شرح ألفيّة ابن مالك

ابن ناظم

شرح ألفيّة ابن مالك

المؤلف:

ابن ناظم


الموضوع : اللغة والبلاغة
المطبعة: مطبعة القديس جاورجيوس
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٥

واستثن مجرورا بغير معربا

بما لمستثنى بإلّا نسبا

استعمل بمعنى الّا كلمات فاستثني بها كما يستثنى بالّا وهي غير وسوى وسواء وليس ولا يكون وحاشا وخلا وعدا فاما غير فاسم ملازم للاضافة والاصل فيها ان تكون صفة دالة على مخالفة صاحبها لحقيقة ما اضيفت اليه وتضمن معنى الّا وعلامة ذلك صلاحية الّا مكانها فيجز المستثنى بها وتعرب هي بما يستحقه المستثنى بالّا من نصب لازم او نصب مرجح عليه الاتباع او نصب مرجح على الاتباع او تأثر بعامل مفرغ تقول جاءني القوم غير زيد بنصب لازم وما جاءني احد غير زيد بنصب مرجح عليه الاتباع وما لزيد علم غير ظن بنصب مرجح على الاتباع وما جاءني غير زيد بايجاب التأثر بالعامل المفرغ فتفعل بغير ما كنت تفعل بالواقع بعد الّا وليس بينهما من الفرق الّا ان نصب ما بعد الّا في غير الاتباع والتفريغ نصب بالّا على الاستثناء ونصب غير هناك بالعامل الذي قبلها على انها حال تؤدي معنى الاستثنآء

ولسوى سوى سوآء اجعلا

على الأصحّ ما لغير جعلا

سوى وسواء لغتان في سوى وهي مثل غير معنى واستعمالا فيستثنى بها متصل نحو قاموا سوى زيد ومنقطع كقول الشاعر

لم ألف في الدار ذا نطق سوى طلل

قد كاد يعفو وما بالعهد من قدم

ويوصف بها كقول الآخر

اصابهم بلاء كان فيهم

سوى ما قد اصاب بني النضير

وتقبل اثر العوامل المفرغة كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. دعوت ربي أن لا يسلط على امتي عدوّا من سوى انفسهم. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ما انتم في سواكم من الامم الا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود او كالشعرة السوداء في جلد الثور الابيض.

وكقول بعضهم حكاه الفراء اتاني سواك وقول الشاعر

ولم يبق سوى العدوا

ن دناهم كما دانوا

وقول الآخر

واذا تباع كريمة او تشترى

فسواك بائعها وانت المشتري

وقول الآخر

ذكرك الله عند ذكر سواه

صارف عن فوادك الغفلات

١٢١

وجعل سيبويه سوى ظرفا غير متصرف فقال في باب ما يحتمل تصرفه للشعر وجعلوا ما لا يجري في الكلام الا ظرفا بمنزلة غيره من الاسماء وذلك قول المراد العجلي

ولا ينطق الفحشاء من كان منهم

اذا جلسوا منا ولا من سوائنا

فهذا نص منه على ان سوى ظرف ولا تفارقها الظرفية الا في الضرورة ولا شك ان سوى تستعمل ظرفا على المجاز فيقال رأيت الذي سواك كما يقال رأيت الذي مكانك ولكن هذا الاستعمال لا يلزمها بل تفارقه وتستعمل استعمال غير كما انبأت عنه الشواهد المذكورة فليس الامر في سوى كما قال سيبويه فلذلك جعل الشيخ رحمه‌الله خلافه هو الاصح

واستثن ناصبا بليس وخلا

وبعدا وبيكون بعد لا

واجرر بسابقي بيكون إن ترد

وبعد ما انصب وانجرار قد يرد

وحيث جرّا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان

وكخلا حاشا ولا تصحب ما

وقيل حاش وحشى فاحفظهما

من ادوات الاستثناء ليس ولا يكون وهما الرافعان الاسم الناصبان الخبر فلهذا يجب نصب ما استثني بهما لانه الخبر واما اسمهما فالتزم اضماره لانه لو ظهر لفصلهما من المستثنى وجهل قصد الاستثناء تقول قاموا ليس زيدا وكما في الحديث يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب والمعنى الّا الخيانة والكذب والتقدير ليس بعض خلفه الخيانة والكذب ثم اضمر البعض لدلالة كل عليه كما في قوله تعالى. (فَإِنْ كُنَّ نِساءً.) بعد قوله.

(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ.) والتزم حذفه للدلالة على الاستثناء وتقول قاموا لا يكون زيدا وهو مثل قاموا ليس زيدا في ان معناه الا زيدا وتقديره قاموا لا يكون بعضهم زيدا ومن ادوات الاستثناء خلا وعدا وحاشا فاما خلا وعدا فينصب ما بعدهما ويجرّ تقول قام القوم خلا زيدا وعدا عمرا بالنصب وان شئت جررت فقلت قام القوم خلا زيد وعدا عمرو فالجرّ على انهما حرفان مختصان بالاسماء وغير منزلين منها منزلة الجزء فعملا فيها الجرّ وحسن فيهما ذلك وان لم يعدّيا ما قبلهما الى ما بعدهما لقصد الدلالة به على الحرفية واما النصب فعلى انهما فعلان ماضيان غير متصرفين لوقوعهما موقع الحرف والمستثنى بعدهما مفعول به وضمير ما سواه من المستثنى منه هو الفاعل

١٢٢

فاذا قلت قاموا خلا زيدا فالتقدير قاموا جاوز غير زيد منهم زيدا وكذا اذا قلت قاموا عدا عمرا وتدخل ما على عدا وخلا نحو قاموا ما عدا زيدا وما خلا عمرا فيجب نصب ما بعدهما بناء على ان ما مصدرية فيجب فيما بعدها ان يكون فعلا ناصبا للمستثنى لان ما المصدرية لا يليها حرف جرّ وانما توصل بجملة فعلية وقد توصل بجملة اسمية فان قلت اذا كانت ما مصدرية فهي وما عملت فيه في تأويل المصدر فما موضعه من الاعراب قلت نصب اما على الحال على معنى قاموا مجاورا غير زيد منهم زيدا واما على الظرفية على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه على معنى قاموا مدة مجاوزتهم زيدا وروى الجرمي عن بعض العرب جرّ ما استثني بما عدا وما خلا والى ذلك الاشارة بقوله وانجرار قد يرد والوجه فيه ان يجعل ما زائدة وعدا وخلا حرفي جرّ وفيه شذوذ لان ما اذا زيدت مع حرف جرّ لا تتقدم عليه بل تتأخر عنه نحو قوله تعالى. (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ.) وعما قليل. واما حاشا فمثل خلا الا في دخول ما عليها فيستثنى بها مجرور نحو قاموا حاشا زيد ومنصوب نحو قاموا حاشا زيدا فالجرّ على انها حرف والنصب على انها فعل غير متصرف والمستثنى مفعوله وضمير ما سواه الفاعل كما في النصب بعد خلا ولا فرق بينهما الا ان خلا تدخل عليها ما وحاشا لا تدخل عليها ما فلا يقال قاموا ما حاشا زيدا الا ما ندر كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. اسامة احب الناس اليّ ما حاشا فاطمة. ويقال في حاشا حاش كثيرا وحشى قليلا والتزم سيبويه حرفية حاشا وفعلية عدا ولم يتابع عليه لانه قد ثبت بالنقل الصحيح النصب بعد حاشا والجرّ بعد عدا فوجب ان يكونا بمنزلة خلا حكى ابو عمرو الشيباني اللهمّ اغفرلي ولمن يسمع حاشا الشيطان وابا الاصبغ وقال المرزوقي في قول الشاعر

