إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٦

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٦

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٨٨

أمر مبني على الكسر دائما إلا مع واو الجماعة فيضم وواو الجماعة فاعل وبرهانكم مفعول به. (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) هذا مبتدأ والاشارة للقرآن وجميع الكتب السماوية وذكر خبر ومن مضاف اليه ومعي ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول وذكر عطف على ذكر الأولى ومن مضاف اليه والظرف صلة والجملة مستأنفة.

(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) بل حرف إضراب وأكثرهم مبتدأ وجملة لا يعلمون خبر والواو فاعل والحق مفعول به ، فهم الفاء للتعليل وهم مبتدأ ومعرضون خبر. (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الواو استئنافية وما نافية وأرسلنا فعل وفاعل ومن قبلك حال ومن حرف جر زائد ورسول مجرور لفظا منصوب محلا على انه مفعول به وإلا أداة حصر ونوحي فعل وفاعل واليه متعلقان بنوحي ولا إله إلا أنا تقدم اعرابها كثيرا والفاء الفصيحة واعبدوني فعل أمر والواو فاعل والياء المحذوفة تبعا لرسم المصحف مفعول به والجملة مستأنفة مقررة لما سبق اجماله من توحيد الله كما نطقت بذلك الكتب السماوية استدلالا بمقتضيات العقل والمنطق. (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً ، سُبْحانَهُ ، بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) استئناف آخر مسوق لحكاية أقوال بعض القبائل العربية الذين قالوا :الملائكة بنات الله ويقال انهم بنو خزاعة وبنو جهينة وبنو سلمة وبنو مليح وجملة اتخذ الرحمن ولدا مقول القول وسبحانه مصدر لفعل محذوف وقد مر والجملة معترضة وبل حرف إضراب وعباد خبر لمبتدأ محذوف ومكرمون صفة وقد وصف الملائكة بسبع صفات تقدمت الأولى. (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وهاتان صفتان ثانيتان الأولى جملة لا يسبقونه بالقول والثانية جملة هم بأمره يعملون ، وبأمره متعلقان بيعملون وجملة يعملون خبرهم.

٣٠١

(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) وهذه هي الصفة الرابعة وما موصول مفعول به وبين ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول وأيديهم مضاف اليه وما خلفهم عطف على ما بين أيديهم. (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) وهاتان صفتان أخريان ويشفعون فعل مضارع وفاعل وإلا أداة حصر ولمن متعلقان بيشفعون وارتضى صلة الموصول وهم مبتدأ ومن خشيته جار ومجرور متعلقان بمشفقون ومشفقون خبرهم. (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) وهذه هي الصفة السابعة والأخيرة ومن شرطية مبتدأ ويقل فعل الشرط مجزوم ومنهم حال وان واسمها وإله خبرها والفاء رابطة لجواب الشرط لأنه وقع جملة اسمية وذلك اسم اشارة مبتدأ وجملة نجزيه خبر والهاء مفعول نجزي وجهنم مفعول نجزي الثاني والجملة جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر ذلك وكذلك نجزي الظالمين الكاف نعت لمصدر محذوف أي نجزي الظالمين جزاء مثل ذلك.

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣))

٣٠٢

اللغة :

(رَتْقاً) : في المختار : «الرتق : ضد الفتق وقد رتقت الفتق من باب نصر سددته فارتتق أي التأم ومنه قوله تعالى : كانتا رتقا ففتقناهما ، والرتق بفتحتين مصدر قولك امرأة رتقاء أي لا يستطاع جماعها لارتتاق ذلك الموضع منها» وفي الأساس : «رتق الفتق حتى ارتتق وقرئ كانتا رتقا ورتقا وعن ابن الكلبي كانتا رتقاوين ففتق الله السماء بالماء وفتق الأرض بالنبات وامرأة رتقاء بينة الرّتق إذا لم يكن لها خرق إلا المبال».

(رَواسِيَ) : جمع راسية من رسا الشيء إذا ثبت ورسخ وفي المختار : «والرواسي من الجبال الرواسخ واحدتها راسية» وفي المصباح : «رسا الشيء يرسو رسوا ورسوّا ثبت فهو راس وجبال راسية وراسيات ورواس».

