خزانة التّواريخ النجديّة - ج ١

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام

خزانة التّواريخ النجديّة - ج ١

المؤلف:

عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٤

أيام ولم يحصل شيء ثم ظهر غالب بنفسه معه قوة ومدد ، واجتمع مع عسكره الأول ، ونازلوا الشعرا في شعبان نحو شهر يرمون بالمدافع والقنابل ، وكف الله بأسهم عن الجميع وانصرفوا خائبين وقتل منهم قدر خمسين رجلا وفي هذه السنة كانت وقعة العدوة ، سار سعود بالمسلمين وتوجه تلك الناحية وقد انحاز إليها غالب العربان الذين انفردوا عن الشريف يوم رجع ، وغالبهم مطير وشمر ما غاب منهم إلّا القليل وواقعوا المسلمين على العدوة وكسرهم الله وقتل منهم ناس كثر منهم ولد الجربا ، وحصان إبليس من البراعصة وسمرة العبيي هليه وغيرهم من الرؤساء والأتباع وغنموا أموالا كثيرة الإبل نحو ألاف ، وأكثروا الغنم قدر قيمة ألف وبعض القش والحلة ، والوقعة في آخر الأضحى ، وفيها ولد محمد بن حمد في ربيع الثاني.

وفي سنة ١٢٠٦ ه‍ : في أول جمادى الأولى جرت وقعة القطيف وأخذ الله أهل سيهات ، وعنك ، والقديح ، وقرايا ، غيرهم ، وقتلوا غالب أهلهن قتل منهم نحو أربع مئة أو أكثر ، وغنم منهم غنائم كثيرة ، وصالحوا عن الفرضة بخمسة آلاف أحمر ، والله المحمود على ما قضى.

وفي هذه السنة قتل عبد المحسن بن سرداح قتله عيال عريعر زيد وأخوانه ، استدرجوه واستدنوه حتى اجتمع بهم واغتالوه في مجلسهم غديرا ، وشاخوا في بني خالد ، وفي رابع عشر رجب مات عبد الرحمن بن سليمان. وفي آخر شهر ذي القعدة من هذه السنة مات الشيخ الإمام والحبر الهمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي عفا الله عنه وأرضاه ، وناصر بن عقيل أمير المجمعة.

٢٠١

وفي أول سنة ١٢٠٧ ه‍ : سار سعود نحو القبلة وأخذ فرقان من حرب بن علي وأخذ عليهم نحو ثمانية آلاف من بعير ونوق ، ونحو عشرين فرسا ، وصل عند قيمة ثلاثين وغيرهم على الشقرة.

وفي سنة ١٢٠٨ ه‍ : وفي آخر رجب سار سعود بالجنود المنصورة متوجها إلى بني خالد ، ووافق براك غازي بهم وأخذ فريق من سبيع وغيرهم وقضب لهم سعود اللصافة ثيوم ، أقبلوا بكسبهم قاصدين ورد الماء ، ظهر عليهم بالجموع ونصره الله عليهم ، وكل انهزم من جهته ، وأخذهم الله ، والذي هلك منهم بين القتل ، والظمأ ، والذهاب قيمة خمسمائة رجل أو أقل أو أكثر ، وأخذ غالب ركابهم وخيلهم والوقعة عند الشيط ، واشتهرت به وانهزم براك شريدا ، وخيل معه وتزينوا المنتفق ، ويوم بلغ أهل الأحساء خبر الوقعة طاحوا وكاتبوا سعود ، وعاهدوه وأمر فيهم سعود محمد الحملي ، وسير إليهم عبد الله بن فاضل وإبراهيم بن حسن بن عبدان ، وحمد بن حسين بن حمد ، ومحمد بن سليمان بن خريف ، ويعلمونهم ويذاكرونهم بالدين ، ويشرفون على أحوالهم ويربتونهم على المراد منهم فلما كان قيمة أربعة عشر ليلة قضت من شوال تمالؤا. عليهم أهل الأحساء وغدروا بهم وقتلوا محمد الحملي ، وأبو سبيت والمعلمة المذكورون رجالاتهم ومن على حبلهم ، وسعود ما بعد قفل من المغز المذكور ما برح حولهم على مياه الديرة ، فلما بلغه الخبر وقضى الله الأمر ظهر.

وفيها مات سليمان بن عفيصان أمير الدلم.

وفيها خسف القمر ليلة الخميس رابع عشر من المحرم أول السنة

٢٠٢

المذكورة ، وكسفت الشمس في آخره يوم الخميس أيضا ، وفيها سار سعود بالجنود إلى الأحساء ونازله أهله وقد ولوا زيد بن عريعر واستوطن البلاد هو وإخوانه ، وذويه ، فأقام سعود على البلاد من سبع ليال خلت من صفر إلى استهلال ربيع الأول هو وعساكر المسلمين يقاتلون ويدمرون وينهبون من التمر حتى أوقروا ما طمعوا به من الرحائل بدوهم وحضرهم ، وقتلوا منهم قتلى كثيرين في مدة هذه الأيام ، ثم أنه وفد براك ابن عبد المحسن على عبد العزيز ، وكذلك وفد ماجد بن عريعر.

