خزانة التّواريخ النجديّة - ج ١

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام

خزانة التّواريخ النجديّة - ج ١

المؤلف:

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٤

فيه خلق كثير ، وأكثر من مات فيه من أهل جلاجل بين الكبير ، والصغير ، والذكر ، والأنثى

وفي هذه السنة سير محمد علي عسكرا كثيفا وجهه إلى ناحية اليمن حال استقراره بمكة وجهه برا وبحرا ، سير أكثر من أربعين سفينة ، ورسوا عند القنفذة وفيها عسكر من عسير نحو خمسمائة مقاتل وحاصروهم ، وركبوا عليهم المدافع والقنابر ، وآخر الأمر أنهم أظهروا لهم الأمان ، واستولوا عليها وكان أمير عسير طامي قد سار بجميع الشوكة متوجها إلى الحجاز فبلغه الخبر ، ورجع ومعه نحو ثمانية آلاف مقاتل فقاتلوهم ونصرهم الله عليهم ، وأخذوا من خيلهم ما يبلغ خمسمائة ، ومن الركاب ، والمتاع ، والسلاح ، والزاد ما ينيف عن العد حتى قيل إن الخيام تزيد على الألف ، وانهزم شريدهم في السفن ، وذلك أنهم يوم انكسروا توجهوا إلى السفن ويوم وصلوا السفن نزلوا عن خيلهم ، وركبوا السفن ، وغنموا عسير جميع خيلهم مع رحائلهم وخيامهم.

وفي هذه السنة حج المحمل الشامي ، والمصري وقضوا حجهم وانصرفوا وأبقوا عند محمد علي رحائل ، وذخائر ، وأموال قد أتوا بها من قبل الدولة.

بعد دخول سنة ١٢٢٩ ه‍ : ثم إن غالبا أرسل عرضا ، وشكاية السلطان ، وهو مختبىء في مصر بعد ما أقاموا فيها نحو خمسة أشهر.

وفي سنة ١٢٣١ ه‍ : فورد الأمر من الدولة بأن يكون في سنابك ويقام بما ينوبه ويرد عليه من أمواله فأقام بها حتى مات بالطاعون.

وفي سنة ١٢٢٩ ه‍ : مات في صفر أمير عنيزة إبراهيم بن سليمان بن

٢٤١

عفيصان ، وقاضي الحويلة ، والحريق الشيخ سعيد بن حجي ، وتوفي بعده تلميذه راشد بن هويد.

وفي سنة ١٢٣٠ ه‍ : في المحرم كسف القمر في نهاية ليلة الكسوف ، وفيه مات عبد الله بن محمد بن سعود وفي آخره مات إبراهيم بن سدحان لليلتين بقيتا منه.

وفي أول صفر لثلاث مضين منه جرت المواقعة بين فيصل والترك ، وذلك أن فيصل حين قدمت عليه عساكر الحجاز طامي في عسير ، والمع ، ومن يليهم ومن دونهم من زهران ، وغامد وغيرهم قدموا نحو عشرين ألفا ، وأرسلوا لفيصل ، وظهر عليهم ، وكان معه نحو عشرة آلاف ، واجتمعوا في غزايل وساروا منها ، وتلاقوهم والترك عند بسل وتنازلوا ووقع بينهم قتال وطراد طول يوم ، وقتل في العدو كثير ، فلما كان اليوم الثاني وقد لحق بهم محمد علي وقع القتال ، ووقع كسرة في ناحية جموع المسلمين من قبل زهران وغامد ، ثم عسير واتصلت الكسرة على جميع العساكر الإسلامية لا يلوى أحد على أحد ، ووقى الله شرها ، وكف الله أيدي الترك ولم يقتل إلّا القليل.

وفي سنة ١٢٣١ ه‍ : سار عبد الله بن سعود بالجيوش من جميع نواحي المسلمين الحضر والبدو ، وتوجه إلى القصيم ، وهدم سور الخبراء ، والبكيرية ، ثم سار إلى جهة بوادي الحجاز من عنزة ، وبرية ، وحرب ، ولا يسر الله إنه يدرك أحد ، وانهزموا وأدرك شواوي من مطير ، وغيرهم ، وغنم عليهم غنم كثيرة ، وكان قد وجه محمد بن حسين بن مزروع وعبد الله بن عون بالمكاتبة وهدايا إلى محمد علي باشا لتقرير الصلح ، فلما وصلوا إليه وجدوه قد تغير.