(تَمِيدَ) : في المصباح : «ماد يميد ميدا من باب باع وميدانا بفتح الياء تحرك» وفي الأساس : «غصن مائد مائل وماد يميد ميدانا ومن المجاز مادت المرأة وماست وتميّدت وتميّست ومادت به الأرض دارت ، ورجل مائد : يدار به والمطعون يميد في الرمح».

(فِجاجاً) : في المختار : «الفج بالفتح : الطريق الواسع بين الجبلين والجمع فجاج بالكسر مثل سهم وسهام والفج بالكسر البطيخ الشامي وكل شيء من البطيخ والفواكه لم ينضج فهو فج بالكسر» وفي القاموس : الفج وجمعه فجاج ، والفجاج : الطريق الواسع بين جبلين.

٣٠٣

الاعراب :

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) الهمزة للاستفهام الانكاري والواو حرف عطف على مقدر ولم حرف نفي وقلب وجزم والذين فاعل وجملة كفروا صلة وان وما بعدها سدت مسد مفعولي رأى لأن الرؤية قلبية وان واسمها وجملة كانتا خبرها والالف اسم كان ورتقا خبرها وفي الاخبار به ما تقدم في زيد عدل أي كانت الشمس والأرض نفس الرتق ، ففتقناهما الفاء عاطفة وفتقناهما فعل وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة على كانتا والميم والالف حرفان دالان على التثنية ، قال الأخفش : إنما قال كانتا لأنهما صنفان أي جماعتا السموات والأرضين كما قال سبحانه : «إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا» وقال الزجاج : انما قال كانتا لأنه يعبر عن السموات بلفظ الواحد لأن السموات كانت سماء واحدة وكذلك الأرضون. (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) وجعلنا عطف على ما تقدم وجعلنا فعل وفاعل بمعنى خلق ومن الماء متعلقان بجعلنا لأنها بمعنى خلقنا أو بمحذوف حال من كل شيء لأنه كان في الأصل وصفا له فلما قدم عليه نصب على الحال ولك أن تجعل وجعلنا بمعنى صير متعديا لاثنين فيكون من الماء في محل نصب على أنه مفعول ثان وكل شيء مفعول أول ، أفلا الهمزة للاستفهام الانكاري والفاء عاطفة على محذوف ولا نافية ويؤمنون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل.

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) وجعلنا عطف على جعلنا وفي الأرض إما مفعول ثان ورواسي هو المفعول الاول وإما متعلقان بجعلنا أو بمحذوف حال ورواسي مفعول به وان وما في حيزها في محل نصب مفعول لأجله أي كراهة أن تميد أو لئلا تميد وبهم متعلقان بتميد.

٣٠٤

(وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) وجعلنا عطف على ما تقدم وفيها هو المفعول الثاني أو متعلق بجعلنا وفجاجا حال لأنه كان صفة لسبلا وتقدم عليه وسبلا مفعول به ولعل واسمها وجملة يهتدون خبرها.

(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) وجعلنا السماء فعل وفاعل ومفعول به أول وسقفا مفعول به ثان وهم مبتدأ وعن آياتها متعلقان بمعرضون ومعرضون خبرهم والجملة حالية أو استئنافية.

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) الواو عاطفة وهو مبتدأ والذي خبر وجملة خلق صلة وفاعل خلق ضمير مستتر تقديره هو والليل مفعول به وما بعده عطف عليه وكل مبتدأ وساغ الابتداء لما فيه من معنى العموم وفي فلك متعلقان بيسبحون وجملة يسبحون خبر كل وجملة كل في فلك يسبحون محلها النصب على الحال من الشمس والقمر ، وانما جعل الضمير واو العقلاء للوصف بفعل هو من خصائص العقلاء هو السباحة وتقدم نظيره في قوله «رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ».

