل ليصادفوهم فأخذوهم ، وقتلوا منهم خمسة رجال ، منهم مناحي المريخي وهذال القريفة ، فغضب عبد الله بن فيصل لذلك ، ولما وصل إليه غزو قحطان المذكورون أخذ جميع ما معهم من الخيل ، وهي نحو مائة وأربعين فرسا ، وأسر منهم خمسة وعشرين رجلا ، وقفل بهم معه إلى الرياض ، وطلب عليهم أشياء فأعطوه جميع ما طلب ، ودفعوا البرية دبة المقتولين منهم وجميع ما أخذوا منهم ، ثم أطلقهم. وفي

١٥٣

هذه السنة تصالح عربان برية وقبائل علوي بعد حروب بينهم.

وفي ذي الحجة فيها ربط مهنا الصالح أبا الخيل في مكة ربطه الشريف ثم أطلقه في ربيع الأول من السنة التي بعدها.

ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائتين وألف : وفيها في صفر قتل عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان أمير بلدة بريدة في بيت الضبيعي ، وهو يصنع له القهوة دخلوا له مع بيت عبد الله الغانم ، وهو جار بيت الضبيعي ، قتله خمسة رجال من عشيرته آل أبي عليان ، وهم عبد الله الغانم وأخوه محمد وحسن آل عبد المحسن ، وأخوه عبد الله وعبد الله بن عرفح. وكان الإمام فيصل قد جعله في بريدة أميرا لما عزل عبد العزيز المحمد عنها وأمره بالمقام عنده في بلدة الرياض ، وكان ابن عدوان قد تولى إمارة بريدة في دخول رجب ١٢٧٥ ه‍. كما تقدم في السنة التي قبل هذه وآل أبي عليان من العناقر من بني سعد بن زيد مناة بن تميم ، ولما جاء الخبر إلى الإمام فيصل غضب على عبد العزيز المحمد ، وأمر بحبسه وجعل محمد الغانم أميرا في بريدة مكان ابن عدوان ، وكثر القيل والقال ، وجعل عبد العزيز المحمد وهو في الحبس يكتب إلى الإمام فيصل ويحلف له إيمانا مغلظة أنه ليس له علم بذلك الأمر ، ولا رضي به ، ولو أذنت لي بالمسير إلى بريدة لأصلحت ذلك الأمر ، وأمسكت الرجال الذين قتلوا ابن عدوان ، وأرسلتهم إليك مقيدين بالحديد ، أو نفيتهم عن البلاد.

فأمر الإمام فيصل رحمه‌الله تعالى بإطلاقه من الحبس ، وأحضره بين يديه وجعل يحلف للإمام ويتملق ، فأخذ الإمام عليه العهود والمواثيق على

١٥٤

ذلك ، وأذن له الإمام بالرجوع إلى بريدة ، واستعمله أميرا عليها وعزل محمد الغانم عن الإمارة ، وتوجه عبد العزيز المذكور هو وابنه علي ولما وصل عبد العزيز المحمد المذكور إلى بريدة ، قرب الذين قتلوا ابن عدوان وأدناهم. وكان وصوله إلى بريدة في جمادى من السنة المذكور ، وجعل يكتب للإمام فيصل بأشياء مكرا وكذبا ، فحاق به مكره وحصل عليه ما سيأتي في السنة التي بعدها إن شاء الله تعالى.

وفي هذه السنة غليت الأسعار في نجد بيعت الحنطة أربع أصواع ونصف بالريال ، والتمر أربعة عشر وزنة بالريال ، والسمن منه وزنتين إلى وزنتين وربع. ثم أنزل الله الغيث وكثر العشب ولكن الغلاء على حاله الحنطة أربعة أصواع ونصف بالريال ، وبعد هذا في هذه وفي هذه السنة أظهرت بادية العجمان العصيان والمحاربة.