وفي هذه السنة تولى براك المذكور على الحساء ، واجلا آل عريعر ، وفيها غزا غزو أميرهم محمد بن معيقل للشمال ، وأخذ ثلاث قرى ، ومعه محمد بن علي باهل الجبل ، ومحمد بن عبد الله بأهل القصيم الجميع قيمة ستمائة مطية ، ونزول ولاية زيد وتولى براك بعدما زالت ولاية آل حميد عن الحساء ، لأن ولاية براك نيابة عن تحت يد ابن سعود ، وكما أنفق تاريخ ولايتهم طغي الما فلذلك اتفق زوال ولايتهم وغاب فحصل الطباق البديعي ، وقد نظم تاريخ ولايتهم بعض أدباء القطيف ، فقال : رأيت البدو آل حميد لما تولوا أحدثوا تاريخ في الخط ظلما إلى تاريخهم لما تولوا ، كفا؟؟؟ الله شرهم طغى الماء ، وقيل كاتبه بتاريخ زوالهم ، فقال : وتاريخ الزوال أتى طباقا ، وغار إذا انتهى لأجل المسمى.

وفيها غزا غزو لأهل الوشم أمير لهم عبد الله بن محمد بن معيقل ومعه السهوك مطير وعجمان وغيرهم الجميع قيمة ستمائة مطية وواقعوا فرقان بن عتيبية أربعين. وفيها أو بعدها غزا محمد بن معيقل بأهل الوشم ، وسدير ، وأجملوا معه غالب بوادي المسلمين محطاب ، ومطير ، وبني حسين ، ودواسر ، وسهول ، وغيرهم وواقعوا بن بري وعربانة ، من مر بما

٢٠٣

سرى قتلى وأخذوا العرب وصارت غنمهم ما تعد وما تحصى من الإبل والغنم والحلة ، وذلك بين وعكية اليعلو بينها وبين الذنايب ، وصار في هذه السنة ربيع عظيم سموه مواسي من بلدان جوف آل عمرو ، ودخلوا في الطاعة وعاهدوا وقتل من الغزو نحو عشرين منهم عمهوج المعزين الفارس المشهور.

وفيها إبراهيم بن سليمان بن عفيصان على أرض قطر وأخذوا الحويلة وغيرها ، وفي آخر ربيع الأول قتل محمد غريب لأمور صدرت منه أوجبت قتله ، نسأل الله العافية ، وفي سابع عشر رجب مات سليمان بن عبد الوهاب ، وفي أول رمضان مات أحمد بن عثمان بن شبانة.

وفي سنة ١٢٠٩ ه‍ : صار سعود بالجيوش المنصورة نحو الشمال وواقع القواسم من الصمدة وفرقان معهم ، وقتل عدة قتلى وأخذوا دبسا وذلك في شعبان.

فلما كان في ذي القعدة صار إلى القبلة ونزل تربة وحاصر أهلها وقطع من نخيلهم كثيرا وقتل عدة رجال بينهم وممن قتل في تلك الوقعة محمد بن عيسى بن غنثيان.

وفي سنة ١٢١٠ ه‍ : سير غالب بن مساعد الشريف عسكر وأخذوا هادي بن قرملة وعربة ثم زود قيمة إبل كثيرة ، بعد ما أخذ عليهم من بقي وقيل؟؟؟ عليهم أربعين وخمسة وعشرين رجلا ، ثم أخذوا بعد أيام فرقان غيرهم من الذكور من قحطان.

وفيها غزا غزو لأهل الوشم مع محمد بن معيقل ، وغنموا على عربان القبلة من عتيبة كسب كثير ، ثم غزا سعود نحو القبلة ، وواقع فرقان

٢٠٤

من عتيبة ، ومطير. وقتل أبو محيور والقدر حان من مطير ، ومعهم نحو ثلاثين قتيل ، وقتل سبيل بن نصير المطبري في ذلك اليوم وغنم المسلمون قيمة اثنى عشر مئة بعير ، وغنم وقش ، وذلك في شهر جمادى الآخر ، وفي أول رمضان اجتمع عربان من بوادي هادي بن قرملة والى معه من قحطان ، والدواسر ، والعجمان ، ومن عتيبة بن ربيعان وفرقان معه ، ومطير ، والسهول ، وسبيع وغيرهم حول الجمانية وسار عليهم عسكر لغالب الشريف أمير بن يحيى مع عربانة الذين على جبله وناوخوا عرباننا المذكورين عند الجمانية.

واشتد القتال وكثرت القتلى من الفريقين ما بين مئة منا ومنهم أكثر وآخر الأمر أن الله نصر على عسكر الشريف وانهزموا واشتدت الهزيمة على باديتهم وغنم منهم المسلمون من الإبل والغنم والمتاع ما لا يحصره العد حتى ذكر أن الرجل والرجلين يحوزون مائة بعير وأكثر وأخذت خيمة ابن يحيى الشريف ومدافعه ورجعوا ، ولأوطانهم مكسورين ولحقهم غزو أميرهم ابن معيقل ، وكسبوا في آخرهم ، وقتلوا منهم قتلى.

ووقت انسلاخ شهور رمضان قتل سليمان باشا صاحب العراق كيخياه أحمد بن الخربنده وحاز جميع خزائنه وأمواله.

وفي ذي القعدة ، سار سعود بالعساكر المنصوره للحساء ، ونزل في البلد. في ذي الحجة وهم تحت الطاعة أولا لكن قد حدث منهم الوحشة ، وتغير السيرة وسوء الحال ما دل على نكثهم وأوجب عقوبتهم وتداركهم سعود قبل يصرحون بالحرب ، ونزل البلد وسلمت له وأقام عليها مدة بقتل من أراد من يرى المصلحة في قتله ، ويجلي من أراد ، ويجبس من أراد ،

٢٠٥

ويأخذ من الأموال ، ويهدم من المحال وسني ، ومنهم من يأخذ ماله جملة ، ومنهم من يناصفه وناس ظهر بهم إلى نجد مثل آل عمران ، ويريكان القاضي والعدساني القاضي ومحمد بن حسن ، وناس كثيرون غيرهم وأمر في الحساء ، رجلا منهم يقال له ناجم بن دهنيم من صاحب العراق.