٢٤٢

وفيها توفي غالب بن مساعد بن سعيد المعزول عن ولاية مكة ومات في آخر رمضان ، وفيها مات أحمد طوسون بن محمد علي باشا في مصر في آخر شوال ، وفيها سير محمد علي باشا ابنه إبراهيم بعسكر من مصر ضابطا للمدينة ، وتواجيها ، ثم سار إلى الحتاكية ، واستوطنها ، وشيد بنيانها.

وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف : في ذي القعدة استولى إبراهيم باشا على الدرعية أمر إبراهيم باشا بتدمير الدرعية ، وقطع نخلها ودفن أبارها وإجلاء أهلها وتفريقهم في بلدان نجد ، وأمر جميع آل مقرن ، وآل الشيخ فانتقلوا بأهليهم إلى مصر ، ثم توجه إبراهيم إلى مصر في آخرها.

وفي سنة ١٢٣٥ ه‍ خمس وثلاثين ومائتين وألف : ظهر محمد بن مشاوي بن معمر ونزل الدرعية ، وعمرها ، وعاهده أهل نجد ، ثم بعد ذلك جاء مشاري بن سعود ونزل الدرعية وصار الآمر له.

وفي سنة ست وثلاثين ومائتين وألف : ظهر لنجد حسين بيك بالدولة ، وتوجه إلى العارض ، ثم بعد ذلك أمسك مشاري ومحمد بن مشاري ، وقتلهم ونزل ، ثرمدي ، وأجلا الذين نزلوا الدرعية ، وأنزلهم عنده إلّا من شرد منهم ، ثم بعد ذلك قتلهم كلهم صبرا ، ثم أمر على البلدان بدرا ، هم وأخذ من شقرا قدر ثلاثين ألف ريال ، وأخذ من جميع البلدان كذلك ، وفعل بأهل نجد الأفاعيل العظيمة ، ثم بعد ذلك توجه إلى مصر.

وفي آخر هذه السنة عدو أهل جلاجل على التويم ، وتواقعوا في النخيل ، وقتل من أهل التويم عبد الله بن فوزان بن مغير ، وسليمان بن

٢٤٣

محمد بن عيدان ، وناصر بن عثمان بن سليم ، وقتل من أهل جلاجل ثلاثة أو أربعة ، وفي خامس ذي الحجة عدو عليهم أيضا. وأصيب محمد بن علي من أهل جلاجل ، وفي يوم عرفة عدا عليهم أيضا وأصيب على أهل جلاجل محمد بن عمر وعبد العزيز بن حسين.

وفي سنة ١٢٣٧ ه‍ : ظهر لنجد حسن أبو ظاهر ، وفعل بأهل الجبل ما فعل وطب القصيم ، ووجه له عسكرا ، ونزلوا الرياض ، وحربوه أهل القصيم ، وصرفه الله عما أراد وراح لمصر عسكره الذين في الرياض عند أبي ناصر ، وغزوا ، وذبحوهم سبيع إلّا القليل وباقيهم رجع إلى الرياض ، ثم بعد ذلك سنة ١٢٣٩ ه‍ ظهر تركي ، وحربهم في الرياض ، وأظهرهم ونحروا المدينة وملك تركي جميع بلدان نجد ، وفيها جاء الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أباطين من الروضة ، وكان قد انتقل إليها وصار اماما في شقرا وقاضيا في بلدان الوشم وغيرها.

وفي هذه السنة أعني سنة ١٢٣٧ ه‍ ، وفي أول المحرم منها قتل سويد بن عثمان بن عبد الله بن إدريس ، وفي ليلة النصف منها استولى سويد بن علي الروضة.