الفوائد :

١ ـ بحث شيق في المفعول لأجله :

هذا بحث طريف أفرد له سيبويه فصلا خاصا في كتابه وهو بتعلق بالمفعول لأجله المؤول وهو هنا في قوله «وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ» قال ما خلاصته : هو من وادي قولهم : أعددت هذه الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه قال ومعناه «ان ادعم الحائط إذا مال» وانما قدم ذكر الميل اهتماما بشأنه ولأنه أيضا هو السبب في الإدغام ، وادعام سبب في إعداد الخشبة فعامل سبب السبب معاملة

٣٠٥

السبب وعليه حمل قوله تعالى «أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» كذلك ما نحن بصدده يكون الأصل وجعلنا في الأرض رواسي لأجل أن تثبتها إذا مادت بهم فجعل الميد هو السبب كما جعل الميل في المثل المذكور سببا وصار الكلام وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد فتثبتها ثم حذف فتثبتها لأمن الإلباس إيجازا واختصارا» وهذا لعمري أولى مما درجنا عليه في الاعراب لأن مقتضى ما ذكرناه وذكره أكثر المعربين والمفسرين يقتضي أن لا تميد الأرض بأهلها لأن الله كره ذلك ومكروه الله تعالى محال أن يقع كما أن مراده واجب أن يقع والمشاهد خلاف ذلك فكم من زلزلة مادت لها الأرض وكادت تقلب عاليها سافلها واما على تقرير سيبويه فالمراد أن الله تعالى يثبت الأرض بالجبال إذا مادت وهذا لا يأبى وقوع الميد ، وهذا بحث جليل قلّ من ينتبه له إلا بعد هذا التفصيل فتأمله تر السحر الحلال وان من البيان لسحرا.

٢ ـ ذهب سيبويه والجمهور الى القول بأن لفظي كل وبعض معرفتان بنية الاضافة ولذلك يأتي الحال منهما كقولهم مررت بكل قائما وببعض جالسا ، وأصل صاحب الحال التعريف وذهب الفارسي إلى أنهما نكرتان وألزم من قال بتعريفهما أن يقول إن نصفا وسدسا وثلثا وربعا ونحوها معارف لأنها في المعنى مضافات وهي نكرات بإجماع ، ورد بأن العرب تحذف المضاف وتريده وقد لا تريده ودلّ مجيء الحال بعد كل وبعض على إرادته ، بقي هنا سؤال واحد وهو لم أتى بصيغة الجمع وهما اثنان؟ والجواب ان الضمير عائد عليهما مع الليل والنهار وذلك لأن الليل والنهار يسبحان أيضا لأن الليل ظل الأرض وهو يدور على محيط كرة الأرض على حسب دوران الأرض وكذلك النهار يدور أيضا لأنه يخلف الليل في المحيط.

٣٠٦

(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠))

الاعراب :

(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) الجملة مستأنفة مسوقة لتقرير عدم خلود البشر جوابا لقولهم أن محمدا سيموت ، وما نافية وجعلنا فعل وفاعل ولبشر في محل نصب مفعول ثان ومن قبلك صفة لبشر والخلد مفعول جعلنا الاول والهمزة للاستفهام الانكاري والفاء عاطفة وإن شرطية ومت فعل ماض وفاعل وهو في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة وهم مبتدأ والخالدون خبر والجملة في محل جزم جواب الشرط وهي بنية التقديم لأن أصل الكلام أفهم

٣٠٧

الخالدون إن مت ، قال الفراء : جاء بالفاء لتدل على الشرط لأنه جواب قولهم سيموت قال ويجوز حذف الفاء واضمارها والمعنى إن مت فهم يموتون أيضا فلا شماتة في الموت. (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) كل مبتدأ ونفس مضاف اليه وذائقة الموت خبر والجملة مستأنفة مسوقة للتدليل على عدم الخلود فلا مجال للشماتة ورحم الله القائل :