وفي سنة ١٢١١ ه‍ : في شهر ربيع عزل سليمان باشا حمود بن ثامر عن ولاية المنتفق ، وولى مكانه وصي ثوينيي بن عبد الله آل محمد في المنتفق ، وجميعها لنواحي وبعثه في بغداد البصرة ، وحدره من العراق للبصرة ، ثم حدر بالمنتفق وعسكر من عقيل وأهل الزبير ، وأهل البصرة ، وغيرهم ، ونزلوا عليه الظفير جملة ، وبنو خالد مع براك بن عبد المحسن ماشذ منهم إلّا بعض المهاشير ، وسير بالجميع متوجه الأحساء معه المدافع الكبار والقنابر واركب عساكر وميرة بحرا في السفن تياريه إلى ناحية الجزيرة والقطيف واتفق له قوة هائلة وصار عبد العزيز بن سعود قد أمر على بوادي العارض يحذرون بأهلهم وأدبائهم إلى ديرة بني خالد اللطف وغيره من أمواه وقرية وما حولها وأنهم يقفون في وجه الجنود ويريد أن يحذر إليهم شوكة البلدان وأهل نجد وظهر سعود بشوكة ونزل التنهات وحفر في أكثر من شهرين ، وآخر الأمر أن ثويني حشد وتور من الجهرا فانحازت البوادي حين بلغهم إقباله ، وضعنوا عن قرية ثم رحلوا عن الطف وانحازوا على أم ربيعة وجوده واشتد عليهم الأمر وساءت الظنون وكثر فيهم التحاور حين وزد ثويني الطف ، ثم ظعن منه ونزل السباك والعربان قد اشتد بهم الأمر ومعهم شوكة من الحضر محدرهم سعود قوة لهم أميرهم حسن بن مشاري ، وثويني متوجه للبلاد وغالب بد والعارض قد

٢٠٦

كثر فيهم الخلل ، ومنهم من كاتبه وأخذ أمانا خفيا نسأل الله العافية ، فلما أذن الله بالفرج بعد الشدة ، والنصر بعد اليأس وثويني وجنوده قد نزلوا الشباك ، فجلس ثويني هو وجلساه ناحية والخيمة تبنى فسلط الله عليه عبدا يقال له طعيس من عبيد حبور بن خالد وقد فارق براك يوم اقفا براك قاصدا ثويني ، وصار العبد عند المسلمين ثم غزا مع ركب وأخذوا الركب وصار مع الخوالد الحزبيين ، فحين نزلوا السباك وجلس ثويني عدا عليه معه رميح فيه حربيه رثة وطعنه بين كتفيه طعنة رثّة ، وبارك الله فيها ، ومات منها وأرادوا التصلب بعده وأقروا أخاه ناصر بن عبد الله ، ويسر الله أن براك بن عبد المحسن آل عبيد الله يفارقهم وينهزم للمسلمين ، وكان في أثناء أمره قد ندم على المسير معهم ، وذلك أنه رأى وجه ثويني وإقباله على آل عريعر ، وعرف أن ثويني إن استولى على الأحساء ما يؤثر عليهم أحدا ، هذا الظاهر عندهم ، فلما جرى ما ذكر تخاذلوا ووقع فيهم الفشل وألقى الله في قلوبهم الرعب ، وارتحلوا منهزمين ولحقوهم الذين على أمواه الديرة من المسلمين وقتلوا منهم قتلى كثيرين وغنموا مغانم كثيرة ، وصاروا في ساقتهم إلى قرب الكويت يقتلون ويغنمون وخلوا المدافع الكبار وظهرت للدرعية ومقتل ثويني رابع ، المحرم أول السنة الثانية عشر اتفق تاريخ مقتله (غريب).

وفي هذه السنة وهي سنة أحد عشر جانا في الوسمى سيل عظيم ، انتفع منه كثير من أهل البلدان أغرق حلة الدلم ومحاها جملة لم يبق من بيوتها إلّا القليل ، وذهب لهم أموال كثيرة من طعام ومتاع وغيره ، ونزل على حريملاء في الصيف برد ما يعرف له مثيل خسف السطوح وقتل بهائم وكسر عسبان النخل ، وجرد خوصها جملة ، وكسر الشجار وهدم الجدران

٢٠٧

حتى أشفقوا وجأروا إلى الله وعافاهم ورحمهم ، ثم جاء في الصيف كذلك سيلا عظيما انتفع منه أهل البلدان وهدم بعض حوطة الجنوب ، وحوطة بني تميم وذهب بزروع كثيرة محصودة ، وهدم في الدرعية بيوتا كثيرة ، وفي العينية وغيرها وجاء دبّ أكل أشجار البلدان وثمار النخيل وشيئا من الزروع والنبات جملة وحصلوا الناس فوق العادة في ذرة القيض ، ورخصت الأسعار جدا ، وسموها أهل الدرعية سنة موجد لأن وادي لهم ارتفع على بيوت ودكاكين ما قد وصلها.

وفيها تولى في مكة العجم فاتح على خان بن حسن بعد عمه محمد الخصي أول المحرم ، وهو وفاه ثويني وتاريخه (غريب).

وفي سنة ١٢١٣ ه‍ : ولى سليمان باشا بن حمود بن ثامر بعد ثويني وفيها سار للشريف عسكر وواقعوا قرقان من قحطان عند عقيلان حول بيئة ، وصار الفرقان على الماء والعسكر على ظمأ ، ونصر الله البدو عليهم وهزموهم وهلك منهم نحو خمسين قتلوا ظمأ.