وفي سنة ١٢٣٨ ه‍ : وهي سنة نزولنا التويم أقبل تركي بن عبد الله نصره الله في رمضان ، ودخل عرقة ، وضبطها ، وقدم فيها ، وأخر وحارب أهل الرياض ومنفوحة ، وفيها عسكر لمحمد علي مع أبي علي بن يوسف البهلولي ، ونحو ثلاثمائة وتم الحرب بينه وبينهم وكاتب أهل سدير ، وطلب منهم النصرة أهل حرمه ، وأهل الحويلة ، والعطار والعودة وأهل المحمل ، وأقاموا عنده مدة يسرة ، وواقعوا الروم معه ، ثم رجعوا لبلدانهم

٢٤٤

وساروا أهل الرياض على عرقه ، وصرموا غالب ثمارها ، وقطعوا بعض نخيلها ، وذلك في أوائل السنة التاسعة ثم انصرفوا وبقي الحرب على حاله هذا وأهل حريملاء ، وثرمدا ، حاربين وبقية أهل سدير ، والوشم متوقفين ، فلما كان في رمضان بعد ما قدم محمد بن عبد الله بن جلاجل وابن عمه راشد بن عثمان بن راشد بن جلاجل من الزبير وسعوهم ، وإبراهيم ابن فريح بن حمد بن محمد بن ماضي في نكث الصلح بين سويد ، وبين أهل الروضة والتويم ، وعشيرة ، وتم لهم ذلك سطو على سويد في جلاجل ليلة سبع وعشرين من رمضان ، والسطوة آل جلاجل وفداويتهم إلى ظهر ومعهم نحو عشرين رجال وعصابة من أهل عشيرة ، ومن أهل التويم والروضة وأمعنوا في جلاجل حتى بلغوا باب القصر وقضب المسجد الجامع وبيت ضيف الله بن شهيل ، وأعلنوا أنهم ملكوا البلد فأراد الله غير ذلك صار سويد ومعه شرذمة من قومه في المجلس خارج القصر ، وصار من أهل جلاجل وفداويتهم وإبراهيم بن فريح ، وأهل التويم ، ومن معهم من أهل الروضة على لمجلس قاضوا على سويد ، والذي معه وجرى بينهم قتال ، وضرب إبراهيم بن فريح ببندق في رأسه ومات في مكانه بعد ما قتل من أهل جلاجل اثنين أو ثلاثة ، ثم أن السطاة انخذلوا فلما انهزموا اتجه سويد وقومه إلى عشيرة ومن معهم واستأصل غالبهم والذي قتل من السطاة من أهل عشيرة محمد بن ناصر بن حمد بن ناصر بن عبد الله بن عشيري ، وناصر بن عبد الله بن فوزان بن عبد الله بن حمد بن مانع بن عشيري ، وموسى بن عبد الله بن موسى ، ومن مشاهير أهل الروضة محمد بن عبد الله بن سليمان بن الكلبي ومن أهل التويم محمد بن إدريس ، وعبد العزيز بن خنين ، وجميع من قتل من اثنين ، وقتل من أهل جلاجل سليمان بن فوزان بن سويلم.

٢٤٥

ثم إن أهل جلاجل ، وأهل التويم ، وعشيري سعوا في سطوة ثانية ، وبعد ما عزموا أطفأ الله الفتنة بتركي بن عبد الله ، وكاتبه سويد ، وسعى أهل ثادق في جذب تركي هم وأهل المحمل ركبوا إليه ثم كاتبه أهل سدير وسلموا له ولاقوه في ثادق ، وأقبل هو وإياهم وبايعوه أهل سدير ، ومنيخ ، وأقام في المجمعة قريبا من شهر ضبط قلعتها وقصرها ، ورتب فيه محمد بن صقر وعدة رجال وتقوى منها بسلاح ، ثم سار بغزو أهل سدير والمحمل وغيرهم قاصدا حريملاء ، فنازل أهلها ووقع بينهم الحرب قتل منهم عدة رجال ، ثم إنهم طلبوا الصلح فوافقهم على ذلك ، ثم سار بمن معه ونازل منفوحة ، فأخذها وضبطها وأظهر من فيها من الترك ، ثم نازل الرياض وجرى بينهم وقائع.

وفي سنة ١٢٤٠ ه‍ : كاتب أبو علي كبير الترك تركي في الصلح ، فوافقه الإمام تركي وجرى الصلح بين الفريقين ، ثم سار تركي بمن معه من قومه وأهل الحريق والحوطة ، والعارض وحريملاء ، والحمل إلى الوشم فدخل شقراء وأقام فيها أياما.

وفي سنة ١٢٤٢ ه‍ : وقع القحط والغلاء في جميع البلدان حتى وصل العيش خمسة بالريال ، والتمر عشر ، وزان بالريال.