خرج حاج كثير من أهل الأحساء ، وأهل فارس والبحرين ، وغيرهم وأخذوا معهم حزام بن حثلين رفيقا ، فرصد لهم أخوه فلاح بن حثلين بمن معه من العجمان ، بالقرب من الدهناء ، واستأصل ذلك الحاج أخذا ، ومعهم من الأموال ما لا يعد ولا يحصى ، وهلك من الحاج خلق كثير عطشا فلا جرم أن الله لم يمهل فلاح بن حثلين بعد هذه الفعلة الشنيعة ، بل عجل له العقوبة ، فإن الإمام فيصل بن تركي رحمه‌الله تعالى ، ظفر به في السنة التي بعدها ـ أعني سنة اثنين وستين ومائتين وألف ـ وقيده وأرسله إلى الأحساء مقيدا ، وطيف به على حمار في الأسواق في بلد الأحساء ، ثم ضربت عنقه هناك وصار ابنه راكان رئيسا بعده على العجمان وجعل يكتب إلى الإمام فيصل ، ويتودد إليه ويطلب منه العوض في أبيه ، ويردد إليه الرسل ، ويطلب منه العفو ، وأرسل إلى الإمام هدايا كثيرة من الخيل

١٥٥

والركاب ، وما زال كذلك حتى صفح عنه الإمام وحضر بين يديه ، وبايعه على السمع والطاعة ، ثم بعد ذلك عظم أمره وصار شرّا من أبيه.

فلما كان في هذه السنة نقض العهد وأغار على إبل الإمام فيصل ، وأخذ منها طرفا ، ثم ارتحل بعدها من ديرة بني خالد ، هو من معه من العربان ، إلى جهة الشمال ، ونزلوا على الصبيحية الماء المعروف بالقرب من الكويت ، وأكثروا من الغارات على عربان نجد. ولما كان في شعبان أمر الإمام على جميع رعاياه من البادية والحاضرة ، بالجهاد ، وأمر على ابنه عبد الله أن يسير بجنوده المسلمين لقتال عدوهم فخرج عبد الله من الرياض في آخر شعبان من السنة المذكورة بغزو أهل الرياض ، والخرج الجنوب ، واستنفر من حوله من البادية من سبيع والسهول وقحطان وكان قد واعد غزو أهل الوشم وسدير المحمل الدجاني ، الماء المعروف.

فلما وصل إليه وجدهم قد اجتمعوا هناك فأقام هناك ثلاثة أيام ثم ارتحل منه واستنفر عربان ، مطير ، فتبعه منهم جمع غفير وقصدوا الوفراء ، الماء المعروف ، وعليها عربان من العجمان فوجدهم بياتا وأخذهم وانهزمت شرائدهم إلى الصبيحية وعليها آل سليمان وآل سريعة من العجمان. ثم ارتحل عبد الله من الوفراء وصبح العربان المذكورين على الصبيحة وأخذهم وقتل منهم خلائق كثيرة وانهزمت شرائدهم ، وكان حزام بن حثلين وابن أخيه راكان بن فلاح بن حثلين وعلي بن سريعة وعدة رجال من العجمان غزاة لم يحضروا هذه الغزوة ، فقدموا على أهلهم بعد الوقعة بيومين فوجدوهم قد أخذوا ، فشجع بعضهم بعضا واستعدوا لقتال عبد الله الفيصل وهم على ملح وساروا إليهم فحصلت بينهم معركة كبيرة شديدة فانهزم العجمان لا يلوى أحد على أحد ، وقتل منهم سبعمائة رجل

١٥٦

وغنم منهم عبد الله بن الإمام فيصل من الأموال ما لا يحصى. وهذه الوقعة تسمى (وقعة ملح) ، وذلك في السابع عشر من رمضان ، وهذه تفصيلها.