وفيها في محرم قتل ولد مطلق الجرباء وأخوه قرينيس ، وهم عادون على عرباننا وفيها سار سعود في رمضان وعدا على المجرة ، وقتل في أهل الجرف ، وغرق وغنم بما سار إلى الشمال ، وواقع بادية الشمال شمر وبعض الظفير للزرقاء ، والحومانة من أرض الأبيض ، وقتل مطلق الجرباء ، وعدة رجال معه منه ، شمر ، والظفير ، وأخذ عليهم نعما ومتاعا كثيرة قتل من المسلمين براك بن عبد المحسن آل عبيد ، ومحمد العلي المهاشيز ، ومعهم من بني خالد نحو خمسة عشر حيل عليهم ، وجميع القتلى نحو ٩٠٠ ومن العد وأكثر.

٢٠٨

وفي هذه السنة في شوال وسعود وجنوده في مغزا الشمال المذكور ، سار غالب بن ساعد الشريف بالعساكر العظيمة متوجه إلى نجد ، ونازل رنيه ودمر فيها نخلا وزروعا ، وقتلوا من قومه عدة قتلى ، وارتحل عنهم بعد ما أقام عليهم اثنين وعشرين يوما ، ثم رحل إلى بيشه فحصل بينه وبينهم قتال ، وظفر بهم بسبب ميل بعضهم إليه ، وأقام عندهم أياما ، وأمدوه بالطعام والميرة ، وخلف عندهم حسن بن زين العابدين في بعض حصونهم ، وترك عندهم عسكرا ، وسار بعضهم معه ، ثم رحل حتى نزل الخرمة بعساكره وجنوده ، وكان غالب قبل حصاره رنيه وبيشه قد عدا على العربان وأخذ ابن قرملة وفرقانا معه من قحطان ، وقتل منهم عدة قتلى وأخذ عليهم كسبا كثيرا أخذ من الإبل قيمة سبعة آلاف ، والحلة أخذ غالبها ، ثم نازل رنيه كما ذكرنا وبيشه ثم أقبل ونزل الخرمة ، وقد أعجب بنفسه وطغى وتعد أطواره ، وأمل آمالا لحو إلّا ، والله غالب على أمره.

وكان سعود أسعده الله حين سار إلى الشمال قد بلغه أن غالبا سار ، فكره سعود الانثناء عن وجهته ، ورد بعض أهل النواحي يريد أنهم يكونون ظهرا للعربان ، وعونا لهم وقوة فأمر هادي بن قرملة واليا معه من قحطان وربيع بن زيد واليا معه من الدواسر ، وغيرهم من أخلاط البوادي من أهل الجنوب والقبلة ، وقطعة من الحضر وساروا وقوى الله عزيمتهم حتى دهموه في منزله على الخرمة ولم يقفوا دون الخيام فألقي الرعب في قلوبهم وكسرهم وانهزموا لا يلوى أحد على أحد والقوم في ثبات قاتلوه ومن انهزم فمن أدركوه قتلوه ومن فاتهم فبين ناج وبين هالك ظمأ وضياع ، كان عدة القتلى ما ضبطه لنا مؤرخو أهل مكة ألف رجل ومئتين يزيدون عشرون رجلا ، ومنهم الشريف مسعود بن يحيى بن بركات ، وابن أخيه

٢٠٩

هيازع ، وعبد الملك بن ثقبة ، وسلطان بن حازم وحسن الياس ، وغيرهم من الأكابر ، وعدة من ثقيف من ثمانين رجلا ، ومن قريش أربعون ومعهم ابن عتيبة ، ومن العسكر ما يزيد على أربعمائة رجل من المصاريه مائتين رجل ومن المغارية ومئة وخمسون رجلا ، وعدة من فقد من العبيد مئة وخمسون عبدا. ونهبوا جميع الذخاير ، والخيام ، والمتاع.

وأما الدراهم فذكر مؤرخهم أنه مختلف فيها فمنهم يقول أن خزانة غالب ثمانية عشر ألف مشخص التي نهبت ، ومنهم من يقول خمسة عشر ألف ريال أبدلها من العساكر والبادية بشخص ، وكان قصده يفرقها على القوم صبيحة اليوم نهبوا جميع ما في المضرب من الأموال ، وأخذوا سلاحا كثيرا وغنموا ما معهم من الإبل التي أخذوا على المسلمين مع ما انضم إليها من أباعر الدولة ، ورواجلهم وانصرف غالب وشريد قومه مكسورا محسورا ولم تقم له قائمة بعد هذه الواقعة ، ولم يلبث بعدها أن صالح المسلمين وأذن لهم في الحج.

هذه السنة أعني سنة عشر ومائتين وألف وصل الفرنج إلى مصر سارين من أوطانهم إليها ، ووصولهم لعشر خلون من المحرم ، وسبب سيرهم أن لهم مالا من عند أمين لهم في مصر قبطي أرادوا إرساله إليهم فبلغ باشا مصر مراد بيك عضيد إبراهيم بيك أمير اللوا السلطاني ، فغضب لأجل أخفائه عن العشور وأمره بأخذه فقال الأمين خذ العشور ورد ما بقي فأبى فأرسل إلى كبيرهم ، وعرفه بما فعل مراد فراجعه فلم ينجح فيه شيء ، فلما أيس توجه إلى السلطان سليم بعرض تضمن الشكوى وأنه وإن لم ينصفهم السلطان ودلم أيسعفهم وإلا يفسح لهم بالركوب عليهم من غير ضرر بالمسلمين ، فأخذ عليهم السلطان العهود بذلك ، وكتب عرضا متوجا

٢١٠

بختمه ولم يبدو أنهم ضمروا الغدر ، والمكر ، وكانوا إذ ذاك مستعدين لحرب الصناجق بأنواع الذخاير والبارود والرصاص.