وفي سنة ١٢٤٣ ه‍ : اشتد الغلاء حتى مات خلق كثير من جميع البلدان ، وفيها نزل الغيث على جميع البلدان وكثر العشب والجوع على حاله.

وفي سنة ١٢٤٤ ه‍ : نزل الغيث على جميع البلدان ، وأعشبت الأرض والجوع على حاله مات منه خلق كثير وفيها وقع الوباء بحلة بلدان

٢٤٦

نجد ، ومات منهم خلق كثير ، وهو الذي يسمونه العقاص ، وفيها رخص الزاد حتى بلغ خمسة وعشرين صاعا بريال ، والتمر أربعين وزنه وفيها في شهر ربيع الأول مات الشيخ حسن بن حسين بن شيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم‌الله تعالى.

وفي سنة ١٢٤٥ ه‍ : غزا فيصل بن تركي ، وناوخ بني خالد في الصمان وكبيرهم ماجد بن عريعر ، وأقاموا أياما ، ثم توفي ماجد ثم ظهر ونحرهم وأداله الله عليهم ، وأخذ جميعهم إلّا القليل ، وذلك في شهر رمضان ، ثم سار في أثرهم وقصد الحساء ، وأخذه بغير قتال ، وكذلك القطيف ثم أقام في الحساء ، أياما وعاهده أهل البلدان ثم توجه إلى الرياض ، وفيها وقع الرخص ، والخصب لم يعهد في أزمنه مثله حتى أنه بيع أربعون صاع حب بريال وثمانون وزنه تمر بالريال في جميع بلدان نجد حتى بلدان الوشم.

وفي سنة ١٢٤٦ ه‍ : والرخص بحاله وتأخر المطر إلى الصيف ثم جاء مطر كثير خرب في كثير من البلدان ، وجاء جراد كثير ودبا ، وأكل الأرض ، وجملة الأشجار ، وفيها حجوا أهل نجد ، ووالي مكة محمد بن عون ، وحجوا جميع أهل الأقطار ، ووقع في مكة وباء عظيم مات فيه ما لا يحصبه إلّا الله في جميع أهل الأقطار الحاضرين في مكة حتى أن الموتى تركوا ما يجدون من يدفنهم ، ومات فيه من أعيان أهل نجد خلق كثير.

وفي رمضان من هذه السنة مات الشيخ العالم العلامة محمد بن علي بن سلوم رحمه‌الله تعالى كانت وفاته في سوق الشيوخ.

وفي سنة ١٢٤٧ ه‍ : رخص الزاد على حاله ، وأنزل الله البركة في

٢٤٧

الثمرة ، وفيها عزل داود باشا عن بغداد ، وقدم فيه علي باشا في صفر ظهرت حمرة عظيمة تظهر قبل طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد غروب الشمس حتى كأن الشمس لم تغب حتى الآن في الليالي ، كأن في السماء قمر من شدة الحمرة ، وأقام ذلك قدر شهرين ، ووقع في بلدان نجد في تلك السنة حمى ومات خلق كثير خصوصا من أهل شقراء ، ولم يبق منهم من لم يمرض إلّا القليل.

وفيها غزا فيصل بن تركي على ابن ربيعان ، وابن بصيص ، وأغار عليهم على طلال وكسروه وأخذوا جملة في ركابهم وسلاحهم ، وقتل منهم ناس كثير وفيها في آخرها وقع الطاعون في بغداد ، والموصل ، مات منهم من لم يحصه إلّا الله تعالى وفيها حجوا أهل نجد ، ولم يحج الشامي لما هم فيه من الحرب وممن توفي في هذا المرض الولد محمد ، وكانت ولادته في ثادق ، وحفظ القرآن ، وتعلم الخط ، وكان خطه فائقا ، وتكلم بالشعر في صغره ، ومدح عمر بن سعود بن عبد العزيز بقصائد كثيرة ، ثم سافر قاصدا بلد الزبير ، وهو ابن سبعة عشر سنة ، وصار نابغة وقته في الشعر ، وله أشعار مشهورة عند العامة ، نرجو الله أن يسامحه.

ولم يزل هناك إلى أن توفي في بلد الكويت ١٢٤٧ ه‍ في الطاعون العظيم الذي عم العراق والزبير ، والكويت ، هلكت فيه حمائل وقبائل ، وخلت من أهلها منازل ، وبقي الناس في بيوتهم صرعى لم يدفنوا ، فلا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم.

