خزانة التّواريخ النجديّة - ج ٢

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام

خزانة التّواريخ النجديّة - ج ٢

المؤلف:

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٦

١
٢

٣
٤

٥
٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة هذا التاريخ

الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى ، هو من أكثر ـ إن لم يكن أكثر ـ من كتب في تاريخ نجد ، وأنساب أهلها وغير ذلك من أحوالها.

وكثير من كتابته في تاريخ نجد مكرر معاد ، وعندي من هذا التاريخ النجدي ، الذي يبتدىء ـ غالبا ـ من عام [٧٥٠] وينتهي بالقرب من وفاته [١٣٤٣ ه‍] ، عندي منه عدد من الأوراق : بعضها متتابع ، وبعضها فيه قطوع وخروم.

وهذا التاريخ الذي بين يدي ، والذي أكتب له هذه المقدمة ، جمعته ورتّبته من خطه بيده رحمه‌الله تعالى.

وهي قد تكون طبق الأصل لكتبه المطبوعة ، وقد تخالفها بزيادة أو نقص ، ولكن المعنى واحد.

وأنا هنا أنشر هذا التاريخ خاليا من التعليق والتهميش ، أملا أن أعود إليه في الطبعة التي بعدها ، لأضيف إليها ما أعثر عليه من زيادات المؤلف ، ويكون ذلك في أصله.

٧

كما أرجو من الله تعالى أن يعينني على إضافة هوامش وتعليقات تزيده فوائد ، وتشرح وتوضح بعض أحداثه المقتضبة ، ونترجم لما ورد فيه من ذكر للأعلام. فهو سبحانه وتعالى المعين.

ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

كتبه

عبد الله بن عبد الرّحمن بن صالح آل بسّام في ٢٢ / ١٠ / ١٤١٨ ه

٨

ترجمة المؤرخ

الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى

الشيخ إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن حمد بن عبد الله بن عيسى بن علي بن عطية. وعطية هو أب بطن كبير من بني زيد بن سويد بن زيد بن سويد بن زيد بن حرام بن أبي سويد بن زيد ابن نهد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافي بن قضاعة.

وأما قضاعة فهو ابن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. فقضاعة شعب قحطاني ، وأكثر الناس يلحقون قبيلة بني زيد بقضاعة ، وبنو زيد يقرونهم على هذه النسبة ، والناس أمناء على أنسابهم.

فالمترجم له من ـ آل عبد الله ـ عشيرة من آل عيسى الذين هم فخذ من بني عطية ، وهم بطن كبير في بني زيد القبيلة القضاعية القحطانية.

ويجتمع بالشيخ ـ علي بن عبد الله ـ بجدهما ـ في الجد حمد بن عبد الله ـ الذي له ابنان ، أحدهما : محمد ، وذريته يقال لهم ـ آل محمد ـ ، ومنهم الشيخ علي قاضي شقراء أربعين سنة ، والشيخ أحمد بن

٩

إبراهيم ـ قاضي ـ بلد المجمعة فهذان الشيخان من آل محمد ، والمترجم له من آل عبد الرحمن.

وهذا النسب في أوله من مذكرات عن الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى ، وعن غيره من نسابي نجد. وفي آخره من جمهرة ابن الكلبي ، وجمهرة ابن حزم.

نسبه من الأم

أما نسبه من قبل الأم فأخواله آل فريح من تميم ، لأن والدته منيرة بنت عبد الله بن راشد بن عبد الله الفريح الذي ذكر في تاريخه وفاتها في ضحى يوم الاثنين سبعة عشر محرم عام ١٣١٤ ه‍ في أشيقر. كما ذكر في بعض مجاميعه التاريخية أن والده توفي في أشيقر ضحوة السبت خامس شعبان عام ١٣٢٢ ه‍ ، وصلّى عليه بعد الظهر. ولذا ولد في بلد أخواله ، أشيقر في اليوم الثاني عشر من شهر شعبان عام ١٢٧٠ ه‍ ، ونشأ نشأة صالحة من العفة والقناعة ، والصلاح ، والبعد عن المظاهر. فتعلم مبادىء الكتابة والقراءة ، وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ، ثم أخذ في طلب العلم وأكب عليه ورحل إلى البلدان البعيدة والقريبة من أجله.