فخرجوا في جيش ملا السهل والوعر يزيد على مائة ألف إلى الاسكندرية ، فلما أشرفوا عليهم قالوا : نحن أعوان السلطان لحرب أمير مصر ، وبيدنا خط شريف متوج بختم الشريف ، وأظهروه فلما رأوه مكنوهم من البلاد بغير حرب فدخل منهم ثمانية آلاف ، وضبطوا البلاد ، وتوجه الباقون إلى مصر فبردوا لهم الصناجق والعساكر في عدد كثير فلما تراء الجمعان وراوا ما دهمهم من جيش هؤلاء الكفرة ، كأنهم قطع الليل والأمير عليهم يقال له جمهور أيقنوا بالموت ، وقاتلوهم قتال من يريد الشهادة فحملوا عليهم المماليك ، ووصلوا إليهم ، فرموهم بالمدافع المحرمة ، فرجعت الخيل ناكصة إلّا أنهم قتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وكانت الخيل تنوف على ألفين ، ثم كروا عليهم ثانية وصاروا يضربون في أعناقهم وهم لا يكترثون ، والمدافع متورة في الدولة المصرية فذهب من المماليك في تلك الواقعة ألف وخمسمائة رجل وانهزم أمراء مصر.

وتوجه الفرنسيس إلى مصر من الدرب المسلوك ، ودخلوها وهرب الصناجق إبراهيم بيك توجه نحو الصالحية على يومين من القاهرة ، وهي بلدة كبيرة عليها سور ، وهي بلد الصالح أيوب ، وذهب مراد بيك إلى الصعيد ثم بعدما أقاموا بمصر أياما خرج منهم جيش ، وأخرجوا من كان بها ثم أن مراد بيك توجه إلى الشام ولحقه إبراهيم بيك ، ثم أن هؤلاء الكفرة توجهوا إلى الصعيد وأوقعوا بأهله وضروهم غاية الضرر قتلا ونهبا ، وسبيا ، ثم تواجهوا وهم زهاء عن خمسين ألفا غير الذين أبقوهم في الاسكندرية ، والصالحية ، والصعيد. والقاهرة ، فأتوا على بلدة يقال

٢١١

لها العريش من إقليم مصر من أعمر بنادرها ، فملكوها وتوجهوا منها إلى غزة من أعمال الشام.

ثم توجهوا منها إلى يافا بلدة تعزى إلى يافث ابن نوح. وهي بلدة عظيمة وعليها سور حصين منيع برأس الخيل ، فلما دخلوها تحصن الباشا مصطفى الحلبي والعساكر في القلعة في صروهم ثم ملكوها وقتلوا من كان بها من العساكر وهم ينوفون على أربعمائة رجل ، ثم توجهوا إلى بلد يقال لها صيدا من أعمال الشام ، ففعلوا مع أهلها ما فعلوا مع غيرهم ، وملكوها ثم ساروا منها إلى عكا ، وهي البلد المشهورة بلد أمجد بيه الجزار. وكان الجزار المذكور عطارا في مصر ، ثم لما تولّى إمارة مصر صالح بيه الذي قتله محمد بيك مملوك أمير مصر على بيك خدم المذكور عند صالح ، فرفع مكانه وصار من خواصه وأجزل له الصلاة فلما قتل صلح وولي على بيك هرب الجزار من مصر وتنوعت له الأسباب لطلب المعيشة حتى وصل إلى بلاد الدروز. وأجر نفسه من امرأة يخدم لها ، ثم تزوج بها وتزيا بزيهم وأقام عندهم أعواما وهم خارجون عن الطاعة عاصون للدولة.

وكانت الدولة تجهز الباشوات لقتالهم مدة عصيانهم ، ثم إن السلطان مصطفى بن أحمد جهز علي باشا إلى المذكورين ، فلما حاصرهم اجتمع بأحمد الجزار فقال له الجزار : لو أقمت أعواما على حصارهم لم تقدر ، وأنا أعرض الناس بعوارهم ههنا في السور محل ، وهن من تقادم الزمن فإذا عملت الحيلة ملكت بلادهم ما يكون لي عند الدولة وعندك قال مزيد الأكرام وأمارة الشام ، فقال : أجعل معي كم رجل منكم ألبسهم زيهم وليدخلوا معي. فإذا سألوني قلت : هؤلاء أخواني عمي ، ثم إذا حصلنا

٢١٢

عندهم فشنّوا الغارة وأرجعوا بالجيش ، فإذا اشتغلوا بالحصار قمنا وفتحنا لكم ذلك المحل ، فإذا رأيتم ذلك فأحملوا ونحن نمانع عن أنفسنا حتى تصلوا إلينا. فقدر الله أن تمت هذه المكيدة ، وملك القلعة أحمد بيه ، وقتل منهم مقتلة عظيمة فبلغ الدولة خبره ، فأرسلت الأطواخ وولّوه إمارة الشام ووجد من الأموال ما لا يعد ولا يحصى.