حاشا ابي ثوبان انّ ابا

ثوبان ليس ببكمة فدم

رواه الضبي حاشا ابا ثوبان بالنصب وانشدوا في حرفية عدا والجرّ بها

تركنا في الحضيض بنات عوج

عواكف قد خضعن الى النسور

ابحنا حيهم قتلا واسرا

عدا الشمطاء والطفل الصغير

(الحال)

ألحال وصف فضلة منتصب

مفهم في حال كفردا أذهب

١٢٣

وكونه منتقلا مشتقّا

يغلب لكن ليس مستحقّا

الحال هو الوصف المذكور فضلة لبيان هيئة ما هو له فالوصف جنس يشمل الحال المشتقة نحو جاء زيد راكبا والحال المؤلة بالمشتق كقوله تعالى. (فَانْفِرُوا ثُباتٍ.)

ومخرج نحو القهقرى من قولك رجعت القهقرى والمذكور فضلة يخرج الخبر من نحو زيد قائم وعمرو قاعد ولبيان هيئة ما هو له يخرج التميز من نحو لله دره فارسا والنعت من نحو مررت برجل راكب فان التميز في ذلك او النعت في ذا ليس واحد منهما مذكورا لقصد بيان الهيئة بل التميز مذكور لبيان جنس المتعجب منه والنعت مذكور لتخصيص الفاعل ووقع بيان الهيئة بهما ضمنا وقوله الحال وصف فضلة منتصب مفهم في حال اي في حال كذا فيه مع ادخال حكم في الحد بقوله منتصب انه حد غير مانع لانه يشمل النعت ألا ترى ان قولك مررت برجل راكب في معنى مررت برجل في حال ركوبه كما ان قولك جاء زيد ضاحكا في معنى جاء زيد في حال ضحكه فلاجل ذلك عدلت عن هذه العبارة الى قولي المذكور فضلة لبيان هيئة ما هو له وحق الحال النصب لانها فضلة والنصب اعراب الفضلات والغالب في الحال ان تكون منتقلة مشتقة اي وصفا غير ثابت مأخوذا من فعل مستعمل وقد تكون وصفا ثابتا وقد تكون جامدة فتكون وصفا ثابتا اذا كانت مؤكدة نحو قوله تعالى. (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً.) وزيد ابوك عطوفا او كان عاملها دالّا على تجدد صاحبها كقولهم خلق الله الزرافة يديها اطول من رجليها ومنه قوله تعالى. (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً). وقوله تعالى.

(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً). وقوله تعالى. (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا.) واذا لم يكن كذلك فلا بد من كونها منتقلة لا تقول جاء زيد طويلا ولا جاء زيد ابيض ولا ما اشبه ذلك لانه بعيد عن الافادة وتكون الحال جامدة اذا كانت في تأويل المشتق كقوله تعالى. (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ.) وقوله تعالى. (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.)

وقوله تعالى. (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً.) وقولهم هذا خاتمك حديدا او هذه جبتك خزّا والاكثر في كلامهم ان تكون الحال مشتقة لانه لا بد ان تدل على حدث وصاحبه والّا لم تفد بيان هيئة ما هي له والاكثر فيما يدل على حدث وصاحبه ان يكون مشتقا نحو ضارب وعالم وكريم وقد يكون جامدا في تأويل المشتق كقولهم مررت بقاع عرفج اي خشن وبناقة علاة اي قوية وكقول الشاعر

فلو لا الله والمهر المفدى

لرحت وانت غربال الاهاب

١٢٤

اي ممزق الجلد فلما كان مجيء الوصف مشتقا اكثر من مجيئه جامدا كان مجيء الحال مشتقة اكثر من مجيئها جامدة وقد كثر جمودها في مواضع فنبه عليها بقوله.

ويكثر الجمود في سعر وفي

مبدي تأوّل بلا تكلّف

كبعه مدّا بكذا يدا بيد

وكرّ زيد أسدا أي كأسد

اكثر ما يكون الجامد حالا اذا كان مؤلا بالمشتق تأويلا غير متكلف كما اذا كان موصوفا كقوله تعالى. (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا.) او كان دالّا اما على سعر نحو بعت الشاء شاة بدرهم وبعت البرّ قفيزا بدرهم واما على مفاعلة نحو كلمته فاه الى فيّ وبايعته يدا بيد كأنك قلت كلمته مشافها وبايعته مناجزا واما على تشبيه نحو كرّ زيد اسدا اي كر مثل اسد ومنه قولهم وقع المصطرعان عدلي عير وقول الشاعر

أفي السلم اعيارا جفاء وغلظة

وفي الحرب امثال النساء العوارك

وقول الآخر

مشق الهواجر لحمهنّ مع السرى

حتى ذهبن كلاكلا وصدورا

واما على غير ذلك كما اذا دل على ترتيب نحو ادخلوا رجلا رجلا وتعلمت الحساب بابا بابا او على اصالة الشيء كقوله تعالى. (قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً.) ونحوه هذا خاتمك حديدا او على فرعيته نحو هذا حديدك خاتما او على نوعه نحو هذا مالك ذهبا او على كون واقع فيه تفضيل نحو هذا بسرا اطيب منه رطا

والحال إن عرّف لفظا فاعتقد

تنكيره معنى كوحدك اجتهد

لما كان الغرض من الحال انما هو بيان هيئة الفاعل والمفعول او الخبر كما في نحو جاء زيد راكبا وضربت اللص مكتوفا. وهو الحق مصدقا. وكان ذلك البيان حاصلا بالنكرة التزموا تنكير الحال احترازا عن العبث والزيادة لا لغرض وايضا فان الحال ملازم للفضلية فاستثقل واستحق التخفيف بلزوم التنكير فان غيره من الفضلات الّا التمييز يفارق الفضلية ويقوم مقام الفاعل كقولك في ضربت زيدا ضرب زيد وفي اعتكفت يوم الجمعة اعتكف يوم الجمعة وفي سرت سيرا طويلا سير سير طويل وفي قمت اجلالا لك قيم لاجلالك فلصلاحية ما سوى الحال والتمييز من الفضلات لصيرورته عمدة جاز تعريفه بخلاف الحال والتمييز وقد يجيء الحال معرّفا بالالف واللام او بالاضافة فيحكم بشذوذه وتأوله بنكرة فمن المعرف بالالف واللام قولهم ادخلوا