فأول رحلة قام بها للعلم إلى المجمعة ـ عاصمة سدير ـ ، ثم رحل إلى مدينة عنيزة للأخذ عن علمائها ، ثم رحل إلى الزبير وكان آهلا بعلماء الحنابلة ، فأخذ عنهم ، ثم تجوّل في بلدان العراق ثم سافر إلى الهند. وليس له غرض من هذه الرحلات إلّا العلم ، ومجالسة العلماء ، والبحث معهم ، واقتناص الأخبار ـ التاريخية والفوائد الأدبية ـ حتى أدرك في العلوم الشرعية ، والعلوم العربية ، والتاريخية ، والأدبية إدراكا

١٠

تامّا لا سيما في الأدب والتاريخ القديم والحديث ، فقد عد من مراجعه ، والمعتمد عليه فيه.

وكان مع هذا كريم النفس ، جم التواضع ، حسن العشرة ، لطيف الروح ، أنيس الجليس ولهذه الأخلاق العالية ، ولما يحفظه ويحسن إيراده من النوادر الأدبية والتحف التاريخية صارت له محبة في القلوب وحسن ذكر على الألسن ، وثقة في النفوس حتى إن جلالة الملك عبد العزيز رحمه‌الله أمره أن يؤرخ لنجد من حيث وقف قلم عثمان بن بشر. فلبّى رغبته بتاريخه الذي تختلف نسخه اختصارا وبسطا تبعا لاختلاف نسخ المؤلف ، فإنه يزيد وينقص. واستمع إليه يحدثنا عن سبب تأليفه لتاريخه الذي جعله ذيلا على تاريخ ابن بشر ، وقد ذكر ذلك في رسالة له إلى بعض أصحابه فقال : «ويمكن أنه بلغكم أن الإمام المكرّم عبد العزيز أعزّه الله بطاعته طلب منا كتابة ذيل على تاريخ ابن بشر ، والإمام أطال الله عمره ليس له معرفة بحالي وصار طريقه على أشيقر في العام الماضي ، وظهر له كبار الجماعة للسلام عليه ، وأنا ما ظهرت معهم لأن الإمام لا يعرفني ، وأنا ما لي دخل في أمر الجماعة ، وإلّا فالإمام ، وفّقه الله لكل خير ، يعطي طلبة العلم عطاء جزيلا ، وأفعاله جميلة ، فدخل الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ البلد ، وقال : أن الإمام سأل عنك حيث ذكر أنك تؤرخ حوادث نجد ، ويلزمك مواجهته لتعرض عليه الذي عندك من التاريخ ، وظهرت أنا والشيخ محمد ، وعرضت على الإمام الوريقات التي كتبتها ، وقال : بودّي أنك تبسط ذلك ، وتستقصي جميع الحوادث ، وإذا حصل منك ذلك فإن شاء الله أعطيك عطية جزيلة ولا أرفع النظر عنك ، فشرعت في تبييض ذلك».

١١

مشائخه

١ ـ الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى قاضي المجمعة قرأ عليه فيها ، وقد أجازه في رواية الكتب الأمهات الست وغيرها من كتب العلم.

٢ ـ الشيخ صالح بن حمد المبيض قاضي الزبير ، قرأ عليه في الزبير.

٣ ـ الشيخ عيسى بن عكاس قاضي بلد الأحساء ، قرأ عليه فيه.

٤ ـ الشيخ علي بن الله بن عيسى قاضي شقراء ، قرأ عليه فيها.

.. وغير هؤلاء كثير ممن جالسهم واستفاد منهم ، فإن المترجم له بحاثة صاحب علم جم لا يمل ولا يضجر من طلبه وأخذه عن أهله وعنى العناية التامة بتاريخ نجد ، وأنساب أهلها ، وأخبارهم ، وأخبار بلدانهم مما جعله مرجعا في ذلك لأكابر العلماء ، فصاروا يراسلونه ويسألونه عما أشكل عليهم في ذلك.

فهذا الشيخ العلامة إبراهيم بن عبد اللطيف يبعث إليه بهذه الرسالة فيقول فيها : «من إبراهيم بن عبد اللطيف إلى الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى ـ بعد الديباجة ـ ، أخي من طرف سبل آل مبدد ، جاءنا خط من الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن حفظه الله ذكر فيه : أننا نستعرض أوراقهم ، وإن كان آل يحيى أقرب من ينتسب لهم اليوم ، وعرض علينا ابن يحيى ورقتين ، فالمأمول من إحسانك أخي إن كان عندك معرفة في نسبهم فوضّحه لنا».