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) الواو استئنافية أيضا ونبلوكم فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره نحن والكاف مفعول به وبالشر متعلقان بنبلوكم والخير عطف على الشر أي نختبركم بما يجب فيه الصبر وبما يجب فيه الشكر وفتنة مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه لأن الابتلاء فتنة فكأنه قيل نفتنكم فتنة ويجوز أن يعرب مفعولا من أجله أو نصبا على الحال من فاعل نبلوكم أي فاتنين لكم وإلينا متعلقان بترجعون وترجعون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة معطوفة على نبلوكم أو حالية. (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) لك أن تجعل الواو استئنافية فتكون الجملة مستأنفة مسوقة لتقرير موقفهم من النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأن تجعلها عاطفة فتكون الجملة معطوفة على قوله الآنف «وَأَسَرُّوا النَّجْوَى» وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة رآك مضاف لها الظرف وفاعل رآك الذين والكاف مفعول به وجملة كفروا صلة وإن نافية ويتخذونك فعل مضارع وفاعل ومفعول به وإن النافية وما في حيزها جواب إذا وسيأتي ذكر السبب في عدم اقتران الجواب بالفاء في باب الفوائد وإلا أداة حصر وهزوا مفعول به ثان اما على الوصف بالمصدر مبالغة

٣٠٨

وقد مرت له نظائر واما على حذف مضاف ، هذا ويجوز ان تكون ان النافية وما بعدها جملة معترضة فيكون الجواب قوله الآتي :(أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) الهمزة للاستفهام والاستفهام معناه السخرية والجملة اما جواب إذا كما تقدم وإما مقول قول محذوف أي يقول بعضهم لبعض على سبيل السخرية والهزء أهذا ، وهذا مبتدأ والذي خبره وجملة يذكر صلة وآلهتكم مفعول به والواو حالية وهم مبتدأ وبذكر متعلقان بكافرون والرحمن مضاف اليه وهم تأكيد لهم الأولى تأكيدا لفظيا وكافرون خبر هم والجملة حال إما من فاعل يتخذونك وإما من فاعل القول المقدر كما أسلفنا ومفعول يذكر محذوف وسيرد بحثه في باب البلاغة.

(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) الجملة مستأنفة مسوقة للرد على استعجالهم العذاب وخلق فعل ماض مبني للمجهول والإنسان نائب فاعل ومن عجل متعلقان بخلق أو بمحذوف حال وسيأتي معنى هذا التركيب في باب البلاغة وسأريكم السنين للاستقبال وأريكم فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره أنا والكاف مفعول به أول وآياتي مفعول به ثان والفاء عاطفة ولا ناهية وتستعجلون فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل والياء المحذوفة للرسم مفعول به وجملة سأريكم مستأنفة أيضا مسوقة لتأكيد العجلة وعاقبتها التي هي رؤية العذاب. (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لإيراد نمط من استعجالهم المذموم ويقولون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل ومتى اسم استفهام في محل نصب على الظرفية وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم وهذا مبتدأ مؤخر والوعد بدل وإن شرطية وكنتم كان

٣٠٩

واسمها في محل جزم فعل الشرط وصادقين خبر كنتم وجواب ان محذوف تقديره فعينوا موعده وخطابهم للنبي وأصحابه.

(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لو شرطية ويعلم فعل مضارع والذين فاعل وجملة كفروا صلة وحين يجوز أن يكون مفعول يعلم أي الوقت الذي يستعجلون فيه بقولهم متى هذا الوعد وهو وقت صعب ضنك تحيط بهم النار من كل مكان لما كانوا بتلك المثابة من الكفر فجواب لو محذوف وقد تقدمت الاشارة اليه كثيرا ويجوز أن يكون يعلم متروكا بلا تعدية بمعنى لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا متعجلين وحين منصوب بمضمر أي حين لا يكفوا عن وجوههم النار يعلمون أنهم كانوا على الباطل والأرجح ان مفعول يعلم محذوف لدلالة ما قبله عليه أي لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعود الذي سألوا عنه واستبطئوه وحين منصوب بالمفعول الذي هو مجيء وجملة لا يكفون مضافة الى الظرف وعن وجوههم متعلقان بيكفون والنار مفعول به ولا عن ظهورهم معطوفة ، والواو حرف عطف ولا نافية وهم مبتدأ وجملة ينصرون خبر وينصرون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل. (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) بل حرف إضراب وعطف وتأتيهم فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على النار وبغتة حال أتى مصدرا وقيل مفعول مطلق وسيأتي مزيد بحث عنه في باب الفوائد ، فتبهتهم عطف على تأتيهم فلا يستطيعون عطف أيضا وردها مفعول يستطيعون ولا هم ينظرون عطف أيضا وهم مبتدأ وجملة ينظرون خبر كما أنظروا وأمهلوا من قبل.