١٢٥

الاول فالاول اي مرتبين وجاءوا الجماء الغفير اي جميعا وارسلها العراك اي معتركة وقرأ بعضهم قوله تعالى. لنخرجن الاعز منها الاذل. ومن المعرف بالاضافة قولهم جلس زيد وحده اي منفردا ومثله رجع عوده على بدئه وفعل ذلك جهده وطاقته وجاءوا قضهم بقضيضهم وتفرقوا ايدي سبا المعنى رجع عائدا وفعل جاهدا وجاءوا جميعا وتفرقوا متبددين تبددا لا بقاء معه ومن هذا القبيل قول اهل الحجاز جاءوا ثلاثتهم والنساء ثلاثهنّ الى عشرتهم وعشرهنّ النصب عند الحجازيين على تقدير جميعا ورفعه التميميون توكيدا على تقدير جميعهم وجميعهنّ

ومصدر منكّر حالا يقع

بكثرة كبغتة زيد طلع

الحال وصاحبها خبر ومخبر عنه في المعنى فحق الحال ان تدل على ما يدل عليه نفس صاحبها كالخبر بالنسبة الى المبتدأ ومقتضى هذا ان لا يكون المصدر حالا لئلا يلزم الاخبار بمعنى عن عين فان ورد شيء من ذلك حفظ ولم يقس عليه الّا فيما اذكره لك فمن ورود المصدر حالا قولهم طلع زيد علينا بغتة وقتلته صبرا ولقيته فجاءة وكلمته شفاها واتيته ركضا ومشيا وذهب الاخفش والمبرد الى ان المصادر الواقعة موقع الاحوال مفعولات مطلقة العامل في كل منها فعل محذوف هو الحال وليس بمرضي لانه لا يجوز الحذف الّا لدليل ولا يخلو اما ان يكون لفظ المصدر المنصوب او عامله فان كان لفظ المصدر فينبغي ان يجوز ذلك في كل مصدر له فعل ولا يقتصر على السماع ولا يمكن ان يكون عامل المصدر لان القتل لا يشعر بالصبر ولا اللقاء بالفجاءة ولا الاتيان بالركض وقد اطرد ورود المصدر حالا في اشياء منها قولهم انت الرجل علما وادبا ونبلا اي الكامل في حال علم وادب ونبل ومنها قولهم زيد زهير شعرا وحاتم جودا والاحنف حلما اي مثل زهير في حال شعر ومثل حاتم في حال جود ومثل الاحنف في حال حلم ومنها قولهم اما علما فعالم والاصل في هذا ان رجلا وصف عنده رجل بعلم وغيره فقال للواصف اما علما فعالم يريد مهما يذكر انسان في حال علم فالذي ذكرت عالم كأنه منكر ما وصفه به من غير العلم فصاحب الحال على هذا التقدير المرفوع بفعل الشرط المحذوف وهو ناصب الحال ويجوز ان يكون ناصبه ما بعد الفاء والحال على هذا مؤكدة والتقدير مهما يكن من شيء فالمذكور عالم في حال علم وبنو تميم يلتزمون رفع المصدر بعد اما اذا كان مرفة ويجيزون رفعه ونصبه اذا كان نكرة والحجازيون يجيزون نصب المعرف ورفعه ويلتزمون نصب المنكر وسيبويه

١٢٦

يجعل المنصوب المعرف مفعولا له والاخفش يجعل المنصوب مصدرا مؤكدا في التعريف والتنكير ويجعل العامل فيه ما بعد الفاء والتقدير مهما يكن من شيء فالمذكور عالم علما ولم يطرد مجيء المصدر حالا في غير ما ذكر ورواه المبرد مطردا فيما هو نوع من العامل نحو اتيته سرعة وقوله ومصدر منكر حالا يقع بكثرة فيه تنبيه على وقوع المصدر المعرفة حالا بقلة كقولهم ارسلها العراك وهو على التأويل بمعتركة كما تقدم

ولم ينكّر غالبا ذو الحال إن

لم يتأخّر أو يخصّص أو يبن

من بعد نفي أو مضاهيه كلا

يبغ امروء على امرىء مستسهلا

قد تقدم ان الحال وصاحبها خبر ومخبر عنه في المعنى فأصل صاحبها ان يكون معرفة كما ان اصل المبتدأ ان يكون معرفة وكما جاز ان يبتدأ بالنكرة بشرط وضوح المعنى وامن اللبس كذلك يكون صاحب الحال نكرة بشرط وضوح المعنى وأمن اللبس ولا يكون ذلك غالبا الّا بمسوغ فمن المسوغات تقدم الحال عليه كقولك هذا قائما رجل ونحوه انشاد سيبويه

وفي الجسم مني بينا لو علمته

شحوب وان تستشهد العين تشهد

ومنها ان يتخصص اما بوصف كقوله تعالى. (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا.)

وكقول الشاعر

نجيت يا رب نوحا واستجبت له

في فلك ماخر في اليمّ مشحونا

واما باضافة كقوله تعالى. (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ.) ومنها ان يتقدم قبل صاحب الحال نفي او نهي او استفهام والى ذلك الاشارة بقوله او بين اي يظهر من بعد نفي او كنفي فمثال تقدم النفي قولك ما اتاني احد الا راكبا ونحوه قوله تعالى. (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ.) ومثال تقدم النهي قولك لا يبغ امروء على امرىء مستسهلا ونحوه قول الطرماح

لا يركنن احد الى الإحجام

يوم الوغى متخوفا لحمام

ومثال تقدم الاستفهام قولك أجاءك رجل راكبا قال الشاعر

يا صاح هل حم عيش باقيا فترى

لنفسك العذر في ابعادها الأملا

وقوله ولم ينكر غالبا ذو الحال احترز بغالبا من مجيء صاحب الحال نكرة بدون شيء من المسوغات المذكورة كقولهم مررت بماء فعدة رجل وعليه مائة بيضا حكى ذلك

١٢٧

سيبويه واجاز فيها رجل قائما وجاء في الحديث فصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعدا وصلى وراءه رجال قياما