وقد مدح المترجم له العلامة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ بقصيدة سنذكرها في ترجمة الشيخ عبد الله إن شاء الله ، فأجابه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف على عادته في مراسلة العلماء والتلطّف

١٢

معهم برسالة كريمة وقصيدة من نظم الشيخ سليمان بن سحمان جاء فيها :

«من عبد الله بن عبد اللطيف إلى جناب المكرم الأخ اللبيب والفاضل الأديب الأريب المحب إبراهيم بن صالح بن عيسى سلمه الله بع؟؟؟ ديباجة بليغة ، قال الشيخ عبد الله : «وما ذكرت صار معلوما خصوصا ما فى؟؟؟ ص : ١ الكتاب من تحفتك باللآلىء المنظومة ، فسرني ما فيها من ائتلاف الكلم ، ومتانة الصياغة ، وحسن الفصاحة ، والوزن المتين ، وقد أجابل؟؟؟ عنها الأخ سليمان بن سحمان جعلكما الله من أنصار السنّة :

أهاجك رسم بالديار الدوائر

ببرقة فالوعسا فأكناف حاجر

ديار فتاة كالمهاة لجاظها

أحدّ من البيض المواضي البواتر

لئن أصبحت قد حازت الحسن دأبها

لقد حاز إبراهيم جم المآثر

فأبدا بديعا من عويص قريضه

تشام المعاني المحكمات لناظر

معاني مبانيه الطوامح في العلا

لآلىء أصداف البحور الزواخر

فيا أيها الأخ الأكيد إخاؤه

تمسك بأصل الدين سامي الشعائر

وكن باذلا للجد في طلب الهدى

من العلم إن العلم خير الذخائر

وما العلم إلا الاتباع ، وضده

فذاك ابتداع من عضال الكبائر

إلى آخر القصيدة التي مضى فيها على التمسك بالعقيدة الصحيحة ، وترك أراء الرجال التي لا تستند إلى دليل ، والبعد عن الشرك والابتداع.

وهذه رسالة له من العلامة الشيخ عبد الله بن خلف الكويتي مؤرّخة في ٨ / ١١ / ١٣٤٢ جاء فيها :

«فقيه الأدباء ، وأديب الفقهاء سيدي شيخنا إبراهيم بن صالح بن عيسى وبعد ديباجة كلها ثناء ودعاء قال له : «وذكرت أدام الله لك الذكر

١٣

الجميل ، أنك اتخذت عيزة دار إقامة ، أحسن الله لك العاقبة بلا ندامة ، وإنها لنعم الدار ، وأن جوار أهلها لمن أحسن الجوار ، بارك الله لك في منزلها ، وقرت عيناك بملاحظة أهلها ، فلك الهناء بقوم يكرمون ولا يمكرون ، ويحسنون ولا يحزنون ، ويسرون ولا يسيئون ، كان الله لك ولهم وأحسن إليك وإليهم. وإني أعزيك دامت معاليك بوفاة أخيك علامة العراق ، وبدر تلك الآفاق ، السيد محمود شكري الألوسي ، فقد توفي في أربعة شوال هذه السنة على أثر مرض ذات الجنب ، أصابه في منتصف رمضان ، وارتجت بغداد لموته ، واجتمع في جنازته عالم كثير من أهل السنّة ، ومن الشيعة ، وفيهم العلماء ، والكبراء ، والوزراء ، ودفن في مقبرة الجنيد بعيدة عن البلد ساعة ، رحمه‌الله رحمة الأبرار ، وأحسن عزاك وأمتع بك العلم والعلماء» إلى آخر الرسالة التي كلها ثناء وتبجيل وتقدير.

وأرسل إليه الشيخ الفقيه علي بن عبد الله بن عيسى يقول : من علي بن عبد الله بن عيسى إلى المكرم الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى ـ بعد الديباجة ـ المرجو أن تخبرنا عن هذين البيتين ، وتعربهما لنا ، وتضبطهما بالشكل لأنه قد حصل لنا في معناهما بعض الإشكال :

فلا آض برق من منازله فما

تخيرت إني في علاه أسير

لك الله ما في القلب غيرك ساكن

وليس لطرفي من سواك نظير

تلاميذه

كان لا يملّ التدريس والبحث ، وكان يدرّس طلاب العلم في بلدة أشيقر ، فكان في أول النهار يدرّس لهم في جامع البلد ، وفي آخره في

١٤

مسجدها الجنوبي وكذلك درّس في بلدة عنيزة ، وفي هاتين البلدتين أدرك على يديه علماء ، فمن تلاميذه البارزين :

١ ـ الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جاسر رئيس محكمة التمييز في المنطقة الغربية للبلاد السعودية ، وبين الشيخ وتلميذه مكاتبات كثيرة أغلبها يتعلق بالبحث عن علماء نجد ، وعلماء أشيقر بالذات.