٣١٠

البلاغة :

١ ـ التذييل : في قوله تعالى : «وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ» فن طريف من فنون البلاغة أطلق عليه علماؤها اسم «التذييل» وعرفوه بأنه تذييل الكلام بعد تمامه وحسن السكوت عليه بجملة تحقق ما قبلها من الكلام وتزيده توكيدا وتخرجه مخرج المثل السائر ليشيع الكلام بعد دورانه على الألسنة فإن لم تكن الزيادة تفيد ذلك فلا يسمى تذييلا وبعضهم يسميه آنذاك تذييلا ولكنه يقول عنه أنه معيب وما أجدر المعيب أن ينتفى عن فنون البلاغة أو يندرج في سلكها وهو شائع في القرآن الكريم وستأتي أمثلة كثيرة منه ، أما في الآية التي نحن بصددها فإن المعنى مستوفى في الاخبار بأنه سبحانه لم يجعل لبشر قبل نبيه الخلد ثم ذيل ذلك الاخبار بما أخرجه مخرج تجاهل العارف وهو قوله «أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ» ثم ذيل هذا التذييل بما أخرجه مخرج المثل السائر حيث قال : «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ».

ومن أروع أمثلة التذييل في الشعر قول شاعر الخلود أبي الطيب :

تمسي الأماني صرعى دون مبلغه

فما يقول لشيء ليت ذلك لي

يقول أبو الطيب : لا تصل الأماني الى قلبه فتستميله ، ولا الى لسانه فتجري عليه لأنه لا يحتاج أن يتمنى شيئا إلا وله خير منه أو صار له ذلك الشيء فالأماني تقصر عن بلوغ قدره ، وتقصر عن جلالة أمره وتمسي صرعى دون إدراك مجده فما يتمنى في الرفعة أكثر مما

٣١١

قد بلغه ، ولم يزل سيف الدولة لهجا بهذا البيت معظما له ، مثنيا عليه ، مقرا له بأنه لا يلحق سبقا ولا يأتي أحد في بابه من المبالغة بمثل ما أتى به.

وقال ابن نباتة السعدي وأجاد :

لم يبق جودك لي شيئا أؤمله

تركتني أصحب الدنيا بلا أمل

لقد حقق له جميع آماله ومشتهياته فلم يعد لديه ما يؤمله وهبه صبا الى شيء فإنه واثق بحضوره فغدا بلا آمال.

٢ ـ الإيجاز بالحذف : وذلك في حذف مفعول يذكر في قوله تعالى :«أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ» والذكر يكون بالخير والشر فإذا دلت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيد كقولك للرجل : سمعت فلانا يذكرك فإن كان الذاكر صديقا فهو ثناء وإن كان عدوا فذم ومن جهة ثانية لم يقولوا : أهذا الذي يذكر آلهتكم بكل سوء لأنهم استفظعوا حكاية ما يقوله النبي من القدح في آلهتهم رميا بأنها لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر ورئبوا بها عن نقل ذمها تفصيلا وتصريحا فنقلوه إجمالا وتلميحا ، بل أومئوا اليه بالاشارة المذكورة كما يتحاشى المؤمن من حكاية كلمة الكفر وان كان قائلها غير كافر فيومىء إليها بلفظ يفهم المقصود بطريق التعريض فسبحان من أضلهم حتى تأدبوا مع الأوثان ، وأساءوا الأدب على الرحمن.