وسبق حال ما بحرف جرّ قد

أبوا ولا أمنعه فقد ورد

الاصل تأخير الحال عن صاحبها ويجوز تقديمها عليه نحو جاء مسرعا زيد كما يجوز تقدم الخبر على المبتدأ وقد يعرض ما يوجب هذا التقديم او يمنع منه فيوجب تقديم الحال على صاحبها اسباب منها كون صاحبها مقرونا بالّا او ما في معناها نحو ما قام مسرعا الّا زيد وانما قام مسرعا زيد ومنها اضافة صاحبها الى ضمير ما لابس الحال نحو جاء زائرا هندا اخوها وانطلق منقادا لعمرو صاحبه ويمنع من تقديم الحال على صاحبها اسباب منها اقتران الحال بالّا لفظا او معنى نحو ما قام زيد الّا مسرعا وانما قام زيد مسرعا ومنها ان يكون صاحبها مجرورا بالاضافة نحو عرفت قيام زيد مسرعا وهذا شارب السويق ملتوتا لا يجوز في نحو هذا تقديم الحال على صاحبها واقعة بعد المضاف لئلّا يلزم الفصل بين المضاف والمضاف اليه ولا قبله لان نسبة المضاف اليه من المضاف كنسبة الصلة من الموصول فكما لا يتقدم ما يتعلق بالصلة على الموصول كذلك لا يتقدم ما يتعلق بالمضاف اليه على المضاف ومنها ان يكون صاحب الحال مجرورا بحرف جرّ نحو مررت بهند جالسة قال اكثر النحويين لا يجوز مررت جالسة بهند والى ذلك الاشارة بقوله وسبق حال ما بحرف جرّ قد ابوا وعللوا منع ذلك بأن تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبه فحقه اذا تعدى لصاحبه بواسطة ان يتعدى اليه بتلك الواسطة لكن منع من ذلك ان الفعل لا يتعدى بحرف واحد الى شيئين فجعلوا عوضا عن الاشتراك في الواسطة التزام التأخير ومنهم من علله بالحمل على حال المجرور بالاضافة ومنهم من علله بالحمل على حال عمل فيه حرف جرّ متضمن استقرارا نحو زيد في الدار متكئا وخالفهم الشيخ رحمه‌الله في هذه المسئلة واجاز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف كما هو مذهب ابي علي وابن كيسان حكاه عنهما ابن برهان والحجة في ذلك قول الشاعر

فان تك اذواد اصبن ونسوة

فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال

اراد فلن يذهبوا بدم حبال فرغا وحبال اسم رجل ومثل ذلك قول الشاعر

لئن كان برد الماء هيمان ضاديا

اليّ حبيبا انها لحبيب

أراد لئن كان برد الماء حبيبا اليّ هيمان صاديا وقول الآخر

١٢٨

تسليت طرّا عنكم بعد بينكم

بذكزاكم حتى كأنكم عندي

وقول الآخر

غافلا تعرض المنيّة للمر

ء فيدعى ولات حين إباء

وقول الآخر

مشغوفة بك قد شغفت وانما

حمّ الفراق فما اليك سبيل

ولا تجز حالا من المضاف له

إلّا إذا اقتضى المضاف عمله

أو كان جزء ما له أضيفا

أو مثل جزئه فلا تحيفا

العامل في الحال هو العامل في صاحبها حقيقة كما في نحو جاء زيد راكبا او حكما كما في نحو هذا زيد قائما فان قائما حال من زيد والعامل فيها ما في هذا من معنى اشير وليس بعامل في زيد حقيقة بل حكما ألا ترى ان قولك هذا زيد قائما في معنى قولك اشير اليه في حال قيامه ولا يجوز ان يكون العامل في الحال غير العامل في صاحبها حقيقة او حكما البتة واذا عرفت هذا ظهر لك انه لا يجوز ان يكون الحال من المضاف اليه الّا اذا كان المضاف عاملا في الحال او جزء ما اضيف اليه او مثل جزئه فان لم يكن شيئا من ذلك امتنع مجيء الحال من المضاف اليه لا تقول جاء غلام هند جالسة لان الحال لا بد لها من عامل فيها وليس في الكلام الا الفعل والمضاف ولا يصح في واحد منهما ان يكون عاملا في الحال اما المضاف فلأنه لو كان عاملا فيها للزم كون المعنى جاء غلام استقر وحصل لهند جالسة وليس بمراد قطعا واما الفعل فلأنه لو كان عاملا فيها للزم كون العامل في الحال غير العامل في صاحبها حقيقة وحكما وانه محال فلو صح كون المضاف عاملا في الحال بان كان فيه معنى الفعل كما في نحو عرفت قيام زيد مسرعا جازت المسئلة اذ لا محذور قال الله تعالى. (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً.) وقال الشاعر

تقول ابنتي ان انطلاقك واحدا

الى الروع يوما تاركي لا أباليا

وكذلك لو كان المضاف جزء ما اضيف اليه كقوله تعالى. (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً.) او مثل جزئه في صحة الاستغناء عنه بالمضاف اليه كقوله تعالى. (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.) وانما جاز مجيء الحال من المضاف اليه اذا كان المضاف جزءه او كجزئه لانه اذا كان كذلك يصح في العامل في المضاف ان يعمل في الحال لانه عامل في صاحبها

١٢٩

حكما بدليل صحة الاستغناء به عن المضاف ألا ترى انه لو قيل في الكلام ونزعنا ما فيهم من غلّ اخوانا واتبعوا ابراهيم حنيفا لكان سائغا حسنا بخلاف الذي يضاف اليه ما ليس جزءا ولا كجزء مما ليس بمعنى الفعل فانه لا سبيل الى جعله صاحب حال بلا خلاف

والحال إن ينصب بفعل صرّفا

أو صفة أشبهت المصرّفا

فجائز تقديمه كمسرعا

ذا راحل ومخلصا زيد دعا

وعامل ضمّن معنى الفعل لا

حروفه مؤخّرا لن يعملا

كتلك ليت وكأنّ وندر

نحو سعيد مستقرّا في هجر

ونحو زيد مفردا أنفع من

عمرو معانا مستجاز لن يهن

يجوز تقديم الحال على عاملها اذا كان فعلا متصرفا كقوله مخلصا زيد دعا ومثله قولهم شتّى تؤب الحلبة واذا كان صفة تشبه الفعل المتصرف بتضمن معناه وحروفه وقبول علامات الفرعية مطلقا فهو في قوة الفعل ويستوي في ذلك اسم الفاعل كقوله مسرعا ذا راحل واسم المفعول والصفة المشبهة باسم الفاعل كقول الشاعر