ثم أنه غمر هذه البلدة المشهورة بعكا ، وبنى عليها سورا عظيما ، وحينئذ لقّب الجزار بعد ركوبه على عربان ، هناك يقال لهم الدروز ، والمتاوله ، وقتل منهم مقتلة عظيمة فاستولى على الشام من حينئذ وصار أميرا للعساكر ، وللحاج ، وكان جزيل العطاء كثير الدخل أخبر من سأل كراني الباشا عن محصوله كل يوم فقال : ثمانين كيس ، عبارة عن أربعين ألف قرش ، رجعنا إلى ذكر أمير النصارى إلى عكة ، فلما وصلوها تحصن الجزار منهم في القلعة هو وعساكره.

فحاصروه ستين يوما يرمون على القلعة كل يوم ألف رمية مدفع ، حتى خربوا سورها ، وهدموه ، ثم دخل بعضهم إلى البلد ليستأصلوا من فيها ولم يبق فيها برج ، قد تحصن فيه الجزار وخاصته ، واشتد الأمر ، وأيقنوا بالهلاك فقال لهم الجزار يا عباد الله إلى متى نفر من الموت ونحن على أحد الأمرين : أما القتل ونفوز بالشهادة ، وأما النصر ، «يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم» فحاموا عن دينكم ، وعن ملّة نبيكم وحريمكم ، واستعينوا بالله يعنكم ويخذل عدوكم فقويت عزائمهم وحملوا حملة واحدة.

ومن لطف الله بهم أن ذلك اليوم وصلت مراكب الأنقرين فخرجوا

٢١٣

من المراكب إلى البلد ، وخرج الجزار ومن معه إلى البر وتلقوهم وبلوا فيهم السيف فقاتلوا قتالا شديدا لم يسمع بمثله ، فما أتى عليهم الليل إلّا وقد ذهب تحت سنابك الخيل من الفرنسيس خمسة عشر ألفا وزيادة ، وقتل من عسكر الزار خمسة آلاف رجل غير الجرحي ، وكان مراد بيك أيضا قد وصل إليهم قبل مراكب الأنقرين ، وكان الذي أخبر مؤرخ هذه الواقعة رجلا ثقة من حرب حضرها هو وثلاثون رجلا من حرب كلهم هلكوا في تلك الحرب سواه.

وهو الذي وصل بالبشر إلى الحرمين ، وكان قبل هذه الواقعة في الطائف السيد محمد الجيلاني مقيما به ، فلما بلغه خبر مصر قام في الناس ورغبهم في الجهاد حتى فارقوا الآباء والأولاد ، وبادروا معه خصوصا أهالي مكة ، ورحل إلى مكة وحث أهلها فأمدوه بما قدروا عليه من أموالهم ، ثم توجه معه نفر كثير منهم ، فلما وصل إلى جدة وعظهم وحثهم فبذلوا له من الأموال شيئا كثيرا ، إلّا أن أهالي مكة شكا كثير منهم من رجال ونساء إلى الشريف أنهم صاروا عالة على الناس لفقد أزواجهم وأولادهم لكثرة من تبعه كتابا لوزير جدة ، فرد أكثرهم إلّا من ركب بحرا.

ثم توجه الجيلاني من طريق الينبع إلى الصعيد فصادف بعض جيوش من الفرنج ببلد يقال لها قطية ، فاقتتلوا هناك وقتل العالم عايد السندي ، ورجال معه. وانهزم القية ، وذهب الجيلاني إلى الصعيد فمرض به واشتد به إطلاق البطن ، فمات مبطونا ، وبعض أهل مكة سافروا إلى نواحي الصالحية وبولاق ، فوافوا مراد وقاتلوا معه ثم توجهوا نحو الصنادجق إلى نواحي بلد السودان ، بسم أن السلطان سليم وجه يوسف باشا وزير

٢١٤

الختام ، ومعه أربع باشوات فوصلوا إلى يافا فوجدها محصّنة بالفرنسيس في صدرهم.

وفي كل يوم يزحف عليهم باشا من الباشوات ، ويقاتل فلا يحصلوا على شيء حتى كانت نوبة مصطفى الحلبي ومعه الأرناؤوط فرموا على جدار القلعة سلم التسليط ، وطلعوا عليهم وقتلوا من الفرنسيس مئة رجل ، وثارت الجيخانة عند الازدحام ، فمات من أصحاب مصطفى مئة ، ومات مصطفى ، وهلك من النصارى أربع مائة وكان الحصار من يوم ثمانية وعشرين من رجب إلى يوم ست وعشرين من شعبان آخر عام ١٢١٤ ه‍.

ثم توجه يوسف باشا إلى العريشي فوجد فيها جملة منهم تحصن ، فأمر بنقل التراب في المخالي جميع العسكر ، فنقلوه فإذا هو تل علي ، ثم رموهم بالمدافع فملك البلد ، وكان عدة ما ضبط معه من العساكر مئة ألف.

وأما الأنقرين فتوجهوا بمراكبهم نحو الإسكندرية فحاصروا من بهائم ، ثم توجه يوسف باشا إلى بلد يقال لها قطية من نواحي الصعيد ، وفيها بعض من الفرنسيس والقبطة ، فشردوا إلى الصالحية نحو خمسة آلاف فسار إليهم فيها وحاصرهم أياما ، ثم طلبوا الأمان فأخرجهم وملكها ، فتوجهوا إلى الجيزة فلحقهم وحصرهم هناك حتى ، وأمر بإمساكهم فيها حتى يفرغ من أمر مصر ، ثم توجّه إلى مصر وأقام بالبركة التي دونها ، فأرسل إليه كبار الفرنسيس يطلبون الأمان ، وخاطبوه في أمر الصلح وتسليم البلد. فقال : على أن تسلموا إلينا البنادق : كل مئة رجل يعطي ثمانين بندق ، ويخرجون سالمين بأموالهم. فتم الصلح ورجعوا ، وأرسل خلفهم أربع باشوات فدخلوا مصر ، وصاروا في بعض البيوت

٢١٥

ينتظرون خروج الفرنسيس ، والفرنسيس قد حشدوا في إخراج أموالهم وضعف لهم ليركبوا في مراكب لهم في البحر ، وصاروا يحملون إلى المراكب بجهدهم من ضعفائهم وحرحاهم ، وأموالهم.