فيكون عمره ٤٢ سنة وليس له عقب رحمه‌الله.

وإخوته زامل ، وعبد الله ساكنان مع أبيهما في بلد التويم ، وذلك أن إبراهيم باشا لما أخذ الدرعية سنة ١٢٣٣ ه‍ ارتحلت أنا والعم فراج من

٢٤٨

ثادق ، ومعه أولاده ، فسكن العم فراج وأولاده في حرمة ، وأما أنا فسكنت في حوطة سدير ، فلما كان سنة ١٢٣٨ ه‍ ارتحلت بأولادي إلى بلد التويم ، وسكنت فيه وجعلته وطنا ، والحمد لله رب العالمين.

وفي سنة ١٢٤٨ ه‍ : وقع الطاعون العظيم الذي لم يعرف مثله في جميع بلدان المجرة من السوق إلى البصرة إلى الزبير ، إلى الكويت مات فيه من الخلق ما لا يحصيه إلّا الله تعالى حتى أن جملة البيوت خلت ما بقي فيها أحد وبعض البلدان ما بقي فيها أحد ، وبلد الزبير ما بقي فيها إلّا أربعة رجال ، أو خمسة فسبحان القادر على كل شيء.

وفيها في شهر ربيع الأول جاء مشاري بن عبد الرحمن بعد ما ذهب في السنة التي قبلها خارجا عن الطاعة ، فذهب إلى القصيم ولم يدرك شيئا ، ثم ذهب إلى البادية فأقام معهم مدة ، ثم ذهب إلى مكة ، ولم يدرك شيئا مما أراد ، ثم جاء فقبله تركي وعفي عنه ، وفيها حج أهل نجد ، ولم يحجوا أهل الشام وكبير حاج نجد فهد الصبيحي ، فلما ظهروا في مكة ووصلوا الخرمة من وادي سبيع نوخوهم سبيع ، وذبحوا أمير الحاج وناس غيره ، ثم أعطوهم الحاج ما أرادوا وانصرفوا.

وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر جمادى الثاني السنة المذكورة رمى بالنجوم في أول الليل إلى قريب من طلوع الشمس ، وسقط فيها ما لا يحصيه إلّا الله تعالى في جميع أفاق السماء. وفي ليلة الأربعاء سابع عشر شعبان جاء برد لم يعهد مثله بحيث أن الأشجار يبست خصوصا النخل ، وفيها وقع الحصار على بلد الزبير المنتفق ، وأقاموا مدة شهر ثم بعد ذلك أخذوه وذبحوا آل زهير وأخذوا أموالهم.

٢٤٩

وفي سنة ١٢٤٩ ه‍ : والأمر على حاله من جهة رخص الزاد. وفيها تناوخوا مطير وعنزة في السر في القيض ، وأقاموا مدة ثم انكسر العنوز ، وأخذوا منهم من الإبل والغنم والمحل شيء كثير. وفيها نزل المطر في أول الموسم بأمر لم يعهد مثله كثرة ، ثم بعد ذلك في أول شوال جاء برد عظيم قدر ثمانية أيام قتل الزرع والأشجار وغلى الزاد بعد ذلك ، ولا جاء نجد مطر بعد الوسمى أبدا. وفيها مات أمير عسير علي بن مجئل رحمه‌الله تعالى ، وقام بعده الأمير عائض بن مرعى.

وفيها في يوم الجمعة آخر شهر ذي القعدة قتل الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود رحمه‌الله تعالى بعد ما خرج من المسجد بعد صلاة الجمعة ، قتله مشارى بن عبد الرحمن بن مشاري بن سعود وجماعته معه تمالؤوا على قتله ، ولم يحدث عند قتله شيء ، ونزل مشاري القصر واستولى على الخزائن والأموال وكاتب جميع البلدان ، وكان الإمام فيصل إذ ذاك في القطيف معه غزو أهل نجد ، فلما وصل إليه الخبر أقبل بمن معه ونزل الحساء ، وساعده والي الحساء ابن عفيصان ، فتوجه فيصل إلى الرياض بمن معه من الغزو ومعه العجمان والدولة ، فدخل الرياض من غير قتال ، وتحصن مشارى في القصر ومعه قدر ماية رجل وحربوا ، فلما كان يوم الأربعاء ، ثاني عشر شهر عاشورى القصر ثلاثة رجال ، وطلبوا الأمان لهم ، ولجملة من أهل القصر ولم يدر مشاري فأمنهم فيصل ، فلما كان ليلة الخميس أدلوا لهم الحبل من القصر ، وصعدوا إلى القصر ، وذبحوا مشاري ، ومعه ستة من الذين تمالؤوا على قتل تركي ، ثم استقر الأمر لفيصل وقدموا عليه كبار أهل نجد والبادية.