لهنّك سح ذا يسار ومعدما

كما قد الفت الحلم مرضى ومغضبا

فلو قيل في الكلام انك ذا يسار ومعدما سمح لجاز لان سمحا عامل قوي بالنسبة الى افعل التفضيل لتضمنه حروف الفعل ومعناه مع قبوله لعلامة التأنيث والتثنية والجمع وافعل التفضيل متضمن حروف الفعل ومعناه ولا يقبل علامات الفرعية مطلقا فضعف وانحط درجة عن اسم الفاعل والصفة المشبهة به فجعل موافقا للجوامد غالبا كما سيأتي ذكره وقوله فجائز تقديمه يعني ان لم يمنع مانع ولكنه طوى ذكره اعتمادا على قرينة ما تقدم من نظائره فمن موانع التقديم على العامل المتصرف كونه نعتا نحو مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورا سرجها او مصدرا مقدرا بالحرف المصدري نحو سرّني ذهابك غازيا او فعلا مقرونا بلام الابتداء نحو لأعظنك ناصحا او القسم نحو لأقومنّ طائعا او صلة للالف واللام او صلة حرف مصدري نحو انت المصلي فذّا ولك ان تتنفل قاعدا ومن موانع تقديم الحال على عاملها كونه فعلا غير متصرف او جامدا مضمنا معنى الفعل دون حروفه او صفة تشبه الفعل غير المتصرف وهي افعل التفضيل اما

١٣٠

الفعل غير المتصرف فنحو ما احسن زيدا ضاحكا واما الجامد المضمن معنى الفعل دون حروفه فكاسم الاشارة وحرف التمني او التشبيه وكالظرف او حرف الجرّ المضمن استقرارا نحو تلك هند منطلقة وليته مقيما عندنا وكأنك طالعا البدر وزيد عندك قاعدا وخالد في الدار جالسا فمنطلقة حال من هند والعامل فيها ما في تلك من معنى اشير ومقيما حال من الهاء والعامل فيها ما في ليت من معنى اتمنى وطالعا حال من الكاف والعامل فيها ما في كان من معنى اشبه وقاعدا حال من الضمير في الظرف والعامل فيها ما في الظرف من معنى الاستقرار وجالسا حال من الضمير في الجار والعامل فيها ما فيه من معنى الفعل وهكذا جميع ما تضمن معنى الفعل دون حروفه كأما وحرف التنبيه والترجي والاستفهام المقصود به التعظيم نحو يا جارتا ما انت جارة فانه لا يجوز تقديم الحال على شيء منها واجاز الاخفش اذا كان العامل في الحال ظرفا او حرف جرّ مسبوقا باسم ما الحال له توسط الحال صريحة كانت نحو سعيد مستقرّا في هجر او بلفظ الظرف او حرف الجرّ كقولك زيد من الناس في جماعة تريد زيد في جماعة من الناس ولا شك ان مثل هذا قد وجد في كلامهم ولكن لا ينبغي ان يقاس عليه لان الظروف المضمنة استقرارا بمنزلة الحروف في عدم التصرف فكما لا يجوز تقديم الحال على العامل الحرفي كذا لا يجوز تقديمها على العامل الظرفي وما جاء منه مسموعا يحفظ ولا يقاس عليه ومن شواهده قول الشاعر

رهط ابن كوز محقبي أدراعهم

فيهم ورهط ربيعة بن حذار

وقول الآخر

بنا عاذ عوف وهو باديّ ذلة

لديكم فلم يعدم ولاء ولا نصرا

وقول الآخر

ونحن منعنا البحر ان تشربوا به

وقد كان منكم ماؤه بمكان

فاما قراءة من قرأ. (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ). فلا حجة فيها لإمكان جعل السموات عطفا على الضمير في قبضته ومطويات منصوب بها وبيمينه متعلق بمطويات واما افعل التفضيل فانه وان انحط درجة عن اسم الفاعل والصفة المشبهة به فله مزية على العامل الجامد لان فيه ما في الجامد من معنى الفعل ويفوقه بتضمن حروف الفعل ووزنه فجعل موافقا للعامل الجامد في امتناع تقديم الحال عليه اذا لم يتوسط بين حالين نحو هو اكفؤهم ناصرا وجعل موافقا لاسم الفاعل في جواز التقديم عليه اذا توسط حالين

١٣١

نحو زيد مفردا انفع من عمرو معانا ومثله هذا بسرا اطيب منه رطبا وليس هذا على اضمار اذا كان فيما يستقبل او اذ كان فيما مضى كما ذهب اليه السيرافي ومن وافقه لانه خلاف قول سيبويه وفيه تكلف اضمار ستة اشياء من غير حاجة ولأن افعل هنا كأفعل في قوله تعالى. (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ.) في ان القصد بهما تفضيل شيء على نفسه باعتبار متعلقين فكما اتحد هنا المتعلق به كذا يتحد فيما ذكرنا وبعد تسليم الاضمار يلزم اعمال افعل في اذا او اذ فيكون ما وقع فيه شبيها بما فرّ منه والحذاق من النحويين يخالفون السيرافي فيما ذهب اليه قال ابو علي في التذكرة مررت برجل خير ما يكون خير منك خير ما تكون العامل في خير ما يكون خير منك لا مررت بدلالة زيد خير ما يكون خير منك خير ما تكون وصحح ابو الفتح قول ابي علي في ذلك وقال ابن كيسان تقول زيد قائما احسن منه قاعدا والمراد يزيد حسنه في قيامه على حسنه في قعوده فلما وقع التفضيل في شيء على شيء وضع كل واحد منهما في الموضع الذي يدل فيه على الزيادة ولم يجمع بينهما ومثل هذا ان تقول حمل نخلتنا بسرا اطيب منه رطبا

والحال قد يجيء ذا تعدّد

لمفرد فاعلم وغير مفرد

الحال شبيهة بالخبر والنعت فيجوز ان تتعدد وصاحبها مفرد وان تتعدد وصاحبها متعدد فالاول نحو جاء زيد راكبا ضاحكا ومنع ابن عصفور جواز تعدد الحال في هذا النحو قياسا على الظرف وليس بشيء والثاني نحو جاء زيد وعمرو مسرعين ولقيته مصعدا منحدرا قال الله تعالى. (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ.) وقال الشاعر

متى ما تلفني فردين ترجف

روانف اليتيك وتستطارا

وقال الآخر

عهدت سعاد ذات هوى معنّى

فزدت وزاد سلوانا هواها

ذات هوى حال من سعاد ومعنّى حال من الفاعل

وعامل الحال بها قد أكّدا

في نحو لا تعث في الارض مفسدا

وإن تؤكّد جملة فمضمر

عاملها ولفظها يؤخّر

الحال نوعان مؤكدة وغير مؤكدة والمؤكدة على ضربين احدهما ما يؤكد عامله والثاني ما يؤكد مضمون جملة اما ما يؤكد عامله فالغالب فيه ان يكون وصفا موافقا للعامل