ارتحل عبد الله ونزل على ملح فقام رؤساء العجمان ، وشجع بعضهم بعضا ، وعمدو إلى سبعة جمال ، وجعلوا عليهن الهوادج ، وأركبوا في كل هودج من تلك الهوادج بنتا جميلة من بنات الرؤساء ، محلاة بالزينة ـ واستصحاب النساء الحرائر في وسط جموع الحرب عادة جاهلية بقيت إلى الآن ـ لأجل أن يشجعن الفتيان ، وينخين الفرسان والشجعان ، فإن الفتيان والفرسان تدب فيهم النخوة والغيرة ، والحمية عن العار ، فيقاتلون العدو قتال المتهالك. ثم قاموا إلى الإبل ، فقرنوها ثم ساقوها أمامهم ، وتوجهوا لقتال عبد الله ومن معه من جنود المسلمين يسوقون قدامهم الإبل والهوادج ، فلما وصلوا إليهم نهض إليهم المسلمون وحصل بين الفريقين قتال شديد ، يشيب من هوله الوليد فنصر الله المسلمين وانهزم العجمان هزيمة شنيعة ، لا يلوى أحد منهم على أحد فتركوا الهوادج والأبل ، وجميع أموالهم ، وقتل منهم نحو سبعمائة رجل وغنم المسلمون منهم من الأموال ما لا يعد ولا يحصى. وكانت هذه الوقعة في اليوم السابع عشر من رمضان من السنة المذكورة ، وانهزمت شرايدهم إلى الكويت.

وأقام عبد الله بمن معه من الجنود على الجهرا مدة أيام ، وأرسل الرسل بالبشارة إلى أبيه وإلى بلدان المسلمين فحصل لهم بذلك الفرح والسرور وانشرحت منهم الصدور. ولما وصل خبر هذه الوقعة إلى الزبير والبصرة سروا بذلك لأن العجمان قد أكثروا من الغارات على أطرافهم وأرسل باشا البصرة إلى عبد الله بن الإمام فيصل هدايا كثيرة صحبة النقيب محمد سعيد ، وأرسل إليه رئيس بلد الزبير سليمان عبد الرزاق بن زهير

١٥٧

هدية سنية ، ثم إنه ارتحل من الجهراء وقفل راجعا إلى الرياض ، فلما وصل الحفنة الخبراء المعروفة في العرمة أذن لمن معه من أهل النواحي بالرجوع إلى أوطانهم ، وتوجه إلى الرياض مؤيدا منصورا. ولما وصل البشير بهذه الوقعة المذكورة إلى الأحساء كتب الشيخ الإمام العالم العلّامة أحمد بن علي بن حسين مشرف إلى الإمام فيصل بقصيدة فريدة تهنئة له بما منّ الله به عليه من النصر والعز على أعدائه البغاة المفسدين ، الطغاة المعاندين ، وهي هذه وهي على البحر الطويل :