٣ ـ الاستعارة المكنية في قوله «خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» فقد شبه العجل الذي طبع عليه الشخص وصار له كالجبلة بأصل مادته وهي الطين ثم حذف المشبه به ورمز اليه بشيء من لوازمه وهو قوله «خلق» وقيل لا استعارة فيه وانما هو من باب القلب والأصل خلق العجل من

٣١٢

الإنسان لشدة صدوره عنه وملازمته له والقلب موجود كثيرا في كلامهم وقد تقدمت الإشارة اليه والأول أولى وأقعد بالبلاغة ومن بدع التفاسير ما قالوه من أن العجل هو الطين بلغة حمير وقال شاعرهم :

النبع في الصخرة الصماء منبته

والنخل ينبت بين الماء والعجل

يقول النبع وهو شجر تتخذ منه القسي في الصخرة الصماء الصلبة لا في غيرها منبته أي نباته والنخل ينبت في الأرض اللينة الريانة فهو بين الماء والعجل أي الطين وهذه لغه حمير كما قيل والظاهر أن الشطر الأول تمثيل للصعب البخيل والثاني للسهل الجواد أو الاول للشجاع والثاني للجبان لشدة الاول ورخاوة الثاني وعلى كل حال هذا المعنى غير وارد في الآية الكريمة لأن السياق يأباها فهم يستعجلون والله سبحانه ينعى عليهم عجلتهم.

وفي هذه الآية الاستعارة المكنية بقوله «ذائقة الموت» وليس الموت مما يذاق ولكنه شبههه بطعام غير مريء ولا مستساغ ولكنه لحتمية وقوعه وكونه أمرا لا بد منه أصبح بمثابة المريء المستساغ فلا مندوحة لنفس عن ذوقه وقد تقدمت نظائر لهذه الاستعارة.

الفوائد :

١ ـ جواب «إذا» :

تخالف «إذا» أدوات الشرط جيمعا ، فإن أدوات الشرط متى أجيبت بأن النافية أو بما النافية وجب الإتيان بالفاء كما في هذه الآية وكما في قوله تعالى أيضا : «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا».

٣١٣

٢ ـ مجيء المصدر حالا :

جاءت مصادر تعرب أحوالا بكثرة في النكرات كطلع زيد بغتة وجاء ركضا وقتلته صبرا وهو أن تحبسه حيا ثم يرمى حتى يقتل وذلك كله على كثرته مؤول بالوصف فيؤول بغتة بوصف من باغت لأنها بمعنى مفاجأة أي مباغتا ويؤول ركضا بوصف الفاعل من ركض أي راكضا ويؤول صبرا بوصف المفعول من صبر أي مصبورا محبوسا ومع كثرة وروده قال سيبويه : لا ينقاس مطلقا وقاسه بعضهم بما يمكن الرجوع اليه في المطولات.

ونعود الى بغتة فقد أكد بعضهم أنه يجوز جعلها مفعولا مطلقا وكذلك القول في الأمثلة المتقدمة إذ هي نوع من عاملها فهي كرجع القهقرى.

ويتحصل مما ذكره النحاة أن المصدر المنصوب فيه أقوال ثلاثة :

١ ـ مذهب سيبويه ان المصدر هو الحال وهو الأصل.

٢ ـ مذهب المبرد والأخفش انه مفعول مطلق غير منصوب بالعامل قبله وانما هو منصوب بالعامل المحذوف من لفظه وذلك المحذوف هو الحال وهو قول جميل كما ترى.

٣ ـ مذهب الكوفيين انه مفعول مطلق منصوب بالعامل قبله وليس في موضع الحال.

٣١٤

ومما يرد في هذا المجال اعراب «أسفا» من قول أبي الطيب :

أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني

وفرق الهجر بين الجفن والوسن

روح تردّد في مثل الخلال إذا

أطارت الريح عنه الثوب لم يبن

كفى بجسمي نحولا إنني رجل

لو لا مخاطبتي إياك لم ترني

فالحال هنا غير واردة لأن المعنى يأباها والمفعول لأجله لا يصح لاختلاف الفاعل فلم يبق إلا المفعولية المطلقة والتقدير أسفت أسفا ودل على فعله ما تقدمه لأن إبلاء الهوى بدنه يدل على أسفه كأنه قال أسفت أسفا ، وتعسف ابن هشام فحاول أن يبرر نصبه على أنه مفعول لأجله فقال : فمن لم يشترط اتحاد الفاعل فلا إشكال (والقائل بهذا هو ابن خروف) واما من اشترطه فهو على إسقاط لام العلة توسعا كما في قوله «يَبْغُونَها عِوَجاً» (أي يبغون لها عوجا) أو الاتحاد موجود تقديرا إما على أن الفعل المعلل مطاوع أبلى محذوفا أي فبليت أسفا ولا تقدر فبلي بدني لأن الاختلاف حاصل إذ الأسف فعل النفس لا البدن أو لأن الهوى لما حصل بتسببه كأنه قال أبليت بالهوى بدني ولا طائل تحت هذه التأويلات المتعسفة.