١٣٢

معنى لا لفظا نحو قوله تعالى. (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.) وقوله تعالى. (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ.) وقوله تعالى. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً.) وقال لبيد

وتضيء في وجه الظلام منيرة

كجمانة البحريّ سلّ نظامها

وقال الآخر

سلامك ربنا في كل فجر

بريئا ما تغنّثك الذموم

بريئا حال مؤكدة لسلامك ومعناه البراءة مما لا يليق بجلاله وقد يكون المؤكد عامله موافقا له معنى ولفظا كقوله تعالى. (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً.) وقوله تعالى. (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ.) ومنه قول امرأة من العرب

قم قائما قم قائما

صادفت عبدا نائما

وعشرآء رائما وقول الآخر

أصخ مصيخا لمن ابدى نصيحته

والزم توقي خلط الجد باللعب

واما الحال المؤكدة مضمون جملة فما كان وصفا ثابتا مذكورا بعد جملة جامدة الجزئين معرفتيهما لتوكيد بيان يتعين نحو هو زيد معلوما قال الشاعر

انا ابن دارة معروفا بها نسبي

وهل بدارة يا للناس من عار

او فخر نحو انا فلان بطلا شجاعا او تعظيم نحو هو فلان جليلا مهيبا او تحقير نحو هو فلان مأخوذا مقهورا او تصاغر نحو انا عبدك فقيرا اليك او وعيد نحو انا فلان متمكنا منك او معنى غير ذلك كما في نحو هو الحق بيّنا وزيد ابوك عطوفا والعامل في هذه الحال من هذا النوع مضمر بعد الخبر تقديره احقه او اعرفه ان كان المبتدأ غير انا وان كان انا فالتقدير احق او اعرف او اعرفني وقال الزجاج العامل هو الخبر لتأوله بمسمى وقال ابن خروف العامل هو المبتدأ لتضمنه معنى تنبه وكلا القولين ضعيف لاستلزام الاول المجاز والثاني جواز تقديم الحال على الخبر وانه ممتنع فالعامل اذا مضمر كما ذكرنا وهو لازم الاضمار لتنزيل الجملة المذكورة منزلة البدل من اللفظ به كما التزم اضمار عامل الحال في غير ذلك على ما سيأتيك ان شاء الله تعالى

وموضع الحال تجيء جمله

كجاء زيد وهو ناو رحله

وذات بدء بمضارع ثبت

حوت ضميرا ومن الواو خلت

١٣٣

وذات واو بعدها انو مبتدا

له المضارع اجعلنّ مسندا

وجملة الحال سوى ما قدّما

بواو او بمضمر أو بهما

تقع الجملة الخبرية حالا لتضمنها معنى الوصف كما تقع نعتا وخبرا ولا بد في الجملة الحالية من ضمير يربطها بصاحبها او واو تقوم مقام الضمير وقد يجمع فيها بين الامرين كما في جاء زيد وهو ناو رحلة وقد يغني تقدير الضمير عن ذكره كقولهم مررت بالبر قفيز بدرهم والجملة الحالية اما فعلية او اسمية وكلتاهما اما مثبتة او منفية فان كانت فعلية فصدرها اما مضارع او ماض فان كانت مصدرة بفعل مضارع مثبت خال من قد لزم الضمير وترك الواو تقول جاء زيد يضحك وقدم عمرو تقاد الجنائب بين يديه ولا يجوز جاء زيد ويضحك ولا قدم عمرو وتقاد الجنائب بين يديه وان ورد ما يشبهه حمل على ان الفعل خبر مبتدأ محذوف والواو داخلة على جملة اسمية فمن ذلك قول بعضهم قمت وأصكّ عينه حكاه الاصمعي تقديره قمت وانا اصك عينه ومثله قول الشاعر

علّقتها عرضا واقتل قومها

زعما لعمر ابيك ليس بمزعم

وقول الآخر

فلما خشيت اظافيرهم

نجوت وارهنهم مالكا

وان كان المضارع مقرونا بقد لزمته الواو كما في قوله تعالى. (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ.) وان كانت الجملة الحالية غير مصدرة بمضارع مثبت فالغالب جواز مجيئها بالضمير او بالواو او بهما جميعا فان كانت مصدرة بمضارع منفي فالنافي اما لا او لم فان كان لا فالاكثر مجيئها بالضمير وترك الواو كما في قوله تعالى. (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ.)

وقوله تعالى. (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ.) وفي قول الشاعر

ولو أن قوما لارتفاع قبيلة

دخلوا السماء دخلتها لا أحجب

وقد يجيء بالضمير والواو كقول الشاعر

اما توا من دمى وتوعّدوني

وكنت ولا ينهنهني الوعيد

وقول الآخر

اكسبته الورق البيض ابا

ولقد كان ولا يدعى لأب

وان كان النافي لم كثر افراد الضمير والاستغناء عنه بالواو والجمع بينهما فالاول

١٣٤

كقوله تعالى. (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ.) وقول زهير

كأنّ فتات العهن في كل منزل

نزلن به حب الفنا لم يحطّم

والثاني كقوله تعالى. (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ.) وقول عنترة

ولقد خشيت بان اموت ولم تكن

للحرب دائرة على ابني ضمضم

والثالث كقوله تعالى. (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ.) وكقول الشاعر

سقط النصيف ولم ترد اسقاطه

فتناولته واتقتنا باليد

وان كانت مصدرة بفعل ماض فان كان بعد الا او قبل او لزم الضمير وترك الواو كقوله تعالى. (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.) وكقول الشاعر

كن للخليل نصيرا جار او عدلا

ولا تشحّ عليه جاد او بخلا

وان لم يكن بعد الا ولا قبل او فالاكثر اقترانه في الاثبات بالواو وقد مع الضمير ودونه فالاول نحو قوله تعالى. (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ.) والثاني كقولك جاء زيد وقد طلعت الشمس ويقلّ تجريده من الواو وقد كما في نحو قوله تعالى. (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ.) وجاءوا اباهم عشاء يبكون قالوا واقل منه تجريده من قد وحدها كقوله تعالى. (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا.)

واقل من تجريده من قد تجريده من الواو وحدها كقول الشاعر

وقفت بربع الدار قد غيّر البلى

معارفها والساربات الهواطل

وان كانت الجملة الحالية اسمية فان لم تكن مؤكدة فالاكثر مجيئها بالواو مع الضمير ودونه فالاول كقوله تعالى. (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.) وقوله تعالى. (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ.) والثاني كقوله تعالى. (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ.) وقد يستغنى بالضمير عن الواو كقوله تعالى. (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ.) وقول الشنفرى الازدى

وتشرب اسآر القطا الكدر بعد ما

سرت قربا احناؤها تتصلصل

وقول الآخر

ثم راحوا عبق المسك بهم

يلحفون الارض هداب الأزر

وانشد ابو علي في الاغفال

ولو لا جنان الليل ما آب عامر

الى جعفر سرباله لم يمزّق

١٣٥

وان كانت الجملة الاسمية مؤكدة لزم الضمير وترك الواو نحو هو الحق لا شبهة فيه وكقوله تعالى. (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ.)