لك الحمد اللهم ما نزل القطر

وما نسخ الديجور من ليلنا الفجر

وما هبت النكباء رخاء وزعزعت

على نعم لا يستطاع لها حصر

تفتح أبواب السماء لمثله

ويعلى بسيط الأرض أثوابها الخضر

فناهيك من فتح به أمن الغلا

وأسفرت البلدان وابتهج العصر

تسامى به نجد إلى ذروة العلا

وأسفرت وجه الخط وافتخرت هجر

لقد سرنا ما جاءنا من بشارة

فزالت هموم النفس وانشرح الصدر

لدن قيل عبد الله أقبل عاديا

يقود أسودا في الحروب لها زأر

رئيس به سيما الخلافة قد بدت

وفي وجهه الأكبار والعز والنصر

فصبح قوما في الصبيحية اعتدوا

وقادهم والبغى من شأنه غدر

فروى حدود المرهفات من الدماء

كما قد روت منه المثقفة السمر

فغادر قتلى يعصب الطير حولها

ويشبع منها النسر والذئب والنمر

قبائل عجمان ومنهم شوامر

ومن الحسين ينتمون وما بروا

وطائفة مرية غير عذبة

خلائقها بل كل أفعالها مر

أساءوا جميعا في الإمام ظنونهم

فقالوا : ضعيف الجند في غرمه حصر

١٥٨

نغير على بلدانه ونخيفها

ليعرفنا الوالي وينمو لنا الوفر

فإن لم نصب ما قد أردنا فإنه

صفوح عن الجاني ومن طبعه الصبر

وما أنكروا في الحرب شدة بأسه

ولكن بتسويل النفوس لها غروا

وقد قسموا الأحساء جهلا يزعمهم

لعجمانهم شطر وللخالدي شطر

أماني غرور كالسراب بقيعة

يرى في الفلا وقت الضحى أنه بحر

كذبتم فهجر سورها الخيل والقنا

ومن دونها ضرب القماحد والأسر

ومن دونها يوم به الجو مظلم

اسنتنا والبيض أنجمه الزهر

فقل للبوادي قد نكثتم عهودكم

وذقتم وبال النكث وانكشف الأمر

فعودوا إلى الإسلام واجتنبوا الردى

وإلّا فلا يؤيدكم السهل والوعر

وننذركم من بعدها أن من عصى

فأفسد أوشق العصى دمه هدر

فمن لم يلن عن غيه الوحى زاجرا

له كان في ماض الحديد له زجر

تهنأ بهذا النصر يا فيصل الندى

فقد تم للإسلام والحسب الفخر

وهذا هو الفتح الذي قد بنى لكم

مكارم يبقى ذكرها ما بقي الدهر

وهذا هو الفتح الذي جل قدره

وقد كل عن إحصائه النظر والنثر

فقابل بحمد الله جدواه مثنيا

على الله بالنعما فقد وجب الشكر

ولا تبن للأعراب مجدا فإنهم

كما قيل أصنام لهم الهدم والكسر

إذا أودعوا النعماء لم يشكروا لها

وإن رمت نفعا منهمو بدا الضر

فوضع الندى في البدو مطغ ومفسد

فأصلحهمو بالسيف كي يصلح الأمر

وبالعدل سس أمر الدرعية واحمهم

عن الظلم كي ينمو لك الخير والأمر

١٥٩

وألف بني الأحرار في زمن الرخا

تجدهم إذا الهيجاء شدتها الأضر

ولا الذخر جمع المال بالسلم للوغى

ولكن أحرار الرجال هم الذخر

ودونك نظما بالنصائح قد زها

كما أن نظم العقد يتزهو به الدر

وأختم نظمي بالصلاة مسلما

على المصطفى ماهل من مزنه القطر

كذا الآل والصحب الأولى بجهادهم

سما وعلى الإسلام وانخفض الكفر

ثم دخلت السنة السابعة والسبعون بعد المائتين والألف : وفيها اجتمع رؤساء العجمان وتشاوروا فاجتمع أمرهم على المسير إلى عربان المنتفق فتوجهوا إليهم ونزلوا معهم وتحالف رؤساؤهم ورؤساء المنتفق على التعاون والتناصر على كل من قصدهم بحرب وعلى محاربة أهل نجد من البادية والحاضرة إلّا من دخل تحت طاعتهم منهم. وسارت ركبانهم وتتابعت الإغارات على أطراف الأحساء وعلى أهل نجد وصار لهم وللمنتفق شوكة عظيمة وقوة هائلة ، وأخافوا أهل البصرة والزبير ، وكثرت الإغارات منهم على أطراف الزبير والبصرة والكويت وكثر منهم الفساد والنهب في أطراف البصرة ، فقام باشا البصرة حبيب باشا واستلحق سليمان بن عبد الرزاق بن زهير شيخ بلد الزبير وأعطاه مالا كثيرا وأمره بجمع الجنود من أهل نجد ، فأخذ سليمان المذكور بجمع الجنود ، ممن

١٦٠