٣١٥

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧))

اللغة :

(يَكْلَؤُكُمْ) : في المصباح : «كلأه الله يكلؤه مهموز بفتحتين من باب قطع كلاءة بالكسر والمد حفظه ويجوز التخفيف فيقال كليته أكلاه وكلئته أكلؤه من باب تعب لغة لقريش لكنهم قالوا : مكلوّ بالواو

٣١٦

أكثر من مكليّ بالياء» وفي القاموس : «كلأ يكلأ بالفتح كلئا وكلاءة وكلاء بكسر الكاف الله فلانا حرسه وحفظه وكلأه بالسوط ضربه به وكلأ بصره في الشيء ردّده فيه وكلأ النجم متى يطلع : رعاه» وفي الأساس : «الله يكلؤك ، وتداركه الله بكلاءته واكتلأت منه : احترست قال كعب بن زهير :

أنخت قلوصي واكتلأت بعينها

وآمرت نفسي أيّ أمري أفعل

أي احترست بعينها لأنها إذا رأت شيئا ذعرت ، وكلأ دينه كلوءا : تأخر فهو كالىء ونهي عن «بيع الكالئ بالكالئ» وكلّأته أنا تكلئة واستكلأت كلأة وتكلأت : استلفت سلفا وتقول : «إن الكلى تذيب شحم الكلى» جمع كلأة».

(خَرْدَلٍ) : الخردل : نبات له حبّ صغير جدا أسود مقرح والواحدة خردلة ويقال خردل الطعام : أكل خياره وخردل اللحم قطع أعضاءه والخرادل القطع من اللحم.

الاعراب :

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم ومواساته واللام جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق واستهزئ فعل ماض مبني للمجهول وبرسل قام مقام نائب الفاعل ومن قبلك نعت لرسل.

(فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) الفاء عاطفة وحاق فعل ماض وبالذين متعلقان بحاق وجملة سخروا لا محل لها لأنها صلة

٣١٧

الموصول ومنهم حال من فاعل سخروا وما فاعل حاق وجملة كانوا صلة الموصول وكان واسمها وبه متعلقان بقوله يستهزئون ويستهزئون جملة فعلية في محل نصب خبر كانوا. (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) من اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وجملة يكلؤكم خبر والجملة مقول القول وبالليل متعلقان ييكلؤكم والنهار عطف على الليل ومن الرحمن أي من عذابه وأمره وهما متعلقان بيكلؤكم. (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) بل حرف إضراب وهم مبتدأ وعن ذكر ربهم متعلقان بمعرضون ، ومعرضون خبر هم وهو إضراب عما تضمنه الكلام من النفي والتقدير ليس لهم كالىء ولا مانع غير الرحمن مع انهم لا يخطرونه في بالهم فضلا عن أن يخافوا بأسه وعذابه. (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) أم حرف عطف وإضراب فهي بمعنى بل ولهم خبر مقدم وآلهة مبتدأ مؤخر وهمزة الاستفهام مقدرة والتقدير ألهم آلهة تمنعهم وجملة تمنعهم صفة لآلهة ومن دوننا صفة لآلهة أيضا.

(لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) جملة مستأنفة مسوقة لتقرير أن من ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره وينصره ولا نافية ويستطيعون فعل مضارع وفاعل ونصر أنفسهم مفعول به ولا الواو عاطفة ولا نافية وهم مبتدأ ومنا متعلقان بيصحبون ويصحبون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وجملة يصحبون خبرهم ، تقول العرب أنا لك صاحب من فلان أي مجير لك منه وتقول أيضا : صحبك الله أي حفظك وأجارك. (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) بل حرف إضراب انتقالي ومتعنا فعل وفاعل وهؤلاء اسم اشارة مبني على الكسر في محل نصب مفعول به وآباءهم عطف على هؤلاء وحتى حرف غاية وجر وطال فعل ماض وعليهم متعلقان بطال والعمر فاعل طال.