والحال قد يحذف ما فيها عمل

وبعض ما يحذف ذكره حظل

يحذف عامل الحال جوازا ووجوبا واليه الاشارة بقوله وبعض ما يحذف ذكره حظل اي منع فيحذف عامل الحال جوازا لحضور معناه او تقدم ذكره فحضور معناه نحو قولك للراحل راشدا مهديا وللقادم من الحج مبرورا مأجورا باضمار تذهب ورجعت وتقدم ذكره نحو قولك راكبا لمن قال كيف جئت وبلى مسرعا لمن قال لم تنطلق قال الله تعالى. (بَلى قادِرِينَ.) اي نجمعها قادرين ويحذف عامل الحال وجوبا اذا جرت مثلا كقولهم حظيّين بنات صلفين كنّات باضمار عرفتهم او بيّن بها ازدياد ثمن شيئا فشيئا او غير ذلك كقوله بعته بدرهم فصاعدا اي فذهب الثمن صاعدا وتصدق بدينار فسافلا اي فانحط المتصدق به سافلا او وقعت بدلا من اللفظ بالفعل في توبيخ وغيره فالتوبيخ نحو اقائما وقد قعد الناس وأقاعدا وقد سار الركب ومنه قولك لمن لا يثبت على حال اتميميا مرة وقيسيا اخرى باضمار التحول وقولك لمن يلهو دون اقرانه ألاهيا وقد جدّ قرناؤك باضمار أتثبت وغير التوبيخ كقولك هنيئا مريئا قال سيبويه وإنما نصيته لانه ذكر خير اصابه انسان فقلت هنيئا مريئا كأنك قلت ثبت له هنيئا مريئا او هنأه ذلك هنيئا وقد يحذف وجوبا في غير ما ذكرناه كالمؤكدة مضمون جملة والسادّة مسد الخبر نحو ضربي زيدا قائما

(التمييز)

إسم بمعنى من مبين نكره

ينصب تمييزا بما قد فسّره

كشبر ارضا وقفيز برّا

ومنوين عسلا وتمرا

من الفضلات ما يسمى مميزا وتمييزا ومفسرا وتفسيرا وهو كل اسم نكرة مضمن معنى من لبيان ما قبله من ابهام في اسم مجمل الحقيقة او اجمال في نسبة العامل الى فاعله او مفعوله فالاسم جنس وقولي نكرة مخرج للمشبه بالمفعول به نحو الحسن الوجه ومضمن معنى من مخرج للحال ولبيان ما قبله مخرج لاسم لا للتبرئه ولنحو ذنبا من قوله

استغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد اليه الوجه والعمل

١٣٦

ومعرّف ان من شرط التمييز تقدم عامله عليه وسيأتي ذكر ذلك ان شاء الله تعالى وقولي من ابهام في اسم مجمل الحقيقة او من اجمال في نسبة العامل الى فاعله او مفعوله بيان لان التمييز على نوعين احدهما ما يبين ابهام ما قبله من اسم مجمل الحقيقة وهو ما دل على مقدار او شبهه فالدال على مقدار ما دل على مساحة نحو ما له شبر ارضا وما في السماء قدر راحة سحابا او وزن نحو له منوان عسلا ورطل سمنا او كيل نحو له قفيزان برّا ومكوكان دقيقا او عدد نحو احد عشر كوكبا واربعين ليلة واما الدال على شبه المقدار فنحو قوله تعالى. (مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً.) وذنوب ماء وحب برّا وراقود خلا وخاتم حديدا وباب ساجا ولنا امثالها ابلا وغيرها شاء والنوع الثاني ما يبين اجمالا في نسبة العامل الى فاعله او مفعوله نحو طاب زيد نفسا وقوله تعالى.

(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً.) فان نسبة طاب الى زيد مجملة تحتمل وجوها ونفسا مبيّن لاجمالها ونسبة فجرنا الى الارض مجملة ايضا وعيونا مبين لذلك الاجمال ومثل ذلك تصبب زيد عرقا وتفقأ الكبش شحما وقوله تعالى. (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً). وهم احسن اثاثا. وسرعان ذا اهالة ومثله ايضا ويحه رجلا وحسبك به فارسا ولله دره انسانا لانه في معنى ذي النسبة المجملة فكأنه قيل ضعف رجلا وكفاك فارسا وعظم انسانا واعلم ان تمييز المفرد ان بيّن العدد فهو واجب الجرّ بالاضافة او واجب النصب على التمييز كما سنذكره في بابه وان بين غير العدد فحقه النصب ويجوز جره باضافة المميز اليه الّا ان يكون مضافا الى غيره مما لا يصح حذفه فيقال ما له شبر ارض وله منوا سمن وقفيزا برّ وذنوب ماء ورافود خل وخاتم حديد ويقال في نحو هو احسن الناس رجلا هو احسن رجل لان حذف المضاف اليه غير ممتنع فلو كان المميز مضافا الى ما لا يصح حذفه تعين نصب المميز وذلك نحو ما فيها قدر راحة سحابا وله جمام المكوك دقيقا وكقوله تعالى. (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً.) وقد نبه على هذا بقوله

وبعد ذي ونحوها اجرره إذا

أضفتها كمدّ حنطة غذا

والنّصب بعد ما أضيف وجبا

إن كان مثل مل الارض ذهبا

الاشارة بذي الى ما دلّ على مساحة او كيل او وزن فيفهم من ذلك ان التمييز بسد العدد لا يجيء بالوجهين وقوله والنصب بعد ما اضيف وجبا البيت مبين ان جواز الجرّ مشروط بخلو المميز عن الاضافة اذا كان مما لا بصح فيه حذف المضاف اليه

١٣٧

نحو مل الارض ذهبا فانه لو قيل مكانه ملء ذهب لم يستقم كما ذكرنا

والفاعل المعنى انصبن بأفعلا

مفضّلا كأنت أعلى منزلا

من التمييز المبين للاجمال في النسبة الواقع بعد افعل التفضيل وهو نوعان سببي وما افعل التفضيل بعضه فالسببي هو المعبر عنه بالفاعل المعنى لانه يصلح للفاعلية عند جعل افعل فعلا كقولك في انت اعلى منزلا علا منزلك وهذا النوع يجب نصبه نحو اكثر مالا وخير مقاما واحسن نديّا واما ما افعل التفضيل بعضه فيجب جره بالاضافة الّا ان يكون افعل مضافا الى غيره تقول زيد اكرم رجل وافضل عالم بالجرّ فلو اضفت افعل الى غير المميز قلت زيد اكرم الناس رجلا وافضلهم عالما بالنصب لا غير