وفي سنة ١٢٥٠ ه‍ : (خمسين ومائتين وألف) : بعث عائض بن

٢٥٠

مرعي جماعة من عسير كبيرهم ابن ضبعان ، ونزلوا وادي الدواسر وضبطوه ثم بعد ذلك أمر فيصل على جميع البلدان بغزو فقصدوا الوادي وأميرهم حمد بن عياف وحصل بينهم وبين أهل الوادي وقعات ، ولم يدركوا شيئا من أهل الوادي ثم بعد ذلك تصالحوا على أن الوادي لعسير ولا لفيصل فيه أمر ، وانقلبوا على ذلك. وفيها نزل المطر على جميع نجد وأعشبت الأرض وفي آخرها قدم على فيصل رسول من أبي مرعي ، وفيصل على شقراء بأن أمر الوادي في يدك قدم فيه من شئت ، فبعث فيصل إلى الوادي أميرا.

وفي سنة ١٢٥١ ه‍ : صار الشريف محمد بن عون والي مكة وإبراهيم باشا أخو أحمد باشا مكة بالدولة المصرية ، وقصدوا بلد عسير واستولوا على جملة بلدان عسير ، ودخلوا في طاعتهم ولم يبق إلّا عائض بن مرعي أميرهم ، ومعه قدر ألفين مقاتل ، فأنزل الله النصر وانكسرت الدولة وشريف ، وقتل منهم ما لا يحصى ، وكانوا قدر خمسة عشر ألفا ، وبعضهم مات عطشى واستالوا عسير على خزائنهم ومخيمهم ، وقصد شرائدهم مكة. وفيها ظهر في القبلة نجم له ذنب. وفيها جاء رسل محمد علي طالبا من فيصل المواجهة في مكة فخافهم فيصل فجاءه الأمر برده إلى بلد مفتوحة جلوى إلى الرياض فدخلها سالما.

وفيها في رمضان جاء برد كبار هلك منه جملة مواشي أهل نجد بردا وجوعا ، بحيث إن المطر يجمد في الجو من شدة البرد. وفيها غلى الزاد : بيعت الحنطة ستة أصواع بريال ، والتمر ثلاثة عشر وزنه بالريال ، ولم يجىء نجد تلك السنة إلّا مطر قليل. وفيها عزل الشريف محمد بن عون عن ولاية مكة وسفروه إلى مصر.

٢٥١

وفي سنة ١٢٥٢ ه‍ : غزى ولد المطيري بأهل نجد أميرا لفيصل بن تركي ، وقصد عمان واستولى على جملة عيان. وصالح سعيد بن سلطان والي مكة على إخراج معلوم يدفعه في كل سنة لفيصل قدره سبعة آلاف ريال. وفيها جملة من أهل سدير ، والوشم عن أوطانهم وقصدوا البصرة ، والزبير ، والحساء ، وفي آخرها نزل الغيث على بلدان نجد ، وكثر فيها العشب ، والجراد.

وفيها ظهر إسماعيل بيك من جهة محمد على صاحب مصر ، ومعه خالد بن سعود مقدمه أميرا في نجد فلما بلغ فيصلا الخبر خرج من الرياض مع غزو أهل نجد ، فنزل العريف فلما كان ثاني شهر ذي الحجة في السنة المذكورة نزل إسماعيل ومن معه من العسكر الرأس ، فسار فيصل فنزل عنيزة ، وأقام فيها أياما ، ثم رجع ولم يحصل بينهم قتال.