٢ ـ الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب بن زاحم رئيس محاكم منطقة المدينة المنورة.

٣ ـ الشيخ محمد بن علي البيز رئيس محاكم منطقة الطائف.

٤ ـ الشيخ عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي صاحب المؤلفات المشهورة.

٥ ـ الشيخ سليمان بن صالح بن حمد آل بسام ، وهو أخص أصحابه به وأحبهم إليه ، وله منه إجازة مطوّلة.

٦ ـ الشيخ محمد بن عبد العزيز السناني.

٧ ـ الشيخ عمر بن فنتوخ.

٨ ـ عبد الله بن حمد الدوسري.

٩ ـ الشيخ عبد الله بن خلف الدحيان الكويتي ، وله منه إجازتان نذكرهما في ترجمة التلميذ إن شاء الله. وقد أخذ كثير غير هؤلاء ممن لا تحضرني أسماؤهم.

مؤلفاته وشعره وآثاره

لا أعرف أحدا من علماء نجد خدم تاريخ نجد مثله ، وتعب في تقييد

١٥

أخباره ، وتسجيل حوادثه وضبط أنسابه حتى عد ـ بلا مراء ـ مرجعا فيه ، وإني أنا كاتب هذه الأسطر قد عولت عليه في كثير من أخبار ، وتراجم ، وأنساب هذا الكتاب الذي أكتبه الآن ، وكان علماء نجد الكبار يكتبون إليه ، ويستفيدون منه في ذلك. وقد رأيت كتبا من الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف ، والشيخ محمد بن عبد اللطيف ، والشيخ سليمان بن سحمان ، والشيخ محمد بن عوجان والشيخ عبد الله بن خلف ، والشيخ عبد الله بن جاسر ، والشيخ محمد بن علي البيز ، والشيخ عبد الرحمن الناصر آل سعدي ، وغيرهم يسألونه عن الأنساب ، والتراجم ، والأخبار ، وأجد بعض أجوبته لهم مسودة على كتبهم إليه.

من مؤلفاته

١ ـ تاريخ نجد : سماه «عقد الدرر» ، جعله ذيلا على تاريخ ابن بشر ، وقد ألّفه بأمر الإمام عبد العزيز آل سعود وقد طبع مرارا. وانتهى المطبوع إلى عام ١٣٠٣ ه‍.

٢ ـ تاريخ لنجد : يبتدىء من عام ١٣٠٣ ه‍ إلى ١٣٣٩ ه‍. وآخر خبر فيه وفاة الشيخ عبد العزيز النمر. ويعتبر مكملا للتاريخ الذي قبله ، وهو لا يزال مخطوطا بخط المؤلف.

٣ ـ تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد : يبتدىء من عام ٨٢٠ ه‍ إلى عام ١٣٤٠ ه‍ إلّا أنه نبذ تاريخية غير متوالية. وقد طبع في دار اليمامة.

٤ ـ نبذة عن بلاد العرب ، ويظهر أنها ملخّصة من «معجم البلدان» ، وفيها زيادات قيّمة عن المسميات الحديثة.

١٦

٥ ـ نبذة عن تاريخ أشراف مكة المكرمة ، ويظهر أنها ملخصة من كتاب زيني دحلان «أمراء البلد الحرام».

٦ ـ مجاميع كثيرة تقع بأحجام صغيرة يقيد فيها ما يراه ، أو يسمعه ، أو يقرأه من الفوائد في التاريخ ، والأنساب ، والآداب ، والعلوم ، وأغلب نقله في النسب والتاريخ. وهذه المجاميع مفرقة عند الناس لو جمعت ولخّصت ورتّبت لحصل منها علم غزير في تاريخ وأنساب أهل نجد ، لكنها مفرقة ومضنون بها عند أهلها.

٧ ـ جزء متوسط في أنساب العرب القحطانيين والعدنانيين.

أما شعره فقد اطلعت على كثير من قصائده ، وفيها قوّة وجودة فليست من نوع شعر العلماء الذي ليس فيه الحلاوة الشعرية ، وإنما هو من شعر أهل الأدب في جزالته وقوته وسلاسته في مناسبات : إما رثاء عالم ، أو مدح كبير ، أو عتب صديق ، ولو جمعت لجاءت ديوانا متوسطا ، وسيمر بنا في هذا الكتاب بعض منه في رثاء لبعض العلماء ، أو مدحهم إن شاء الله تعالى.