٣١٨

(أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) الهمزة للاستفهام الانكاري والفاء عاطفة على مقدر وقد تكرر هذا التعبير حتى لم يعد ثمة موجب لإعادته ولا نافية ويرون فعل مضارع مرفوع والواو فاعل وان وما في حيزها سدت مسد مفعولي يرون لأن الرؤية هنا علمية ويجوز أن تكون بصرية وان واسمها وجملة نأتي الأرض خبرها وجملة ننقصها من أطرافها حالية من فاعل نأتي أو من مفعوله أي نفتحها أرضا بعد أرض بما ينقص من أطراف المشركين ويزيد في أطراف المؤمنين وقد تقدم بسط هذا مفصلا في سورة الرعد فجدد به عهدا وسيأتي السر في اسناد الفعل الى نفسه في باب البلاغة وقوله أفهم الهمزة للاستفهام الانكاري التقريعي والفاء عاطفة على مقدر وهم مبتدأ والغالبون خبر (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) إنما كافة ومكفوفة وأنذركم فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنا والكاف مفعول به وبالوحي متعلقان بأنذركم ولا يسمع الواو عاطفة ويجوز أن تكون حالية ولا نافية ويسمع الصم الدعاء فعل مضارع وفاعل ومفعول به وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وهي لمجرد الظرفية متعلقة بيسمع أي وقت إنذارهم ، وما زائدة وينذرون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل وجملة ينذرون في محل جر باضافة الظرف إليها وسيأتي تفصيل لهذه الآية في باب البلاغة.

(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وإن شرطية ومستهم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والهاء مفعول به ونفحة فاعل والمراد بالنفحة القليل مأخوذ من نفح المسك قاله ابن كيسان ومنه قول النعمان بن بشير :

وعمرة من سروات النسا

ء تنفح بالمسك أردانها

٣١٩

وقال المبرد : النفحة الدفعة من الشيء التي دون معظمه يقال نفحه نفحة بالسيف إذا ضربه ضربة خفيفة ، وقيل : هي النصيب ، وقيل هي الطرف والمعنى متقارب أي ولئن مسهم أقل شيء من العذاب ، ومن عذاب ربك صفة لنفحة ، ليقولن اللام واقعة في جواب القسم لأنه سبق ويقولنّ فعل مضارع مرفوع بثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل والنون للتوكيد ويا ويلنا إما نداء للويل ليحضر فهذا أوانه واما ان يا للتنبيه وويلنا مفعول مطلق لفعل محذوف وإنا إن واسمها وجملة كنا خبرها ونا اسم كان وظالمين خبرها. (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) جملة مستأنفة مسوقة لبيان ما سيقع عند إتيان ما أنذروه ونضع فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن والموازين مفعول به والقسط وصف الموازين وقد وصفت بنفس المصدر مبالغة من قسط إذا عدل وليوم القيامة متعلق بنضع واللام بمعنى «في» كقولهم مضى لسبيله وقيل يمعنى عند قال الزمخشري : «مثلها في قولك جئته لخمس خلون من الشهر ومنه بيت النابغة :

توسمت آيات لها فعرفتها

لستة أعوام وذا العام سابع

ومعناه تتبعت رسومها وآثارها فعرفتها أي في تلك المواضع المذكورة في البيت قبله وقوله لستة أعوام أي تمام ستة أعوام مضت من عهدها وهذا العام الحاضر الذي نحن فيه هو السابع ولو قال لسبعة أعوام لأفاد أن السبعة كلها مضت وليس مرادا فقول بعضهم انه كان يكفيه أن يقول لسبعة أعوام فعجز عن إتمامه وكمله بما لا معنى له ولا وجه إلا عدم التبصر. فلا الفاء عاطفة وتظلم فعل مضارع مبني للمجهول ونفس نائب فاعل وشيئا مفعول مطلق أو مفعول ثان لتظلم.

٣٢٠