وفي سنة ١٢٥٣ ه‍ : في المحرم نزل إسماعيل بيك في عنيزة ، وأقام بها فقدم عليه فيها كبار أهل نجد سوى أهل الحوطة ، والحريق ، وظهر فيصل من الرياض ونزل الحساء ، ثم أقبل إسماعيل ، وخالد بن سعود بالعسكر ، فنزلوا الرياض وأقاموا فيها أياما ، ثم خرجوا قاصد بن الحوطة فنزلوا الحلوة بالعساكر وأهل نجد ، وذلك في يوم الخامس عشر من شهر ربيع الأول وكان يوما شديد الحر ، فانكسرت العسكر ، وقتل بعضهم ، وهلك أكثرهم عطشا ، ثم أقبل بقيتهم فنزلوا الرياض ، وأقاموا فيها ، ونجا خالد وإسماعيل من القتل ، ونزلوا الرياض فلما بلغ فيصل الخبر ، خرج من الحساء قاصدا الرياض بمن معه من أهل الحساء ونجد ، وحصل بين الفريقين قتال ، وصبر الفريقان صبر عظيم ، فلما كان في شهر ذي القعدة انصرف فيصل ونزل الخرج ، وفي هذه السنة اشتد الغلاء ، وجلا أكثر أهل

٢٥٢

سدير ، والوشم عن أوطانهم ، ولم ينزل غيث إلّا قليل ، وكثرت الرياح واختلفت الزروع. وفيها سار علي باشا من بغداد فأخذ المحمرة عنوة.

وفي سنة ١٢٥٤ : قدم خرشيد باشا عنيزة في صفر بالعساكر ، وأقام فيها مدة ثم حصل بينه وبين أهل عنيزة حرب قتل ناس من الفريقين ، ثم تصالحوا وقدم عليه فيها جملة من كبار أهل نجد ، وأقام فيها وفيصل بن تركي في الخرج ، وخالد في الرياض ، فلما كان في شهر رجب أقبل خرشد بالعسكر قاصدا الرياض ، ثم قدمها وخرج منها ثاني يوم من قدومه ، وخرج قاصدا فيصل في الخرج ، ثم نزل بلد الدلم ، وفيها فيصل ومن معه فحاصرهم فيها وجرى بينه وبينهم عدة وقعات قتل فيها خلق كثير فلما كان في اليوم السابع عشر من شهر رمضان تسلم البلد بالأمان على أن الإمام فيصل يواجه محمد علي ، وعلى تسليم المدافع المأخوذة من إسماعيل بيك ، وتم الصلح على ذلك ، ثم جهز بعض عسكره قاصدين مصر بفيصل وأخيه. وفيها نزل الوسمي على البلدان وكثر العشب والجراد.

وفي سنة ١٢٥٥ : قدم خرشد باشا بالعسكر من الخرج ، ونزل بلد ثرمدا ، وأقام فيها وقدم عليه خالد بن سعود من الرياض وأقام عنده. وفيها توفي السلطان محمود بن عبد الحميد ، وقام بعده ابنه عبد المجيد.

وفي سنة ١٢٥٦ (ست وخمسين ومائتين وألف): توجهت عساكر السلطان عبد المجيد بن محمود لحرب محمد علي فأخذوا الشام ، وكان فيه إبراهيم باشا ففر إلى مصر ، ثم توجهوا إلى مصر فنزلوا الإسكندرية في البحر ، فتقابلت الفئتان ثم تصالحوا على أن محمد علي يرفع يده عن

٢٥٣

جميع المماليك والحرمين إلّا مصر وينصرفون عنه والأمر على ذلك ، وفيها توجهت العساكر من نجد إلى مصر ، وراح خرشد باشا من القصيم في رجب في هذه السنة ، ولم يحج أهل الشام لأجل الحرب.

وفي سنة ١٢٥٧ : وقعة بقعا في ثامن جمادى الأولى سار أهل القصيم ، وقتل منهم قريبا من ثلاثمائة ، ومن أعيانهم يحيى بن سليم وغيره ، وأخذوا خيامهم ، وسلاحهم. وفيها خرج عبد الله بن تنيان بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود على ابن عمه خالد ، فنزلوا الرياض أول يوم من شهر جمادى الآخر وحصرها وحفروا الحفور وثوروا اللغوم.

قال محققه عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام : هذا آخر ما وجدناه من هذا التاريخ [تاريخ حمد بن محمد بن لعبون] ، ويرجح أنه لم يعش بعد هذا العام ١٢٥٧ ه‍ سنين ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكان إكمال تحقيقه في اليوم الرابع من شهر ذي الحجة من عام ألف وأربعمائة وأربعة عشر للهجرة.

***

٢٥٤