وبعد كلّ ما اقتضى تعجّبا

ميّز كأكرم بأبي بكر أبا

يجوز في كل فعل تعجب ان يقع بعده التمييز لبيان اجمال نسيته الى الفاعل او الى المفعول فالاول نحو احسن بزيد رجلا واكرم بأبي بكر ابا والثاني نحو ما احسنه رجلا وما اكرمه ابا ومنه لله دره فارسا وحسبك به كافلا

واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد

والفاعل المعنى كطب نفسا تفد

يجوز في كل ما ينصب على التمييز ان يجرّ بمن ظاهرة الّا تمييز العدد والفاعل في المعنى اما تمييز العدد نحو احد عشر رجلا فلا يجوز الجرّ بمن في شيء منه واما الفاعل في المعنى نحو طاب زيد نفسا وهو حسن وجها فلا يجوز ايضا جره بمن الّا في تعجب او شبهه كقولهم لله دره من فارس وكقول الشاعر

تخيره فلم يعدل سواه

فنعم المرء من رجل تهامي

وما عدا ذينك من المميزات فجائز دخول من عليه كقولك ما في السماء قدر راحة من سحاب وله منوان من سمن وقفيزان من برّ وراقود من خل وملء الاناء من عسل وخاتم من حديد وامثالها من ابل

وعامل التّمييز قدّم مطلقا

والفعل ذو التّصريف نزرا سبقا

مذهب سيبويه رحمه‌الله امتناع تقديم التمييز على عامله مطلقا ولا خلاف في امتناع تقديمه على العامل اذا لم يكن فعلا متصرفا اما اذا كان فعلا متصرفا نحو طاب زيد نفسا فمذهب الكسائي والمازني والمبرد جواز تقديم التمييز عليه قياسا على غيره من

١٣٨

الفضلات المنصوبة بفعل متصرف ولم يجز ذلك سيبويه لان الغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف كونه فاعلا في الاصل وقد حوّل الاسناد عنه الى غيره لقصد المبالغة فلا بغير عما كان يستحقه من وجوب التأخير لما فيه من الاخلال بالاصل وحجتهم انه فعل متصرف والقول ما قاله سيبويه لان الفاعل لا يتقدم على عامله فان قلت فما تقول في التقديم في نحو قول ربيعة بن مقروم

وواردة كأنها عصب القطا

تثير عجاجا بالسنابك اصهبا

رددت بمثل السيد نهد مقلص

كميش اذا عطفاه ماء تحلبا

وقول الآخر

ولست اذا ذرعا اضيق بضارع

ولا يائس عند التعسر من يسر

وقول الآخر

أتهجر ليلى للفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق تطيب

قلت هو مستباح للضرورة كما استبيح لها تقديم التمييز على العامل غير المتصرف فيما ندر من قول الراجز

ونارنا لم ير نارا مثلها

قد علمت ذاك معد كلها

 (حروف الجرّ)

هاك حروف الجرّ وهي من إلى

حتّى خلا حاشا عدا في عن على

مذ منذ ربّ اللّام كي واو وتا

والكاف والبا ولعلّ ومتى

هذه الحروف كلها مستوية في الاختصاص بالاسماء والدخول عليها لمعان في غيرها فاستحقت ان تعمل لان كل ما لازم شيئا وهو خارج عن حقيقته اثر فيه غالبا ولم تعمل الرفع لاستئثار العمدة به ولا النصب لابهام اهمال الحرف فتعين الجرّ ولكل من هذه الحروف سوى ما ذكر في الاستثناء تفصيل يأتي ذكره الّا كي ولعل ومتى وقلّ من يذكرهنّ مع حروف الجرّ لغرابة الجرّ بهنّ فاما كي فتكون حرف جرّ في موضعين احدهما قولهم في الاستفهام عن علة الشيء كيمه بمعنى لمه فكي هنا حرف جرّ دخل على ما فحذفت الفها وزيدت هاء السكت وقفا كما يفعل مع سائر حروف الجرّ الداخلة على ما الاستفهامية والثاني قولهم جئت كي تفعل بمعنى لان تفعل فان المضمرة والفعل بعدها في موضع جرّ بكي كما يكون ذلك اذا قلت لتفعل ويدلك على اضمار ان بعد

١٣٩

كي ظهورها في الضرورة كقوله

فقالت اكل الناس اصبحت مانحا

لسانك كيما ان تغرّ وتخدعا

وندر دخول كي على ما المصدرية في قول الآخر

اذا انت لم تنفع فضرّ فانما

يراد الفتى كيما يضر وينفع

اي ليضر من يستحق الضر وينفع من يستحق النفع واما لعل فتكون حرف جرّ في لغة بني عقيل روى ذلك عنهم ابو زيد وحكى الجرّ بها ايضا الفراء وغيره وروي في لامها الاخيرة الفتح والكسر وأنشد باللغتين قول الشاعر

لعل الله فضلكم علينا

بشىء ان امكم شريم

واما متى فتكون حرف جرّ بمعنى من في لغة هذيل ومنه قول الشاعر

شربن بماء البحر ثم ترفعت

متى لجج خضر لهنّ نئيج

ومن كلامهم اخرجها متى كمّه اي من كمه

بالظّاهر اخصص منذ مذ وحتّى

والكاف والواو وربّ والتّا

من حروف الجرّ ما يجرّ الاسماء الظاهرة والمضمرة كمن والى وعن وعلى وفي والباء ومنها ما يجر الاسماء الظاهرة فقط وهي المذكورة في هذا البيت فاما نحو (وام او عال كها او اقربا) وقولهم ربّه رجلا مررت به فقليل لا عبرة فيه وسننبه عليه ان شاء الله تعالى

واخصص بمذ ومنذ وقتا وبرب

منكّرا والتّاء لله ورب

وما رووا من نحو ربّه فتى

نزر كذا كها ونحوه أتى

مذ ومنذ مختصان باسماء الزمان فان كان ماضيا فهما لابتداء الغاية نحو ما رأيته مذ يوم الجمعة وان كان حاضرا فهما للظرفية نحو ما رأيته مذ يومنا واما رب فحرف تقليل ويستعمل في التكثير تهكما قال الشاعر

رب رفد هرقته ذلك اليو

م واسرى من معشر اقيال

وتختص بالنكرات نحو رب رجل لقيته وقد تدخل في السعة على مضمر كما تدخل الكاف في الضرورة عليه كقول العجاج

خلى الذنابات شمالا كثبا

وامّ او عال كها او اقربا

وقول الآخر يصف حمار وحش وأتنا

١٤٠