وفيها عدة عديدة منهم ، وقد ثبت دواعيهم الوزير أن يخرجوا بأموالهم وضعفائهم إلى مراكبهم في البحر ، وقد هلك في هذه الوقائع منهم خمسون ألفا ، وبقي مثلها. فبينما هم على هذه الحال عدا على مراكبهم الانجليز وجرفوها وغرق من فيها ، فثارت الحرب بين الفرنسيس الذين في مصر ، وبين الباشوات الذين أرصدوا عندهم فحصروا الباشوات ، وحصروهم ، فصار الكل محصورا ، واستمر الحصار أربعة وثلاثين يوما ، وضج أهل البلد على الباشوات ، وقد فني ما عندهم من الزاد ، والبارود ، والرصاص فوقعت الهدنة على أن تخرج الباشوات من مصر ، ومن أراد الخروج معهم فخرج عثمان باشا ، وخرج معه أعيان مصر وتجارهم ما ينوفون على تسعين ألفا. وقد توجّه بعض الفرنسيس إلى من هو بالسويس مقيم من الرعايا ، فقتلوهم ونهبوهم ، وكان هذا الأمر كله من سوء تدبير هذا الوزير يوسف باشا ، فإنه حين صالح النصارى على الخروج أمهلهم هذه المهلة التي هي عين الضرورة ، وتمام التقصير أنه رحل من ساعته إلى يافا يجمع بها غنائم وأمواله ، وضيّع الحزم.

وأما عثمان باشا ومن معه فتوجهوا إلى الشام ، ثم إن النصارى بعد خروجه سمروا الجامع الأزهر حتى لا تقام فيه صلاة ، ولا ذكر وقتلوا بعض العلماء ، وأخرجوا بعض أهل مصر وعاقبوهم على انحيازهم إلى الباشا ، ثم بعد ذلك في سنة خمسة عشر أحرقوا بولاق ، وقتلوا من فيها ، وأخذوا أموالا كثيرة منها ، وهذه البلد هي ساحل مصر. وأرخ بعض أدباء

٢١٦

الحرمين استمرار النصارى في مصر ، يوسف باشا ، وهي سنة ١٣١٣ ه‍.

فقال أبو لهف بعينه لما قدر كانوا خطوا على القاهرة قوادا لفرج لها أبغته ، وحل منازلها العامرة ، ولكن رجى بفضل الكريم تعاودهم كرة خاسرة سليم المزيد ، يبدهم جولته القاهرة ، وقد صح قال التاريخية الأول ما يشاء ، وحكمته قاهرة.

وفي سنة ١٢١٥ ه‍ : حج الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود بالناس ، واحتفلوا احتفالا أعظم من الحجة التي قبلها ، وأجمل غالب الناس خفافهم وثقالهم ونساءهم وأطفالهم ، ثم أن عبد العزيز رحمه‌الله لما سار سبعة أيام ، أو ثمانية أنس من نفسه الملل ، والثقل ، وتباعد الشقة ، وكذلك بالغ معه الأمير سعود في الرجوع ، وكان هو رأى سعود في بادى. الأمر يقيم الوالد ولا وجه لحجه ، فرجع لما كان قرب الدوادمي من الدميثيات ، وحج المسلمون وقضوا حجهم على أحسن حال ، وهي حجة سعود الثانية الذي حرر لنا أن الفرنسيس أخرجوا من مصر في آخر هذه السنة ، ورتّب في يوسف باشا الختام فيها محمد باشا القبطان وزيرا ، ومحمد علي من جملة رؤساء العسكر ، وممن أبلى في قتال النصارى.

وفي سنة ١٢١٦ ه‍ : سار الأمير سعود بالجنود المؤيدة ، وقصد بلد الحسين من أرض كربلاء ، خرج في ذي القعدة ، وفتح الله له البلد ودخلوها عنوة ، وقتلوا غالب أهلها ، وهدموا القبة ، وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال : من الأمتعة ، والسلاح ، واللباس ، والفرش ، والذهب ، والفضة ، وغير ذلك ، وقتلوا منهم ما يزيد على الألف.

٢١٧

وفي أول السنة عاشوراء استولى سلطان بن أحمد أمام مسكه على بلد البحرين ، وبعد مدة يسيرة ساروا عليها آل خليفة برعايا عبد العزيز فمدهم بمن حولهم وأخذوا البحرين ، وقتلوا منهم ما يزيد على ألفين.

وفي أول هذه السنة في المحرم توفي محمد بن عبد الله بن فيروز.

وفي سنة ١٢١٧ ه‍ : في ربيع مات سليمان أبو خزما وزير العراق ، واستولى مكانه كيخياه علي باشا. وفيها استرجع الروم مصر من الفرنسيس ، وأظهروهم منها. وفيها مات بادي بن بدوي ابن مضيان الحزلي ، وحمود بن ربيعان العتيبي. وفي آخرها انتقض الصلح الذي بين غالب ، وبين عبد العزيز ، وفارقه وزيره عثمان بن عبد الرحمن المضايفي ، ودخل في الدين وسار عليه غالب في قريته ، ونازله وكسره الله ورجع خائبا.