٨ ـ نظم مطول رد به على يوسف بن إسماعيل النبهاني. قال في مقدمة النظم : يقول العبد الفقير إبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن عيسى : «إني وقفت على القسم الخامس من القصيدة المسماة بالرائية الصغرى لرافع راية الحزب الشيطاني الضال المضل الملحد يوسف بن إسماعيل النبهاني فوجدتها ركيكة المعاني ، واهية المباني ...» الخ

١٧

الخطبة. وقد انتهى من النظم في رابع عشر ذي الحجة سنة ١٣٣٢ ه‍ ، وتقع في نحو مئتي بيت ومطلع النظم :

لك الحمد يا من يعلم السر والجهرا

لك الحمد في السراء مني وفي الضراء

ومنها في مدح علماء الدعوة :

هم الأنجم الزهر الذين بعلمهم

غدا ثغر هذا الدين بالبشر مفترا

هم الأمة الناجون والفرقة التي

تمسك بالحق المبين على الضرا

نوادره وملحه

يروي تلميذه وصديقه الشيخ سليمان بن صالح آل بسام الكثير من هذه الملح والطرائف ولكن يضيق بنا المجال عن إيراد شيء منها ، وعسى الله أن يسهّل لي أن أجمع ما عندي له من القصائد والفوائد ، وأضيف إليها هذه التحف والنوادر. في جزء خاص بها فإنها من أدبنا الحي الجيد.

أعماله

لمّا تولّى الأمير محمد بن رشيد على القصيم عام ١٣٠٨ ه‍ ، كتب أعيان أهل عنيزة إليه أن يعين فيهم المترجم له قاضيا ، ومدرسا ، وخطيبا في بلادهم. فكتب إليه ابن رشيد فامتنع.

قال لي تلميذه الشيخ عبد الله بن جاسر : أطلعني المترجم له على خطاب أعيان مدينة عنيزة في طلبه للقضاء ، وفيه أختام كثيرة من أعيانهم ولكنه امتنع ورفض ذلك حبّا في السلامة ، وابتعادا عن الشهرة. وظل دائبا في التدريس والتعليم وتحقيق التاريخ والنسب في نجد حتى توفاه الله ،

١٨

وكذلك لما عزل الشيخ عبد الله بن عائض عن قضاء عنيزة عام ١٣١٨ ه‍ ، عرض أهل عنيزة على المترجم له فامتنع.

وفاته

كان يتردد على عنيزة ، ويقيم فيها المدة الطويلة ، وله فيها أصحاب وأحباب يأنس بهم ويأنسون به ويجلّونه ويعرفون قدره وفضله. وفي آخر سني حياته استوطن عنيزة ، ورحل إليها بأهله وأولاده وسكنها حتى توفي فيها.

قال تلميذه وصاحبه الشيخ سليمان الصالح البسام : توفي ضحى يوم السبت الثامن من شهر شوال عام ١٣٤٣ ه‍ ، وصلي عليه بعد صلاة العصر في جامع عنيزة. وقد حضر الصلاة عليه وتشييع جنازته جم غفير من الأعيان والعامة ، وتأسّفوا عليه وكبرت عليهم مصيبته. وله من الأبناء عبد العزيز وعبد الرحمن ولهما أولاد ، رحمه‌الله تعالى ، آمين.

وقد رثاه تلميذه الشيخ أحمد بن صالح البسام :

مصير بني الدنيا إلى منزل خالي

بصحراء تبدي دارس الطلل البالي

بصحراء تدعو دارس العمر إذ دعت

لها الحبر إبراهيم في عشر شوال

ترحل مأسوفا عليه وسعيه

سيبقى حميدا في قرون وأجيال

همام قضى الأيام بالسعي نابذا

سفاسف أقوال مجدا بأعمال

همام قضى الأيام في الدرس ساعيا

لتحصيل علم لا لتحصيل أموال

تلقى فنون العلم مذ كان يافعا

صبيا وكهلا في نشاط وإقبال

١٩

فخاض عباب البحر للعلم طالبا

كذا البيد يطوى في وخيد وإرقال

فهندا أتى ثم الحجاز وجلقا

وسار إلى أرض العراق لإكمال

وكر إلى نجد يبث علومه

على مجمع الطلاب يلقى لا مثال

فذا شيخنا حبر الورى جل في الورى

بأخلاقه المثلى له الله من عالي

***

٢٠