ثم إن عثمان المضايفي سار هو ومن في جهته من بوادي المسلمين ، وحضرهم سالم بن شكبان بأهل بيشه ، وابن قطنان بأهل رنيه ، ومن عنده من سبيع وحمد بن محي بأهل تربة ، والبقوم ، وابن قرملة ، ومعه جيش من قحطان ، ومن عتيبة ناس ومن غيرهم ساروا جميعهم على غالب. وقد دخل الطائف وتأهب لهم فيه ونازلوه ، وألقى الله الرعب في قلبه ، وانهزم إلى مكة ، وترك الطائف لهم ودخلوه بغير قتال وفتح الله لهم عنوة ، وقتلوا من أهله عدة مئتين وغنموا جميع ما فيه من الأموال ، والأثمان والأمتعة ، والسلاح ، والقماش ، والجواهر ، والسلع الثمينة مما لا يحيط به الحصر ولا يدركه العدو ، وضبطوا البلد وسلمت جميع نواحيه ، بواديه ، وتأمر فيه عثمان المضايفي من ذلك اليوم ، وقرر عبد العزيز ولايته ، ثم سعود بعده.

٢١٨

وكانت هذه الوقعة وسعود إذ ذاك قد سار بجيوش العارض ونواحيه ، وظاهر أمره يريد مقر الشمال ، فحين بلغه الخبر والبشارة توجه إليهم ونزل العقيق ، والربيعان وقت الحج ، وجميع الحواج في مكة : الشامي ، والمصري ، والمغربي ، وأمام مسكه وغيرهم في قوة هائله وهموا بالخروج على سعود ، والمسير إليه لقتاله ، ثم تخادلوا ، ومرج أمرهم وانصرفوا لأوطانهم وانهزم غالب الشريف إلى جده ، ومن تبعه من عسكره ، ومعه خزائنه ، وبعض متاعه وشوكة. ودخل الأمير مكة واستولى عليها وأمن أهلها ، وبذل فيها من الصدقات والصلاة لهم ، وأمر فيهم عبد المعين بن مساعد ، وأخذوا وادي فاطمة ، وسار إلى جدة ونازلها ولم يحصل منها على شيء ورجع ورتب عسكر في مكة قصرين من قصور الشريف مرابطين.

وفي سنة ١٢١٨ ه‍ : في العشر الأواخر من رجب قتل الإمام الرئيس العادل عبد العزيز بن محمد بن سعود في مسجد الطريف ، وهو ساجد في أثناء صلاة العصر : مضى إليه من الصف الثالث رجل عراقي لا يعرف له بلد ، ولا نسب ، شيطان في صورة درويش ، ثم تبين بعد ذلك أنه رجل كردي من أهل العمارية : اسمه عثمان ، أقبل من وطنه لهذا القصد مختبئا ، وأبدى ذلك لعلي باشا ، وتوجه لقصده حتى بلغ مراده وطعنه في خاصرته أسفل البطن بخنحر معه ، قد أعده وتأهب للموت. فاضطرب أهل المسجد وماج بعضهم في بعض ، ولم يدروا الأمر ، منهم المنهزم ، ومنهم الواقف ، ومنهم الكار على جهة هذا العدو العادي غير متلعثم ، لما طعن الإمام المذكور أهوى على أخيه عبد الله وهو في جنبه ، وبرك عليه ليطعنه فقام ولابسه ، وتصارع هو وإيّاه وجرح عبد الله جرحا شديدا ، ثم أن

٢١٩

عبد الله صرعه وضربه وتكاثروا عليه الجماعة ، وقد تبين وجه الأمر لأكثرهم ، وقتلوه في مكانه ، وحمل الإمام عبد العزيز ، وهو قد غاب ذهنه. وقرب نزعه ، لأن الطعنة قد هوت في جوفه ، ولم يلبث أن قضى بعدما صعدوا به إلى المقصورة رحمه‌الله وعفا عنه.

وعظم المصاب على المسلمين ، واشتد الأمر وبهتوا ، ثم إن الأمير سعود حفظه الله قام في المسلمين ووعظهم ، وعزوه ، وعزاهم ، وعاهده خاصتهم وعامتهم على السمع ، والطاعة ، وكتب الرسائل وبعث بها الرسل إلى جميع البلدان والنواحي يخبرهم ويعزيهم ، ويعظمهم ويوصيهم ويأمرهم بالتزام العهد ، والسمع ، والطاعة ونائبه في ذلك أمراؤهم ، وتم الأمر ولله الحمد على المراد ، واستقر في الولاية على أكمل الأحوال وأتمها.

وفي هذه السنة في آخرها مات باشا الشام أحمد بيه الجزار صاحب مكة ، وتولّى نائبه سليمان باشا بعده. وفي آخرها سار سعود بالجنود إلى البصرة ، والزبير ونازلهم وحشدوا على أهل الحصن الذي على الدرخبيه مشرب أهل الزبير ، واستولوا عليه وقتلوا أهله ودمروه وتوجهوا جنوب البصرة ونخيلها وقتلوا من أهلها ناسا كثيرين ، ونهبوا زادا ومتاعا كثيرة منها ، وحضر أهل الزبير ، وحصدوا جميع زروعهم ، ودمروها وقتلوا منهم من قتلوا ، ثم رجعوا سالمين ـ غانمين ، ولله الحمد ، وفيها سار غالب الشريف بعسكره من جدة على مكة ، ونازل أهل القصور وظهروا له عنها ، واستولى على البلد وضبطها واستوطنها.

وفي سنة ١٢١٩ ه‍ : قتل أمام مسكة سلطان بن أحمد بن سعيد

٢٢٠